نبيل شبيب
29-01-2007, 03:07 PM
رحيل - دنيا - هناء - حرمان - غربة - عصام - ضياع - فواجع - نُخبة - قلم
رحيـل
غابَ النَّهـارُ وَجُـلُّ اللَيْـلِ وَالسَّـحَرِ=فَاهْجُـرْ فِراشَـكَ هـذا مَوْعِدُ السَّـفَرِ
وَرْدِيُّ حُلْمِـكَ لَـوْنُ الوَرْدِ فـارَقَــهُِ=مِنْ بَعْدِ وَمْضٍ مَضى مِنْ سـالِفِ العُمُـرِ
فَاثَّـاقَلَ الخَطْـوُ وَالأَعْضـاءُ أَجْهَدَهـاِ=فَصْـلٌ يُـوَدِّعُ فَصْـلاً غَيْـرَ مُعْتَـذِرِ
وَفـي الحَيـاةِ رَبـيـعٌ لا يَـؤوبُ وَلَمْ ِ=يَتْـرُكْ بِدَوْحِـكَ إِلاَّ مُتْعَـبَ الشَّـجَرِ
وَكَمْ لَبِسْـتَ جَـديـداً سَـرَّ مَلْبَسُـهُِ=وَالنَّسْـجُ نَسْـجُ عَتيـقِ الخَيْطِ وَالإِبَـرِ
فَهَـلْ رَأَيْـتَ خُطـى الأَيَّـامِ تُلْبِسُـناِ=ثَـوْبَ الخُلودِ نَعيمـاً أَوْ لَظى صَـقَـرِ
وَمـا أَراكَ إِذا اسْـتَقْبَلْتَ يَـوْمَ غَـدٍِ=إِلاَّ مُـوَدِّعَ هـذا اليَـوْمِ فَـاعْتَـبِـر
سِـتُّونَ عاماً عَلى صَـدْغَيْـكَ راقِـدَةٌِ=في رَحْـمِ يَـوْمٍ بِحُجْبِ الغَيْبِ مُسْـتَتِرِ
وَلَسْـتَ تَأْمَـنُ هـذا اليَـوْمَ مُنْقَلَبـاًِ=وَلا تُعَـمَّـرُ إِلاَّ فـي فَـمِ الخَـطَــرِ
ما شِـئْتَ مِنْ أَمَلٍ أَوْ خِـفْتَ مِنْ أَلَـمٍِ=هَيْهاتَ يُبْدِلُ ما فـي جُـعْبَـةِ القَـدَرِ
وَمَنْ رَأى المَوْتَ مِفْتـاحَ الحَيـاةِ سَـعىِ=حَتَّـى المَماتِ فَلَمْ يَقَـعُـدْ وَيَنْتَـظِـرِ
وَمَـنْ يَجِـدُّ يَـرَ المَـأْمـولَ في غَـدِهِِ=وَما جَنـى طالِبُ الدُّنْيا سِـوى الخُسُـرِ
قَـدْ لا يَكونُ غَـدٌ لِلنَّاظِـريـنَ غَـداًِ=وَمـا عَرَفْـتُ جَديـداً غَيْـرَ مُنْدَثِـرِ
فَلُؤْلُـؤُ الفَجْـرِ وَالآفـاقُ تَحْضُـنُـهُِ=مِنْ دَمْـعِ لَيْـلٍ عَلى الآفـاقِ مُحْتَضَـرِ
وَحُمْـرَةُ الشَّمْسِ وَالإِشْـراقُ يَتْبَعُـهـاِ=رَمادُ جَمْـرَتِهـا في مَغْـزَلِ القَـتَـرِ(1)
وَمـا الجَـديـدانِ وَالأَيَّـامُ مُقْبِـلَـةٌِ=بِكلِّ ما يَسْـلِبُ الأَلْبـابَ مِـنْ وَطَـرِ
إِلاّ عَتيـقَـيْـنِ وَالأَيَّـامُ راحِـلَــةٌِ=بِما تَلاشـى مَعَ الأَوْهـامِ وَالسَّـدَرِ(2)
فَـلا يَـغُـرَّكَ يَـومٌ هَـلَّ مُبْتَسِـمـاًِ=وَفـي مَآقيـهِ لاحَـتْ دَمْعَـةُ المَطَـرِ
وَلا تَخَـفْ مِـنْ دُجى الظَّلْماءِ في أُفُـقٍِ=وَالْجَـأْ إِلى الخالِـقِ الباري بِهِ اسْـتَجِرِ
لَمْ يَبْـقَ غَيْـرُ لَيـالٍ أَوْ أَقَـلَّ فَخُـذِْ=مِنْها التَّبَـتُّـلَ فـي اسْـتِغْفارِ مُقْتَـدِرِ
كَمـا حَلِلْـتَ عَلـى الدُّنْيـا تُفارِقُهـاِ=فَـرْداً عَلى مَوْعِدٍ في الغَيْـبِ مُسْـتَطَرِ
هُـوَ الرَّحـيـلُ بِـلا زادٍ وَلا أَمَــلٍِ=أَوِ الرَّحيـلُ مَـعَ التَّقْـوى لِمُـدَّخِـرِ
دنيـا
يا أَنْتَ.. ما أَنْتَ في تَعْـدادِ مَنْ رَحَلـواِ=وَراحِليـنَ عَـنِ الدُّنْيـا مِـنَ البَشَـرِ
يا أَنْتَ.. ما أَنْتَ في تَعْـدادِ مَنْ قَدِمـواِ=وَقادِميـنَ عَلـى الدُّنْيـا مِـنَ الأُخَـرِ
وَما كَسَـبْتَ إِذا مـا كُنْـتَ خادِمَهـاِ=إِلاَّ بَـقـايـا مِنَ الأَسْـمـالِ وَالوَذَرِِ(3)
سَـحابَةُ الصَّـيْفِ لا غَيْثـاً بِصُحْبَتِهـاِ=سِوى رَذاذٍ كَدَمْـعِ القَيْـظِ مُنْـتَـثِـرِ
دُنْيـا.. كَبَـرْقٍ بِلا نـورٍ يُخَـلِّـفُـهُِ=كَالرَّعْ ِ دونَ صَدىً فـي مَسْمَعِ القَفَـرِ
دُنْيـا.. إِذا أَقْبَلَـتْ تُغْريـكَ فِتْنَتُـهـاِ=بِبـارِقٍ مِـنْ وِصـالٍ دائِـمٍ نَضِــرِ
لا تَأْمَـنِ الهَجْـرَ فـي أَحْضانِ غانِيَـةٍِ=تَأْتي وَتَمْضي.. فَلَـمْ تَمْكُثْ وَلَـمْ تَـزُرِ
دُنْيـاكَ إِنْ تَخْـدِمِ الدَّيَّـانَ خـادِمَـةٌِ=وَإِنْ عَصَـيْتَ عَنـاءٌ غَيْـرُ مُؤْتَـجَـرِ
وَأَنْتَ لَوْ تَمْلِكِ الدُّنْيـا وَما جَمَـعَـتِْ=كَقابِضِ المـاءِ.. لَمْ تُمْسِـكْ وَلَمْ تَـذَرِ
سَـكينَةُ النَّفْسِ كَنْـزٌ لِلْقَنـوعِ وَكَـمِْ=يُسْـتَعْبَـدُ العَبْـدُ في أَطْماعِـهِ الكُثُـرِ
أَيْنَ الأَمانـي.. مَـدارُ الفُـلْكِ مَرْكَبُهـاِ=أَيْـنَ الرُّكـونُ لِعَيْـشٍ راغِـدٍ غَضِـرِ
أَيْنَ الشَّـبابُ.. وَهَلْ أَبْقى سِـوى زَبَـدٍِ=عَلى مَدامِـعَ مِـنْ ذِكْـرى بِمُنْحَـدَرِ
أَيْنَ الصِّحابُ.. دُروبُ الجِـدِّ تَجْمَعُهُـمِْ=طَوْراً..وَ َوْراً ضُـروبُ الهَـزْلِ وَالهَـذَرِ
قَـدْ فَرَّقَـتْنـا بِدُنْيـانـا مَسـالِكُهـاِ=وَالكُلُّ مـاضٍ عَنِ الدُّنْيـا إِلـى الحُفَـرِ
وَلَسْتَ تَجْنـي سِـوى ما أَنْتَ زارِعُـهُِ=فَأَحْسِـنِ البَذْرَ تَحْصِـدْ طَيِّـبَ الثَّمَـرِ
وَلا يَطيبُ سِـوى ما صَـحَّ مِنْ عَمَـلٍِ=إِذا تَطَـهَّـرَ بِالإيـمـانِ مِـنْ وَضَـرِ
هنـاء
وَأَنْـعُـمُ اللهِ فَـوْقَ الحَصْـرِ سـابِغَـةٌِ=وَالفَضْـلُ فَضْلُـهُ مَـنْ يَطْلُـبْـهُ يُغْتَمَـرِِ
إِنْ أَوْحَشَتْ غُرْبَتـي بِالحُـبِّ نَـوَّرَهـاِ=ربٌّ يُنـيـرُ دُجـى الظَّـلْمـاءِ بِالقَمَـرِ
وَالحُـبُّ تِـرْيـاقُ قَلْبـي مِنْ مَواجِعِـهِِ=وَفـي حَياتـي "هَـنـاءٌ" دونَمـا كَـدَرِ
هِيَ الرَّفيـقَـةُ في الحِرْمـانِِ مِنْ بَلَـديِ=كَنـورِ بَـدْرٍ بِجَـوْفِ اللَيْـلِ مُنْتَشِــرِ
تُثَبِّـتُ الخَطْـوَ فـي دَرْبٍ بِلا أُفُــقٍِ=في رِحْلَـةِ العُمْـرِ عَبْرَ السَّـهْلِ وَالوَعِـرِ
أَهْـدَتْ إِلَيَّ مِنَ الإيـمـانِ مُعْـجِـزَةًِ=كَوابِلٍ فَـجَّـرَ الأَمْـواهَ فـي الصَّـحَرِ
وَمِـنْ طُمَأْنينَـةٍ فـي النّفْسِ عـامِـرَةٍِ=بَـرْدَ السَّـكينَةِ نَبْـعـاً عابِـقَ الزَّخَـرِ
وَأَرْغَمَتْ مِحْنَـةَ التَّشْريـدِ صـابِـرَةًِ=عَلـى العَـوادي بِلا مَـنٍّ وَلا ضَـجَـرِ
فَأَتْعَبَـتْ عَاشِـقاً تَعْـصيـهِ ريشَـتُـهُِ=مَهْمـا تَلأْلأَ صِدْقُ العِشْـقِ في الصُّـوَرِ
وَلا يَفـي حَقَّـهـا إِبْـداعُ ذي قَلَـمٍٍِ=وَلَوْ وَشـى حَـرْفَـهُ بِالتِّـِبْـرِ وَالدُّرَرِ
إِنْ تَطْلُبِ الهَـدْيَ تَطْرُقْ بابَ رَحْمَـتِـهِ ِ=أَوْ تَطْـلُبِ الحَـقَّ بِالقُرْآنِ تَسْـتَـنِـرِ
وَزادُهـا العِلْـمُ بِالتَّقْـوى تُحَصِّنُــهُِ=ذِكْـراً وَشُكْراً وَتَسْبيحاً بِلا خَـتَـرِ(4)
فَأَيْـنَ أَنْـتَ وَمـا تَرْوي بِقـافِيَــةٍِ=مِنْ نَبْعَـةٍ يَرْتَـوي مِنْها شَـذى الزَّهَـرِ
تَسْـقي البُذورَ حَناناً سـاغَ مَشْـرَبُـهُِ=مِـنْ قَـلْـبِ أُمٍّ رِواءً غَـيْـرَ مُعْتَكِـرِ
وَقَـدْ رَأَيْـتُ مَعَ الأَحْفـادِ ما وَصَلَتِْ=بِـهِ المَـحَـبَّـةَ لِلأَوْلادِ في الصِّـغَـرِ
وَأُشْـهِـدُ اللهَ أَنّـي فـي أُمومَتِـهـاِ=عايَشْتُ ما ثَبَّـتَ المَعْصومُ فـي الأَثَـرِ
جَنَّـاتُ عَدْنٍ لَدى أَقْدامِهـا وُضِعَـتِْ=وَفـي العُقـوقِ فَحيـحُ النَّارِ فَاحْتَـذِرِ
حرمـان
وَلا أُمَـيِّـزُ إِنْسـانـاً بِمَـرْتَـبَــةٍِ=مِثْلَ الأُمومَـةِ تاجـاً عِنْـدَ ذي نَظَـرِ
وَقَـدْ حُـرِمْتُ جِوارَ الأُمِّ مُغْـتَـرِبـاًِ=وَأَحْمَد اللهَ حَمْـدَ العَبْـدِ لا الضَّجِـرِ(5)
حُرِمْتُ مِنْ حَمْلِ جُثْمـانٍ عَلى كَتِـفٍِ=وَمِـنْ مُواسـاةِ مَحْـزونٍ وَمُصْطَـبِـرِ
وَمِـنْ تِـلاوَةِ ذِكْـرٍ يَـوْمَ وَدَّعَـهـاِ=ما انْهَـلَّ منْبَثِـقـاً مِنْ أَعْيُـنِ الصُّبُـرِ
أَنَّـى يَفيهـا دُعـاءٌ كُلَّمـا ذُكِـرَتِْ=بَعْضَ السَّـخاءِ عَطـاءً غَيْـرَ مُنْبَـتِـرِ
تُعْطيكَ إِنْ أخَـذَتْ تُعْطيكَ إِنْ حُرِمَـتِْ=تُعْطيـكَ في الصِّغَـرِ تُعْطيكَ في الكِبَـرِ
فَاغْنَـمْ مِنَ العَيْشِ بِـرَّاً لا تُعَـوِّضُـهُِ=دُنْيـا التُّـرابِِ وَلَيْسَ التِّبْـرُ كَالعَـفَـرِ
وَقَدْ حَمَلْتُ أَبـي في القَلْبِ أُسْـمِعُـهُ ِ=تِـلاوَةَ القَلْـبِ بَعْـضَ الآيِ وَالسُّـوَرِ
إِذْ وَدَّعَ الأَهْـلَ إِلاَّ عَيْـنَ مُغْـتَـرِبٍِ=زاغَتْ إِلـى أُفُـقٍ بِالدَّمْعِ مُخْتَـمِـرِ(6)
إِنْ يَنْبَجِسْ أَغْـرَقَ الأَجْفـانَ في حِمَـمٍِ=أَوْ يَنْحَبِسْ أَلْهَـبَ الأَجْفـانَ بِالشَّـرَرِ
أَرادَ دَمْعـي عَزيـزاً في النَّوائِـبِ مَـنِْ=يَبْكيـهِ صَـبْري بِمَسْـفوحٍ وَمُنْهَمِـرِ
فَما سَـمِعْـتُ وَصايـا غالَبَـتْ فَمَـهُِ=بِالشُّكْرِ وَالصَّبْرِ في النُّعْمى وَفي الغُمَـرِ(7)
وَما لَثِـمْـتُ يَـداً بِالدَّاءِ مُثْـقَـلَـةًِ=وَلا حَضَنْـتُـهُ في الأَكْـفـانِ بِالبَصَـرِ
وفـي يَـدَيَّ رُعـاشٌ لَـنْ يُفارِقَهـاِ=إِلاّ لَـدى راقِـدٍ في اللَحْـدِ مُنْتَـظِـرِ
غـابَ الأَحِبَّـةُ.. في جَنْبَـيَّ مَرْقَـدُهُمِْ=وَفي الشَّـآمِ وَفي الأَحْـزانِ وَالحَسَـرِ(8)
وَفـي تَبـاريـحِ جُرْحٍ لا أُضَـمِّـدُهُِ=مَهْمـا تَقـادَمَ إِنْ تَنْـكَـأْهُ يَنْفَـجِـرِ
وَالشَّامُ -كَالجُرْحِ وَالأَحْبابِ- شـاهِدَةٌِ=عَلى دُعـائِيَ فَـوْقَ الحُجْـبِ والسُّـتُرِ
وَقَـدْ رَأَيْـتُ طُغاةَ الأَرْضِ قَدْ حُجِبـواِ=عَـنْ وَجْـهِ رَبِّكَ.. وَالنِّيـرانُ في سَـعَرِ
غربـة
وَرُبَّ طِفْـلٍ غَـدا فـي غَيْبَتـي رَجُلاًِ=وَفـي حَنيـنٍ مِـنَ العَيْنَيْـنِ مُنْحَـدِرِ
وَرُبَّ بِنْـتٍ غَـدَتْ أُمّـاً أُعانِـقُـهـاِ=في نَبْـضِ قَلْـبٍ بِطولِ البُعْـدِ مُنْفَطِـرِ
وَالعَيْشُ في غُرْبَـةٍ قَـدْ مَزَّقَـتْ أُسَـراًِ=كَالعَيْشِ مِنْ غُرْبَـةِ الأَحْرارِ في الأُسُـرِ(9)
وَقَدْ تَوالَـتْ جِـراحُ الغُرْبَتَيْـنِ مَعـاً ِ=في مَهْجَعي ما غَفَتْ عَيْنـي وَفي سَـهَري
وَجُرْحُ "عَكَّـا" عَلى الأَهْدابِ أَحْمِلُـهُِ=مُذْ مَزَّقَ الأَرْضَ ذو الأَنْيابِ وَالظُّفُـرِ(10)
وَلِلرَّضيـعِ شَـريـداً عَنْ مَرابِعِـهـا ِ=قَـلْـبٌ تَفَطَّـرَ إِنْ تَلْمَسْـهُ يَنْصَهِـرِ
سِـتُّونَ عامـاً.. عَروسُ البَحْرِ سـاهِرَةٌِ=في جُنْـحٍ لَيْـلٍ ثَقيـلٍ غَيْـرِ مُنْحَسِـرِ
وَالشَّمْسُ غارِقَـةٌ في رَمْـلِ سـاحِلِهـاِ=كَدَمْـعِ بَحْـرٍ مِنَ الأَحْـزانِ مُعْتَصَـرِ
إِلاَّ الشُّموخُ عَلـى أَسْـوارِ قَلْعَتِـهـاِ=إِلاَّ وَصـايـا صَـلاح الدِّيـن كَالدُّرَرِ
أَرْضٌ سَـبى عِفَّـةَ التَّاريخِ غـاصِبُهـاِ=وَالحَقَّ وَالأَمْـنَ حَـوْلَ البَحْـرِ وَالنَّهَـرِ
وَكُلَّمـا أَشْـرَقَـتْ آمـالُ عَوْدَتِنــاِ=تَغْـتالُهـ ذِلَّـةُ التَّسْـليمِ فـي صَغَـرِ
نادَتْـكَ مَكَّـةُ وَالبَيْـتُ العَتيـقُ بِهـاِ=وَحِـبُّ طِيبَـةَ نادى كُلَّ معْتَـمِـرِ(11)
مَتـى سَـتَنْصُـرُ أولى القِبْلَتَيْـنِ مَتـىِ=وَأَنْتَ إِنْ تَـرْجُـمِ الشَّـيْطانَ يَنْدَحِـرِِ
وَالشَّـامُ في دَمْعَتي وَالشَّـامُ في كَبِـديِ=وَفي اشْـتِياقٍ كَجُـرْحِ الشَّـامِ مُسْـتَعِرِ
وَالشَّـامُ في بُؤْبُؤِ العَـيْنَيْـنِ سـاكِنُهـاِ=وَالأَهْلُ في القَلْبِ مَهْما طالَ بي سَـفَري
فَعِشْـتُ أَعْزِفُ لَحْنَ الشَّـوْقِ مُصْطَبِراًِ=حَتَّى بَكى الصَّـبْرُ كَالأَشْـواقِ في وَتَري
وَغاصِـبُ الأَرْضِ شَـيْطانٌ تُقاتِـلُـهُِ=في كُلِّ عُـرْفٍ مِـنَ الأَعْـرافِ مُعْتَبَـرِ
وَلا يُجـاهِـدُ طـاغـوتٌ بِلا رَشَــدٍِ=فَحَـطِّـمِ السِّـجْنَ وَالأَغْلالَ تَنْتَصِـرِ
وَأَرْجِعِ الطُّهْـرَ لِلأَمْـواهِ فـي بَـرَدىِ=وَفي فِلِسْـطيـنَ لِلْكُثْبـانِ وَالغُـدُرِ(12)
عصـام
وَإِنْ رَأَيْـتَ دُعـاةَ الحَقِّ كُـنْ مَعَهُـمِْ=وَإِنْ رَأَيْـتَ رُعـاةَ البَغْـيِ فَازْدَجِــرِ
وَقَدْ صَحِبْتُ كَريـمَ النَّفْسِ فـي زَمَـنٍِ=بَكُلِّ صِـنْـفٍ مِـنَ الآثـامِ مُعْتَفِــرِ
"عِصـامُ" كانَ هُوَ الرَّبَّـانَ مَنْهَـجُـهُِ=في لُجَّـةِ المَـوْجِ كَالأَلْواحِ وَالدُّسُـرِ(13)
للهِ شُـكْري عَلى ما عِشْـتُ أَشْـهَـدُهُِ=دَرْبـاً سَـديداً وَيَنْبوعـاً مِنَ العِـبَـرِ
مَـنْ عَـزَّ بِاللهِ كـانَ العِـزُّ شـيمَتَـهُِ=وَفي رِعايَـةِ رَبِّ العَـرْشِ لَمْ يُضَـرِ(14)
وَمَـنْ تَواضَـعَ كانَ العِلْـمُ مَـرْكَبَـهُِ=وَالجَهْلُ مَرْكَبُ ذي كِبْـرٍ وَذي صَـعَـرِ
وَذو الجَهـالَـةِ لَمْ تُؤْمَـنْ إِسـاءَتُـهُِ=وَذو البَصيـرَةِ إِنْ تَنْـصَـحْهُ يَعْـتَبِـرِ
وَالدِّيـنُ يَحْضُنُ دُنْيـا المُـؤْمِنيـنَ وَفيِ=عَمـارَةِ الأَرْضِ تَقْـوى اللهِ فَاعْتَـمِـرِ
وَإِنْ زَهِـدْتَ فَلا تَـزْهَـدْ بِتَـقْـنِيَـةٍِ=وَارْفَـ ْ أَذانَـكَ في حَقْـلٍ وَمُخْتَـبَـرِ
وَكَـمْ فَقـيـرٍ عَفيفِ النَّفْـسِ تَغْبِطُـهُِ=وَكَـمْ ثَـرِيٍّ لِعِـزِّ النَّفْسِ مُفْـتَـقِـرِ
وَلَسْـتَ تُمْسِكُ مِنْ دُنْيـاكَ مِقْوَدَهـاِ=إِلاَّ بِحَـبْـلٍ مِـنَ الرَّحْمـنِ لا البَشَـرِ
وَعَدْلُ ربِّـكَ يَجْـزي كُلَّ مُجْـتَـرِمٍِ=مُسْتَنْسِر مِنْ بُغاثِ الأَرْضِ ذي أَشَـرِ(15)
إِنْ ماتَ صـارَ لِخِـزْيٍ غَيْـرِ مُحْتَـذَرِِ=أَوْ عاشَ عانـى عَذابَ الخِـزْيِ وَالحَذِرِ
وَلا تَسـامُحَ وَالإِنْسـانُ مُضْـطَـهَـدٌِ=وَلا مُغيـثَ سِـوى الإِسْـلامِ فَانْتَصِـرِ
وَفيـهِ ما رُمْـتَ مِنْ عَـدْلٍ وَمِنْ قِيَـمٍِ=فيـهِ الجِهـادُ وَفيـهِ الأمْنُ في وَزَرِ(16)
فَدَعْ سَـفيهاً يَرى في الجُبْـنِ حِكْمَتَـهُِ=وَاطْلُبْ حَكيماً جَريءَ القَلْبِ وَاسْتَشِـرِ
وَاعْمَـلْ وَكُنْ شـامِخـاً في كُلِّ مُقْتَحَمٍ ِ=وَالجِسْرَ بَيْنَ يَدَيْ جيلِ الهُدى الجَسِـرِ(17)
وَذاكَ مِنْ بَعْـضِ مـا الأُسْـتاذُ عَلَّمَنـيِ=تَـرْويـهِ لي سـيرَةٌ مِنْ أَطْهَـر السِّـيَرِ
وَما سَـمِعْـت مَـقـالاً لا يُجَـسِّـدُهُِ=صِدْقُ الفِعـالِ يُـرَبِّـي خيـرَةَ الزُّمَـرِ
مُذْ كُنْتُ أُكْبِـرُهُ فـي الشَّـامِ يَخْطُبُهـاِ=فَالحَـقُّ يَصْـدَعُ وَالطَّاغـوتُ في قَهَـرِ
ما هـانَ يَـوْماً وَلا هانَـتْ عَريكَـتُـهُِ=لِمـا تَتـالـى مِـنَ الأَحْقـادِ وَالنُّـذُرِ
وَفـي النَّوائِـبِ قَدْ حارَ الحَكيـمُ بِهـاِ=تَـراهُ يَشْـمَخُ مِثْلَ الطَّـوْدِ لَـمْ يَحَـرِ
وَذي "الشَّهيدَةُ" في العَلْيـاءِ راضِـيَـةٌِ=عَنْ قَلْبِ زَوْجٍ عَظيمِ الحُزْنِ لَمْ يَخُـرِ(18)
جَريـمَـةٌ هَزَّتِ الدُّنْيـا بَشـاعَتُـهـاِ=وَفي المَدامِـعِ لَـمْ يَجْـزَعْ مِنَ الغِيَـرِ(19)
وَفـي الثَّمـانيـنَ حَوْلاً لا يُطاوِعُـهـاِ=إِنْ تَشْـكُ مِنْ ثِقَـلِ الأَعْبـاءِ يَنْتَـهِـرِ
وَما ذَكَـرْتُ كَثـيـراً مِـنْ خَلائِقِــهِِ=أَخـاً كَبـيـراً وَإِنْسـانـاً بِلا كِـبِـرِ
وَلِلْكِـرامِ سَـجايـا لا يُحـاطُ بِـهـاِ=فـي مُسْـهَبٍ جـادَ بنيـاناً وَمُخْتَصَـرِ
مُعَلِّـمُ الجيـلِ فَاسْـتَبْشِـرْ بِصَحْوَتِـهِِ=وَلِلْمُعَ لِّـمِ فَضْـلٌ ظاهِــرُ الأَثَــرِ
ضيـاع
جيـلُ الجِهـادِ أَتى صُـهْيونَ فَارْتَعَدَتِْ=كَعَـرْشِ مُنْتَسِـبٍ زوراً إِلـى مُـضَـرِ
جيـلٌ يُنـادي مِنَ الأَقْصـى وَرَوَّعَـهُِ=صَـدى اسْـتِغاثاتِ أَهْلِ البَدْوِ وَالحَضَـرِ
مِنْ كُلِّ قَـوْمٍٍ هُـدى الإِسْلامِ حَرَّرَهُـمِْ=مِنْ كُلِّ شَـعْبٍ عَلى التَّاريـخِ مُفْتَخِـرِ
غَـدَوْا مُشـاعاً لِمُحْتَـلٍّّ وَطـاغِيَـةٍِ=فَأَصْـبَحَ ْ ذِمَّـةُ التَّـاريـخِ في هَـدَرِ
وَالأَرْضُ في قَبْضَـةِ الطُّغْيـانِ يَحْرِقُهـاِ=أَحْفادُ "نيـرو" بِحُمْـقٍ أَسْوَدٍ نَغِـرِ(20)
ما بَيْنَ عـادٍ عَلى الإِنْسـانِ في صَـلَفٍِ=وَعاقِـرٍ مِنْ جُـذورِ الأَرْضِ مُنْقَعِـرِ(21)
بَـيْـنَ السَّـجيـنِ وَشَـيْطانٍ يُعَذِّبُـهُِ=فَلا تُضـاهيـهِ أَفْـعـى مَرْتَـعٍ قَـذِرِ
بَيْـنَ المَواجِـعِ أَشْـباحاً بِمَخْمَـصَـةٍِ=والعُمْيِ وَالصُّمِّ صَرْعى اللَهْـوِ وَالبَطَـرِ
بَيْـنَ القُصـورِ وَقَـدْ ضَجَّت بَعَرْبَـدَةٍِ=تَزْهو بِمَن يَمْنَـحُ الأَسْمالَ لِلضُّمُـرِ(22)
وَرَقْصَـةِ المَـوْتِ في أَكْـواخِِ مَنْ مُنِحواِ=تَخيطُ أكفانَهُـمْ مِنْ مِنْحَـةِ المَـعِـرِ(23)
نَـرى الطُّفولَـةَ عَيْنـاً دونَ مَحْجِرِهـاِ=وَغائِـرَ العَيْـنِ مِنْ سُكْرٍ وَمِنْ دَعَـرِ(24)
نَـرى العِظـامَ مِـنَ الأَجْسـادِ ناتِئَـةًِ=نَـرى التَّعَـرِّيَ نَهْـجاً غَيْـرَ مُنْزَجِـرِ
وذا التَّحَـلُّلُ مِـنْ دينٍ وَمِنْ خُـلُـقٍِ=يُحَـرّرِِ الفِسْـقَ مِنْ عَقْـلٍ وَمِنْ خَفَـرِ
يُلْغي الحَيـاءَ.. فُجـوراً لا يَميـدُ بِـهِِ=تَكْبيـرُ طُهْـرٍ مَعَ الحَسْـناءِ مُنْفَـجِـرِ
يُلْغي الضَّميـرَ.. فَلا إِبْـداعَ أَشْـعَلَـهُ ِ=لِيُشْـعِـلَ الثَّـأْرَ في قَلْـبٍ مِنَ الحَجَـرِ
وَمـا التَّنَكُّـرُ لِلإِبـداعِِ إِنْ حَفِظَـتِْ=دُروبَـهُ قِـيَـمٌ تَسْـمو بِمُبْـتَـكِـرِ
سِـوى الشُّـذوذِ عَنِ الأَذْواقِ في أَدَبٍِ=لَـوْ يَعْقِـلِ الذَّوْقُ مـا قالـوهُ يَنْتَحِـرِ
والفـنّ يُذْبَـحُ ذَبْحـاً في مَسـارِحِهِمِْ=في اللَحْنِ لِلْبُجَـرِ وَالرَّقْصِ لِلْعُجَـرِ(25)
بِئْسَ التَّـبَـجُّحُ بِالإِغْـواءِ مَفْسَـدَةًِ=في لَوْثَةِ الفِسْـقِ أَوْ في سَكْرَةِ الخَمِـرِ(26)
تَحـارُ في عُصْـبَةِ الإِفْسـادِ فَلْسَـفَةٌِ=فيهـا الكَثيـرُ عَدا الإِلْحـادِ وَالعَهَـرِ
فَفيـمَ يُمْسَـخُ إِرْثُ الأَقْـدَميـنَ إِلىِ=كُفْرٍ وَعُهْـرٍ لَدى مُسْـتَكْبِرٍ نَـمِـرِ(27)
هُـوَ التَّفَـلْسُـفِ هَزْلاً دونَ فَلْسَـفَةٍِ=في عُرْفِـهِ حَوَلُ العَيْـنَـيْـنِ كَالحَـوَرِ
حَبـا "الحَداثَـةَ وَالتَّنْـويـرَ" عِلَّـتَـهُ ِ=مِنْ عُقْـمِ فِكْـرٍ عَلى التَّغْريبِ مُقْتَصِـرِ
وَمـا تَّشَـبَّثَ بِالتَّغْـريـبِ ذو نَظَـرٍِ=يَـرى عَـواقِبَ بانَتْ عِنْدَ مُخْتَبِــرِ
ذاكَ التَّحَـجُّـرُ لا تَـأْمَـنْ بوائِـقَـهُِ=مِنْ صُنْعِ عَقْلٍ صَريعِ العَجْزِ مُقْتَسَـرِ(28)
ذاكَ التَّخَلُّفُ عَـنْ عِلْـمٍ وَتَقْـنِـيَـةٍِ=وَكُلِّ فَـنٍّ أَصـيلٍ غَيْرِ مُبْتَسَــرِ(29)
وَعَـنْ تُـراثٍ عَـريقٍ غَيْـرِ مُتَّـهَـمٍِ=مِنْ جُهْدِ مُجْتَهِـدٍ أَوْ نَقْـدِ ذي نَظَـرِ
وَعَـنْ ثَوابِـتِ وَحْـيٍ لا يُـزَعْزِعُهـاِ=صُراخُ عَبْدٍ يُغَطِّي الشَّمْسَ بِالخُمُـرِ(30)
فواجـع
مَنْ يَهْجُـرِ العُرْوَةَ الوُثْقـى وَمَنْهَجَـهـاِ=يَعِشْ عَلى حَرْفِ جُـرْفٍ واهِنٍ خَطِـرِ
وَمَـنْ يُدَنِّسْ عَـزيـزاً عِنْـدَ أُمَّـتِـهِِ=يَقْطَـعْ وَشـائِجَـهُ عَنْهـا وَيَنْبَـتِـرِ
وَمَنْ يُمَزِّقْ عُرى المـاضـي بِحاضِـرِهِِ=يَطْعَـنْ بِمُسْـتَقْبَـلٍ حُـرٍّّ وَمُزْدَهِـرِ
وَالأَرْضُ كَالأَهْلِ بَيْنَ المَشْـرِقَيْنِ غَـدَتِْ=أَشْـلاءَ مِنْ جَسَـدٍ دامٍ وَمُنْشَـطِـرِ
فيهـا ضَـحايـا عَـدُوٍّ غادِرٍ شَـرِسٍِ=فيهـا الجِهـادُ سَـجينٌ دونَمـا عُـذُرِ
فيهـا الكَريـمُ لَدى الأَشْـرارِ مُرْتَهَـنٌِ=وَلَيْسَ فيهِـمْ كَـريـمٌ غَيـرُ مُحْتَقَـرِ
فيهـا سِـياطٌ دَمُ الأَحْـرارِ يُثْـمِلُهـاِ=نَخْـبَ التَّذَلُّـلِ لِلأَعْـداءِ فـي خَـوَرِ
فيهـا الصِّـغارُ طَواغيـتٌ كَسَـيِّدِهِمِْ=وَما تَسـاوَتْ نُيـوبُ الذِّئْـبِ وَالهِـرَرِ
فيهـا فِلِسْـطينُ تَنْعى بِانْتِفـاضَـتِهـاِ=مُـتـ جِـراً بِـدَمِ الثُّـوَّارِ وَالحَـجَـرِ
يَـبَـيْـعُ مُخْتَلِسـاً ما لَيْسَ يَمْلِـكُـهُِ=وَالسُّوقُ سوقُ سَـفيهٍ بَيِّـنِ العَـرَرِ(31)
فيهـا "الهَـوانُ مَعَ التَّطْويعِ" مَكْـرُمَـةٌِ=تُهْدي "السَّـلامَ مَعَ التَّطْبيعِ" لِلْغُـدَرِ(32)
وَالسِّـلْمُ يُطْلَـبُ بِاسْـتِجْداءِ قاتِلِهِـمْ ِ=فَلا "خِيـارَ" سِـوى اسْتِسْلامِ مُنْدَحِـرِ
فيهـا البُطولَـةُ في شـاشـانَ ثائِـرَةٌِ=وَفي العَداءِ تَنـادَتْ عُصْـبَةُ المِـئَـرِ(33)
فيهـا مَغـاوِرُ بِالأَفْـغـانِ سـامِقَـةٌِ=تَحَدَّتِ القَصْـفَ لِلإِنْسـانِ وَالصَّخَـرِ
فيهـا العِراقُ نَخيـلٌ شـامِـخٌ أَبَـداًِ=وَالهـونُ ضاجَعَ حُـكَّاماً عَلى السُّـرُرِ
وأَرْزُ لُبْـنـانَ تَحْتَ القَصْفِ مُحْتَـرِقٌِ=ما بَيْـنَ لِصٍّ وَسِـمْسـارٍ وَمُتَّـجِـرِ
وَشِـرْعَةُ الغـابِ لِلْعُـدوانِ حاضِنَـةٌِ=بِمَجْلِسٍ لِضُـروبِ الفَـتْـكِ مُحْتَكِـرِ
إِنْ يُغْمِضِ العَيْـنَ يُغْمِضْهـا بِمَذبَحَـةٍِ=وَالنَّـابُ يَغْرِسُـهُ في جُـرْحِ مُحْتَضِـرِ
قَـدِ انْتَضَتْ دَوْلَةُ الإِجْرامِ أَسْـلِحَـةً ِ=إِنْ تُلْـقِ سَـيْفَكَ لَمْ تُنْصَفْ وَلَمْ تُجَـرِ
فَبِئْسَ رَهْطٌ غَدَوْا في ذَيْلِـهـا خَدَمـاًِ=عَوْنـاً عَلى قَوْمِهِمْ عَوْناً عَلى الذَّمِـرِ(34)
مَن يَمْشِ في رَكْبِ أََمْريكا عَلى دَخَـنٍِ=هَيْهاتَ يَحْمي حِمى الصِّـدِّيقِ أَوْ عُمَـرِ
يَسـيرُ في الفِتْنَـةِ الكُبْرى "مُقـامَـرَةً"ِ=وَلِلدِّفـاعِ عَنِ الأَهْـليـنَ لَـمْ يَسِـرِ
يَرى البَسـالَـةَ طَيْشـاً أَوْ "مُغامَـرَةً"ِ=وَمِشْـعَلاً كاشِـفاً سَـوْءاتِ مُؤْتَمِـرِ
يَـرى المُقـاوِمَ "إِرْهـابـاً" تُحارِبُـهُِ=مَحـاوِرُ الشَّـرِّ وَالأَتْبـاعُ مِـنْ دُبُـرِ
يَقودُهُمْ نَفَـرٌ "بيـضٌ" غَـدَوْا هَمَجـاًِ=وَخَلْفَ أَذْيالِهِـمْ سِـرْبٌ مِنَ "السُّـمُرِ"
شـادوا "حَضارَةَ حُفَّـارِ القُبـورِ" فَهُمِْ=عارٌ عَلى قَوْمِهِـمْ عارٌ عَلى البَشَـرِ(35)
فَلا حَضـارَةَ وَالإِنْسـانُ فـي ضَـرَمٍِ=وَلا تَقَانَـةَ إِنْ تُطْفِـئ سَـنى السَّـحَرِ
وَلا تَقـدُّمَ وَالآهــاتُ شــاكِيَـةٌِ=فَدونَكَ الغـابُ إِنْ يَقْبَلْ بِذي دَخَـرِ(36)
فَـواجِـعٌ تُنْـزِلُ الإِنْسـانَ مَنْـزِلَـةًِ=دونَ الخَفـافيشِ وَالحِيتـانِ وَالحُـمُـرِ
فَواجِـعٌ زادَهـا اسْـتِمْراءُ عَلْقَمِهـاِ=وَلا سَـلامَـةَ إِنْ نَرْكُـنْ وَلَـمْ نَثُـرِ
نخبـة
هَيْهاتَ تَصْنَـعُ حُكَّامـاً عُروشُـهُـمُِ=عَلـى جَماجِـمِ مَفْجـوعٍ وَمُنْكَسِـرِ
قَـوْمٌ رَأَوْا هامِشَ التَّـاريـخِ يَلْفِظُهُـمِْ=وَوَصْمَةَ العـارِ تَغْشـاهُمْ مَدى العُصُـرِ
في السِّلْمِ أَمْسَـوْا بِلا هـامٍ وَلا هِمَـمٍِ=إِلاَّ عَلى العُزْلِِ وَالأَحْرارِ والخُـفَـرِ(37)
في الحَـرْبِ صاروا طَراطيـراً بِمَهْزَلَـةٍِ=وَمَنْ يُقّبِّـلْ يَدَ الجَـلاَّدِ يُحْتَـقِـرِ(38)
لا تَحْسَـبَنَّ رَقيـقَ الذُّلِّ قَدْ أَمِـنـواِ=مِنْ سُـخْطِ ذي الجَبَروتِ الحَقِّ وَانْتَظِـرِ
وَكَـمْ شَـكَوْنا شُـعوباً لا يُحَرِّكُهـاِ=فَتْـكُ العَـدُوِّ فَلَمْ تَصْرُخْ وَلَمْ تَـثُـرِ
وَما شَـكَوْنا صُنوفَ الفَتْـكِ تَقْمَعُهـاِ=وَاليَأْسَ مِنْ نُخَبٍ أَمْسَتْ عَلى دَجَـرِ(39)
كَأَنَّ نُخْبَتَـنـا مِـنْ غَيْـرِ أُمَّـتِـنـاِ=وَلَوْ صَدَقْنـا فَقَـدْ نَشْـكو مِنَ العَـوَرِ
تَخْتـالُُ في بُرْجِهـا العاجِـيِّ عَجْرَفَـةًِ=وَالبُـرْجُ مِـنْ خَشَـبٍ بِالوَحْلِ مُتَّـزِرِ
فَيَفْخَـرُ العَجْـزُ في حُكْمٍ وَفي نُخَـبٍِ=فَخْرَ الطَّواويسِ وَالأَثْـوابُ مِـنْ وَبَـرِ
أَيْنَ الزَّعاماتُ فـي الأَرْزاءِ تُرْشِـدُنـاِ=لا فـي احْتِفالٍ وَتَصْريـحٍ وَمُؤْتَـمَـرِ
أَيْـنَ المَهـاراتُ في تَخْطيـطِ نَهْضَتِنـاِ=لا في مَـزاعِـمِ دَجَّـالٍ وَمُبْتَـهِـرِ(40)
أَيْـنَ التَّفَـوُّقُ فـي فَـنٍّ وَتَقْنِيَــةٍِ=وَثَـوْرَ ُ العِـلْـمِ وَالآدابِ وَالفِـكَـرِ
قَـوْمٌ غَـدَوْا عالَةً لا نُخْبَـةً سَـبَقَتِْ=رَغْـمَ الجَـوائِـزِ وَالتَّصْفيـقِ وَالفَخَـرِ
إِلاَّ لَفيـفـاً مِـنَ الرُّوَّادِ فَـرَّقَـهُـمِْ="تَهْجيـرُ أَدْمِـغَـةٍ" وَالبَطْـشُ بِالخِيَـرِ
وَإِنْ تُسَـوِّغْ لَهُمْ إِثْـمـاً وَمَظْلِـمَـةً ِ=فَالزَّيـفُ بـادٍ عَلى الأَقْـلامِ وَالزُّبُـرِ
قـلـم
فَواجِـعٌ أَحْـرَقَـتْ مَنْ عاشَ في خَـدَرٍِ=وَأَلْهَبَـتْ قَلَمـاً لا عـاشَ فـي خَـدَرِ
فَواجِـعٌ مَزَّقَـتْ قَلْـبـي وَأَضْـلُعَـهُ ِ=وَكَـلَّ يَـوْمٍ مِنَ الأَيَّـامِ مِنْ عُمُـري
أَرى الطَّـواغيـتَ أَجْسـاداً مُحَنَّطَـةًِ=أَرى التَّماثيلَ مِنْ شَـمْعٍ وَمِنْ مَـدَرِ(41)
أَرى المَقـابِـرَ وَالدِّيـدانَ عابِـثَــةًِ=فيهـا بِكَوْمَـةِ عَظْـمٍ فاسِـدٍ نَـخِـرِ
فَلا أُهـادِنُ طـاغـوتـاً إِلـى أَمَـدٍ ِ=وَلا أُسـاوِمَ طاغوتـاً عَلـى مَـذَرِ(42)
وَلَنْ يَزيـغَ مَـعَ الأَهْـوالِ بـي بَصَـرٌِ=في مِحْنَـةِ المُرْهِبـاتِ السُّـودِ وَالحُمُـرِ
وَلن تَميـلَ مَـعَ الإِغْـراءِ بـي قَـدَمٌ=وَإِنْ تَسابَقَتِ الأَقْـدامُ فـي غَـرَرِ(43)
وَعِشْـتُ أَنْشُـرُ مـا يَنْصَبُّ مِنْ قَلَـمٍِ=بِالصِّـدْقِ مُلْتَـزِمٍ بِالحَـقِّ مُـؤْتَــزِرِ
فَلا أُزَيِّـنُ أَشْــعـاراً بِمَـلْحَـمَـةٍِ=بِالوَهْ مِ في أَمَـلٍ وَالإِفْـكِ في خَـبَـرِ
وَلا أُزَيِّـفُ نَصْـراً فـي القُعـودِ بِلاِ=عَـزْمٍ وَلا عَـمَـلٍ كَالواهِـمِ السَّـكِرِ
وَلا يُجـاهِـدُ حَقَّـاً في شَـريعَتِـنـاِ=إِلاَّ صَدوقٌ فَلَـمْ يَشْـطُـطْ وَلَمْ يَـذَرِ
وَلَسْـتُ أَطْلُـبُ زُلْـفى مِثْلَ مُنْتَـفِـعٍِ=كَفـاهُ لَعْـقُ صُـحونِ الحاكِمِ البَطِـرِ
فَكَـمْ كِتـابٍ وَفيـهِ الوِزْرُ مَحْـبَـرَةٌِ=وَكَمْ لِسانٍ يُرائـي باطِلَ الفُـجُـرِ(44)
وَلا يَـقيـكَ الأَذى ذُلٌّ لِطـاغِـيَـةٍِ=وَعِـزَّةُ النَّفْسِ لا تُغْنـيكَ عَـنْ حَـذَرِ
وَلَسْـتُ أَقْبَـلُ بِالإِحْبـاطِ في قَـلَـمٍِ=وَلا بِتـَثْبيـطِ مَكَّـارٍ ومُهْتَـصَـرِ(45)
وَكَـمْ تَبَـدَّلَ حـالٌ كُنْـتُ أَحْسَـبُهُِ=كَالرَّاسِـي اتِ مِـنَ الأَوْتـادِ وَالجُـدُرِ
إِلاَّ اليَقـينُ.. فَلا يَنْفَـكُّ يَعْـصِـمُنـيِ=في كُلِّ مُنْـزَلَـقٍ مِـنْ كُلِّ ذي ضَـرَرِ
مَنْ خاطَبَ الأَهْـلَ فَلْتَصْدُقْ سَـريرَتُـهُِ=وَكُلُُّ ذي قَلَمٍ لَـمْ يَـنْـجُ مِـنْ عَثَـرِ
وَقَـدْ تَدَفَّـقَ نَـزْفٌ مِنْ مَـواجِعِـنـاِ=عَبْرَ المِدادِ نَعـى الأَمْواتَ في الخُـدُرِ(46)
كَمـا تَدَفَّـقَـتِ الآمـالُ مُشْـرِقَـةًِ=بُشْـرى بِجـيـلٍ بِعَـوْنِ اللهِ مُنْتَصِـرِ
وَعِـزَّةُ النَّـفْسِ بِالإِسْـلامِ راسِـخَـةٌِ=كَنِعْمَـةِ الشُّـكْرِ في يُسْـرٍ وَفي عُسُـرِ
وَهـاكَ سِـتُّونَ عامـاً بَعْدَ مَغْـرِبِهـاِ=كَأَنَّهـا وَمْضَـةٌ في مُنْتَـهـى القِصَـرِ
إِنْ كُنْتَ تَذْكُرُ نَـزْراً مِنْ مَشـاهِدِهـاِ=فَفي تَقَلُّـبِـهـا ذِكْـرى لِمُـدَّكِـرِ
فَاطْلُبْ بِرَحْمَتِـهِ اِلرِّضْـوانَ مُبْـتَهِـلاًِ=ما مِنْ ذُنـوبِكَ ذَنْـبٌ غَيْـرُ مُغْتَـفَـرِ
آمَـنْـتَ بِاللهِ لَـمْ تُشْـرِكُ بِـهِ أَبَـداًِ=وَإِنْ زَلَلْـتَ هُوَ التَّـوَّابُ فَـاعْـتَـذَرِ
وَذا رَجـاؤُكَ رَبُّ العَـرْشِ يَعْـرِفُـهُِ=فَالعَفْـوُ إِنْ نِلْـتَ عَفْواً غايَـةُ الظَّفَـرِ
هوامش
1- القَتَر: جمع قَتَرَة، وهي الغبرة يعلوها سواد كالدّخان.
2- السَّـدَر: ضعف البصر وحيرته.
3- الأسمال: جمع سَمَل، وهو الثوب البالي العتيق. الوَذَر: جمع وَذْرة، وهي قطعة اللحم الصغيرة
4- خَتَر: متعدّد المعاني، وهو هنا الفتور والخَدَر.
5- الضَّجِر: مَن أصابه الضيق والانزعاج.
6- بالدمع مُخْتَمِر: يواريه الدمع كما لو اختمر بخمار.
7- الغُمَر: جمع غُمْرة، وهي الشدّة.
8- الحَسَر: التعب والإعياء.
9- الأُسُر: جمع إسار، وهو القيد.
10- عكّا: على ساحل فلسطين، وهي مسقط رأس صاحب هذه الأبيات. الظُّفُر: هو الظُّفْر بسكون الفاء أيضا، وذو الأنياب والظّفُر، هو غاصب الأرض بوحشيةِ ذواتِ الأنياب والمخالب.
11- حِبّ طيبة: حبيب المدينة المنوّرة صلى الله عليه وسلّم.
12- الغُدُر: جمع غدير، وهي تجمّعات الماء التي تجفّ في الصيف.
13- عصام: عصام العطار
14- لم يُضَرِ: لم يصب بضرر، من ضارَ، يُضير، يُضار.
15- مُسْتَنْسِر: صار كالنسر أو ذاك مطلبه، بُغاث: جمع أبغث، وهو الطير الضعيف، أَشَر: بطر.
16- في وَزَر: في منعة، والوَزَر: الجبل المنيع، وكلّ ما يصلح للتحصّن به.
17- مُقْتَحَم: الأمر الجليل إذا اقتحمته، الجَسِر: الجسور الشجاع.
18- الشهيدة: بنان الطنطاوي العطار، اغتيلت في منزلها في مدينة آخن الألمانية يوم 17/3/1981م، لم يَخُر: من يخور، أي لم يضعف.
19- الغِيَر: التغيّر من حال إلى حال، وغالبه من صلاح إلى فساد
20- نيرو: القيصر الروماني الذي اشتهر بحرقه روما، نَغِر: غاضب يغلي قلبه غيظا.
21- عاقِر: العاقر من لا ينجب ولدا، والأرض العاقر هي التي لا تُعطي زرعا، كناية عن الحاكم العاقر الذي لا يعطي البلد والشعب خيرا، مُنْقَعِر: منقطع منقلع من جذوره.
22- الضُّمُر: جمع ضامر وهو النحيل.
23- المَعِر: البخيل القليل الخير.
24- دَعَر: الفساد.
25- البُجَر: جمع بَجِر، متعدّدة المعاني، تشمل بروز البطن وظهور العيوب، العُجَر: شبيهة بها، ويُقال: أظهر عجره وبجره أي كافّة مساوئه، وأصل العجرة العقدة والانتفاخ في الظهر أو عموم الجسم، والبجرة إن كانت في السرّة والبطن خاصّة.
26- الخَمِر: من أفقدته الخمرة عقله.
27- إرث الأقدمين: إشارة إلى ما خلّفه الفلاسفة القدماء وفيه ما يُقبل ويُرفض، نَمِر: سيّئ الخلق، متشبّه بالنّمر، الذي يوصف بأنّه أخبث السباع.
28- مُقْتَسَر: مغلوب على أمره قسرا.
29- مُبْتَسَر: مقتطع مأخوذ من غير موضعه.
30- الخُمُر: جمع خمار، وهو غطاء الرأس أو الوجه.
31- العَرَر: المرض، وأصله الجَرَب.
32- الغُدَر: الغادر الذي اشتهر بغدره فهو ينادى به.
33- شاشان، هكذا اسمها في كتب التاريخ العربية، وشاع في تسميتها اسم الشيشان حديثا، المِئَر: جمع مِئْرَة وهي العداوة الحاقدة.
34- الذّمِر: الشجاع الذي يغضب لهتك الذَّمار من حرمات وأهل.
35- "حضارة حفّار القبور": عنوان أحد كتب رجاء روجيه جارودي، عن الحضارة الغربية.
36- بذي دَخَر: بذليل صاغر.
37- العُزْل: جمع أعزل، من لا سلاح لديه يدفع به عن نفسه، الخُفَر: جمع خَفْرة، وهي الذمّة وعموم ما يجار ويحمى ويُحرس.
38- طَراطير: جمع طَرطور: الضعيف الوغد.
39- الدَّجَر: الحيرة والحماقة.
40- مُبْتَهِر: هو المدّعي الكاذب، من الابتهار.
41- أجساد محنّطة: إشارة إلى من حُفظت أجسادهم من الطغاة الأقدمين تحنيطا كفراعنة مصر، مَدَر: جمع مَدَرة، وهي قطعة الطين اليابس، إشارة إلى بعض ما تصنع منه التماثيل والنصب.
42- مَذَر: الفساد، وأصله الفساد في البيض، وتمذّرُ النفسِ خبثُها.
43- غَرَر: هو الخطر والخداع والاغترار بظاهر الأمور، ومنه بيع الغَرَر.
44- الفُجُر: جمع فاجر.
45- مُهْتَصَر: المنحني كالعود تشدّه من طرفيه فيتقوّس وسطه.
46- الخُدُر: مخففة من الخدور، جمع خِدْر، وهو مهجع النساء.
رحيـل
غابَ النَّهـارُ وَجُـلُّ اللَيْـلِ وَالسَّـحَرِ=فَاهْجُـرْ فِراشَـكَ هـذا مَوْعِدُ السَّـفَرِ
وَرْدِيُّ حُلْمِـكَ لَـوْنُ الوَرْدِ فـارَقَــهُِ=مِنْ بَعْدِ وَمْضٍ مَضى مِنْ سـالِفِ العُمُـرِ
فَاثَّـاقَلَ الخَطْـوُ وَالأَعْضـاءُ أَجْهَدَهـاِ=فَصْـلٌ يُـوَدِّعُ فَصْـلاً غَيْـرَ مُعْتَـذِرِ
وَفـي الحَيـاةِ رَبـيـعٌ لا يَـؤوبُ وَلَمْ ِ=يَتْـرُكْ بِدَوْحِـكَ إِلاَّ مُتْعَـبَ الشَّـجَرِ
وَكَمْ لَبِسْـتَ جَـديـداً سَـرَّ مَلْبَسُـهُِ=وَالنَّسْـجُ نَسْـجُ عَتيـقِ الخَيْطِ وَالإِبَـرِ
فَهَـلْ رَأَيْـتَ خُطـى الأَيَّـامِ تُلْبِسُـناِ=ثَـوْبَ الخُلودِ نَعيمـاً أَوْ لَظى صَـقَـرِ
وَمـا أَراكَ إِذا اسْـتَقْبَلْتَ يَـوْمَ غَـدٍِ=إِلاَّ مُـوَدِّعَ هـذا اليَـوْمِ فَـاعْتَـبِـر
سِـتُّونَ عاماً عَلى صَـدْغَيْـكَ راقِـدَةٌِ=في رَحْـمِ يَـوْمٍ بِحُجْبِ الغَيْبِ مُسْـتَتِرِ
وَلَسْـتَ تَأْمَـنُ هـذا اليَـوْمَ مُنْقَلَبـاًِ=وَلا تُعَـمَّـرُ إِلاَّ فـي فَـمِ الخَـطَــرِ
ما شِـئْتَ مِنْ أَمَلٍ أَوْ خِـفْتَ مِنْ أَلَـمٍِ=هَيْهاتَ يُبْدِلُ ما فـي جُـعْبَـةِ القَـدَرِ
وَمَنْ رَأى المَوْتَ مِفْتـاحَ الحَيـاةِ سَـعىِ=حَتَّـى المَماتِ فَلَمْ يَقَـعُـدْ وَيَنْتَـظِـرِ
وَمَـنْ يَجِـدُّ يَـرَ المَـأْمـولَ في غَـدِهِِ=وَما جَنـى طالِبُ الدُّنْيا سِـوى الخُسُـرِ
قَـدْ لا يَكونُ غَـدٌ لِلنَّاظِـريـنَ غَـداًِ=وَمـا عَرَفْـتُ جَديـداً غَيْـرَ مُنْدَثِـرِ
فَلُؤْلُـؤُ الفَجْـرِ وَالآفـاقُ تَحْضُـنُـهُِ=مِنْ دَمْـعِ لَيْـلٍ عَلى الآفـاقِ مُحْتَضَـرِ
وَحُمْـرَةُ الشَّمْسِ وَالإِشْـراقُ يَتْبَعُـهـاِ=رَمادُ جَمْـرَتِهـا في مَغْـزَلِ القَـتَـرِ(1)
وَمـا الجَـديـدانِ وَالأَيَّـامُ مُقْبِـلَـةٌِ=بِكلِّ ما يَسْـلِبُ الأَلْبـابَ مِـنْ وَطَـرِ
إِلاّ عَتيـقَـيْـنِ وَالأَيَّـامُ راحِـلَــةٌِ=بِما تَلاشـى مَعَ الأَوْهـامِ وَالسَّـدَرِ(2)
فَـلا يَـغُـرَّكَ يَـومٌ هَـلَّ مُبْتَسِـمـاًِ=وَفـي مَآقيـهِ لاحَـتْ دَمْعَـةُ المَطَـرِ
وَلا تَخَـفْ مِـنْ دُجى الظَّلْماءِ في أُفُـقٍِ=وَالْجَـأْ إِلى الخالِـقِ الباري بِهِ اسْـتَجِرِ
لَمْ يَبْـقَ غَيْـرُ لَيـالٍ أَوْ أَقَـلَّ فَخُـذِْ=مِنْها التَّبَـتُّـلَ فـي اسْـتِغْفارِ مُقْتَـدِرِ
كَمـا حَلِلْـتَ عَلـى الدُّنْيـا تُفارِقُهـاِ=فَـرْداً عَلى مَوْعِدٍ في الغَيْـبِ مُسْـتَطَرِ
هُـوَ الرَّحـيـلُ بِـلا زادٍ وَلا أَمَــلٍِ=أَوِ الرَّحيـلُ مَـعَ التَّقْـوى لِمُـدَّخِـرِ
دنيـا
يا أَنْتَ.. ما أَنْتَ في تَعْـدادِ مَنْ رَحَلـواِ=وَراحِليـنَ عَـنِ الدُّنْيـا مِـنَ البَشَـرِ
يا أَنْتَ.. ما أَنْتَ في تَعْـدادِ مَنْ قَدِمـواِ=وَقادِميـنَ عَلـى الدُّنْيـا مِـنَ الأُخَـرِ
وَما كَسَـبْتَ إِذا مـا كُنْـتَ خادِمَهـاِ=إِلاَّ بَـقـايـا مِنَ الأَسْـمـالِ وَالوَذَرِِ(3)
سَـحابَةُ الصَّـيْفِ لا غَيْثـاً بِصُحْبَتِهـاِ=سِوى رَذاذٍ كَدَمْـعِ القَيْـظِ مُنْـتَـثِـرِ
دُنْيـا.. كَبَـرْقٍ بِلا نـورٍ يُخَـلِّـفُـهُِ=كَالرَّعْ ِ دونَ صَدىً فـي مَسْمَعِ القَفَـرِ
دُنْيـا.. إِذا أَقْبَلَـتْ تُغْريـكَ فِتْنَتُـهـاِ=بِبـارِقٍ مِـنْ وِصـالٍ دائِـمٍ نَضِــرِ
لا تَأْمَـنِ الهَجْـرَ فـي أَحْضانِ غانِيَـةٍِ=تَأْتي وَتَمْضي.. فَلَـمْ تَمْكُثْ وَلَـمْ تَـزُرِ
دُنْيـاكَ إِنْ تَخْـدِمِ الدَّيَّـانَ خـادِمَـةٌِ=وَإِنْ عَصَـيْتَ عَنـاءٌ غَيْـرُ مُؤْتَـجَـرِ
وَأَنْتَ لَوْ تَمْلِكِ الدُّنْيـا وَما جَمَـعَـتِْ=كَقابِضِ المـاءِ.. لَمْ تُمْسِـكْ وَلَمْ تَـذَرِ
سَـكينَةُ النَّفْسِ كَنْـزٌ لِلْقَنـوعِ وَكَـمِْ=يُسْـتَعْبَـدُ العَبْـدُ في أَطْماعِـهِ الكُثُـرِ
أَيْنَ الأَمانـي.. مَـدارُ الفُـلْكِ مَرْكَبُهـاِ=أَيْـنَ الرُّكـونُ لِعَيْـشٍ راغِـدٍ غَضِـرِ
أَيْنَ الشَّـبابُ.. وَهَلْ أَبْقى سِـوى زَبَـدٍِ=عَلى مَدامِـعَ مِـنْ ذِكْـرى بِمُنْحَـدَرِ
أَيْنَ الصِّحابُ.. دُروبُ الجِـدِّ تَجْمَعُهُـمِْ=طَوْراً..وَ َوْراً ضُـروبُ الهَـزْلِ وَالهَـذَرِ
قَـدْ فَرَّقَـتْنـا بِدُنْيـانـا مَسـالِكُهـاِ=وَالكُلُّ مـاضٍ عَنِ الدُّنْيـا إِلـى الحُفَـرِ
وَلَسْتَ تَجْنـي سِـوى ما أَنْتَ زارِعُـهُِ=فَأَحْسِـنِ البَذْرَ تَحْصِـدْ طَيِّـبَ الثَّمَـرِ
وَلا يَطيبُ سِـوى ما صَـحَّ مِنْ عَمَـلٍِ=إِذا تَطَـهَّـرَ بِالإيـمـانِ مِـنْ وَضَـرِ
هنـاء
وَأَنْـعُـمُ اللهِ فَـوْقَ الحَصْـرِ سـابِغَـةٌِ=وَالفَضْـلُ فَضْلُـهُ مَـنْ يَطْلُـبْـهُ يُغْتَمَـرِِ
إِنْ أَوْحَشَتْ غُرْبَتـي بِالحُـبِّ نَـوَّرَهـاِ=ربٌّ يُنـيـرُ دُجـى الظَّـلْمـاءِ بِالقَمَـرِ
وَالحُـبُّ تِـرْيـاقُ قَلْبـي مِنْ مَواجِعِـهِِ=وَفـي حَياتـي "هَـنـاءٌ" دونَمـا كَـدَرِ
هِيَ الرَّفيـقَـةُ في الحِرْمـانِِ مِنْ بَلَـديِ=كَنـورِ بَـدْرٍ بِجَـوْفِ اللَيْـلِ مُنْتَشِــرِ
تُثَبِّـتُ الخَطْـوَ فـي دَرْبٍ بِلا أُفُــقٍِ=في رِحْلَـةِ العُمْـرِ عَبْرَ السَّـهْلِ وَالوَعِـرِ
أَهْـدَتْ إِلَيَّ مِنَ الإيـمـانِ مُعْـجِـزَةًِ=كَوابِلٍ فَـجَّـرَ الأَمْـواهَ فـي الصَّـحَرِ
وَمِـنْ طُمَأْنينَـةٍ فـي النّفْسِ عـامِـرَةٍِ=بَـرْدَ السَّـكينَةِ نَبْـعـاً عابِـقَ الزَّخَـرِ
وَأَرْغَمَتْ مِحْنَـةَ التَّشْريـدِ صـابِـرَةًِ=عَلـى العَـوادي بِلا مَـنٍّ وَلا ضَـجَـرِ
فَأَتْعَبَـتْ عَاشِـقاً تَعْـصيـهِ ريشَـتُـهُِ=مَهْمـا تَلأْلأَ صِدْقُ العِشْـقِ في الصُّـوَرِ
وَلا يَفـي حَقَّـهـا إِبْـداعُ ذي قَلَـمٍٍِ=وَلَوْ وَشـى حَـرْفَـهُ بِالتِّـِبْـرِ وَالدُّرَرِ
إِنْ تَطْلُبِ الهَـدْيَ تَطْرُقْ بابَ رَحْمَـتِـهِ ِ=أَوْ تَطْـلُبِ الحَـقَّ بِالقُرْآنِ تَسْـتَـنِـرِ
وَزادُهـا العِلْـمُ بِالتَّقْـوى تُحَصِّنُــهُِ=ذِكْـراً وَشُكْراً وَتَسْبيحاً بِلا خَـتَـرِ(4)
فَأَيْـنَ أَنْـتَ وَمـا تَرْوي بِقـافِيَــةٍِ=مِنْ نَبْعَـةٍ يَرْتَـوي مِنْها شَـذى الزَّهَـرِ
تَسْـقي البُذورَ حَناناً سـاغَ مَشْـرَبُـهُِ=مِـنْ قَـلْـبِ أُمٍّ رِواءً غَـيْـرَ مُعْتَكِـرِ
وَقَـدْ رَأَيْـتُ مَعَ الأَحْفـادِ ما وَصَلَتِْ=بِـهِ المَـحَـبَّـةَ لِلأَوْلادِ في الصِّـغَـرِ
وَأُشْـهِـدُ اللهَ أَنّـي فـي أُمومَتِـهـاِ=عايَشْتُ ما ثَبَّـتَ المَعْصومُ فـي الأَثَـرِ
جَنَّـاتُ عَدْنٍ لَدى أَقْدامِهـا وُضِعَـتِْ=وَفـي العُقـوقِ فَحيـحُ النَّارِ فَاحْتَـذِرِ
حرمـان
وَلا أُمَـيِّـزُ إِنْسـانـاً بِمَـرْتَـبَــةٍِ=مِثْلَ الأُمومَـةِ تاجـاً عِنْـدَ ذي نَظَـرِ
وَقَـدْ حُـرِمْتُ جِوارَ الأُمِّ مُغْـتَـرِبـاًِ=وَأَحْمَد اللهَ حَمْـدَ العَبْـدِ لا الضَّجِـرِ(5)
حُرِمْتُ مِنْ حَمْلِ جُثْمـانٍ عَلى كَتِـفٍِ=وَمِـنْ مُواسـاةِ مَحْـزونٍ وَمُصْطَـبِـرِ
وَمِـنْ تِـلاوَةِ ذِكْـرٍ يَـوْمَ وَدَّعَـهـاِ=ما انْهَـلَّ منْبَثِـقـاً مِنْ أَعْيُـنِ الصُّبُـرِ
أَنَّـى يَفيهـا دُعـاءٌ كُلَّمـا ذُكِـرَتِْ=بَعْضَ السَّـخاءِ عَطـاءً غَيْـرَ مُنْبَـتِـرِ
تُعْطيكَ إِنْ أخَـذَتْ تُعْطيكَ إِنْ حُرِمَـتِْ=تُعْطيـكَ في الصِّغَـرِ تُعْطيكَ في الكِبَـرِ
فَاغْنَـمْ مِنَ العَيْشِ بِـرَّاً لا تُعَـوِّضُـهُِ=دُنْيـا التُّـرابِِ وَلَيْسَ التِّبْـرُ كَالعَـفَـرِ
وَقَدْ حَمَلْتُ أَبـي في القَلْبِ أُسْـمِعُـهُ ِ=تِـلاوَةَ القَلْـبِ بَعْـضَ الآيِ وَالسُّـوَرِ
إِذْ وَدَّعَ الأَهْـلَ إِلاَّ عَيْـنَ مُغْـتَـرِبٍِ=زاغَتْ إِلـى أُفُـقٍ بِالدَّمْعِ مُخْتَـمِـرِ(6)
إِنْ يَنْبَجِسْ أَغْـرَقَ الأَجْفـانَ في حِمَـمٍِ=أَوْ يَنْحَبِسْ أَلْهَـبَ الأَجْفـانَ بِالشَّـرَرِ
أَرادَ دَمْعـي عَزيـزاً في النَّوائِـبِ مَـنِْ=يَبْكيـهِ صَـبْري بِمَسْـفوحٍ وَمُنْهَمِـرِ
فَما سَـمِعْـتُ وَصايـا غالَبَـتْ فَمَـهُِ=بِالشُّكْرِ وَالصَّبْرِ في النُّعْمى وَفي الغُمَـرِ(7)
وَما لَثِـمْـتُ يَـداً بِالدَّاءِ مُثْـقَـلَـةًِ=وَلا حَضَنْـتُـهُ في الأَكْـفـانِ بِالبَصَـرِ
وفـي يَـدَيَّ رُعـاشٌ لَـنْ يُفارِقَهـاِ=إِلاّ لَـدى راقِـدٍ في اللَحْـدِ مُنْتَـظِـرِ
غـابَ الأَحِبَّـةُ.. في جَنْبَـيَّ مَرْقَـدُهُمِْ=وَفي الشَّـآمِ وَفي الأَحْـزانِ وَالحَسَـرِ(8)
وَفـي تَبـاريـحِ جُرْحٍ لا أُضَـمِّـدُهُِ=مَهْمـا تَقـادَمَ إِنْ تَنْـكَـأْهُ يَنْفَـجِـرِ
وَالشَّامُ -كَالجُرْحِ وَالأَحْبابِ- شـاهِدَةٌِ=عَلى دُعـائِيَ فَـوْقَ الحُجْـبِ والسُّـتُرِ
وَقَـدْ رَأَيْـتُ طُغاةَ الأَرْضِ قَدْ حُجِبـواِ=عَـنْ وَجْـهِ رَبِّكَ.. وَالنِّيـرانُ في سَـعَرِ
غربـة
وَرُبَّ طِفْـلٍ غَـدا فـي غَيْبَتـي رَجُلاًِ=وَفـي حَنيـنٍ مِـنَ العَيْنَيْـنِ مُنْحَـدِرِ
وَرُبَّ بِنْـتٍ غَـدَتْ أُمّـاً أُعانِـقُـهـاِ=في نَبْـضِ قَلْـبٍ بِطولِ البُعْـدِ مُنْفَطِـرِ
وَالعَيْشُ في غُرْبَـةٍ قَـدْ مَزَّقَـتْ أُسَـراًِ=كَالعَيْشِ مِنْ غُرْبَـةِ الأَحْرارِ في الأُسُـرِ(9)
وَقَدْ تَوالَـتْ جِـراحُ الغُرْبَتَيْـنِ مَعـاً ِ=في مَهْجَعي ما غَفَتْ عَيْنـي وَفي سَـهَري
وَجُرْحُ "عَكَّـا" عَلى الأَهْدابِ أَحْمِلُـهُِ=مُذْ مَزَّقَ الأَرْضَ ذو الأَنْيابِ وَالظُّفُـرِ(10)
وَلِلرَّضيـعِ شَـريـداً عَنْ مَرابِعِـهـا ِ=قَـلْـبٌ تَفَطَّـرَ إِنْ تَلْمَسْـهُ يَنْصَهِـرِ
سِـتُّونَ عامـاً.. عَروسُ البَحْرِ سـاهِرَةٌِ=في جُنْـحٍ لَيْـلٍ ثَقيـلٍ غَيْـرِ مُنْحَسِـرِ
وَالشَّمْسُ غارِقَـةٌ في رَمْـلِ سـاحِلِهـاِ=كَدَمْـعِ بَحْـرٍ مِنَ الأَحْـزانِ مُعْتَصَـرِ
إِلاَّ الشُّموخُ عَلـى أَسْـوارِ قَلْعَتِـهـاِ=إِلاَّ وَصـايـا صَـلاح الدِّيـن كَالدُّرَرِ
أَرْضٌ سَـبى عِفَّـةَ التَّاريخِ غـاصِبُهـاِ=وَالحَقَّ وَالأَمْـنَ حَـوْلَ البَحْـرِ وَالنَّهَـرِ
وَكُلَّمـا أَشْـرَقَـتْ آمـالُ عَوْدَتِنــاِ=تَغْـتالُهـ ذِلَّـةُ التَّسْـليمِ فـي صَغَـرِ
نادَتْـكَ مَكَّـةُ وَالبَيْـتُ العَتيـقُ بِهـاِ=وَحِـبُّ طِيبَـةَ نادى كُلَّ معْتَـمِـرِ(11)
مَتـى سَـتَنْصُـرُ أولى القِبْلَتَيْـنِ مَتـىِ=وَأَنْتَ إِنْ تَـرْجُـمِ الشَّـيْطانَ يَنْدَحِـرِِ
وَالشَّـامُ في دَمْعَتي وَالشَّـامُ في كَبِـديِ=وَفي اشْـتِياقٍ كَجُـرْحِ الشَّـامِ مُسْـتَعِرِ
وَالشَّـامُ في بُؤْبُؤِ العَـيْنَيْـنِ سـاكِنُهـاِ=وَالأَهْلُ في القَلْبِ مَهْما طالَ بي سَـفَري
فَعِشْـتُ أَعْزِفُ لَحْنَ الشَّـوْقِ مُصْطَبِراًِ=حَتَّى بَكى الصَّـبْرُ كَالأَشْـواقِ في وَتَري
وَغاصِـبُ الأَرْضِ شَـيْطانٌ تُقاتِـلُـهُِ=في كُلِّ عُـرْفٍ مِـنَ الأَعْـرافِ مُعْتَبَـرِ
وَلا يُجـاهِـدُ طـاغـوتٌ بِلا رَشَــدٍِ=فَحَـطِّـمِ السِّـجْنَ وَالأَغْلالَ تَنْتَصِـرِ
وَأَرْجِعِ الطُّهْـرَ لِلأَمْـواهِ فـي بَـرَدىِ=وَفي فِلِسْـطيـنَ لِلْكُثْبـانِ وَالغُـدُرِ(12)
عصـام
وَإِنْ رَأَيْـتَ دُعـاةَ الحَقِّ كُـنْ مَعَهُـمِْ=وَإِنْ رَأَيْـتَ رُعـاةَ البَغْـيِ فَازْدَجِــرِ
وَقَدْ صَحِبْتُ كَريـمَ النَّفْسِ فـي زَمَـنٍِ=بَكُلِّ صِـنْـفٍ مِـنَ الآثـامِ مُعْتَفِــرِ
"عِصـامُ" كانَ هُوَ الرَّبَّـانَ مَنْهَـجُـهُِ=في لُجَّـةِ المَـوْجِ كَالأَلْواحِ وَالدُّسُـرِ(13)
للهِ شُـكْري عَلى ما عِشْـتُ أَشْـهَـدُهُِ=دَرْبـاً سَـديداً وَيَنْبوعـاً مِنَ العِـبَـرِ
مَـنْ عَـزَّ بِاللهِ كـانَ العِـزُّ شـيمَتَـهُِ=وَفي رِعايَـةِ رَبِّ العَـرْشِ لَمْ يُضَـرِ(14)
وَمَـنْ تَواضَـعَ كانَ العِلْـمُ مَـرْكَبَـهُِ=وَالجَهْلُ مَرْكَبُ ذي كِبْـرٍ وَذي صَـعَـرِ
وَذو الجَهـالَـةِ لَمْ تُؤْمَـنْ إِسـاءَتُـهُِ=وَذو البَصيـرَةِ إِنْ تَنْـصَـحْهُ يَعْـتَبِـرِ
وَالدِّيـنُ يَحْضُنُ دُنْيـا المُـؤْمِنيـنَ وَفيِ=عَمـارَةِ الأَرْضِ تَقْـوى اللهِ فَاعْتَـمِـرِ
وَإِنْ زَهِـدْتَ فَلا تَـزْهَـدْ بِتَـقْـنِيَـةٍِ=وَارْفَـ ْ أَذانَـكَ في حَقْـلٍ وَمُخْتَـبَـرِ
وَكَـمْ فَقـيـرٍ عَفيفِ النَّفْـسِ تَغْبِطُـهُِ=وَكَـمْ ثَـرِيٍّ لِعِـزِّ النَّفْسِ مُفْـتَـقِـرِ
وَلَسْـتَ تُمْسِكُ مِنْ دُنْيـاكَ مِقْوَدَهـاِ=إِلاَّ بِحَـبْـلٍ مِـنَ الرَّحْمـنِ لا البَشَـرِ
وَعَدْلُ ربِّـكَ يَجْـزي كُلَّ مُجْـتَـرِمٍِ=مُسْتَنْسِر مِنْ بُغاثِ الأَرْضِ ذي أَشَـرِ(15)
إِنْ ماتَ صـارَ لِخِـزْيٍ غَيْـرِ مُحْتَـذَرِِ=أَوْ عاشَ عانـى عَذابَ الخِـزْيِ وَالحَذِرِ
وَلا تَسـامُحَ وَالإِنْسـانُ مُضْـطَـهَـدٌِ=وَلا مُغيـثَ سِـوى الإِسْـلامِ فَانْتَصِـرِ
وَفيـهِ ما رُمْـتَ مِنْ عَـدْلٍ وَمِنْ قِيَـمٍِ=فيـهِ الجِهـادُ وَفيـهِ الأمْنُ في وَزَرِ(16)
فَدَعْ سَـفيهاً يَرى في الجُبْـنِ حِكْمَتَـهُِ=وَاطْلُبْ حَكيماً جَريءَ القَلْبِ وَاسْتَشِـرِ
وَاعْمَـلْ وَكُنْ شـامِخـاً في كُلِّ مُقْتَحَمٍ ِ=وَالجِسْرَ بَيْنَ يَدَيْ جيلِ الهُدى الجَسِـرِ(17)
وَذاكَ مِنْ بَعْـضِ مـا الأُسْـتاذُ عَلَّمَنـيِ=تَـرْويـهِ لي سـيرَةٌ مِنْ أَطْهَـر السِّـيَرِ
وَما سَـمِعْـت مَـقـالاً لا يُجَـسِّـدُهُِ=صِدْقُ الفِعـالِ يُـرَبِّـي خيـرَةَ الزُّمَـرِ
مُذْ كُنْتُ أُكْبِـرُهُ فـي الشَّـامِ يَخْطُبُهـاِ=فَالحَـقُّ يَصْـدَعُ وَالطَّاغـوتُ في قَهَـرِ
ما هـانَ يَـوْماً وَلا هانَـتْ عَريكَـتُـهُِ=لِمـا تَتـالـى مِـنَ الأَحْقـادِ وَالنُّـذُرِ
وَفـي النَّوائِـبِ قَدْ حارَ الحَكيـمُ بِهـاِ=تَـراهُ يَشْـمَخُ مِثْلَ الطَّـوْدِ لَـمْ يَحَـرِ
وَذي "الشَّهيدَةُ" في العَلْيـاءِ راضِـيَـةٌِ=عَنْ قَلْبِ زَوْجٍ عَظيمِ الحُزْنِ لَمْ يَخُـرِ(18)
جَريـمَـةٌ هَزَّتِ الدُّنْيـا بَشـاعَتُـهـاِ=وَفي المَدامِـعِ لَـمْ يَجْـزَعْ مِنَ الغِيَـرِ(19)
وَفـي الثَّمـانيـنَ حَوْلاً لا يُطاوِعُـهـاِ=إِنْ تَشْـكُ مِنْ ثِقَـلِ الأَعْبـاءِ يَنْتَـهِـرِ
وَما ذَكَـرْتُ كَثـيـراً مِـنْ خَلائِقِــهِِ=أَخـاً كَبـيـراً وَإِنْسـانـاً بِلا كِـبِـرِ
وَلِلْكِـرامِ سَـجايـا لا يُحـاطُ بِـهـاِ=فـي مُسْـهَبٍ جـادَ بنيـاناً وَمُخْتَصَـرِ
مُعَلِّـمُ الجيـلِ فَاسْـتَبْشِـرْ بِصَحْوَتِـهِِ=وَلِلْمُعَ لِّـمِ فَضْـلٌ ظاهِــرُ الأَثَــرِ
ضيـاع
جيـلُ الجِهـادِ أَتى صُـهْيونَ فَارْتَعَدَتِْ=كَعَـرْشِ مُنْتَسِـبٍ زوراً إِلـى مُـضَـرِ
جيـلٌ يُنـادي مِنَ الأَقْصـى وَرَوَّعَـهُِ=صَـدى اسْـتِغاثاتِ أَهْلِ البَدْوِ وَالحَضَـرِ
مِنْ كُلِّ قَـوْمٍٍ هُـدى الإِسْلامِ حَرَّرَهُـمِْ=مِنْ كُلِّ شَـعْبٍ عَلى التَّاريـخِ مُفْتَخِـرِ
غَـدَوْا مُشـاعاً لِمُحْتَـلٍّّ وَطـاغِيَـةٍِ=فَأَصْـبَحَ ْ ذِمَّـةُ التَّـاريـخِ في هَـدَرِ
وَالأَرْضُ في قَبْضَـةِ الطُّغْيـانِ يَحْرِقُهـاِ=أَحْفادُ "نيـرو" بِحُمْـقٍ أَسْوَدٍ نَغِـرِ(20)
ما بَيْنَ عـادٍ عَلى الإِنْسـانِ في صَـلَفٍِ=وَعاقِـرٍ مِنْ جُـذورِ الأَرْضِ مُنْقَعِـرِ(21)
بَـيْـنَ السَّـجيـنِ وَشَـيْطانٍ يُعَذِّبُـهُِ=فَلا تُضـاهيـهِ أَفْـعـى مَرْتَـعٍ قَـذِرِ
بَيْـنَ المَواجِـعِ أَشْـباحاً بِمَخْمَـصَـةٍِ=والعُمْيِ وَالصُّمِّ صَرْعى اللَهْـوِ وَالبَطَـرِ
بَيْـنَ القُصـورِ وَقَـدْ ضَجَّت بَعَرْبَـدَةٍِ=تَزْهو بِمَن يَمْنَـحُ الأَسْمالَ لِلضُّمُـرِ(22)
وَرَقْصَـةِ المَـوْتِ في أَكْـواخِِ مَنْ مُنِحواِ=تَخيطُ أكفانَهُـمْ مِنْ مِنْحَـةِ المَـعِـرِ(23)
نَـرى الطُّفولَـةَ عَيْنـاً دونَ مَحْجِرِهـاِ=وَغائِـرَ العَيْـنِ مِنْ سُكْرٍ وَمِنْ دَعَـرِ(24)
نَـرى العِظـامَ مِـنَ الأَجْسـادِ ناتِئَـةًِ=نَـرى التَّعَـرِّيَ نَهْـجاً غَيْـرَ مُنْزَجِـرِ
وذا التَّحَـلُّلُ مِـنْ دينٍ وَمِنْ خُـلُـقٍِ=يُحَـرّرِِ الفِسْـقَ مِنْ عَقْـلٍ وَمِنْ خَفَـرِ
يُلْغي الحَيـاءَ.. فُجـوراً لا يَميـدُ بِـهِِ=تَكْبيـرُ طُهْـرٍ مَعَ الحَسْـناءِ مُنْفَـجِـرِ
يُلْغي الضَّميـرَ.. فَلا إِبْـداعَ أَشْـعَلَـهُ ِ=لِيُشْـعِـلَ الثَّـأْرَ في قَلْـبٍ مِنَ الحَجَـرِ
وَمـا التَّنَكُّـرُ لِلإِبـداعِِ إِنْ حَفِظَـتِْ=دُروبَـهُ قِـيَـمٌ تَسْـمو بِمُبْـتَـكِـرِ
سِـوى الشُّـذوذِ عَنِ الأَذْواقِ في أَدَبٍِ=لَـوْ يَعْقِـلِ الذَّوْقُ مـا قالـوهُ يَنْتَحِـرِ
والفـنّ يُذْبَـحُ ذَبْحـاً في مَسـارِحِهِمِْ=في اللَحْنِ لِلْبُجَـرِ وَالرَّقْصِ لِلْعُجَـرِ(25)
بِئْسَ التَّـبَـجُّحُ بِالإِغْـواءِ مَفْسَـدَةًِ=في لَوْثَةِ الفِسْـقِ أَوْ في سَكْرَةِ الخَمِـرِ(26)
تَحـارُ في عُصْـبَةِ الإِفْسـادِ فَلْسَـفَةٌِ=فيهـا الكَثيـرُ عَدا الإِلْحـادِ وَالعَهَـرِ
فَفيـمَ يُمْسَـخُ إِرْثُ الأَقْـدَميـنَ إِلىِ=كُفْرٍ وَعُهْـرٍ لَدى مُسْـتَكْبِرٍ نَـمِـرِ(27)
هُـوَ التَّفَـلْسُـفِ هَزْلاً دونَ فَلْسَـفَةٍِ=في عُرْفِـهِ حَوَلُ العَيْـنَـيْـنِ كَالحَـوَرِ
حَبـا "الحَداثَـةَ وَالتَّنْـويـرَ" عِلَّـتَـهُ ِ=مِنْ عُقْـمِ فِكْـرٍ عَلى التَّغْريبِ مُقْتَصِـرِ
وَمـا تَّشَـبَّثَ بِالتَّغْـريـبِ ذو نَظَـرٍِ=يَـرى عَـواقِبَ بانَتْ عِنْدَ مُخْتَبِــرِ
ذاكَ التَّحَـجُّـرُ لا تَـأْمَـنْ بوائِـقَـهُِ=مِنْ صُنْعِ عَقْلٍ صَريعِ العَجْزِ مُقْتَسَـرِ(28)
ذاكَ التَّخَلُّفُ عَـنْ عِلْـمٍ وَتَقْـنِـيَـةٍِ=وَكُلِّ فَـنٍّ أَصـيلٍ غَيْرِ مُبْتَسَــرِ(29)
وَعَـنْ تُـراثٍ عَـريقٍ غَيْـرِ مُتَّـهَـمٍِ=مِنْ جُهْدِ مُجْتَهِـدٍ أَوْ نَقْـدِ ذي نَظَـرِ
وَعَـنْ ثَوابِـتِ وَحْـيٍ لا يُـزَعْزِعُهـاِ=صُراخُ عَبْدٍ يُغَطِّي الشَّمْسَ بِالخُمُـرِ(30)
فواجـع
مَنْ يَهْجُـرِ العُرْوَةَ الوُثْقـى وَمَنْهَجَـهـاِ=يَعِشْ عَلى حَرْفِ جُـرْفٍ واهِنٍ خَطِـرِ
وَمَـنْ يُدَنِّسْ عَـزيـزاً عِنْـدَ أُمَّـتِـهِِ=يَقْطَـعْ وَشـائِجَـهُ عَنْهـا وَيَنْبَـتِـرِ
وَمَنْ يُمَزِّقْ عُرى المـاضـي بِحاضِـرِهِِ=يَطْعَـنْ بِمُسْـتَقْبَـلٍ حُـرٍّّ وَمُزْدَهِـرِ
وَالأَرْضُ كَالأَهْلِ بَيْنَ المَشْـرِقَيْنِ غَـدَتِْ=أَشْـلاءَ مِنْ جَسَـدٍ دامٍ وَمُنْشَـطِـرِ
فيهـا ضَـحايـا عَـدُوٍّ غادِرٍ شَـرِسٍِ=فيهـا الجِهـادُ سَـجينٌ دونَمـا عُـذُرِ
فيهـا الكَريـمُ لَدى الأَشْـرارِ مُرْتَهَـنٌِ=وَلَيْسَ فيهِـمْ كَـريـمٌ غَيـرُ مُحْتَقَـرِ
فيهـا سِـياطٌ دَمُ الأَحْـرارِ يُثْـمِلُهـاِ=نَخْـبَ التَّذَلُّـلِ لِلأَعْـداءِ فـي خَـوَرِ
فيهـا الصِّـغارُ طَواغيـتٌ كَسَـيِّدِهِمِْ=وَما تَسـاوَتْ نُيـوبُ الذِّئْـبِ وَالهِـرَرِ
فيهـا فِلِسْـطينُ تَنْعى بِانْتِفـاضَـتِهـاِ=مُـتـ جِـراً بِـدَمِ الثُّـوَّارِ وَالحَـجَـرِ
يَـبَـيْـعُ مُخْتَلِسـاً ما لَيْسَ يَمْلِـكُـهُِ=وَالسُّوقُ سوقُ سَـفيهٍ بَيِّـنِ العَـرَرِ(31)
فيهـا "الهَـوانُ مَعَ التَّطْويعِ" مَكْـرُمَـةٌِ=تُهْدي "السَّـلامَ مَعَ التَّطْبيعِ" لِلْغُـدَرِ(32)
وَالسِّـلْمُ يُطْلَـبُ بِاسْـتِجْداءِ قاتِلِهِـمْ ِ=فَلا "خِيـارَ" سِـوى اسْتِسْلامِ مُنْدَحِـرِ
فيهـا البُطولَـةُ في شـاشـانَ ثائِـرَةٌِ=وَفي العَداءِ تَنـادَتْ عُصْـبَةُ المِـئَـرِ(33)
فيهـا مَغـاوِرُ بِالأَفْـغـانِ سـامِقَـةٌِ=تَحَدَّتِ القَصْـفَ لِلإِنْسـانِ وَالصَّخَـرِ
فيهـا العِراقُ نَخيـلٌ شـامِـخٌ أَبَـداًِ=وَالهـونُ ضاجَعَ حُـكَّاماً عَلى السُّـرُرِ
وأَرْزُ لُبْـنـانَ تَحْتَ القَصْفِ مُحْتَـرِقٌِ=ما بَيْـنَ لِصٍّ وَسِـمْسـارٍ وَمُتَّـجِـرِ
وَشِـرْعَةُ الغـابِ لِلْعُـدوانِ حاضِنَـةٌِ=بِمَجْلِسٍ لِضُـروبِ الفَـتْـكِ مُحْتَكِـرِ
إِنْ يُغْمِضِ العَيْـنَ يُغْمِضْهـا بِمَذبَحَـةٍِ=وَالنَّـابُ يَغْرِسُـهُ في جُـرْحِ مُحْتَضِـرِ
قَـدِ انْتَضَتْ دَوْلَةُ الإِجْرامِ أَسْـلِحَـةً ِ=إِنْ تُلْـقِ سَـيْفَكَ لَمْ تُنْصَفْ وَلَمْ تُجَـرِ
فَبِئْسَ رَهْطٌ غَدَوْا في ذَيْلِـهـا خَدَمـاًِ=عَوْنـاً عَلى قَوْمِهِمْ عَوْناً عَلى الذَّمِـرِ(34)
مَن يَمْشِ في رَكْبِ أََمْريكا عَلى دَخَـنٍِ=هَيْهاتَ يَحْمي حِمى الصِّـدِّيقِ أَوْ عُمَـرِ
يَسـيرُ في الفِتْنَـةِ الكُبْرى "مُقـامَـرَةً"ِ=وَلِلدِّفـاعِ عَنِ الأَهْـليـنَ لَـمْ يَسِـرِ
يَرى البَسـالَـةَ طَيْشـاً أَوْ "مُغامَـرَةً"ِ=وَمِشْـعَلاً كاشِـفاً سَـوْءاتِ مُؤْتَمِـرِ
يَـرى المُقـاوِمَ "إِرْهـابـاً" تُحارِبُـهُِ=مَحـاوِرُ الشَّـرِّ وَالأَتْبـاعُ مِـنْ دُبُـرِ
يَقودُهُمْ نَفَـرٌ "بيـضٌ" غَـدَوْا هَمَجـاًِ=وَخَلْفَ أَذْيالِهِـمْ سِـرْبٌ مِنَ "السُّـمُرِ"
شـادوا "حَضارَةَ حُفَّـارِ القُبـورِ" فَهُمِْ=عارٌ عَلى قَوْمِهِـمْ عارٌ عَلى البَشَـرِ(35)
فَلا حَضـارَةَ وَالإِنْسـانُ فـي ضَـرَمٍِ=وَلا تَقَانَـةَ إِنْ تُطْفِـئ سَـنى السَّـحَرِ
وَلا تَقـدُّمَ وَالآهــاتُ شــاكِيَـةٌِ=فَدونَكَ الغـابُ إِنْ يَقْبَلْ بِذي دَخَـرِ(36)
فَـواجِـعٌ تُنْـزِلُ الإِنْسـانَ مَنْـزِلَـةًِ=دونَ الخَفـافيشِ وَالحِيتـانِ وَالحُـمُـرِ
فَواجِـعٌ زادَهـا اسْـتِمْراءُ عَلْقَمِهـاِ=وَلا سَـلامَـةَ إِنْ نَرْكُـنْ وَلَـمْ نَثُـرِ
نخبـة
هَيْهاتَ تَصْنَـعُ حُكَّامـاً عُروشُـهُـمُِ=عَلـى جَماجِـمِ مَفْجـوعٍ وَمُنْكَسِـرِ
قَـوْمٌ رَأَوْا هامِشَ التَّـاريـخِ يَلْفِظُهُـمِْ=وَوَصْمَةَ العـارِ تَغْشـاهُمْ مَدى العُصُـرِ
في السِّلْمِ أَمْسَـوْا بِلا هـامٍ وَلا هِمَـمٍِ=إِلاَّ عَلى العُزْلِِ وَالأَحْرارِ والخُـفَـرِ(37)
في الحَـرْبِ صاروا طَراطيـراً بِمَهْزَلَـةٍِ=وَمَنْ يُقّبِّـلْ يَدَ الجَـلاَّدِ يُحْتَـقِـرِ(38)
لا تَحْسَـبَنَّ رَقيـقَ الذُّلِّ قَدْ أَمِـنـواِ=مِنْ سُـخْطِ ذي الجَبَروتِ الحَقِّ وَانْتَظِـرِ
وَكَـمْ شَـكَوْنا شُـعوباً لا يُحَرِّكُهـاِ=فَتْـكُ العَـدُوِّ فَلَمْ تَصْرُخْ وَلَمْ تَـثُـرِ
وَما شَـكَوْنا صُنوفَ الفَتْـكِ تَقْمَعُهـاِ=وَاليَأْسَ مِنْ نُخَبٍ أَمْسَتْ عَلى دَجَـرِ(39)
كَأَنَّ نُخْبَتَـنـا مِـنْ غَيْـرِ أُمَّـتِـنـاِ=وَلَوْ صَدَقْنـا فَقَـدْ نَشْـكو مِنَ العَـوَرِ
تَخْتـالُُ في بُرْجِهـا العاجِـيِّ عَجْرَفَـةًِ=وَالبُـرْجُ مِـنْ خَشَـبٍ بِالوَحْلِ مُتَّـزِرِ
فَيَفْخَـرُ العَجْـزُ في حُكْمٍ وَفي نُخَـبٍِ=فَخْرَ الطَّواويسِ وَالأَثْـوابُ مِـنْ وَبَـرِ
أَيْنَ الزَّعاماتُ فـي الأَرْزاءِ تُرْشِـدُنـاِ=لا فـي احْتِفالٍ وَتَصْريـحٍ وَمُؤْتَـمَـرِ
أَيْـنَ المَهـاراتُ في تَخْطيـطِ نَهْضَتِنـاِ=لا في مَـزاعِـمِ دَجَّـالٍ وَمُبْتَـهِـرِ(40)
أَيْـنَ التَّفَـوُّقُ فـي فَـنٍّ وَتَقْنِيَــةٍِ=وَثَـوْرَ ُ العِـلْـمِ وَالآدابِ وَالفِـكَـرِ
قَـوْمٌ غَـدَوْا عالَةً لا نُخْبَـةً سَـبَقَتِْ=رَغْـمَ الجَـوائِـزِ وَالتَّصْفيـقِ وَالفَخَـرِ
إِلاَّ لَفيـفـاً مِـنَ الرُّوَّادِ فَـرَّقَـهُـمِْ="تَهْجيـرُ أَدْمِـغَـةٍ" وَالبَطْـشُ بِالخِيَـرِ
وَإِنْ تُسَـوِّغْ لَهُمْ إِثْـمـاً وَمَظْلِـمَـةً ِ=فَالزَّيـفُ بـادٍ عَلى الأَقْـلامِ وَالزُّبُـرِ
قـلـم
فَواجِـعٌ أَحْـرَقَـتْ مَنْ عاشَ في خَـدَرٍِ=وَأَلْهَبَـتْ قَلَمـاً لا عـاشَ فـي خَـدَرِ
فَواجِـعٌ مَزَّقَـتْ قَلْـبـي وَأَضْـلُعَـهُ ِ=وَكَـلَّ يَـوْمٍ مِنَ الأَيَّـامِ مِنْ عُمُـري
أَرى الطَّـواغيـتَ أَجْسـاداً مُحَنَّطَـةًِ=أَرى التَّماثيلَ مِنْ شَـمْعٍ وَمِنْ مَـدَرِ(41)
أَرى المَقـابِـرَ وَالدِّيـدانَ عابِـثَــةًِ=فيهـا بِكَوْمَـةِ عَظْـمٍ فاسِـدٍ نَـخِـرِ
فَلا أُهـادِنُ طـاغـوتـاً إِلـى أَمَـدٍ ِ=وَلا أُسـاوِمَ طاغوتـاً عَلـى مَـذَرِ(42)
وَلَنْ يَزيـغَ مَـعَ الأَهْـوالِ بـي بَصَـرٌِ=في مِحْنَـةِ المُرْهِبـاتِ السُّـودِ وَالحُمُـرِ
وَلن تَميـلَ مَـعَ الإِغْـراءِ بـي قَـدَمٌ=وَإِنْ تَسابَقَتِ الأَقْـدامُ فـي غَـرَرِ(43)
وَعِشْـتُ أَنْشُـرُ مـا يَنْصَبُّ مِنْ قَلَـمٍِ=بِالصِّـدْقِ مُلْتَـزِمٍ بِالحَـقِّ مُـؤْتَــزِرِ
فَلا أُزَيِّـنُ أَشْــعـاراً بِمَـلْحَـمَـةٍِ=بِالوَهْ مِ في أَمَـلٍ وَالإِفْـكِ في خَـبَـرِ
وَلا أُزَيِّـفُ نَصْـراً فـي القُعـودِ بِلاِ=عَـزْمٍ وَلا عَـمَـلٍ كَالواهِـمِ السَّـكِرِ
وَلا يُجـاهِـدُ حَقَّـاً في شَـريعَتِـنـاِ=إِلاَّ صَدوقٌ فَلَـمْ يَشْـطُـطْ وَلَمْ يَـذَرِ
وَلَسْـتُ أَطْلُـبُ زُلْـفى مِثْلَ مُنْتَـفِـعٍِ=كَفـاهُ لَعْـقُ صُـحونِ الحاكِمِ البَطِـرِ
فَكَـمْ كِتـابٍ وَفيـهِ الوِزْرُ مَحْـبَـرَةٌِ=وَكَمْ لِسانٍ يُرائـي باطِلَ الفُـجُـرِ(44)
وَلا يَـقيـكَ الأَذى ذُلٌّ لِطـاغِـيَـةٍِ=وَعِـزَّةُ النَّفْسِ لا تُغْنـيكَ عَـنْ حَـذَرِ
وَلَسْـتُ أَقْبَـلُ بِالإِحْبـاطِ في قَـلَـمٍِ=وَلا بِتـَثْبيـطِ مَكَّـارٍ ومُهْتَـصَـرِ(45)
وَكَـمْ تَبَـدَّلَ حـالٌ كُنْـتُ أَحْسَـبُهُِ=كَالرَّاسِـي اتِ مِـنَ الأَوْتـادِ وَالجُـدُرِ
إِلاَّ اليَقـينُ.. فَلا يَنْفَـكُّ يَعْـصِـمُنـيِ=في كُلِّ مُنْـزَلَـقٍ مِـنْ كُلِّ ذي ضَـرَرِ
مَنْ خاطَبَ الأَهْـلَ فَلْتَصْدُقْ سَـريرَتُـهُِ=وَكُلُُّ ذي قَلَمٍ لَـمْ يَـنْـجُ مِـنْ عَثَـرِ
وَقَـدْ تَدَفَّـقَ نَـزْفٌ مِنْ مَـواجِعِـنـاِ=عَبْرَ المِدادِ نَعـى الأَمْواتَ في الخُـدُرِ(46)
كَمـا تَدَفَّـقَـتِ الآمـالُ مُشْـرِقَـةًِ=بُشْـرى بِجـيـلٍ بِعَـوْنِ اللهِ مُنْتَصِـرِ
وَعِـزَّةُ النَّـفْسِ بِالإِسْـلامِ راسِـخَـةٌِ=كَنِعْمَـةِ الشُّـكْرِ في يُسْـرٍ وَفي عُسُـرِ
وَهـاكَ سِـتُّونَ عامـاً بَعْدَ مَغْـرِبِهـاِ=كَأَنَّهـا وَمْضَـةٌ في مُنْتَـهـى القِصَـرِ
إِنْ كُنْتَ تَذْكُرُ نَـزْراً مِنْ مَشـاهِدِهـاِ=فَفي تَقَلُّـبِـهـا ذِكْـرى لِمُـدَّكِـرِ
فَاطْلُبْ بِرَحْمَتِـهِ اِلرِّضْـوانَ مُبْـتَهِـلاًِ=ما مِنْ ذُنـوبِكَ ذَنْـبٌ غَيْـرُ مُغْتَـفَـرِ
آمَـنْـتَ بِاللهِ لَـمْ تُشْـرِكُ بِـهِ أَبَـداًِ=وَإِنْ زَلَلْـتَ هُوَ التَّـوَّابُ فَـاعْـتَـذَرِ
وَذا رَجـاؤُكَ رَبُّ العَـرْشِ يَعْـرِفُـهُِ=فَالعَفْـوُ إِنْ نِلْـتَ عَفْواً غايَـةُ الظَّفَـرِ
هوامش
1- القَتَر: جمع قَتَرَة، وهي الغبرة يعلوها سواد كالدّخان.
2- السَّـدَر: ضعف البصر وحيرته.
3- الأسمال: جمع سَمَل، وهو الثوب البالي العتيق. الوَذَر: جمع وَذْرة، وهي قطعة اللحم الصغيرة
4- خَتَر: متعدّد المعاني، وهو هنا الفتور والخَدَر.
5- الضَّجِر: مَن أصابه الضيق والانزعاج.
6- بالدمع مُخْتَمِر: يواريه الدمع كما لو اختمر بخمار.
7- الغُمَر: جمع غُمْرة، وهي الشدّة.
8- الحَسَر: التعب والإعياء.
9- الأُسُر: جمع إسار، وهو القيد.
10- عكّا: على ساحل فلسطين، وهي مسقط رأس صاحب هذه الأبيات. الظُّفُر: هو الظُّفْر بسكون الفاء أيضا، وذو الأنياب والظّفُر، هو غاصب الأرض بوحشيةِ ذواتِ الأنياب والمخالب.
11- حِبّ طيبة: حبيب المدينة المنوّرة صلى الله عليه وسلّم.
12- الغُدُر: جمع غدير، وهي تجمّعات الماء التي تجفّ في الصيف.
13- عصام: عصام العطار
14- لم يُضَرِ: لم يصب بضرر، من ضارَ، يُضير، يُضار.
15- مُسْتَنْسِر: صار كالنسر أو ذاك مطلبه، بُغاث: جمع أبغث، وهو الطير الضعيف، أَشَر: بطر.
16- في وَزَر: في منعة، والوَزَر: الجبل المنيع، وكلّ ما يصلح للتحصّن به.
17- مُقْتَحَم: الأمر الجليل إذا اقتحمته، الجَسِر: الجسور الشجاع.
18- الشهيدة: بنان الطنطاوي العطار، اغتيلت في منزلها في مدينة آخن الألمانية يوم 17/3/1981م، لم يَخُر: من يخور، أي لم يضعف.
19- الغِيَر: التغيّر من حال إلى حال، وغالبه من صلاح إلى فساد
20- نيرو: القيصر الروماني الذي اشتهر بحرقه روما، نَغِر: غاضب يغلي قلبه غيظا.
21- عاقِر: العاقر من لا ينجب ولدا، والأرض العاقر هي التي لا تُعطي زرعا، كناية عن الحاكم العاقر الذي لا يعطي البلد والشعب خيرا، مُنْقَعِر: منقطع منقلع من جذوره.
22- الضُّمُر: جمع ضامر وهو النحيل.
23- المَعِر: البخيل القليل الخير.
24- دَعَر: الفساد.
25- البُجَر: جمع بَجِر، متعدّدة المعاني، تشمل بروز البطن وظهور العيوب، العُجَر: شبيهة بها، ويُقال: أظهر عجره وبجره أي كافّة مساوئه، وأصل العجرة العقدة والانتفاخ في الظهر أو عموم الجسم، والبجرة إن كانت في السرّة والبطن خاصّة.
26- الخَمِر: من أفقدته الخمرة عقله.
27- إرث الأقدمين: إشارة إلى ما خلّفه الفلاسفة القدماء وفيه ما يُقبل ويُرفض، نَمِر: سيّئ الخلق، متشبّه بالنّمر، الذي يوصف بأنّه أخبث السباع.
28- مُقْتَسَر: مغلوب على أمره قسرا.
29- مُبْتَسَر: مقتطع مأخوذ من غير موضعه.
30- الخُمُر: جمع خمار، وهو غطاء الرأس أو الوجه.
31- العَرَر: المرض، وأصله الجَرَب.
32- الغُدَر: الغادر الذي اشتهر بغدره فهو ينادى به.
33- شاشان، هكذا اسمها في كتب التاريخ العربية، وشاع في تسميتها اسم الشيشان حديثا، المِئَر: جمع مِئْرَة وهي العداوة الحاقدة.
34- الذّمِر: الشجاع الذي يغضب لهتك الذَّمار من حرمات وأهل.
35- "حضارة حفّار القبور": عنوان أحد كتب رجاء روجيه جارودي، عن الحضارة الغربية.
36- بذي دَخَر: بذليل صاغر.
37- العُزْل: جمع أعزل، من لا سلاح لديه يدفع به عن نفسه، الخُفَر: جمع خَفْرة، وهي الذمّة وعموم ما يجار ويحمى ويُحرس.
38- طَراطير: جمع طَرطور: الضعيف الوغد.
39- الدَّجَر: الحيرة والحماقة.
40- مُبْتَهِر: هو المدّعي الكاذب، من الابتهار.
41- أجساد محنّطة: إشارة إلى من حُفظت أجسادهم من الطغاة الأقدمين تحنيطا كفراعنة مصر، مَدَر: جمع مَدَرة، وهي قطعة الطين اليابس، إشارة إلى بعض ما تصنع منه التماثيل والنصب.
42- مَذَر: الفساد، وأصله الفساد في البيض، وتمذّرُ النفسِ خبثُها.
43- غَرَر: هو الخطر والخداع والاغترار بظاهر الأمور، ومنه بيع الغَرَر.
44- الفُجُر: جمع فاجر.
45- مُهْتَصَر: المنحني كالعود تشدّه من طرفيه فيتقوّس وسطه.
46- الخُدُر: مخففة من الخدور، جمع خِدْر، وهو مهجع النساء.