المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بين أدبين - ابن الرومي وأبي تمام



د. عمر جلال الدين هزاع
05-02-2007, 01:38 AM
بين أدبين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فكرة جدية أطل بها إليكم عبر نافذة فكرية مميزة إن شاء الله
والفكرة هي أن نفتتح موضوعاً أدبياً من زمرة الأدب المقارن في كل مرة
فتكون هذه المواضيع عبارة عن حلقات في سلسلة معرفية أدبية جديدة
وستكون هذه السلسلة بحول الله وبجهودكم المميزة حلقات متصلة نتعرف فيها على أدباء هذه الأمة
عن طريق مقارنات ودراسات لهم ولسيرهم التي لازالت نبراس المعرفة في حياتنا
وستكون كل حلقة عبارة عن موضوع منفصل يدرس المقارنة بين أدبين ( بين أدبي أديبين )
أو بين أدبي عصرين
ولذا فسأستفتح بسم الله ببدء الحوار في هذه السلسلة بدراسة تشمل ما بين أدبي :
ابن الرومي و أبي تمام
يصنف النقاد - وأولهم الأديب الكبير : طه حسين - أبي تمام و ابن الرومي كأديبين ينتميان إلى مدرسة المعاني
ولكنه يفرق بينهما بطريقة المعالجة , فأبو تمام يغوص في المعنى حتى إذا تأكد أنه فُهم تحوّل منه إلى غيره .
أما ابن الرومي فيقلب المعنى على جميع الوجوه حتى يأتي فيه بجميع الصور .
و فسر ذلك بكون طريقة ابن الرومي تدل على استخفاف بعقليات القراء والمستمعين بعكس طريقة أبي تمام التي تنبع من احترامه لعقلياتهم ؛ لأن الشعر أولاً وأخيراً يعتمد على العاطفة اعتماداً كبيراً فتقليب المعنى وتصويره من عدة وجوه مدعاة إلى تصويره في أذهان المتلقين تصويراً مثالياً وكأنه صورة حية مباشرة لما يعانيه الشاعر من حب أو ألم ..
....
هل تعتقد بصحة هذا النقد ..
وما دلالات إعتقادك
مثل لما تقوله بشواهد من شعريهما
...
هذه هي نافذتي الجديدة الفريدة
والتي أنتظر منكم أيها الأحبة , أن تطلوا من خلالها بما تمتلكون من معرفة وفكر لنتحاور فتكون خلاصة سلسلتنا هذه , بحوثاً نفخر بنشرها في واحتنا وفي الشبكة كلها
فهلموا يرعاكم الله
...
سنعمد - بعد إذن الأحبة مشرفي هذه الواحة - إلى تثبيت كل موضوع جديد في هذه السلسلة حتى يتم إشباعه أخذاً ورداً
فكراً
وحواراً
وعندما تنتهي الدراسة النقدية المقارنة
سيتم غلق الموضوع
وفتح آخر جديد
ومن له أية مقترحات بهذا الخصوص , أو يريد فتح موضوعاً جديداً بعد غلق الأول
فليتقدم بها إلى مراقبي واحة الأدب أو الفكر
وسيصار إلى ذلك

د. مصطفى عراقي
07-02-2007, 12:39 AM
أخانا الكريم الشاعر المبدع الدكتور عمر
أرجو ان تتقبل زيارتي الأولى لتقديم أسمى تحياتي لهذه الفكرة الجميلة ، التي أرى فيها إثراءً طيبا للحوار النقدي المثمر. والاقتراب من أعلامنا الأدباء وسمات أدبهم .
فجزاك الله خير الجزاء
أخوك: مصطفى

د. عمر جلال الدين هزاع
07-02-2007, 01:02 AM
مرحباً بك أيها الكريم
وحبذا لو شرفتنا بمشاركة لحث أدبائنا الكرام على بدء الحوار
بورك فيك

د.إيهاب النجدي
08-02-2007, 01:21 AM
الأديب الفاضل الدكتور عمر
تحية طيبة مباركة
موضوع مميز حقا , ويسهم في إثراء حركة الأدب والنقد في الواحة الغراء , فأصدق كلمات الشكر أقدمها لك
واسمح لي أن أجدد الدعوة إلى أدباء الواحة الكرام للتفاعل الخصب مع موضوعكم
مع ملاحظة أن المقارنة بين قامتين شعريتين مثل أبي تمام وابن الرومي , تتطلب وقتا من المشاركين للقراءة والتأمل والمراجعة , للخروج في النهاية بملامح أدبية وفكرية ونفسية
كما أرجو ألا يكون التفضيل الهدف الأساسي الذي يسعى إليه المشاركون , لأن الدرس الأدبي المقارن ليس من همه ذلك .
وهل لي أن أقترح أن يصنع المشاركون كما صنعت _ أخي الكريم _ فينتخبون من آراء النقاد الكبار في هذين الشاعرين ما يكون في نهاية المطاف خلاصة مميزة لعملاقين أحدهما حامل لواء التجديد في عصره ( أبو تمام ) والآخر صاحب أكبر ديوان في الشعر العربي ( ابن الرومي )
وبذلك تحقق دعوتك أمرين : العودة إلى قراءة تراثنا الشعري , والعودة إلى تبصر كتابات نقاد النهضة
في تجلياتها التنويرية .
دام جهدك المثمر
وأدبك الراقي
مع التحية والمودة

حوراء آل بورنو
08-02-2007, 08:28 AM
بارك الله بك أيها الفاضل

بحق أجد أن الواحة بكم أزهى و أكثر رونقاً .. بل أكثر تخصصاً و أعظم نفعاً .

مشروعك عظيم و يحتاج إلى جهود المحبين للغة و أهلها ، و أرجو أن يسعفني الوقت للمراجعة و القراءة و المساهمة معكم فيما ترجون الخروج به من خير .

كل تقديري لكم جميعاً و خالص أمنيات لكم بالتوفيق و السداد .

ريمة الخاني
08-02-2007, 11:13 AM
بارك الله فيك دكتور دوما في المقدمة
تسجيل حضور

محمد إبراهيم الحريري
08-02-2007, 05:44 PM
الأخ الدكتور عمر هزاع ، تحية طيبة
بحث تثير به كوامن المعرفة ، ونوازع البحث وراء ما كان عليه الشاعران من حياة يتسم بها شعر كل منهما ، فلك الشكر أولا وقبل ختام البحث تحية متجددة .
بين أبي تمام ، وابن الرومي
ليس أكثر متعة أن يقارن شاعر بآخر وإن اتفقا في الأغراض الشعرية ، وافترقا على ناصية الأسلوب أو تمزقت بهما الصروف فرام كل رقعة أسى ، أو دثرته النوائب بسرابيل من فواجع ،وتبرير ذلك أن الحياة طبعت بميسمها كل إنسان بصبغة تتباين أحيانا وتتفق في بعض ألوانها بين اثنين أو أكثر ليصل الشبه إلى ألربعين كما قيل مثالا
ولما وضعنا الأخ الدكتور عمر في مقارنة بين شاعرين وأراها ضربة معلم ، وزج الفكر في أتون البحث والتمحيص فأرى أن المشاركة فرض قلم لنرى من خلالها أين يقع كل شاعر منهما
وأبدأ ببعض عما كتب عن ابن الرومي
تعريفا به أولا ثم بعض من شواهد على حياته وأغراضه الشعرية التي تعكس حياته على صحف أثره الأدبي
هو علي بن العباس المعروف بابن الرومي ، نسبة إلى أصله الرومي من ناحية أبيه عاش في بغداد ولم يغادر أسوار حواضرها إلا نتفا من رحلات قليلة ، تكالبت عليه الأيام بنيوب الفواجع لتصبح حياته سلسلة من النكبات والفواجع التي أمست سمة حياته فما يذكر مصاب إلا وابن الرومي شاهدا علىها أدبا وروحا ، ليكون التشاؤم قالبا يصب فيه شخصه وروحه ونفسه متطيرا ، لا يستقر على هناءة .
لم ينل في عصر الوقوف على أبواب السلاطين حظوة أمام تصفيق أمير أو قائد جيش أو سطان يتربع على عرش الخيلاء ، مشيرا إلى خادمه أن أعطه كيس ذهب أو قلة من ماء البشرى ...
وأمام ضيق صدره وشدة إلحافه كان يقف ويجلس ويتبرم في ملكوت تشاؤمه ليكون حاضرا في الصف الثاني من أهل الحكم من وزراء وأعيان في ايام معدودات من عمره ، ولم ينل منهم ما يشبع رغبته فكانت ردة الفعل في نفسه عاصفة هجاء للناس ومبالغة في اللذة حتى انتابته الأوجاع ، ومات مسموما على أرجح يقين بسب سلاطته لسانا ، وتقريعه الحظوظ بين الورى ، وتخصيصهم بلسان لا يمل نقدا ، ولا يقر على حال بين هجاء وإسفاف ,مما كان له الأثر الجلي في أهم أغراضه الشعرية التي يتسم بها وهي الهجاء الساخر في ديوانه,
وما عن الرثاء بغريب شاعرنا فهو عميق العاطفة صادقها لأنه يلائم نفسه المشعة ألما ، وتشاؤمه الملهم له مفرطا به ، ولا ننكر أنه جدد في وصف الطبيعة يثير فيها حركة الحياة لأنها متكأ روحه ونفسه المضطربة :(ليست الطبيعة في نظر ابن الرومي صورة ولا حلبة ، وليست هي مروحة للهواء ، ولا مجالسة للمنادمة ، ولكنها قلب نابض في كل جزء من أجزائه ، وحياة شاملة في كل معرض من معارضها ، ، وهي نفس تخفف إليها وتأنس بها ) العقاد
وفي شعره جموح خيال ، مولع بالتفصيل ضمن دفقات الملاحظة ، ونبوغ بالصورة ، مطيل في رسم الأطر العقلية والحجج بأسلوب منطقي ، وهو قليل الاهتمام بالصياغة اللفظية ، يطلق جنحي شعره على سجيته وفطرته عفو الأفق، وهنا نقطة تباين بين شاعرينا أبي تمام وابن الرومي .
ويعد ابن الرومي من أكثر الشعراء الذين تحدثوا عن الذات لأنه يعكس صورة ما بداخله على صحاف واقعه .القلق المعذب
أنا ذو صفحتين ملساء حسنا......ء وأخرى تمسها خشناء
أنا ذاك الذي سقته يد السم......كؤوسا من المرار رواء
ورماه الزمان في شقة العسر ....فاصمى فؤاده إصماء
ولا ننكر أن له جملة من القصائد تعد آية في الإبداع الشعري منها وصفه وحيد المغنية ، وغروب الشمس ، والجمال الأعمى ، ورئاء البصرة ، ومدحه أحمد بن ثوابة معتذرا عن السفر إليه باي طريقة متوقعة برا ، أوبحرا ، صيفا أو شتاء .
ولوحملنا عصا البحث بين طيات شعره لطال بنا الزمن وضرب أطناب البعد والإيغال لأن ابن الرومي أكثر من شاعر وأندى أسمى من فيلسوف نظرة للحياة ، وأقسى حرفا في الوصف لأن نفسه تعبر حدود الظاهر إلى حنايا الروح وطيات النفس ، وخلجات الشخصية ،
ولنأخذ مثالا على وصفه للشمس الغربة لنرى أن الشاعر ينتقل في الوصف من المؤثرات الخارجية إلى الحالة النفسية الداخلية التي تثير شجاها تلك التوترات ،وبذلك نصبح الطبيعة ليست عادية بل لبست شعورا يعكس نفسية الشاعر ن ومظاهرها وملامحها هي شخص يعيش كابن الرومي .
لا يعترف بما تراه حدقة العين بل يعبر عنها من خلال عدسة نفسه وخياله مكثرا الألوان التي تصبغ النص بريشة داخله ، معتمدا على تفاصيل دقيقة
وقد رتقت شمس الأصيل ..ونفـَّضَتْ =على الأفق الغربي ورسا مزعزعا
وودعت الدنيا لتقضي نحبها =وشوَّل باقي عمرها فتشعشعا
ولاحظت النوار وهي مريضة =وقد وضعت خدا على الأرض اضرعا
كما لاحظت عواده عين مدنف =توجع من أوصابه ما توجعا
وظلت عيون الروض تخضل بالندى=كما اغرورقت عين الشجي لتدمعا
يراعينها صورا صورا إليها روانيا=ويلحظن ألحاظا من الشجو خشعا
وبيَّنَ إغضاءُ الفراق عليهما =كأنهما خِلا صفاء تودعا
وقد ضربت في خضرة الروض صفرة =من الشمس فاخضر اخضرارا مشعشعا
وأذكى نسيم الروض ريعان ظله=وغنى مغني الطير فيه وسجعا

فاي وصف يجعل الشمس بهذه الصورة التي تطبع الحرف بنفسية الشاعر دون أن نتذكر ابن الرومي ؟؟
ولو سنحت لنا فرص الرحلة الولوج إلى دواخل روحه مرة أخرى بعد رحلة عناء بين تشاؤم وهجاء لوجدنا الوجدان متمثلا حيا ينطق بأرق عواطف ، وأكثر من بكاء ضمير على فراق ابنه ، فما تحل بأحد مصيبة في ولده إلا وشاعرنا حاضر على منصة العزاء حيث يجود الرثاء ويؤثر بالنفس وهل أصدق من رثاء أب مفجوع بابنه ؟
توخى حمام الموت أوسط صبيتي =فلله !! كيف اختار واسطة العقد
طواه الردى عني فأضحى مزاره =بعيدا على قرب ، قريبا على بعد
وهنا تجلت براعة الموت في الاختيار هو افضل أولاده ، معتمدا على دقة الخيال وملاحظة عميقة التفاصيل بين طيات القصيدة .
معتمدا على المقابلات دون أن يصل ‘إلى جدليات شاعرنا الآخر أبي تمام وهي نقطة أخرى جديرة بالبحث بينهما متفقا أحيانا مع أسلوب أبي ذؤيب الهذلي في رثاء أولاده .
وأما شاعرنا الآخر أبي تمام فلنا عودة إليه بعد أن يقرأ الأحبة ما قيل هنا
ويدلي النقاد بما يرونه عين الحقيقة إنصافا للشاعر .

د. عمر جلال الدين هزاع
09-02-2007, 12:37 AM
ماشاء الله
لاقوة إلا بالله
أعجبني وراقني الحضور المبارك
والمشاركات الكريمة
وأستبشر بخير - معكم - إن شاء الله
وأعود للحديث والرد والحوار قريباً
خالص التقدير

محمد إبراهيم الحريري
09-02-2007, 03:04 PM
وأعود مرة أخرى أضع شذرات من تاريخ الأديبين
بعد سلام من الله عليكم ورحمة من لدنه وبركات :
ومن حق الشاعر إنصافا أن نستزيد من المراجع علما مما كتبه الأقدمون عنه ، وما نقله أدباء الحاضر نقلا عن السير والأعيان وكتب الأدي والتاريخ
حيث نجد لابن الرومي ذكرا والثناء عليه في فهرست ابن النديم ،معجم الشعراء مروج الذهب ، العمدة لابن رشيق ، وفيات الأعيان ،
وقد أفرد له الأستاذ عباس محمود العقاد كتابا في ترجمته في 392 صفحة


ونعود وفي جعبتنا نثرات من تاريخ ومذهب أبي تمام تتموسق على أوتار السير بما أنجدتنا من وقفات على شرفة الزمن الغابر من أخبار شاعرنا
حبيب بن أوس الطائي ولد بجاسم من أعمال حوران ونشـأ بالشام ثم رحل إلى مصر
نشأ فقيرا كما شاعرنا ان الرومي فكان لذلك أثرا في تكسبه
نشأ عربي الملكة ، وأخذ من مجالس الأدب وأهل العلم ، واطلع على علوم عصره من منطق وفلسفة وحكمة وكان لذكائه دافع لنيل أوطاره
صارت له مكانة الشمس بين الكواكب في عصره ونال جوائز كثيرة ولكن كرمه كان إسرافا يبدد كل كنز مال
لذا نجد أكثر شعره بالمدح وهو يستغرق ثلثي ديوانه وهذا يدفعنا لذكر المثل : (أبو تمام مداحة نواحة
ويعد أبو تمام أول الشعراء الذيم اعتنوا بالتأليف في كتبه الحماسة
وأما خصائص شعره :
اتصفت معانيه بالعمق والغوص وراء الغريب استجابة لطموحه في تجدي المعاني مستغلا ثقافته الواسعة وثروته اللغوية في الفلسفة والمنطق والحكمة فاعتمد الحجج المنطقية والبراهين العقلية مما أثر في مخاطبة أبه للعقل وليس للعاطفة ليجعل منه نافذة تطل إلى الوجدان فيأتي الشعر نتيجة تفكر وتمعن وتأمل .
كان مولعا بالتضاد المعنوي ولعا وصل حد الإسراف ، وبالغ بالمحسنات البديعية مما زاد جرعة الغموض في شعره تعقيدا .
يعد من ابرز من أهتم بالتجديد في الشعر ولكنه حافظ على الأغراض الشعرية وكان أمينا على القصيدة كما رسمت من الأقدمين ولكنه خرج أحيانا على عمود الشعر .
ويسعفنا بالاسشتهاد على ما قلنا بخث بعنوان مذهب أبي تمام الشعري للدكتور عبد الكريم اليافي حيث نقطف ثمرات من عناقيد فراءته
إن أبا تمام أكبر مجدد في الشعر العربي القديم .....
وقد كان صاحب طريقة مبتدعة ومعان متبعة يستخرجها من غامض بحار ..
شق طريق الديالكتيك قبل هيغل المستند إلى صراع الأضداد ، فهو بحق أبو الجدل الحديث وهو اتخذه مذهبا لشعره
من سجايا الطلول ألا تجيبا =فصواب من مقلتي أن تصوبا
فاسالنها واجعل بكاك جوابا=تجد المع سائلا ومجيبا
وهكذا يتجلى الفكر الجدلي بأبرز صوره عند أبي تمام ...9
انتهى ما أخذ من المرجع
ونعود لقصيدة الطائر الغريد حيث تراها قطعة زاخرة بوصف الشاعر لأحاسيسه من خلال أحاسيس الطير المبتهجة بالحب
غنى فشاقك طائر غريد=لما ترنم ، والغصون تميد
ثم
واهتز ريعان الشباب فأشرقت =لتهلل الشجر القرى والبيد
ومضت طواويس العراق فأشرقت=أذناب مشرقة وهن حفود
يرفلن أمثال العذارى طوفا=حول الدواروقد تدانى العيد
ـــــــــ
وهنا نحط رحال البحث لنكمل بحول الله ما بدأناه لنصل إلى مقارنة بين أديبين

د. عمر جلال الدين هزاع
09-02-2007, 03:52 PM
د. إيهاب
ريمة الخاني
حوراء
...
مرحباً بما خط يراعكم
وأهلاً بما حملتم من خير
خالص تقديري

د. عمر جلال الدين هزاع
09-02-2007, 03:53 PM
وبعد :
لكم تحية محب ينتظركم بلهف على قارعة صفحة تكتنز بين سطورها بخزائن الأدب
فأهلاً بكم
ونقول استكمالاً لما جاء على لسان أستاذنا وأديبنا الكبير : محمد الحريري
إن ابن الرومي :
ذلك الشاعر رائد المدرسة العقلية في الشعر ، رب المعاني الذي يقلبها حيث يشاء .
وفيما أورده أبو القاسم دلالات وشواهد , ولا أدل على ذلك من رثائه لابنه الأوسط محمد ، فكم تحس النفس بالألم وتجهش العين بالبكاء عندما تُسمع قصيدته التي تعبر عن معاناة الشاعر بدقة متناهية ، وانظر إلى أخرى لتعيش معنى الحب واللوعة والشوق إلى المحبوب بكل صوره في قصيدته الغزلية في وحيد .
ولكنني أحزن - بحق - عندما ينعت بأنه متشائم
ولست أنفي عنه سمة التشاؤم أوالقلق
ولكن ليس إلى الدرجة التي وضعت له ، ومن يقرؤ شعره , يعي معنى ذلك .
فلماذا نهتم بجانب ونغفل جانباً آخر .
في شعره الكثير من الحكم والمدح والحب والتفاؤل .
ولعل الذي غلف بعض جوانب حياته باليأس ما مر به من أحداث عظيمة لو مرت بآخر لهدت قواه ومنها موت أمه و زوجته وأخيه وثلاثة من أبنائه .
ولا ننسى سوء حظه مع نقاد عصره الذين أهملوه ، فعملوا المقارنات بين أبي تمام والبحتري والمتنبي أيهم أشعر ؟
من أمثال أبي العلاء المعري وابن الأثير وغيرهما .

وهو إهمال ناجم عن عدة وجوه :

أولها
كون ابن الرومي لم يكن عربي الأصل في وقت كانت الشعوبية تسيطر على أجواء عصر الدولة العباسية .

ثانيها
كون ابن الرومي غير ميّال إلى الخلفاء والأمراء والولاة للتزلف وكسب الهدايا والهبات، فلم ترد له قصص كثيرة في ذلك .

ثالثها
كون ابن الرومي ذا مزاج متقلب مما يوحي بغربة نفسية كان يعيشها كردة فعل لما عاناه في حياته من مآسي .

رابعها
طريقته الشعرية في استقصاء المعاني التي تعتبر حديثة في عصره لم يتعود عليها أبناء جيله من الشعراء والأدباء والنقاد .


...
هنا مدخل آخر للبحث
فلنشبعها تحرياً
قبل ولوجنا بوابة أبي تمام
تحيتي المتكررة
والمتواصلة
ومحبتي
وتقديري

د. عمر جلال الدين هزاع
13-02-2007, 12:37 AM
نقدم هنا بضع أمثلة عن شعر ابن الرومي , متلمسين فيه صدق المقولة التي نعتته بأنه رب المعاني , وهل هو حقاً يعنى بتنميق شعره وجودته على حساب فهم القارىء :
ولنستمع لما يقوله :
- في هجاء ابن بوران :

قُلْ لابن بورانَ إن كان ابنَ بوران =فان شكى فيه جلُّ ايمانى :
ياباطلاً أوهمْتنيه مَخايلُه =بلا دليل ولاتثبيتِ بُرهانِ
ماأنتَ إلا خيالٌ طاف طائفة =وما هجائيك إلا هجْرُ وسْنان
قد كنتُ أحسبه شيئاً فأهجوه =حتى أزاح يقيني فيه حسباني
- في غزل وحيد :

يا خَلِيلَيَّ تَيَّمَتْني وَحيدُ =ففؤادي بها معنَّى عميدُ
غادة ٌ زانها من الغصن قدٌّ =ومن الظَّبي مُقلتان وجِيدُ
وزهاها من فرعها ومن الخديـ =ن ذاك السواد والتوريد
أوقد الحسْنُ نارَه من وحيدٍ =فوق خدٍّ ما شَانَهُ تخْدِيدُ
وشجُوٍّ وما به تبليد =وهي للعاشقين جُهْدٌ جهيدُ
لم تَضِرْ قَطُّ وجهها وهو ماءٌ =وتُذيبُ القلوبَ وهْيَ حديدُ
ما لماءٍ تصطليه من وجنتَيْها =غيرُ ترشاف ريقها تبريد
مثلُ ذاك الرضاب أطفأ ذاك =الوجدَ لولا الإِباء والتصريد
وغَريرٍ بحسنها قال: صِفْها =قلت: أمْران: هَيِّنٌ وشديدُ
يسهل القول إنها أحسن الأشْـ =ـياءِ طُرّاً، ويعْسرُ التحديدُ
تتجلَّى للناظرين إليها =فشقى ّ بحسنها وسعيد
ظبية تسكن القلوب وترعا =ها، وقُمْرِيَّة ٌ لها تغريدُ
تتغنّى ، كأنها لاتغنّى من =سكونِ الأوصالِ وهي تُجيدِ
لا تَراها هناك تَجْحَظُ عينٌ =لك منها ولا يَدِرُّ وريدُ
من هُدُوٍّ وليس فيه انقطاع= وسجوٍّ وما به تبليد
مَدَّ في شأو صوتها نَفَسٌ كا =كأنفاس عاشقيها مديد
فتراه يموت طَوْراً ويحيا =مستلذٌّ بسيطُه والنشيد
ـمِ مَصوغٌ يخت النغم =مصوغٌ يختال فيه القصيد
طاب فُوها وما تُرَجِّعُ فيه =كلُّ شَيْءٍ لها بذاك شهيدُ
ثغبٌ ينقع الصدى وغناءٌ =عنده يوجد السرورُ الفقيد
فلها الدَّهْرَ لاثِمٌ مُسْتَزيدٌ =ولها الدهر سامع مُسْتَعيدُ
في هوى مثْلِها يَخفُّ حَليمٌ =راجحٌ حلْمُه، ويَغْوى رشيدُ
ماتُعاطى القلوب الا أصابت =بهواها منهُنَّ حيْثُ تُرِيدُ
والهوى لا يزال فيه ضعيفٌ =وَتَرَ الزَّحْف فِيهِ سهمٌ شَديدُ
وإذا أنْبَضَتْهُ للشَّرْبِ يوماً =أيقن القومُ أنها ستصيد
مَعْبَدٌ في الغناء، وابنُ سُرَيْجٍ =وهي في الضرب زلزلٌ وعقيد
عَيْبُها أنَّها إذا غنَّتِ الأحْـ =ـرَار ظلُّوا وهُمْ لديها عَبيدُ
واستزادت قلوبَهم من هواها =بِرُقاها، وما لَدَيْهِمْ مَزيدُ
وحسان عرضن لي ، قلت: مهلًا =عن وحيدٍ فحقُّها التوحيد
حسنُها في العيون حسنٌ وحيد =فلها في القلوب حبٌ وحيد
ونصيح يلومني في هواها =ضلّ عنه التوفيق والتسديد
لو رأى من يلُوم فيه لأضحى =وهو المستريثُ والمستزيد
ضلة للفؤاد يحنو عليها =وهي تَزْهُو حَياتَه وتَكيدُ
سحرته بمقلتيها فأضحت =عنده والذميمُ منها حميد
خُلِقَتْ فِتْنة ً: غِناءً وحُسْناً =مالها فيهما جميعاً نديد
فَهْيَ نُعْمَى يميدُ منها كَبيرٌ =وهيَ بلْوى يشيب منها وليدُ
عن يميني وعن شمالي وقُدّا =مي وخلفي، فأين عنه أحيدُ
سدَّ شيطانُ حبّها كلَّ فجٌ =إنَّ شيطان حبِّها لَمَرِيدُ
ليت شعري إذا أدام إليها =كَرَّة َ الطَّرْف مُبدىء ٌ ومُعِيدُ
أهي شئٌ لاتسأم العين منه؟ =أم لها كلَّ ساعة تجْديدُ
بل هي العيش لا يزال متى استُعْـ =ـرِض يملي غرائباً ويُفِيدُ
مَنْظَرٌ، مَسْمَعٌ، مَعانٌ، من اللهـ =عتادٌ لما يُحَبّ عتيد
لا يَدبُّ الملالُ فيها ولا يُنْـ =ـقِص من عَقْد سحْرِها تَوْكيدُ
حسنُها في العيون حسنٌ جديد =فلها في القلوب حبٌ جديد
أخذ الله يا وحيدُ لقلبي =منكِ ما يأخذ المديلُ المقيد
غير أني مُعَلِّلٌ منك نفسي =بعداتٍ خَلا لهنّ وعيد
ما تزالينَ نظرة ٌ منك مَوْتٌ =لي مميتٌ ، ونظرة تخليد
ضافَنِي حُبُّك الغريبُ فألوى =بالرقاد النسيب فهو طريد
- وفي وصف ريحانة :

يا حبّذا النرجسُ ريحانة ً= لأنفِ مغبوقٍ ومصبوحِ
كأنه مِنْ طِيبِ أرْوَاحِهِ =رُكّب من رَوْحٍ ومن روح
يا حسنهُ العين يا حسنه! =من لامحٍ للشَّرْب ملموح
كأنَّمَا الطَّلُّ عَلى نَوْرِهِ =ماءُ عُيُونٍ غيْرُ مَطْرُوحِ
- وفي تصوير حظه ونحسه :

ومن نكبة ٍ لاقيتُها بعد نكبة ٍ =رهبتُ اعتسافَ الأرض ذات المناكب
وصبري على الأقتار أيسرُمحملاً =عليَّ مِنَ التعرير بعد التجاربِ
لقِيتُ من البرّ التّباريحَ بعدما =لقيتُ من البحر ابيضاضَ الذوائبِ
سُقيتُ على ريٍّ به ألف مطرة ٍ =شُغفتُ لبغضِيها بحبّ المجَادِبِ
ولم أُسْقَها بل ساقها لمكيدتي =تَحامُق دهرٍ جَدّ بي كالمُلاعبِ
أبَى أن يُغيثَ الأرضَ حتى إذا ارتمتْ =برحلي أتاها بالغُيوثِ السواكب
سقى الارض من أجلي فأضحت مزلة ً =تَمايل صاحيها تمايُلَ شاربِ
لتعويقِ سيري أو دحوضِ مَطيَّتي= وإخصاب مزورّ عن المجد ناكب
فملتُ الى خانٍ مرثٍ بناؤُه =مَميلَ غريق الثوب لهفان لاغب
فلم ألقَ فيه مٌستراحاً لمُتعَب =ولا نُزُلاً ايّان ذاك لساغب؟
فما زلتُ في خوفٍ وجوعٍ ووحشة ٍ =وفي سهرٍ يستغرق الليل واصب
يؤرِّقني سَقْفٌ كأَني تحته= من الوكفِ تحت المُدْجِنات الهواضبِ
تراه اذا ما الطين أثقل متنه =تصّر نواحيه صرير الجنادب
وكم خَانِ سَفْر خَانَ فانقضَّ فوقهم =كما انقضَّ صقرُ الدجنِ فوق الأرانبِ
ولم أنسَ ما لاقيتُ أيامَ صحوِهِ =من الصّر فيه والثلوج الأشاهب
وما زال ضاحِي البَّرِ يضربُ أهلَهُ =بسوطَيْ عذابٍ جامدٍ بعد ذائب
فإن فاته قَطْرٌ وثلج فإنه =رَهين بسافٍ تارة ً أو بحاصبِ
فذاك بلاءُ البرِّ عنديَ شاتياً وكم =لي من صيفٍ به ذي مثالبِ
ألا ربّ نارٍ بالفضاءِ اصطليتُها =من الضِّحِ يودي لَفْحُهَا بالحواجبِ
إذا ظلتِ البيداءُ تطفو إكامُها =وترسُبُ في غَمْرٍ من الآلِ ناضبِ
فدعْ عنك ذكرَ البَرِّ إني رأيتُهُ =لمن خاف هولَ البحر شَرَّ المَهاوبِ
كِلاَ نُزُلَيْهِ صيفُهُ وشتاؤُهُ =خلافٌ لما أهواه غيرُ مصاقب
لهاثٌ مميتٌ تحت بيضاء سخنة ٍ =وريٌّ مفيتٌ تحت أسحم صائب
يجفُّ إذا ما أصبح الرّيقُ عاصباً =ويُغدقُ لي والرّيق ليس بعاصبِ
فيمنع مني الماء واللوح جاهدٌ =إليَّ وأغراني برفض المطالبِ
وما زالَ يبغيني الحتوفَ موارباً =يحوم على قتلي وغير موارب
فأعطيتَ ذا سلمٍ وحربٍ وَوُصلة ٍ =وطوراً يُمَسيني بورْدِ الشَّواربِ
فأفلتُّ من ذُؤبانهِ وأُسودِهِ =وحُرَّابِهِ إفلاتَ أَتوب تائبِ
...
ننتظركم بما ستجودون به من رؤى ..
تحية للجميع