تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : سورين كيركجارد



سحر الليالي
28-01-2007, 12:44 AM
سورين كيركجارد :

حياته :
ولد سورين كيركجارد في الخامس من أيار 1813 في كوبنهاكن في الدنيمارك. وكان آخر أبناء والدين تقدمت بهما السن، فقد كان أبوه في السادسة والخمسين من العمر، وأمه في الرابعة والأربعين، عندما ابصر النور. وقد كان الفيلسوف في شبابه شديد التأثر بأبيه، وكان أبوه شخصية غنية ومضطربة معاً. وكان أبوه يدعى مايكل بدرسن كيركجارد وقد عمل في بداية حياته راعياً صغيراً في كوتلاند وكان غاضباً ومتمرداً على قسوة الحياة عليه، وأنعكس ذلك بثورة عصيان على الله في مشهد جدير بأسفار العهد القديم. وبعد أن لعن الله ذهب ينشد الثروة في العاصمة وقد أصاب بعض النجاح من جراء عمله بالبقالة. وحين بلغ الأربعين أعتزل العمل، وتفرغ بقية حياته طلباً للثقافة العامة. وقد أنتابه شعور بتأنيب الضمير، بسبب لعنته وتمرده على الله. وبعدما تزوج من خادمته بعد وفاة زوجته الأولى. قد زاده شغفاً بطلب الحقيقة الدينية.

وكان أبنه سورين يرجح صحبة أبيه الذي كان يكشف له عن مسيحية مليئة بالقلق على الحياة مع أمه وأخوته. وكان أبوه يلاعبه بما يهيج خياله بإسراف. لقد كان طالباً متحرراً جداً وذا مال كاف، عاش بين 1830 – 1838 حياة سطحية مضطربة. لقد كان شغوفاً بالمسرح وقرأ لكثير من الشعراء. ولكنه تأثر بالإبداع الفلسفي لدى فخته وشيلنج وخصوصاً هيجل.

لقد أحب فتاة وخطبها تدعى ريجينا أولسن ابنة مستشار المحكمة. لكنه سرعان ما تخلى عنها وفسخ خطوبته، عندما وجدها عائقاً في طريق رسالته التي كان يقول أنه يحملها. وأن هي تركت أثراً كبيراً في نفسه وفلسفته، ونجد صورة ريجينا تسود كل مؤلفاته. وقد ألف العديد من الكتب، التي ساد فيها الجانب الوجداني والذاتي، في رؤيته ومعالجته للحياة. وفي آخر حياته وقع فريسة للمرض نقل على أثرها إلى المستشفى، وقد مات بعد شهر من العذاب وكان في11 تشرين الثاني1855.



منابع الوجودية الكيركجاردية :

من المؤكد إن مؤثرات كثيرة خارجية وعارضة قد أثرت على فكر كيركجارد. أن فكرة تشكّل بتمّثل عناصر غريبة عنه أقل مما تشكّل بالغوص المستمر الدائب في أعماق شخصيته الخاصة وبالتنبه الذي لم يزل يزداد اتساعاً وإلحاحاً. لا بأحوال الوجود بوجه عام لأحوال وجوده الخاص. كان هناك رد فعل من جانب مزاجه، وفرديته كما تحققت في ذاتها إزاء المؤثرات التي كان ينؤ بها فكره، بل إن فلسفته هي ذاته تماماً، ذاته على نحو ما إرادي يجري على نسق. لدرجة أنه يجعل من الفرد كفرد ومن الإدراك الواعي لهذا الوجود الفردي، الشرط المطلق، للفلسفة بل الفلسفة في جملتها.

لقد كان كيركجارد يردد منذ بداية حياته الفكرية حتى نهايتها، بما يكتب في يومياته قائلاً : إن مسألة المسائل هي ( أن أجد حقيقة… حقيقة… ولكن بالنسبة إلي، أن أجد الفكرة التي من أجلها أريد أن أحيا وأموت ). ولم يكن كيركجارد يستطيع أن يتصور حقيقة تظل خارجة عنه، حقيقة لا تكون إلا مشاهدة لروحه. ( الحقيقة هي ذات الحياة التي تعبر عنها : هي الحياة في حالة الفعل ). بهذا المعنى نستطيع، أن ندرك قيمة النصوص العديدة التي يعلن فيها كيركجارد أن مؤلفاته كلها ليست سوى تعبير عن حياته الخاصة. وهو يقول ( أن مؤلفاتي كلها تدور حول نفسي… حول نفسي وحدها ولا شئ سواها. ويضيف قائلاً : ( إن إنتاجي كله ليس سوى تربيتي لنفسي ).
ويقول كيركجارد أيضاً ( أنا أفكر، أذن فأنا غير موجود وذلك في مقابل النزعة العقلية الديكارتية. فالحقيقة هي الوجود نفسه، في واقعية الفريد الذي لا سبيل إلى التعبير عنه أو التنبه للوجود حين يتحد الوعي بالوجود نفسه. والجهد الذي يبذله الآخرون لنسيان أنفسهم، يبذلونه هم لمعرفة ذواتهم معتقدين أنهم بمعرفتهم أنفسهم معرفة لا تزال تزداد عمقاً. سيعرفون كل ما يبقى بعد ذلك عن معنى الإنسان والعالم والله على السواء). وعند كيركجارد أن شغله الشاغل هو الإنصات إلى همسات أفكاره، وملابسات إيقاع حياته الباطنية. وفي رسالة بعث بها إلى بيترلند يصف ميزة هجر أصدقائه له بعض الشيء حيث يقول: ( أن صمتهم ملائم لمصلحتي، من حيث أنه يساعدني أن أسدد نظري إلى نفسي، ويحفزني إلى إدراك ذاتي… تلك الذات التي هي لي، وأن أحافظ على ثباتي وسط تغير الحياة بنظرة فيها الحياة خارج ذاتي… ويضيف قائلاً: أن هذا الصمت يعجبني، إذ أرى نفسي قادراً على بذل هذا الجهد، واشعر بأنني كفأ للإمساك بتلك المرأة، أياً كان ما تطلعني عليه، سواء أنه مثلي الأعلى أم صورتي الهزلية).

ويرى أن الفلسفة تتلخص في إدراك المطالب الحتمية التي يقتضيها الموجود الصحيح لا الزائفة إدراكاً بواسطة الغوص في أعماق وجوده الخاص. وهكذا تصبح الذاتية معيار الموضوعية.


مراحل الوجود :

1- المرحلة الجمالية :

يتسم الواقع الإنساني ويقصد به أن تكون حياة الإنسان خاضعة للّذة والشهوة والتمتع بكل ما هو حسي. وهذا المستوى من مستويات الحياة الجمالية وبإرضاء الجوانب الحسية، ومثاله صفات السيبياد بطل المتعة الفورية، والرغبة التي تمنح دون جوان قوة هواه ومبدأ إغرائه، من الطاعة الشهوية. ينبغي لدى كل امرأة هو الأنوثة الكاملة. ونجاحه يرجع لهذا الإضفاء المثالي الذي يسقطه على ضحيته. لكن يأخذ المستوى الجمالي بالتآكل تدريجياً حيث تكون الرغبة بوصفها مطلقاً متوحشاً، وخواء المتأنق على الصعيد العاطفي، ودافع العناء الغرامي. وينتهي بالباحث إلى أن يتساءل في نهاية التحليل أليس أسعد هؤلاء الأفراد المشغوفين بطلب اللذة الذي يعتبر أشقاهم: إنه المعتزل الذي لم يعش حقاً، اقتصرت حياته على إسقاط هذه الإمكانات المختلفة.

2- المرحلة الأخلاقية :

ويقصد به أن تكون حياة الإنسان مستهدفة لتحقيق الخير وقواعد الأخلاق، وأن يكون قادراً على اتخاذ القرار، وعلى أن يختار أما هذا أو ذلك، بعد أن يكون قد تحرر من عبودية الجسد والمادة التي تميز الحياة في المرحلة الجمالية.

لأن الحب الأول المتفتح في الزواج هو حقيقة الإنسان السوي الأخلاقية، إنه تركيب الحرية والضرورة: إن أحد العاشقين يشعر بأنه منجذب للآخر بقوة قاهرة، ولكنه بوجه الدقة يمنح وعي حريته من هذه الحال أن هذا الحب تركيب العام والخاص، وهو يحتويهما كليهما حتى تخوم الصدفة. وبهذا الاعتبار فأن الحب الأول حب دقيق وأكثر سلامة وأوفر حظاً بأن يكون أول حب صحيح. الحب الأول ينطوي إذن على ثقة مباشرة. ولكن الأفراد الذين يشعران به يلقيان فوق ذلك نمواً دينياً. عندما يحمل حب بائس الأفراد على اللجوء إلى الله وعلى طلب الطمأنينة في الزواج. إن الحب الأول هو حب يشوه طبيعته، ومن البين إن العاشقين قد ألفا ترك كل شيء لله. إن الحب الأول يعوزه المثل الأعلى الثاني، المثل الأعلى التاريخي: أنه لا يتضمن قانون الحركة إذا كان الإيمان بالحياة الشخصية أن يكون إيماناً مباشراً، فأن الإيمان الذي يقابل الحب الأول قد يحسب، من جراء الوعد، بأنه قادر على رفع الجبال، وتحقيق المعجزات. أن الحب الزوجي يملك هذه الحركة لأن عزمه يتجه شطر الداخل. ويدع في المجال الديني، يريد بعزمه التعاون مع الله. وأن يناضل من أجل ذاته، ,إن يغزو ذاته بذاته مع زمان الصبر.

3- المرحلة الدينية :

هو الذي نخاطر فيه بالقفز في المجهول، والذي يقضي على اليأس والقلق الذي يكون فينا بفضل الإيمان بالله. ( إن المرحلتين الحسي والأخلاقي يقودان الإنسان المشخص إلى الحقيقة المتعالية المتسامية عن الطبيعة أي إلى الله الذي نتعلق به خلال المرحلة الدينية).

إن أعمق واقع ليس الذاتية الزائفة للنزوات الجمالية، ولا الموضوعية الزائفة للتأمل الهيجلي، بل الذاتية المأساوية للمستوى الديني. لقد تعذر البرهان نظرياً على وجود الله. أليس مسعى البرهان على وجود نابليون بالانطلاق من أعمال. لكن أعمال لا نستطيع البرهان على وجوده، اللهم إلا إذا طرحنا وجوده في ضمير الغائب الذي يعود عليه. فليس بين نابليون وبين أفعال علاقة مطلقة تتيح القول بأن أي فرد آخر لم يكن في وسعه أن ينهض بتلك الأعمال: إذا نسيت هذه الأفعال لنابليون يكون البرهان ناقلاً مادمت أسميته. ولكنني إذا كنت أجهل فاعلها فكيف أبرهن أن فاعلها نابليون ؟ وكل ما أستطيع أن أؤكده أن مثل هذه الأفعال لابد إنها من صنع قائد عظيم. وبالمقابل توجد بين الله وبين أفعاله علاقة مطلقة، لأن الله ليس اسماً، بل مفهوم. ومن هذا تتضمن ذاته وجوده.

ومن الضروري البرهان على إله شخصي عن طريق الإيمان. وليس الدين، كذلك عاطفة، بل هو تعبير صحيح عن المرضي الجمالي: وأن احترام هدف مطلق يتجلى فيه، بتحول الوجود تحولاً تاماً. ولكن هذا التحول الذي يتناول الوجود بالمرضي الديني إنما هو تحول داخلي كله. الخطيئة نظام واقع ينظم من تلقاء ذاته. واليأس الفضيحة وجدل الإيمان، إنه جدل الخلاص الحقيقي هو الألم أمام الله.

جوتيار تمر
28-01-2007, 06:21 PM
سورين كيركجودر الذي يعد ابو الوجودية بلا منازع،حياته كلها معاناة حقيقية لفكره،كان يشبه بيعقوب،تعذب عذابه،وقلق قله، ومات مصلوبا على آماله، ولايخفى على احد كان من من يريد معالجة حياة هذا الفيلسوف انه استند في فكره على الاساس المسيحي الذي تقوم عليه فلسفته، وقد يجد المسلم اصولا دينية مسيحية كثيرة في فكره وفلسفته مما لايجده في الفكر الاسلامي ولا حتى الفلسفة الاسلامية.
والطريف في سيرة هذا الفيلسوف انه ولد من اب كان يرعى الغنم من صغره وكان فقيرا جدا.. وان ذات يوم بعد ان بلغ منه اليأس والعوز والغضب ثار واعتلى صخرة واخذ لوح ويطوح بعصاه تجاه السماء ساخطا لاعنا على الهه الذي لايرأف بحال صبي صغير مثله.
له كيركجارد اقوال تحسب له لا عليه..مثلا : الايمان هو الفناء في الله، واليأس هو نهاية الايمان،وهو الدوار الذي يصيب راكب البحر وقد خلا قلبه من كل ايمان..... بالايمان يشفى اليأس من الدوار،لكنه لايشفى من الخطيئة....ليس لنا الا الايمان،بالايمان وحده نستمر، والمؤمن يج دالراحة ويحس السلام وجينئذ يتفجر في قلبه كل الحب.......وووالخ.


محبتي
جوتيار

سحر الليالي
28-01-2007, 06:26 PM
من كتابات "كيركجارد"

"أنا أغز الوجود بإصبعي فلا تفوح منه سوى رائحة العدم !"
سورين كيركجارد - من كتاب: "التكرار"

"يمكن للإنسان أن يفقد ذاته في التأمل الخيالي (الحياة الحسية) لكن ذلك لا يحدث ضجة كبيرة .. إذ الغريب أن ضياع الذات ليس من بين الأشياء التي تثير ضجة كبيرة ! فالذات هي الشيء الذي لا يعيره الناس أدنى اهتمام. مع أنهم ينتبهون، بغير شك إذا ما فقد المرء ساقه، أو ذراعه، أو زوجته أو خمسة دولارات .. أما إذا فقد ذاته فتلك مسألة تمر في غاية الهدوء."

"قد يهرب الناس من هذه الحقيقة، كما هي الحال عندما يفترض المرء أنه سعيد (مع أنه في الحقيقة بائس) – ولا يريد أن يبعده أحد عن هذا الوهم (يظهره على الحقيقة) ما السبب ..؟ السبب أن الطبيعة الحسية طاغية ومسيطرة عليه تماماً، وهو حين يقع تحت وطأة المقولات الحسية (مقبولة أو مرذولة) يقول للحقيقة: وداعاً ..! السبب أنه حسي أكثر مما يجب ومن ثم ليست لديه الشجاعة ليصبح روحاً ويتحمل مسئوليته كروح .. ليس لديه أدنى فكرة عن أنه روح."
"في العالم المسيحي كذلك رجل مسيحي يذهب إلى الكنيسة كل يوم أحد يسمع القسيس ويفهم ما يقول .. نعم يفهم كل منهما الآخر – ويموت فيقدمه القسيس إلى العالم الآخر، إلى الأبدية لقاء عشرة دولارات (أجر الجنازة) .. لكنه يموت بلا ذات، فلا ذات له، فهو لم يصبح ذاتاً قط .."
من كتاب: "المرض حتى الموت"

"فماذا عندما يمتلئ فم الإنسان بالطعام حتى أنه لا يعود قادراً على تناول وجباته (أن يمتلئ بالمعرفة دون أن توجه هذه المعرفة نحو معرفة الذات) وبالتالي يصبح عرضة لأن يموت جوعاً لو تـُرِك على هذا النحو، أيكون علاجه أن نحشو فمه بمزيد من الطعام؟ أم أن الأقرب إلى الصواب أن نستخرج بعضه حتى يستطيع أن يتناول وجباته من جديد؟!"
من كتاب: "حاشية ختامية غير علمية"

"بعد أن يحقق المرء المبدأ اليوناني (السقراطي) "اعرف نفسك" عليه أن يستمر في التقدم "ليختار نفسه". ولهذا فضلت عن عمد أن استخدم تعبير "أن يختار المرء نفسه" بدلاً من أن "يعرف نفسه". فإن معرفة المرء لنفسه ليست هي النهاية، بل على العكس، هذه المعرفة لها ثمارها فمنها يبدأ ظهور الفرد الحقيقي. ولو أردت أن أكون حاذقاً في هذه النقطة لقلت أن الفرد يعرف نفسه بتلك الطريقة التي "عرف" بها أدم حواء بالمعنى الذي يعطيه العهد القديم لهذه الكلمة، فالفرد يتصل بذاته ويعاشرها ويخصبها فيهب لنفسه الميلاد.
عندما يكون الإنسان منغمساً في ذاته أثناء عملية الاختيار هذه، مهتماً بها، نافذاً نفاذاً كلياً في أعماق ذاته بحيث يكون منتبهاً في كل حركة إلى وعيه بالمسئولية عن ذاته – عندئذ فقط يختار ذاته أخلاقياً (يصير ذاتاً أخلاقية)، عندئذ فقط يندم على ذاته (يتوب عنها)، عندئذ فقط يكون عينياً (حقيقياً) ويكون في عزلته الشاملة في اتصال مطلق مع الواقع الذي ينتمي إليه (السقوط وتأثيراته). ولن أمل من تكرار القضية البسيطة التي تقول أن اختيار المرء لذاته يعني أن يندم عليها (يتوب عنها)، إذ يدور حول هذه القضية كل شئ آخر.
عندما يبلغ المرء مرحلة الوضوح حول ذاته. وعندما تكون لديه الشجاعة في أن يرى نفسه (يعرفها)، فإن ذلك لا يعني أن التاريخ يكون قد انتهى بل يكون قد بدأ الآن، فالآن يكتسب لأول مرة مغزى حقيقياً، إذ تؤدي كل لحظة جزئية يعبرها الفرد إلى هذه النظرة الشاملة.
من كتاب: "إما .. أو" (الجزء الثاني)

غير أن الذات الأخلاقية ليست هي الذات الإنسانية الحقة، فعلينا أن نواصل السير بغض النظر عما نشعر به من إعياء ودوار ! فهناك مرحلة أعلى هي المرحلة الدينية التي تنقسم إلى التدين (أ) والتدين (ب) – أما الأول فهو يمثل بداية ظهور الذات المتدينة حيث يعي الإنسان أن هناك اختلافاً مطلقاً بين الله والعالم ويعترف بالاعتماد الانطولوجي (الوجودي) للذات على الله عن طريق الإيمان بأن الله هو الخالق، وأن الإنسان هو المخلوق.
لكن ذلك كله ليس سوى تمهيدات للوصول إلى التدين (ب)، أعني إلى الغبطة الأزلية: للمثول بين يدي الله، فلا تكون الذات ذاتاً أصيلة إلا إذا ارتبطت بالله.
من كتابي: "خوف ورعدة"، و"حاشية ختامية غير علمية"

"حينئذ، أنا أعود ذاتي مرة أخرى. تلك الذات التي لن يستطيع أحد أن يلتقطها من الطريق، أنا أمتلكها من جديد، ويُعالج الشرخ الذي أقيم في طبيعتي، وأعود متحداً من جديد ولن تجد ضروب الرعب التي دعمها كبريائي وغذاها مجالاً تنفذ منه لتبدد وتفرق."
من كتاب: "التكرار"

جوتيار تمر
29-01-2007, 05:32 PM
مقتطفات اكثر من رائعة ...وهي تستحق ان يقراها المرء مرات ومرات...
سحر لي عودة

محبتي لك
جوتيار

د. محمد حسن السمان
29-01-2007, 06:43 PM
سلام الـلـه عليكم
الأخت الفاضلة الأديبة المفكرة سحر الليالي

اشكرك على هذه الجهود العالية , فقد تابعت الموضوع , وقرأته اكثر من مرة , وأسجّل لك
هذه المقدرة العالية , على التقديم المتميّز والترتيب العالي , وقد وفرّتي علي الذهاب الى
الكتب للقراءة , فقمت بعملية انتقائية موفقة , بتعريفنا بالفيلسوف " سورين كيركجارد " .
تقبلي احترامي وتقديري

أخوكم
السمان

سحر الليالي
29-01-2007, 11:37 PM
أخي القدير جو تيار:

لكم أسعد بك وبكداخلاتك القيمة ،والتي ما أن أقرأها حتى أشعر بإني زدت معرفة وفهما

شكرا العميق لك
وبإنتظار قدومك دوما

لك خالص تقديري وألف باقة ورد وفل

جوتيار تمر
31-01-2007, 10:40 AM
همسة كيركجاردية:ان المرء لايولد مسيحيا،بل يصبح مسيحيا،بل انه يصبح مسيحيا بسهولة اكبر اذا لم يكن معتنقا للمسيحية منذ البداية، بيد ان المرء ريصبح مسيحيا بصورة تامة ابدا، اذ ان ذلك تحديد عال الى اقصى حدود العلو بالنسبة للانسان.
وكأني به هنا على الاغلب يقول بانني لست مسيحيا، اقصد كأنه يقول يقول بانه ليس بجدير بان يدعي المسيحية..وبهذا يكون فكرتي الارادة والهوى بل حتى الصيرورة ايضا قد تطورت لديه بتماسها مع المسيحية،كذلك فكرة الخطر، وذلك ما يخاطر به وما يعرف ان يخاطر به في المسيحية، ان ما يضعه في موضع الخطر هي سعادته الابدية،وهو بذلك يجعل من الامر امر معرفة ما اذا كانت حياته في العالم العلوي ستوكن سعادة او شقاء مقيم ابدا.
ان تفكير الفرد سيكون انفراقيا بصورة جوهرية اذا ان الفرد في اللحظة التي يبلغ فيها الى الدين انما يبلغ الى عمقه هنا،لذلك سيكون تفكيره تماسا بيم كائن متناه وبين اللامتناهي الذي لايمكن له ان يفهمه، يكون الفرد حينها انفراقا من حيث كونه تناه يدرك اللامتناهي.

محبتي
جوتيار

سحر الليالي
01-02-2007, 12:14 AM
همسة عميقة

شكرا لك يا جوتيار

دوما تأتي بكل ما هو قيم
لك خالص تقديري وباقة من الياسمين

جوتيار تمر
03-02-2007, 12:17 PM
همسة اخرى...لكنها بين كيركجارد وهيغل...

هيغل وكيركجارد..ونظرتهما الى المسيح..حيث يرى هيغل ان المسيح هو رمز الانسانية بصفة عامة، ورمز العقل ذاته،وان المسيحية هي الدين المطلق،اذ فيها يتحقق هذا التوحيد ما بين الفرد وبين الانسانية مدركة في مجموعها على نحو من اكثر الانحاء قيمة.
اما كيركجارد يرى ان المسيح هو فرد متميز ولايرمز الى اي شيء مما كان،وهذا الفرد المتميز هو اللانهائي والمطلق.


وهذا يوضح كيف ان كيركجارد وظف فلسفته من اجل عقيدته...

محبتي
جوتيار

سحر الليالي
06-02-2007, 11:10 PM
يرى الكثير أن صرخة ”سورين كيركيجارد“ على فلسفة هيجل المطلقة حين صرخ باعلى صوته ليوصل احتجاجه حين قال”انا لست رقما في فلسفتك المطلقة “ هي لحظة ولادة الوجودية .

مارتن هيدجر في رأي معظم الفلاسفة هو خالق الفلسفة الوجودية و واضع أسسها .

جان بول سارتر بلا منازع هو الأب الروحي والأشهر بعد مارتن هيدجر للوجودية .

نلاحظ في الفلسفة الوجودية , وجود ثيمة خاصة فيسيولوجية أو ميتافيزيقية أو شعورية لكل فيلسوف أو مذهب متفرع للوجودية , فمثلا ً :

- وجودية مارتن هيدجر - ثيمة ( الموت ) .
- وجودية سارتر - ثيمة ( الغثيان , القلق ) .
- وجودية ألبير كامو - ثيمة ( العبث والإنتحار ) .
- وجودية جبريل مارسيل - ثيمة ( الأمل ) .
- وجودية بارتيس - ثيمة ( اليأس ) .
- وجودية كيركيجارد - ثيمة ( المسيحية ) .
من هنا نرى ان الإنسان ( اليائس / القلق / العبثي .... الخ ) ماهي الا تعابير لبداية إحساس الإنسان بوجوده .

سحر الليالي
24-03-2007, 09:33 PM
شيزوفرينيا الذات في فلسفة سورن كيركغارد

إن فلسفته كانت مونولوجا داخليا متوترا، وكان يريدها "أن تكون تعبيرا عن وجوده الخاص الذي هو نسيج من المتناقضات، وان يستخرج من اعماقه ما يشعر به من ألم وعذاب ومعاناة ليكون نظرية عن الانسان بصفة عامة، فما يعانيه من قلق ويأس وشعور بالخطيئة ومرض نفسي... الخ ليس حالة خاصة به وحده، لكنها تمثل عوامل تتألف منها الذات البشرية "* لقد كان كيركغارد يعتبر مؤسسا حقيقيا لفلسفة الذات باعتبارها مركز الوجود، انه الاب الروحي للفلسفة الوجودية المؤمنة في القرن التاسع عشر، وهو بهذا فتح المجال امام المفاهيم الوجودية في القرن العشرين.

لقد اقلق كيركغارد معاصريه ومازال يقلقنا حتى الآن لانه عالج مقولات فلسفية وجودية تخص جوهر وجود الانسان وذلك من خلال علاقتها بحياة الفرد واختياراته الواعية والتي مازالت تمتلك حيويتها.

ولا يمكن فهم فلسفة كيركغارد إلا بوضعها ضمن مفاهيم عصرها بسبب التغيرات التي طرأت على الكثير من مجالات الفلسفة وموضوعاتها في الوقت الحاضر، حيث يفصلنا عنه اكثر من قرن ونصف القرن.

إن سورن كيركغارد عاش حياة معلقة على وتر فوق هاوية الوجود الهامشي، وقد كان يعي العمق السحيق لهذه الهاوية، لذلك فقد كانت مهمته تكثيف شعور الانسان من خلال القلق والرعب تحذيرا من السقوط في الهاوية. وبما أنه حاول دائما العمل على تحويل الفكر الى ممارسة عملية مرتبطة بالحياة فان معاركه الفكرية كانت دليلا على امتزاج الفكر بالحياة، سواء كانت هذه الصراعات في المجالين الفكري او الديني وخاصة معاركه مع الكنيسة الرسمية آنذاك، بحيث منحت الفكر العملي امتياز التفرد في الحياة والابتعاد عن الفكر الغيبي. لذلك فان الكنيسة شنت هجومها العنيف ضد افكاره اللاهوتية المصيرية الصائبة ولم يكن لديها سلاح فعال سوى محاولة غير مجدية في تحويل افكاره الى ثرثرة في الشارع الغوغائي.

إن معاركه كانت متمركزة حول الذات البشرية من خلال ايمانها وعلاقتها المطلقة بالله المطلق بدون اي وسيط آخر كالكنيسة او الرهبان الذين كان يعتبرهم موظفين لدى الدولة. لكن الكثير من رجال اللاهوت والكنيسة درسوا فلسفة كيركغارد بروح غير متحيزة بعد ذلك، فاكتشفوا اهمية فلسفته وامكانية عقله الفلسفي التركيبي والتحليلي، وذلك فقط عندما انتشرت فلسفته خارج وطنه "الدانمارك. وهذا قدر المفكر المتفرد الذي يرى المستقبل بشكل واع ".

إن الفلسفة الوجودية تعرضت للكثير من المغالطات والادراكات الهامشية لذلك تحتم الضرورة على دراستها بشكل اكاديمي ونقد واع. وقد قام بهذه المهمة الدكتور عبدالرحمن بدوي. اما الدكتور امام عبدالفتاح امام فقد درس فلسفة كيركغارد بكتابين مهمين (1) حيث حلل في كتابه الاول فلسفة كيركغارد باعتبارها فلسفة للذات البشرية المتفردة من خلال مناقشته للكثير من الفلاسفة والباحثين اضافة الى تحليل الملامح الشخصية للفيلسوف الدانماركي باعتباره "ذاك الفرد" والعوامل المؤثرة في بناء شخصيته. وقد اسهب الدكتور امام في دراسة حياة كيركغارد بشكل كبير، ويعتبر هذا مدخلا مهما للوصول الى العوامل الاساسية في تكوين عقله الفلسفي، والمتناقضات التي عاشها في حياته الخاصة. وقد استعرض أيضا قضية اساسية هي المعارك الفكرية التي خاضها الفيلسوف وخاصة معركته الشهيرة مع صحيفة "القرصان" وصراعه مع الكنيسة الرسمية التي اتهمها بالتزوير والتزييف لمهمتها الدينية، حيث اخذت على عاتقها آنذاك مهمة مشابهة لمهمة ارسال الناس الى الجنة مقابل خمسة دولارات كما يسخر كيركغارد ذاته من وظيفة الكنيسة الدينية.

أما الكتاب الثاني والذي نحن بصدد قراءته تفصيليا فان د. إمام استعرض فيه بشكل دقيق مكونات فلسفة كيركغارد وتأثرها بالفكر الهيجلي في بداية حياته ثم اعتماد مبدأ الشك والرفض لكل فلسفة أخرى (ما عدا التهكم السقراطي) من اجل تكوين فلسفته الوجودية المتفردة، التي يحاول من خلالها طرح منهج او فكر فلسفي يناقش فيه امكانية خلاص الانسان، حيث اعتبر نفسه كالشوكة التي تغزنا وترعبنا دائما (لان الفلاسفة عندما يأتون، يرعبون الناس، لكنهم يطهرون الجو).
إن حديثنا سيتمركز على الخلل الذي يصيب الذات والذي يشكل شيزوفرينيا الذات في فلسفة سورن كيركغارد، وذلك من خلال كتاب الدكتور امام عبدالفتاح امام الاكثر اهمية - كيركجور -رائد الوجودية - فلسفته - الجزء الثاني.

إن فلسفة سورين كيركغارد تحدثنا عن الفرد كمركز للوجود وكمنهج حياة الذات باتجاهها نحو المطلق، نحو الله، ولا يتم هذا الا عندما يمتلك الفرد "الوعي الذاتي"، وهذا يعني امتلاك الوجود الذاتي، لان الوجود هو الوعي والاختيار الحر.
بدون هذا فان الذات البشرية ستعيش في حالة من الاضطراب وعدم التوازن، وتصاب بامراض روحية مختلفة.

ان تشخيص امراض الذات اي الشيزوفرينيا الروحية يفترض وعي الانسان بذاته اولا. بدون هذا الوعي فان الذات ستعيش بشكل هامشي ولا معقول وعبثي في الوجود، وحتى تكون لحياة الذات معنى، لابد ان تواجه مشكلاتها - امراضها - بكل قلق وتوتر وجدية.

فمهمة الفلسفة الوجودية هي التأكيد على ان الانسان لا يولد انسانا وانما يصير كذلك من خلال وعيه، وتحقيق مشروعه الحياتي، بمعنى ان يكون انسانا، اي ان يكون ذاته من جديد. وقد يفشل في تحقيق هذه الذات - هذا المشروع. لقد اخذ كيركغارد على عاتقه مهمة تعقيد مشكلات وظاهرات الوجود امام الانسان، وهو على حق، لان تعقيد المشكلة فلسفيا يعني وضعها امام المجهر لرصدها ومن ثم حلها، لكن التعقيد متأت نتيجة لتعقيد الحياة ذاتها.

من هنا تأتي أهمية دراسة فلسفة كيركغارد باعتبارها فلسفة مهمتها إعادة وعي الذات بنفسها من جديد. لانه من السهولة ان يفقد الانسان ذاته، فهذا لا يثير ضجة كبيرة (كما هي الحال عندما يفقد الانسان ساقه او ثروته او زوجته) لكن من الصعوبة ان يقوم الانسان باسترداد ذاته من قلب المسببات التي تحاول تهميش حياة الفرد، بمعنى ان يختار الانسان ان يكون انسانا من جديد. وهذا يتطلب وعيا وجهدا كبيرين، لأن الذات الواعية هي الذات التي تقوم بنضال شاق لمعرفة نفسها، بعكس الذات غير الواعية، فانها تبذل جهدا متعمدا لنسيان نفسها وسط ضجيج العالم. ان هذا الوعي يعني النظر من خلال الذات الى العالم.. الى الخارج.

لذلك فان كيركغارد عدل من مبدأ سقراط الشهير (أيها الانسان اعرف نفسك) الى (ايها الانسان اختر ذاتك) وهذا يعني ان اختار ذاتي بوعي وهي في شرعيتها الازلية من اجل ان تصل الى خلاصها وسعادتها الابدية عند اعتمادها الكلي على المطلق. وهذا هو الاختيار الايجابي في حياة الذات.
لقد بذل كيركغارد جهدا شاقا في دراسة العوامل الانطلوجية (3) التي تكون الذات البشرية، حتى يتوصل الى الاجابة على السؤال الذي طرحه على نفسه وهو: كيف يمكن للانسان ان يكون انسانا؟ اي كيف يمكن للانسان ان يختار ذاته ؟

وبكل وضوح يجيب، ان على الانسان ان يكون مؤمنا وان يعتمد اعتمادا كليا على الله، بهذا فقط تكون له القدرة على امتلاك ذاته واستردادها من جديد. لكن كيف تمتلك الذات وعيها؟ وهل لها القدرة على حرية الاختيار؟ ان هذا السؤال الذي يورده د. امام اعتمادا على كيركغارد يفترض الاشارة الى مراحل تطور الذات البشرية، حيث يؤكد بان هنالك ثلاث مراحل لتطور الذات الفردية في علاقتها بنفسها وبالعالم ويسميها كيركغارد (مراحل الوجود الثلاث الكبرى).

1- المرحلة الحسية الجمالية المباشرة - والحسية التأملية.

2- المرحلة الاخلاقية.

3- المرحلة الدينية.

ان كيركغارد يضعنا دائما امام خيار واحد، إما ان تختار ذاتك بوعي او ان تضيع. وهذا يعني عليك أن تختار بين ان تعيش في المرحلة الحسية الجمالية والتي يعتبرها مرحلة دنيا من الحياة ينغمس فيها الانسان بالحياة الحسية او ان يرتقي الى مرحلة أعلى هي المرحلة الاخلاقية، اي ان يلتزم فيها الانسان بالقانون الاخلاقي، او ان يعيش في المرحلة الدينية التي يصبح فيها الانسان واعيا في اختياراته، لانه يعي ذاته ويعرف خلاصه.


منقول \
فاضل سوداني (مسرحي واستاذ جامعي عراقي يقيم في الدانمارك)

سحر الليالي
24-03-2007, 09:37 PM
يتبع:

في المرحلة الحسية الجمالية المباشرة: يعيش الانسان في اللحظة الواهنة من اجل اللذة الحسية وحدها ولهذا فانه يضيع في بيئته الطبيعية او الاجتماعية بدون ان يمتلك الوعي الذاتي، اي لا يكون "روحا واعية" ولا يمتلك ارادة اتخاذ القرار، وهو بهذا لا يعي ولا يعطي اهمية لالتزاماته الاخلاقية والدينية. والانسان في هذه المرحلة اما ان يكون طفلا أو شابا، بمعنى انه لا يمتلك ذاتا واعية أو حرية اتخاذ القرار وينساق الى امكانياته الطبيعية المحدودة وغير الواعية.

وقد يكون الانسان كبيرا في السن لكنه يبقى في المرحلة الحسية المباشرة عندما لا يعمل على استرداد ذاته من جديد.

ان ضياع الذات في عالم الحس فقط يجعلها تؤكد على جانب واحد من عوامل مكونات الذات الانطلوجية وهو جانب المتناهي.

واعتبر كيركغارد "دون جوان" ممثلا حقيقيا لهذه المرحلة الحسية المباشرة. ولكن الذات احيانا تمر بلحظات نضج فكري ينتقل فيها الانسان الى شطر آخر من المرحلة الحسية، اقصد الحسية التأملية أو الفكرية، وتحتاج الذات فيها الى ان تدرك نفسها على انها "روح "، اي ذات فاعلة، لكن هذه الذات تغرق في الفكر التأملي المجرد بدون ان يتحول هذا الفكر الى فعل حياتي. لان الانسان هنا يمتلك فهما شاملا وموضوعيا ومعرفة بكل الظاهرات ومشكلات العالم، لكنه لا يمتلك المعرفة والوعي بذاته نفسها، حيث ان الذات هنا تتبخر وهي تتأمل مشكلات بعيدة عن وجودها الذاتي وتهرب من اتخاذ موقف اخلاقي محدد. وقد اكد كيركغارد بان فاوست يعتبر ممثلا لهذه المرحلة التأملية الفكرية. وعندما تفرق الذات في هذا الجانب فانها ايضا تؤكد على عامل واحد هو اللامتناهي اي (الامكان - الخيال - الفكر المجرد).

وبما أن المهمة الأساسية للذات في وجودها العياني هي المحافظة على التوازن بين العوامل الانطلوجية لتكوين الذات الحقة فاننا نجد ان هذه المرحلة الحسية بشطريها هي تأكيد على عدم التوازن ويؤدي هذا الى ان تقع الذات في المرض الروحي بلا وعي. ان تحقيق الفعل الحياتي يحتاج الى قرار من قبل الذات، والذي يعبر عن فرديتها وفاعليتها في الحياة، ا:ن عندما تمتلك الذات القدرة على اتخاذ قرارها حينذاك تنتقل الى "المرحلة الاخلاقية".

إن هذه المرحلة لا تعني الالتزام بأخلاق وضروريات المجتمع او المجموع وانما تعني الالتزام الباطني الداخلي للذات تجاه مسؤولياتها هي.

اذن في هذه المرحلة يقوم الانسان باختيار ذاته ومن ثم امتلاك القدرة على اتخاذ القرار (اي الوعي المتعمد)، والاختيار الذاتي يفترض ان الذات موجودة أولا كذات تمتلك امكانياتها المعطاة لها من الطبيعة، لكنها غير موجودة بوصفها وعيا ذاتيا، وامتلاك هذا الوعي يؤكد ان الانسان اصبح له معرفة بذاته. لكن معرفة الانسان لذاته اولا ليست هي النهاية بل تؤدي بالنتيجة الى ظهورا لذات الاخري. واختيار الانسان لذاته يعني قبول المسؤولية تجاه الذات، ويعني ايضا الاعتراف بتجاوز الذات الموجودة اصلا الى ذات واعية، وهذا يعني أن الانسان يختار ذاته اخلاقيا.

ان السبب الاساسي في الانتقال الى المرحلة الاخلاقية هو الملل او الضجر، اي الشعور بالملل من ضياع الذات اما في الاستمتاع الحسي الخالص او في حياة التفكير التأملي الخالص فتسقط بالملل، لهذا تبدأ الذات بالتفكير في ضرورة الالتزام والخروج من هذا الملل يكون عن طريق التهكم أ ` ` او السخرية من هذه الحياة المملة الرتيبة الخالية من القيم والمثل العليا.

والدور الايجابي للتهكم هو ان يخلق في داخل الانسان اهتماما بوجوده الاخلاقي، فيعمد الى تحقيق التزاماته الاخلاقية ليست اللحظوية بل الابدية، فلا يعني الحب بالنسبة الى الرجل الاخلاقي هو حب النزوة كما في المرحلة الحسية، بل يصبح الحب في الزواج حبا ابديا ويتحول الى واجب اخلاقي. اذن المثالية الاخلاقية هنا تنبع من داخل الذات وحاجتها في ان تصبح ملتزمة اخلاقيا.

وبالرغم من ان الاعتراف بالله موجود لدى الرجل الاخلاقي، لكنه متحد مع "الواجب الاخلاقي". اي ان الانسان هنا لا يمتلك التمايز بين الله والنظام الأخلاقي، التمايز بين الله ككيان مستقل وبين العالم، بين الله والذات، وبمعنى آخر عدم معرفة الذات في الاعتماد الكلي على الله، وهذه نقطة ضعف اساسية في هذه المرحلة وتؤدي الى اضطراب في توازن الذات. اذن الذات تحتاج الى مرحلة جديدة تحقق فيها خلاصها ووجودها اي مرحلة الوعي الكامل بالمطلق وهي "المرحلة الدينية".

ان حقيقتي هي ان اختار ذاتي المؤمنة الواعية، اذن خاصية الوجود هي الاختيار اي ان اختار ذاتي ولا اختار شيئا آخر. ولهذا ليس هنالك وجود حقيقي الا وجود الذات امام الله ولا يمكن للانسان ان يحقق هذا ما لم يعش في حالة قلق متواصل، لكن الايمان هو قلق وسكينة، وليس هنالك اي اختيار بدون قلق. ان تقلق معناه ان تعود الى باطن ذاتك من اجل ان تختارها وتكون لها علاقة متكاملة بالمطلق بالله.

وعند معرفة الانسان بطبيعة العلاقة مع الله وليس مع العالم (لان العالم نسبي) يبدأ الانسان بالانشغال بسعاد ته الابدية او خلاصه.

ولهذا فالانسان المؤمن هو الذي يكون علاقة مطلقة مع الله وفي نفس الوقت يكون علاقة نسبية مع المخلوقات، والعالم. ومن خلال الاتجاه المطلق نحو آت المطلق، تحاول الذات ان تمتلك وعيها وان تصبح ذاتا حقة. ولهذا فان الذات هنا تمتلك قدرة التمايز بين الواجب الاخلاقي والواجب نحو الله. فالانسان المؤمن هنا يعتقد بأن الامر الاخلاقي الحياتي لابد ان يؤجل (لان الاخلاق هي بضاعة بشرية) بسبب علاقة مطلقة او غاية مطلقة هي العلاقة بالله.

لكن المهمة الاساسية (مرة اخري) هي ان تنزاح الاخلاق نفسها عن مركز الصدارة نهائيا لتصبح نسبية وتحل محلها غاية أعلى هي غاية مطلقة بمعنى ما يريده الله من الذات.

ويمثل هذه المهمة لدى كيركغارد ما يسميه "فارس الاستسلام" الذي يطلقه على النبي ابراهيم عندما طلب منه التضحية بابنه. ان استعداد الانسان المؤمن في ان يسمع فقط صوت الله وينفذ اوامره بدون نقاش هو اذعان كامل يعلن الانسان فيه استسلامه واعتماده الكامل على الله بحيث يتخلى نهائيا عن اشياء العالم. وهنا يعترف الانسان بانه لا يستمد وجوده من ذاته الخاصة او العالم وانما يستمده من الله.

لكن الاستسلام اللانهائي لاوامر الله هو المرحلة الاخيرة من الايمان وليس الايمان ذاته، لذلك يحتاج الانسان الى خطوة أخرى حتى يتحول (فارس الاستسلام) الى (فارس الايمان)، وهذا يقوم بالهجر الكامل للعالم والاتجاه الى الله. اي اتجاه الذات نحو خلاصها - بمعنى انها تتحول الى ذات لاهوتية. وهذا يعني ان الذات تتجه الى تكاملها وتفردها. ولا يتم هذا إلا في الديانة المسيحية كما يفترض كيركغارد.(4)

إن العوامل الانطلوجية لتكوين الذات ترتبط ارتباطا جب ليا فيما بينها، فاذا حدث اي اضطراب في هذه العلاقة، او اذا رفضت الذات علاقتها بالمطلق وعدم قدرتها على وعي هذه العلاقة فانها ستعيش حالة من الشيزوفرينيا وتقع في امراض روحية مثل اليأس والقلق. اذن ما هو مفهوم كيركغارد لهذين المرضين حسب ما ورد في كتاب د. امام عبد الفتاح امام.

ان اليأس مرض روحي شامل، اي انه يصيب البشر جميعا، وهو "اعدل قسمة بين الناس" وبالرغم من ان اليأس يميز الانسان عن الحيوان، الا انه هلاك ابدي، انه موت في الحياة.

واليأس هنا لا يأتي من مصدر خارجي كما هو مفهوم عادة. وانما يعني ان الانسان يقع في اليأس لانه ييأس من اصلاح ذاته، بإنقاذها من تلوثها الواقعي والارتقاء بها الى السمو.. الى الغاية المطلقة. انه ييأس من هذه الذات التي تصبح عبئا عليه، يود القضاء عليها لانها ليست الذات الواعية بعلاقتها بالمطلق.

واليأس ظاهرة موجودة لدى البشر سواء كان الانسان على وعي به أم لا. لان الانسان في حالة اللاوعي باليأس لا يستطيع ان يشعر بنفسه (كروح) اي ذات واعية. وان الذي ينقذنا من اليأس هو اليأس ذاته الذي يكون انكارا مطلقا للذات المتنافية. واننا لكي نختار الابدي لابد ان نيأس من ذواتنا غير الواعية.

وقد ينغلق الانسان على ذاته كما هي (اي الذات المتنافية) وبهذا فإنه يختار ان يكون يائسا كليا وهنا يصبح اليأس ضد الله.

والامر الحاسم في علاج اليأس هو الايمان، اي بمقدار ما يكون الانسان غير واع بالله فانه لا يعي ذاته الفعلية.

ان اليأس بمعناه الدفين هو رفض الانسان ان يكون ذاتا أصيلة، اي انه يرفض القيام بمحاولات شاقة نحو استرداد ذاته من جديد، وهذا الرفض في الا يكون ذاتا حقة هو الخطيئة التي تخلق عدم التوازن والاضطراب، واليأس في جوهره بالضبط هو القيام بهذا الرفض، انه محاولة الانتحار الروحي، انه الشيزوفرينيا الابدية.

اذا كان اليأس يرتبط بالفشل في قدرة الذات الحقيقية على رفضها تكوين علاقة مع المطلق، فان القلق يسبق الخطيئة ويرتبط بالحرية.

إن القلق ينشأ نتيجة لتعرف الذات على حريتها في تحقيق قدراتها التي يمكن ان تتحقق من خلال حرية الذات وهي تتخذ القرارات. فكلما تعمق الانسان في ادراك حياته رأى وجوده وهما وآمن بان حياته بلا معنى، ولا يمكن ان يصل الانسان الى التعمق بذاته الا من خلال القلق الذي يسبب له دوارا.

اذن القلق مرتبط بالروح التي تعني الذات او الحرية، فاذا ما قل وجود الروح قل وجود القلق. والحرية تتضمن في الكثير من الاحيان حالة من التمرد، لان الحرية هي القدرة على الاختيار، فاذا كنت حرا في الاختيار، فهذا يعني ان في قدرتي اختيار الشر ايضا. اذن هناك ارتباط بين القلق والحرية او بين القلق والاختيار.

ان القلق كالدوار لان القلق هو حرية يكتشف فيها الانسان عمق الهوة الشاسعة امامه فيعتريه شيء من الدوار، تماما كما يصاب الانسان بالاغماء اذا نظر الى هوة سحيقة فيسقط فيها بعد ان يفقد توازنه كذلك يقع الانسان بالخطيئة بسبب دوار الحرية. لكن الانسان عندما يأثم لا يتخلص من القلق بل يتضاعف لان الخطيئة لا تتوقف بل تتكرر باستمرار ويزداد القلق مع تكرارها.

إن علاج القلق هو القلق ذاته، كما ان اليأس هو علاج اليأس، ان القلق في الذات يولد ذلك الشعور الجديد، اي ذلك القلق الجديد، قلق يطهر الجو، ولن نستطيع ان نتخلص من القلق اللامتناهي الا بإيمان لا متناه. واذا كان القلق هو الذي قادنا للخطيئة وجعلنا مذنبين فهو نفسا الذي سيقودنا الى الايمان ويعيد الينا البراءة، ولهذا فان كير كفارد يفترض ان المقابل للخطيئة ليس هو الفضيلة وانما هو الايمان.

وهذا معناه ايمان الانسان بالتجسيد Incarnation اي بالمسيح، اذن الايمان المسيحي هو الغاية من الوجود كما يفترض كيركغارد.

ان الذات امتلكت القدرة على ان تحقق وجودها من خلال حرية اتخاذ القرار، لكن هذه الحرية قد ضاعت من خلال ضياع الذات بوقوعها في الخطيئة (سواء كانت الخطيئة الابدية، الموروثة -خطيئة سيدنا أدم.. او خطيئة الذات في الابتعاد اراديا وبشكل واع عن الله) وضاع معها امكانية خلاصها. وعندما يتاح هذا الخلاص من جديد، فإن الذات تعود اليها حريتها مرة أخرى وتستطيع ان تختار خلاصها. اذن هنالك فرصة لغفران الخطايا والخلاص، اي هنالك فرصة ان تكون الذات ذاتا جديدة عندما تختار الله، وهذا يعني ان يصبح الانسان مؤمنا بشكل كامل اي ان يصبح ذاتا تستمد وجودها الكلي من المطلق.

ان الدكتور امام عبد الفتاح امام من خلال دراسته ومعرفته الدقيقة بفلسفة كيركغارد يورد بعض لملاحظات اهمها:

1- ان التحقق الكامل للذات البشرية هي الهدف النهائي لفلسفة كيركغارد، لكن هذا الفرد الذي يدافع عنه لابد ان يكون معزولا من المجتمع لانه الفرد المتميز الأوحد، المستثنى، الخارق، لا الانسان العادي متوسط القدرات.

2- ان الهدف النهائي للتطور الجدلي للذات هو بلوغ الذات المؤمنة التي تصل الى سعادتها من خلال المسيحية، ان هذا يعني ان كيركغارد قد تحول الى واعظ ديني مسيحي وليس فيلسوفا، في حين ان مهمته كانت وضع نظرية شاملة للانسان بغض النظر عن >يا نته وهذا هو الذي دفع كاو فمان أن يؤكد "اذا كان كيركفار يصر على انه ليس فيلسوفا، فلماذا نصر نحن انه كذلك".

لقد تساءل الفيلسوف الفرنسي ريجيس جوليفيه (هل كيركغارد هو المسيحي ام ان المسيحية هي الكيركغاردية ؟).

اذن ان كيركغارد يدعونا ان نعيش الحياة بتوتر وخوف مستمرين من اجل الحصول على السعادة الازلية التي تحقق الذات المتكاملة من خلال ارتباطها بالله، فالوجود معناه ان نعاني اليأس والقلق، لذا فانه يدعو الى وجودية مسيحية. لكن وكما يؤكد د. امام عبد الفتاح امام بان كيركغارد استطاع ان يخلق فلسفة وجودية جديدة فتحت الباب امام فلسفات أخرى تأثرت بها، وانه انطلق من الذات البشرية ودرس مكوناتها الانطلوجية وتطورها وامراضها الروحية بحيث تعتبر دراسة متفردة وعميقة لليأس والقلق. منحت أفاقا جديدة امام علم النفس والعلوم الاخرى.

ان الدكتور امام عبد الفتاح امام في دراسته لفلسفة كيركغارد استطاع ان يلج العالم الفكري المعقد للفيلسوف الدانماركي من خلال بصيرته الثاقبة وفهمه الشمولي لمكانة فلسفة كيركغارد ضمن تاريخ الفلسفة العام وأهميتها لعصرنا الآن، ويستطيع القارىء عند الرجوع الى هذه الدراسة القيمة ان يتمثل التحليل الفلسفي الدقيق لفكر كيركغارد، احد أهم العقول الفلسفية في تاريخ الفكر العالمي.

جوتيار تمر
29-03-2007, 10:51 PM
لمحة سورينية..

احب سورين فتاة اسمها رجينا اولسن واثرت هذه في حياته العاطفية الكثيرة..حيث يقول سورين نفسه عن حبه هذا انه صغر سنها حيث كانت هي في الرابعة عشرة او تزيد وهو كان في الرابعة والعشرين،ورأى في حداثتها ما راه روميو في جوليت،..كانت بالنسبة له البراءة التي يفتقدها والطهر الذي حرمه، كان عليه ان ينتظرها ثلاث سنوات حتى تبلغ الثامنة عشرة ، ثلاث سنوات طويلة مقبضة، عاشها كأخصب ما تكون قصص الحب، ينتقل بين مراحلها ومأ اخصب مراحل حبه ومدارجه ، ولطاما اعترف سورين بانه يدين لها بكل شيء في حياته..اما مدارج الحب لديه فهي:
المدرج الاول:مدرج الحب الواله، ومحاولة التقرب اليها..!
المدرج الثاني: مدرج العشق المتبادل،والصراع بين العاشق والمعشوق،كلاهما يوى العاشق والمعشوق معا،وكلاهما يحاول ان يطوى الاخر فيه..!
المدرج الثالث: شيء ما غير رجينا كان يشده في هذه المرحلة والمدرج الا وهو رسالته حيث كانت رجينا تمنحه نفسها لكن ليس لها راسلة لذا كان حائرا بين رسالته وبين رجينا..!
المدرج الرابع: مرحلة الاستقرار لديه بعد صراع بين فكره ورجينا في النهاية يرسل لها خاتم الخطبة..!
المدرج الخامس: يدب شيء فضيع فجأة ويقرر تركها فتناضل كاللبوة تحاول الاحتفاظ به تناديه باسم المسيح وبحق ذكرى ابيه ان لايهجرها ويحس سورين احساس البطل، سينقذ حياتها وعقلها معا، لكنه ينقذها بان يمثل دور السافل الذي غرر بها ولعب بعواطفها..!!
يستمر في دروه هذا قرابة الشهرين لكنه فجأة يتركها ويسافر الى برلين ويكتب هناك كتابه(اما....لو...) يحاول فيه اقناعها بانه لايصلح لها..وعندما يعود يلتقيها في احدى الكنائس في كوبنهاجن فيتصافحان...فيكتب لها (الخوف والرعشة) و(التكرار)..يحاول ان يفهمها انه حتى ان لم يكن سافلا معها فهو على الاقل لايصلح لها زوجا.
وعندما تقرأ في نهاية كتابه التكرار أي في الفصل الاخير هذه العبارة" ان البطل قد قتل نفسه لانه لم يستطع تحمل فكرة ان محبوبته قد اصابها اليأس واذواها هجرج لها، حينها ينتشر خبر ان رجينا خطبها شخص اسمه فريتز شليجل...وفي عام 1855 يرحل زوجها حاكما على الجزر الهند الغربية الدانمركية، وتبقى رجينا وسورين لينطلق الاخير مداعبا لها ممازحا يلقبها أي حاكمتي الصغيرة العزيزة ويورثها كل ما كتب وما يخلفه بعد مماته ويشاء القدر ان تعيش رجينا حتى عام 1904 ويموت كل من سورين وزوجها، لكنها تبقى لترثهما وتشتهر ويصبح اسمها ملء السمع والبصر.
محبتي وتقديري
جوتيار

سحر الليالي
29-03-2007, 11:10 PM
لمحة جميلة أخي جوتيار
لم أقرأها من قبل

سعدت بالقراءة

شكرا لك يا جو
لك خالص تقديري وعيمق إمتناني
وألف باقة ورد وفل

محمود بيومى على
12-05-2009, 01:54 PM
الفليسوف كيركجارد غلبت على شخصيته النزعة (بعيدة عن الوجود ) وهو فليسوف ملحد بعض الشى وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته