بابيه أمال
21-03-2007, 06:29 PM
عينة من النساء
الوقت ما بعد الظهيرة بقليل، والباص يخطو بخطواته المتثاقلة، أو هكذا خيل لي مع كثرة الإرهاق وأنا جالسة في المقعد الخلفي. أشعة الشمس فعلت مفعولها هي الأخرى برأسي، حيث بدأت السيارات تختفي وتظهر بسرعة جنونية في النصف الآخر من الشارع. استبدلت مكان الجلوس حيث الظل، واتكأت على زجاج النافذة مستسلمة لغفوة ومطمئنة إلى أن الباص لن يقف وقفته الأخيرة إلا بالقرب من بيتنا.
فجأة سمعت أصوات نسوة من خلف ظهري لم ألاحظ وجودهن حين استبدلت المكان، ثم ارتفعت أصواتهن بدرجة كافية لأستغني عن تلك الغفوة محاولة استبدالها بقراءة كتيب صغير لابد وأن يكون في حقيبة يدي..
وصلت عيناي إلى الفصل الأول من الكتيب، لأسمع صوت امرأة من تلك النسوة وهي تتحدث بصوت مخنوق ثم بعبارات باكية لم أفهم منها شيئا، لترتفع أصوات رفيقاتها الثلاث محاولات التخفيف عنها، وكان أن انخرطت في بكاء مرير لفت نظر الكثير من الراكبين غيري..
نظرت بعينين متسائلتين إلى إحدى رفيقاتها، فأخبرتني بصوت خافت أن المسكينة تعاني من مرض العقم الذي هد عقلها وجيبها بالدوران على الأطباء المختصين دون جدوى؛ دعوت المولى لها بالشفاء في سري وعدت لصفحات كتيبي.
خف بكاء المسكينة قليلا، ليغطيه صوت المرأة الجالسة قربها قائلة: "يا زهرة، هؤلاء الأطباء لا يفعلون شيئا غير استلام النقود دون فائدة.. و.."
- "لقد تعبت فعلا وضاقت بي السبل.. أجريت كل التحاليل وبلعت الكثير من الأدوية، ولا فرج هناك مما أنا فيه لحد اليوم..".
- "عقلك ناشف يا زهرة، أما قلت لك اذهبي عند السيد الفقيه وقولي له فقط أنا من طرف حليمة، وهو بإذن الله سيخطط لك "كتابا صغيرا" تحملينه معك وسترين مفعوله في الحين، فقد يكون ما تعانين منه "ثقافا" أو سحرا".
- "هل يده نافعة ؟"
- "نعم بالتجريب، وفي كل شيء. ولا أحد ذهب إليه وهو مريض أو به عكس ولم تقض حاجته، كما أنه لدي الأجر في هذا إن شاء الله.."
أقفلت صفحة الكتاب واستدرت نحوهن في هدوء ظاهري محدثة المرأة المريضة بصوت خافت: "لقد فهمت ما تعانيه سيدتي، ولدي دواء فعال ومجرب سيفيدك إن شاء الله. إن قبلت أقوله لك الآن".
جحظت عينا المسكينة نحوي قائلة: "قوليه لي يا ابتني جازاك الله خيرا".
- "قبل أن أحدثك عنه، هل أنت متأكدة من أن الله سبحانه وتعالى قادر على كل شيء، وأنه يقول للشيء كن فيكون ؟".
- "ونعم بالله يا ابنتي".
- "هل تحافظين على صلاتك في وقتها ؟".
- "الحمد لله. هي صلاة الفجر فقط التي تهرب من بين يدي أحيانا، أسأل الله التوبة والغفران".
- "اللهم آمين. حسنا الدواء بسيط، وهو أن تنامي على وضوء تام، وتستيقظين مستغفرة الله في الثلث الأخير من الليل : أي قرابة الثالثة والنصف صباحا، ثم تتوضئين جيدا وتصلين ركعتين خالصتين لله سبحانه وتعالى. بعد انتهاءك، تسبحين الله كثيرا، وتصلين على النبي صلى الله عليه وسلم، وتضعين دعاءك بين يدي الله، وتختمينه بالصلاة على النبي. بعد ذلك تنتظرين إجابة المولى، وقد تكون في نفس اليوم، أو في اليوم الموالي أو بعد حين. المهم أن لا تقولي يا رب دعوتك أو كذا وكذا ولم تستجب لي، وأن لا تذهبي لأي سيد فقيه، وأن لا تعلقي شيئا مكتوبا في رقع أو ورق أو ما شابه. فكل هذا ليس إلا شركا بالذي خلقك وسيخلق الجنين الذي تنتظرينه بشوق إن شاء، اللهم إلا رقية شرعية بآيات قرآن كريم.. وقد تكون برودة الجسم سببا فيما تعانينه، وحيث أنك عانيت كثيرا وأن الله بيده الداء والدواء، فهذه وسيلتك الوحيدة في الشفاء إن شاء الله".
هدئت قسمات وجه المسكينة لحديثي قليلا لتلتفت عيناها الدامعتين نحو رفيقتها التي قاطعت الحديث مخاطبة إياي بنظرات حادة قائلة:
- "ونعم بالله. ما قلتِه صحيح، كما أنه لا عيب في الذهاب للسيد الفقيه بدل الانتظار المميت. والمسكينة جفت عيناها من الدموع لسنين طويلة خلت، وعلى ما يبدو أنت فتاة شابة ولم تجربي هذا الوضع كيما تحسين بمرارته.."
- "ما نصحتها إلا بخير. وستضع دعاءها إن شاء الله بين يدي من خلق الطبيب والسيد الفقيه والسيدة الفقيهة حتى، وخلقها وسيخلق جنينها بحول وقوة منه. وليتك تكفين سيدتي عما تتحدثين عنه الآن من دعوة صديقتك إلى الشرك بالله، فلن يجديها هذا إلا في تسويد وجهها يوم القيامة، وطبعا سيكون لك الأجر في ذلك بإذن الله".
استدرت عنهن عائدة لصفحات كتيبي ومتوقعة شجارا من السيدة حليمة، وكان أن لطف الله بي، حيث لم تصلني إلا تنهيدات حادة لم تكن بالدرجة الكافية لتدخل عظام ظهري.
خف صوت النسوة شيئا فشيئا فيما تبق من الطريق، لأرفع عيناي ناحية المرأة المسكينة مخاطبة إياي وهي مارة من قربي للنزول في المحطة المقبلة: "بارك الله بك يا ابنتي على ما قلتيه لي، فلم يبق لي ما أنفقه عند الطبيب أو السيد الفقيه".
ما كان مني إلا أن ابتسمت لها بعنين دامعتين على جهلها، سائلة الله من كل قلبي أن تستيقظ صباح يوم غد وهي من النساء الحوامل…
20/03/2007
الوقت ما بعد الظهيرة بقليل، والباص يخطو بخطواته المتثاقلة، أو هكذا خيل لي مع كثرة الإرهاق وأنا جالسة في المقعد الخلفي. أشعة الشمس فعلت مفعولها هي الأخرى برأسي، حيث بدأت السيارات تختفي وتظهر بسرعة جنونية في النصف الآخر من الشارع. استبدلت مكان الجلوس حيث الظل، واتكأت على زجاج النافذة مستسلمة لغفوة ومطمئنة إلى أن الباص لن يقف وقفته الأخيرة إلا بالقرب من بيتنا.
فجأة سمعت أصوات نسوة من خلف ظهري لم ألاحظ وجودهن حين استبدلت المكان، ثم ارتفعت أصواتهن بدرجة كافية لأستغني عن تلك الغفوة محاولة استبدالها بقراءة كتيب صغير لابد وأن يكون في حقيبة يدي..
وصلت عيناي إلى الفصل الأول من الكتيب، لأسمع صوت امرأة من تلك النسوة وهي تتحدث بصوت مخنوق ثم بعبارات باكية لم أفهم منها شيئا، لترتفع أصوات رفيقاتها الثلاث محاولات التخفيف عنها، وكان أن انخرطت في بكاء مرير لفت نظر الكثير من الراكبين غيري..
نظرت بعينين متسائلتين إلى إحدى رفيقاتها، فأخبرتني بصوت خافت أن المسكينة تعاني من مرض العقم الذي هد عقلها وجيبها بالدوران على الأطباء المختصين دون جدوى؛ دعوت المولى لها بالشفاء في سري وعدت لصفحات كتيبي.
خف بكاء المسكينة قليلا، ليغطيه صوت المرأة الجالسة قربها قائلة: "يا زهرة، هؤلاء الأطباء لا يفعلون شيئا غير استلام النقود دون فائدة.. و.."
- "لقد تعبت فعلا وضاقت بي السبل.. أجريت كل التحاليل وبلعت الكثير من الأدوية، ولا فرج هناك مما أنا فيه لحد اليوم..".
- "عقلك ناشف يا زهرة، أما قلت لك اذهبي عند السيد الفقيه وقولي له فقط أنا من طرف حليمة، وهو بإذن الله سيخطط لك "كتابا صغيرا" تحملينه معك وسترين مفعوله في الحين، فقد يكون ما تعانين منه "ثقافا" أو سحرا".
- "هل يده نافعة ؟"
- "نعم بالتجريب، وفي كل شيء. ولا أحد ذهب إليه وهو مريض أو به عكس ولم تقض حاجته، كما أنه لدي الأجر في هذا إن شاء الله.."
أقفلت صفحة الكتاب واستدرت نحوهن في هدوء ظاهري محدثة المرأة المريضة بصوت خافت: "لقد فهمت ما تعانيه سيدتي، ولدي دواء فعال ومجرب سيفيدك إن شاء الله. إن قبلت أقوله لك الآن".
جحظت عينا المسكينة نحوي قائلة: "قوليه لي يا ابتني جازاك الله خيرا".
- "قبل أن أحدثك عنه، هل أنت متأكدة من أن الله سبحانه وتعالى قادر على كل شيء، وأنه يقول للشيء كن فيكون ؟".
- "ونعم بالله يا ابنتي".
- "هل تحافظين على صلاتك في وقتها ؟".
- "الحمد لله. هي صلاة الفجر فقط التي تهرب من بين يدي أحيانا، أسأل الله التوبة والغفران".
- "اللهم آمين. حسنا الدواء بسيط، وهو أن تنامي على وضوء تام، وتستيقظين مستغفرة الله في الثلث الأخير من الليل : أي قرابة الثالثة والنصف صباحا، ثم تتوضئين جيدا وتصلين ركعتين خالصتين لله سبحانه وتعالى. بعد انتهاءك، تسبحين الله كثيرا، وتصلين على النبي صلى الله عليه وسلم، وتضعين دعاءك بين يدي الله، وتختمينه بالصلاة على النبي. بعد ذلك تنتظرين إجابة المولى، وقد تكون في نفس اليوم، أو في اليوم الموالي أو بعد حين. المهم أن لا تقولي يا رب دعوتك أو كذا وكذا ولم تستجب لي، وأن لا تذهبي لأي سيد فقيه، وأن لا تعلقي شيئا مكتوبا في رقع أو ورق أو ما شابه. فكل هذا ليس إلا شركا بالذي خلقك وسيخلق الجنين الذي تنتظرينه بشوق إن شاء، اللهم إلا رقية شرعية بآيات قرآن كريم.. وقد تكون برودة الجسم سببا فيما تعانينه، وحيث أنك عانيت كثيرا وأن الله بيده الداء والدواء، فهذه وسيلتك الوحيدة في الشفاء إن شاء الله".
هدئت قسمات وجه المسكينة لحديثي قليلا لتلتفت عيناها الدامعتين نحو رفيقتها التي قاطعت الحديث مخاطبة إياي بنظرات حادة قائلة:
- "ونعم بالله. ما قلتِه صحيح، كما أنه لا عيب في الذهاب للسيد الفقيه بدل الانتظار المميت. والمسكينة جفت عيناها من الدموع لسنين طويلة خلت، وعلى ما يبدو أنت فتاة شابة ولم تجربي هذا الوضع كيما تحسين بمرارته.."
- "ما نصحتها إلا بخير. وستضع دعاءها إن شاء الله بين يدي من خلق الطبيب والسيد الفقيه والسيدة الفقيهة حتى، وخلقها وسيخلق جنينها بحول وقوة منه. وليتك تكفين سيدتي عما تتحدثين عنه الآن من دعوة صديقتك إلى الشرك بالله، فلن يجديها هذا إلا في تسويد وجهها يوم القيامة، وطبعا سيكون لك الأجر في ذلك بإذن الله".
استدرت عنهن عائدة لصفحات كتيبي ومتوقعة شجارا من السيدة حليمة، وكان أن لطف الله بي، حيث لم تصلني إلا تنهيدات حادة لم تكن بالدرجة الكافية لتدخل عظام ظهري.
خف صوت النسوة شيئا فشيئا فيما تبق من الطريق، لأرفع عيناي ناحية المرأة المسكينة مخاطبة إياي وهي مارة من قربي للنزول في المحطة المقبلة: "بارك الله بك يا ابنتي على ما قلتيه لي، فلم يبق لي ما أنفقه عند الطبيب أو السيد الفقيه".
ما كان مني إلا أن ابتسمت لها بعنين دامعتين على جهلها، سائلة الله من كل قلبي أن تستيقظ صباح يوم غد وهي من النساء الحوامل…
20/03/2007