المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النخلة المهملة



عمر علوي
01-04-2007, 10:16 AM
:os:
" لن تجدني هناك..لأنّ حياتي لم تكن بدايتها من هناك، و لن تكون.. حياتي نمت في أرض زكيّة طاهرة، أيّامها تاريخ مشهود سجّله الزمان و المكان بأحرف من نار و نور لا يمحوه النسيان.. و يوم مولدي ليس كسائر الأيّام، هو أعظم ممّا تصوّره لك الزجاجة التي سجنت فيها حياتك، يوم لن أنساه كما تحاول أنت محوه من ذاكرتك بهروبك إلى عالم التبريرات الواهية، يكفي أنّه يوم معراج والدي الذي لم تسعد عيناه بمرآي، و لم تطبع شفتاه على خدّي قبلته الحبلى حبّا و حنانا، و لم تسمع أذناه أحلى الكلمات التي ينطقها الأطفال و هم يتعلّمون الكلام..
" .. و ترعرعت في حضن أمّي التّي أفرغت كلّ حنانها في أعوام معدودة، و رحلت بسرعة مخلّفة إيّاي وحيدة تتقاذفني الأيدي و الأهواء إلى أن صرت يافعة، و أحبّني الناس، غير أنّ حبّهم لي، ليس هو الحبّ المأمول، كان حبّّا أجوف بغلاف سميك من النّفاق و الانتهازية.
" .. غازلني شبّان كثيرون و شياب، و الكلّ يعدني ببيت عصريّ في المدينة مجهّز بأحدث وسائل الرّاحة، و يمنّيني بحياة كحياة الأمراء، و أنا عقلي في فارس أحلامي الذي أنتظر قدومه على أجنحة الهواء لينتشلني من وحدتي و يطير بي إلى حيث نكوّن معا عشّنا الخاصّ بنا، في أمن و أمان، فأبني أسرتي و أربّي أولادي و أرعاهم تحت ظلال حبّه الكبير إلى أن يبلغوا.. أودّعهم كلّ صباح و هم في غدوّ إلى أعمالهم، و أنتظر أوبتهم عند المساء في فرح، و أفتخر بما أنجزوه ..و لكنّ الفارس.. لم يأت.
" .. انقرضت حتّى الآن، أربعة عقود من عمري، و أنا لا أزال بنفس الأمل و الإصرار ..أنتظر.. و سأبقى أنتظر ما دامت عيناي محتفظتين ببريقهما الساحر و النابض حبّا طفوليا، و ما دامت قسماتي، برغم تداول السنين المثقلة بالانتظار الطويل، تفيض جمالا حييّا.. سأبقى أنتظر حتّى يأتي الفارس المأمول.
" .. إنّ زكية هي دوما، زكية، و ستبقى دوما زكية، و إن بدت مهملة كنخلة في واحة بلا روح، إلاّ أنّها..نخلة..تنمو بغير اهتمام، و لكن بدون أن تفقد من ملامحها ما يوهم العاشق أنّها غير النخلة ".
ـــ آت..آت.. وجدتني أقول مع نفسي بصوت أجشّ، و صورة زكيتي التي أهملتها و هي في ربيع عمرها، تكتمل كالبدر في ليلته الرابعة عشرة أمام عينيّ الذابلتين.
مرّت عليّ لحظات عاصفة أغرقتني في لجّة من الخجل، و ألفيتني كالمستغيث أردّد:
" زكية.. زكية...". و أنا أتقلص و أتقلص و هي تكبر و تكبر ، ..:os:

د. مصطفى عراقي
01-04-2007, 04:34 PM
:os:
" لن تجدني هناك..لأنّ حياتي لم تكن بدايتها من هناك، و لن تكون.. حياتي نمت في أرض زكيّة طاهرة، أيّامها تاريخ مشهود سجّله الزمان و المكان بأحرف من نار و نور لا يمحوه النسيان.. و يوم مولدي ليس كسائر الأيّام، هو أعظم ممّا تصوّره لك الزجاجة التي سجنت فيها حياتك، يوم لن أنساه كما تحاول أنت محوه من ذاكرتك بهروبك إلى عالم التبريرات الواهية، يكفي أنّه يوم معراج والدي الذي لم تسعد عيناه بمرآي، و لم تطبع شفتاه على خدّي قبلته الحبلى حبّا و حنانا، و لم تسمع أذناه أحلى الكلمات التي ينطقها الأطفال و هم يتعلّمون الكلام..
" .. و ترعرعت في حضن أمّي التّي أفرغت كلّ حنانها في أعوام معدودة، و رحلت بسرعة مخلّفة إيّاي وحيدة تتقاذفني الأيدي و الأهواء إلى أن صرت يافعة، و أحبّني الناس، غير أنّ حبّهم لي، ليس هو الحبّ المأمول، كان حبّّا أجوف بغلاف سميك من النّفاق و الانتهازية.
" .. غازلني شبّان كثيرون و شياب، و الكلّ يعدني ببيت عصريّ في المدينة مجهّز بأحدث وسائل الرّاحة، و يمنّيني بحياة كحياة الأمراء، و أنا عقلي في فارس أحلامي الذي أنتظر قدومه على أجنحة الهواء لينتشلني من وحدتي و يطير بي إلى حيث نكوّن معا عشّنا الخاصّ بنا، في أمن و أمان، فأبني أسرتي و أربّي أولادي و أرعاهم تحت ظلال حبّه الكبير إلى أن يبلغوا.. أودّعهم كلّ صباح و هم في غدوّ إلى أعمالهم، و أنتظر أوبتهم عند المساء في فرح، و أفتخر بما أنجزوه ..و لكنّ الفارس.. لم يأت.
" .. انقرضت حتّى الآن، أربعة عقود من عمري، و أنا لا أزال بنفس الأمل و الإصرار ..أنتظر.. و سأبقى أنتظر ما دامت عيناي محتفظتين ببريقهما الساحر و النابض حبّا طفوليا، و ما دامت قسماتي، برغم تداول السنين المثقلة بالانتظار الطويل، تفيض جمالا حييّا.. سأبقى أنتظر حتّى يأتي الفارس المأمول.
" .. إنّ زكية هي دوما، زكية، و ستبقى دوما زكية، و إن بدت مهملة كنخلة في واحة بلا روح، إلاّ أنّها..نخلة..تنمو بغير اهتمام، و لكن بدون أن تفقد من ملامحها ما يوهم العاشق أنّها غير النخلة ".
ـــ آت..آت.. وجدتني أقول مع نفسي بصوت أجشّ، و صورة زكيتي التي أهملتها و هي في ربيع عمرها، تكتمل كالبدر في ليلته الرابعة عشرة أمام عينيّ الذابلتين.
مرّت عليّ لحظات عاصفة أغرقتني في لجّة من الخجل، و ألفيتني كالمستغيث أردّد:
" زكية.. زكية...". و أنا أتقلص و أتقلص و هي تكبر و تكبر ، ..:os:
===
ما شاء الله يا أديبنا الصادق الأستاذ :عمر علوي
يشرفني أن أحييك تحيتين:
الأولى : لروعة أسلوبك القصصي الخالص الذي يفيض بالصدق الفني ، والإحساس الراقي النبيل
والثانية : لهذا التمكن الواضح من أدواتك الفنية وفي القلب منها اللغة في مستوييها الصوابي والجمالي،
منذ قرأت البداية: لن تجدني هناك..
أحسست أنك ستأخذنا إلى مساحة ممتدة جمالا وإبداعا
وقد كان
فجزاك الله خير الجزاء
ودمت بكل الخير والسعادة والإبداع
أخوك: مصطفى

حنان الاغا
01-04-2007, 08:06 PM
زكية بهية سامقة كالنخلة
الأديب عمر علوي
قصة تفوح منها رائحة الإنسان مختلطة برائحة الأرض
وتحفل بمشاعر إنسانية منسحبة أحيانا إلى دواخلها إلا أنها في الوقت المناسب تخرج من سباتها وتعود من انسحابها بقوة .لغة سردية سلسة وعذبة
شكرا لك
وتقبل كل التقدير

عمر علوي
01-04-2007, 08:54 PM
أخي الدكتور مصطفى

مشجعة كلماتكم للمضي في درب الكتابة التي استسهلها كثيرون، فأفقدوها كثيرا من جمالياتها ،
سنحاول ما استطعنا أن نكون دائما، و بإذن الله تعالى، عند حسن الظن
و لكم كل الشكر و التقدير
أخوكم عمر

منى الخالدي
01-04-2007, 10:19 PM
ما دامت نخلة
لا بد لها أن تحمل رطباً حلو المذاق
لذك رأيتها كبيرة..!

الأخ الفاضل
عمر علوي

أجدت في تقديم النص لنا على طبقٍ من ذهب..
كل الاحترام لك لحرفك ولإحساسك الجميل..

عمر علوي
03-04-2007, 06:55 PM
الأخت الأديبة المحترمة منى،

أسعدني مرورك، و أسعدتني كلماتك ، و مرحبا بك في رحاب كلماتي
أطيب المنى لأختنا منى
و أجمل تحية شكرا! :0014:

عمر علوي
03-04-2007, 07:06 PM
الأخت الأديبة المحترمة حنان،
أسعدني أنك نزلت ضيفة عزيزة على نصي: النخلة المهملة"
مرحبا بك و بكل ملاحظاتك، صدري واسع و لا يضيق،
ألف شكر مع أجمل التحيات العطرة
أخوك عمر

حنان الاغا
04-04-2007, 11:05 AM
الأخ الأديب عمر
سعدت حقا بقراءة قصتك
ولم يوقفني أثناء قراءتي لها أي عائق ، فهي نص جميل،
وكنت أحاول أن أجتهد في قراءة ما بين السطور، فوجدته جميل كمن فوقها
دم متألقا وتقبل احترامي

مأمون المغازي
04-04-2007, 01:13 PM
:os:
" لن تجدني هناك..لأنّ حياتي لم تكن بدايتها من هناك، و لن تكون.. حياتي نمت في أرض زكيّة طاهرة، أيّامها تاريخ مشهود سجّله الزمان و المكان بأحرف من نار و نور لا يمحوه النسيان.. و يوم مولدي ليس كسائر الأيّام، هو أعظم ممّا تصوّره لك الزجاجة التي سجنت فيها حياتك، يوم لن أنساه كما تحاول أنت محوه من ذاكرتك بهروبك إلى عالم التبريرات الواهية، يكفي أنّه يوم معراج والدي الذي لم تسعد عيناه بمرآي، و لم تطبع شفتاه على خدّي قبلته الحبلى حبّا و حنانا، و لم تسمع أذناه أحلى الكلمات التي ينطقها الأطفال و هم يتعلّمون الكلام..
" .. و ترعرعت في حضن أمّي التّي أفرغت كلّ حنانها في أعوام معدودة، و رحلت بسرعة مخلّفة إيّاي وحيدة تتقاذفني الأيدي و الأهواء إلى أن صرت يافعة، و أحبّني الناس، غير أنّ حبّهم لي، ليس هو الحبّ المأمول، كان حبّّا أجوف بغلاف سميك من النّفاق و الانتهازية.
" .. غازلني شبّان كثيرون و شياب، و الكلّ يعدني ببيت عصريّ في المدينة مجهّز بأحدث وسائل الرّاحة، و يمنّيني بحياة كحياة الأمراء، و أنا عقلي في فارس أحلامي الذي أنتظر قدومه على أجنحة الهواء لينتشلني من وحدتي و يطير بي إلى حيث نكوّن معا عشّنا الخاصّ بنا، في أمن و أمان، فأبني أسرتي و أربّي أولادي و أرعاهم تحت ظلال حبّه الكبير إلى أن يبلغوا.. أودّعهم كلّ صباح و هم في غدوّ إلى أعمالهم، و أنتظر أوبتهم عند المساء في فرح، و أفتخر بما أنجزوه ..و لكنّ الفارس.. لم يأت.
" .. انقرضت حتّى الآن، أربعة عقود من عمري، و أنا لا أزال بنفس الأمل و الإصرار ..أنتظر.. و سأبقى أنتظر ما دامت عيناي محتفظتين ببريقهما الساحر و النابض حبّا طفوليا، و ما دامت قسماتي، برغم تداول السنين المثقلة بالانتظار الطويل، تفيض جمالا حييّا.. سأبقى أنتظر حتّى يأتي الفارس المأمول.
" .. إنّ زكية هي دوما، زكية، و ستبقى دوما زكية، و إن بدت مهملة كنخلة في واحة بلا روح، إلاّ أنّها..نخلة..تنمو بغير اهتمام، و لكن بدون أن تفقد من ملامحها ما يوهم العاشق أنّها غير النخلة ".
ـــ آت..آت.. وجدتني أقول مع نفسي بصوت أجشّ، و صورة زكيتي التي أهملتها و هي في ربيع عمرها، تكتمل كالبدر في ليلته الرابعة عشرة أمام عينيّ الذابلتين.
مرّت عليّ لحظات عاصفة أغرقتني في لجّة من الخجل، و ألفيتني كالمستغيث أردّد:
" زكية.. زكية...". و أنا أتقلص و أتقلص و هي تكبر و تكبر ، ..:os:

أديبنا : عمر علوي

بداية يشرفني أن ابقى هنا طويلاً بين هذا الحشد الرائع للمشاعر ، وضمن هذه السياقات الراقية ، وهذا القص والحكي الهادئين ، المترقرقين ترقرق الروح الصافية ، هذا الاتجاه الجميل الذي أحسنت تسيير القصة فيه من البداية إلى النهاية ، عارضًا لنا المعاناة ومختصرًا لنا الزمن ، وحازمًا الوجع بحزمة النور الحزينة .
قصة راقت لي بالفعل ، وأضم صوتي للكرام وأولهم أستاذنا الدكتور : مصطفى عراقي ، بأنك منحتنا روعة نستجديها في زماننا .

لك المحبة والاحترام

مأمون

عمر علوي
04-04-2007, 03:09 PM
أخي الكريم مأمون
أنا سعيد.. بمروركم الطيب
و أسعد لأن النص استطاع أن يمتعكم
و هذا حافز قوي يجعلني مدينا لكم و لكل القراء بمزيد من الجمال في الكتابة
و الله الموفق!

بكل محبة، أخوكم عمر علوي

ناديه محمد الجابي
17-12-2016, 07:07 PM
نص إنساني إجتماعي بسردية جميلة
مهارة سردية وأداء قصي متمكن
دمت والإبداع.:001: