المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحقيبة



علاء الدين حسو
22-02-2007, 11:41 AM
الحقيبة.

عصرا ..من آخر المدينة ، من الجهة الشرقية صعدوا .. فدفعهم ( المعاون) باتجاه (الصدر) ، أي المقعد الخلفي للميكرو باص ..كان السائق مشغولا بالبحث عن الزبائن التي بدأت تخرج من أوكارها بعد ابتعاد الشمس اثر يوم حار، وكان( المعاون) يلتقطهم بفتح الباب ودعوتهم للصعود مناديا:
- عالبلد ..عالبلد...
أكبرهم سنا ، كان اشد ملاحظة ، فهمس في إذن الأوسط :
- افتحها !
استجاب الأوسط إلى الإشارة المرسلة من عينيي الأكبر ،والتفت إلى شماله ليجد حقيبة نسائية سوداء اللون ومتوسطة الحجم. ولكنه لم يفتحها ..وعندما نزل المعاون لمساعدة عجوز للصعود . وخزه الأكبر بكوعه وكرر:
- قلت لك افتحها .. وما فيها نتقاسمه.
تدخل أصغرهم سنا هامسا :
- نحن هنا ..
ضحك الأكبر وهمس للصغير :
- طبعا ..عندما يفعلها صاحبنا . وهمس للأوسط ملحا:
- عجل ..افتحها صار عمرك ثلاثين ولم تفتح بعد...
رفض الأوسط، جعلهم يتريثون قليلا .. ف( المعاون) ينظر إليهم منتظرا دفع الأجرة دون أن يفوت عليه عملية التقاط الزبائن.
- حسنا سننتظر ريثما يمتلئ الميكرو علق الكبير ..
وما أن اجتازت الحافلة عدة شوارع حتى شغلت مقاعده فأعلن المعاون عن ذلك بكلمة "خالص"فغير السائق من اسلوب قيادته البطيئة ..كأنه يقود طائرة أصبحت جاهزة للتحليق ..ابتسم كبيرهم وهمس في إذن الأوسط:
- تخيل .. لو نجد فيها مليون ليرة..عندها ستكون شقتنا التي نحلم بها ..
ضحك الثلاثة ، فالشقة كانت حلمهم المشترك ، بعيد ا عن ثرثرة الزوجات ..وضجيج الأطفال... وبحماس شديد همس أصغرهم :
- سنشتري –دشا – وتلفزيون بحجم كبير ونفرشها أجمل فرش..
وعلق الأوسط مبتسما:
- لا احد يسمع ، ولا إنسان يدري ما نفعله..
وبسعادة نطق كبيرهم:
- حرية كاملة...
أطبق صمت ، لحظة نزول احد الركاب وصعود غيره.. فقال الأوسط:
- الميكروباص كالحقيبة ..يفتح ويكدس بالنافع والضار وعقب كبيرهم:
- الدنيا كلها حقيبة ..يفتحها الله على من يشاء ، ويغلقها على من يريد.
- أتمنى أن يكون الكنز كبيرا. ردد الصغير مراقبا صدر صبية هبطت من الحافلة
عشرات الأفكار تدافعت إلى دماغ الأوسط ، قبل أن يمد يده ،فأحس العالم كله داخل الحافلة يراقبونه فتجمدت يده ..وحين زاد الضغط عليه دفع الحقيبة باتجاه الأكبر قائلا":
- سيراني المعاون ..افتحها أنت .
سحبها الأكبر لحظة انشغال المعاون بإعادة النقود للزبون الجديد الذي حل محل الصبية الناهدة
ودفعها باتجاه الأصغر الذي التقطها بهدوء وضغط عليها كأنها نهد الصبية وعلق :
- يوجد شيء طري يشبه النقود.
وقبل أن يفتحها كان الكبير قد باع بيته القديم واشترى ما يحصل عليه بيته الجديد وقبل أن يدخل يده إلى داخل الحقيبة كان الأوسط قد استطاع بناء بيتا فوق منزل والده لينفرد به ..
- سافلة..
كقنبلة هدمت جدران أحلامهم ..وهمس الأكبر:
- ماذا ؟
- لا يوجد شيء
- وماذا تنظر من حقيبة عاهرة!؟
- تأكد
- محارم ..حبوب ..قلم (حمرة) و..ضحك مثل عادل ادهم
- وماذا؟
- واقي مطاطي !! أكمل مقهقها خيل للحاضرين المثل عادل ادهم خلفهم.
أيلول

جوتيار تمر
23-02-2007, 09:40 PM
التقاطة متأنية...رافقتها تأملات..واحلام يقظة..هي اكثر الاشياء ما ترافق الناس في وقتنا هذا...لقد اثرت في نصك وبصورة درامية مشوقة... احدى اهم مشاكل العصر... يتخلله هنات موضوعية تدعوا التأمل والتفكر.. الحياة والاخوة الثلاثة...والحقيبة..والعاهر ..والمعاون والميكروباص.. ومن ثم الصبية بنهديها...!
كل هذه الامور اذا ما وضعناها في ميزان البشرية الحالية لوجدناها اهم المواضيع التي تشغلها عوضا عن مشاكل البلد السياسية والتي اصبحت الى حد ما محتكرة على فئة مستفيدة من خيرات البلد.
الظروف الاجتماعية القاسية التي يعيشها الفرد لدينا اصبحت تدفعه الى القيام باي شيء من اجل ان يغير ولو بشكل بسيط نمط حياته..لايهم ان يكون الامر مخلا بالاعراف والتقاليد والشرائع والاخلاق..المهم الحصول على مايريد..حتى على حساب الاخرين..ولننظر هنا..نص اجتمع فيه المكافح من اجل العيش السائق والمعاون...والثلاثة الذين وجدوا استغلال فرصة حتى لو كانت ضئيلة من اجل تحسين وضعهم المعيشي من خلال فتح وسرقة حقيبة..ولمن هي الحقيبة لعاهرة..اذا مكافحة اخرى ولكن بطريقة اخرى ايضا لاتتناسب ولايمكن مقارنتها بطريقة المعاون.
ثم لننظر من هم هولاء جميعا...السائق بعدما يجني ثمن الركاب يبدأ بالسير بسرعة لماذا..لانه يريد ان يوصلهم ليعاود الكرة فيحصل على اكثر ما حصل عليه..والمعاون لايدع احدا وانما يتامل الجميع حتى يعلم من دفع ومن لا..والثلاثة يراقبون كل شيء من اجل الحصول على لقمتهم.. وصاحبة الحقيبة تحمل في حقيبتها كل ما قد يساعدها على جذب زبائنها..وحتى الصبية صاحبة النهد المغري..اثارت في الكائنات هذه سؤالا.. الانسان لايترك غرائزه وراء ظهره في رحلة بحثه عن اللقمة.
وضحك عادل ادهم...جاء ليعلن لنا كل شيء في اللاشيء ذاته..لانه ضحك يتسم القوة والسخرية في آن واحد.

تقديري ومحبتي
جوتيار

علاء الدين حسو
24-02-2007, 01:03 PM
شكرا اخي المبدع على هذا التعليق المدهش للنص والمكمل لرؤيته ولتفاعلك الذي اضاف نكهة اخرى للنص وضح الزوايا المعتمة منه تحياتي

سعيد أبو نعسة
25-02-2007, 12:01 PM
أخي الكريم علاء الدين
استمتعت فعلا و أنا أرتحل في دواخل الشخصيات التي كشفت نفسها من خلال أسلوبك الجذاب
دمت في خير و عطاء

علاء الدين حسو
26-02-2007, 03:21 PM
سعيد جدا حوزي على اعجابك تحياتي

خلود محمد جمعة
15-12-2014, 10:13 AM
كم نعلق من آمال على جدار الوهم وحين ينهار الجدار نلقي اللوم على الاحلام
جميلة ومعبرة بحبكة قوية وطريفة وبأسلوب شائق وسرد مائز
بوركت وكل التقدير

ربيحة الرفاعي
22-12-2014, 04:53 PM
لقطة جمع فيها الكاتب مجموعة من الشخوص شكّلت عينات مختلفة لتكور الرحلة في جوانياتها عبر سردية استعرضت الحوارات الداخلية والمطامع والتطلعات الواطئة في نص أثث بتفاصيل تأملية وضعت أمام القارئ رؤية إنسانية عالية لما يختبئ وراء أقنعة الوجوه والتذاكي في القول

السرد شائق والأداء جميل والفكرة لافتة

دمت بخير

تحاياي

نداء غريب صبري
17-01-2015, 02:15 AM
نفوس تنوعت أحلام أصحابها ونسي الجميع أن الدنيا كلها فانية

القصة جميلة وأسلوبك في الكتابة رائع ومشوق
شكرا لك أخي

بوركت

وليد مجاهد
14-02-2015, 01:53 PM
قصة جميلة وأسلوبها مشوق
قمت بشرح الشخصيات وحوارها الداخلي بأسلوب جميل

تقديري

آمال المصري
27-12-2015, 04:26 PM
كل بنى أحلام على الرمال مالبثت أن جاءت رياح الحقيقة عندما فُتحت الحقيبة لتطيح بقصورهم الواهمة
سرد جميل وحبكة قوية ونهاية مباغتة وعمل قصصي ناجح
بوركت واليراع أديبنا الفاضل
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

ناديه محمد الجابي
27-12-2015, 10:11 PM
نص تجتمع فيه أحلام اليقظة والسخرية والطرافة
لتشكل معا تشويقا متواصلا.
أمتعنا السرد الرائع والحبكة ، وانتقلنا بين تسلسل الأحداث
حتى النهاية المضحكة
سلمت ـ ودام ألقك. :001:

ناديه محمد الجابي
16-10-2021, 06:42 PM
حتى اللصوص تراودهم الأحلام والأمنيات ـ وقد منى كل من الأخوة الثلاث نفسه
بغنيمة كبيرة في الشنطة ، وحقق كل بخياله ما يتمنى تحقيقه.
ولكن كان الواقع محبطا وساخرا.
قصة ظريفة السرد، جميلة ومعبرة كلوحة فريدة ملونة بريشة حرف رسام محترف.
دام إبداعك
.:v1::nj:

أسيل أحمد
17-10-2021, 06:49 PM
قصة ظريفة ومعبرة عمن يبني قصورا من الوهم تطير مع أول هبة ريح
نص تألقت فيه بروعة الوصف، وبلاغة التصوير.
السرد شائق والطرح ساخر وطريف
دمت بروعتك.