تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : كتابة الجسد : المصطلح والأزمة



د.مصطفى عطية جمعة
09-03-2007, 08:33 PM
كتابة الجسد : المصطلح والأزمة
بقلم /د. مصطفى عطية جمعة
شاع مصطلح " كتابة الجسد " في الأوساط الأدبية في السنوات الأخيرة ، ويعني أن يعبر الأديب عما هو موجود ملموس حسي بالنسبة إليه ، ومن هذا الحسي جسده ، هذا البناء العضوي الذي يحوينا ، ونتعايش به ، ونتلذذ بحواسه . وطرحوا فكرة أن نعبر عن أجسادنا بكل أعضائها ، دون التفرقة بين عضو وآخر ، ويستطيع القارئ الفطن أن يعي أن هذه الفكرة تحمل في ثناياها مفهومًا علمانيًا ماديًا أساسه : لا للروح ولا للتعبير عنها ، لأنها غير ملموسة ، وإنما التعبير عن الجسد المادي فقط ، وأنه لا قيود أخلاقية على الكتابة الجسدية، فلا فرق بين اليد والأعضاء الجنسية ، فالمنظور ثابت : نعبر عن كل جسدنا ولذائذه ، مثل لذة الطعام والشراب والجنس .
هكذا شاع المصطلح في الأدب الغربي ، وكان يضاد الكتابات الأدبية التي اتخذت الروح والعقل ميدانًا لها ، فأغرقت في الفلسفة ، وهومت في الشعور ، ونست أن للجسد حقا عليها ، فتجاهلته وتجاهلت إحساساته ، فكانت الصيحة المعلنة : لنعد لأجسادنا ولنعبر عن حواسنا . وقد جاء هذا المصطلح متماشيًا مع الجيل الثالث من جماعات حقوق الإنسان ، هذا الجيل الذي راح يعترف بحقوق الشواذ : اللواطيين والسحاقيات ، وطالب بشرعية العلاقة ، وشرعية زواجهم ، وهاجم نظام الزواج القديم . فظهرت كتابات حملت اسم " كتابة الجسد " في شعر وقصة ومسرح وفن تشكيلي، ورأى الجمهور الغربي عرايا على المسرح تحت دعوى مسرح الجسد ، وقرأ في الأدب : علاقة بين المحارم : الأب وابنته والأم وابنها ، والطالب ومعلمته ، ورأى لوحات تشكيلية حملت صورًا لأعضاء الجنس وبعض الفنانين استخدم السائل المنوي في لوحاته .
وكالعادة انتقل المصطلح إلى أدبنا العربي بموجة تهليل لكل ما هو قادم من الغرب ، وادّعى من روّجوه أنهم ينقلون آخر إبداعات أوروبا ، وطالبوا بشرعية كتاباتهم ، فكان أن ظهرت موجة كبيرة بين الشعراء والقصاصين تبنت الكتابة الجسدية ، فرأينا بعض قصائد النثر التي كتبت عما نفعله في دورات المياه ، وعن المعاكسات في المواصلات العامة وعن الرغبات المحرمة المكبوتة نحو المحارم . واشتدت الموجة أكثر مع ظهور رواية الكاتب المغربي " محمد شكري " والتي حملت عنوان "الخبز الحافي ، سيرة روائية محرمة " وفيها استعرض الكاتب / الروائي تاريخه مع جسده منذ طفولته ، مع والديه ، وأقرانه ، وعلاقاته وهو مراهق مع بنات الهوى ، في مراكش والدار البيضاء . وكل ما خطّه كان بشفافية مطلقة عن حياته – كما ادعى - ، دون زيف أو ادعاء . والغريب أن هذه الرواية ترجمت ونشرت في فرنسا وحققت شهرة كبيرة ، قبل أن تنشر في بيروت ، ولأنها منعت منذ الإصدار الأول ، فقد تم بيعها سرًا بعشرات الآلاف من النسخ ، فكل ما هو ممنوع مرغوب ، ونال كاتبها شهرة لم يحلم بمثلها ، وفجّرت هذه الرواية أزمة في الجامعة الأمريكية في القاهرة ، حين أقرها أحد أساتذة الأدب على الطلاب ، واعترض عليها أولياء الأمور ، والمعروف أن الجامعة الأمريكية لا يلتحق بها إلا أبناء الطبقة الغنية المتغربة ولكن لفظاظة الرواية اهتاج الطلاب والطالبات وأولياء الأمور .
وعلى الجانب الآخر ( الأنثوي ) ، ظهرت الكاتبة الجزائرية " أحلام مستغانمي " التي كتبت رواية " سيرة جسد " وحققت من ورائها شهرة ضخمة بسبب تبني جماعات حقوق الإنسان الغربية لقضيتها ، وتعاطف العلمانيين العرب ضد الإسلاميين ، حيث تناولت مستغانمي سيرتها الجنسية كامرأة ، في كل تقلباتها وعلاقاتها الذكورية والأنثوية ، واعتبرت أنها مقموعة في مجتمعها الشرقي الذكوري ، وقد ازدادت شهرتها بعدما اشترى المخرج العالمي يوسف شاهين هذه الرواية ، وقرر أن يحولها إلى فيلم سينمائي ، وكان هذا منذ عشر سنوات ، وحتى الآن لم يظهر الفيلم للوجود ، ومازالت الرواية محبوسة في أدراج مكتب يوسف شاهين .
وسار الأدباء العرب على نفس النهج ، ولعلنا نذكر أزمة الروايات الثلاث التي فجّرها نائب الإخوان المسلمين في مصر " محمد جمال حشمت " ضد وزارة الثقافة ، حيث نشرت سلسلة أصوات أدبية ثلاث روايات على نفس المنوال السابق للأدباء : ياسر شعبان ، ومحمود حامد ، وتوفيق عبد الرحمن ، واندفعت الأقلام العلمانية تهاجم الإسلاميين وتدافع عن حق المبدع في الكتابة ، ولو قرأوا بتمعن هذه الروايات في ضوء قيم المجتمع ، لربما غيروا رأيهم .
فرواية الطبيب ياسر شعبان جاءت معبرة عن أجواء الانحراف في المستشفيات المصرية من خلال علاقة طبيب شاب مع الممرضات والطبيبات والمرضى .
أما رواية المخرج توفيق عبد الرحمن ، فقد سار على نفس منوال " محمد شكري " ، فاستعرض سيرة جسده مع تمصير الطرح والأحداث ، بفجاجة شديدة ، ووقاحة في اللفظ والوصف .
أما رواية الأديب محمود حامد فهي وللمفارقة لا تحتوي إلا على مشاهد جنسية بسيطة وقليلة وموظفة فنيًا في العمل الأدبي ، وهي في مجملها راوية راقية فنيًا وفكريًا ، وتضمنت دفاعًا عن الإسلاميين بشكل لافت ، حيث عقدت موازنة بين سلوك بطل منحرف وشقيقه الإسلامي الملتزم في حياتهما . وهذه الرواية تعرضت لظلم كبير ، وقد أصيب كاتبها بالإحباط واعتزل الكتابة الأدبية نهائيًا ، وهذا يدل على أن المسألة ليست حكمًا نقديًا قيميًا بل مجرد أهواء ونزعات .
المشكلة أن الأدباء الشباب العرب لم يتشربوا قيم الإسلام ولا تصوراته للكون والحياة وبالتالي فهم عرضة لكل ناعق غربي ينعق بالجديد ، دون وعي وإبداع حقيقي .

د. محمد حسن السمان
10-03-2007, 07:48 AM
سلام الـلـه عليكم
الأخ الغالي الأديب والناقد المتمكن الدكتور مصظفى عطية

مازلت معجبا بكتاباتك ودراساتك النقدية الهادفة , أتلمس فيها المتابعة والتوهج , وفي
مقالتك الأدبية الموفقة " كتابة الجسد : المصطلح والأزمة " , رأيتك تعالج موضوعا
حساسا , بروية وحسن تبصر , ملامسا مسألتي التقليد الأعمى للحركات الأدبية في العالم
الغربي , وتحصيل الشهرة بتفجير مواضيع تتنافى مع الشرع والقيم , وأكّبر في هذه
المعالجة الهدوء والانسيابة في التعرض للموضوع , مقدما فكرا ايجابيا , باسلوب جميل
مقنع .
تقبل محبتي وتقديري

أخوكم
السمان

خليل حلاوجي
10-03-2007, 08:29 AM
القلة من ادباءنا اليوم فطنوا اننا عبرنا تاريخيا ً مرحلة ( الحداثة )

ونحن اليوم نعاني من تشويشات مرحلة مابعد الحداثة

وهي اليوم تؤكد انحسار المعاني الانسانية عن الانسان ايا ً كان عالما ً فنانا ً اديبا ً بل حتى عامة الناس

ومخطىء من يظن ان مااقوله يخص الانسان في الغرب

بل اعني الانسان اليوم في اي مكان فوق الارض


والادب وهو صورة ناطقة لفواجع واقعنا الحزين امامه مهمة جليلة لايكاد يفطن اليها جهابذة الادباء ان نعيد الى الانسان سموه الانساني واظن ان الادب فشل في هذه المهمة النبيلة وذهب الناس الى صوت الدين ورجاله ليعوضوا هذه النقيصة المفجعة

واليوم الصورة فاضحة
اقول الصورة لاني مدرك تماما ان الاعلام المرئي قد سرق كرسي التلقين من القلم والورق

فاذا كان الادب سيقوم ليثأر فانني وكما اشرت استاذنا قد تحول الى ادب مسخ يتكلم عن الجسد ويبالغ في المشهد التوصيفي ظنا ً منه ان سيعوض خسارته في التواصل مع المتلقي

وهو بهذا اوجد لنا وباءً جديدا ً زاد من غربة وتصحر الروح عند اولئك المتلقين


عليه

الادب اليوم مطالب بمخاطبة الضمير الانساني وايقاظه


لعله يكفر عن بعض خطيئاته


\


تقبل محبتي لقلبك ... خالصه

د.مصطفى عطية جمعة
10-03-2007, 08:47 PM
أيها الوالد الحنون ، والأديب المرهف ، والناقد اللماح
أشيد بلمساتك النقدية الدقيقة ، وأغبط الكيمياء التي ظفرت بك .
لك شكري وتقديري على تفضلك بالقراءة وإبداء التعليق والسبق إلى الخير