المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حِرصٌ



د. سمير العمري
02-03-2007, 05:44 PM
تَمَطَّى عَلَى الأَرِيكَةِ الوَثِيرَةِ يَفْركُ يَدَيهِ بِسَعَادَةٍ وَرِضَا. الدِّفْءُ المُنبَعِثُ مِنَ الموقَدِ المُقَابِلِ يَتَخَلَّلُ جَسَدَهُ لِيَزِيدَهُ اسْتِرْخَاء وَسَكِينةَ وَهُوَ يَتَأَمَّلُ مِنَ النَّافِذَةِ الكَبِيرَةِ رِقَّةَ هُطُولِ الثُّلُوجِ فِي دَعَةٍ وَهُدُوءٍ كَقطْنٍ نَدِيفٍ مِنْ يَدِ صَانِعٍ مَاهِرٍ. بَيْتُهُ الخَشَبِيِّ الصَّغِيرِ المُحَاطِ بِأَشْجَارٍ بَاسِقَةٍ أَصَرَّتْ عَلَى الاحْتِفَاظِ بِأوْرَاقِهَا الخَضْرَاء وَإِنْ خَالَطَهَا البَيَاضُ كَانَ كُلَّ عَالَمِهِ الصَّامِتِ إِلا مِنْ بَعْضِ مَرَّاتٍ يَشْتَاقُ فِيهَا لِلصَّخَبِ وَالحَرَكةِ.

عَادَ لِيَتَفَحَّصَ الكَامِيرَا التِّي ابْتَاعَهَا مُنْذُ يَومَين مُتَأَمِّلاً تَارَةً شَكْلَهَا الأَنِيقِ ، وَمُسْتكْشِفَاً تَارَةً الجَدِيدَ مِنْ مِيزَاتِهَا العَدِيدَةِ مِمَّا لَمِّا يَصِلْ إِلَيهِ. ابْتَسَمَ مِنْ جَدِيدٍ سَعَادَةً بِهَذِهِ الكَامِيرَا التِي طَالَمَا حَلِمَ بِهَا لِيُسَجِّلَ لَقَطَاتٍ مِنْ لَحَظَاتِ حَيَاتِهِ السَّعِيدَةِ ذِكْرَى يَحْتَفِظُ بِهَا سَبَبَ أُنْسٍ لِشَيخُوخَتِهِ التِي يَعْلَمُ أَنَّهُ سيَكُونُ فِيهَا وَحِيدَا. لَمْ يَهْتَمَّ لِلمَبْلَغِ البَاهِظِ الذَي دَفَعَهُ ثَمَنَاً فَهِيَ تَسْتَحِقُ كَمَا أَقْنَعَ نَفْسَهُ بِمَا فِيهَا مِنْ خَصَائِصَ وَإِمْكَانِيَات مُذْهِلَةٍ هِيَ أَحْدَثُ مَا تَوَصَّلَتْ إِلَيهَا التقْنِيَةُ الرَّقمِيَّةُ.

أَعَادَ نَظَرَهُ إِلَى حَيثُ النَافِذَةِ يَتَأَمَّلُ مَا تَحِيكُ يَدُ السَّمَاءِ مِنْ نَسِيجٍ مُهَفَهَفٍ تَكْسُو بِهِ الأَرْضَ ثَوبَاً أَبْيَضَ مِنَ النَّقَاءِ يُخْفِي تَحْتَهُ كُلَّ أَدْرَانِهَا وَعَورَاتِهَا. شَعَرَ بِرَغْبَةٍ عَارِمَةٍ فِي أَنْ يَحْتَفِلَ بِهَذَا الجَّوِ الثَّلْجِيِّ الفَاتِنِ ، وَأَنْ يَحْتَفِيَ بِكَامِيرَتِهِ الجَدِيدَةِ ؛ فَيَبْدَأَ الاسْتِخْدَامَ الفِعْلِيَّ لِخَصَائِصِهَا الكَثِيرَةِ وَالكَبِيرَةِ خُصُوصَاً مِنْهَا مِيزَة ثَبَاتِ الصُّورَةِ فِي كُلِّ الظُرُوفِ. قَرَّرَ بِالفِعلِ أَنْ يَخْتَبِرَهَا في مثل هذا الطَّقْسِ البَارِدَ ، وَأَنْ يُسْعِدَ نَفْسَهُ بِرِيَاضَتِهِ المُفَضَّلَةِ يُفْرِغُ بِهَا دَفقَاتِ السُّرُورِ التِي تَنْتَابُهُ وَتَستَعْمِرَ مَشَاعِرَهُ.

رِيَاحُ الشَّمَالِ تَتَدَفَّقُ بِرِفْقٍ تَحْمَلُ الهَوَاءَ النَّقِيَّ البَارِدَ لِتَلْفَحَ بِهِ وَجْهَهُ المُتَلَفِّعَ بِلِثَامٍ صُوفِيٍّ سَمِيكٍ وَهُوَ يَنْسَابُ بِتَؤُدَةٍ عَلَى زَلاجَتِهِ نَحْوَ تِلْكَ المَسَاحَاتِ البَيْضَاء حَيْثُ لا شَجَرَ يَزْجُرُ وَلا حَجَرَ يَحْظرُ وَلا بَشَرَ يَنْظُرُ. وَعَلَى سُفُوحِهَا هُنَاكَ أَطْلَقَ لِسَاقَيهِ العنَانَ يُسَابِقُ الرِّيحَ تَارَةً وَيُسَابِقُ الحُلُمَ تَارَةً أُخْرَى ؛ كَأَنَّهُ فَارِسٌ امْتَطَى مَتْنَ الرِّيحِ مُنْطَلقَاً نَحْوَ الحُلُمِ الجَمِيلِ الذِي رَاوَدَهُ عَدَدَ سِنِين. مَهَارَتُهُ فِي التَّزَلُّجِ مَدَّتْ يَدَاً لِكَفِّ نَشْوَتِهِ الجَارِفَةِ تَدْفَعَانهُ لِلتَّمَايُلِ تَبَخْتُرَاً بِرَغْمِ هَذِهِ السُّرْعَةِ العَالِيَةِ وَقَدْ أَمْسَكَ بِيَدِهِ الكَامِيرَا يُدِيرُهَا إِلَى وَجْهِهِ المُتَهَلِّلِ سَعَادَةً حِينَاً ، وَحِينَاً إِلَى الأُفُقِ المُمْتَدِّ أَمَامَهُ أَبْيَضَ مِنْ غَيرِ سُورٍ مُتْعَةً كُبْرَى.

وَفَجْأَةً ؛ شَعَرَ بِأَنَّ الأَرْضَ لَمْ تَعُدْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَحْمِلَهُ. لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حُلُمَاً تَوَهَّمَهُ. كَانَتِ الأَرْضُ تَتَشَقَّقُ تَحْتَهُ حَقَّاً لِيَجِدَ نَفْسَهُ وَقَبْلَ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنَ التَّوَقُّفِ قَدْ بَدَأَ يَغُوصُ فِي الجَلِيدِ. اضْطَرَبَ جِدَاً وَهُوَ يَرَى كَأَنَّ الأَرْضَ تَبْتَلِعُهُ وَكَأَنَّ صَقِيعُهَا يُكَبِّلُهُ. لَمْ يَتَوَانَ الأَلَمُ أَنْ يَغْرسَ فِي أَطْرَافِهِ أَنْيَابَهُ يَعضُّهُ سَغْبَانَ مَسْعُورَاً. يَتَأَوَّهُ بِشِدَّةٍ وَلَكِنْ كَانَ كُلُّ هَمِّهِ وَقْتَئِذٍ أَنْ يُحَافِظَ عَلَى الكَامِيرَا مِنَ البَلَلِ فَتَتَعَطَّلَ ، أَوِ السُّقُوطِ مِنْ يَدِهِ فَتَنْكَسِرَ. رَفَعَ يَدَهُ بِهَا أَكْثَر كُلَّمَا غَاصَ أَكْثَر مُشْفِقَاً عَلَيهَا يَنْظُرُ إِلَيهَا بِحِرْصٍ وَانْتِبَاهٍ.

وَعَلَى أَحَدِ الأَسِرَّةِ البَيْضَاء كَانَتْ عَيْنَاهُ تَتَقَلَّبَانِ بَينَ قَدَمَينِ قَدْ شَلَّ الجَلِيدُ قُدْرَتَهَا وَدَامَ ، وكَامِيرَا قَدْ كَسَرَ البَرْدُ عَدَسَتَهَا خِتَامَا ، وَكَشْفُ حِسَابٍ جَاوَزَ ثَمَنَهَا بِعَشْرَةِ أَضْعَافٍ تَمَامَا.

******

حوراء آل بورنو
02-03-2007, 06:32 PM
نعم ؛ كثيراً ما يدفع الحرص صاحبه إلى الخسارة أضعافاً !

حكمة لو يتدبر فيها ذو اللبّ لنجا .

تحيتي .

سارة محمد الهاملي
02-03-2007, 08:47 PM
وكأنه تشبث بالأمل!
أُخذت بوصفك الرائع ولغتك الرفيعة، أخي د. سمير.
أشكرك من القلب على هذه اللحظات الجميلة التي انتهت بشيء من الحزن على تبدد الحلم .. ولكنه مازال على قيد الحياة على الأقل!
تقبل أعطر التحايا.

سحر الليالي
02-03-2007, 11:26 PM
أستاذنا الكبير"د.سمير ":

قصة معبرة ومفعمة بالحكمة والتأمل

سلم وبورك ابداعك

تقبل خالص إعجابي وباقة ورد

سعيد أبو نعسة
03-03-2007, 09:58 AM
أخي الكريم د . سمير العمري
في هذه القصة ألمس تقدما باهرا في قدرتك السردية تمثل ذلك في الوصف الرائع لإطار الحدث المكاني و الزماني و في تطوير الحدث و تشويق القارئ إلا أنك بترت المشهد الأساس وهو الخطر الداهم الذي تعرض له المتزلج و رحت تركز على حرصه على الكاميرا مع أن الحياة أغلى بكثير من التفكير بأي شيء آخر إلا أن يكون البطل من البخل بحيث أنساه حياته و عندها وجب تسمية القصة
( أغلى من حياتي )
و مهما يكن فقد استطعت أن تشد القارئ حتى الحرف الأخير
دمت في خير و عطاء

مصطفى بطحيش
03-03-2007, 02:14 PM
د.سمير

قصة رمزية معبرة جداً , واسمح لي ببعض الملاحظات :

الأولى أن الربح والخسارة قضية نسبية ومفهوم الربح عند احدهم يمكن ان يكون خسارة عند آخر وذلك بحسب المقياس الذي يعتمده المرء !
الثانية ان التقنيات الرقمية بلغت مبلغاً عظيما من الدقة والموثوقية بحيث يعتمد عليها لكشف ما لا نستطيع كشفه بحواسنا العادية
وأقصد أن العدسة قد تكون التقطت صورة مشروخة لمشهد ما, أستطاعت بدقتها ان تتبين الشرخ, فليس من الطبيعي ان تشرخ عدسة الكاميرا الرقمية ولعلك تعلم ان الأنظمة الرقمية تعمل بموثوقية عالية من الدرجة -55 حتى الدرجة 90 مئوية

لك الود والتقدير

مجدي محمود جعفر
03-03-2007, 05:47 PM
أعتقد أن أول ما يشد القارئ في قصة ( حرص ) للدكتور سمير العمري هو الوصف الشائق والماتع - للمكان ، و " حرص " الكاتب من خلال هذا الوصف على كشف سر من أسرار الله في الطبيعة / الكون ، من خلال تقديمه لهذا المشهد العبقري ، مشهد بصري خلاب ، مشهد الطبيعة في أجل صورها ، ولا تبدو الطبيعة ساكنة بل متحركة ، تساقط الثلج ، حركة الأشجار ، الأوراق ، رياح الشمال ، بل القصة نفسها تبدأ من الحركة : " تَمَطَّى عَلَى الأَرِيكَةِ الوَثِيرَةِ يَفْركُ يَدَيهِ بِسَعَادَةٍ وَرِضَا " .. لاحظ كلمتي : تمطى ، يفرك ، فالبطل / بطل النص يبدأ من حركة ، وتزداد الحركة زيادة مطردة وتتسارع ، وهكذا يتنامى الحدث بسرعة ، والبطل كما يبدو من النص يعيش وحيدا ويحاول أن يدخر من شبابه وحياته ما يؤنس به وحدته في شيخوخته وربما يحاول أن يقنص لحظات السعادة لتكون زاده في الشيخوخة ، ويحاول أن يلتقط من خلال الكاميرا هذه اللحظات ، والكاتب كان حريصا على الكشف عما يعتمل بداخل البطل ولم يقنع بالوصف الظاهري ولكنه كان حريص على بلوغ الطوايا والأعماق ، أعماق البطل / الإنسان ، وأعماق الطبيعة / الكون ، وما أروع هذه العلاقة التي يحاول ان يقيمها المتلقي بين الإنسان والطبيعة ، لحظات الفرح والعناق حين أخذ البطل يمارس رياضة التزلج ولحظات الحزن والفراق حين تكشر الطبيعة عن أنيابها فتُشل ساقه ، أو الإنسان حين يبلغ به الحمق مداه ويظن أنه قادر على اختزال السعادة بل اختزال الجمال في صور وأرقام أو يصور له وهمه أنه قادرا على جمع كل شئ والقبض على كل شئ فى آن ، القصة تبوح بأسرار كثيرة وتحتاج منا إلى عودة ، شكرا للدكتور سمير على هذا النص الكوني الإنساني البديع ولي عودة

جوتيار تمر
03-03-2007, 09:55 PM
دكتور العمري..
القصة اتت في سياق شمولي وكأن الدكتور يريد ان يقول لنا في قصته هذه..أشياء وليس الشيء الواحد المتوقع من اعلب القصص..فهي جاءت لتظهر لنا لغة قوية متماسكة..وفي بعض الاحيان وجدتها بالفعل تريد ان تلبس هذا الرداء اكثر من الحدث نفسه..ومن ثم جاءت كرؤية شعرية مكثفة للواقع والاشياء ضمن حركتها وفعاليتها،ومن جاءت لترسم لنا اكثر من لوحة ممزوجة بالوان هي من مقتنيات الذات الانسانية،من رسم للزمنية..ومن ثم المكانية..ومن ثم متطلبات الذات الانسانية.. بالرغم من مرور الزمن بها..ومن ثم رسم جميل لميتافيزيقية هذه الذات وطوبائيتها..ومعها رسم جميل للطبيعة..ومن ثم اظهار مبدع لمن بيده تسير الامور..ومن ثم وقفة مبدعة على الطموح والحرص في الذات الانسانية التي لاتوقفها السنون ولاتثني عزيمتها الشيخوخة..ومع كل هذه نجدها تضعنا امام المصير المحتوم الذي لامفر منه.

تقديري ومحبتي
جوتيار

د. سمير العمري
05-03-2007, 04:56 PM
نعم ؛ كثيراً ما يدفع الحرص صاحبه إلى الخسارة أضعافاً !
حكمة لو يتدبر فيها ذو اللبّ لنجا .
تحيتي .

صدقت أختي الفاضلة.

هناك من يحرص على أداته فيخسر ذاته.


تحياتي

مجذوب العيد المشراوي
06-03-2007, 10:54 AM
تملك الفن هذا باقتدار وتحسن الحبك النثري السلس ..

سمير 10/10

خليل حلاوجي
06-03-2007, 01:31 PM
حِرصٌ

تَمَطَّى عَلَى الأَرِيكَةِ الوَثِيرَةِ يَفْركُ يَدَيهِ بِسَعَادَةٍ وَرِضَا. الدِّفْءُ المُنبَعِثُ مِنَ الموقَدِ المُقَابِلِ يَتَخَلَّلُ جَسَدَهُ لِيَزِيدَهُ اسْتِرْخَاء وَسَكِينةَ وَهُوَ يَتَأَمَّلُ مِنَ النَّافِذَةِ الكَبِيرَةِ رِقَّةَ هُطُولِ الثُّلُوجِ فِي دَعَةٍ وَهُدُوءٍ كَقطْنٍ نَدِيفٍ مِنْ يَدِ صَانِعٍ مَاهِرٍ. بَيْتُهُ الخَشَبِيِّ الصَّغِيرِ المُحَاطِ بِأَشْجَارٍ بَاسِقَةٍ أَصَرَّتْ عَلَى الاحْتِفَاظِ بِأوْرَاقِهَا الخَضْرَاء وَإِنْ خَالَطَهَا البَيَاضُ كَانَ كُلَّ عَالَمِهِ الصَّامِتِ إِلا مِنْ بَعْضِ مَرَّاتٍ يَشْتَاقُ فِيهَا لِلصَّخَبِ وَالحَرَكةِ.

عَادَ لِيَتَفَحَّصَ الكَامِيرَا التِّي ابْتَاعَهَا مُنْذُ يَومَين مُتَأَمِّلاً تَارَةً شَكْلَهَا الأَنِيقِ ، وَمُسْتكْشِفَاً تَارَةً الجَدِيدَ مِنْ مِيزَاتِهَا العَدِيدَةِ مِمَّا لَمِّا يَصِلْ إِلَيهِ. ابْتَسَمَ مِنْ جَدِيدٍ سَعَادَةً بِهَذِهِ الكَامِيرَا التِي طَالَمَا حَلِمَ بِهَا لِيُسَجِّلَ لَقَطَاتٍ مِنْ لَحَظَاتِ حَيَاتِهِ السَّعِيدَةِ ذِكْرَى يَحْتَفِظُ بِهَا سَبَبَ أُنْسٍ لِشَيخُوخَتِهِ التِي يَعْلَمُ أَنَّهُ سيَكُونُ فِيهَا وَحِيدَا. لَمْ يَهْتَمَّ لِلمَبْلَغِ البَاهِظِ الذَي دَفَعَهُ ثَمَنَاً فَهِيَ تَسْتَحِقُ كَمَا أَقْنَعَ نَفْسَهُ بِمَا فِيهَا مِنْ خَصَائِصَ وَإِمْكَانِيَات مُذْهِلَةٍ هِيَ أَحْدَثُ مَا تَوَصَّلَتْ إِلَيهَا التقْنِيَةُ الرَّقمِيَّةُ.

أَعَادَ نَظَرَهُ إِلَى حَيثُ النَافِذَةِ يَتَأَمَّلُ مَا تَحِيكُ يَدُ السَّمَاءِ مِنْ نَسِيجٍ مُهَفَهَفٍ تَكْسُو بِهِ الأَرْضَ ثَوبَاً أَبْيَضَ مِنَ النَّقَاءِ يُخْفِي تَحْتَهُ كُلَّ أَدْرَانِهَا وَعَورَاتِهَا. شَعَرَ بِرَغْبَةٍ عَارِمَةٍ فِي أَنْ يَحْتَفِلَ بِهَذَا الجَّوِ الثَّلْجِيِّ الفَاتِنِ ، وَأَنْ يَحْتَفِيَ بِكَامِيرَتِهِ الجَدِيدَةِ ؛ فَيَبْدَأَ الاسْتِخْدَامَ الفِعْلِيَّ لِخَصَائِصِهَا الكَثِيرَةِ وَالكَبِيرَةِ خُصُوصَاً مِنْهَا مِيزَة ثَبَاتِ الصُّورَةِ فِي كُلِّ الظُرُوفِ. قَرَّرَ بِالفِعلِ أَنْ يَخْتَبِرَهَا في مثل هذا الطَّقْسِ البَارِدَ ، وَأَنْ يُسْعِدَ نَفْسَهُ بِرِيَاضَتِهِ المُفَضَّلَةِ يُفْرِغُ بِهَا دَفقَاتِ السُّرُورِ التِي تَنْتَابُهُ وَتَستَعْمِرَ مَشَاعِرَهُ.

رِيَاحُ الشَّمَالِ تَتَدَفَّقُ بِرِفْقٍ تَحْمَلُ الهَوَاءَ النَّقِيَّ البَارِدَ لِتَلْفَحَ بِهِ وَجْهَهُ المُتَلَفِّعَ بِلِثَامٍ صُوفِيٍّ سَمِيكٍ وَهُوَ يَنْسَابُ بِتَؤُدَةٍ عَلَى زَلاجَتِهِ نَحْوَ تِلْكَ المَسَاحَاتِ البَيْضَاء حَيْثُ لا شَجَرَ يَزْجُرُ وَلا حَجَرَ يَحْظرُ وَلا بَشَرَ يَنْظُرُ. وَعَلَى سُفُوحِهَا هُنَاكَ أَطْلَقَ لِسَاقَيهِ العنَانَ يُسَابِقُ الرِّيحَ تَارَةً وَيُسَابِقُ الحُلُمَ تَارَةً أُخْرَى ؛ كَأَنَّهُ فَارِسٌ امْتَطَى مَتْنَ الرِّيحِ مُنْطَلقَاً نَحْوَ الحُلُمِ الجَمِيلِ الذِي رَاوَدَهُ عَدَدَ سِنِين. مَهَارَتُهُ فِي التَّزَلُّجِ مَدَّتْ يَدَاً لِكَفِّ نَشْوَتِهِ الجَارِفَةِ تَدْفَعَانهُ لِلتَّمَايُلِ تَبَخْتُرَاً بِرَغْمِ هَذِهِ السُّرْعَةِ العَالِيَةِ وَقَدْ أَمْسَكَ بِيَدِهِ الكَامِيرَا يُدِيرُهَا إِلَى وَجْهِهِ المُتَهَلِّلِ سَعَادَةً حِينَاً ، وَحِينَاً إِلَى الأُفُقِ المُمْتَدِّ أَمَامَهُ أَبْيَضَ مِنْ غَيرِ سُورٍ مُتْعَةً كُبْرَى.

وَفَجْأَةً ؛ شَعَرَ بِأَنَّ الأَرْضَ لَمْ تَعُدْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَحْمِلَهُ. لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حُلُمَاً تَوَهَّمَهُ. كَانَتِ الأَرْضُ تَتَشَقَّقُ تَحْتَهُ حَقَّاً لِيَجِدَ نَفْسَهُ وَقَبْلَ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنَ التَّوَقُّفِ قَدْ بَدَأَ يَغُوصُ فِي الجَلِيدِ. اضْطَرَبَ جِدَاً وَهُوَ يَرَى كَأَنَّ الأَرْضَ تَبْتَلِعُهُ وَكَأَنَّ صَقِيعُهَا يُكَبِّلُهُ. لَمْ يَتَوَانَ الأَلَمُ أَنْ يَغْرسَ فِي أَطْرَافِهِ أَنْيَابَهُ يَعضُّهُ سَغْبَانَ مَسْعُورَاً. يَتَأَوَّهُ بِشِدَّةٍ وَلَكِنْ كَانَ كُلُّ هَمِّهِ وَقْتَئِذٍ أَنْ يُحَافِظَ عَلَى الكَامِيرَا مِنَ البَلَلِ فَتَتَعَطَّلَ ، أَوِ السُّقُوطِ مِنْ يَدِهِ فَتَنْكَسِرَ. رَفَعَ يَدَهُ بِهَا أَكْثَر كُلَّمَا غَاصَ أَكْثَر مُشْفِقَاً عَلَيهَا يَنْظُرُ إِلَيهَا بِحِرْصٍ وَانْتِبَاهٍ.

وَعَلَى أَحَدِ الأَسِرَّةِ البَيْضَاء كَانَتْ عَيْنَاهُ تَتَقَلَّبَانِ بَينَ قَدَمَينِ قَدْ شَلَّ الجَلِيدُ قُدْرَتَهَا وَدَامَا ، وكَامِيرَا قَدْ كَسَرَ البَرْدُ عَدَسَتَهَا خِتَامَا ، وَكَشْفُ حِسَابٍ جَاوَزَ ثَمَنَهَا بِعَشْرَةِ أَضْعَافٍ تَمَامَا



مايهمني وانا أقرأ القصة انها كتبت بقلم شاعر لايستطيع مغادرة نبض شاعريته وهذا قد أعطى للقصة دفقة تألق وجرعة مركزة من الانسيابية جعلت القارىء يسأل نفسه هل أنا الآن أمام قاص أم أمام شاعر خصوصا ً انها قصة لشاعر كبير بحجم سمير العمري لديه بصمته الخاصة بل والخاصة جدا ً ، لقد قمت بعرض القصة على احد الفضلاء من متابعي أدب العمري دون ذكر اسمه فلم يخطر في باله البتة انها للعمري
استنتجت بعد ذلك أن القاص هنا قد مارس الهروب من الشاعرية وخيالاتها الى المباشرة والتقريرية فقط ليثبت للمتلقي انه هنا يقول النثر لا الشعر .
2\
البطل هنا هو الانسان ، وحرصه هنا يغذي شهوتنا للحرص على تسجيل اللحظة بكل غنائيتها سياحة ً في هذا الكون الجميل والذي بالغ القاص في وصف دلالات جماله وكأنه يريد اخبار القارىء ان انسان هذا الزمان منشغل بملاحقة نوعين من اللحظات ، لحظة التملك لآخر صيحات الحضارة المادية ( ممثلة بآخر تقنية للكاميرا ) ولحظات أ ُنسِه وقد اراد القاص ربط زمني الحاضر بالمستقبل من خلال لهفة البطل على اختراق المكان بسرعة
وفي ذلك هناك اشارة خفية تمس واقعنا الاسلامي كوننا لانزال نلاحق حلمنا الاسلامي الرشيد في نفس الوقت الذي نوثق فيه مايحصل لنا الآن بكاميرا المتلهف لغد أمثل ومستقبل أجمل
اليد التي تتشبث بالحلم وتسجيل الامنيات هي اليد التي لازالت تصر وبهمة توازي حجم الهموم أنها اليد التي تعشق الاصرار
3\
ان القاص قد حبك وبمهارة خاتمة القصة بلون لطيف من الوان النثر وجعل القصة تختتم لسطور من المقامة المدهشة
4\
ولكن

مايؤخذ على القصة ان القاص بالغ في التوصيف على حساب الحبكة مما جعلني اعيد القراءة مرات لعلني أعثر على هامش ( إثارة في الحدث ) اوظفه لاستقراء مراد وغائية القاص من سرده

ثم
فاجئتنا الخاتمة والقاص ينقلنا الى مشافي نداوي بها خيبتنا وبطلنا قد تبدد حلمه
ولو ان القاص سلط الضوء ببعض كلمات تشير الى امكانية عودة البطل الى الحلم ومعلوم ان الكاميرا تشير الى الوسائل لهذا الحلم وليس كما ذهب استاذنا ابو نعسة إذ حصر الكاميرا بمضمونها المادي وان خسارتها تعتبر خسارة مادية بل على العكس كان القاص يريد ان نلتفت الى ان الكاميرا هي الاداة التي ستبلغه الحلم
ولكن
مايؤخذ على القاص هنا هو انه حدثنا عن تشوهات الارجل والكاميرا ولم يحدثنا عن تشوهات المشاعر
بل نقلنا الى زاوية حرجة في القصة ، كون ارجل البطل لابد وان تعالج وان عدسة الكاميرا يمكن اصلاحها وقد ركز على الثمن المضاعف اضعافا ً كثيرة ، وانا ادرك ان القاص اراد في اشارة ذكية الى ربوية هذا الزمن الذي يأكل أكتافنا ومعلوم ان الربا يجعلنا اليوم ندفع ثمن تقهقرنا اضعافا ً مضاعفة ، ولكن النص لايساعد المتلقي على التقاط هذه الاشارة البالغة الذكاء وكان بوسع القاص أن يعين القارىء ببعض التوضيح على ذلك ليخرج النص عن بعض غموضه.
5\
الاجادة في التصوير كان تختص بالاشياء على حساب الافكار ولو أن القاص ارتفع بالقارىء الى فضاء أعلى وجعل القصة تأخذ منحى انساني يخترق حدود (المكان والزمان) كأنه مثلا ً يسقط ماحصل لبطله على واقعنا الآن ببعض الاشارات الخفية ، ألسنا ونحن نحيا فوق أرصفة الحزن تبتلعنا نار القسوة ويكبلنا أنين الابرياء الذين تلتهمهم فراعنة حروب الالفية الثالثية وقراصنة الطغيان وحلمنا يشبه حلم البطل في الخروج من كل هذه العتمة .
وان الجليد في القصة على جلال جماليته فانه يشبه دموعنا التي جمدت في مآقينا
6\
فاذا لاحظنا ان القاص جعل بطله لاينتمي الى مجتمع يشاركه الحلم فاننا سندرك ان البطل يحكي لنا قصة كل الذين لازالوا يدفعون ثمن انتمائهم لمبادئهم والغربة هي القاسم المشترك بينهم ، انه انتماء الانسان الى انسانيته والاصرار على رفض المخاصمة مع بهاء الكون وجمال ماخلق الله تعالى لنا ، ذلك ان البطل هو الرافض لكل من يحاول كسر ارجلنا ويفقأ عيوننا
البطل هنا هو خليفة الله على ارضه
هو المسلم الامل لكل الانسانية بل وحتى للطبيعة من تشويهات قراصنة وفراعنة الالفية الثالثة .

اخيرا ً
اود ان التفت انتباه السادة القراء الى ان محور القصة واللقطة التي ادهشتني ، لاحظ انه جعل الكسر في العدسة ( وهي رمز لحضارة التملك للأشياء ) في العدسة وبنفس السقوط جعل الكسر في أرجل بطل القصة
وكأنه يقول لنا ان ارجلنا المتعثرة منها والمتكسرة لن تتدخل في آلية التبصر والتفكر عندنافعيوننا سليمة رغم السقوط وفوق هذا فاننا لم نزل نمتلك القدرة على التبصرة
وكأن القاص هنا يحذر ان يشتمل التدهور عيوننا فلايهم ان تفقأ عين حاجياتنا بل المهم سلامة منظورنا لواقعنا ولعلاقتنا الانسانية
في الغرب المهم هو علاقة الانسان بالاشياء
وفي الشرق الاهم من علاقة الانسان بالانسان هو علاقة الانسان بخالقه وموجده


شكرا ً دكتور سمير ... لانك قصصت علينا حكايتنا

د. مصطفى عراقي
07-03-2007, 02:57 PM
تَمَطَّى عَلَى الأَرِيكَةِ الوَثِيرَةِ يَفْركُ يَدَيهِ بِسَعَادَةٍ وَرِضَا. الدِّفْءُ المُنبَعِثُ مِنَ الموقَدِ المُقَابِلِ يَتَخَلَّلُ جَسَدَهُ لِيَزِيدَهُ اسْتِرْخَاء وَسَكِينةَ وَهُوَ يَتَأَمَّلُ مِنَ النَّافِذَةِ الكَبِيرَةِ رِقَّةَ هُطُولِ الثُّلُوجِ فِي دَعَةٍ وَهُدُوءٍ كَقطْنٍ نَدِيفٍ مِنْ يَدِ صَانِعٍ مَاهِرٍ. بَيْتُهُ الخَشَبِيِّ الصَّغِيرِ المُحَاطِ بِأَشْجَارٍ بَاسِقَةٍ أَصَرَّتْ عَلَى الاحْتِفَاظِ بِأوْرَاقِهَا الخَضْرَاء وَإِنْ خَالَطَهَا البَيَاضُ كَانَ كُلَّ عَالَمِهِ الصَّامِتِ إِلا مِنْ بَعْضِ مَرَّاتٍ يَشْتَاقُ فِيهَا لِلصَّخَبِ وَالحَرَكةِ.
عَادَ لِيَتَفَحَّصَ الكَامِيرَا التِّي ابْتَاعَهَا مُنْذُ يَومَين مُتَأَمِّلاً تَارَةً شَكْلَهَا الأَنِيقِ ، وَمُسْتكْشِفَاً تَارَةً الجَدِيدَ مِنْ مِيزَاتِهَا العَدِيدَةِ مِمَّا لَمِّا يَصِلْ إِلَيهِ. ابْتَسَمَ مِنْ جَدِيدٍ سَعَادَةً بِهَذِهِ الكَامِيرَا التِي طَالَمَا حَلِمَ بِهَا لِيُسَجِّلَ لَقَطَاتٍ مِنْ لَحَظَاتِ حَيَاتِهِ السَّعِيدَةِ ذِكْرَى يَحْتَفِظُ بِهَا سَبَبَ أُنْسٍ لِشَيخُوخَتِهِ التِي يَعْلَمُ أَنَّهُ سيَكُونُ فِيهَا وَحِيدَا. لَمْ يَهْتَمَّ لِلمَبْلَغِ البَاهِظِ الذَي دَفَعَهُ ثَمَنَاً فَهِيَ تَسْتَحِقُ كَمَا أَقْنَعَ نَفْسَهُ بِمَا فِيهَا مِنْ خَصَائِصَ وَإِمْكَانِيَات مُذْهِلَةٍ هِيَ أَحْدَثُ مَا تَوَصَّلَتْ إِلَيهَا التقْنِيَةُ الرَّقمِيَّةُ.
أَعَادَ نَظَرَهُ إِلَى حَيثُ النَافِذَةِ يَتَأَمَّلُ مَا تَحِيكُ يَدُ السَّمَاءِ مِنْ نَسِيجٍ مُهَفَهَفٍ تَكْسُو بِهِ الأَرْضَ ثَوبَاً أَبْيَضَ مِنَ النَّقَاءِ يُخْفِي تَحْتَهُ كُلَّ أَدْرَانِهَا وَعَورَاتِهَا. شَعَرَ بِرَغْبَةٍ عَارِمَةٍ فِي أَنْ يَحْتَفِلَ بِهَذَا الجَّوِ الثَّلْجِيِّ الفَاتِنِ ، وَأَنْ يَحْتَفِيَ بِكَامِيرَتِهِ الجَدِيدَةِ ؛ فَيَبْدَأَ الاسْتِخْدَامَ الفِعْلِيَّ لِخَصَائِصِهَا الكَثِيرَةِ وَالكَبِيرَةِ خُصُوصَاً مِنْهَا مِيزَة ثَبَاتِ الصُّورَةِ فِي كُلِّ الظُرُوفِ. قَرَّرَ بِالفِعلِ أَنْ يَخْتَبِرَهَا في مثل هذا الطَّقْسِ البَارِدَ ، وَأَنْ يُسْعِدَ نَفْسَهُ بِرِيَاضَتِهِ المُفَضَّلَةِ يُفْرِغُ بِهَا دَفقَاتِ السُّرُورِ التِي تَنْتَابُهُ وَتَستَعْمِرَ مَشَاعِرَهُ.
رِيَاحُ الشَّمَالِ تَتَدَفَّقُ بِرِفْقٍ تَحْمَلُ الهَوَاءَ النَّقِيَّ البَارِدَ لِتَلْفَحَ بِهِ وَجْهَهُ المُتَلَفِّعَ بِلِثَامٍ صُوفِيٍّ سَمِيكٍ وَهُوَ يَنْسَابُ بِتَؤُدَةٍ عَلَى زَلاجَتِهِ نَحْوَ تِلْكَ المَسَاحَاتِ البَيْضَاء حَيْثُ لا شَجَرَ يَزْجُرُ وَلا حَجَرَ يَحْظرُ وَلا بَشَرَ يَنْظُرُ. وَعَلَى سُفُوحِهَا هُنَاكَ أَطْلَقَ لِسَاقَيهِ العنَانَ يُسَابِقُ الرِّيحَ تَارَةً وَيُسَابِقُ الحُلُمَ تَارَةً أُخْرَى ؛ كَأَنَّهُ فَارِسٌ امْتَطَى مَتْنَ الرِّيحِ مُنْطَلقَاً نَحْوَ الحُلُمِ الجَمِيلِ الذِي رَاوَدَهُ عَدَدَ سِنِين. مَهَارَتُهُ فِي التَّزَلُّجِ مَدَّتْ يَدَاً لِكَفِّ نَشْوَتِهِ الجَارِفَةِ تَدْفَعَانهُ لِلتَّمَايُلِ تَبَخْتُرَاً بِرَغْمِ هَذِهِ السُّرْعَةِ العَالِيَةِ وَقَدْ أَمْسَكَ بِيَدِهِ الكَامِيرَا يُدِيرُهَا إِلَى وَجْهِهِ المُتَهَلِّلِ سَعَادَةً حِينَاً ، وَحِينَاً إِلَى الأُفُقِ المُمْتَدِّ أَمَامَهُ أَبْيَضَ مِنْ غَيرِ سُورٍ مُتْعَةً كُبْرَى.
وَفَجْأَةً ؛ شَعَرَ بِأَنَّ الأَرْضَ لَمْ تَعُدْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَحْمِلَهُ. لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حُلُمَاً تَوَهَّمَهُ. كَانَتِ الأَرْضُ تَتَشَقَّقُ تَحْتَهُ حَقَّاً لِيَجِدَ نَفْسَهُ وَقَبْلَ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنَ التَّوَقُّفِ قَدْ بَدَأَ يَغُوصُ فِي الجَلِيدِ. اضْطَرَبَ جِدَاً وَهُوَ يَرَى كَأَنَّ الأَرْضَ تَبْتَلِعُهُ وَكَأَنَّ صَقِيعُهَا يُكَبِّلُهُ. لَمْ يَتَوَانَ الأَلَمُ أَنْ يَغْرسَ فِي أَطْرَافِهِ أَنْيَابَهُ يَعضُّهُ سَغْبَانَ مَسْعُورَاً. يَتَأَوَّهُ بِشِدَّةٍ وَلَكِنْ كَانَ كُلُّ هَمِّهِ وَقْتَئِذٍ أَنْ يُحَافِظَ عَلَى الكَامِيرَا مِنَ البَلَلِ فَتَتَعَطَّلَ ، أَوِ السُّقُوطِ مِنْ يَدِهِ فَتَنْكَسِرَ. رَفَعَ يَدَهُ بِهَا أَكْثَر كُلَّمَا غَاصَ أَكْثَر مُشْفِقَاً عَلَيهَا يَنْظُرُ إِلَيهَا بِحِرْصٍ وَانْتِبَاهٍ.
وَعَلَى أَحَدِ الأَسِرَّةِ البَيْضَاء كَانَتْ عَيْنَاهُ تَتَقَلَّبَانِ بَينَ قَدَمَينِ قَدْ شَلَّ الجَلِيدُ قُدْرَتَهَا وَدَامَا ، وكَامِيرَا قَدْ كَسَرَ البَرْدُ عَدَسَتَهَا خِتَامَا ، وَكَشْفُ حِسَابٍ جَاوَزَ ثَمَنَهَا بِعَشْرَةِ أَضْعَافٍ تَمَامَا.

******
أخانا الجليل وأديبنا القدير : الدكتور سمير العمري
ما أجملها من قصة حرضتني على المعايشة والتأمل استمتاعا بجمالها ، وتقديرا لها رؤيةً عميقةً، وأداةً موفقة
مقدما أطيب التحيات لكل من سبقني إليها ولا سيما إشارة أخي الفاضل الأديب المرهف الأستاذ خليل التي كشفت عن سرٍّ من أهم الأسرار الكامنة في قلب القصة. ألا وهو "الحلم".
وقد استوقفني في قصة "حرص" تلك المقدرة الفنية البارعة تصويرا وبناءً في سياق هذه القصة المصوغةٍ بأسلوبٍ سردي متميز ، حيث نهض السرد بتصوير المشهد مشهد الطبيعة بين سكونٍ صامتٍ، وحركةٍ صاخبة ، وألوان متداخلة ، ينسج القاص هنا علاقة إنسانية فريدة بين الإنسان والطبيعة من جهة
ثم بين الإنسان والأداة من جهة أخرى أكثر عمقا وتطورا
تتجلى العلاقة الأولى منذ البداية :
"تَمَطَّى عَلَى الأَرِيكَةِ الوَثِيرَةِ يَفْركُ يَدَيهِ بِسَعَادَةٍ وَرِضَا. الدِّفْءُ المُنبَعِثُ مِنَ الموقَدِ المُقَابِلِ يَتَخَلَّلُ جَسَدَهُ لِيَزِيدَهُ اسْتِرْخَاء وَسَكِينةَ وَهُوَ يَتَأَمَّلُ مِنَ النَّافِذَةِ الكَبِيرَةِ رِقَّةَ هُطُولِ الثُّلُوجِ فِي دَعَةٍ وَهُدُوءٍ كَقطْنٍ نَدِيفٍ مِنْ يَدِ صَانِعٍ مَاهِرٍ".
حيث تتلاقى حالة استرخاء الإنسان وسكينته ، مع دعة هطول الثلوج في دعةٍ وهدوء، من خلال هذا السناريو المصور المعبر داخليا وخارجيا.
أما العلاقة الثانية فنطالعها حيث نطالع هذه الرؤية الحميمية بين الرجل والكاميرا التي تمو نموا دراميا بدءا من مرحلة التأمل والاكتشاف وما حاطهما من شعور بالسعادة تجلى في الابتسام.
"عَادَ لِيَتَفَحَّصَ الكَامِيرَا التِّي ابْتَاعَهَا مُنْذُ يَومَين مُتَأَمِّلاً تَارَةً شَكْلَهَا الأَنِيقِ ، وَمُسْتكْشِفَاً تَارَةً الجَدِيدَ مِنْ مِيزَاتِهَا العَدِيدَةِ مِمَّا لَمِّا يَصِلْ إِلَيهِ. ابْتَسَمَ مِنْ جَدِيدٍ سَعَادَةً بِهَذِهِ الكَامِيرَا".
ثم تنتقل إلى مرحلة من مراحل النمو الدرامي هي مرحلة الاحتفال الذي يطلعنا السرد على أن الطبيعة قد تضامنت مع صاحبنا حتى صارت تشاركه هذا الاحتفال العجيب المعبر عن احتفاله وعنايته بهذه الكاميرا بسبب مزاياها ، "خُصُوصَاً مِنْهَا مِيزَة ثَبَاتِ الصُّورَةِ فِي كُلِّ الظُرُوفِ. "
هذه الميزة التي تعبر عن إحساس إنساني راق هو الثقة التي أشار إليها القاص بالفعل"تستحق"، من دون ان يصرح بها تصريحا مباشرا. بل من خلال جملة شديدة الإيحاء
. لَمْ يَهْتَمَّ لِلمَبْلَغِ البَاهِظِ الذَي دَفَعَهُ ثَمَنَاً فَهِيَ تَسْتَحِقُ كَمَا أَقْنَعَ نَفْسَهُ بِمَا فِيهَا مِنْ خَصَائِصَ وَإِمْكَانِيَات مُذْهِلَةٍ هِيَ أَحْدَثُ مَا تَوَصَّلَتْ إِلَيهَا التقْنِيَةُ الرَّقمِيَّةُ.
في إشارة فنية ذكية إلى الحبكة القصصية هنا .
من دون إغفال البعد الإنساني الشعوري للعلاقة متجسدةً في الحلم بها قبل العثور عليها في امتداد زمني ماضٍ ،
"التِي طَالَمَا حَلِمَ بِهَا"
واستحضارا لدواعي شعورية تمتد امتدادا في الجهة الزمنية المقابلة فيما يُستقبل من الزمان، حيث ما يدخره لهذا المستقبل المَخُوف من ذكريات مؤنسة
" ذِكْرَى يَحْتَفِظُ بِهَا سَبَبَ أُنْسٍ لِشَيخُوخَتِهِ التِي يَعْلَمُ أَنَّهُ سيَكُونُ فِيهَا وَحِيدَا".
وهكذا يقوم الزمن بدوره في تصوير الجانب النفسي لهذه الصلة الحية، التي جسدت رهافة إحساس البطل، ومدى إدراكه للبعد الزمني .
كما يوفق القاص في اختيار المكان ، متسقا مع المشهد الكلي للقصة:
" بَيْتُهُ الخَشَبِيِّ الصَّغِيرِ المُحَاطِ بِأَشْجَارٍ بَاسِقَةٍ أَصَرَّتْ عَلَى الاحْتِفَاظِ بِأوْرَاقِهَا الخَضْرَاء وَإِنْ خَالَطَهَا البَيَاضُ كَانَ كُلَّ عَالَمِهِ الصَّامِتِ إِلا مِنْ بَعْضِ مَرَّاتٍ يَشْتَاقُ فِيهَا لِلصَّخَبِ وَالحَرَكةِ."
حيث التقاء المكان الخاص بالبيئة العامة في تناسب جلي بين وصف البيت بأنه خشبي ، وصورة الأشجار تحيط به .
وتأمل معي وصف هذه الأشجار بأنها باسقة ربما في إشارة إلى شخصية البطل الذي نلمح من ملامحه الضمنية هنا من سياق السرد القصصي ما يتمتع به من سمو ،
ثم تأمل معي إصرار الأشجار " عَلَى الاحْتِفَاظِ بِأوْرَاقِهَا الخَضْرَاء وَإِنْ خَالَطَهَا البَيَاضُ"
وكأنه يصور مدى ما تتميز به من وفاء كأنه المعادل الموضوعي لوفاء آخر هو وفاء صاحبنا مع كاميراه .
ولكن هذا الوفاء يقابل في الطبيعة بخداع انتبه إليه حين:
" أَعَادَ نَظَرَهُ إِلَى حَيثُ النَافِذَةِ يَتَأَمَّلُ مَا تَحِيكُ ( الصواب: تحوك) يَدُ السَّمَاءِ مِنْ نَسِيجٍ مُهَفَهَفٍ تَكْسُو بِهِ الأَرْضَ ثَوبَاً أَبْيَضَ مِنَ النَّقَاءِ يُخْفِي تَحْتَهُ كُلَّ أَدْرَانِهَا وَعَورَاتِهَا.
بما يبين أن بطلنا على إدراكٍ بما تحت هذه الماهر الخلابة الخادعة لكنه على الرغم من ذلك نراه وقد:
"شَعَرَ بِرَغْبَةٍ عَارِمَةٍ فِي أَنْ يَحْتَفِلَ بِهَذَا الجَّوِ الثَّلْجِيِّ الفَاتِنِ"
حتى لا يحرم نفسه من جمال الظاهر (نقاء البياض الخادع) رغم معرفته بما تحته من عوار.
كأنه يستجيب لنداء أبي تمامٍ الحكيم:

فَأَتَوا كَريمَ الخيمِ مِثلَكَ صافِحًا = عَن ذِكرِ أَحقادٍ مَضَت وَضِبابِ
فَاِضمُم أَقاصِيَهُم إِلَيكَ فَإِنَّهُ = لا يَزخَرُ الوادي بِغَيرِ شِعابِ
وفي هذا الجو تبدأ مرحلة جديدة هي مرحلة الاختبار اختبار الثقة والكفاءة لكنه ليس مجرد اختبارٍ رسمي بل هو اختبار ود غير منبت الصلة عن المشاعر المتدفقة سرورا
". قَرَّرَ بِالفِعلِ أَنْ يَخْتَبِرَهَا في مثل هذا الطَّقْسِ البَارِدَ ، وَأَنْ يُسْعِدَ نَفْسَهُ بِرِيَاضَتِهِ المُفَضَّلَةِ يُفْرِغُ بِهَا دَفقَاتِ السُّرُورِ التِي تَنْتَابُهُ وَتَستَعْمِرَ مَشَاعِرَهُ."
وقد أجاد أديبنا في توظيف أدواته الفنية توظيفا دراميا راقيا ،
فاستخدم المفارقة بين الحركة والسكون على مستوى الصوت ، والصورة
وصراع الدفء والبرودة على مستوى الإحساس الخارجي والشعور الداخلي.
و حوار الخضرة والبياض على مستوى اللون
وتأمل معي كيف أن قاصنا المبدع لم يقف عند حدود إيحاءات اللون القياسية المعهودة بل نراه هنا يتلاعب بدلالة البياض فيربطه بالخداع كما سنرى في سياق القصة، ثم يقرنه بالمرض كما سنكتشف في ختامها.
ولاختيار الكاميرا هنا رمزا في القصة دلالة ثرية شجية ، بما تدل عليه من عينٍ مساعدة للرجل يحتاجه رغم ما وهبه الله سبحانه من عين مبصرة بصيرة ، ومستودعٍ للأسرار والذكريات لبطلنا الفارس الحالم الوفي الذي
" كَانَ كُلُّ هَمِّهِ وَقْتَئِذٍ أَنْ يُحَافِظَ عَلَى الكَامِيرَا مِنَ البَلَلِ فَتَتَعَطَّلَ ، أَوِ السُّقُوطِ مِنْ يَدِهِ فَتَنْكَسِرَ. رَفَعَ يَدَهُ بِهَا أَكْثَر كُلَّمَا غَاصَ أَكْثَر مُشْفِقَاً عَلَيهَا يَنْظُرُ إِلَيهَا بِحِرْصٍ وَانْتِبَاهٍ.
وما أجمله وأجله من حرص
هو ليس حرص البخل على مادية الكاميرا الرمز
بل هو حرص النبل ، وإشفاق الإخلاص ، وانتباه الوفاء لأشياء يا ليتها تستحق
فإن لم تكن تستحق فلما وراءها في قلب صاحبنا
من قيم جميلة نبيلة ، ومعانٍ سامية أن تضيع في جليد الحياة ، وضباب الغربة ، مثل معاني :
الحلم
الرؤية
الذكرى
الأمل
==
وتبقى بعض الملحوظات اليسيرة:
*إِمْكَانِيَات : الأجمل : إمكانات
*مَا تَحِيكُ يَدُ السَّمَاءِ مِنْ نَسِيجٍ : لعلها: "تحوك"
لأنها من "حاكَ الثوب يَحوكُهُ حَوْكاً وحِيَاكَةً: نسجَه فهو حائِكٌ"( كما في : الصحاح مادة ح و ك)
*وَأَنْ يَحْتَفِيَ بِكَامِيرَتِهِ الجَدِيدَةِ : الأنسب كاميراه ؛ لأنها كما وردت في القصة "كاميرا" بالألف.
.
أخانا السامق وأديبنا الشاهق
ما أجمل ما صورت هنا وعبرت لنا
ومددت لأعيننا من آفاق فنية
ومنحت قلوبنا من مساحات إنسانية للتأمل والاعتبار
ودمت بكل الخير والسعادة والوفاء
أخوك المحب:
مصطفى

د. سمير العمري
08-03-2007, 08:25 PM
هُطُولِ الثُّلُوجِ فِي دَعَةٍ وَهُدُوءٍ كَقطْنٍ نَدِيفٍ مِنْ يَدِ صَانِعٍ مَاهِر
وما كل هذا الدفء الكامن بالثلوج !؟
فجأة حين انشقت الثلوج وبدأ يغوص شعرت أنه كان يتزلج على كفنه !!
أستاذنا الدكتور سمير العمري
بارك الله لنا فيك
محبتي واحترامي
شاهين

هو دفء قلبك مرة أخرى أخي الكريم شاهين.

وأحببت منك تلك الصورة التي رسمتها هنا فكم من مرء يتزلج على كفنه في هذه الحياة ويحسب أنه يحسن صنعا.


تقبل الود خالصا.

محمد سامي البوهي
15-03-2007, 01:12 PM
السلام عليكم ورحمة الله
الشاعر المفكر
الدكتور / سمير العمري

قالب قصصي أبدع تصميمه بأدوات هندسية عالية الجودة ، فقد سارت كل خطوة تمهد للخطوة التالية ، كأنك تأخذ بأيدينا للعبور للشاطىء الآخر من خلال الأعماق الجلية ، المستوحاه من روعة الطبيعة ، لتكشف لنا عن حكمة مغلفة بحبات من اللغة المعسولة .

مودتي

د. مصطفى عراقي
03-04-2007, 02:47 AM
للرفع إعجابا وتقديرا

حنان الاغا
03-04-2007, 11:25 AM
قصة غنية بالصور الثابتة والمتحركة ، قد لا تكون تلك الكاميرا قادرة على نقلها إلينا مهما بلغت من تطور تقنيّ .
حملت هذه القصة القارىء لأماكن مفترضة جميلة وغامضة لتتناسب مع رمزية الحدث،على أكف لغة بديعة التكوين ، دقيقة الوصف ، ورقيقة المعنى .
ما أقساها تلك اللحظة التي يتشبث فيها الإنسان بأمر يعتقده هو الأهم ويترك ما هو مهم حقيقة ، ليصل
الحقيقة متأخرا !
د. سمير أرجو أن تتقبل كل التقدير

د. سمير العمري
08-04-2007, 04:01 AM
وكأنه تشبث بالأمل!
أُخذت بوصفك الرائع ولغتك الرفيعة، أخي د. سمير.
أشكرك من القلب على هذه اللحظات الجميلة التي انتهت بشيء من الحزن على تبدد الحلم .. ولكنه مازال على قيد الحياة على الأقل!
تقبل أعطر التحايا.

أشكر لك قراءتك وإعجابك باللغة ، كيف لا وهي ترجمان العقل والقلب.

بارك الله بك وحياك.



تحياتي

د. سمير العمري
28-04-2007, 12:49 AM
أستاذنا الكبير"د.سمير ":
قصة معبرة ومفعمة بالحكمة والتأمل
سلم وبورك ابداعك
تقبل خالص إعجابي وباقة ورد


وبك الله بارك أيتها الفراشة المحلقة على أزهار الواحة اليانعة تزيدينها بهاء وألقا.


ما أسمق همتك أيتها الأخت الوفية!



تحياتي

د. سمير العمري
09-05-2007, 12:30 AM
أخي الكريم د . سمير العمري
في هذه القصة ألمس تقدما باهرا في قدرتك السردية تمثل ذلك في الوصف الرائع لإطار الحدث المكاني و الزماني و في تطوير الحدث و تشويق القارئ إلا أنك بترت المشهد الأساس وهو الخطر الداهم الذي تعرض له المتزلج و رحت تركز على حرصه على الكاميرا مع أن الحياة أغلى بكثير من التفكير بأي شيء آخر إلا أن يكون البطل من البخل بحيث أنساه حياته و عندها وجب تسمية القصة
( أغلى من حياتي )
و مهما يكن فقد استطعت أن تشد القارئ حتى الحرف الأخير
دمت في خير و عطاء

كلا أخي الكريم ، لم أبتر ما اشرت إليه ولكني ركزت عدسة الرصد للأمر الذي أريده من النص وهو أحد أهم مفاتيح فهم النص أو تأويله للمعاني المرادة ، والأمر يتعدى في نظري أمر البخل إلى مفاهيم أكثر شمولية ورمزية وددت لو تنبهت لها وربما كان هناك مفتاح سهوت عنه في عنوان النص.


أشكر لك مرورك الكريم أخي ورأيك المفيد وأحترم رأيك واقتراحك ولكنه ربما ناسب قصة تكتبها أنت بأسلوبك القصصي الرشيق ومنها سنتعلم ، لأما النص هنا فالعنوان أحد مفاتيح قراءته وأحد عناصر تكامله.


تحياتي

د. سمير العمري
12-05-2007, 03:15 PM
د.سمير
قصة رمزية معبرة جداً , واسمح لي ببعض الملاحظات :
الأولى أن الربح والخسارة قضية نسبية ومفهوم الربح عند احدهم يمكن ان يكون خسارة عند آخر وذلك بحسب المقياس الذي يعتمده المرء !
الثانية ان التقنيات الرقمية بلغت مبلغاً عظيما من الدقة والموثوقية بحيث يعتمد عليها لكشف ما لا نستطيع كشفه بحواسنا العادية
وأقصد أن العدسة قد تكون التقطت صورة مشروخة لمشهد ما, أستطاعت بدقتها ان تتبين الشرخ, فليس من الطبيعي ان تشرخ عدسة الكاميرا الرقمية ولعلك تعلم ان الأنظمة الرقمية تعمل بموثوقية عالية من الدرجة -55 حتى الدرجة 90 مئوية
لك الود والتقدير

الأخ الكريم أبا أحمد:

أشكر لك مرورك الكريم على نصي البسيط.

لا أحسبك إلا قصدت وجهات نظر وليس ملحوظات ولكن مهما يكن من أمر فإني أرحب بهذه وتلك.

وأما "ملحوظاتك" فهي وجهة نظر خاصة نحترمها ونقدرها ولكني رأيت أن حسك العلمي غلب هنا حسك الأدبي فكانت ملحوظاتك عملية في جلها.

وهنا يجدر بي أن أذكرك أخي الكريم بأن ما قرأت هو نص قصصي تحمل الرمزية وتوظف الحدث ، وليس مقالة علمية تسرد الحقائق وترصد التطور العلمي.


أهلاً ومرحبا بك.



تحياتي

د. سمير العمري
16-05-2007, 09:49 PM
أعتقد أن أول ما يشد القارئ في قصة ( حرص ) للدكتور سمير العمري هو الوصف الشائق والماتع - للمكان ، و " حرص " الكاتب من خلال هذا الوصف على كشف سر من أسرار الله في الطبيعة / الكون ، من خلال تقديمه لهذا المشهد العبقري ، مشهد بصري خلاب ، مشهد الطبيعة في أجل صورها ، ولا تبدو الطبيعة ساكنة بل متحركة ، تساقط الثلج ، حركة الأشجار ، الأوراق ، رياح الشمال ، بل القصة نفسها تبدأ من الحركة : " تَمَطَّى عَلَى الأَرِيكَةِ الوَثِيرَةِ يَفْركُ يَدَيهِ بِسَعَادَةٍ وَرِضَا " .. لاحظ كلمتي : تمطى ، يفرك ، فالبطل / بطل النص يبدأ من حركة ، وتزداد الحركة زيادة مطردة وتتسارع ، وهكذا يتنامى الحدث بسرعة ، والبطل كما يبدو من النص يعيش وحيدا ويحاول أن يدخر من شبابه وحياته ما يؤنس به وحدته في شيخوخته وربما يحاول أن يقنص لحظات السعادة لتكون زاده في الشيخوخة ، ويحاول أن يلتقط من خلال الكاميرا هذه اللحظات ، والكاتب كان حريصا على الكشف عما يعتمل بداخل البطل ولم يقنع بالوصف الظاهري ولكنه كان حريص على بلوغ الطوايا والأعماق ، أعماق البطل / الإنسان ، وأعماق الطبيعة / الكون ، وما أروع هذه العلاقة التي يحاول ان يقيمها المتلقي بين الإنسان والطبيعة ، لحظات الفرح والعناق حين أخذ البطل يمارس رياضة التزلج ولحظات الحزن والفراق حين تكشر الطبيعة عن أنيابها فتُشل ساقه ، أو الإنسان حين يبلغ به الحمق مداه ويظن أنه قادر على اختزال السعادة بل اختزال الجمال في صور وأرقام أو يصور له وهمه أنه قادرا على جمع كل شئ والقبض على كل شئ فى آن ، القصة تبوح بأسرار كثيرة وتحتاج منا إلى عودة ، شكرا للدكتور سمير على هذا النص الكوني الإنساني البديع ولي عودة

قراءة مميزة ونقد واع يؤكد على تميزك الفني في هذا الصنف الأدبي مؤلفاً وناقدا.

وكم أسعدني أن ترصد بحصافتك مشاهد كثيرة حركية وساكنة ، وإسقاطات مقصودة لمعان مرادة.

أشكر لك أخي الحبيب ، وأتمنى أن تكون منك العودة التي وعدت.


تحياتي

د. سمير العمري
14-07-2007, 10:57 PM
دكتور العمري..
القصة اتت في سياق شمولي وكأن الدكتور يريد ان يقول لنا في قصته هذه..أشياء وليس الشيء الواحد المتوقع من اعلب القصص..فهي جاءت لتظهر لنا لغة قوية متماسكة..وفي بعض الاحيان وجدتها بالفعل تريد ان تلبس هذا الرداء اكثر من الحدث نفسه..ومن ثم جاءت كرؤية شعرية مكثفة للواقع والاشياء ضمن حركتها وفعاليتها،ومن جاءت لترسم لنا اكثر من لوحة ممزوجة بالوان هي من مقتنيات الذات الانسانية،من رسم للزمنية..ومن ثم المكانية..ومن ثم متطلبات الذات الانسانية.. بالرغم من مرور الزمن بها..ومن ثم رسم جميل لميتافيزيقية هذه الذات وطوبائيتها..ومعها رسم جميل للطبيعة..ومن ثم اظهار مبدع لمن بيده تسير الامور..ومن ثم وقفة مبدعة على الطموح والحرص في الذات الانسانية التي لاتوقفها السنون ولاتثني عزيمتها الشيخوخة..ومع كل هذه نجدها تضعنا امام المصير المحتوم الذي لامفر منه.
تقديري ومحبتي
جوتيار

أشكر لك مرورك الكريم أخي جوتيار وأحترم وجهة نظرك وقراءتك بما وصل لك من خلال القصة.

هو نص مفتوح على أكثر من معنى وعلى أكثر من صعيد ومركز حول الفكرة أكثر من البناء على عكس ما أشرت ، ولكن المعنى ربما أغمطته رمزية كبيرة حقه.


لك التقدير

د. سمير العمري
30-07-2007, 07:09 PM
تملك الفن هذا باقتدار وتحسن الحبك النثري السلس ..
سمير 10/10

بارك الله بك أخي الحبيب مجذوب ، أيها الغائب الحاضر.

أسعدني أن أحصل منك على الدرجات النهائية.



تحياتي

د. سمير العمري
04-11-2007, 10:38 PM
مايهمني وانا أقرأ القصة انها كتبت بقلم شاعر لايستطيع مغادرة نبض شاعريته وهذا قد أعطى للقصة دفقة تألق وجرعة مركزة من الانسيابية جعلت القارىء يسأل نفسه هل أنا الآن أمام قاص أم أمام شاعر خصوصا ً انها قصة لشاعر كبير بحجم سمير العمري لديه بصمته الخاصة بل والخاصة جدا ً ، لقد قمت بعرض القصة على احد الفضلاء من متابعي أدب العمري دون ذكر اسمه فلم يخطر في باله البتة انها للعمري
استنتجت بعد ذلك أن القاص هنا قد مارس الهروب من الشاعرية وخيالاتها الى المباشرة والتقريرية فقط ليثبت للمتلقي انه هنا يقول النثر لا الشعر .
2\
البطل هنا هو الانسان ، وحرصه هنا يغذي شهوتنا للحرص على تسجيل اللحظة بكل غنائيتها سياحة ً في هذا الكون الجميل والذي بالغ القاص في وصف دلالات جماله وكأنه يريد اخبار القارىء ان انسان هذا الزمان منشغل بملاحقة نوعين من اللحظات ، لحظة التملك لآخر صيحات الحضارة المادية ( ممثلة بآخر تقنية للكاميرا ) ولحظات أ ُنسِه وقد اراد القاص ربط زمني الحاضر بالمستقبل من خلال لهفة البطل على اختراق المكان بسرعة
وفي ذلك هناك اشارة خفية تمس واقعنا الاسلامي كوننا لانزال نلاحق حلمنا الاسلامي الرشيد في نفس الوقت الذي نوثق فيه مايحصل لنا الآن بكاميرا المتلهف لغد أمثل ومستقبل أجمل
اليد التي تتشبث بالحلم وتسجيل الامنيات هي اليد التي لازالت تصر وبهمة توازي حجم الهموم أنها اليد التي تعشق الاصرار
3\
ان القاص قد حبك وبمهارة خاتمة القصة بلون لطيف من الوان النثر وجعل القصة تختتم لسطور من المقامة المدهشة
4\
ولكن
مايؤخذ على القصة ان القاص بالغ في التوصيف على حساب الحبكة مما جعلني اعيد القراءة مرات لعلني أعثر على هامش ( إثارة في الحدث ) اوظفه لاستقراء مراد وغائية القاص من سرده
ثم
فاجئتنا الخاتمة والقاص ينقلنا الى مشافي نداوي بها خيبتنا وبطلنا قد تبدد حلمه
ولو ان القاص سلط الضوء ببعض كلمات تشير الى امكانية عودة البطل الى الحلم ومعلوم ان الكاميرا تشير الى الوسائل لهذا الحلم وليس كما ذهب استاذنا ابو نعسة إذ حصر الكاميرا بمضمونها المادي وان خسارتها تعتبر خسارة مادية بل على العكس كان القاص يريد ان نلتفت الى ان الكاميرا هي الاداة التي ستبلغه الحلم
ولكن
مايؤخذ على القاص هنا هو انه حدثنا عن تشوهات الارجل والكاميرا ولم يحدثنا عن تشوهات المشاعر
بل نقلنا الى زاوية حرجة في القصة ، كون ارجل البطل لابد وان تعالج وان عدسة الكاميرا يمكن اصلاحها وقد ركز على الثمن المضاعف اضعافا ً كثيرة ، وانا ادرك ان القاص اراد في اشارة ذكية الى ربوية هذا الزمن الذي يأكل أكتافنا ومعلوم ان الربا يجعلنا اليوم ندفع ثمن تقهقرنا اضعافا ً مضاعفة ، ولكن النص لايساعد المتلقي على التقاط هذه الاشارة البالغة الذكاء وكان بوسع القاص أن يعين القارىء ببعض التوضيح على ذلك ليخرج النص عن بعض غموضه.
5\
الاجادة في التصوير كان تختص بالاشياء على حساب الافكار ولو أن القاص ارتفع بالقارىء الى فضاء أعلى وجعل القصة تأخذ منحى انساني يخترق حدود (المكان والزمان) كأنه مثلا ً يسقط ماحصل لبطله على واقعنا الآن ببعض الاشارات الخفية ، ألسنا ونحن نحيا فوق أرصفة الحزن تبتلعنا نار القسوة ويكبلنا أنين الابرياء الذين تلتهمهم فراعنة حروب الالفية الثالثية وقراصنة الطغيان وحلمنا يشبه حلم البطل في الخروج من كل هذه العتمة .
وان الجليد في القصة على جلال جماليته فانه يشبه دموعنا التي جمدت في مآقينا
6\
فاذا لاحظنا ان القاص جعل بطله لاينتمي الى مجتمع يشاركه الحلم فاننا سندرك ان البطل يحكي لنا قصة كل الذين لازالوا يدفعون ثمن انتمائهم لمبادئهم والغربة هي القاسم المشترك بينهم ، انه انتماء الانسان الى انسانيته والاصرار على رفض المخاصمة مع بهاء الكون وجمال ماخلق الله تعالى لنا ، ذلك ان البطل هو الرافض لكل من يحاول كسر ارجلنا ويفقأ عيوننا
البطل هنا هو خليفة الله على ارضه
هو المسلم الامل لكل الانسانية بل وحتى للطبيعة من تشويهات قراصنة وفراعنة الالفية الثالثة .
اخيرا ً
اود ان التفت انتباه السادة القراء الى ان محور القصة واللقطة التي ادهشتني ، لاحظ انه جعل الكسر في العدسة ( وهي رمز لحضارة التملك للأشياء ) في العدسة وبنفس السقوط جعل الكسر في أرجل بطل القصة
وكأنه يقول لنا ان ارجلنا المتعثرة منها والمتكسرة لن تتدخل في آلية التبصر والتفكر عندنافعيوننا سليمة رغم السقوط وفوق هذا فاننا لم نزل نمتلك القدرة على التبصرة
وكأن القاص هنا يحذر ان يشتمل التدهور عيوننا فلايهم ان تفقأ عين حاجياتنا بل المهم سلامة منظورنا لواقعنا ولعلاقتنا الانسانية
في الغرب المهم هو علاقة الانسان بالاشياء
وفي الشرق الاهم من علاقة الانسان بالانسان هو علاقة الانسان بخالقه وموجده
شكرا ً دكتور سمير ... لانك قصصت علينا حكايتنا

قراءة منفتحة ترسم آفاقا واسعة للتأويل وتقدم حالات جادة من التحليل الأدبي والفكري ومن سيجيد هذا مثل الخليل الحبيب؟؟

نقد جديد يمثل بشارة برقي الفكر والأدب بمثله مجردا من الغرض ونزيها حد الصدق ، ويمكن اعتباره نبراسا للنهج النقدي المتعمق في الفكر قبل التعمق في الشكل الحرفي.

ولكن يظل هاجسي الأكبر أخي هو غيابك هذه المرة الذي طال وطال كثيرا بما أورثني القلق الشديد عليك. أرجو أن تكون بخير وأن أجد ما يطمئنني عنك.

حفظك الله وحماك من كل سوء.


تحياتي ودعواتي

د. سمير العمري
11-11-2007, 01:30 AM
أخانا الجليل وأديبنا القدير : الدكتور سمير العمري
ما أجملها من قصة حرضتني على المعايشة والتأمل استمتاعا بجمالها ، وتقديرا لها رؤيةً عميقةً، وأداةً موفقة
مقدما أطيب التحيات لكل من سبقني إليها ولا سيما إشارة أخي الفاضل الأديب المرهف الأستاذ خليل التي كشفت عن سرٍّ من أهم الأسرار الكامنة في قلب القصة. ألا وهو "الحلم".
وقد استوقفني في قصة "حرص" تلك المقدرة الفنية البارعة تصويرا وبناءً في سياق هذه القصة المصوغةٍ بأسلوبٍ سردي متميز ، حيث نهض السرد بتصوير المشهد مشهد الطبيعة بين سكونٍ صامتٍ، وحركةٍ صاخبة ، وألوان متداخلة ، ينسج القاص هنا علاقة إنسانية فريدة بين الإنسان والطبيعة من جهة
ثم بين الإنسان والأداة من جهة أخرى أكثر عمقا وتطورا
تتجلى العلاقة الأولى منذ البداية :
"تَمَطَّى عَلَى الأَرِيكَةِ الوَثِيرَةِ يَفْركُ يَدَيهِ بِسَعَادَةٍ وَرِضَا. الدِّفْءُ المُنبَعِثُ مِنَ الموقَدِ المُقَابِلِ يَتَخَلَّلُ جَسَدَهُ لِيَزِيدَهُ اسْتِرْخَاء وَسَكِينةَ وَهُوَ يَتَأَمَّلُ مِنَ النَّافِذَةِ الكَبِيرَةِ رِقَّةَ هُطُولِ الثُّلُوجِ فِي دَعَةٍ وَهُدُوءٍ كَقطْنٍ نَدِيفٍ مِنْ يَدِ صَانِعٍ مَاهِرٍ".
حيث تتلاقى حالة استرخاء الإنسان وسكينته ، مع دعة هطول الثلوج في دعةٍ وهدوء، من خلال هذا السناريو المصور المعبر داخليا وخارجيا.
أما العلاقة الثانية فنطالعها حيث نطالع هذه الرؤية الحميمية بين الرجل والكاميرا التي تمو نموا دراميا بدءا من مرحلة التأمل والاكتشاف وما حاطهما من شعور بالسعادة تجلى في الابتسام.
"عَادَ لِيَتَفَحَّصَ الكَامِيرَا التِّي ابْتَاعَهَا مُنْذُ يَومَين مُتَأَمِّلاً تَارَةً شَكْلَهَا الأَنِيقِ ، وَمُسْتكْشِفَاً تَارَةً الجَدِيدَ مِنْ مِيزَاتِهَا العَدِيدَةِ مِمَّا لَمِّا يَصِلْ إِلَيهِ. ابْتَسَمَ مِنْ جَدِيدٍ سَعَادَةً بِهَذِهِ الكَامِيرَا".
ثم تنتقل إلى مرحلة من مراحل النمو الدرامي هي مرحلة الاحتفال الذي يطلعنا السرد على أن الطبيعة قد تضامنت مع صاحبنا حتى صارت تشاركه هذا الاحتفال العجيب المعبر عن احتفاله وعنايته بهذه الكاميرا بسبب مزاياها ، "خُصُوصَاً مِنْهَا مِيزَة ثَبَاتِ الصُّورَةِ فِي كُلِّ الظُرُوفِ. "
هذه الميزة التي تعبر عن إحساس إنساني راق هو الثقة التي أشار إليها القاص بالفعل"تستحق"، من دون ان يصرح بها تصريحا مباشرا. بل من خلال جملة شديدة الإيحاء
. لَمْ يَهْتَمَّ لِلمَبْلَغِ البَاهِظِ الذَي دَفَعَهُ ثَمَنَاً فَهِيَ تَسْتَحِقُ كَمَا أَقْنَعَ نَفْسَهُ بِمَا فِيهَا مِنْ خَصَائِصَ وَإِمْكَانِيَات مُذْهِلَةٍ هِيَ أَحْدَثُ مَا تَوَصَّلَتْ إِلَيهَا التقْنِيَةُ الرَّقمِيَّةُ.
في إشارة فنية ذكية إلى الحبكة القصصية هنا .
من دون إغفال البعد الإنساني الشعوري للعلاقة متجسدةً في الحلم بها قبل العثور عليها في امتداد زمني ماضٍ ،
"التِي طَالَمَا حَلِمَ بِهَا"
واستحضارا لدواعي شعورية تمتد امتدادا في الجهة الزمنية المقابلة فيما يُستقبل من الزمان، حيث ما يدخره لهذا المستقبل المَخُوف من ذكريات مؤنسة
" ذِكْرَى يَحْتَفِظُ بِهَا سَبَبَ أُنْسٍ لِشَيخُوخَتِهِ التِي يَعْلَمُ أَنَّهُ سيَكُونُ فِيهَا وَحِيدَا".
وهكذا يقوم الزمن بدوره في تصوير الجانب النفسي لهذه الصلة الحية، التي جسدت رهافة إحساس البطل، ومدى إدراكه للبعد الزمني .
كما يوفق القاص في اختيار المكان ، متسقا مع المشهد الكلي للقصة:
" بَيْتُهُ الخَشَبِيِّ الصَّغِيرِ المُحَاطِ بِأَشْجَارٍ بَاسِقَةٍ أَصَرَّتْ عَلَى الاحْتِفَاظِ بِأوْرَاقِهَا الخَضْرَاء وَإِنْ خَالَطَهَا البَيَاضُ كَانَ كُلَّ عَالَمِهِ الصَّامِتِ إِلا مِنْ بَعْضِ مَرَّاتٍ يَشْتَاقُ فِيهَا لِلصَّخَبِ وَالحَرَكةِ."
حيث التقاء المكان الخاص بالبيئة العامة في تناسب جلي بين وصف البيت بأنه خشبي ، وصورة الأشجار تحيط به .
وتأمل معي وصف هذه الأشجار بأنها باسقة ربما في إشارة إلى شخصية البطل الذي نلمح من ملامحه الضمنية هنا من سياق السرد القصصي ما يتمتع به من سمو ،
ثم تأمل معي إصرار الأشجار " عَلَى الاحْتِفَاظِ بِأوْرَاقِهَا الخَضْرَاء وَإِنْ خَالَطَهَا البَيَاضُ"
وكأنه يصور مدى ما تتميز به من وفاء كأنه المعادل الموضوعي لوفاء آخر هو وفاء صاحبنا مع كاميراه .
ولكن هذا الوفاء يقابل في الطبيعة بخداع انتبه إليه حين:
" أَعَادَ نَظَرَهُ إِلَى حَيثُ النَافِذَةِ يَتَأَمَّلُ مَا تَحِيكُ ( الصواب: تحوك) يَدُ السَّمَاءِ مِنْ نَسِيجٍ مُهَفَهَفٍ تَكْسُو بِهِ الأَرْضَ ثَوبَاً أَبْيَضَ مِنَ النَّقَاءِ يُخْفِي تَحْتَهُ كُلَّ أَدْرَانِهَا وَعَورَاتِهَا.
بما يبين أن بطلنا على إدراكٍ بما تحت هذه الماهر الخلابة الخادعة لكنه على الرغم من ذلك نراه وقد:
"شَعَرَ بِرَغْبَةٍ عَارِمَةٍ فِي أَنْ يَحْتَفِلَ بِهَذَا الجَّوِ الثَّلْجِيِّ الفَاتِنِ"
حتى لا يحرم نفسه من جمال الظاهر (نقاء البياض الخادع) رغم معرفته بما تحته من عوار.
كأنه يستجيب لنداء أبي تمامٍ الحكيم:

فَأَتَوا كَريمَ الخيمِ مِثلَكَ صافِحًا = عَن ذِكرِ أَحقادٍ مَضَت وَضِبابِ
فَاِضمُم أَقاصِيَهُم إِلَيكَ فَإِنَّهُ = لا يَزخَرُ الوادي بِغَيرِ شِعابِ
وفي هذا الجو تبدأ مرحلة جديدة هي مرحلة الاختبار اختبار الثقة والكفاءة لكنه ليس مجرد اختبارٍ رسمي بل هو اختبار ود غير منبت الصلة عن المشاعر المتدفقة سرورا
". قَرَّرَ بِالفِعلِ أَنْ يَخْتَبِرَهَا في مثل هذا الطَّقْسِ البَارِدَ ، وَأَنْ يُسْعِدَ نَفْسَهُ بِرِيَاضَتِهِ المُفَضَّلَةِ يُفْرِغُ بِهَا دَفقَاتِ السُّرُورِ التِي تَنْتَابُهُ وَتَستَعْمِرَ مَشَاعِرَهُ."
وقد أجاد أديبنا في توظيف أدواته الفنية توظيفا دراميا راقيا ،
فاستخدم المفارقة بين الحركة والسكون على مستوى الصوت ، والصورة
وصراع الدفء والبرودة على مستوى الإحساس الخارجي والشعور الداخلي.
و حوار الخضرة والبياض على مستوى اللون
وتأمل معي كيف أن قاصنا المبدع لم يقف عند حدود إيحاءات اللون القياسية المعهودة بل نراه هنا يتلاعب بدلالة البياض فيربطه بالخداع كما سنرى في سياق القصة، ثم يقرنه بالمرض كما سنكتشف في ختامها.
ولاختيار الكاميرا هنا رمزا في القصة دلالة ثرية شجية ، بما تدل عليه من عينٍ مساعدة للرجل يحتاجه رغم ما وهبه الله سبحانه من عين مبصرة بصيرة ، ومستودعٍ للأسرار والذكريات لبطلنا الفارس الحالم الوفي الذي
" كَانَ كُلُّ هَمِّهِ وَقْتَئِذٍ أَنْ يُحَافِظَ عَلَى الكَامِيرَا مِنَ البَلَلِ فَتَتَعَطَّلَ ، أَوِ السُّقُوطِ مِنْ يَدِهِ فَتَنْكَسِرَ. رَفَعَ يَدَهُ بِهَا أَكْثَر كُلَّمَا غَاصَ أَكْثَر مُشْفِقَاً عَلَيهَا يَنْظُرُ إِلَيهَا بِحِرْصٍ وَانْتِبَاهٍ.
وما أجمله وأجله من حرص
هو ليس حرص البخل على مادية الكاميرا الرمز
بل هو حرص النبل ، وإشفاق الإخلاص ، وانتباه الوفاء لأشياء يا ليتها تستحق
فإن لم تكن تستحق فلما وراءها في قلب صاحبنا
من قيم جميلة نبيلة ، ومعانٍ سامية أن تضيع في جليد الحياة ، وضباب الغربة ، مثل معاني :
الحلم
الرؤية
الذكرى
الأمل
==
وتبقى بعض الملحوظات اليسيرة:
*إِمْكَانِيَات : الأجمل : إمكانات
*مَا تَحِيكُ يَدُ السَّمَاءِ مِنْ نَسِيجٍ : لعلها: "تحوك"
لأنها من "حاكَ الثوب يَحوكُهُ حَوْكاً وحِيَاكَةً: نسجَه فهو حائِكٌ"( كما في : الصحاح مادة ح و ك)
*وَأَنْ يَحْتَفِيَ بِكَامِيرَتِهِ الجَدِيدَةِ : الأنسب كاميراه ؛ لأنها كما وردت في القصة "كاميرا" بالألف.
.
أخانا السامق وأديبنا الشاهق
ما أجمل ما صورت هنا وعبرت لنا
ومددت لأعيننا من آفاق فنية
ومنحت قلوبنا من مساحات إنسانية للتأمل والاعتبار
ودمت بكل الخير والسعادة والوفاء
أخوك المحب:
مصطفى

أخي الحبيب والأديب الكبير د. مصطفى عراقي:

وقفت على قراءتك النقدية الكريمة فأسعدني ما رأيت من انعكاس روحك الشفافة على معان تضمنتها القصة ، وإشاراتك الذكية جدا في أمر الرؤية والرؤيا بتمام التفريق بينهما ثم الربط بينهما في علاقة طردية تحدد ملامح واعدة لقراءة بعض مضامين القصة برؤية حينا وبرؤيا حينا آخر

ثم إني أسعدني منك فتح آفاق المفاهيم لقراءات أكثر شمولية واتساعا وهي بحق تستحق التقدير والإكبار ، ولولا أنني كاتب القصةلكنت أبرزت قيمة كل ما أشرت إليه وأضفت إليه إبعادا أخرى برؤى وقراءات ومضامين أخرى. ولكني بحق سعدت بهذه القراءة التي نحتاج أمثالها دائما بأن نتوقف عند حدود الحروف الظاهر أو ملامح الصور البارزة بل أن نتعمق إلى الغايات والكنايات والإسقاطات الي تعطي القصة هدفها وقدرها.

ولعلني أستأذنك أخي الأديب في أن أشير إلى ما أشرت إليه من مفردات رأيتها غير صائبة لأقول:
إِمْكَانِيَات = إمكانات
ورد في المحيط وفي الغني أن الإمكان هو الدخول المحتمل في حدود الاستطاعة وأما الإمكانية فهي الاستطاعة المحققة من الأمر ، وهذا يحدد الفرق بينهما ، وحيث أن السياق هنا يفرض القدرة المحققة فهي إمكانية تجمع على إمكانات ، ناهيك المعنى الذي يفرضه فقه السياق اللغوي من وصف لحالة شخص منبهر بكاميراه مقتنعا تماما بقدرتها وإمكانياتها بعد أن جرب إمكاناتها ، وبهذا فلا أجد أن توظيف هذه المفردة كان خطأ وإن كنت أتفهم رأيك الكريم.

*مَا تَحِيكُ يَدُ السَّمَاءِ مِنْ نَسِيجٍ : لعلها: "تحوك"
لأنها من "حاكَ الثوب يَحوكُهُ حَوْكاً وحِيَاكَةً: نسجَه فهو حائِكٌ"( كما في : الصحاح مادة (ح و ك)
وورد أخي الغالي في عدة معاجم أرى كالمحيط والغني والقاموس المحيط والوسيط حاك يحيك بمعنى نسج الثوب أيضا وفي القاموس المحيط ورد أيضا القول بكونها واوية ويائية (الثَّوبَ حَوْكاً وحِياكاً وحِياكَةً واوِيَّةٌ يائِيَةٌ نَسَجَهُ فهو حائِكٌ) فهما سواء حين يتعلق الأمر بمعنى النسج. ولكن يبقى السؤال في استخدامي لها بالياء لأقول بأنني وجدت بالياء معان أمل وأثر تناسب ما أردت من معنى لأحمل هذه اللفظة بالذات أحمالا ثقيلة لكل منها مأرب يذهب بالمعنى مذهبا مختلفا ولكنه يوصل في النهاية المعنى المراد.

أما كاميراه وكاميرته فأرى الأمر سواء ذلك أن اللفظة مترجمة ، ولكني أرى لو أنني كنت استعملت ما تراه أنت أخي الغالي.


تحياتي

د. نجلاء طمان
15-11-2007, 03:03 PM
سعدت جدا بمروري بين أفياء هذه القصة المتميزة, ومع أن هذه أول مرة أمر بها على قصة لك أخي العمري , إلا أنني أتمنى لو أقرأ لك ثانية في القص. كما أنني أشيد بقراءة كل من سبقني من أساتذة, وبخاصة المفكر المبدع: خليل حلاوجي, والناقد الحفيص : د. مصطفى عراقي. وربما خشيت أن تكون إضافتي باهتة بعد هذين العملاقين!

حرص, العنوان؛ وأول ركن من أركان الحبك والذي أتى مناسبا ومتناسبا مع بقية الأركان, وكان هو أول علامة موضحة لهدف القص.

بدأ المدخل الافتتاحي - وهو ثاني أركان الحبك - بلغة شاعرية يحملها سرد هادئ, ألقت الضوء بشدة على المحور النفسي للبطل, بما يحويه من أبعاد نفسية وخواء زهني رتيب.

ثم يبدأ القاص بالخول في الركن الثالث- وهو البناء الحبكي- بادئا هذا الركن , بصدمة واقعية للقارئ حيث أخذه من الجو الحالم الى جو الواقع والمادية الملموسة. ثم يعود به ثانية الى الجو الحالم متبعا تكنيك "القطع المتوازي", هادفا بذلك توضيح حالة من الذبذبة النفسية التي يعيشها البطل ممزقا بين حالة حالمة لمشاعر مرهفة, وبين حالة مادية تمزق الحالة الأولى. ثم يبدأ الحبك يدخل أقصى وترياته, باستعراض لمكان التزلج, وهو نوع آخر من الانعكاس لحالة البطل الشعورية, ثم يدخل القاص مباشرة في كارثة الحادث, وهو بدوره نوع من القطع الواقعي المستمر لحالة البطل الحالمة, لكن في هذه المرة كان القطع قاسيا بشكل تعمده القاص مسقطا بذلك حالة واقع مؤلمة ومثيرة للشفقة.

ثم ينتهي هذا الركن في روعة, عندما يوضح حالة البطل وهو يحارب لإنقاذ كاميرته التي هي في الأساس رمز الواقع والمادية, مبينا مدى حرص البطل على ملموسات حسية زائفة, وإن كنت أرى أن هذه النقطة كانت تحتاج لوصف أكثر إطالة يستوضح مدى حرص البطل على رمزه.

تأتي الخاتمة وهي الركن الرابع والنهائي, مبينة مدى الحكمة التي أرادها القاص من قصه, وجاءت في شكل شاعري حكيم , بدا محببا برغم كونه جديدا.

وهكذا نجد أننا أمام نوع تلاحمت فيه عدة أنواع من أنواع القص, القص السردي الهاديء, والقص المعتمد على تقنية القطع المتوازي, وقص الحكمة, فجاء في ثوب رائع جديد, لكن مقبول جدا. جاء هذا الثوب يطرح أمامنا نسيج شفاف رأينا من خلاله, حالة واقع ممزق يرتكن على الزيف.

همسة: التشكيل الكامل للكلمة قد يكون ضروريا في الشعر والنثر الخاطري, لكنه - من وجهة نظري-غير محبب في القص لأنه يصرف نظر القاريء, بشكل ما عن القصة. وجذب انتباه القاريء مهما جدا في القص.

عساه مروري ليس ثقيلا, وعساها الهمسة يتسع لها صدرك

شذى الوردة لتميزك.

د. نجلاء طمان

د. سمير العمري
12-01-2008, 08:52 PM
السلام عليكم ورحمة الله
الشاعر المفكر
الدكتور / سمير العمري
قالب قصصي أبدع تصميمه بأدوات هندسية عالية الجودة ، فقد سارت كل خطوة تمهد للخطوة التالية ، كأنك تأخذ بأيدينا للعبور للشاطىء الآخر من خلال الأعماق الجلية ، المستوحاه من روعة الطبيعة ، لتكشف لنا عن حكمة مغلفة بحبات من اللغة المعسولة .
مودتي

أشكر لك مرورك.


وفقنا الله

عبدالملك الخديدي
23-10-2008, 11:53 AM
الأخ الحبيب : الدكتور سمير العمري .. حفظه الله

حقا لقد نقلتنا هذه القصة إلى آفاق إنسانية رحبة ومعاني سامية .
كما أن شاعرية العمري أضفت على هذه القصة الرائعة قوة وجمالاً ..

هنيئاً لك هذه القدرة .. في السرد والطرح والخيال القصصي الجميل.

تقبل فائق التحية.

سعيدة الهاشمي
23-10-2008, 01:58 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

لعلني أيها الدكتور الفاضل، لا أجد ما أقوله بعد كل ما ذكره الأساتذة الكرام قبلي، وصراحة سررت بتلك

الباقة من الردود فقد اكتشفت من خلالها مبدعين من حجم كبير، أيها الدكتور الكريم، لم أقرأ لك سابقا

لكن نصك هذا قادني إلى الإطلاع على بعض قصائدك الرائعة، فاكتشفت سر جمالية اللغة الموظفة هنا،

راقني ذلك التصوير الحي للطبيعة، ومهما تكن الغاية المتوخاة من قصتك، والحكمة المزروعة خلف جدار

الكلمة، فقد كانت قصة مميزة للغاية.

دمت بكل ود وسلام أيها الدكتور الكريم.

تحياتي لك.

د. سمير العمري
05-11-2008, 05:52 PM
للرفع إعجابا وتقديرا

رفعك الله في الدارين أخي الجليل د. مصطفى وجعلك ممن نشد بهم أزرا.

بارك الله بك وشكر لك.



تحياتي

د. سمير العمري
24-11-2008, 09:56 PM
قصة غنية بالصور الثابتة والمتحركة ، قد لا تكون تلك الكاميرا قادرة على نقلها إلينا مهما بلغت من تطور تقنيّ .
حملت هذه القصة القارىء لأماكن مفترضة جميلة وغامضة لتتناسب مع رمزية الحدث،على أكف لغة بديعة التكوين ، دقيقة الوصف ، ورقيقة المعنى .
ما أقساها تلك اللحظة التي يتشبث فيها الإنسان بأمر يعتقده هو الأهم ويترك ما هو مهم حقيقة ، ليصل
الحقيقة متأخرا !
د. سمير أرجو أن تتقبل كل التقدير

رحمك الله أيتها الأخت الغالية ... يرحمك الله.

قراءة نقدية ذكية كما كنا عرفناك دوما.

دعواتي بالمغفرة

د. سمير العمري
22-12-2008, 03:59 PM
سعدت جدا بمروري بين أفياء هذه القصة المتميزة, ومع أن هذه أول مرة أمر بها على قصة لك أخي العمري , إلا أنني أتمنى لو أقرأ لك ثانية في القص. كما أنني أشيد بقراءة كل من سبقني من أساتذة, وبخاصة المفكر المبدع: خليل حلاوجي, والناقد الحفيص : د. مصطفى عراقي. وربما خشيت أن تكون إضافتي باهتة بعد هذين العملاقين!
حرص, العنوان؛ وأول ركن من أركان الحبك والذي أتى مناسبا ومتناسبا مع بقية الأركان, وكان هو أول علامة موضحة لهدف القص.
بدأ المدخل الافتتاحي - وهو ثاني أركان الحبك - بلغة شاعرية يحملها سرد هادئ, ألقت الضوء بشدة على المحور النفسي للبطل, بما يحويه من أبعاد نفسية وخواء زهني رتيب.
ثم يبدأ القاص بالخول في الركن الثالث- وهو البناء الحبكي- بادئا هذا الركن , بصدمة واقعية للقارئ حيث أخذه من الجو الحالم الى جو الواقع والمادية الملموسة. ثم يعود به ثانية الى الجو الحالم متبعا تكنيك "القطع المتوازي", هادفا بذلك توضيح حالة من الذبذبة النفسية التي يعيشها البطل ممزقا بين حالة حالمة لمشاعر مرهفة, وبين حالة مادية تمزق الحالة الأولى. ثم يبدأ الحبك يدخل أقصى وترياته, باستعراض لمكان التزلج, وهو نوع آخر من الانعكاس لحالة البطل الشعورية, ثم يدخل القاص مباشرة في كارثة الحادث, وهو بدوره نوع من القطع الواقعي المستمر لحالة البطل الحالمة, لكن في هذه المرة كان القطع قاسيا بشكل تعمده القاص مسقطا بذلك حالة واقع مؤلمة ومثيرة للشفقة.
ثم ينتهي هذا الركن في روعة, عندما يوضح حالة البطل وهو يحارب لإنقاذ كاميرته التي هي في الأساس رمز الواقع والمادية, مبينا مدى حرص البطل على ملموسات حسية زائفة, وإن كنت أرى أن هذه النقطة كانت تحتاج لوصف أكثر إطالة يستوضح مدى حرص البطل على رمزه.
تأتي الخاتمة وهي الركن الرابع والنهائي, مبينة مدى الحكمة التي أرادها القاص من قصه, وجاءت في شكل شاعري حكيم , بدا محببا برغم كونه جديدا.
وهكذا نجد أننا أمام نوع تلاحمت فيه عدة أنواع من أنواع القص, القص السردي الهاديء, والقص المعتمد على تقنية القطع المتوازي, وقص الحكمة, فجاء في ثوب رائع جديد, لكن مقبول جدا. جاء هذا الثوب يطرح أمامنا نسيج شفاف رأينا من خلاله, حالة واقع ممزق يرتكن على الزيف.
همسة: التشكيل الكامل للكلمة قد يكون ضروريا في الشعر والنثر الخاطري, لكنه - من وجهة نظري-غير محبب في القص لأنه يصرف نظر القاريء, بشكل ما عن القصة. وجذب انتباه القاريء مهما جدا في القص.
عساه مروري ليس ثقيلا, وعساها الهمسة يتسع لها صدرك
شذى الوردة لتميزك.
د. نجلاء طمان

أشكر لك هذا المرور الثري أختي الفاضلة د. نجلاء فقد اضأت جوانب مهمة من النص.

أما تشكيل الكلمات فهو من طبع غلب ولي في ذلك مآرب أخرى.


أشكر لك وأسعد بمرورك دوما على ضفاف حروفي التي تزهر بإطلالتك.




تحياتي

نزار ب. الزين
24-12-2008, 07:19 AM
الأخ المبدع الدكتور سمير العمري
فرح الإنسان بامتلاك كاميرة تصوير متقدمة ، مشروع و لا تضاهيه فرحة ، فالتصوير ضرب من التخليد، الذي طالما تاق الإنسان إليه ، و تصويره للقطات من حياته الإجتماعية تسعده و خاصة عندما يستعيدها من حين لأخر ؛ و لعاشق الطبيعة متعته الكبرى أيضا في التقاط مناظرها الخلابة ؛ و هذا ما يفسر لنا متعة بطل القصة الكبرى حين تمكن أخيرا من شراء هذه المصورة المتقدمة تقنيا ، و حرصه الشديد عليها ، حتى و هو على حافة الموت ...
***
أخي الكريم
أعتذر عن الإطالة ، إلا أن موضوع قصتك لافت إضافة إلى أسلوبه المشوق و يدفع إلى الإستفاضة حتى الحرف الأخير ، و لغته المكينة ، كما جاء التسجيع في الخاتمة لطيفا
إبداع من مبدع
دمت و دام تألقك
نزار

إدريس الشعشوعي
28-03-2009, 10:25 PM
القصّة هنا بصراحة جمعتْ بين شدِّ الانتباه ببراعة جديرة ، و لغةٍ مرهفة رقراقةً عذبةً أثيرة ، و ذلك التوصّيف الباهر كأنّك تشهدُ فيلماً تصويرياً .

بصراحة أعجبتني القصّة كتحفة أكثرَ من الفكرة ، رغم أنّ الفكرة ربّما اتّسعتْ برمزها إلى مساحة كبيرة ، على أنّ الرّمز يحتاجُ إلى إشاراتٍ ملفتة في ذاتِ القصّة تعينُ على قدحِ الرمزيات في قارئها على اختلافِ قدراتِ القارئ .

و هي فعلا تحفة نثريّة سحريّة .

بارك الله المواهب و زادك اللهُ مدداَ و إبداعا ..

تحياتي و اعجابي

د. سمير العمري
02-07-2009, 02:23 PM
الأخ الحبيب : الدكتور سمير العمري .. حفظه الله

حقا لقد نقلتنا هذه القصة إلى آفاق إنسانية رحبة ومعاني سامية .
كما أن شاعرية العمري أضفت على هذه القصة الرائعة قوة وجمالاً ..

هنيئاً لك هذه القدرة .. في السرد والطرح والخيال القصصي الجميل.

تقبل فائق التحية.

بارك الله بك أخي الشاعر الكريم وحفظك دوما ذخرا للحق وللفضيلة.

رأي كريم نعتز به.



تحياتي

وفاء شوكت خضر
24-07-2009, 02:00 PM
أخي وأستاذي د. سمير العمري ..

كل يرى الأولويات حسب وجهة نظره وما يراه صوابا ويحرص على ما يراه الأهم من وجهة نظره ، والحرص الزائد هو رد فعل الخوف من الفشل في تحقيق الغاية المرجوة ، فكل ما يبذل في سبيل تحقيق هذه الغاية مهما غلا ثمنه ماديا أو معنويا لن يحقق النجاح إذا ما كان الاهتمام يشمل التفاصيل الصغيرة قبل الكبيرة ، فلو نقص مسمار في صناعة سفينة ربما يؤدي إلى كارثة ..

قصة هادفة تلقي الضووء على الحرص الزائد الذي يدفع الإنسان للاهتمام بأمور يراها أساسية دون أن يراعي الأمور التي يعتبرها ثانوية من وجهة نظره ..

نبقى تلاميذا في مدرسة إبداعك الأدبي ..
تقبل مروري ..

قوادري علي
24-07-2009, 02:23 PM
د.سمير العمري
قصة ذات معنى تربوي هادف وجميل تعكس
رؤية القاص للحياة.
الفكرة جميلة لكن إشتغال الكاتب على اللغة
لم يطور كثيرا الحدث.. فالكاتب هنا يميل إلى لغة الوصف القوية
المائلة إلى اللغة الكلاسيكية..
سيدي عرفناك شاعرا كبيرا وها نحن نتعرف إلىيك في
مجال السرديات..
سعدت جدا بقراءة هذة التحفة النثرية المتقنة..
تقبل مروري.
مودتي.:0014:

د. سمير العمري
09-08-2009, 11:10 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

لعلني أيها الدكتور الفاضل، لا أجد ما أقوله بعد كل ما ذكره الأساتذة الكرام قبلي، وصراحة سررت بتلك

الباقة من الردود فقد اكتشفت من خلالها مبدعين من حجم كبير، أيها الدكتور الكريم، لم أقرأ لك سابقا

لكن نصك هذا قادني إلى الإطلاع على بعض قصائدك الرائعة، فاكتشفت سر جمالية اللغة الموظفة هنا،

راقني ذلك التصوير الحي للطبيعة، ومهما تكن الغاية المتوخاة من قصتك، والحكمة المزروعة خلف جدار

الكلمة، فقد كانت قصة مميزة للغاية.

دمت بكل ود وسلام أيها الدكتور الكريم.

تحياتي لك.


بارك الله بك أيتها الأديبة وأكرمك بكل خير.

أشكر لك رأيك الكريم وردك اللطيف.



تحياتي

د. سمير العمري
13-03-2010, 09:25 AM
الأخ المبدع الدكتور سمير العمري
فرح الإنسان بامتلاك كاميرة تصوير متقدمة ، مشروع و لا تضاهيه فرحة ، فالتصوير ضرب من التخليد، الذي طالما تاق الإنسان إليه ، و تصويره للقطات من حياته الإجتماعية تسعده و خاصة عندما يستعيدها من حين لأخر ؛ و لعاشق الطبيعة متعته الكبرى أيضا في التقاط مناظرها الخلابة ؛ و هذا ما يفسر لنا متعة بطل القصة الكبرى حين تمكن أخيرا من شراء هذه المصورة المتقدمة تقنيا ، و حرصه الشديد عليها ، حتى و هو على حافة الموت ...
***
أخي الكريم
أعتذر عن الإطالة ، إلا أن موضوع قصتك لافت إضافة إلى أسلوبه المشوق و يدفع إلى الإستفاضة حتى الحرف الأخير ، و لغته المكينة ، كما جاء التسجيع في الخاتمة لطيفا
إبداع من مبدع
دمت و دام تألقك
نزار



بارك الله بك أيها الأديب الكبير وأشكر لك مرورك هذا وتأملك في القصة فهذا محل تقديري الكبير.

أتمنى أن تسعدنا بزيارتك الدائمة لحرفنا.

وأهلا ومرحبا بك في أفياء واحة الخير.


تحياتي

محمد ذيب سليمان
13-03-2010, 10:43 PM
ما أجمل ما وصفت
صدقني أن روعة الوصف نفلتني إلى ذات المكان
وكأنني أشاهد المنظر وأتحرك حيث يتحرك فارس هذه القصة
انتقل معه حيث يذهب وأقف حيث يقف
نهاية محزنة لحلم جميل
شكرا لك

د. سمير العمري
30-03-2010, 11:17 PM
القصّة هنا بصراحة جمعتْ بين شدِّ الانتباه ببراعة جديرة ، و لغةٍ مرهفة رقراقةً عذبةً أثيرة ، و ذلك التوصّيف الباهر كأنّك تشهدُ فيلماً تصويرياً .

بصراحة أعجبتني القصّة كتحفة أكثرَ من الفكرة ، رغم أنّ الفكرة ربّما اتّسعتْ برمزها إلى مساحة كبيرة ، على أنّ الرّمز يحتاجُ إلى إشاراتٍ ملفتة في ذاتِ القصّة تعينُ على قدحِ الرمزيات في قارئها على اختلافِ قدراتِ القارئ .

و هي فعلا تحفة نثريّة سحريّة .

بارك الله المواهب و زادك اللهُ مدداَ و إبداعا ..

تحياتي و اعجابي


يكفيني منك ما راق لك أيها الأديب السامق فإشادة من مثلك عندي بكثير من سواك.

دام دفعك وسما نقاؤك!

وأهلا ومرحبا بك دوما في أفياء واحة الخير.


تحياتي

حسام محمد حسين
01-04-2010, 05:45 AM
لو فكر الإنسان قليلاً لوجد أن كثير من الأشياء التي يحرص عليها إلي حد الهلاك دونها لا تساوى سوي قيمتها المادية
أما في هذه الحالة التي رأينها في القصة لا يفعل مثل هذا العمل إلا اذا كان البطل بخيلاً في الأصل أو كان الشئ المحروص عليه هدية من شخص عزيز جداً علي قلبه

دمت رائعاً

ربيحة الرفاعي
03-04-2010, 11:17 PM
ملكة تركيبية بديعة حبكت الأحداث بشكل أحكم شد القاريء للنص، باحثا عبر المتواليات السردية عن مسوغات العنوان، في شخصية بدت مؤثرة وإنسانية بصورة كبيرة، وقد تمكن الكاتب من الكشف عن دخيلتها وطباعها دون حاجة لإنطاقها ،وحيدا كان البطل ومتأهبا لوحدة أشد وأعتى في سنين يستعد لاستقبالها، فتحضر لها بما يجمع فيه مدخراته الحقيقية، لحظات سعيدة من أيامه يجترها في القادم منها ....

لِيُسَجِّلَ لَقَطَاتٍ مِنْ لَحَظَاتِ حَيَاتِهِ السَّعِيدَةِ ذِكْرَى يَحْتَفِظُبِهَا سَبَبَ أُنْسٍ لِشَيخُوخَتِهِ التِي يَعْلَمُ أَنَّهُ سيَكُونُ فِيهَاوَحِيدَا. لَمْ يَهْتَمَّ لِلمَبْلَغِ البَاهِظِ الذَي دَفَعَهُ ثَمَنَاً فَهِيَتَسْتَحِقُ كَمَا أَقْنَعَ نَفْسَهُهنا وجدت مفتاح النص
لم يكن حرصا بالمعنى الذي يتبادر للذهن لحظة البداءة، لم يكن حرصا سلبيا، ولا ضعة خُلقية، بل كان نتاجا ساميا لمعاناة انسانية تتباين نتائجها بين سلبي مرضِيّ وانساني حانٍ...
وفي تتابع الحركة عبر كل ذلك البياض الساحر في الأفق، مارس الكاتب ما يشبه الطبطبة على ذهن قارئه، ليباغته بأقسى درجات الحرص الذي مارسه البطل ... ولم يكن أيضا حرصا على القيمة المادية للكاميرا -فهو أصلا لم يهتم لثمنها الباهظ حين دفعه- لكنه كان حرصا على ما سيحفظ له تلك المدخرات من ذكرياته، ولعلها كانت أغلى عنده فعلا من حياة ستكون جدباء قفرا ما لم يغرس في فيافيها ذكريات كانت كاميراه تلك أداة لغرسها.
ولعل في الفقرة الأخيرة ما يؤكد على تعلقة لحظة الغرق بما لا علاقة له بالقيمة المادية للكاميرا

نص شائق منحنى قراة ممتعة وأحاسيس دافئة متعاطفة مع البطل
دمت مبدعا

أحمد عيسى
04-04-2010, 01:55 AM
لا أعلم كيف فاتني نص راق كهذا ..
لغة وصف شديدة الجمال ، وسلوب عذب قوي ، واهتمام شديد بأدق التفاصيل ، ناهيك عن التشكيل الذي جعل النص محكماً لغة وبناءاً .

القصة جاءت بثلاثة مشاهد متعاقبة ، الأول كان للبطل ، يصف الحالة النفسية والمكانية ، فهو يعيش في منطقة جليدية هوايته الأولى التصوير ، وقد حقق حلمه بامتلاك الكاميرا الرقمية التي يتمناها ..
والمشهد الثاني ، جاء بأجمل ما يكون من لغات الصف ، فأمامه كانت الطبيعة بكل جمالها ، وكان المشهد خلاباً كأنني أمام لحة فنية تصف كل تفاصيل المكان ..
وأما الثالث فكان للحدث / الذروة / وهو سقوط الجليد تحت قدميه ..
وهنا تظهر رغبته في الحفاظ على أداته / كاميرته أكثر من نفسه ، ربما كحرص الناس على أموالهم ومعاشهم ، أو حرص الأديب على قطعته الفنية ، أو الرسام على لوحته ..
كان الحرص هنا زائداً عن الحد ، في مفارقة عجيبة ، أن يتناسى أن أقدامه تغوص تحت الأرض ، ويتذكر أداته فقط ..

ربما كان مروري متأخراً .. ولكن أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي ..

أشكرك أستاذ سمير على رائعتك ..

كل الود

د. سمير العمري
29-05-2010, 11:14 PM
أخي وأستاذي د. سمير العمري ..

كل يرى الأولويات حسب وجهة نظره وما يراه صوابا ويحرص على ما يراه الأهم من وجهة نظره ، والحرص الزائد هو رد فعل الخوف من الفشل في تحقيق الغاية المرجوة ، فكل ما يبذل في سبيل تحقيق هذه الغاية مهما غلا ثمنه ماديا أو معنويا لن يحقق النجاح إذا ما كان الاهتمام يشمل التفاصيل الصغيرة قبل الكبيرة ، فلو نقص مسمار في صناعة سفينة ربما يؤدي إلى كارثة ..

قصة هادفة تلقي الضووء على الحرص الزائد الذي يدفع الإنسان للاهتمام بأمور يراها أساسية دون أن يراعي الأمور التي يعتبرها ثانوية من وجهة نظره ..

نبقى تلاميذا في مدرسة إبداعك الأدبي ..
تقبل مروري ..

صدقت ، وأحسنت أيتها الأديب الرائعة في تسليط الضوء على جانب مهم وأساسي من النص يطمئن النفس أن هناك من يقرأ ويشارك الفكر والحس.

بوركت وأشكر لك هذا المرور اللطيف وهذا الرأي الكريم.

دام دفعك!


تحياتي

د. سمير العمري
14-07-2010, 12:12 AM
د.سمير العمري
قصة ذات معنى تربوي هادف وجميل تعكس
رؤية القاص للحياة.
الفكرة جميلة لكن إشتغال الكاتب على اللغة
لم يطور كثيرا الحدث.. فالكاتب هنا يميل إلى لغة الوصف القوية
المائلة إلى اللغة الكلاسيكية..
سيدي عرفناك شاعرا كبيرا وها نحن نتعرف إلىيك في
مجال السرديات..
سعدت جدا بقراءة هذة التحفة النثرية المتقنة..
تقبل مروري.
مودتي.:0014:

شكرا لمرورك الكريم أخي الأديب قوادري ، وإنما نحن هنا في محاولة لمشاركة الجميع همهم وهمتهم ، وأقدر لك رأيك الكريم.

دام دفعك!


تحياتي

عبدالغني خلف الله
24-02-2011, 06:03 AM
عزيزي الدكتور سمير ..لم أسعد كثيراً بمسرح هذه القصة القصيرة ..الثلوج ..والسفوح المسكونة بالجليد فقد عشت بجمهورية ألمانيا الإتحادية لمدة عامين منتصف السبعينيات من القرن الماضي ذقت خلالهما قسوة البرد الشديد
لكننى توقفت عند خاطرة التصوير من أجل توثيق اللحظات الحلوة في عنفوان الشباب ..وأنا أعلم أن الإنسان عندما يشيخ فى أوروبا يحتاج فى عزلته المجيدة تلك إلى ألبوم صور يذكره بعائلته التى تفرقت أيدي سبأ ..فالبنات يرحلن بعد سن السابعة عشرة وقد لا يعدن حتى فى أعياد الكرسماس والأبناء يلتحقون بالمدن الكبيرة وفى الغالب يمسحون من ذاكرتهم الأم التى أنجبتهم والوالد الذى سهر على رعايتهم وتربيتهم يعيشون ليومهم ..لذلك تجد تحت وسادة كل عجوز مجموعة من الصور تعزيه وتؤانسه ..تتبعت ملاحظات كل الذين علقوا على النص ولفت انتباهى أن بعضهم لم يعد يسعدنا بإطلالته ..فهل من سبيل إلى عودة قريبة للواحة ؟ ..أتمنى ذلك .

د. سمير العمري
26-09-2011, 08:07 PM
ما أجمل ما وصفت
صدقني أن روعة الوصف نفلتني إلى ذات المكان
وكأنني أشاهد المنظر وأتحرك حيث يتحرك فارس هذه القصة
انتقل معه حيث يذهب وأقف حيث يقف
نهاية محزنة لحلم جميل
شكرا لك

بارك الله بك أخي الكبير الحبيب.

ردودك دوما تملأ النفس دفئا يذيب جليد رياح الشمال.

دام دفعك!

ودمت بخير ورضا!


تحياتي

د. سمير العمري
29-11-2011, 06:49 PM
لو فكر الإنسان قليلاً لوجد أن كثير من الأشياء التي يحرص عليها إلي حد الهلاك دونها لا تساوى سوي قيمتها المادية
أما في هذه الحالة التي رأينها في القصة لا يفعل مثل هذا العمل إلا اذا كان البطل بخيلاً في الأصل أو كان الشئ المحروص عليه هدية من شخص عزيز جداً علي قلبه

دمت رائعاً


وجه نظر أخي الأديب حسام خصوصا إن قرئت القصة على ظاهر أحداثها ، ولكن ربما في رمزيتها ما يوصل لآفاق أرحب ومعان أعمق.

دام دفعك!

ودمت بخير وبركة!

وأهلا ومرحبا بك في أفياء واحة الخير.


تحياتي

د. سمير العمري
01-08-2012, 09:14 PM
ملكة تركيبية بديعة حبكت الأحداث بشكل أحكم شد القاريء للنص، باحثا عبر المتواليات السردية عن مسوغات العنوان، في شخصية بدت مؤثرة وإنسانية بصورة كبيرة، وقد تمكن الكاتب من الكشف عن دخيلتها وطباعها دون حاجة لإنطاقها ،وحيدا كان البطل ومتأهبا لوحدة أشد وأعتى في سنين يستعد لاستقبالها، فتحضر لها بما يجمع فيه مدخراته الحقيقية، لحظات سعيدة من أيامه يجترها في القادم منها ....
هنا وجدت مفتاح النص
لم يكن حرصا بالمعنى الذي يتبادر للذهن لحظة البداءة، لم يكن حرصا سلبيا، ولا ضعة خُلقية، بل كان نتاجا ساميا لمعاناة انسانية تتباين نتائجها بين سلبي مرضِيّ وانساني حانٍ...
وفي تتابع الحركة عبر كل ذلك البياض الساحر في الأفق، مارس الكاتب ما يشبه الطبطبة على ذهن قارئه، ليباغته بأقسى درجات الحرص الذي مارسه البطل ... ولم يكن أيضا حرصا على القيمة المادية للكاميرا -فهو أصلا لم يهتم لثمنها الباهظ حين دفعه- لكنه كان حرصا على ما سيحفظ له تلك المدخرات من ذكرياته، ولعلها كانت أغلى عنده فعلا من حياة ستكون جدباء قفرا ما لم يغرس في فيافيها ذكريات كانت كاميراه تلك أداة لغرسها.
ولعل في الفقرة الأخيرة ما يؤكد على تعلقة لحظة الغرق بما لا علاقة له بالقيمة المادية للكاميرا

نص شائق منحنى قراة ممتعة وأحاسيس دافئة متعاطفة مع البطل
دمت مبدعا

بارك الله بك أيتها الرائعة قراءة وأداء فلقد رصدت جوانب عدة مهمة في النص وزدته ألقا فلا حرمناك!

أشكر لك تقريظك الحسن وردك الكريم!

دام دفعك!

ودمت بخير وبركة!


تحياتي

إسلام شعله
09-10-2012, 01:10 AM
أستاذنا الغالى, قصة مفعمه بالعبرة, دمت بخير, و دام لنا قلمك.

نداء غريب صبري
15-10-2012, 12:57 PM
قرأت هذه القصة الرائعة عدة مرات
ولم أجد الكلمات التي تستحق ان تقال تعليقا عليها
لعمقها الانساني العجيب وهذه القدرة على جعل المشهد ينطق بما في نفس البطل كأن قلبه وأحاسيسه شاشة مفتوحة امام القاريء


شكرا يا أميرنا للمدرسة الأدبية التي تحويها نصوصك

بوركت

د. سمير العمري
10-09-2013, 01:03 AM
لا أعلم كيف فاتني نص راق كهذا ..
لغة وصف شديدة الجمال ، وسلوب عذب قوي ، واهتمام شديد بأدق التفاصيل ، ناهيك عن التشكيل الذي جعل النص محكماً لغة وبناءاً .

القصة جاءت بثلاثة مشاهد متعاقبة ، الأول كان للبطل ، يصف الحالة النفسية والمكانية ، فهو يعيش في منطقة جليدية هوايته الأولى التصوير ، وقد حقق حلمه بامتلاك الكاميرا الرقمية التي يتمناها ..
والمشهد الثاني ، جاء بأجمل ما يكون من لغات الصف ، فأمامه كانت الطبيعة بكل جمالها ، وكان المشهد خلاباً كأنني أمام لحة فنية تصف كل تفاصيل المكان ..
وأما الثالث فكان للحدث / الذروة / وهو سقوط الجليد تحت قدميه ..
وهنا تظهر رغبته في الحفاظ على أداته / كاميرته أكثر من نفسه ، ربما كحرص الناس على أموالهم ومعاشهم ، أو حرص الأديب على قطعته الفنية ، أو الرسام على لوحته ..
كان الحرص هنا زائداً عن الحد ، في مفارقة عجيبة ، أن يتناسى أن أقدامه تغوص تحت الأرض ، ويتذكر أداته فقط ..

ربما كان مروري متأخراً .. ولكن أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي ..

أشكرك أستاذ سمير على رائعتك ..

كل الود

أنت يا أحمد من أولئك الذين أكتب لهم النص القصصي ، وكم يسعدني دوما تفاعلك وقراءتك الواعية للنص.
هنا كعادتك وضعت يدك على جانب القص بالتأكيد على العبرة وعلى جانب النص بتناول أسلوبه ومفرداته فكنت مميزا.
دام دفعك!
ودمت بخير وعافية!

تقديري

آمال المصري
02-10-2013, 10:21 PM
عندما أقرأ للدكتور العمري نصا قصصيا أعرف دائما أنني سأكون أمام بابا يواري خلفه أكثر مما تحمله الكلمات
من حكمة ومغزى اجتماعي وإنساني وفلسفي .. ودروس وعظة .. وأدب يُدَرَّس
كان النص قويا فكر ولغة وأدوات أكبر بكثير من أي ثناء
وكانت قراءات الأساتذة الكبار هنا رائعة
بوركت أمير واحتنا واليراع الفريدة
تحاياي

ناديه محمد الجابي
04-02-2014, 06:26 PM
لم يكن حرصه عن بخل فقد دفع ثمنا باهظا لشراء هذه الكاميرا
ولم يهتم , لإحتوائها على أحدث ما توصلت إليه التقنية الرقمية..
كل حرصه عند وقوعه أن لا تتهشم هذه التحفة وتنكسر..
يحلم الإنسان يخطط , يبرمج , يفكر , يطمح لكن أنت تريد وأنا
أريد والله يفعل ما يريد .
قصة جميلة الفكرة معبرة ـ وقد حلق بنا البناء السردي المميز
والوصف الدقيق الماتع , بلغة قوية .. في لوحة طبيعية جميلة
مرسومة بإتقان , لتنتهي في النهاية بالخيبة وتبدد الحلم.
دام قلمك يعلمنا كيف يكون الإبداع.

خلود محمد جمعة
06-02-2014, 05:24 PM
نتمسك بما نظنه ثميناً وقد ندفع من عمرنا الكثير لأجله لنكتشف متأخراً ان لا شيء يستحق
وقد لا نكتشف ابداً
وهنا الم السقوط يتضاعف
دمت حذراً
مودتي وتقديري

د. سمير العمري
10-03-2016, 01:56 AM
عزيزي الدكتور سمير ..لم أسعد كثيراً بمسرح هذه القصة القصيرة ..الثلوج ..والسفوح المسكونة بالجليد فقد عشت بجمهورية ألمانيا الإتحادية لمدة عامين منتصف السبعينيات من القرن الماضي ذقت خلالهما قسوة البرد الشديد
لكننى توقفت عند خاطرة التصوير من أجل توثيق اللحظات الحلوة في عنفوان الشباب ..وأنا أعلم أن الإنسان عندما يشيخ فى أوروبا يحتاج فى عزلته المجيدة تلك إلى ألبوم صور يذكره بعائلته التى تفرقت أيدي سبأ ..فالبنات يرحلن بعد سن السابعة عشرة وقد لا يعدن حتى فى أعياد الكرسماس والأبناء يلتحقون بالمدن الكبيرة وفى الغالب يمسحون من ذاكرتهم الأم التى أنجبتهم والوالد الذى سهر على رعايتهم وتربيتهم يعيشون ليومهم ..لذلك تجد تحت وسادة كل عجوز مجموعة من الصور تعزيه وتؤانسه ..تتبعت ملاحظات كل الذين علقوا على النص ولفت انتباهى أن بعضهم لم يعد يسعدنا بإطلالته ..فهل من سبيل إلى عودة قريبة للواحة ؟ ..أتمنى ذلك .

نعم أخي هذا ما يحدث غالبا في هذا النظام الاجتماعي الغربي وفي الشيخوخة لا يبقى لهم إلا مثل هذه الذكريات.

بارك الله بك أخي الكريم وأكرمك على هذا الرد المغدق وهذا التفاعل النبيل ، وحفظك ربي وأشكر لك رأيك المغدق ومرورك المورق!

دام دفعك!

ودمت بخير وعافية!

تقديري

د. سمير العمري
02-11-2020, 01:27 AM
أستاذنا الغالى, قصة مفعمه بالعبرة, دمت بخير, و دام لنا قلمك.


بارك الله بك أيها الكريم ولا حرمني الله من تفاعلك الراقي وحسك الواعي وأدبك الجم.
دام دفعك!
ودمت بخير وعافية!


تقديري

أسيل أحمد
04-11-2020, 06:10 PM
وصف رائع، ولغة قوية متماسكة، وقدرة ماهرة في السرد
وحرص على ما كانت حلمه ليسجل بها لقطات من لحظات حياته ليأنس بها شيخوخته التي يعلم إنه سيكون فيها وحيدا
ولكن لا يمنع حذر من قدر .. خسر الكاميرا، وتأذت أقدامه، وتبدد حلمه
قصة جميلة هادفة ـ وفيض إبداع أبهرني.