تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : وما زلتُ يَقظَاً..



بثينة محمود
20-02-2007, 11:38 PM
ثلاث سنوات من النوم المتقطع أحالتنى لكائن يقتات التوتر، كرهت النوم، وصارت الحياة متصلة اتصال دائم، احتال كثيراً وأؤجل بحث أوراق العمل لما بعد منتصف الليل، تختزلنى الحياة يوماً بعد يوم إلى مجرد حلم، حلم يُزيد من ابتعادى عن فكرة التوجه لفراش، فاستوطنت مقعداً غير وثير وزهدت فراشى ما أمكننى الأمر

حلمى الأول تطاردنى تفاصيله حتى فى لحظات اليقظة، حاملاً لى مرأى جدتى تشير إلى إشارة وداع مبتعدة بين أطياف باهتة، وقبل مرور أيام أتانى نبأ رحيلها فى غربتى، شعرت أنها هدية السماء لأرى الجدة الحبيبة قبل الرحيل

كنت قليل الأحلام ،ولم يشغلنى أمرها من قبل ، فأحلامى كنت قادراً على تحقيقها، كنت أعانى خلطاً بين ما أراه بنومى وبين طموحاتى، الأحلام هى ما أصبو إليه وأود إحالته لحقيقة واقعة، وليست ما أراه بنومى بعد وجبة دسمة وانفعالات زائدة قبل النوم ، لفظة الحلم كانت تحمل لى معنى وارفاً بأمل قارب على التحقق ورغبة أحتاج إلى صياغتها فى دنيا الواقع، كم كنت أحيا بتلك الأحلام –الطموحات- وأتزود بها على مر الحياة

لكن حُلمى التالى كان أشد وطأة، وحمل لى سحب الغبار والأتربة تعلو بين الغيوم بينما يتهاوى بيت أسرتى بدوى هائل، حزمت حقائبى بعد الصحو الفَزِعْ لألحق بوالدى على فراش مرضه المفاجىء وأتقبل العزاء واجفاً مرتعباً أو مذهولاً كما همس الجميع

حينها عرفت ماهية الأحلام، وأيقنت أنها لعنتى التى أصبت بها ، استطعت بغير تعب أن أفض اشتباكاً بينها وبين معانِِ أخرى فى عقلى الذى صار يقظاً على الدوام، وعرفت أنها تحمل لى بين أضغاثها بكارة الأحداث، وتختصنى بالعلم البغيض، لم أفكر قبلً بأمر كهذا، ولم أكن أذكر من أحلام النوم غير وجوه عابرة وأحداث غريبة، لكنها صارت شغلى الشاغل، تنبهت لوجودها كتَنَبُه المرء لوجود عضو به كقلبه أو صدره، فقط عندما يغزوه الألم ، وأخذت قراراً بتحاشى النوم، هروب دائم وسهر مستمر، وتهاوِى فى نهايات الأمر، كنت أسقط كورقة شجر يابسة أوان الخريف ،يقتلنى الإعياء فيأتينى الحُلم منتصراً حاملاً لى حدثاً ، ساراً حيناً ، وشؤماً فى غالب الأحيان، فأصحو لاهثاً محملاً بالانتظار

أصابنى الوهن، صرت شيخاً يابساً يائساً، أرى فى المرآة تهدُل كتفىّ، وهالات التوجُس السوداء أسفل جفنىّ، كنت أهزأ بمن يحارب طواحين الهواء، لكن دون كيشوت يحارب ما يراه ولا يفعل مثلى، أحارب طبيعتى وأدرك أنى خاسر بلا جدال، أيقنت أن ابقاء المرء يقظاً من أبشع وسائل تعذيب بنى البشر، وأصبحت أصلى قبل لحظة التهاوى، وادعو أن يعافينى الله من محنة العلم المبكر
ثلاث سنوات أخالها ثلاثين، وأنا أسير مقعد خشبى ، تحيط بى الساعات الرنّانة، ويسبح بيتى فى إضاءة مبهرة
وما زلت يَقِظاً

سحر الليالي
20-02-2007, 11:47 PM
المبدعة "سنبلة":

ما أسعدني لأني أول من صافح رائعتك هذه...
قصة بديعة قرأتها بشغف

سلم قلمك ودام ابداعك
لك خالص إعجابي وتقديري وباقة ورد

جوتيار تمر
21-02-2007, 10:21 PM
سنبلة..
الامور كلها تسير بخطا حثيثة لنهاياتها..ولايمكن نفي الاعتبار بها والجزاء عليها..لان الحياة هي الحياة على طريقة السلامة والراحة والاما لاغيرها...طلايقة اكراه الحيوان الانساني على ممارسة الاخلاقية الاجتماعية وجعلها اصلا في طباعه،ووزن اعماله بنتائجها التي تنتهي بها اذ كانت روحانيته في النهايات لا في بداياتها..في الحياة الدنيا يكو ن الانسان ذاتا تعمل اعمالها،فاذا انتهت الحياة انقلبت اعمال الانسان ذاتا يخلد هو فيها فهو من الخير خالد في الخير ومن الشر هو خالد في الشر،فكأن الموت ان هو الا ميلاد للروح من اعمالها،تولد مرتين:آتية..وراجعة.
سنبلة هذه الاسطر هي للرافعي عساك ان امعنتي التفكير بها تدركين مبتغاها...فقد يكون الامر كله..مرهونا باعمال المرء..؟
الحلم..يبقى حلما...!
محبتي
جوتيار

خليل حلاوجي
23-02-2007, 09:52 AM
الدورة مغلقة وخانقة


مانريده غير ممكن
وماهو ممكن لانريده

هذا هو الفرق بين احلامنا وفواجع واقعنا


\

نص جميل

يوركت ِ

د. سمير العمري
01-12-2011, 07:27 PM
بين الواقع والحلم مساحة بامتداد المجرة نصلها بعيوننا ويستحيل أن نصلها بأيدينا.

نص أدبي مميز لا أراه يحمل مقومات القص ولكنه يحمل علامات الألق.

دمت بكل الخير والرضا!

وأهلا ومرحبا بك دوما في أفياء واحة الخير.


تحياتي

آمال المصري
16-03-2013, 02:18 PM
لم تمنع اليقظة المحظور أن يضع بصمته على واقعنا وإن لازمتنا أبد الدهر
هي الأقدار وحسب
بوركت أديبتنا الفاضلة واليراع التي نسجت الجمال
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

نداء غريب صبري
25-06-2013, 11:17 PM
نص جميل وممتع
هو اقرب للنثر أختي

شكرا لك

بوركت

ناصر أبو الحارث
21-07-2013, 05:54 PM
تيه بين الأحلام والواقع عبرت عنه في نص جميل اللغة ومشوق
أعجبتني قراءته

ربيحة الرفاعي
27-10-2015, 03:10 AM
بين المتاح والمأمول يبسط السرد موضوعه ، وبلغة وأداء جميلين تعرض الكاتبة فكرتها في نص كاد يكتمل قصة

وددت لو قرأت المزيد من حرفك أيتها الكريمة

تحاياي

خلود محمد جمعة
17-11-2015, 10:22 AM
ماذا نحتاج وماذا نريد وماذا نحب
تداخل الواقع بالحلم
استيقاظنا على امل نوم الحلم
وخوض في متاهات الروح والعقل ببراعة وجمال
اسجل العجابي
بوركت وكل التقدير

ناديه محمد الجابي
22-11-2017, 07:13 PM
غامضة ـ محيرة، وأحيانا مرعبة.. خاصة إذا تحققت كما نراها..
تلك هى الأحلام.
يفترض أن النوم مرتبط بالهدوء والسلام ، ولكن في الواقع
فإن ادمغتنا تكون أكثر نشاطا خلال الأحلام منها أثناء النهار
نص قصي نثري جميل بفكرة موفقة وبحكائية شائفة، وأداء قصي طيب
بناء فني ممتع
تحياتي وتقديري.
:v1::0014: