المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القطار



محمود الديدامونى
18-03-2007, 11:08 PM
قالت: حتماً سيتوقف القطار، وراحت تنظر فى مرآتها، تتحسس ملامح وجهها، لم يزل خلف ستائر نضارته، تنهدت بعدما سكنت عينيها دمعة... راحت تحدق فى اللاشيء، تتراءى لها على البعد أطياف تغازل حلمها، وتداعب أطيار مخيلتها.
القطار يتهادى من بعيد، ولأول مرة..
المرآة لا تزال فى يدها، رفعتها ثانية، تتطلع وجهها، انعكس فى مخيلتها ضوء صادف وجهي، صهرني، احتوتني، أحسست بتخلقي داخلها، تثرثر، كأنها تحدثني، ثم راحت تدلك جسدها فى رفق.
* * *
فى عينيها ألمح وجوهاً ملثمة، تختفي معالمها عنى تماماً، تحاول هي استجماع معالم الوجوه، أصيبت بالرجفة، وأشاحت بوجهها بعيداً، كنت أنا الآخر قد تعبت من ملاحقة عينيها، فنمت.
* * *
في عينيها رأيت حركة القطار عكسية.. تقف على حافة المحطة، بين أعواد الغاب والبوص.. مضفرة الشعر، تحركها أهواء الطفولة، تمرح كفراشة فى فضاءٍ رحب، ترتسم معالم أنوثتها شيئاً فشيئاً.
رأيتها تفلت من أحدهم، عندما كانت تتوارى خلف أعواد الغاب.. رأيت... أدركت خطورة موقفها، أعطت ظهرها للقطار.. وبمرور الوقت عادت تنتظره متوجسة..
* * *
الكلمات تنطلق مخترقة خواء القرية، تمزق فى عنف ثوبها الملفوف حول جسدها... لم تهتم، بينما تحاول رسم ابتسامة على وجهها طالما استعذبوها.
آه .. أشعر بها تخترق جدار غرفتي، تؤرق مضجعي.. أسمع تلك المرأة غليظة الصوت، تنهرها، تصر على معرفة كل شيء.. تحاول لكمي ما استطاعت، أتفادى ضرباتها واضعاً يدي فوق رأسي، متكوراً على نفسي، رغم كل ذلك.. أشعر بالوجع يتسرب إلى جسدي الرخو.. ما تلبث أن تتوقف, مأخوذة بالحنين إلى فتاتها.. تنهنه فى ألم.. تمسح عن جسدها آلام القسوة قائلة: لن يرحمنا الناس.
تعاود القارة, يغلبها التعب, يأخذها الحنين, تجد وتحزن.
والجسم الأبيض البض تحول إلى قطعة زرقاء, بدا هزيلاً.. لم تنبث بكلمة, وأنا لا زلت متشبثاً بالبقاء.
* * *
فى المساء غافلت القرية, ألقت بنفسها بين أعواد الغاب, والظلمة تغزو أرجاء المحطة إلا من لمبة وحيدة, تحاول ما استطاعت, شعرت بقدرة اللمبة على تبديد الظلام, فكلما اشتد الحصار حولها كلما بدا ضوءها..
قالت متنهدة: ياه.. هل أعجز عن أن أكون مثل هذه اللمبة؟ كانت الأفكار تغزوها, والكلمات تصارعها.. والأمل يطل ويخبو, وبينما هس كذلك , تداعب جدران حجرتي, أشعر بالأمن.
* * *
العاشرة موعدنا, هكذا قالت, بعدها ستغادر القرية, من أجلك أنت.. يا قطعة مني.. يا قطعة منه.. أقدر ظروفه، رسالته لي تؤكد مجيئه.. لن يخلف أبداً موعداً.. نعم سيأتي.. ثم متحسسة جداري.. ستخرج إلى القرية تتحداه.. هم لا يعرفونه مثلما أعرفه.. لقد أخبرني أنه معي شعر بذاته, أحس بطعم الحياة, كنت نهره الدافق,.. ثم متوجسة.. فهل يكون حصني المنيع؟
ألقت بالكلمات من فضاء عقلها المضطرب.. وراحت تترقب الضوء القادم من بعيد..
* * *
صوت القطار يصفع صمت الظلام, وضوءه يمزق رداءه الثقيل، لمعت عيناها بالفرحة, وارتسمت على شفتيها ابتسامة حذرة..
يتهادى القطار أمام عينيها, ومحاولات دفعه مستمرة, الوجوه الملثمة تتضح شيئاً فشيئًا, والقطار يسير، المشاعل من خلفها تبدِّد حلكة الليل, والفضاء يعج بالصراخ والصخب والريح تقصف بالمكان, لوَّح لها يمكنها الصعود, فالقطار يسير بطيئاً, بطيئاً..
لمعت الفرحة فى عينيها, قفزت داخله, راحت تقرأ الورقة بسرعة, أحسست بذبذبات جسدها.. كادت تتهاوى.. تماسكت.
كنت أنا الآخر قد كرهت البقاء, قرَّرت الثورة على الخوف.. ربتت على جسدي كى أتمهل.. لم تستطع الصمود أمام ثورتي.. راحت فى غيبوبة عميقة..
خرجت إلى الفضاء صارخاً, تنهدت بعدما أفاقت.. أخرجت لفافة من صدرها.. خلعت عباءتها, لفتني بها, ربطت باللفافة على جسدي.. أحسست فى عينيها شيئاً.. داعبتها بيدي, ابتسمت وفجأةً... ألقت بنفسها من القطار.

حسام القاضي
21-03-2007, 08:55 PM
الصديق العزيز الأديب / محود الديداموني
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قرأت قصتك مرة
ولكن كالعادة تحتاج قصصك إلى أكثر من قراءة متأنية
لسبر أغوارها.
إلى قراءة أخرى .

حسام.

محمود الديدامونى
24-03-2007, 10:26 PM
الصديق العزيز الأديب / محود الديداموني
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قرأت قصتك مرة
ولكن كالعادة تحتاج قصصك إلى أكثر من قراءة متأنية
لسبر أغوارها.
إلى قراءة أخرى .
حسام.
شرفتنى يا صديقى الجميل واشكرك على المرور الكريم
وانتظر الرأى والعودة غن شاء الله
مودتى

الشربينى خطاب
27-03-2007, 03:24 AM
القطار
قالت: حتماً سيتوقف القطار، وراحت تنظر فى مرآتها، تتحسس ملامح وجهها، لم يزل خلف ستائر نضارته، تنهدت بعدما سكنت عينيها دمعة... راحت تحدق فى اللاشيء، تتراءى لها على البعد أطياف تغازل حلمها، وتداعب أطيار مخيلتها.
القطار يتهادى من بعيد، ولأول مرة..
المرآة لا تزال فى يدها، رفعتها ثانية، تتطلع وجهها، انعكس فى مخيلتها ضوء صادف وجهي، صهرني، احتوتني، أحسست بتخلقي داخلها، تثرثر، كأنها تحدثني، ثم راحت تدلك جسدها فى رفق.
* * *
فى عينيها ألمح وجوهاً ملثمة، تختفي معالمها عنى تماماً، تحاول هي استجماع معالم الوجوه، أصيبت بالرجفة، وأشاحت بوجهها بعيداً، كنت أنا الآخر قد تعبت من ملاحقة عينيها، فنمت.
* * *
في عينيها رأيت حركة القطار عكسية.. تقف على حافة المحطة، بين أعواد الغاب والبوص.. مضفرة الشعر، تحركها أهواء الطفولة، تمرح كفراشة فى فضاءٍ رحب، ترتسم معالم أنوثتها شيئاً فشيئاً.
رأيتها تفلت من أحدهم، عندما كانت تتوارى خلف أعواد الغاب.. رأيت... أدركت خطورة موقفها، أعطت ظهرها للقطار.. وبمرور الوقت عادت تنتظره متوجسة..
* * *
الكلمات تنطلق مخترقة خواء القرية، تمزق فى عنف ثوبها الملفوف حول جسدها... لم تهتم، بينما تحاول رسم ابتسامة على وجهها طالما استعذبوها.
آه .. أشعر بها تخترق جدار غرفتي، تؤرق مضجعي.. أسمع تلك المرأة غليظة الصوت، تنهرها، تصر على معرفة كل شيء.. تحاول لكمي ما استطاعت، أتفادى ضرباتها واضعاً يدي فوق رأسي، متكوراً على نفسي، رغم كل ذلك.. أشعر بالوجع يتسرب إلى جسدي الرخو.. ما تلبث أن تتوقف, مأخوذة بالحنين إلى فتاتها.. تنهنه فى ألم.. تمسح عن جسدها آلام القسوة قائلة: لن يرحمنا الناس.
تعاود القارة, يغلبها التعب, يأخذها الحنين, تجد وتحزن.
والجسم الأبيض البض تحول إلى قطعة زرقاء, بدا هزيلاً.. لم تنبث بكلمة, وأنا لا زلت متشبثاً بالبقاء.
* * *
فى المساء غافلت القرية, ألقت بنفسها بين أعواد الغاب, والظلمة تغزو أرجاء المحطة إلا من لمبة وحيدة, تحاول ما استطاعت, شعرت بقدرة اللمبة على تبديد الظلام, فكلما اشتد الحصار حولها كلما بدا ضوءها..
قالت متنهدة: ياه.. هل أعجز عن أن أكون مثل هذه اللمبة؟ كانت الأفكار تغزوها, والكلمات تصارعها.. والأمل يطل ويخبو, وبينما هس كذلك , تداعب جدران حجرتي, أشعر بالأمن.
* * *
العاشرة موعدنا, هكذا قالت, بعدها ستغادر القرية, من أجلك أنت.. يا قطعة مني.. يا قطعة منه.. أقدر ظروفه، رسالته لي تؤكد مجيئه.. لن يخلف أبداً موعداً.. نعم سيأتي.. ثم متحسسة جداري.. ستخرج إلى القرية تتحداه.. هم لا يعرفونه مثلما أعرفه.. لقد أخبرني أنه معي شعر بذاته, أحس بطعم الحياة, كنت نهره الدافق,.. ثم متوجسة.. فهل يكون حصني المنيع؟
ألقت بالكلمات من فضاء عقلها المضطرب.. وراحت تترقب الضوء القادم من بعيد..
* * *
صوت القطار يصفع صمت الظلام, وضوءه يمزق رداءه الثقيل، لمعت عيناها بالفرحة, وارتسمت على شفتيها ابتسامة حذرة..
يتهادى القطار أمام عينيها, ومحاولات دفعه مستمرة, الوجوه الملثمة تتضح شيئاً فشيئًا, والقطار يسير، المشاعل من خلفها تبدِّد حلكة الليل, والفضاء يعج بالصراخ والصخب والريح تقصف بالمكان, لوَّح لها يمكنها الصعود, فالقطار يسير بطيئاً, بطيئاً..
لمعت الفرحة فى عينيها, قفزت داخله, راحت تقرأ الورقة بسرعة, أحسست بذبذبات جسدها.. كادت تتهاوى.. تماسكت.
كنت أنا الآخر قد كرهت البقاء, قرَّرت الثورة على الخوف.. ربتت على جسدي كى أتمهل.. لم تستطع الصمود أمام ثورتي.. راحت فى غيبوبة عميقة..
خرجت إلى الفضاء صارخاً, تنهدت بعدما أفاقت.. أخرجت لفافة من صدرها.. خلعت عباءتها, لفتني بها, ربطت باللفافة على جسدي.. أحسست فى عينيها شيئاً.. داعبتها بيدي, ابتسمت وفجأةً... ألقت بنفسها من القطار.
الصديق العزيز / محمود الديدموني
أسجل حضوري مع النص ولي عودة إن شاء الله

محمود الديدامونى
28-03-2007, 11:14 PM
تحياتى لك ايها الصديق الجميل
وانتظر عودتك البهية الندية
كل الود وتحياتى

د. نجلاء طمان
29-03-2007, 03:28 AM
الديدمونى الرائع
لى عودة
انتظرنى
تحية وشذى
الوردة السوداء

محمود الديدامونى
03-04-2007, 02:16 PM
الديدمونى الرائع
لى عودة
انتظرنى
تحية وشذى
الوردة السوداء
شكرا على مروركم الطيب وفى انتظار عودتكم

محمود الديدامونى
04-04-2007, 10:57 PM
[QUOTE=علاء عيسى;252023]قطارك
جميل
وأنتظر معك
كل من يتبع قطارك
أيها الغالى ديدامونى[/أنتظرك ناقدا

وفاء شوكت خضر
05-04-2007, 02:06 PM
لم ألمح وجه الراوي حين قرأت هذه القصة أول مرة ..

في لحظة صفو ، كنت على موعد مع هذا النص ، فتحت الصفحة ، قرأت ، تابعت كل الردود ، ورأيت أن كل من مر هنا ضرب لك موعدا بلقاء ثان ، أحسست أني لم أمسك بالخيط ، عدت أعيد القراءة بعمق ،
أمر على الصور مرة ومرتان ، إلى أن لمحت وجهه .
ذلك الذي كان سبب فرارها ممن يلاحقونها ، يهددون حياتها ، ولكن لأجله تركت كل شيء وفرت ، لتحميه ، وتلحق بالآخر ..

أستاذي محمد الديداموني ..

مثلي لا تجرؤ على كتابة نقدية في نص مثل نصك ، أخشى أن تخونني نفسي فأقصر ، ونصك يستحق أن تكتب فيه قراءات وقراءات عميقة لما فيه من إبداع وفنية مركزة ، وصور رائعة الوصف ..
فلم يخطر لي حين قرأت القصة أن الراوي لم يكن إلا جنينا سفاحا ، فرت به بطلتك ، لتحافظ عليه ، ولكن أمام الشخصية الخائفة المتطربه ، والأحلام والهواجش ، والخوف والأمل بإحساس الأمان ، والذي أخذ ببطلتك إلى منحى آخر ، غير الذي أرادته .
القطار ،، رمز الرحيل ... إلى أين يا ترى ، لقد بدأت قصتك بانتظارها وصول القطار الذي يتهادى ولأول مرة ، ثم اقترابه ، ورؤيته يسير باتجاه عكسي ، ترميزات لما كان يطرق التفكير والخيال للبطلة، وهي تحاول إيجاد منفذ لما هي في ..
قصة الفتاة التي ترتكب خطئية ، ليكون لها ثمرة ، مع من تحب أو في أي ظرف كان ، وحين تلاحق لغسل العار ، ولا تدري إن كان من زرع البذرة سيعترف بها أم أنه يسوليها ظهره متبرئا منها منكرا لبذرته ، في خضم الصراع النفسي ما بين أمل ويأس ، وخوف وملاحقة ، وموت محتم على يد الأهل المطاردين لمن لوثت عرضهم ..
نراها تكتب النهاية بنفسها لكاتبنا الذي أبدع بحق التصوير والحوار ..

يتهادى القطار أمام عينيها, ومحاولات دفعه مستمرة, الوجوه الملثمة تتضح شيئاً فشيئًا, والقطار يسير، المشاعل من خلفها تبدِّد حلكة الليل, والفضاء يعج بالصراخ والصخب والريح تقصف بالمكان, لوَّح لها يمكنها الصعود, فالقطار يسير بطيئاً, بطيئاً..
لمعت الفرحة فى عينيها, قفزت داخله, راحت تقرأ الورقة بسرعة, أحسست بذبذبات جسدها.. كادت تتهاوى.. تماسكت.
كنت أنا الآخر قد كرهت البقاء, قرَّرت الثورة على الخوف.. ربتت على جسدي كى أتمهل.. لم تستطع الصمود أمام ثورتي.. راحت فى غيبوبة عميقة..
خرجت إلى الفضاء صارخاً, تنهدت بعدما أفاقت.. أخرجت لفافة من صدرها.. خلعت عباءتها, لفتني بها, ربطت باللفافة على جسدي.. أحسست فى عينيها شيئاً.. داعبتها بيدي, ابتسمت وفجأةً... ألقت بنفسها من القطار.

في هذا الجزء من القصة ، جمع قاصنا الرائع كل الخيوط ليضعها في متناول يد القارئ ، لتتضح الصورة ، بطريقة تعبيرية ولا أروع ..
اعذر سطوري أستاذي ، بحق أعجز عن كتابة ما يستحقه نصك ، وما هو بمستوى رقيك الأدبي ..
أمتعتني القصة بحق ، وقفت على الكثير من الفنيات الرائعة التي استخدمتها ، علني أتعلم شيئا في مدرستك .


لك تحيتي وتقدير ..

محمود الديدامونى
07-04-2007, 11:32 PM
لم ألمح وجه الراوي حين قرأت هذه القصة أول مرة ..
في لحظة صفو ، كنت على موعد مع هذا النص ، فتحت الصفحة ، قرأت ، تابعت كل الردود ، ورأيت أن كل من مر هنا ضرب لك موعدا بلقاء ثان ، أحسست أني لم أمسك بالخيط ، عدت أعيد القراءة بعمق ،
أمر على الصور مرة ومرتان ، إلى أن لمحت وجهه .
ذلك الذي كان سبب فرارها ممن يلاحقونها ، يهددون حياتها ، ولكن لأجله تركت كل شيء وفرت ، لتحميه ، وتلحق بالآخر ..
أستاذي محمد الديداموني ..
مثلي لا تجرؤ على كتابة نقدية في نص مثل نصك ، أخشى أن تخونني نفسي فأقصر ، ونصك يستحق أن تكتب فيه قراءات وقراءات عميقة لما فيه من إبداع وفنية مركزة ، وصور رائعة الوصف ..
فلم يخطر لي حين قرأت القصة أن الراوي لم يكن إلا جنينا سفاحا ، فرت به بطلتك ، لتحافظ عليه ، ولكن أمام الشخصية الخائفة المتطربه ، والأحلام والهواجش ، والخوف والأمل بإحساس الأمان ، والذي أخذ ببطلتك إلى منحى آخر ، غير الذي أرادته .
القطار ،، رمز الرحيل ... إلى أين يا ترى ، لقد بدأت قصتك بانتظارها وصول القطار الذي يتهادى ولأول مرة ، ثم اقترابه ، ورؤيته يسير باتجاه عكسي ، ترميزات لما كان يطرق التفكير والخيال للبطلة، وهي تحاول إيجاد منفذ لما هي في ..
قصة الفتاة التي ترتكب خطئية ، ليكون لها ثمرة ، مع من تحب أو في أي ظرف كان ، وحين تلاحق لغسل العار ، ولا تدري إن كان من زرع البذرة سيعترف بها أم أنه يسوليها ظهره متبرئا منها منكرا لبذرته ، في خضم الصراع النفسي ما بين أمل ويأس ، وخوف وملاحقة ، وموت محتم على يد الأهل المطاردين لمن لوثت عرضهم ..
نراها تكتب النهاية بنفسها لكاتبنا الذي أبدع بحق التصوير والحوار ..
يتهادى القطار أمام عينيها, ومحاولات دفعه مستمرة, الوجوه الملثمة تتضح شيئاً فشيئًا, والقطار يسير، المشاعل من خلفها تبدِّد حلكة الليل, والفضاء يعج بالصراخ والصخب والريح تقصف بالمكان, لوَّح لها يمكنها الصعود, فالقطار يسير بطيئاً, بطيئاً..
لمعت الفرحة فى عينيها, قفزت داخله, راحت تقرأ الورقة بسرعة, أحسست بذبذبات جسدها.. كادت تتهاوى.. تماسكت.
كنت أنا الآخر قد كرهت البقاء, قرَّرت الثورة على الخوف.. ربتت على جسدي كى أتمهل.. لم تستطع الصمود أمام ثورتي.. راحت فى غيبوبة عميقة..
خرجت إلى الفضاء صارخاً, تنهدت بعدما أفاقت.. أخرجت لفافة من صدرها.. خلعت عباءتها, لفتني بها, ربطت باللفافة على جسدي.. أحسست فى عينيها شيئاً.. داعبتها بيدي, ابتسمت وفجأةً... ألقت بنفسها من القطار.
في هذا الجزء من القصة ، جمع قاصنا الرائع كل الخيوط ليضعها في متناول يد القارئ ، لتتضح الصورة ، بطريقة تعبيرية ولا أروع ..
اعذر سطوري أستاذي ، بحق أعجز عن كتابة ما يستحقه نصك ، وما هو بمستوى رقيك الأدبي ..
أمتعتني القصة بحق ، وقفت على الكثير من الفنيات الرائعة التي استخدمتها ، علني أتعلم شيئا في مدرستك .
لك تحيتي وتقدير ..
الكاتبة التى أسرتنى بمداخلتها / وفاء
أحييك على معاناة القراءة
وعناء التعليق
وكم كنت رائعة ... اقتربت كثيرا
أنتظرك دائما

د. نجلاء طمان
08-04-2007, 03:58 AM
"قطار يسير في ذاكرة امرأة معذبة"
في محاولة لفهم وتحليل القصة من وجهة نظر للأستاذ الأديب : محمود الديدموني .
المدخل التمهيدي للقصة ..
رجل وامرأة يتشاركان غرفة في قطار ..شريكان في الحياة ولكنهما لا يلتقيان فلكل ذكرياته الخاصة به
{ قالت: حتماً سيتوقف القطار..}
جملة تمهيدية افتتاحية .. ينبه الكاتب بها المتلقي على لسان المرأة أن القطار سوف يتوقف ..
أي أن الرحلة في نهايتها.
{ وراحت تنظر فى مرآتها، تتحسس ملامح وجهها، لم يزل خلف ستائر نضارته، تنهدت بعدما سكنت عينيها دمعة... راحت تحدق فى اللاشيء، تتراءى لها على البعد أطياف تغازل حلمها، وتداعب أطيار مخيلتها.القطار يتهادى من بعيد، ولأول مرة..
المرآة لا تزال فى يدها، رفعتها ثانية، تتطلع وجهها..}
**هي في عين نفسها**
المرأة ترتب نفسها بعد رحلة طويلة منهكة تنظر في مرآتها .. تتحسر .. من تلك التي تنظرها في المرآة ؛ الوجه اختلف ، أنهكه التعب .. والتعب هنا ليس تعب رحلة القطار وإنما تعب رحلة الأيام التي حفرت شقوقا مجهدة في وجهها.. تنظر للزوج .. منهمك في ذكرياته لا يشعر بها يواجهها بنوع من البلادة بينه وبينها ستائر - كان القاص موفقًا جدا في اختيار التعبير- تتعذب من بلادته .. تتذكر شبابها وعنفوانها ثم تنظر مرة أخرى في المرآة ..
{ انعكس فى مخيلتها ضوء صادف وجهي، صهرني، احتوتني، أحسست بتخلقي داخلها، تثرثر، كأنها تحدثني، ثم راحت تدلك جسدها فى رفق .
***
فى عينيها ألمح وجوهاً ملثمة، تختفي معالمها عنى تماماً، تحاول هي استجماع معالم الوجوه، أصيبت بالرجفة، وأشاحت بوجهها بعيداً، كنت أنا الآخر قد تعبت من ملاحقة عينيها، فنمت. .}
**هي في عينه **
الزوج يرى زوجته جيدًا ويدرك داخليا كل عذاباتها ومعاناتها .. ولكنه يتبلد عامدًا متعمدًا لدرجة أنه يرى وجهها وجوهاً ملثمة .. عيناه تلاحق عينيها في بلادة يتجاهل عذابها . وحركاتها التألمية اليائسة .. يتركها فريسة لصراعاتها ويبدأ في النوم ..
{في عينيها رأيت حركة القطار عكسية..}
جملة اعتراضية في منتهى الأهمية ، إذا لم تفهم من جانب المتلقي ؛ فقد خيط متابعته للقصة .. فالكاتب يدخل المتلقي الآن في ذكريات الرجل التي تكون بدايتها في عين زوجته ..
ومعنى " حركة القطار عكسية " ليست الحركة الواقعية البحتة العكسية للقطار وإنما يقصد بها الرجوع بذاكرته إلى الوراء من خلال عين المرأة " أي ذكرياته مع الماضي "
{تقف على حافة المحطة، بين أعواد الغاب والبوص.. مضفرة الشعر، تحركها أهواء الطفولة، تمرح كفراشة فى فضاءٍ رحب، ترتسم معالم أنوثتها شيئاً فشيئاً.
رأيتها تفلت من أحدهم، عندما كانت تتوارى خلف أعواد الغاب ..}
** القطار يسير إلى الوراء في ذاكرة الزوج**..
يتذكرها بكل عنفوانها وشبابها .. بكل أنوثتها التي جذبت كل أعين القرية إليها .. بخجلها وابتعادها عن شباب القرية ..
{ رأيت... أدركت خطورة موقفها، أعطت ظهرها للقطار.. وبمرور الوقت عادت تنتظره متوجسة..}
فقرة تشويهية دخيلة .. أصابت المتلقي بضربة ذهنية ..بدأ بعدها يفقد تركيزه وانتباهه تدريجيا مع مجريات القصة .
{الكلمات تنطلق مخترقة خواء القرية، تمزق فى عنف ثوبها الملفوف حول جسدها... لم تهتم، بينما تحاول رسم ابتسامة على وجهها طالما استعذبوها.}
**فقرة مكملة للفقرة التى سبقتها** ..
فالكاتب مازال يتذكر كيف كان جمال رفيقته : جسدها ، ابتساماتها ، علاقتهما ، معرفة الأهل بها ، رد الفعل ،و موقف المرأة صاحبة الصوت الغليظ التي قد تكون الأم .
{آه .. أشعر بها تخترق جدار غرفتي، تؤرق مضجعي.. أسمع تلك المرأة غليظة الصوت، تنهرها، تصر على معرفة كل شيء.. تحاول لكمي ما استطاعت، أتفادى ضرباتها واضعاً يدي فوق رأسي، متكوراً على نفسي، رغم كل ذلك.. أشعر بالوجع يتسرب إلى جسدي الرخو..}
**رد فعل **.
..وهنا أود الإشارة إلى أن الكاتب قدم صورة بلغة تصويرية رائعة الجمال إيحائية لكل ما يعتمل داخله من صراع .. لتكشف العلاقة .. والمدهش في روعة الصورة.. إحساس الرجل بالألم من خلال معاناة المرأة.. وكأنما يمتزج بداخلها ويشعر بألمها ..
{ما تلبث أن تتوقف, مأخوذة بالحنين إلى فتاتها.. تنهنه فى ألم.. تمسح عن جسدها آلام القسوة قائلة: لن يرحمنا الناس.
تعاود القارة, يغلبها التعب, يأخذها الحنين, تجد وتحزن.
والجسم الأبيض البض تحول إلى قطعة زرقاء, بدا هزيلاً.. لم تنبث بكلمة, وأنا لا زلت متشبثاً بالبقاء. }
** عودة الى الواقع** ..
**المرأة في القطار**
المرأة تعاود الَكرة.. تتذكر نفسها فى الماضي وتتحسر على نفسها .
{فى المساء غافلت القرية, ألقت بنفسها بين أعواد الغاب, والظلمة تغزو أرجاء المحطة إلا من لمبة وحيدة, تحاول ما استطاعت, شعرت بقدرة اللمبة على تبديد الظلام, فكلما اشتد الحصار حولها كلما بدا ضوءها..
قالت متنهدة: ياه.. هل أعجز عن أن أكون مثل هذه اللمبة؟ كانت الأفكار تغزوها, والكلمات تصارعها.. والأمل يطل ويخبو, وبينما هس كذلك , تداعب جدران حجرتي, أشعر بالأمن.
* * *
العاشرة موعدنا, هكذا قالت, بعدها ستغادر القرية, من أجلك أنت.. يا قطعة مني.. يا قطعة منه.. أقدر ظروفه، رسالته لي تؤكد مجيئه.. لن يخلف أبداً موعداً.. نعم سيأتي.. ثم متحسسة جداري.. ستخرج إلى القرية تتحداه.. هم لا يعرفونه مثلما أعرفه.. لقد أخبرني أنه معي شعر بذاته, أحس بطعم الحياة, كنت نهره الدافق,.. ثم متوجسة.. فهل يكون حصني المنيع؟}
**موقف المرأة في الماضي من خلال ذاكرة الزوج**
يعود الزوج إلى الماضي فيتذكر زوجته من خلال ذاكرتها هى ، حين تهرب من بلدتها وأهلها ؛ لتلحق الحبيب .. تتحدى كل قوانين القرية وأعرافها من أجل حبها ، من أجل رجلها ، يملأها الأمل ، تراهن ... تقامر بكل ما لديها ...
{ألقت بالكلمات من فضاء عقلها المضطرب.. وراحت تترقب الضوء القادم من بعيد.. }
**فقرة اعتراضية هامة لتوضيح أن الزوجة كانت تنساب في عقلها نفس الذكريات المشتركة .. تنفضها وتعود للقطار ، للواقع .
صوت القطار يصفع صمت الظلام, وضوءه يمزق رداءه الثقيل، لمعت عيناها بالفرحة, وارتسمت على شفتيها ابتسامة حذرة..
يتهادى القطار أمام عينيها, ومحاولات دفعه مستمرة, الوجوه الملثمة تتضح شيئاً فشيئًا, والقطار يسير، المشاعل من خلفها تبدِّد حلكة الليل, والفضاء يعج بالصراخ والصخب والريح تقصف بالمكان, لوَّح لها يمكنها الصعود, فالقطار
{يسير بطيئاً, بطيئاً..
لمعت الفرحة في عينيها, قفزت داخله, راحت تقرأ الورقة بسرعة, أحسست بذبذبات جسدها.. كادت تتهاوى.. تماسكت.
كنت أنا الآخر قد كرهت البقاء, قرَّرت الثورة على الخوف.. ربتت على جسدي كي أتمهل.. لم تستطع الصمود أمام ثورتي.. راحت فى غيبوبة عميقة..
خرجت إلى الفضاء صارخاً, تنهدت بعدما أفاقت.. أخرجت لفافة من صدرها.. خلعت عباءتها, لفتني بها, ربطت باللفافة على جسدي.. أحسست فى عينيها شيئاً.. داعبتها بيدي, ابتسمت}

تستعد المرأة بابتسامة معذبة .. تهندم نفسها .. الرجل يستعد هو الآخر .. كل منهما يلقي بحلمه ، بعذاباته ، بداخلياته من القطار قبل أن يتوقف ..
{وفجأةً... ألقت بنفسها من القطار.}
**العبارة الرائعة الخاتمة** ..
ألقت بنفسها من القطار ..-ليس المعنى البحتي للسقوط ؛ فهي تلقى بكل عذابها .. همومها .. مقامرتها الخاسرة .. تستعد للنزول من القطار - بوجه آخر- مع رجل مختلف عن رجل اختارته يوماً وركبت من أجله القطار .
*التعقيب*
في رأيي أن القاص يملك أدوات رائعة ..استعاراته ومكنياته فاقت حد التصور من الإابداع ..لكنه اعتمد فى طريقة سرده على السرد المتتابع والقفز المتلاحق من ذاكرة المرأة إلى ذاكرة الرجل.. ومن واقع الى ماضٍ فى سرعة كانت أكبر بكثير من سرعة استجابة ذهن المتلقى ففقد المتلقي ـ رغما عنه ـ خيط متابعة الأحداث، ووجد نفسه لا شعوريا يريد العودة للقراءة من جديد مرة ومرة ..ساهم فى تعميق هذا الشعور لدى المتلقي وضع الكاتب أحيانا الفواصل فى غير مكانها الصحيح ..
الكاتب الرائع :محمود الديدمونى
وضعت تحليلا متواضعا جدا لرائعتك وهدفى من التحليل ..البناء وليس التفكيك ..هى همسة ..أهمسها على صفحتك حرصا على هذا العمل الرائع..أرجو أن تتقبل همستى لك بسعة صدر.
تحية وشذى
الوردة السوداء

جيهان عبد العزيز
09-04-2007, 06:46 PM
الأديب المبدع " محمود الديداموني "
" القطار " ، " العار " " الفتاة وجنينها " ، " الأم " " أهل القرية "
مفردات قديمة / كائنة ، يبقى التميز في اللغة والأسلوب
وهذا ما استطعت تحقيقه ، بداية من اختيار شخصية " الراوي " والذي يعد راويا مزدوجا في الواقع ، فهو في معظم الأحيان ينقل وجهة نظر " الأخرى " التي تحمله داخلها مما يعطيهما توحدا فيزيائيا ونفسيا ، ويورطنا معه تلقائيا للتعاطف مع الشخصية الرئيسة ،
القصة و أحداثها تدور في إطار سينمائي ،ونجد أنفسنا وقد تم إلقاؤنا في قلب الحدث مباشرة ، لحظة الذروة ، انتظار القطار ، والهرب ، والمطاردة .
ثم الانتقالات التي تشكل مقاطعا بفواصل ، تقوم بدور الفصل بين الحاضر والأحداث الماضية ، وتقوم بدور المشاهد المتتابعة في الفن السينمائي .
تصاعد الأحداث والمطاردة في مشهد النهاية الذي يعيدنا لنفس نقطة البداية ، التزامن ما بين الاختباء بين أعواد الغاب وانتظار القطار ، صوته القادم ، وانعكاس لهب وضوء المشاعل و آلام الوضع ، ثم الخدعة الأخيرة فحين نهدأ أخيرا ونحاول تنفس الصعداء ، فهاهي لحقت بالقطار ، وأخرجت الجنين ، لنفاجأ بها تلقي بنفسها من القطار وتحته .
لم يكن من الغريب اختيار ذلك الشكل السينمائي ، ربما لأن الموضوع نفسه كان من أكثر الموضوعات طرحا في الروايات والسينما المصرية ، بدءا من رواية " دعاء الكروان " ومرورا ب"الحرام " و " حتى " البوسطجي " و " عرق البلح " وغيرها ،
البيئة في تلك الأعمال كانت دائما البيئة الريفية ، ورد الفعل على الفعل هو محو العار بالقتل ، وفي تلك الحالة فإن أقرب الناس ومصدر الأمن والأمان " الوالدين وأفراد العائلة " _
يتحول إلى مصدر الخطر
غريبة تلك القسوة التي تملأ القلوب _ قلوب و أشخاص رغم ما يقال دائما عن أصالتهم و طيبتهم ، إلا أن فعلا كهذا كفيل بتحويلهم إلى وحوش عمياء ، متعطشة للدم ، تحمل المشاعل في الليل لاصطياد فريسة ، بلا رحمة أو شفقة ، أو أي قدرة على المغفرة ، وأحيانا تدفعها لمحو عارها بنفسها وقتل تلك النفس " بداية ونهاية " " عرق البلح " .
ودائما القطار بازدواجيته وتناقضه ، فهو رمز الأمل و اليأس ، الحياة والموت ، الخلاص والتخلص الوحش المعدني الهادر ، ووسيلة الفرار .
كان الوصف معبرا ، ورسم الشخصيات متقن ، خاصة الأم التي تحاول قتل جنين العار والفضيحة في جسد ابنتها بقسوة نابعة من الرحمة والخوف ، محاولاتها المتكررة ثم اخفاقاتها المتكررة أيضا ، حتى يكون ذلك الاستسلام النهائي ، للمصير المحتوم .
ما سبق كان مجرد قراءة ، وتداع للأفكار .
تحياتي وتقديري
جيهان عبد العزيز

محمود الديدامونى
12-04-2007, 01:09 PM
"قطار يسير في ذاكرة امرأة معذبة"
في محاولة لفهم وتحليل القصة من وجهة نظر للأستاذ الأديب : محمود الديدموني .
المدخل التمهيدي للقصة ..
رجل وامرأة يتشاركان غرفة في قطار ..شريكان في الحياة ولكنهما لا يلتقيان فلكل ذكرياته الخاصة به
{ قالت: حتماً سيتوقف القطار..}
جملة تمهيدية افتتاحية .. ينبه الكاتب بها المتلقي على لسان المرأة أن القطار سوف يتوقف ..
أي أن الرحلة في نهايتها.
{ وراحت تنظر فى مرآتها، تتحسس ملامح وجهها، لم يزل خلف ستائر نضارته، تنهدت بعدما سكنت عينيها دمعة... راحت تحدق فى اللاشيء، تتراءى لها على البعد أطياف تغازل حلمها، وتداعب أطيار مخيلتها.القطار يتهادى من بعيد، ولأول مرة..
المرآة لا تزال فى يدها، رفعتها ثانية، تتطلع وجهها..}
**هي في عين نفسها**
المرأة ترتب نفسها بعد رحلة طويلة منهكة تنظر في مرآتها .. تتحسر .. من تلك التي تنظرها في المرآة ؛ الوجه اختلف ، أنهكه التعب .. والتعب هنا ليس تعب رحلة القطار وإنما تعب رحلة الأيام التي حفرت شقوقا مجهدة في وجهها.. تنظر للزوج .. منهمك في ذكرياته لا يشعر بها يواجهها بنوع من البلادة بينه وبينها ستائر - كان القاص موفقًا جدا في اختيار التعبير- تتعذب من بلادته .. تتذكر شبابها وعنفوانها ثم تنظر مرة أخرى في المرآة ..
{ انعكس فى مخيلتها ضوء صادف وجهي، صهرني، احتوتني، أحسست بتخلقي داخلها، تثرثر، كأنها تحدثني، ثم راحت تدلك جسدها فى رفق .
***
فى عينيها ألمح وجوهاً ملثمة، تختفي معالمها عنى تماماً، تحاول هي استجماع معالم الوجوه، أصيبت بالرجفة، وأشاحت بوجهها بعيداً، كنت أنا الآخر قد تعبت من ملاحقة عينيها، فنمت. .}
**هي في عينه **
الزوج يرى زوجته جيدًا ويدرك داخليا كل عذاباتها ومعاناتها .. ولكنه يتبلد عامدًا متعمدًا لدرجة أنه يرى وجهها وجوهاً ملثمة .. عيناه تلاحق عينيها في بلادة يتجاهل عذابها . وحركاتها التألمية اليائسة .. يتركها فريسة لصراعاتها ويبدأ في النوم ..
{في عينيها رأيت حركة القطار عكسية..}
جملة اعتراضية في منتهى الأهمية ، إذا لم تفهم من جانب المتلقي ؛ فقد خيط متابعته للقصة .. فالكاتب يدخل المتلقي الآن في ذكريات الرجل التي تكون بدايتها في عين زوجته ..
ومعنى " حركة القطار عكسية " ليست الحركة الواقعية البحتة العكسية للقطار وإنما يقصد بها الرجوع بذاكرته إلى الوراء من خلال عين المرأة " أي ذكرياته مع الماضي "
{تقف على حافة المحطة، بين أعواد الغاب والبوص.. مضفرة الشعر، تحركها أهواء الطفولة، تمرح كفراشة فى فضاءٍ رحب، ترتسم معالم أنوثتها شيئاً فشيئاً.
رأيتها تفلت من أحدهم، عندما كانت تتوارى خلف أعواد الغاب ..}
** القطار يسير إلى الوراء في ذاكرة الزوج**..
يتذكرها بكل عنفوانها وشبابها .. بكل أنوثتها التي جذبت كل أعين القرية إليها .. بخجلها وابتعادها عن شباب القرية ..
{ رأيت... أدركت خطورة موقفها، أعطت ظهرها للقطار.. وبمرور الوقت عادت تنتظره متوجسة..}
فقرة تشويهية دخيلة .. أصابت المتلقي بضربة ذهنية ..بدأ بعدها يفقد تركيزه وانتباهه تدريجيا مع مجريات القصة .
{الكلمات تنطلق مخترقة خواء القرية، تمزق فى عنف ثوبها الملفوف حول جسدها... لم تهتم، بينما تحاول رسم ابتسامة على وجهها طالما استعذبوها.}
**فقرة مكملة للفقرة التى سبقتها** ..
فالكاتب مازال يتذكر كيف كان جمال رفيقته : جسدها ، ابتساماتها ، علاقتهما ، معرفة الأهل بها ، رد الفعل ،و موقف المرأة صاحبة الصوت الغليظ التي قد تكون الأم .
{آه .. أشعر بها تخترق جدار غرفتي، تؤرق مضجعي.. أسمع تلك المرأة غليظة الصوت، تنهرها، تصر على معرفة كل شيء.. تحاول لكمي ما استطاعت، أتفادى ضرباتها واضعاً يدي فوق رأسي، متكوراً على نفسي، رغم كل ذلك.. أشعر بالوجع يتسرب إلى جسدي الرخو..}
**رد فعل **.
..وهنا أود الإشارة إلى أن الكاتب قدم صورة بلغة تصويرية رائعة الجمال إيحائية لكل ما يعتمل داخله من صراع .. لتكشف العلاقة .. والمدهش في روعة الصورة.. إحساس الرجل بالألم من خلال معاناة المرأة.. وكأنما يمتزج بداخلها ويشعر بألمها ..
{ما تلبث أن تتوقف, مأخوذة بالحنين إلى فتاتها.. تنهنه فى ألم.. تمسح عن جسدها آلام القسوة قائلة: لن يرحمنا الناس.
تعاود القارة, يغلبها التعب, يأخذها الحنين, تجد وتحزن.
والجسم الأبيض البض تحول إلى قطعة زرقاء, بدا هزيلاً.. لم تنبث بكلمة, وأنا لا زلت متشبثاً بالبقاء. }
** عودة الى الواقع** ..
**المرأة في القطار**
المرأة تعاود الَكرة.. تتذكر نفسها فى الماضي وتتحسر على نفسها .
{فى المساء غافلت القرية, ألقت بنفسها بين أعواد الغاب, والظلمة تغزو أرجاء المحطة إلا من لمبة وحيدة, تحاول ما استطاعت, شعرت بقدرة اللمبة على تبديد الظلام, فكلما اشتد الحصار حولها كلما بدا ضوءها..
قالت متنهدة: ياه.. هل أعجز عن أن أكون مثل هذه اللمبة؟ كانت الأفكار تغزوها, والكلمات تصارعها.. والأمل يطل ويخبو, وبينما هس كذلك , تداعب جدران حجرتي, أشعر بالأمن.
* * *
العاشرة موعدنا, هكذا قالت, بعدها ستغادر القرية, من أجلك أنت.. يا قطعة مني.. يا قطعة منه.. أقدر ظروفه، رسالته لي تؤكد مجيئه.. لن يخلف أبداً موعداً.. نعم سيأتي.. ثم متحسسة جداري.. ستخرج إلى القرية تتحداه.. هم لا يعرفونه مثلما أعرفه.. لقد أخبرني أنه معي شعر بذاته, أحس بطعم الحياة, كنت نهره الدافق,.. ثم متوجسة.. فهل يكون حصني المنيع؟}
**موقف المرأة في الماضي من خلال ذاكرة الزوج**
يعود الزوج إلى الماضي فيتذكر زوجته من خلال ذاكرتها هى ، حين تهرب من بلدتها وأهلها ؛ لتلحق الحبيب .. تتحدى كل قوانين القرية وأعرافها من أجل حبها ، من أجل رجلها ، يملأها الأمل ، تراهن ... تقامر بكل ما لديها ...
{ألقت بالكلمات من فضاء عقلها المضطرب.. وراحت تترقب الضوء القادم من بعيد.. }
**فقرة اعتراضية هامة لتوضيح أن الزوجة كانت تنساب في عقلها نفس الذكريات المشتركة .. تنفضها وتعود للقطار ، للواقع .
صوت القطار يصفع صمت الظلام, وضوءه يمزق رداءه الثقيل، لمعت عيناها بالفرحة, وارتسمت على شفتيها ابتسامة حذرة..
يتهادى القطار أمام عينيها, ومحاولات دفعه مستمرة, الوجوه الملثمة تتضح شيئاً فشيئًا, والقطار يسير، المشاعل من خلفها تبدِّد حلكة الليل, والفضاء يعج بالصراخ والصخب والريح تقصف بالمكان, لوَّح لها يمكنها الصعود, فالقطار
{يسير بطيئاً, بطيئاً..
لمعت الفرحة في عينيها, قفزت داخله, راحت تقرأ الورقة بسرعة, أحسست بذبذبات جسدها.. كادت تتهاوى.. تماسكت.
كنت أنا الآخر قد كرهت البقاء, قرَّرت الثورة على الخوف.. ربتت على جسدي كي أتمهل.. لم تستطع الصمود أمام ثورتي.. راحت فى غيبوبة عميقة..
خرجت إلى الفضاء صارخاً, تنهدت بعدما أفاقت.. أخرجت لفافة من صدرها.. خلعت عباءتها, لفتني بها, ربطت باللفافة على جسدي.. أحسست فى عينيها شيئاً.. داعبتها بيدي, ابتسمت}

تستعد المرأة بابتسامة معذبة .. تهندم نفسها .. الرجل يستعد هو الآخر .. كل منهما يلقي بحلمه ، بعذاباته ، بداخلياته من القطار قبل أن يتوقف ..
{وفجأةً... ألقت بنفسها من القطار.}
**العبارة الرائعة الخاتمة** ..
ألقت بنفسها من القطار ..-ليس المعنى البحتي للسقوط ؛ فهي تلقى بكل عذابها .. همومها .. مقامرتها الخاسرة .. تستعد للنزول من القطار - بوجه آخر- مع رجل مختلف عن رجل اختارته يوماً وركبت من أجله القطار .
*التعقيب*
في رأيي أن القاص يملك أدوات رائعة ..استعاراته ومكنياته فاقت حد التصور من الإابداع ..لكنه اعتمد فى طريقة سرده على السرد المتتابع والقفز المتلاحق من ذاكرة المرأة إلى ذاكرة الرجل.. ومن واقع الى ماضٍ فى سرعة كانت أكبر بكثير من سرعة استجابة ذهن المتلقى ففقد المتلقي ـ رغما عنه ـ خيط متابعة الأحداث، ووجد نفسه لا شعوريا يريد العودة للقراءة من جديد مرة ومرة ..ساهم فى تعميق هذا الشعور لدى المتلقي وضع الكاتب أحيانا الفواصل فى غير مكانها الصحيح ..
الكاتب الرائع :محمود الديدمونى
وضعت تحليلا متواضعا جدا لرائعتك وهدفى من التحليل ..البناء وليس التفكيك ..هى همسة ..أهمسها على صفحتك حرصا على هذا العمل الرائع..أرجو أن تتقبل همستى لك بسعة صدر.
تحية وشذى
الوردة السوداء
الدكتورة الرائعة / نجلاء طمان
هذه المداخلة الكريمة وضعت يدها على مناطق لم تخطر ببالى
وهذا دور النقد ، فليس من الضرورى أن يكون النص على باب واحد ...
بل من المهم ان تكون الدلالات متعددة
ولعل تعدد دلالات النص والقراءاات لنص ما بغض النظر عن هذا النص ، لهو دليل ثراء النص أو النصوص
أحسست بشىء من الراحة والمتعة وانا اقرأ المداخلة ... وحدثت عندى بعض القناعة بأننى أحاول الكتابة ...
شكرا سيدتى على هذا المرور المشرق والجميل
وتقبلى ودى وتقديرى العميق

هيثم منتصر
15-04-2007, 01:21 AM
الأخ الأديب:محمود الديداموني
------------------
كم كنت أتمني أن أكون داخل هذا القطار
-------------------
أيها الأديب الرائع
رسمت هذه القصه بحنكة شاعر
شكرا لاتاحتك لي الفرصه للاستمتاع بهذه القصه الجميله

محمود الديدامونى
16-04-2007, 10:41 PM
الأديب المبدع " محمود الديداموني "
" القطار " ، " العار " " الفتاة وجنينها " ، " الأم " " أهل القرية "
مفردات قديمة / كائنة ، يبقى التميز في اللغة والأسلوب
وهذا ما استطعت تحقيقه ، بداية من اختيار شخصية " الراوي " والذي يعد راويا مزدوجا في الواقع ، فهو في معظم الأحيان ينقل وجهة نظر " الأخرى " التي تحمله داخلها مما يعطيهما توحدا فيزيائيا ونفسيا ، ويورطنا معه تلقائيا للتعاطف مع الشخصية الرئيسة ،
القصة و أحداثها تدور في إطار سينمائي ،ونجد أنفسنا وقد تم إلقاؤنا في قلب الحدث مباشرة ، لحظة الذروة ، انتظار القطار ، والهرب ، والمطاردة .
ثم الانتقالات التي تشكل مقاطعا بفواصل ، تقوم بدور الفصل بين الحاضر والأحداث الماضية ، وتقوم بدور المشاهد المتتابعة في الفن السينمائي .
تصاعد الأحداث والمطاردة في مشهد النهاية الذي يعيدنا لنفس نقطة البداية ، التزامن ما بين الاختباء بين أعواد الغاب وانتظار القطار ، صوته القادم ، وانعكاس لهب وضوء المشاعل و آلام الوضع ، ثم الخدعة الأخيرة فحين نهدأ أخيرا ونحاول تنفس الصعداء ، فهاهي لحقت بالقطار ، وأخرجت الجنين ، لنفاجأ بها تلقي بنفسها من القطار وتحته .
لم يكن من الغريب اختيار ذلك الشكل السينمائي ، ربما لأن الموضوع نفسه كان من أكثر الموضوعات طرحا في الروايات والسينما المصرية ، بدءا من رواية " دعاء الكروان " ومرورا ب"الحرام " و " حتى " البوسطجي " و " عرق البلح " وغيرها ،
البيئة في تلك الأعمال كانت دائما البيئة الريفية ، ورد الفعل على الفعل هو محو العار بالقتل ، وفي تلك الحالة فإن أقرب الناس ومصدر الأمن والأمان " الوالدين وأفراد العائلة " _
يتحول إلى مصدر الخطر
غريبة تلك القسوة التي تملأ القلوب _ قلوب و أشخاص رغم ما يقال دائما عن أصالتهم و طيبتهم ، إلا أن فعلا كهذا كفيل بتحويلهم إلى وحوش عمياء ، متعطشة للدم ، تحمل المشاعل في الليل لاصطياد فريسة ، بلا رحمة أو شفقة ، أو أي قدرة على المغفرة ، وأحيانا تدفعها لمحو عارها بنفسها وقتل تلك النفس " بداية ونهاية " " عرق البلح " .
ودائما القطار بازدواجيته وتناقضه ، فهو رمز الأمل و اليأس ، الحياة والموت ، الخلاص والتخلص الوحش المعدني الهادر ، ووسيلة الفرار .
كان الوصف معبرا ، ورسم الشخصيات متقن ، خاصة الأم التي تحاول قتل جنين العار والفضيحة في جسد ابنتها بقسوة نابعة من الرحمة والخوف ، محاولاتها المتكررة ثم اخفاقاتها المتكررة أيضا ، حتى يكون ذلك الاستسلام النهائي ، للمصير المحتوم .
ما سبق كان مجرد قراءة ، وتداع للأفكار .
تحياتي وتقديري
جيهان عبد العزيز
الكاتبة الجميلة / جيهان عبد العزيز
مداخلتكم أسعدتنى جدا
واكتسبت مبدعة جديدة بالنسبة لى
ودائما تسعدنى قراءاتك وكتاباتك
ثقديرى العميق

محمود الديدامونى
20-04-2007, 11:30 PM
الأخ الأديب:محمود الديداموني
------------------
كم كنت أتمني أن أكون داخل هذا القطار
-------------------
أيها الأديب الرائع
رسمت هذه القصه بحنكة شاعر
شكرا لاتاحتك لي الفرصه للاستمتاع بهذه القصه الجميله

أشكرك يا صديقى الجميل على تعليقكم الطيب
وفى انتظارك

محمود الديدامونى
22-04-2007, 04:50 PM
فى الواقع لا املك غير ان اعلن أننى مدين لكل الذين شرفونى هنا
واثروا النقاش حول نصى المتواضع
تقديرى العميق لكم جميعا

محمود الديدامونى
01-05-2007, 12:19 PM
لقد وعدنى علاء عيسى بالعودة وما عاد
فهل النص لم يرق لك سيدى

د. سمير العمري
01-05-2007, 10:21 PM
أظنني أقرأ لك للمرة الأولى لأجدك أديباً يمتلك ناصية البيان بلغة سلسة جمسلة ، وأسلوب قصصي مميز هنا أحسنت فيه السردية المباشرة وغير المباشرة في تناغم جميل ، وارتقى أسلوبك فيها بشكل يجعل القراءة المتأنية ضرورة.

دعني أرحب بك أديباً مميزاً ، ودعني أمدح لك ما قرت إلا من دعوة لاستعمال علامات الترقيم بشكل صحيح ومعبر فهي حلية النصوص ومفتاح تفسيرها.


تحياتي

محمود الديدامونى
08-05-2007, 09:45 PM
أظنني أقرأ لك للمرة الأولى لأجدك أديباً يمتلك ناصية البيان بلغة سلسة جمسلة ، وأسلوب قصصي مميز هنا أحسنت فيه السردية المباشرة وغير المباشرة في تناغم جميل ، وارتقى أسلوبك فيها بشكل يجعل القراءة المتأنية ضرورة.
دعني أرحب بك أديباً مميزاً ، ودعني أمدح لك ما قرت إلا من دعوة لاستعمال علامات الترقيم بشكل صحيح ومعبر فهي حلية النصوص ومفتاح تفسيرها.
تحياتي
د/ سمير العمرى
مروركم أسعدنى
وأتمنى أن نقدم شيئا فى مجال الكتابة
أمنياتى لك بالتوفيق
وشكرا لمرورك ثانية