تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : استراتيجية الوصول في الرباعية الأخيرة للشاعر مصطفى عراقي



عبد القادر رابحي
25-03-2007, 08:25 PM
مقدمة

لم تكن الرباعية-بوصفها تميزا شكليا و عدديا -في يوم من الأيام مجرد تقسيم حجمي لمساحة البوح التي هي القصيدة..
إن مفهوم "الرباعية يتجاوز ذلك التأطير الشكلي الظاهر ، و يحاول الوصول إلى أعماق الفرن الإبداعي من أجل ضغط المساحة و تكثيف المرافعة الشعرية التي ليس بإمكانها أن تمتد إلى ما لا يصير شعرا من منظور القارئ..
إن الرباعية توجهُ فلسفي لضبط حجم المعاناة الشعرية و إدراجها في إيقونة المعنى لتصبح دالة على نفسها و دالة على العالم في الوقت نفسه..
إن الرباعية اختصار للعالم و اكتناز للمعنى حتى لكأن الكلمات الدوال تكاد تنفجر بمدلولاتها..
ليس في وسع أي شاعر أن يكتب"الرباعية"..
إن الرباعية عطاء..هكذا يأتي..و لا يأتي لكل الشعراء....لأن القليل منهم من يعرف مناداة الرباعية و إغرائها و الإيقاع بها..لأن الرباعية بالذات تحب "الإيقاع"- و الإيقاع هنا بالمعنى الموسيقي كذلك- بها.. لوحدها،و لذلك فهي تتميز عن غيرها من الرباعيات الأخرى :
- بمعانيها..التي تشكل وحدة مستقلة تدل على ، و توحي بـ ..
- بصلتها الخفية بمعاني من سبقها و من لحق بها من الرباعيات..
- بقافيتها و رويها..اللذين يختلفان عن الرباعيات الأخرى(لأنها تريد التميز عن الأخريات- وهذا حال الرباعيات من كل خلق- بخصوصية ذائقتها عند المتلقي..فهي لا توجد إلا لتستمر في الذوبان و العطاء لأن معانيها مكتنزة..
- بوضوحها(لأن الغموض في هذه الحالة لا يُسكر..) لأن المتعة الشعرية إنما تأتي من كثرة الوضوح المشع..الذي يترك في النفس آثارا مخلة بالبناء السابق ...مؤسسة لبناء جديد في نفس القارئ المتلقي
إن الرباعية تُعطي و تأخذ..



قراءة أولية:

سأحاول أن اقرأ الرباعية الأخيرة بمعزل عن الرباعيات السابقة و بمعزل عن القراءة القيمة التي قدمها الأستاذ أحمد حسن ممد عن الرباعية الأولى..و ذلك حتى تكون أصوات التلقي متعددة.. في وجهة النظر و في الطرح .. و في المقاربة..

الرباعية كاملةً
دعيني في سـمـــــائكِ طائرًا يأتي ، ويرْتحِلُ
خذيني في خيــــالك فارسًا للحُلْمِ لا يصــلُ
تعـــاليْ وارقُبي قلبـي ففيـه النـــارُ تشتــــعلُ
وسِيرِي في الطريقِ معي عَسَى أن يُولَدَ الأمَلُ


أولا: دعيني في سـمـــــائكِ طائرًا يأتي ، ويرْتحِلُ
- على غير ما توحي به كلمةّ"دعيني"من معنى يوحي بالعزوف و ترك الأمر،فإنها في هذه الرباعية الأخيرة هي دعوة للتحليق بما توحي به كلمة تحليق من حرية يتحقق من خلالها معنيان أساسيان في الربع الأول من الرباعية و هما :حرية الارتحال و العودة.. و جاء معنى العودة في صورة لغوية مخالفة هي "يأتي" للتأكيد على أنها سابقة على الارتحال..و كأن الشاعر يريد أن يقول ألا ارتحال بلا مجيء و لا سفر بدون عودة..و كأنه يريد أن يقول إن كل الذين ارتحلوا و سافروا.. فهم لم يفعلوا ذلك إلا لأنهم "عادوا" أولا.. إي «جاءوا"..و هو المعنى الفلسفي الذي يحققه الربع الأول من الرباعية الأخيرة من خلال الإصرار "الأمري" على المناداة بالدعوة إلى العودة.. و هي في حقيقة الأمر الشعري.."عودة إلى دعوة" ححقها الشاعر في الفعلين الأخير من الربع الأول و هما:"يأتي" و"يرتحل".. إذن ثمة مطالبة بحرية التحليق و حرية المجئ و العودة و حرية الدعوة إليهما بصورة الإصرار على التخلص من شئ ما يثقل كاهل الشاعر.. غير أن في هذا الإصرار نوعا من المكابدة الشعرية التي تتصف بصفة الأناقة و تتلبس لبوس" الرجاء ".. فهي توحي بلباقة المعنى و هو يحاول أن يبث صورة الأمر الثائرة على الوضع المعاكس للذهاب و المجئ (حرية)، في صورة الرجاء التي توحي بها كلمة "دعيني"..
ثانيا: خذيني في خيــــالك فارسًا للحُلْمِ لا يصــلُ

- يتأكد هذا الرجاء من خلال فعل "خذيني" في الربع الثاني من الرباعية الأخيرة..و ذلك بالمطالبة بمساحة الحرية التي لا بد إن الشاعر أرسى دعائمها في الربع الأول من خلال التأكيد على وسائل تحقيق منظور "الحرية"..حرية العودة و الارتحال بإرادة لا تتحكم فيها إرادة أخرى غير إرادة الشاعر الأساسية.. و نفهم جيد لماذا كان أساسُ"الأمر" في"دعيني" مغلفا بالرجاء المستحوذ على معنى الأمر..ذلك أن هذا الأمر إنما هو موجه إلى من هو موجه إليه خطاب الشاعر .. و من هو موجهٌ إليه خطاب الشاعر في هذا الربع الثاني هو الشخص نفسه الذي يمتلك المجال الذي يريد الشاعر أن يحقق من خلاله فعليّ العودة و الرحيل. و لا يسعنا هنا تحديد نوع المجال حتى تبقى القراءة مفتوحة على جميع الاحتمالات.. غير أننا نؤكد على استراتيجية النسج الشعري من خلال الترابط المنطقي بين كلمة" الحلم" و "الفارس"و "الوصول".. و هي استراتيجية تتصل بمنابع الإبداع و بمنطقه غير المبرر رياضيا و حسابيا..فنحن هنا في منطق الشعر الذي يتجاوز المنطق المبني على المقدمات و النتائج الأرسطية.. فلا ضير من أن تسبق النتائج ُ المقدمات وفق منطق الشعر في الربع الأول..حيث سبقت العودةُ الوصول.. و لا مناص في الربع الثاني من الانقلاب على هذا المنطق من خلال التأكيد على مساحة الحرية التي استدعت قلبه و الابتداء بالعودة.. و من ثمة التأسيس لوضعية يستدعيها تحقيق العلاقة الوجودية بين المفردات الثلاث المستعملة في الربع الثاني. و هي مفردات بإمكاتنا قراءتها بالصورة التالية:
-1-الخيال ـــــ مساحة ـــــ مكان = غير واقعي ـــــ إذن شعري
-2- الفارس ـــــ الرجل ـــــ الشاعر = واقعي ـــــــ إذن شعري
-3- الوصول ــــــــ رحلة ـــــــ مسافة = واقعية/غير واقعية ـــ شعري
و حتى و إن بدا الجانب التخييلي/ الافتراضي في العلاقة بين تحقيق الرحلة و تحقيق أدواتها واضحا، فإننا نؤكد على البناء المرئي الحالم الذي يريد الشاعر أن يصل إليه من خلال تحديد مكان الوصول من جهة و التأكيد على استحالة تحقيقه من جهة أخرى.. و هي صورة تبرز مدى التعاكس الموجود في النص و الذي يحاول أن يتخفى في شعرية النص على الرغم من العناصر الواقعية الموجودة في النص و التي لا يتحقق أي حلم بدونها و هي: (الخيا ل ـــ المكان) و ( الفارس ـــ الانسان ) و ( الوصول ـــ الزمان).. كيف يمكن ألا نصل في هذه الحالة.. و ما هو سبب عدم الوصول؟؟هل هو بسبب العناصر الوجودية المتوفرة لتحقيق فرضية الوصول..أم هو سبب آخر؟؟ و هل بإمكاننا أن نصل للحلم..؟؟ إي لتحقيق الحلم..؟؟هل الحلم محطة نهائية للشاعر يريد من خلالها أن يحقق حرية الذهاب و المجيء و العودة؟؟ هل الحلم هو نفسه الشخص الموجه إليه خطاب الشاعر و الذي يمتلك في الوقت نفسه مساحة الخيال؟؟؟
-ثالثا- تعـــاليْ وارقُبي قلبـي ففيـه النـــارُ تشتــــعلُ

يحيلنا الشاعر في الربع الثالث من الرباعية الأخيرة إلى العديد من المعطيات التخييلية و الشعرية التي بإمكانها أن تجيب عن مجموع التساؤلات المتبقية في الربع الثالث ..
ففي هذه الربع يبدو الأمر – المقصد- أكثر وضوحا من خلال المعاودة في توجيه الخطاب إلى من هو موجه له الخطاب عن طريق فعل أمر آخر يٌظهر التعاكس في الرحلة..و كأن شاعرنا قد وصل فعلا إلى محطة أخيرة في رحلته تسمى "لا وصول" و هي في حقيقة الأمر محطة الحلم الذي لا يفهمه إلا صاحبه..و هذا الفعل هو.. "تعالي" إلى حيث اللاوصول.. إلى حيث الحلم الدائم غير المنتهي.. الحلم إلي تصبح فيه العذابات جوهر الوجود و المكابدات أدوات لتحقيقه..و حتى و إن بدا نوع من التناقض الظاهر بين فعلي"دعيني" في الربع الأول و "تعالي" في الربع الثالث.. فإن هذا التناقض يبدو مبررا تبريرا إبداعيا من خلال الوصول غل تحقيق الرحلة غير المكتملة (وصول الشاعر الذي هو في الحقيقة الشعرية..لا وصول) و الإشهاد (إشهاد الشخص المراد الوصول إليه ) على تحقيق الوصول إلى الرحلة غير المكتملة... و لا يتم عنصر الإشهاد إلا من خلال تأمين حقيقة اللاوصول الشعرية بمبدأ الحرقة في القلب الذي "فيه تشتعل النار"
عن شاعرنا يقترب هنا من المصطلح الصوفي الذي تأخذ فيه الكلمات أبعادا غير الأبعاد التي نفهم من خلالها نحن القراء العاديون فرضية الوصول و مبدأ الحرقة و وعاء القلب.. و نداء الحبيبة الذي ظهر متخفّيا في صورة"تعالي"...
-رابعا- وسِيرِي في الطريقِ معي عَسَى أن يُولَدَ الأمَلُ

يتخذ البناء الرباعي صورة أكثر وضوحا في الربع الأخير من الرباعية التي من المفروض- و هذا هو مبدأ الرباعيات عموما- أن تنم عن أمل في الحل- حل العقدة على الطريقة المسرحية- و لا يمكن بأية حال من الأحوال ألا تشي الرباعية بشئ من أسرارها أو بجل أسرارها في الربع الأخير.. و هنا يظهر بناء العلاقات بين الكلمات السالفة الذكر بصورة أكثر وضوحا من خلال بأن "اللوصول" ما هو في حقيقة الأمر الشعري إلا محطة- و ربما كان لا وصولا لهذا السبب بالذات- للرحيل..للإنتظار.. للمكابدة.. للحرقة.. لتحقيق اللقاء الذي به يتم السير الجديد في الرحلة الحقيقية الرحلة التي يحقق من خلالها الشاعر ذاته تحقيقا وجوديا و شعريا من أجل الوصول إلى الأمل..
خاتمة:
ثمة شئ من فريد الدين العطار في كتابه "منطق الطير" و رحلته المشهورة " الرحيل إلى السيمرج"... و ثمة بعد صوفي داخلي متخفٍ حتى و إن حاول ا لشاعر إظهار غيره من الأبعاد التي تسيّرها الرباعية الأخيرة..
كما أن القصيدة تحتاج إلى وقت أكثر لتحليل المفاتيح المتروكة على أبواب الكلمات من طرف الشاعر....غير أن هناك عنصرا مهما عادة يلعب دور الفاصل الحقيقي بين النصوص التي تجد لها مكانا في الوجود و غيرها من النصوص الأخرى المتراكمة المتآكلة .. و هذا العنصر هو القدرة على صياغة المعاني العميقة في الكلمات البسيطة .. و الخروج بالنص مكتملا من رحم المعنى إلى رحابة الأخذ و العطاء..عبد القادر رابحي..
سعيدة في:25/03/07

محمد الأمين سعيدي
25-03-2007, 09:04 PM
:001: الله الله ..
جميل أنت يا أستاذي الفاضل ..
ذكرتني هذه الدراسة بأيامي الجميلة التي أمضيتها مع كتابك الرائع النص و التقعيد ..
لو علم طلبة المذكرات ما تكتب هنا لوفدوا إلى الواحة مثنى و ثلاث و رباع ووووووووو
تقبل تحياتي أستاذي الرائع..

أحمد حسن محمد
25-03-2007, 09:12 PM
الله أكبر...
جعلتني في صراع يا أخي وأستاذي الطيب الكبير..
أتدري لو كنت مشرفاً كما كنت من قبل في قسم النقد هنا للممت تجربتي ورحلت والحمرة تكسو وجهي كتدفق نهري..
لكن أقول لك الحمد لله.. أنني لست الآن كذلك..
لأني قدمتها هدية لا أدري كيف يقدرها الدكتور مصطفى،ـ ولكن أرجو أن يكون لها قبول عنده..

أثبات العلاقات في النص الشعري.. هي قمة النقد وزدت عني في أكثر من كثير، وذلك طبعي جدا في أن يفوق أستاذ تلميذَه .. فأنت تملك القانونية الأكاديمية لو صحت تعبيراتي، وتملك ميزة الترتيب الصارم، والتفوق اللذيذ على كل حال..
وفوق هذا وهذا تملك قلبا يحبك ..

تحيات أحمد "المنحرج""""""!!!!!!"""

مجذوب العيد المشراوي
25-03-2007, 10:33 PM
قرأنا واستفدنا من أكاديميتك الرزينة ...

رابحي 10/10

مجذوب العيد المشراوي
25-03-2007, 10:55 PM
أحمد قرأت لك هنا وهناك جيد ما تنثره من ملامح نقدية رائعة

د. مصطفى عراقي
26-03-2007, 02:45 PM
مقدمة
لم تكن الرباعية-بوصفها تميزا شكليا و عدديا -في يوم من الأيام مجرد تقسيم حجمي لمساحة البوح التي هي القصيدة..
إن مفهوم "الرباعية يتجاوز ذلك التأطير الشكلي الظاهر ، و يحاول الوصول إلى أعماق الفرن الإبداعي من أجل ضغط المساحة و تكثيف المرافعة الشعرية التي ليس بإمكانها أن تمتد إلى ما لا يصير شعرا من منظور القارئ..
إن الرباعية توجهُ فلسفي لضبط حجم المعاناة الشعرية و إدراجها في إيقونة المعنى لتصبح دالة على نفسها و دالة على العالم في الوقت نفسه..
إن الرباعية اختصار للعالم و اكتناز للمعنى حتى لكأن الكلمات الدوال تكاد تنفجر بمدلولاتها..
ليس في وسع أي شاعر أن يكتب"الرباعية"..
إن الرباعية عطاء..هكذا يأتي..و لا يأتي لكل الشعراء....لأن القليل منهم من يعرف مناداة الرباعية و إغرائها و الإيقاع بها..لأن الرباعية بالذات تحب "الإيقاع"- و الإيقاع هنا بالمعنى الموسيقي كذلك- بها.. لوحدها،و لذلك فهي تتميز عن غيرها من الرباعيات الأخرى :
- بمعانيها..التي تشكل وحدة مستقلة تدل على ، و توحي بـ ..
- بصلتها الخفية بمعاني من سبقها و من لحق بها من الرباعيات..
- بقافيتها و رويها..اللذين يختلفان عن الرباعيات الأخرى(لأنها تريد التميز عن الأخريات- وهذا حال الرباعيات من كل خلق- بخصوصية ذائقتها عند المتلقي..فهي لا توجد إلا لتستمر في الذوبان و العطاء لأن معانيها مكتنزة..
- بوضوحها(لأن الغموض في هذه الحالة لا يُسكر..) لأن المتعة الشعرية إنما تأتي من كثرة الوضوح المشع..الذي يترك في النفس آثارا مخلة بالبناء السابق ...مؤسسة لبناء جديد في نفس القارئ المتلقي
إن الرباعية تُعطي و تأخذ..
قراءة أولية:
سأحاول أن اقرأ الرباعية الأخيرة بمعزل عن الرباعيات السابقة و بمعزل عن القراءة القيمة التي قدمها الأستاذ أحمد حسن ممد عن الرباعية الأولى..و ذلك حتى تكون أصوات التلقي متعددة.. في وجهة النظر و في الطرح .. و في المقاربة..
الرباعية كاملةً
دعيني في سـمـــــائكِ طائرًا يأتي ، ويرْتحِلُ
خذيني في خيــــالك فارسًا للحُلْمِ لا يصــلُ
تعـــاليْ وارقُبي قلبـي ففيـه النـــارُ تشتــــعلُ
وسِيرِي في الطريقِ معي عَسَى أن يُولَدَ الأمَلُ
أولا: دعيني في سـمـــــائكِ طائرًا يأتي ، ويرْتحِلُ
- على غير ما توحي به كلمةّ"دعيني"من معنى يوحي بالعزوف و ترك الأمر،فإنها في هذه الرباعية الأخيرة هي دعوة للتحليق بما توحي به كلمة تحليق من حرية يتحقق من خلالها معنيان أساسيان في الربع الأول من الرباعية و هما :حرية الارتحال و العودة.. و جاء معنى العودة في صورة لغوية مخالفة هي "يأتي" للتأكيد على أنها سابقة على الارتحال..و كأن الشاعر يريد أن يقول ألا ارتحال بلا مجيء و لا سفر بدون عودة..و كأنه يريد أن يقول إن كل الذين ارتحلوا و سافروا.. فهم لم يفعلوا ذلك إلا لأنهم "عادوا" أولا.. إي «جاءوا"..و هو المعنى الفلسفي الذي يحققه الربع الأول من الرباعية الأخيرة من خلال الإصرار "الأمري" على المناداة بالدعوة إلى العودة.. و هي في حقيقة الأمر الشعري.."عودة إلى دعوة" ححقها الشاعر في الفعلين الأخير من الربع الأول و هما:"يأتي" و"يرتحل".. إذن ثمة مطالبة بحرية التحليق و حرية المجئ و العودة و حرية الدعوة إليهما بصورة الإصرار على التخلص من شئ ما يثقل كاهل الشاعر.. غير أن في هذا الإصرار نوعا من المكابدة الشعرية التي تتصف بصفة الأناقة و تتلبس لبوس" الرجاء ".. فهي توحي بلباقة المعنى و هو يحاول أن يبث صورة الأمر الثائرة على الوضع المعاكس للذهاب و المجئ (حرية)، في صورة الرجاء التي توحي بها كلمة "دعيني"..
ثانيا: خذيني في خيــــالك فارسًا للحُلْمِ لا يصــلُ
- يتأكد هذا الرجاء من خلال فعل "خذيني" في الربع الثاني من الرباعية الأخيرة..و ذلك بالمطالبة بمساحة الحرية التي لا بد إن الشاعر أرسى دعائمها في الربع الأول من خلال التأكيد على وسائل تحقيق منظور "الحرية"..حرية العودة و الارتحال بإرادة لا تتحكم فيها إرادة أخرى غير إرادة الشاعر الأساسية.. و نفهم جيد لماذا كان أساسُ"الأمر" في"دعيني" مغلفا بالرجاء المستحوذ على معنى الأمر..ذلك أن هذا الأمر إنما هو موجه إلى من هو موجه إليه خطاب الشاعر .. و من هو موجهٌ إليه خطاب الشاعر في هذا الربع الثاني هو الشخص نفسه الذي يمتلك المجال الذي يريد الشاعر أن يحقق من خلاله فعليّ العودة و الرحيل. و لا يسعنا هنا تحديد نوع المجال حتى تبقى القراءة مفتوحة على جميع الاحتمالات.. غير أننا نؤكد على استراتيجية النسج الشعري من خلال الترابط المنطقي بين كلمة" الحلم" و "الفارس"و "الوصول".. و هي استراتيجية تتصل بمنابع الإبداع و بمنطقه غير المبرر رياضيا و حسابيا..فنحن هنا في منطق الشعر الذي يتجاوز المنطق المبني على المقدمات و النتائج الأرسطية.. فلا ضير من أن تسبق النتائج ُ المقدمات وفق منطق الشعر في الربع الأول..حيث سبقت العودةُ الوصول.. و لا مناص في الربع الثاني من الانقلاب على هذا المنطق من خلال التأكيد على مساحة الحرية التي استدعت قلبه و الابتداء بالعودة.. و من ثمة التأسيس لوضعية يستدعيها تحقيق العلاقة الوجودية بين المفردات الثلاث المستعملة في الربع الثاني. و هي مفردات بإمكاتنا قراءتها بالصورة التالية:
-1-الخيال ـــــ مساحة ـــــ مكان = غير واقعي ـــــ إذن شعري
-2- الفارس ـــــ الرجل ـــــ الشاعر = واقعي ـــــــ إذن شعري
-3- الوصول ــــــــ رحلة ـــــــ مسافة = واقعية/غير واقعية ـــ شعري
و حتى و إن بدا الجانب التخييلي/ الافتراضي في العلاقة بين تحقيق الرحلة و تحقيق أدواتها واضحا، فإننا نؤكد على البناء المرئي الحالم الذي يريد الشاعر أن يصل إليه من خلال تحديد مكان الوصول من جهة و التأكيد على استحالة تحقيقه من جهة أخرى.. و هي صورة تبرز مدى التعاكس الموجود في النص و الذي يحاول أن يتخفى في شعرية النص على الرغم من العناصر الواقعية الموجودة في النص و التي لا يتحقق أي حلم بدونها و هي: (الخيا ل ـــ المكان) و ( الفارس ـــ الانسان ) و ( الوصول ـــ الزمان).. كيف يمكن ألا نصل في هذه الحالة.. و ما هو سبب عدم الوصول؟؟هل هو بسبب العناصر الوجودية المتوفرة لتحقيق فرضية الوصول..أم هو سبب آخر؟؟ و هل بإمكاننا أن نصل للحلم..؟؟ إي لتحقيق الحلم..؟؟هل الحلم محطة نهائية للشاعر يريد من خلالها أن يحقق حرية الذهاب و المجيء و العودة؟؟ هل الحلم هو نفسه الشخص الموجه إليه خطاب الشاعر و الذي يمتلك في الوقت نفسه مساحة الخيال؟؟؟
-ثالثا- تعـــاليْ وارقُبي قلبـي ففيـه النـــارُ تشتــــعلُ
يحيلنا الشاعر في الربع الثالث من الرباعية الأخيرة إلى العديد من المعطيات التخييلية و الشعرية التي بإمكانها أن تجيب عن مجموع التساؤلات المتبقية في الربع الثالث ..
ففي هذه الربع يبدو الأمر – المقصد- أكثر وضوحا من خلال المعاودة في توجيه الخطاب إلى من هو موجه له الخطاب عن طريق فعل أمر آخر يٌظهر التعاكس في الرحلة..و كأن شاعرنا قد وصل فعلا إلى محطة أخيرة في رحلته تسمى "لا وصول" و هي في حقيقة الأمر محطة الحلم الذي لا يفهمه إلا صاحبه..و هذا الفعل هو.. "تعالي" إلى حيث اللاوصول.. إلى حيث الحلم الدائم غير المنتهي.. الحلم إلي تصبح فيه العذابات جوهر الوجود و المكابدات أدوات لتحقيقه..و حتى و إن بدا نوع من التناقض الظاهر بين فعلي"دعيني" في الربع الأول و "تعالي" في الربع الثالث.. فإن هذا التناقض يبدو مبررا تبريرا إبداعيا من خلال الوصول غل تحقيق الرحلة غير المكتملة (وصول الشاعر الذي هو في الحقيقة الشعرية..لا وصول) و الإشهاد (إشهاد الشخص المراد الوصول إليه ) على تحقيق الوصول إلى الرحلة غير المكتملة... و لا يتم عنصر الإشهاد إلا من خلال تأمين حقيقة اللاوصول الشعرية بمبدأ الحرقة في القلب الذي "فيه تشتعل النار"
عن شاعرنا يقترب هنا من المصطلح الصوفي الذي تأخذ فيه الكلمات أبعادا غير الأبعاد التي نفهم من خلالها نحن القراء العاديون فرضية الوصول و مبدأ الحرقة و وعاء القلب.. و نداء الحبيبة الذي ظهر متخفّيا في صورة"تعالي"...
-رابعا- وسِيرِي في الطريقِ معي عَسَى أن يُولَدَ الأمَلُ
يتخذ البناء الرباعي صورة أكثر وضوحا في الربع الأخير من الرباعية التي من المفروض- و هذا هو مبدأ الرباعيات عموما- أن تنم عن أمل في الحل- حل العقدة على الطريقة المسرحية- و لا يمكن بأية حال من الأحوال ألا تشي الرباعية بشئ من أسرارها أو بجل أسرارها في الربع الأخير.. و هنا يظهر بناء العلاقات بين الكلمات السالفة الذكر بصورة أكثر وضوحا من خلال بأن "اللوصول" ما هو في حقيقة الأمر الشعري إلا محطة- و ربما كان لا وصولا لهذا السبب بالذات- للرحيل..للإنتظار.. للمكابدة.. للحرقة.. لتحقيق اللقاء الذي به يتم السير الجديد في الرحلة الحقيقية الرحلة التي يحقق من خلالها الشاعر ذاته تحقيقا وجوديا و شعريا من أجل الوصول إلى الأمل..
خاتمة:
ثمة شئ من فريد الدين العطار في كتابه "منطق الطير" و رحلته المشهورة " الرحيل إلى السيمرج"... و ثمة بعد صوفي داخلي متخفٍ حتى و إن حاول ا لشاعر إظهار غيره من الأبعاد التي تسيّرها الرباعية الأخيرة..
كما أن القصيدة تحتاج إلى وقت أكثر لتحليل المفاتيح المتروكة على أبواب الكلمات من طرف الشاعر....غير أن هناك عنصرا مهما عادة يلعب دور الفاصل الحقيقي بين النصوص التي تجد لها مكانا في الوجود و غيرها من النصوص الأخرى المتراكمة المتآكلة .. و هذا العنصر هو القدرة على صياغة المعاني العميقة في الكلمات البسيطة .. و الخروج بالنص مكتملا من رحم المعنى إلى رحابة الأخذ و العطاء..عبد القادر رابحي..
سعيدة في:25/03/07
أخي العزيز الشاعر المتفرد والناقد المتألق الأستاذ : عبد القادر الرابحي
تحية طيبة مباركة وبعد،
فأجيء هنا إلى رحاب فضلك وعلمك
مُستمتعا
مُتعلِّما
سعيدا بك ، وبأسلوبك الراقي في الطرح والتأمل ، التحليل المبدع
شاكرا لك هطول غيثك المبارك على حروفي التي اهتزت فرحا وحبورا
حامدا لله هذه النعمة الجليلة
محبك: مصطفى

عبد القادر رابحي
26-03-2007, 07:33 PM
:001: الله الله ..
جميل أنت يا أستاذي الفاضل ..
ذكرتني هذه الدراسة بأيامي الجميلة التي أمضيتها مع كتابك الرائع النص و التقعيد ..
لو علم طلبة المذكرات ما تكتب هنا لوفدوا إلى الواحة مثنى و ثلاث و رباع ووووووووو
تقبل تحياتي أستاذي الرائع..
الأخ الكريم .. و الشاعر الرقيق..امين..
تحياتي الخالصة لك..
سباق أنت ..و الله.. في كل مرة..

و عينك لا ترى إلا الجمال.. و الكمال..

تحياتي لك..
و شكرا لمرورك..

عبد القادر...

عبد القادر رابحي
27-03-2007, 10:56 AM
الله أكبر...
جعلتني في صراع يا أخي وأستاذي الطيب الكبير..
أتدري لو كنت مشرفاً كما كنت من قبل في قسم النقد هنا للممت تجربتي ورحلت والحمرة تكسو وجهي كتدفق نهري..
لكن أقول لك الحمد لله.. أنني لست الآن كذلك..
لأني قدمتها هدية لا أدري كيف يقدرها الدكتور مصطفى،ـ ولكن أرجو أن يكون لها قبول عنده..
أثبات العلاقات في النص الشعري.. هي قمة النقد وزدت عني في أكثر من كثير، وذلك طبعي جدا في أن يفوق أستاذ تلميذَه .. فأنت تملك القانونية الأكاديمية لو صحت تعبيراتي، وتملك ميزة الترتيب الصارم، والتفوق اللذيذ على كل حال..
وفوق هذا وهذا تملك قلبا يحبك ..
تحيات أحمد "المنحرج""""""!!!!!!"""
أخي حسن..
و الله بدون حرج..
هذا من فضل ما كتبت حول الرباعية الأولى..
فقلت ..أكتب حول الرباعية الأخيرة..
و نحن مدين ونلأستاذنا الفاضل الدكتور مصطفى عراقي بالكثير..

تحياتي الخالصة لك..
عبد القادر

عبد القادر رابحي
27-03-2007, 05:41 PM
قرأنا واستفدنا من أكاديميتك الرزينة ...
رابحي 10/10
شكرا لك ..يا مجدوب..
و شكرا لعلامتك الكاملة..

هذا من كرمك..
تحياتي

عبد القادر رابحي
28-03-2007, 04:23 PM
أحمد قرأت لك هنا وهناك جيد ما تنثره من ملامح نقدية رائعة
الأخ الكريم مجدوب..

شكرا لمرورك ثانية

تحياتي

عبد القادر

عبد القادر رابحي
29-03-2007, 11:00 AM
أخي العزيز الشاعر المتفرد والناقد المتألق الأستاذ : عبد القادر الرابحي
تحية طيبة مباركة وبعد،
فأجيء هنا إلى رحاب فضلك وعلمك
مُستمتعا
مُتعلِّما
سعيدا بك ، وبأسلوبك الراقي في الطرح والتأمل ، التحليل المبدع
شاكرا لك هطول غيثك المبارك على حروفي التي اهتزت فرحا وحبورا
حامدا لله هذه النعمة الجليلة
محبك: مصطفى
الأستاذ الكبير و الشاعر القدير.. الدكتور مصطفى عراقي..
تحياتي الخالصة..
و الله يا أستاذي ..
هذا من سابق خيرك..
و جود كرمك..
و غزير علمك..
قليل يأ أستاذي...
في حقك...

عبد القادر

عبد القادر رابحي
03-04-2007, 07:29 PM
أحمد قرأت لك هنا وهناك جيد ما تنثره من ملامح نقدية رائعة
الأخ الكريم مجدوب..
تحياتي لك ..
شكرا على مرورك...
و انا لم أنسك تماما..
سأعود إليك في أسرع وقت بإذن الله..

تحياتي عبد القادر

د. مصطفى عراقي
11-01-2008, 05:54 PM
شاعرنا المجدد وناقدنا المتمكن الأستاذ عبد القاهر الرابحي


اشتقنا إلى أنوار حروفك الطيبة


وفقك الله يا اخي وأعادك إلينا بكل الخير والسعادة والود


محبك: مصطفى

عبد القادر رابحي
17-07-2008, 07:13 PM
شاعرنا المجدد وناقدنا المتمكن الأستاذ عبد القاهر الرابحي
اشتقنا إلى أنوار حروفك الطيبة
وفقك الله يا اخي وأعادك إلينا بكل الخير والسعادة والود
محبك: مصطفى



الأخ الكريم و الشاعر القدير..
الدكتور مصطفى عراقي..

مررت من هنا أتفقد هذه الحروف..
وجدت تعليقك الرقيق ..الذي كتب منذ دمة
و لم يلق الرد..

فها أنا أرد عليه..
و أرجع بالمناسبة الموضوع إلى الواجهة

معروف محمد آل جلول
05-10-2008, 09:03 PM
الفاضل المحترم :عبد القادر
قرأنا واستفدنا من المنهجية المحكمة ..الأسلوب الفصيح الواضح ..اللغة المتينة ..
لاتحرمنا أستاذنا من هذه النفحات الربانية ..
نرجو المزيد ..

د. مصطفى عراقي
22-03-2009, 07:52 PM
عودة للارتواء من معين فضلك الجميل ونقدك المنهجي الواعي