المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أضواء في ليل جنين



أحمد عيسى
05-04-2007, 11:07 PM
أضواء في ليل جنين
(1)
- نفذت رصاصات الرجال
كان لعبارته دوي القنبلة في الوجوه الصارمة المتحفزة …
كصاعقة هبطت على الرؤوس فتجهمت واستحال لونها أحمر كلون الدم الذي يلوث الموجودات … ولأن الظلام كان يغطي كل شيء من حولهم فلم يكن بالإمكان رؤية القشعريرة التي زحفت فوق جلودهم … أو الذهول الذي سيطر على حواسهم ، أو الألم الذي تبدى في محياهم ..
تنحنح أحد الرجال قاطعاً الصمت المطبق على المكان ، وقال :-
- أنا تبقت معي رصاصتان .
وقال آخر :-
- أنا تبقت معي ثلاث رصاصات ..
وقال القائد :-
- وأنا رصاصة واحدة
أما باقي الرجال فقد صمتوا ووضعوا سلاحهم جانباً ..
دار (أبو الهيثم) بنظره في وجوه الرجال وقال :-
- ثقتي بالله تخبرني أننا لمنتصرون ..
قال أحدهم في تردد :-
- لقد نفذ الطعام .
- تعودنا طعم العلقم وأحببنا مذاق الزعتر واستسغنا طعم مياه الأمطار ، يمكننا أن نصمد أكثر.
قال آخر :-
- نفذت رصاصاتنا .
قال (أبو الهيثم) :-
- لكن عزيمتنا لم تنفذ بعد ، وإيماننا لم ينفذ بعد ، وثقتنا بالله لن تنفذ أبداً .ليس المهم أن نخرجهم ، يكفي أن نعيقهم قليلاً ، أن نخيفهم فلا ينالوا من المخيم إلا فوق جثثنا ..
أخبركم يا رجال أننا بإذن الله لمنتصرون .
وكأن لعبارته وقع السحر على نفوسهم ..فقد دبت الحياة في الأجساد المنهكة ..
واستحال اليأس أملاً ..فاعتدل الرجال ، لملموا أسمالهم وسلاحهم وانطلقوا نحو الرصاص الذي يزأر في الخارج .
(2)
عند أطراف المخيم كانت الدبابات في كل مكان ، تحيط البيوت وتطوقها وتوجه مدافعها نحو المنازل التي انهارت وفوق بقاياها تزحف جرافاتهم ..
صرخات النساء والأطفال تمزق سكون الليل …
أطفال فقدوا آباءهم في خضم المعركة ... نساءٍ وجدن أنفسهن دون مأوى أو لباسٍ يقيهن برودة الشتاء .
وبين الأطفال الملتاعين مضى يشق طريقه (هيثم ) ..
عيناه الصغيرتان تدوران في أرجاء المكان .. يعبر فوق مظاريف الرصاص الفارغة فتؤلمه قدماه الحافيتان ، لكنه لا يتأوه … عيناه تعلقت بامرأة جلست في ناصية الشارع …فاندفع يجري …يعبر المسافة بينهما ركضاً يهتف من أعماقه :-
- أمي ….
لكن المرأة ترفع رأسها الذي لوثته الدماء فيقف (هيثم)
يطرق رأسه ويبتعد …
ذهبت أمك يا (هيثم) ….
ذهبت ولن تعود …
انهار فوقها المنزل اثر قصفه …
والموتى لا يعودون يا (هيثم) …
الطيبون منهم للجنات يذهبون ..
تذكر كلمات والده فعصف القهر بكيانه .. والغضب بعروقه ..
لكنه عرف أين يذهب فانطلق يسابق ظله يعدو نحو مصير مجهول ..
(3)
في مكمنهم … ربض الرجال ينتظرون … خلف البيوت المنهارة انتشروا ، تسلحوا بالأسلحة البيضاء وبالهراوات وبما تبقى من رصاصاتٍ أخيرة .
مال أحد الرجال على (أبو الهيثم) وقال :-
- اقتربوا كثيراً فبعد دقائق قليلة ستدخل الحارة وحداتهم الخاصة .. فلا تستطيع الدبابات التوغل في هذا الحطام ..
وأشار بيده غالى البيوت المهدمة التي سدت الطريق إلى الحارة ..
قال (أبو الهيثم) في ألم :
- هذه آخر الحصون المتبقية يجب أن نوقفهم وإلا خسرنا كل شيء .
قال الرجل :-
- أنت قلتها وعلمتها لنا أبا الهيثم .. سننتصر بإذن الله .
قال (أبو الهيثم) :-
- فقط أطلب منكم أن تتركوا لي قائدهم رصاصتي الأخيرة سأفرغها في رأسه .
قال الرجل :-
- لك هذا أبا الهيثم .
أطلق أحد الرجال صيحة مميزة فصمتوا جميعاً .. وربضوا يراقبون القوة الخاصة التي أخذت تنتشر في المكان وجنودها يتلفتون حولهم ، ويرتجفون .
همس (أبو الهيثم) :-
- رصاصتي الأولى ستكون إشارة البدء .
صوب بندقيته القديمة نحو الجنود وركز فوهتها نحو رأس قائد الوحدة ، وداعبت أصابعه الزناد ، لكن صرخة من أحد الجنود أوقفته ، إذ استدار الجنود نحو الجهة المقابلة وصوبوا أسلحتهم نحو طفلٍ صغيرٍ ظهر من بين بقايا منزل مواجه .
كان الطفل يقترب ببطيء وذراعاه ترتفعان فوق رأسه .. والجنود تتوتر أيديهم فوق أسلحتهم .
صرخ الجنود في الطفل فصاح في فزع :-
- أنا …..أنا أعرف معلومات عن قائد المقاومة .
تمتم أحد الجنود :-
- أبو الهيثم
سرت همهمته بين الجنود وانتشر اسم أبو الهيثم حتى وصل إلى القائد الذي صاح في الطفل:-
- هل تعرف مكان أبو الهيثم …
أومأ الطفل برأسه إيجابا أن نعم …
فقال القائد :-
- اقترب يا فتى .
اقترب الطفل حتى أصبح أمامه …
فقال القائد :-
- لماذا تبلغ عن مكانه .
- حتى تمنحوني بعض الطعام فلم أعرف طعم الأكل منذ ثلاثة أيام وقد نفذ الطعام والمؤن .
قال القائد :-
- أحسنت يا فتى ، ماذا تعرف عن أبو الهيثم .
قال الفتى وقد أطلت الجنة من عينيه :
- أنه أبي .
وبسرعة البرق هبطت يده لتضغط زراً في حزامه … فانقض الانفجار عليهم ليضيء عتمة الليل البهيم .
ظهر الرجال من مكامنهم … وصاح أحدهم بصوتٍ كالرعد :-
- سبقك ولدك يا أبا الهيثم .
رفع أبو الهيثم سلاحه عالياً .. غير آبه بالطائرات التي تحلق فوقه استعداداً لقصفهم .
ألقى نظرة أخيرة على أشلاء ولده التي اختلطت بأشلاء المحتلين …
وصرخ بكل مشاعره المعتملة في صدره :-
- انتصرنا يا رجال .
وظل المخيم يردد صيحته حتى الآن
********************************

ابوفارس
يناير 2004

عدنان أحمد البحيصي
06-04-2007, 05:40 PM
الأستاذ أحمد عيسى

أقشعر بدني وأنا أقرأ لك هذه ، كلمات القائد وإقدام الأبن وعزم الرجال

بوركت

محمود الديدامونى
06-04-2007, 10:08 PM
نعم المخيم جنين
ونعم الرجال والأطفال والنساء
أهل جنين
كلنا شاهد على الحداث
تحية عطرة
قصة من أدب المقاومة والحرب التى تختلط فيها المشاعر وتقدم لوحة هى من صميم العمل المقاوم
وهذا دور الأدب الذى يجب أن يقدم ، يشحذ الهمم ، ويجعل الموت مقدما على الحياة
هؤلاء الأطفال هم الذين يصنعون التاريخ
لوحة فنية رائعة ...لكنها مليئة بالشجن الذى سور أيامنا
تحياتى

وفاء شوكت خضر
07-04-2007, 03:40 AM
أحمد عيسى ..

استمر ، فكلمات المديح لن تفيك حقك .. أدب المقاومة ، سيخلد تاريخ المجاهدين ، ومخيم جنين ما هو إلا عرين أشبال سيكون النصر حليفهم .

تحيتي لك وطاقة ورد أطوق بها عنقك ..

أحمد عيسى
07-04-2007, 01:38 PM
الأستاذ أحمد عيسى
أقشعر بدني وأنا أقرأ لك هذه ، كلمات القائد وإقدام الأبن وعزم الرجال
بوركت
الأخ العزيز : عدنان
أشكر لك مرورك وتأثرك بها انما يدل على انتمائك وروعة شعورك

دمت بخير

أحمد عيسى
08-04-2007, 10:40 AM
نعم المخيم جنين
ونعم الرجال والأطفال والنساء
أهل جنين
كلنا شاهد على الحداث
تحية عطرة
قصة من أدب المقاومة والحرب التى تختلط فيها المشاعر وتقدم لوحة هى من صميم العمل المقاوم
وهذا دور الأدب الذى يجب أن يقدم ، يشحذ الهمم ، ويجعل الموت مقدما على الحياة
هؤلاء الأطفال هم الذين يصنعون التاريخ
لوحة فنية رائعة ...لكنها مليئة بالشجن الذى سور أيامنا
تحياتى
أخي الفاضل الأستاذ : محمود الديداموني
جميل مرورك ، وقراءتك للعمل ...
واجبنا أخي محمود أن نخلد ما نرى بأعيننا ، أن نحفر قصص الأبطال على دفتر الشمس
تلك مهمتنا ونحن أبناء الوطن الذي يموت في اليوم ألف مرة
لكنه باق ويصحو كل يوم
بعزيمة أقوى


دمت بخير

مأمون المغازي
08-04-2007, 04:06 PM
أيها الفاضل

ماذا تنتظر منا ؟!

أحسنت الوصف وأجدت إيراد الحكاية ، إنها حكاية شعب ، أراك تخلد وتوثق للمقاومة ، لقد عشت معك الحكاية بكل تفصيلاتها ، أشعر وكأني أقرأ سيرة المقاومة بأسلوب مشوق ، لم يأت التشويق بقصد منكِ ، وإنما أتى من دواخلنا ، ونحن قطعة من الأشلاء ، وبعض من روح هيثم ، لقد طوفت بنا تطواف العارف النابه حتى أوصلتنا لمجرى الدمع المنهمر في دواخلنا .

والآن ؛ ماذا تنتظر ؟!

لن نمدحك ، ولكن نستزيدك

لك المحبة والاحترام

مأمون

أحمد عيسى
09-04-2007, 05:44 PM
أحمد عيسى ..
استمر ، فكلمات المديح لن تفيك حقك .. أدب المقاومة ، سيخلد تاريخ المجاهدين ، ومخيم جنين ما هو إلا عرين أشبال سيكون النصر حليفهم .
تحيتي لك وطاقة ورد أطوق بها عنقك ..

أختي الفاضلة : وفاء شوكت
وما فائدتنا لو لم نكتب ما نرى ، ونسمع ، ونحفظ قصص الأبطال من الضياع ، مثل من ضاع
تحيه اختي لمرورك الجميل

ودمت بخير

نزهة الحاج محمد
07-02-2009, 06:28 PM
مخيم جنين .
شهداء جنين .
ذاكرة جنين .
تشهد الماضي الحزين .
تعيد صور المظلومين .
في غزة ..
فى الخليل ..
جنين ..
مأساة لم يطبب عليها أحد .
وصيحات لم تصل أذان المنقذين .
لتضيع الأنات ..
بين الأسوار وفتك المجرمين ..
جنين .
لم ننصفك حين كنت تتألمين ..
وتصارعين ..
وتتأوهين ..
ببعض من رصاصات كنت تقاتلين ..
محشوة بالدم بالجسد بآهات السنين ..
إغتالوك وطمسوا جرح دفين ..
ماذا ينفعنا الحنين ؟؟
جنين جنين .
هل طاب جرحك ؟
أم ما زلت تنزفين ؟؟


أخي لكلماتك وقع حزين ..

راضي الضميري
07-02-2009, 07:59 PM
أدب المقاومة ، سلاح يجب أنْ نستغله ولأبعد حدود .
نجحت هنا ، وفي قصصك عن بطولات أهلنا في غزة .
هو الشعب المقاوم ، وها هي بطولاته تنسخ نفسها بنفسها لتدلّ على مدى التلاحم والتواصل بين أبناء الشعب الواحد ، ولتؤكد حقيقة مفادها أنّ المقاومة ستبقى الدرع الحقيقي لحفظ حقوقنا من الضياع والنسيان .
أخي أحمد عيسى
شكرًا لك .
تقديري واحترامي

أحمد عيسى
12-08-2009, 08:01 PM
أيها الفاضل

ماذا تنتظر منا ؟!

أحسنت الوصف وأجدت إيراد الحكاية ، إنها حكاية شعب ، أراك تخلد وتوثق للمقاومة ، لقد عشت معك الحكاية بكل تفصيلاتها ، أشعر وكأني أقرأ سيرة المقاومة بأسلوب مشوق ، لم يأت التشويق بقصد منكِ ، وإنما أتى من دواخلنا ، ونحن قطعة من الأشلاء ، وبعض من روح هيثم ، لقد طوفت بنا تطواف العارف النابه حتى أوصلتنا لمجرى الدمع المنهمر في دواخلنا .

والآن ؛ ماذا تنتظر ؟!

لن نمدحك ، ولكن نستزيدك

لك المحبة والاحترام

مأمون

الأستاذ الكبير : مأمون المغازي
ما أرق روحك وكلماتك يا صديقي
قد كنت رقيقاً في شعورك وفياً في كلماتك وردك ..
أشكرك كثيراً على كلماتك ولا أنتظر مدحاً يا صديقي فمرور الأفاضل هنا هو وسام فخر لي ..

أشكرك كثيراً يا صديقي

الطنطاوي الحسيني
16-08-2009, 10:22 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يالك من قاص مبدع مجاهد
رحم الله شهداء جنين وكل شهداء فلسطين
جميلة السرد شيقة رائعة
مفاجأة الاخذ
سلاسة وافراغ ذروة جميل اخي احمد عيسى ما قرأت لك هنا
نصرك الله واياهم

أحمد عيسى
22-08-2009, 05:02 PM
مخيم جنين .
شهداء جنين .
ذاكرة جنين .
تشهد الماضي الحزين .
تعيد صور المظلومين .
في غزة ..
فى الخليل ..
جنين ..
مأساة لم يطبب عليها أحد .
وصيحات لم تصل أذان المنقذين .
لتضيع الأنات ..
بين الأسوار وفتك المجرمين ..
جنين .
لم ننصفك حين كنت تتألمين ..
وتصارعين ..
وتتأوهين ..
ببعض من رصاصات كنت تقاتلين ..
محشوة بالدم بالجسد بآهات السنين ..
إغتالوك وطمسوا جرح دفين ..
ماذا ينفعنا الحنين ؟؟
جنين جنين .
هل طاب جرحك ؟
أم ما زلت تنزفين ؟؟


أخي لكلماتك وقع حزين ..
الأخت الفاضلة : نزهة

جميلة كلماتك أليمة كوقع قصتي أو أكثر ... لهذا تأثرتِ بها أختي ..

أسعدني مرورك الكريم وردك الرقيق

كوني بخير دوماً

د. مختار محرم
12-09-2012, 08:23 PM
قصة تزلزل القلب ..
ما أروعك أستاذ أحمد ..
لقد عشنا كل لحظات هذه الملحمة ..
قصة قضية ووطن ورسالة
دام ألق حرفك سيدي

وليد عارف الرشيد
12-09-2012, 11:18 PM
الله الله أيها المبدع الغائب الحاضر .. ما أروعك
قصة موغلة في الروعة فكرًا ونبلًا وإباءً .. وفنيات قص لا يتسنى للكثير أن يمتلكها
أمتعتني وهزت مشاعري وما نابني منها شجن بقدر الفخر
محبتي وتقديري أيها الجميل

ربيحة الرفاعي
13-09-2012, 12:00 AM
جميل هذا النص بفكرته ومعالجته وعزف حروفه على أوتار الحس النضالي في القلوب العطشى للمواجهة

"تعودنا طعم العلقم وأحببنا مذاق الزعتر واستسغنا طعم مياه الأمطار"
ألا ترى معي أيها الكريم أنك قرنت هنا بين ما لا يقترن في مثل هذا السياق، فالزعتر طيب المذاق ومياه الأمطار صافية سائغة، بينما العلقم مرّ يعني تعوده أو حتى تقبله المعاناة ...
والرأي لك

بعض سقطة طباعية وددت لو راجعت النص أديبنا الكريم قبل نشره لتلافيها

أهلا بك أيها الكريم في واحتك

تحاياي

نداء غريب صبري
14-04-2013, 10:25 PM
قصة من قصص المقاومة والبطولة
سردها جميل ووصفها جعلنا نعيش مع الأبطال بصدق اللحظة
بورك المجاهدون وبوركت البطولة
وبوركت أخي القاص أحمد عيسى

شكرا لك

كاملة بدارنه
29-04-2013, 06:40 PM
وصرخ بكل مشاعره المعتملة في صدره :-
- انتصرنا يا رجال .
وظل المخيم يردد صيحته حتى الآن
نصّ يكاد يكون توثيقيّا لدقّة الوصف فيه
نضح بالبطولة والتّضحية
بوركت
تقديري وتحيّتي