سلطان نعمان البركاني
19-01-2007, 07:27 PM
قبس الهوى ومواجع الأشعار
إثر زيارة خاطفة لبني بكاري وجدت نفسي فجأة أقف أمام جبل عظيم ضارب في الأعراق وجذور التاريخ متأملا أستشرف الماضي والحاضر والمستقبل مخترقاً حدود الزمان والمكان أدور مختلف الأطوار والعصور باحثاً عن أرومتي لا أرى غير ذخر يختال في الآفاق يزهو برونقه فيشرق ملء العقول والقلوب والأحداق بقممه العالية المتوجة بالحصون وحلله الزاهية الموشاة بالفنون وجماله الخلاَّق المتدفِّق عذوبة إلى أعماق النفس بسحر يسترق المشاعر والأذواق .
وذخر كدأبه مشرئباً في السماء بإباء وكبرياء باذلاً حنانه ممتشقاً سنانه يذود عن الذِّمار ويدفع الأخطار لا يحده مدى ولا يحول دونه فضاء .
أصالة ظاهرة وحضارة زاهرة وطبيعة ساحرة أضفت عليه الوقار وديمومة الحياة وألهمتني الرؤى فكانت هذه القصيدة وثيقة حب ووفاء ولا أستطيع إيفائه حقه مهما فعلت:
بـِّدد همـوم العمـر بالأسفــار = واكشف رمـوز السـرِّ في الأسفـار
واسكن إلى الإيحاء واستسق الـرؤى = وارو جفاف الرِّوح بالأشعار
واسجع مع اللَّحن الطَّروب تواجـداً = واسبح وأفواج النَّسيم السَّاري
"أبـني بُكـاري"(1) قد أتيتك عاشقـاً = يا مرتع الغزلان والأقمار
تتجاذب القمم السُّفوح أعِنَّتي = وأغيب منتشياً على الأغوار
أهدي لأفياء الجمال قصائدي = وأعيش في أحشائها مُتواري
أشتقُّ من همس الشجـون هواجسـي = وأشيح عن صمت السكون ستـاري
وأسـوح في الأعمـاق أنثر مهجـتي = فيميل نحو الشَّامخات مساري
أعلـو أغـوص الهـاويات أذوب في = عمق الهضاب ولا يقرُّ قراري
حـتى أعــانق كـل وادٍ نظــرة = وأعود محبوراً إلى أوكاري
أغفو وأسلـم للمخـاض قصـائدي = وأشيد للذِّكرى بها تذكاري
في لحظة الإيحاء أقتبس الهوى = وأغيـب عن وعيـي بغـير خيـاري
وتشدُّ روحي روعة أزلية = تبدي الجمال لناظري وتواري
إن لاح عن بعدٍ لعيني طالع = بدر يفوق البدر في الأسحار
ويخرُّ إعجاباً على جنباتها = طرفي أمام جلالة الجبَّار
تلك الرَّواسي الشامخـات تسربلـت = بكرائم الأشجار والأزهار
حاكـت يد الإبـداع أزهـى حلـة = فيها ووشَّت ثوبها بنظار
ترخي رداءً سندسياً أتقنت = تدبيجه كفُّ العزيز الباري
تزهو به فوق السهول تجرُّه = عُجباً تتيه عزيزة المقدار
وعلى ذوائبها الوقار سحائباً = فكأنَّما قد قنِّعت بخمار
عذراء ما نال الزَّمان بكارة = منها ولا ارتاعت من الأخطار
فأجل لحـاظك في مناقـب حسنهـا = وأجل صنوف الهمِّ والأكدار
"ذخر"(1) منحت الحب أرضك طائعـاً = يا موطن الأمجاد والأخيار
يا قلعة الأحرار عزُّك عُدَّتي = وذخيرتي عند الفخار فخاري
حمَّلت أشرعة الزمان هواجسي = حيث الشجـون تسير سار قطـاري
وبذرت في رحـم الحـروف تولُّهـي = وأرقت فيك مواجع الأشعار
وأتيت أحمل في الحنايا لوعة = حرَّى وقلباً مفعماً بالنار
إذ جئت لا أرجو سوى حـب اللقـا = أملاً على الإخفاء والإظهار
أجري إليك تشوُّقاً وأود أن = ألقاك بالإجلال والإكبار
حتى وقفـت أمـام "شَنَّـة"(1) أستقي = من وحيهـا مـا غـاب من آثـاري
أستقرأ التاريخ في عرصاتها = وشموخها وأتيه في الأطوار
أتصدَّر الزمن البعيد تطلعاً = لمعاقل الأمجاد في الأقطار
أرد المعالم صادياً فتصدٌّني = عنها ندور مصادر الأخبار
أحصي القرون حوادثاً وأعدُّها = حقباً خلت فأضيـع في الأصفـار
وأعود منفرداً وروحي نحلة = تجني بقايا الشهد في الأزهار
عذراً أخا وجعـي فلسـت بشـاعرٍ = حتى تدوِّي في الفضا أشعاري
لكنني أجبرت أن أسعى إلى = تلك المكانة عنوة وشعاري
أني بها مازلت طفلاً حالماً = ما طار يومـاً في السمـاء غبـاري
عارٍ عن الأطماع لا أجري ورا = عرضٍ ولا وطرٍ من الأوطار
ما جئت إلاَّ أستحثُّ ركائباً = متحلِّياً بالحب والإيثار
أرقى إلى المجد المؤثَّل طامحاً = متطلِّعاً أجري مع التيَّار
أعلو وتنحدر السهول سفينتي = عبر المروج الخضر والأشجار
وأقرُّ بالتقصير حين أجوبها = سراً .. أتابع سيرها مشواري
عطشان أشـرب من رذاذ غمـائمي = عذبا وأسقـي العاشقـين عُقـاري
وإذا استبدَّ بي النَّديم يشدُّني = من بات يملـك في الحيـاة قـراري
فأبثُّ أشجاني الرياح تسوقها = قبلي وأودع في الربى أسراري
سأعود يا بلدي إليك معاوداً = سيري بمحض إرادتي وخياري
إن كنت جئتك دون سـابق موعـد = منِّي مباغتة .. بلا إشعار
فالحق أنِّي لم أكن متوقِّعاً = هذا اللقاء ولم تكن أسفاري
إلا زيـارة عـــابرٍ متجــوِّلٍ = عَجلٍ كبرقٍ أو كطيفٍ ساري
ورجعت من و همي وهمي مفرغـاً = متمنطقاً درعاً من الأخطار
إثر زيارة خاطفة لبني بكاري وجدت نفسي فجأة أقف أمام جبل عظيم ضارب في الأعراق وجذور التاريخ متأملا أستشرف الماضي والحاضر والمستقبل مخترقاً حدود الزمان والمكان أدور مختلف الأطوار والعصور باحثاً عن أرومتي لا أرى غير ذخر يختال في الآفاق يزهو برونقه فيشرق ملء العقول والقلوب والأحداق بقممه العالية المتوجة بالحصون وحلله الزاهية الموشاة بالفنون وجماله الخلاَّق المتدفِّق عذوبة إلى أعماق النفس بسحر يسترق المشاعر والأذواق .
وذخر كدأبه مشرئباً في السماء بإباء وكبرياء باذلاً حنانه ممتشقاً سنانه يذود عن الذِّمار ويدفع الأخطار لا يحده مدى ولا يحول دونه فضاء .
أصالة ظاهرة وحضارة زاهرة وطبيعة ساحرة أضفت عليه الوقار وديمومة الحياة وألهمتني الرؤى فكانت هذه القصيدة وثيقة حب ووفاء ولا أستطيع إيفائه حقه مهما فعلت:
بـِّدد همـوم العمـر بالأسفــار = واكشف رمـوز السـرِّ في الأسفـار
واسكن إلى الإيحاء واستسق الـرؤى = وارو جفاف الرِّوح بالأشعار
واسجع مع اللَّحن الطَّروب تواجـداً = واسبح وأفواج النَّسيم السَّاري
"أبـني بُكـاري"(1) قد أتيتك عاشقـاً = يا مرتع الغزلان والأقمار
تتجاذب القمم السُّفوح أعِنَّتي = وأغيب منتشياً على الأغوار
أهدي لأفياء الجمال قصائدي = وأعيش في أحشائها مُتواري
أشتقُّ من همس الشجـون هواجسـي = وأشيح عن صمت السكون ستـاري
وأسـوح في الأعمـاق أنثر مهجـتي = فيميل نحو الشَّامخات مساري
أعلـو أغـوص الهـاويات أذوب في = عمق الهضاب ولا يقرُّ قراري
حـتى أعــانق كـل وادٍ نظــرة = وأعود محبوراً إلى أوكاري
أغفو وأسلـم للمخـاض قصـائدي = وأشيد للذِّكرى بها تذكاري
في لحظة الإيحاء أقتبس الهوى = وأغيـب عن وعيـي بغـير خيـاري
وتشدُّ روحي روعة أزلية = تبدي الجمال لناظري وتواري
إن لاح عن بعدٍ لعيني طالع = بدر يفوق البدر في الأسحار
ويخرُّ إعجاباً على جنباتها = طرفي أمام جلالة الجبَّار
تلك الرَّواسي الشامخـات تسربلـت = بكرائم الأشجار والأزهار
حاكـت يد الإبـداع أزهـى حلـة = فيها ووشَّت ثوبها بنظار
ترخي رداءً سندسياً أتقنت = تدبيجه كفُّ العزيز الباري
تزهو به فوق السهول تجرُّه = عُجباً تتيه عزيزة المقدار
وعلى ذوائبها الوقار سحائباً = فكأنَّما قد قنِّعت بخمار
عذراء ما نال الزَّمان بكارة = منها ولا ارتاعت من الأخطار
فأجل لحـاظك في مناقـب حسنهـا = وأجل صنوف الهمِّ والأكدار
"ذخر"(1) منحت الحب أرضك طائعـاً = يا موطن الأمجاد والأخيار
يا قلعة الأحرار عزُّك عُدَّتي = وذخيرتي عند الفخار فخاري
حمَّلت أشرعة الزمان هواجسي = حيث الشجـون تسير سار قطـاري
وبذرت في رحـم الحـروف تولُّهـي = وأرقت فيك مواجع الأشعار
وأتيت أحمل في الحنايا لوعة = حرَّى وقلباً مفعماً بالنار
إذ جئت لا أرجو سوى حـب اللقـا = أملاً على الإخفاء والإظهار
أجري إليك تشوُّقاً وأود أن = ألقاك بالإجلال والإكبار
حتى وقفـت أمـام "شَنَّـة"(1) أستقي = من وحيهـا مـا غـاب من آثـاري
أستقرأ التاريخ في عرصاتها = وشموخها وأتيه في الأطوار
أتصدَّر الزمن البعيد تطلعاً = لمعاقل الأمجاد في الأقطار
أرد المعالم صادياً فتصدٌّني = عنها ندور مصادر الأخبار
أحصي القرون حوادثاً وأعدُّها = حقباً خلت فأضيـع في الأصفـار
وأعود منفرداً وروحي نحلة = تجني بقايا الشهد في الأزهار
عذراً أخا وجعـي فلسـت بشـاعرٍ = حتى تدوِّي في الفضا أشعاري
لكنني أجبرت أن أسعى إلى = تلك المكانة عنوة وشعاري
أني بها مازلت طفلاً حالماً = ما طار يومـاً في السمـاء غبـاري
عارٍ عن الأطماع لا أجري ورا = عرضٍ ولا وطرٍ من الأوطار
ما جئت إلاَّ أستحثُّ ركائباً = متحلِّياً بالحب والإيثار
أرقى إلى المجد المؤثَّل طامحاً = متطلِّعاً أجري مع التيَّار
أعلو وتنحدر السهول سفينتي = عبر المروج الخضر والأشجار
وأقرُّ بالتقصير حين أجوبها = سراً .. أتابع سيرها مشواري
عطشان أشـرب من رذاذ غمـائمي = عذبا وأسقـي العاشقـين عُقـاري
وإذا استبدَّ بي النَّديم يشدُّني = من بات يملـك في الحيـاة قـراري
فأبثُّ أشجاني الرياح تسوقها = قبلي وأودع في الربى أسراري
سأعود يا بلدي إليك معاوداً = سيري بمحض إرادتي وخياري
إن كنت جئتك دون سـابق موعـد = منِّي مباغتة .. بلا إشعار
فالحق أنِّي لم أكن متوقِّعاً = هذا اللقاء ولم تكن أسفاري
إلا زيـارة عـــابرٍ متجــوِّلٍ = عَجلٍ كبرقٍ أو كطيفٍ ساري
ورجعت من و همي وهمي مفرغـاً = متمنطقاً درعاً من الأخطار