تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : فصل فى ذكر أمثلة تبين حقيقة الدنيا



حسنية تدركيت
18-03-2007, 07:02 PM
فصل فى ذكر أمثلة تبين حقيقة الدنيا


المثال الاول للعبد ثلاثة أحوال حالة لم يكن فيها شيئا وهى ما قبل أن يوجد وحالة أخرى وهى من ساعة موته الى مالا نهايه له فى البقاء السرمدى فلنفسه وجود بعد خروجها من البدن إما فى الجنة واما فى النار ثم تعاد الى بدنه فيجازى بعمله ويسكن احدى الدارين فى خلود دائم ثم بين هاتين الحالتين وهى ما بعد وجوده وما قبل موته حالة متوسطه وهى أيام حياته فلينظر الى مقدار زمانها وأنسبه الى الحالتين يعلم أنه أقل من طرفة عين فى مقدار عمر الدنيا ومن رأى الدنيا بهذه العين لم يركن اليها ولم يبال كيف تقضت أيامه فيها فى ضر وضيق أو فى سعه ورفاهية ولهذا لم يضع رسول الله لبنه على لبنه ولا قصبه على قصبه وقال مالى وللدنيا انما مثلى ومثل الدنيا الا كراكب قال فى ظل شجرة ثم راح وتركها وقال ما الدنيا فى الآخرة الا كما يجعل أحدكم اصبعه فى اليم فلينظر بم يرجع والى هذا أشار المسيح عليه السلام بقوله الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها وهذا مثل صحيح فإن الحياة معبر الى الاخرة والمهد هو الركن الاول على أول القنطرة واللحد هو الركن الثانى على آخرها ومن الناس من قطع نصف القنطرة ومنهم من قطع ثلثيها ومنهم من لم يبق له الا خطوة واحدة وهو غافل عنها وكيفما كان فلا بد من العبور فمن وقف يبنى على القنطرة ويزينها بأصناف الزينة وهو يستحث العبور فهو فى غاية الجهل والحمق فصل
المثال الثانى شهوات الدنيا فى القلب كشهوات الاطعمه فى المعدة وسوف يجد العبد عند الموت لشهوات الدنيا فى قلبه من الكراهه والنتن والقبح
ما يجده للأطعمه اللذيذة إذا انتهت فى المعدة غايتها وكما أن الأطعمة كلما كانت ألذ طعما وأكثر دسما وأكثر حلاوة كان رجيعها أقذر فكذلك كل شهوة كانت فى النفس ألذ واقوى فالتأذى بها عند الموت أشد كما أن تفجع الإنسان بمحبوبه إذا فقده يقوى بقدر محبة المحبوب
وفى المسند أن النبى قال للضحاك بن سفيان ألست تؤتى بطعامك وقد ملح وقزح ثم تشرب عليه الماء واللبن قال بلى قال فإلى م يصير قال إلى ما قد علمت قال فإن الله عزوجل ضرب مثل الدنيا لما يصير اليه طعام ابن آدم كان بعض السلف يقول لأصحابه انطلقوا حتى أريكم الدنيا فيذهب بهم الى مزبلة فيقول انظروا الى ثمارهم ودجاجهم وعسلهم وسمنهم فصل
المثال الثالث لها ولأهلها فى اشتغالهم بنعيمها عن الآخرة وما يعقبهم من الحسرات مثل أهلها فى غفلتهم مثل قوم ركبوا سفينة فانتهت بهم الى جزيرة فأمرهم الملاح بالخروج لقضاء الحاجة وحذرهم الابطاء وخوفهم مرور السفينة فتفرقوا فى نواحى الجزيرة فقضى بعضهم حاجته وبادر الى السفينة فصادف المكان خاليا فأخذ أوسع الأماكن وألينها وأوفقها لمراده ووقف بعضهم فى الجزيرة ينظر الى أزهارها وأنوارها العجيبة ويسمع نغمات طيورها ويعجبه حسن أحجارها ثم حدثته نفسه بفوت السفينة وسرعة مرورها وخطر ذهابها فلم يصادف إلا مكانا ضيقا فجلس فيه وأكب بعضهم على تلك الحجارة المستحسنة والأزهار الفائقة فحمل منها حمله فلما جاء لم يجد فى السفينة الا مكانا ضعيفا وزاده حمله ضيقا فصار محموله ثقلا عليه ووبالا ولم يقدر على نبذه بل لم يجد من حمله بدا ولم يجد له فى السفينة موضعا فحمله على عتقه وندم على أخذه فلم تنفعه الندامة ثم ذبلت الأزهار وتغيرت اراييجها وآذاه نتنها وتولج بعضهم فى تلك الغياض ونسى السفينة وأبعد فى نزهته حتى أن الملاح نادى بالناس عند دفع السفينة فلم يبلغه صوته لاشتغاله بملاهيه فهو تارة يتناول من الثمر وتارة يشم تلك الانوار وتارة يعجب من حسن الأشجار وهو على ذلك خائف من سبع يخرج عليه غير منفك من شوك يتشبث فى ثيابه ويدخل فى قدميه أو غصن يجرح بدنه أو عوسج يخرق ثيابه

ويهتك عورته أو صوت هائل يفزعه ثم من هؤلاء من لحق السفينة ولم يبق فيها موضع فمات على الساحل ومنهم من شغله لهوه فافترسته السباع ونهشته الحيات ومنهم من تاه فهام على وجهه حتى هلك فهذا مثال أهل الدنيا فى اشتغالهم بحظوظهم العاجلة ونسيانهم موردهم وعاقبة أمرهم وما أقبح بالعاقل أن تغره أحجار ونبات يصير هشيما قد شغل باله وعوقه عن نجاته ولم يصحبه فصل
المثال الرابع لاغترار الناس بالدينا وضعف ايمانهم بالآخرة قال ابن أبى الدنيا حدثنا اسحق بن اسماعيل حدثنا روح بن عباده حدثنا هشام بن حسان عن الحسن قال بلغنى أن رسول الله قال لاصحابه انما مثلى ومثلكم ومثل الدنيا كمثل قوم سلكوا مفازة غبراء حتى اذا لم يدروا ما سلكوا منها أكثر أم ما بقى أنفدوا الزاد وحسروا الظهر وبقوا بين ظهرانى المفازة لا زاد ولا حمولة فأيقنوا بالهلكة فبينما هم كذلك اذ خرج عليهم رجل فى حلة يقطن رأسه فقالوا ان هذا قريب عهد بريف وما جاءكم هذا الامن قريب فلما انتهى اليهم قال يا هؤلاء علام أنتم قالوا على ما ترى قال أرأيتم ان هديتكم على ماء رواه ورياض خضر ما تجعلون لى قالوا لا نعصيك شيئا قال عهودكم ومواثيقكم بالله قال فأعطوه عهودهم ومواثيقهم بالله لا يحصونه شيئا قال فأوردهم ماء ورياضا خضراء قال فمكث فيهم ما شاء الله ثم قال يا هؤلاء الرحيل قالوا الى أين قال الى ماء ليس كمائكم ورياض ليست كرياضكم قال فقال جل القوم وهم أكثرهم والله ما وجدنا هذا حتى ظننا أن لن نجده وما نصنع بعيش هو خير من هذا قال وقالت طائفة وهم أقلهم ألم تعطوا هذا الرجل عهودكم ومواثيقكم بالله لا تعصونه شيئا وقد صدقكم فى أول حديثه فو الله ليصدقنكم فى آخره فراح بمن اتبعه وتخلف بقيتهم فبادرهم عدوهم فأصبحوا بين أسير وقتيل فصل
المثال الخامس للدنيا وأهلها ما مثلها به النبى كظل شجرة والمرء مسافر فيها الى الله فاستظل فى ظل تلك الشجرة فى يوم صائف ثم راح وتركها فتأمل حسن هذا المثال ومطابقته للواقع سواء فانها فى خضرتها كشجرة وفى سرعة انقضائها وقبضها شيئا فشيئا كالظل والعبد مسافرا الى ربه والمسافر اذا رأى شجرة

فى يوم صائف لا يحسن به أن يبنى تحتها دارا ولا يتخذها قرارا بل يستظل بها بقدر الحاجة ومتى زاد على ذلك انقطع عن الرفاق فصل
المثال السادس تمثيله لها بمدخل أصبعه فى اليم فالذى يرجع به أصبعه من البحر هو مثل الدنيا بالنسبة الى الآخرة وهذا أيضا من أحسن الامثال فإن الدنيا منقطعة فانية ولو كانت مدتها أكثر مما هى والاخرة أبدية لا انقطاع لها ولا نسبة للمحصور الى غير المحصور بل لو فرض أن السموات والارض مملوءتان خردلا وبعد كل ألف سنة طائر ينقل خردلة لفنى الخردل والاخرة لا تفنى فنسبة الدنيا الى الآخرة فى التمثيل كنسبة خردلة واحدة الى ذلك الخردل ولهذا لو أن البحر يمده من بعده سبعة أبحر وأشجار الارض كلها أقلام يكتب بها كلام الله لنفذت الابحر والاقلام ولم تنفد كلمات الله لأنها لا بداية لها ولا نهايه لها والابحر والاقلام متناهيه
قال الإمام أحمد وغيره لم يزل الله متكلما إذا شاء وكماله المقدس مقتض لكلامه وكماله من لوازم ذاته فلا يكون الا كاملا والمتكلم أكمل ممن لا يتكلم وهو سبحانه لم يلحقه كلل ولا تعب ولا سآمه من الكلام وهو يخلق ويدبر خلقه بكلماته فكلماته هى التى أوجد بها خلقه وأمره وذلك حقيقة ملكه وربوبيته وإلهيته وهو لا يكون الا ربا ملكا إلها لا إله الا هو والمقصود أن الدنيا نفس من أنفاس الآخرة وساعة من ساعاتها
من كتاب عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين
يتبع
من موقع الشيخ ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى

جوتيار تمر
24-03-2007, 09:47 AM
ايتها النقية حسنية..

نقاء وصفاء..يحل علينا اينما حل حرفك...

دمت بخير
محبتي لك
جوتيار

سحر الليالي
24-03-2007, 10:02 PM
بارك ربي بك يا حسنية

وجزاك عنا خير الجزاء
سأتابع بقية الايمان معك

لك حبي وألف باق ةورد وفل

بابيه أمال
07-04-2007, 02:01 AM
حسنية سلام الله عليك..

هل تكفيك كلمة شكر؟
طبعا ستقولين نعم يا جميلة القلب.
فشكرا شكرا..
سعيدة بك أنا..
ولك الخير جزاء أوفرا عند خالقك يا ابنة أمتي..
دمت بخير.

سيد يوسف
12-04-2007, 12:09 PM
يحتاج المرء دوما أن يلتفت لهذه المعانى الطيبة حتى يضع لنفسه فرامل يكبح بها جماح نفسه وراء كماليات الحياة أو زخرفها ولنعم النعيم النعيم الدائم نعيم الآخرة فكل نعيم دونها زائل ...كل تقديرى واحترامى لشخصك الكريم أختنا الفاضلة أ/ حسنية