تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : عَدْوَى



أحمد منتصر
28-03-2007, 03:01 AM
تحت أشعة الشمس الهادئة في شهر مارس كان (عماد) قافلا من مدرسته الابتدائية بعد حياةٍ كاملة قضاها هذا اليوم في فصل المتفوقين بـ(تالتة رابع).
كرمه مدرس اللغة العربية أمام سائر زملائه وأعطاه جائزة عينية جميلة وجد يده بحركة عفوية تتحسسها في حقيبته التربة.
ابتسم في حبور وجدّ في سيره ثم ركض في فجاءةٍ بلا سبب ظاهر كما هي عادة الأطفال لا يعبئون بنظرات الناضجين اللائمة.
وفي غمرة تصاعد أنفاسه وتلاحقها لمح في شرفة بيته (مريم) بنت خالته الحبيبة. فأسرع بالركض وكأنه لم يخلق إلا لإثارة إعجاب هذه الحوراء.
ابتسمت (مريم) ثم ضحكت وعلا صوتها لمّا ارتطم بـ(حسني) ابن حارس العقار الذي كان مستندًا إلى جدار مدخل البيت وافترشا الاثنان الأرض.
قام (عماد) سريعًا دون أن ينفض ثيابه التي زادت تترّبا ومدّ يده إلى (حسني) الذي كان ينظر إلى الأرض في شرود. ثبتت الصّورة لعدّة ثوان على هذا الوضع. حتى (مريم) التي في عليائها وقفت مأخوذة تنظر ليد ابن خالتها الممتدة إلى ابن الجيران المتحجرة في الهواء التي لا تلقى قرينتها خاصّة (حسني).

(( (د. علاء الدين مرسي)! )).
قالها مختبىء في ظلام ساتر وجهُه وهو ينظر إلى مقرفص مقابله يئن كعجائز ( نيسابور). وضع مرشّح سيجارته في فمه وأخذ نفسًا نفثه في بطء تجاه السّفليّ وقال:
- أظن نِفسَك يا دكتور ترجع لبيتك وعيالك بقى!...
رمى جملته الأخيرة وأولى البائس ظهره ناظرًا بتقزز إلى علبة حقيرة صدئة لبول المعتقل وغائطه ثم قال:
- مش عايز ترجع لشغلك وعيادتك يا دكتور!؟...
لم يجبه الأنين المعتاد. لم يجبه القابع في الرّكن.لا لم يجبه بل نظر إليه وصاح فيه وعيناه تلتمعان كبدر أزهر:
- ملكش دعوة بيا!.

فوجىء (عماد) بـ(حسني) لا يمد له يدًا بل ولا ينظر إليه البتة. استغرب ذلك لكنه لم يفعل طويلا حيث قاطعه صوت (حسني) الهدّار:
- ملكش دعوة بيا!.
وسمع كل ثقل في المحيط صياحه الذي أتبعه بركلات سددها ولكمات وجّهها إلى جسد (عماد) الذي تكوّم حول نفسه في وجع.
صرخ البائس في استسلام للضرب لا منجى منه ولا ملجأ. بينما أخذ (حسني) يضحك في جنون مروّع.

اتسعت عيناه في غيظ لمّا قال المقرفص كلمته ولم يدر بنفسه إلا وهو يركل المستسلم في جنون بواح لا مفر منه ولا مقر.
ولمّا تعب من الضرب وقف لحظة يتأمل جسده المتكوّم مستعيدًا مشهدًا من الماضي البعيد يتبدّى له كلما صاح به أحد.
خرج من الزنزانة. أغلقها العسكريّ وراءه. دخل مكتبه وكتب تجديد حبس للمتهم وقعه باسم العقيد (عماد الدين فهمي).
ثم ضحك في هيستريا.

حسام القاضي
28-03-2007, 08:00 PM
الأخ الفاضل الأديب / أحمد منتصر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قصتك تدل على امكانيات قص عالية تمتلكها
أجدت السرد والتنقل بين الحاضر والماضي
عملية التقطيع ( الفلاش باك) جاءت سلسة
فخدمت النص وأوضحت الفكرة..
ترسبات الطفولة ، كيف يتجاوزها البعض
وكيف تشكل عقداً نفسية عند بعضهم الآخر .
أجدت فعلاً في عرضك للفكرة وطريقة تناولك إياها بشكل فني راق.
فقط لي أمنيات بسيطة تمنيت لو أنها وجدت في نصك:
أعتقد أن المقدمة طالت بعض الشيء قبل الوصول للمنطقة المهمة (تصادم الطفلين وما نتج عنه )
تمنيت أيضاً لو أنك بدأت القصة عند
"(د. علاء الدين مرسي)"..... إلخ ثم تتبعها بارتداد إلى الماضي بالبداية التي بدأت بها .
"مستعيدًا مشهدًا من الماضي البعيد يتبدّى له كلما صاح به أحد."
تمنيت عدم وجود العبارة السابقة فقد وصلنا المدلول كاملا بدونها ، ووجودها يشعرنا بوجود الكاتب وتدخله في النص .
وفي النهايةأرجوأن يتسع صدرك لأمنياتي تلك ؛ فهي مجرد أمنيات صغيرة لمتذوق محب للقصة .
تقبل تقديري واحترامي .

د. مصطفى عراقي
01-04-2007, 06:43 PM
تحت أشعة الشمس الهادئة في شهر مارس كان (عماد) قافلا من مدرسته الابتدائية بعد حياةٍ كاملة قضاها هذا اليوم في فصل المتفوقين بـ(تالتة رابع).
كرمه مدرس اللغة العربية أمام سائر زملائه وأعطاه جائزة عينية جميلة وجد يده بحركة عفوية تتحسسها في حقيبته التربة.
ابتسم في حبور وجدّ في سيره ثم ركض في فجاءةٍ بلا سبب ظاهر كما هي عادة الأطفال لا يعبئون بنظرات الناضجين اللائمة.
وفي غمرة تصاعد أنفاسه وتلاحقها لمح في شرفة بيته (مريم) بنت خالته الحبيبة. فأسرع بالركض وكأنه لم يخلق إلا لإثارة إعجاب هذه الحوراء.
ابتسمت (مريم) ثم ضحكت وعلا صوتها لمّا ارتطم بـ(حسني) ابن حارس العقار الذي كان مستندًا إلى جدار مدخل البيت وافترشا الاثنان الأرض.
قام (عماد) سريعًا دون أن ينفض ثيابه التي زادت تترّبا ومدّ يده إلى (حسني) الذي كان ينظر إلى الأرض في شرود. ثبتت الصّورة لعدّة ثوان على هذا الوضع. حتى (مريم) التي في عليائها وقفت مأخوذة تنظر ليد ابن خالتها الممتدة إلى ابن الجيران المتحجرة في الهواء التي لا تلقى قرينتها خاصّة (حسني).
(( (د. علاء الدين مرسي)! )).
قالها مختبىء في ظلام ساتر وجهُه وهو ينظر إلى مقرفص مقابله يئن كعجائز ( نيسابور). وضع مرشّح سيجارته في فمه وأخذ نفسًا نفثه في بطء تجاه السّفليّ وقال:
- أظن نِفسَك يا دكتور ترجع لبيتك وعيالك بقى!...
رمى جملته الأخيرة وأولى البائس ظهره ناظرًا بتقزز إلى علبة حقيرة صدئة لبول المعتقل وغائطه ثم قال:
- مش عايز ترجع لشغلك وعيادتك يا دكتور!؟...
لم يجبه الأنين المعتاد. لم يجبه القابع في الرّكن.لا لم يجبه بل نظر إليه وصاح فيه وعيناه تلتمعان كبدر أزهر:
- ملكش دعوة بيا!.
فوجىء (عماد) بـ(حسني) لا يمد له يدًا بل ولا ينظر إليه البتة. استغرب ذلك لكنه لم يفعل طويلا حيث قاطعه صوت (حسني) الهدّار:
- ملكش دعوة بيا!.
وسمع كل ثقل في المحيط صياحه الذي أتبعه بركلات سددها ولكمات وجّهها إلى جسد (عماد) الذي تكوّم حول نفسه في وجع.
صرخ البائس في استسلام للضرب لا منجى منه ولا ملجأ. بينما أخذ (حسني) يضحك في جنون مروّع.
اتسعت عيناه في غيظ لمّا قال المقرفص كلمته ولم يدر بنفسه إلا وهو يركل المستسلم في جنون بواح لا مفر منه ولا مقر.
ولمّا تعب من الضرب وقف لحظة يتأمل جسده المتكوّم مستعيدًا مشهدًا من الماضي البعيد يتبدّى له كلما صاح به أحد.
خرج من الزنزانة. أغلقها العسكريّ وراءه. دخل مكتبه وكتب تجديد حبس للمتهم وقعه باسم العقيد (عماد الدين فهمي).
ثم ضحك في هيستريا.
========
أخانا الفاضل القاصُّ المبدع الأستاذ احمد منصر
أحييك تحية خالصة لقصتك البارعة ، وأشكر أستاذي الفاضل الأستاذ حسام القاضي على الإشادة الصادقة بها، وعلى نصائحه المخلصة .
كنت اتمنى أن تلقى العناية اللائقة بها ولكن لا أدري كيف انصرف القوم هنا عنها؟
دمتَ بكل الخير والسعادة والإبداع
أخوك: مصطفى

أحمد منتصر
20-04-2007, 02:04 PM
الأستاذان الكبيران:

حسام القاضي.

والدكتور مصطفى عراقي.

أشكركما على تشجيعكما الرقيق.

عائدٌ بحوْل الله للرد على الأستاذ حسام القاضي.

كنت قد حضّرتُ الرّد لكنّي نسيته في بيتي وأنا الآن في مقهى.

أكرر جزيل شكري.

راضي الضميري
20-04-2007, 02:49 PM
الأخ الفاضل الأديب أحمد منتصر

قصتك جميلة ، وتحكي عن واقع مرّ ، عاشه الكثيرون ، وما زالوا يعيشونه.

لأنك كنتَ جادًا في طرحك ، تجدد الحزن في القلب مرة أخرى .

دمت بخير وبحفظ الله

تقبل تحياتي وتقديري

سحر الليالي
20-04-2007, 11:46 PM
الفاضل "أحمد منتصر":

قصة جميلة...سعدت بقراءتها...
أهلا بك في واحة الخير مبدعا نسعد به.

لك خالص تقديري وباقة ورد

أحمد منتصر
29-04-2007, 04:26 PM
الأستاذ راضي الضميري.

والأستاذة سحر الليالي.

أشكر لكما مروركما العطر وردّيكما العظيمين.

دمتما بخير.

أحمد منتصر
11-05-2007, 09:24 PM
ردي على الأستاذ حسام القاضي وعذرًا على التأخير:

1) طول المقدمة قبل الوصول للمنطقة المهمة (تصادم الطفلين وما نتج عنه) مقصود لتشتيت القارىء..رما اختلفت معي ولكني أردت أن يصل مغزى القصة للقارىء في النهاية مفاجأة.
2) اقتراحك بالبدء بفِقرة (د. علاء الدين مرسي) يدل على حس رفيع المستوى أحييك عليه. هو يعطي مذاقا آخر للقصة.
3) (مستعيدًا مشهدًا من الماضي يتبدّى له كلما صاح به أحد ما): ملاحظة صحيحة تماما أشد على يديك عليها أيها الرائع.
مشكور.