تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : إنها تعكس الروح



بثينة محمود
11-02-2007, 11:44 AM
عودة حميدة إلى كونى امرأة، إلى التزيُّن والتجمُّل والجلوس على مقعد مهجور أمام مرآة فقدت القدرة على الرؤية منذ زمن، لم تقبل بانعكاس الصورة، وكانت تمارس عِنداً مستغرباً وجوده فى جماد، لكنها الآن قررت أن ترانى وتعكس لى صورة مُشوَّشة وأنا أحاول باستماتة بعث الحياة فى طلاء الشفاه اليابس، ومعالجة مكحلة أمى النحاسية القديمة التى أغلقت أبوابها دون جفنىّ، اهتزت الأشياء فى يدى وخانتنى أصابعى المرتجفة قليلاً، وجاءت فى النهاية النتيجة مُرضية لمن فقدت صورتها طويلاً


أنت أجمل من التزيُّن يا جميلة
أنت
تزدان بك الزينة
وتغار منك أجنحة الفراشات
عيناك بئرا حياة
وثغرك والشفاه
وقدك وجيدك
جميعاً بلا زينات
عبيدك
فكونى قريبة رقيقة
بلا شخبطات
هكذا كان دوماً يقول، ويُزيد من صدأ المكحلة، وجفاف طلاء الشفاه، هكذا مُحِيَت صورتى من المرآة، ورضيت بسعادة قُبلة بلا أثر، وبنظرات بلا أهداب سوداء طويلة، اعتدت كونى دافئة وقريبة ورقيقة بلا رتوش
قطعة السكر البللورية المكعبة الشكل، تلك ذات الأبعاد الحادة والحبيبات الملتصقة فى تماسك عفوى أو قسرى جميل، أُلْقِيَت فى كأس الماء منذ سنوات طويلة أتت عليها، تآكلت الأبعاد رويداً رويداً وصارت ناعمة الأطراف، تسللت إليها ذرات المياه وباعدت بين حبيباتها التى استقرت فى قاع الكأس راضية بالذوبان والإنتهاء


يا قطعة السكر
لعلك تعلمين عشقى
وترتوين منى
اعلمى .. انى أحبك أكثر
وأنا من يرتوى منك عنبر
إنك زاد لا ينتهى
وقلب نابض باسمى
ليته ينبض أكثر

كان يُذيبنى، وكنت أدرك وأسعد، لملمت حشود كونى " أنا " وصرت " هو " بكل ما يبغى وأكثر، العشق فى عينيه يحمل لى حياوات جديدة كل يوم وسنة، ولكن.. هل العشق يكبُر؟ هل يشيخ ويترهل؟ طالت جلستى أمام مرآة صامتة كاد يُنطقها شىء لا أعيه، تشاغلت عنها بتصفيف شعرى ونظرت إليه لأتذكر أول مرة ذهبت لتصفيفه كالنساء، ومعى" زينة " رفيقة الطفولة والصبا، كم سعدنا بأول مرة نكبُر فيها ونذهب للتزيُّن، أين تاهت منى "زينة" التى أراها الآن صغيرة صغيرة، وأين ذهبت باقى الصديقات؟
كرهت الرثاء، الإحساس بالرثاء على النفس مؤلم كغرس إبرة فى جلد حى، عندما فطنت لهذا الأمر قديماً قررت أن أُميت إحساسى، وأن أُميت جلدى كيلا يحس وخزاً
عندما دق بائع الورد الصغير باب البيت حاملاً إلىّ باقة ورود حمراء وبطاقة بلا اسم تحمل كلمة " أحبك" قبَّلت الوردات، ضممتها كأنى أضمه، وجاء بائع الورد بعد قليل معتذراً، حاملاً الباقة لبيت مجاور
خطؤك أيها الصغير أنك منحتنى أملاً منه، ثم تراجعت، هل لى أن أضحك عندما أشعر بالوخز؟
فعلت، تسلحت بقرارى بإماتة إحساسى ، وضحكت


آه لو تعلمين
يا وردة فوق الجبين
أن الورود جميعاً تموت
وأنت وحدك
على جبينى تُزهرين
ما الذى تعنيه باقة
أو ياقوتة براقة
أنت أزهى وأثمن
لو تعلمين

طالت جلستى أمام المرآة وقد وضحت لى الصورة المنعكسة، أحسست بتعاطف المرآة هذه المرة، والتمست لها العذر على تشويشها المتعمد، فهى تعكس الروح، ليس إلا

حوراء آل بورنو
11-02-2007, 12:51 PM
يا سنبلة ؛ عدتِ ؟

أهلاً بك مرة و مرات ، بل كل التحايا لك أيتها الغائبة الحاضرة بقلم يفيض حساً و روحاً و لغة تنتطق بالجمال .

نصك ناطق لا يحتاج لحبري ليستنطق ما فيه ، و لكني دخلت مرحبة بعودة أرجو أن تطول .

كل ودي يا رفقة الأمس .

بثينة محمود
11-02-2007, 12:57 PM
أختى الغالية
خُلقنا لنعود
عندما أريد تذكُر نفسى
أجدنى أبحث عن سنبلة هنا.. وهنا فقط
رغم الترحال
أجد بصحبتكم الونس
تحياتى يا غالية

سحر الليالي
11-02-2007, 08:51 PM
أهلا بعودتك المزهر يا سنبلة ...
لكم اشتقنا لقلمك ولنبضك المبدع

دمت مبدعة دوما
ولك خالص ودي وألف باقة ورد وفل

جوتيار تمر
11-02-2007, 09:20 PM
سنبلة..
يقول كامو:
يتفق ان يتهاوى حولنا ديكور حياتنا اليومية في حطام،اللباس،الترام، اربع ساعات في المكتب او المصنع،وجبة اكل،الترام،اربع ساعات من العمل، الاثنين،الثلاثاء،الاربعاء ،الخميس،المعة،السبت،كلها في نفس الايقاع ،والطريق يسهل السير فيه معظم الوقت، ولكن كلمة لماذا تظهر ذات يوم واذا كل شيء يبدو متعبا ملونا بالدهشة، كل شيء...لقد احسن انتقاء اللفظتين،اذا لم نغص في ارتابة ونغرق في السبات ثانية،فاننا نبدأ بالنظر الى حولنا بأعين جديدة ونشرع في مغامرة ملأى بالمخاطر،في مجابهة لهذا المقلق من الحياة،العبث،ويداهمنا حس بمرور الزمن نحن نعيش في المستقبل غدا.فيما بعد..وعندما تتوظف، عندما تكبر ستفهم، هذا اللاتلاحق رائع،لان المسالة في الواقع مسالة احتضار ان تمردنا على انقضاء حياتنا هذا وجه اخر من اوجه العبث.
ويقول ..ت.س.اليوت..:
هكذا ينتهي العالم
هكذا ينتهي العالم
هكذا ينتهي العالم
لا برجة عنيفة...وانمات بنواح خافت...

وكاني بلسان حاله يقول..وهو يعيش هذا الصراع المرير مع ذاته..
انني اصلي لعلي انسى..
تلك الاشياء التي ابحثها بيني وبين نفسي بالحاح
التي اوضحتها باكثر مما يجب...

لانني لا آمل في العودة ثانية..
لانني لا آمل
لانني لا آمل في العودة...؟

واقول..انا
تيه بين الذات والذات الاخرى..
من حقيقة قد لاتكون حقيقة..
من وجود قد لايكون الا ظل وجود..
وليست المرآة هنا..الا..رمز..لروح تنبعث..
من اتون مغارة الذات..
عساها تعيد الامور الى مجراها الطبيعي..
عساها تجعل من الذي ليس بصمته الا لاشيء..
شيئا يضاف الى درك الاخر..
فالبحث عن مجهول غير موجود صعب..
والاصعب منه..البحث عن مجهول موجود لكنه صامت..
تقديري ومحبتي
جوتيار

مجذوب العيد المشراوي
12-02-2007, 12:36 PM
هنا مساحات للجمال والتعابير الرقيقة شكرا ألف مرة

بثينة محمود
19-02-2007, 11:18 AM
الاخت سحر الليالى
شكرا لك من القلب .. لمتابعتك وترحيبك

دمتِ بكل خير عزيزتى

بثينة محمود
19-02-2007, 11:23 AM
جوتيار تمر
لعل البحث عن ذاك المجهول من غرائز البشر.. إنه داء القلق المعشش فى النفوس فيجعلها دائمة البحث عن .. شىء
لعله محق ت س اليوت .. عندما قال ان العالم ينتهى بنواح خافت
فكل داخل نفسه يحيا نواحاً ما
خاصاً به
ولعلك أيضاً محق
فالبحث عن موجود صامت .. ومحاولة إحيائه.. من أصعب الأمور

محبتى

بثينة محمود
19-02-2007, 11:24 AM
الأستاذ مجذوب العيد المشراوى
وهنا فى ظل الواحة.. ما زلت أنعم بالدفء بين أقلام رائعة
شكراً لك

الصباح الخالدي
20-02-2007, 09:17 PM
سنبلة شامخة بحرف عالي الدسم والكثافة أعجبني بجد

د. سمير العمري
16-05-2007, 09:42 PM
نص راقي الحرف مترف التعبير رقيق الحاشية.

هو نص نثري تحاشدت فيه مقومات التأثير النفسي والبصري بهذه اللوحة الجميلة ، ولعلنا تعودنا هذا الألق البياني من الأخت سنبلة الغائبة الحاضرة في واحة الخير.

لعلني فقط وقفت مستغرباً وجود ها النص في منتدى القصة وهو نص نثري صرف لا يحمل مقومات القصة.


أرجو أن يقوم المختصون بالرأي فيه ونقله للمكان الذي يناسبه.



تحياتي

بثينة محمود
29-05-2007, 08:06 PM
الأستاذ الصباح الخالدى
تحياتى وشكرى للمرور والتعليق الرقيق

بثينة محمود
29-05-2007, 08:08 PM
أستاذى سمير العمرى
أياً كان مكانه فهو بالواحة يرفل بين تعليقاتكم المشجعة
تحياتى وشكرى أستاذى العزيز

ربيحة الرفاعي
01-05-2014, 10:54 PM
جميل هطلك القصّي كما محموله الحسّي بثينة الرائعة

دمت والألق


تحاياي

خلود محمد جمعة
05-05-2014, 12:13 AM
نُغرق الروح في بحر من الأوهام
نرى العالم من خلال عيونهم
ونجعلهم مرآتنا
وننسى ان للمرآة وجها آخر
حروفك تعكس رقة الروح
اسجل اعجابي
دمت بخير

نداء غريب صبري
04-07-2014, 06:05 PM
قصة جميلة وأسلوب متميز فعلا أستاذة بثينة

أشكر إبداعك ومهارتك

بوركت

ناديه محمد الجابي
24-02-2016, 07:05 PM
معزوفة على أوتار الحرف من داخل مرآة الروح
نبضها ساحر وفيض حرفها باهر
حرفك كله إبداع وأدائك كله ألق
دمت متألقة. :os: