تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : قصة قصيرة : الحنطة



د.مصطفى عطية جمعة
28-03-2007, 01:24 PM
الحــنطـة

الأب بكار :
حتى الحيات ، خرجت تتلظى و تلتمع جلودها المزركشة تحت نيران القرص المتعامد في السماء ، كأنه يتعقبنا .
أيتها الأفاعي ، كفي عن اللهث ، فلن تنالي من جسـدي و لا جسـد زوجتي " برية " التي ضَمُر ثديها ، و رضيعنا معلق فيه ، و ابناي ، و ابنتي يجرون أقدامهم كأنها العصي . هل تطمعين - أيتها الأفعى - في الحنطة التي أحكمت ربطها على بطني ، و قد حفظت أعداد حبيباتها ؟
تقعرت بطني ، لا يزال النفس يتردد ، فلا تتطلع عيونكم - أبنائي - إلى الحنطة و إن كان القلب يهُن لكن دقاته تُعالي صوت القذائف التي صَمّت إحداها أذنيّ . . . هناك في بقايا بلدتنا " بربرة " .
تقوست ساقاي ، ليس بعد ، أمامنا ليالي حتى نصل إلى السلك الشائك للحدود . تتحسس أناملي الحنطة ، كأن ملمسها نغم . تلسعني عيونهم ، و بريق الروح يتسلل من شفاههم التي أخرست ضنًا بالرذاذ المتطاير مع الكلمات . لن أقرب حبيبة واحدة ، سأقاوم أيها الرضيع ، ألا تترك قطعة الجلد المعلقة في فيك . افتح عينيك حتى أشم الروح منها ، أو حرك أصابعك المتجمدة كالعقارب المتناثرة موتا حولنا .
هل تشبع من سكونك . . ؟ لا . . . إنه يُذكّرني بسكون أبي في قبره تحت الأنقاض ، بينما النيران تتصاعد للنجوم .
السكون في خلاياي . تقترب طاقة النور ، من قلبي . الآن . . . ربما الحنطة . . . تعزف الموت لي . . . . . و الحياة لكم .
الأم برية :
تصلبت الرمال أمام أظفارنا . أنترك عظامك تنبت الأشواك . الأرض هنا لن تجود بقبرك . أحكم ربط الحنطة حول بطني . رضيعي " فرح " فارقني مقتلعًا ثديي . ساكن بجوار من ألقى بذرته في رحمي التصق ولداي و ابنتاي ببطني . . يفكون القماش ، لا تزيدوا - فلذات كبدي - على كف من الحبات . . ثم أسرعوا بأقدامكم .

الظلام مطبق ، و أجسادنا المتساندة في نومها ترتجف . تلك النجمة ، واهنة حركتها من المشرق إلى حيث يبتلعها المغرب . هل تتأسين - أيتها النجمة - لوحدتك في السماء أم لوحدتنا ؟ ها هو القرص يتسارع بخيوط أشعته المحرقة . تفتحت أبصارنا تتخطى تماس الأفق من بعيد .
شدوا يدي - أبنائي - ليلة واحدة ، منذ فارقتنا يا " بكار " و يا " فرح " . الحنطة تتناقص و أنفاسكما تلاحقني . دعوا يدي . . فالصمت يملأ جسدي .
عيونكم ستواصل المسير نحو سلك الحدود الشائك ، حيث هناك يهطل الماء ، و يلمع رذاذه من السماء . الصمت الآن . . .
. . . . . . له رنين مع طاقة النور التي تدنو مني .
الولدان و البنت :
عند رأس " برية " تقول البنت : " لا تنهوا الحنطة حتى نستطيع أن نصل " . توقفت أسنان الولدين ، كان الأفق ملتفًا بالاحمرار . تلفتت عيونهم ، تصرخ في الجسد المسجي . . . .
" أين السلك الشائك يا أمنا ؟ ، أفيقي ، و أشيري لنا . . سنعدوا نحوه ، قد شبعنا . . أشيري . . أشيري . . ".
تقول البنت : " أمنا " برية " مع " فرح " و أبي " بكار" لا تقلقوها " .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
النجمة تسرع من المشرق للمغرب ، مرات ، و مرات . . عيونهم . . الآن . . معلقة بالجسد الذي بدأ في الانتفاخ و قد ازدادت بطونهم تقعرًا ، يصطرخون جوعًا . . .
. . . . . ثم تلاحقت . . . أسنانهم على اللحم المنتفخ .

وفاء شوكت خضر
28-03-2007, 02:04 PM
الفاضل / د. مصطفى عطية جمعة ..

أقف أمام نص ، اجتعمت به كل الفنيات بإبداع .
مرور أول ، لعلي أستطيع أن أمتحن قدراتي بعمل قراءة لهذا النص الذي فاق الروعة ، وكيف لا وأنت أستاذ كبير ، يعرف كيف يصل إلى دواخل قارئة ، ليأسره داخل نصه فلا يتسطيع الخروج منه .

لي عودة بعد أن أجمع من أعماق نصك ما أستطيع حمله من درر ، لعلي أفوز أمام نفسي وأنال شرف كتابة قراءة فيه .

تحيتي ...

د.مصطفى عطية جمعة
28-03-2007, 10:57 PM
الأخت / وفاء . تحياتي
أشكرك على مرورك الفاعل ، وليس العابر ، وشتان بين الأمرين .
خواطرك أعطت المزيد من الضوء على دلالات القصة ، وإن كنت أنتظر مزيدا من القراءة الفاعلة كما أشرتِ . شكرا وتحياتي .

خليل حلاوجي
10-05-2007, 08:32 AM
ربما الحنطة . . . تعزف الموت لي . . . . . و الحياة لكم .

اشكالية الموت في الحياة ... هي اشكاليتنا

هي قضية وجودنا
الآخرون يريدون لروح حياتنا الموت ... يريدون ان نفرح بالجسد

ونحن لانزال نصر ... على التشبث يروح الحياة


\

نص ثري

عمر علوي
10-05-2007, 11:57 AM
شدوا يدي - أبنائي - ليلة واحدة ، منذ فارقتنا يا " بكار " و يا " فرح " . الحنطة تتناقص و أنفاسكما تلاحقني . دعوا يدي . . فالصمت يملأ جسدي .
عيونكم ستواصل المسير نحو سلك الحدود الشائك ، حيث هناك يهطل الماء ، و يلمع رذاذه من السماء . الصمت الآن . . .
. . . . . . له رنين مع طاقة النور التي تدنو مني .

- أخي الكريم، الدكتور مصطفى،
استوقفني المقطع السالف، و أعدت قراءته مرات، لا أعلم لماذا، و لكن ما أستطيع قوله أن القصة جميلة ، و جعلتني أعيش لحظة شعورية ..جميلة فنيا و.. مؤثرة معنويا.
مع أجمل تحيات الود . أخوكم عمر علوي.

جوتيار تمر
10-05-2007, 10:07 PM
دكتور...
أي وقع مآساوي هذا الذي قرأته هنا...لقد بدا ان الكون كله في صراع مع هذه الرحلة القسرية التي اوجبتها الزروف والاقدار عليهم هنا، انهم يسيرون على حمم بركانية وهم يظنون بان الحنطة هي ما تدغدغ اقدامهم وتلامس بعض عري اجسادهم، أي نوع من الرحلة هذه التي كانوا عازمين على بلوغ نهايتها، لقد اجدت التصوير هنا ونقلت هذه الرحلة بدقة وبوضوح تام، لقد انبعثت الصور في مخيلتي عن ارض الواقع الذي يعيشون هم وعليه وهم عليه سائرون، لقد بدا الجوع واللاسلاك الشائكة رمزين اسطورين هنا، بل وحشين اسطورين لهما الف عين يترصدان تلك الارواح اللاهثة نحو الخلاص باي ثمن كان حتى لو فقدوا نصف الارواح التي تسير معهم.
القصة استطاعت ان تنقل لنا مآساة كل واحد منهم بشكل منفرد ورائع، وراينا كيف لكل منهم همه الذي يفوق ظروفه، ورأينا كيف ان الجيمع كان يستمد من الاخر بقائه وزاد رحلته، وكيف تساقط الواحد تلو الاخر، وفي سقوط كل واحد منهم دفعة للاخر للبقاء يوم اخر لكون ما يخلفه نهايته يوزع الاخرين...لقد سرت بالقصة الى نهاية لم تكن لتكون بافضل لو انتهت لى غيرها، وانت هنا ترسم ملامح مآساة انسانية هالكة والنهاية هذه هي اقرب من الواقع المنتفخ الذي نعيشه والذي لم نعد حتى ننظف اسنانا حراء هشمنا لحوم غيرنا حتى وهم احياء.

دمت بخير
محبتي لك
جوتيار

د.مصطفى عطية جمعة
10-05-2007, 11:05 PM
شدوا يدي - أبنائي - ليلة واحدة ، منذ فارقتنا يا " بكار " و يا " فرح " . الحنطة تتناقص و أنفاسكما تلاحقني . دعوا يدي . . فالصمت يملأ جسدي .
عيونكم ستواصل المسير نحو سلك الحدود الشائك ، حيث هناك يهطل الماء ، و يلمع رذاذه من السماء . الصمت الآن . . .
. . . . . . له رنين مع طاقة النور التي تدنو مني .
- أخي الكريم، الدكتور مصطفى،
استوقفني المقطع السالف، و أعدت قراءته مرات، لا أعلم لماذا، و لكن ما أستطيع قوله أن القصة جميلة ، و جعلتني أعيش لحظة شعورية ..جميلة فنيا و.. مؤثرة معنويا.
مع أجمل تحيات الود . أخوكم عمر علوي.


الأستاذ المبدع / عمر علوي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكر لك هذه القراءة التي تدل على نفس وثابة للأدب ، جياشة العاطفة
لقد استمتع كثيرا بكلماتك الدالة على تلق عال المستوى .
دمت بخير عزيزي وأهلا بك قارئا ومتلقيا ومبدعا

د.مصطفى عطية جمعة
10-05-2007, 11:12 PM
دكتور...
أي وقع مآساوي هذا الذي قرأته هنا...لقد بدا ان الكون كله في صراع مع هذه الرحلة القسرية التي اوجبتها الزروف والاقدار عليهم هنا، انهم يسيرون على حمم بركانية وهم يظنون بان الحنطة هي ما تدغدغ اقدامهم وتلامس بعض عري اجسادهم، أي نوع من الرحلة هذه التي كانوا عازمين على بلوغ نهايتها، لقد اجدت التصوير هنا ونقلت هذه الرحلة بدقة وبوضوح تام، لقد انبعثت الصور في مخيلتي عن ارض الواقع الذي يعيشون هم وعليه وهم عليه سائرون، لقد بدا الجوع واللاسلاك الشائكة رمزين اسطورين هنا، بل وحشين اسطورين لهما الف عين يترصدان تلك الارواح اللاهثة نحو الخلاص باي ثمن كان حتى لو فقدوا نصف الارواح التي تسير معهم.
القصة استطاعت ان تنقل لنا مآساة كل واحد منهم بشكل منفرد ورائع، وراينا كيف لكل منهم همه الذي يفوق ظروفه، ورأينا كيف ان الجيمع كان يستمد من الاخر بقائه وزاد رحلته، وكيف تساقط الواحد تلو الاخر، وفي سقوط كل واحد منهم دفعة للاخر للبقاء يوم اخر لكون ما يخلفه نهايته يوزع الاخرين...لقد سرت بالقصة الى نهاية لم تكن لتكون بافضل لو انتهت لى غيرها، وانت هنا ترسم ملامح مآساة انسانية هالكة والنهاية هذه هي اقرب من الواقع المنتفخ الذي نعيشه والذي لم نعد حتى ننظف اسنانا حراء هشمنا لحوم غيرنا حتى وهم احياء.
دمت بخير
محبتي لك
جوتيار

الأخت المبدعة الناقدة / جوتيار تمر سلام الله عليك ورحمته وبركاته
إذا شكرتك على هذه الدراسة الدقيقة فلم أوفيك حقك
وإذا أشدت بما قلتِ فلن أزيدك
وحسبي أن كلماتك أشعرتني أن كل ما بغيته في النص قد وصلكِ ، وأنتِ أعطيتني المزيد من إبداعك النقدي .
لي طلب : أرجو تفضلك بالاطلاع على ما أنشره في النقد الأدبي في باب النقد وفي باب الفكر الإعلامي فإنني بحاجة إلى الاسترشاد برأيك .
دمت بخير عزيزتي المبدعة ، ولك مودتي

خليل حلاوجي
27-06-2007, 01:14 PM
اشكالية الموت في الحياة ... هي اشكاليتنا

د.مصطفى عطية جمعة
27-06-2007, 02:58 PM
اشكالية الموت في الحياة ... هي اشكاليتنا

الكاتب المتألق والمتابع الجاد / خليل حلاوجي
أشكر مرورك الجميل
وتعليقك الدقيق الذي ينم عن تعمقك النص والرؤية .
كم أنا سعيد بك دائما
حبي ومودتي إليك

عدنان القماش
27-06-2007, 09:13 PM
أستاذنا د.مصطفى عطية جمعة
لا يجد المرء مجالا لينقد أي عمل فني إذا سبقه قلم الأخ الكريم جوتيار...
لكني شعرت أن رحلة هذه الأسرة...هي رحلة كل أسرة صوب مصيرهم المحتوم...يسيرون نحو الموت...عبر أيام الشقاء والألم...
الكل يحلم بالوصول إلي هذا السلك الشائك، الذي يفصلهم عن الحياة الآخرة التي تريحهم من شقاء الدنيا...
وفاة كل واحد منهم يعد مأساة للجماعة...حتى يصل الأمر لنهايته بموت الأم، الذي سبقه موت الأب، فيفقد الأبناء الطريق...
ولكن قدرهم جميعا محتوم...
فهي رحلة الحياة إلي حياة ما بعد الموت...
أبدعت استاذنا :001:

علي أسعد أسعد
28-06-2007, 06:13 PM
من الموت
تولد الحياة

لك تحياتي أيها الكبير

د.مصطفى عطية جمعة
29-06-2007, 01:13 AM
أستاذنا د.مصطفى عطية جمعة
لا يجد المرء مجالا لينقد أي عمل فني إذا سبقه قلم الأخ الكريم جوتيار...
لكني شعرت أن رحلة هذه الأسرة...هي رحلة كل أسرة صوب مصيرهم المحتوم...يسيرون نحو الموت...عبر أيام الشقاء والألم...
الكل يحلم بالوصول إلي هذا السلك الشائك، الذي يفصلهم عن الحياة الآخرة التي تريحهم من شقاء الدنيا...
وفاة كل واحد منهم يعد مأساة للجماعة...حتى يصل الأمر لنهايته بموت الأم، الذي سبقه موت الأب، فيفقد الأبناء الطريق...
ولكن قدرهم جميعا محتوم...
فهي رحلة الحياة إلي حياة ما بعد الموت...
أبدعت استاذنا :001:

الأستاذ / عدنان
كم أنا سعيد بهذه القراءة التي جمعت بين التعمق النصي ، والقدرة على فلسفة النص وطرح الأسئلة حوله
أشكرك عظيم الشكر

د.مصطفى عطية جمعة
29-06-2007, 01:14 AM
من الموت
تولد الحياة
لك تحياتي أيها الكبير

الأستاذ / علي أسعد
تقبل تقديري وحبي ومودتي أولا
وتقبل ثنائي وعظيم شكري لمرورك وتفاعلك ثانيا ودائما

منى الخالدي
29-06-2007, 01:39 AM
الأديب الدكتور
مصطفى عطية جمعة

لا أنكر أنني أقرأ لك للمرة الأولى
هذا النص قد بلغ أعمق عمقٍ في روحي ، لأنني أغرق في وجع الفقد دوماً
وهي قصة تحاكي حالة الفقد على مراحل، والوداع البطيء المتسلسل ، والذي
كنتُ أخشاه منذ أولِ حرفٍ قرأته ..
بالرغم أن الحنطة مصدر من مصادر الحياة ، إلا أنها هنا كانت تلازم الموت هنا
لتقتلع الحياة بعد عطائها..!

سأسألك سؤالاً بعيداً عن الحنطة،كي أقرأك أكثر:
ما هي أكثر النصوص التي كتبتها قُرباً إلى نفسك...؟


مع تحيتي وخالص احترامي لقلمك الخالص الثريّ



منى

د. سمير العمري
30-10-2007, 09:54 PM
أهذا هو حقا الأدب الذي ينفع ويفيد؟؟

وهل الرمزية المغرقة هي ما يحسب لرقيه؟؟

نص لا أراه إلا متاهة كلمات قابلة للتأويل أي تأويل ولا أرى فيه مأربا.

ليتنا نتوقف عن تتبع الحداثة الفاشلة وأن نوظف الحرف العربي للهم العربي بالمفهوم العربي وأن لا نستخدم الحرف في غير أرب عميم.



تحياتي