المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وداع تحت المطر



خالد ساحلي
21-01-2007, 05:14 PM
ا
لمطر يتساقط على المدينة الناس يهرعون، يمر هو على الشارع المحاذي يرفع رأسه عاليا ترتعش يداه من البرد كما يرتعش قلبه للأعين التي تراقبه من و راء النافذة ، في الطابق الخامس للعمارة الفرنسية القديمة أحس بالستائر تتحرك من وراء الزجاج يلمحه المارة حين يخفف خطى السير في اليوم الماطر هو لا يملك مطّرية ، يرميه الناس بإشارات الرؤوس المتحركة للأعلى و للأسفل ، بالعيون الغمازة يطردونه من حيّهم بمعاني كلمات الجاهلية ، يعرفونه و يعرفون ضياع وقته في كتابة مالا ينفع ، على القصاصات الورقية و على ظهر لفائف السجائر ، يناديه الجميع "بالقطيم"1 يعرفون أنه ترك هنا بعضه ، زرع عمره بين الشوارع
و أزقتها الحمقاء القديمة رواحا و مجيئا علـّه يهتدي لمهجته المفقودة، يتعقب بنظره الطائر إلى النافذة سلوان و قطعة من ألم، لظى شوق محرق،
كان بقلبه الصغير تكبر بدرة هو لا شك بدر في ليالي الزمن الحالك ، كبرت بدرة و كبر الوجع ، ترك في اليوم الماطر بصمات على الجدران بنظراته ، على النافذة رمى شوقه الأبدي هناك ، انتكاسة نفس و حكم قدر ، الراحل عن المدينة التي ألفت الشوارع مروره و ابتهجت لوقع أقدامه ، ما ذنب أن تموت البذرة في قلب صاحبها ؟ في اليوم الماطر ... كان القلب ماطرا بأسى كبير ، منتحب الداخل ، ذاك المطأطئ رأسه يمضي مثقل الخطوات ، استدار وجد الستائر تتحرك، شاهد من بعيد شبح امرأة تلّوح بمنديل أخضر ، يذكر المنديل الربيعي المطرّز ، كانت من خلال نافذتها تعلن الوداع.

هامش:
القطيم = كلمة محرّفة تعني كتيم نسبة لقبيلة كتامة البربرية ، كانت تقال لتفريق العربي عن البربري، أصبحت تعني فيما بعد الغبي.

جوتيار تمر
21-01-2007, 09:38 PM
الساحلي...
ان تجربة الانسان الواع الذاتية في الحياة، ليست تجربة هوائية او مؤقتة بل هي تجربة قررتها المواقف الحياتية والادراكات الثقافية والتراكمات النفسية، ولهذا فان كل صورة كان حضور ذاتي للمرء يمثل اطلالة الوعي، والمواقف،وهذه الاطلالة احيانا تبدو عذبة لاتثقل لانها لاتحب ولاتعدو ولاتكبو بل هي تتحرك برقة شبه رومانسية وايقاع رقيق..ممزوج بوحع داخلي مع امل قد ينبثق من آت.
محبتي وتقديري
جوتيار

سحر الليالي
28-01-2007, 12:51 AM
جميل ما قرأته هنا

أخي خالد الساحلي

أهلا بك بيننا أخا ومبدعا

تقبل خالص ترحيبي وتقديري وباقة ورد

سعيد أبو نعسة
28-01-2007, 12:43 PM
أخي العزيز خالد
لقطة جميلة تذكرنا بأيام المراهقة يوم كنت أحمل الشنط المدرسية لرفيقاتي في الصفّ عربون حركشة و لفت نظر و لكنني لم أفز من وراء ذلك إلا بآلام الديسك في فقرات ظهري

د. محمد حسن السمان
30-01-2007, 04:37 PM
سلام الـلـه عليكم
الأخ الفاضل القاص خالد ساحلي

قدمت لنا لوحة من القص الجميل , نص مترع بالفنيات , والخلجات الوجدانية , وحرفية
التصوير , وربط مكثّف لمسرحي الزمان والمكان ثم جاءت النهاية لتكمل اللوحة , بشكل
ناجح .
تقبل احترامي وتقديري