محمد المختار زادني
23-03-2007, 06:22 PM
نحن والطبيعة
عالم النبات، بهجة الطبيعة وكنز الأسرار المبهر؛ على نفس البقعة من الأرض في مكان ما تنمو نبتة سامة تقتل آكلها بينما تنمو أخرى تتغذى عليها العاشبة ، فتمدها بما تحتاجه لحفظ الاستمرار على قيد الحياة، ونبتة ثالثة تكون شوكية ، ورابعة تختزن أوراقها الماء وأخرى تتغذى على الحشرات. في كل نبتة أسرار مستورة لم يعرف منها الناس إلا القليل. وهكذا نجد عالما بأكمله يشترك في بعض الخصائص ويتباين في غيرها. يبقى النبات في غنى عن خاصيتي الزحف والمشي إذ لا حاجة به إلى التنقل بل يعتمد على عوامل أخرى لنقل بذوره إلى جهات مختلفة من محيطه قد تكون جد بعيدة من منبته، ويختلف في أشكاله وألوانه وتفاعله مع العالم الحي من حوله ...
كانت محاولات الإنسان الأولى لسبر أغوار هذا الكنز العجيب موفقة في تصنيف عالم النباتات إلى فصائل وأجناس وفئات وغيرها تبعا لما دوّنه من ملاحظات، وما قام به من مقارنة لأشكال الأوراق والزهرات والبذور وغيرها قبل أن تظهر التقنيات الحديثة التي حوّلت ما كان طبيعيا إلى مصطنع بتدخل الإنسان بشكل سافر تارة لغرض انتقاء الأجود وأخرى سعيا وراء الرغبة في إثبات السيطرة على الطبيعة الحرة وإثبات القدرة على التحكم في ما تنتجه كمّا وكيفا.
وبظهور تقنيات المعالجة الجينية؛ بتنا نشهد مسخا لطبيعة ما نأكله وما نشربه، وتغيرت أذواقنا، وتبدلت أجسادنا صحّتها بهشاشة العظام وبالأرق وبتذبذب ثوابتها، فسيطر على حياتنا السأم والقلق. نسينا اخضرار التلال وبهجة السهول حين يكسوها البساط المزهر جمالا أخّاذا يملأ النفس حبورا وارتياحا . ونسينا أنسام الفجر العليلة وهبوبها على شواطئ البحر وعلى ضفاف المروج الزاهية قبيل الشروق، ولم يعد الواحد منا يقف أوان الأصيل على ربوة لينعم بمشهد أطياف الأنوار الذهبية المتراقصة على الشفق قبيل الغروب، لأننا نعاني من ضغط الزمن ولا وقت لدينا لمثل هذه اللحظات الرومانسية! لم نعد نتأمل إكليل الجبل ولا وريقات الخزامى ولا الزعتر ولا سوق النعناع ولا فروع الخيزران المياسة ولا زهر الليمون الفواح. أبصارنا غدت كليلة من ومضات الأضواء الكهربائية على شاشات "التلفاز" ، وأسماعنا تشغلها الغوغاء الصوتية والضجيج المنبعث من الآلات المحيطة بنا من كل صوب؛ طائرات تسبح في الأجواء مجلجلة بالأعالي وشاحنات مدوية على الطرقات وبين الجبال ، وموسيقا صاخبة ببيت الجيران ، ودراجات نارية تجوب الشوارع وأخبار دمار وتفجيرات تذيعها الأبواق !
وبعودة إلى مائة سنة خلت، تخبرنا الدراسات أننا نفقد عادات وصفات من طبيعتنا، وأننا نجري وراء سراب تقودنا له أطماع الحمقى ويسلبنا جشع البنوك أغلى ما نملك من نعم : متعة الحياة في الطبيعة ... ونتحول بالتدريج إلى آلات بشرية تعيش في هلع وخوف دائم من أوهام الجوع والفقر والمرض ، نتوهم الرفاهية في الفيض النقدي وتراكم رأس المال وهو في أيد خبيثة تسخره في ما أشقى ويشقي بني البشر بصورة أكثر بشاعة مما كانت عليه في سابق الدهور. لنتأمل كيف عاش الإنسان منذ بداية الخليقة إلى ما قبل القرن الماضي؛ كان إنسانا ذا قيم وعقيدة وكانت له طموحات وآمال طبعت سمات حياته بلون الظروف التي عاشها فكتب لنا في أسلوب جميل ليرسم صور الحياة بكل ألوانها فرحا وحزنا وجمالا وقبحا وسعة وضيقا وكراهية وحبا وترك لنا موروثا علميا وعمرانيا وأدبيا وفنيا. تغنى بالطبيعة فأجاد، ووصف فأبدع، ودرس فأثرى واقنع ... ونحن الآن ندمر ونبذر ونخسر كل لحظة أجمل ما لدينا من إحساس بالجمال، لأننا نسينا أمنا الطبيعة ، وتنكرنا لها ولنعمها واستبدلنا سحرها بالصور المزورة لكل ما له الجدوى والفعل في غذائنا ومرتعنا ومحيطنا وواقعنا فتدهورت صحتنا الجسمية والنفسية إلى وضع بات يثير الشفقة. واستمر عالم النبات في كتمان أسراره وتحديه لكل ما أنتجه الإنسان لتزداد الدهشة عند الباحثين ويكبر استغراب الغافلين لما يتكشف من أسرار هذا الكنز المبهر.
عالم النبات، بهجة الطبيعة وكنز الأسرار المبهر؛ على نفس البقعة من الأرض في مكان ما تنمو نبتة سامة تقتل آكلها بينما تنمو أخرى تتغذى عليها العاشبة ، فتمدها بما تحتاجه لحفظ الاستمرار على قيد الحياة، ونبتة ثالثة تكون شوكية ، ورابعة تختزن أوراقها الماء وأخرى تتغذى على الحشرات. في كل نبتة أسرار مستورة لم يعرف منها الناس إلا القليل. وهكذا نجد عالما بأكمله يشترك في بعض الخصائص ويتباين في غيرها. يبقى النبات في غنى عن خاصيتي الزحف والمشي إذ لا حاجة به إلى التنقل بل يعتمد على عوامل أخرى لنقل بذوره إلى جهات مختلفة من محيطه قد تكون جد بعيدة من منبته، ويختلف في أشكاله وألوانه وتفاعله مع العالم الحي من حوله ...
كانت محاولات الإنسان الأولى لسبر أغوار هذا الكنز العجيب موفقة في تصنيف عالم النباتات إلى فصائل وأجناس وفئات وغيرها تبعا لما دوّنه من ملاحظات، وما قام به من مقارنة لأشكال الأوراق والزهرات والبذور وغيرها قبل أن تظهر التقنيات الحديثة التي حوّلت ما كان طبيعيا إلى مصطنع بتدخل الإنسان بشكل سافر تارة لغرض انتقاء الأجود وأخرى سعيا وراء الرغبة في إثبات السيطرة على الطبيعة الحرة وإثبات القدرة على التحكم في ما تنتجه كمّا وكيفا.
وبظهور تقنيات المعالجة الجينية؛ بتنا نشهد مسخا لطبيعة ما نأكله وما نشربه، وتغيرت أذواقنا، وتبدلت أجسادنا صحّتها بهشاشة العظام وبالأرق وبتذبذب ثوابتها، فسيطر على حياتنا السأم والقلق. نسينا اخضرار التلال وبهجة السهول حين يكسوها البساط المزهر جمالا أخّاذا يملأ النفس حبورا وارتياحا . ونسينا أنسام الفجر العليلة وهبوبها على شواطئ البحر وعلى ضفاف المروج الزاهية قبيل الشروق، ولم يعد الواحد منا يقف أوان الأصيل على ربوة لينعم بمشهد أطياف الأنوار الذهبية المتراقصة على الشفق قبيل الغروب، لأننا نعاني من ضغط الزمن ولا وقت لدينا لمثل هذه اللحظات الرومانسية! لم نعد نتأمل إكليل الجبل ولا وريقات الخزامى ولا الزعتر ولا سوق النعناع ولا فروع الخيزران المياسة ولا زهر الليمون الفواح. أبصارنا غدت كليلة من ومضات الأضواء الكهربائية على شاشات "التلفاز" ، وأسماعنا تشغلها الغوغاء الصوتية والضجيج المنبعث من الآلات المحيطة بنا من كل صوب؛ طائرات تسبح في الأجواء مجلجلة بالأعالي وشاحنات مدوية على الطرقات وبين الجبال ، وموسيقا صاخبة ببيت الجيران ، ودراجات نارية تجوب الشوارع وأخبار دمار وتفجيرات تذيعها الأبواق !
وبعودة إلى مائة سنة خلت، تخبرنا الدراسات أننا نفقد عادات وصفات من طبيعتنا، وأننا نجري وراء سراب تقودنا له أطماع الحمقى ويسلبنا جشع البنوك أغلى ما نملك من نعم : متعة الحياة في الطبيعة ... ونتحول بالتدريج إلى آلات بشرية تعيش في هلع وخوف دائم من أوهام الجوع والفقر والمرض ، نتوهم الرفاهية في الفيض النقدي وتراكم رأس المال وهو في أيد خبيثة تسخره في ما أشقى ويشقي بني البشر بصورة أكثر بشاعة مما كانت عليه في سابق الدهور. لنتأمل كيف عاش الإنسان منذ بداية الخليقة إلى ما قبل القرن الماضي؛ كان إنسانا ذا قيم وعقيدة وكانت له طموحات وآمال طبعت سمات حياته بلون الظروف التي عاشها فكتب لنا في أسلوب جميل ليرسم صور الحياة بكل ألوانها فرحا وحزنا وجمالا وقبحا وسعة وضيقا وكراهية وحبا وترك لنا موروثا علميا وعمرانيا وأدبيا وفنيا. تغنى بالطبيعة فأجاد، ووصف فأبدع، ودرس فأثرى واقنع ... ونحن الآن ندمر ونبذر ونخسر كل لحظة أجمل ما لدينا من إحساس بالجمال، لأننا نسينا أمنا الطبيعة ، وتنكرنا لها ولنعمها واستبدلنا سحرها بالصور المزورة لكل ما له الجدوى والفعل في غذائنا ومرتعنا ومحيطنا وواقعنا فتدهورت صحتنا الجسمية والنفسية إلى وضع بات يثير الشفقة. واستمر عالم النبات في كتمان أسراره وتحديه لكل ما أنتجه الإنسان لتزداد الدهشة عند الباحثين ويكبر استغراب الغافلين لما يتكشف من أسرار هذا الكنز المبهر.