تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة نفسية في البيت الأول من (اليوم الثالث للحزن) للشاعر د. جمال مرسي



أحمد حسن محمد
24-04-2007, 01:31 AM
ألو .. هل تُجِيبُ النِّدا يَا حَبِيبِي=أَتَسمَعُ صَوتِي ، و جَمرَ نَحِيبِي ؟

إنه ليس هناك وقت للقصيدة إلا وقت المحادثة الهاتفية.. أو أنا يحلو لي أن أمارس رعشات القصيدة هنا في تخيل المحادثة تلك المحادثة التي تبدأ برغبة حقيقية فعلية في انتظار الرد.. وهي فعلا ليس لها محل من الزمان إلا بعد أيام من العادة اليومية من مباركة صوت الأب لابنه الحبيب إلى نفسه.. وذلك من السؤال فيما بعد..

(ألو) يا كم أسمع هذه الكلمة بهمزة مد.. (آ لو)
لكنها هنا بهمزة عادية ليست ممدودة.. همزة تقطع المسافة الصوتية سريعاً لتصل إلى نهاية الكلمة .. تلك النهاية التي يعقبها صمت الطرف الآخر..
هي بهمزة عادية تخلصت من كل تكاليف الصوت المظهرية من العرف المصري المعهود عندنا والذي سمعت عنها من أحد أصدقائي أنها من دعائم الإتيكيت أو رسم الشخصية أو الرقي أمام الطرف الآخر حين يفخم ويمد في أحرفه..
هنا لا مدود..
ولا تفخيم..
ولا .. ولا..
بل واقعية السرعة النفسية حين تظفر باللحظة وتنفرد بالرجل الرقيق الحزين.. سرعة الخطوات النفسية في الكلمة ونطقها واضح جد الوضوح..
من كلمة واحدة فقط رسم الشاعر لنا خطوطاً طولاً وعرضا تصف الموقف.. بل وأكاد أقول من كل زواياه..
ذلك الموقف الذي ناسب أشد المناسبة البحر الذي يشبه موجات البحر المكرورة أو دوائر الماء بعد إلقاء الحجر..
الفارق بين المشبه والمشبه به.. أن هنا المساحات تقاس بالإحساس بدءاً يعقبه عمل دءوب لكافة الحواس الممكنة..

ألو.. هل تجيب الندا يا حبيبي..

ليس تحضيضاً ولا حثاً ولا ولا وإن حمل إيحاءات من التحضيض والحث.. لكنه سؤال.. أعقب نقطتين:
- هما قطعتان من الخط لعلهما أشبه ببقايا الصدى.. /بقايا الصوت المهزوز الراعش.. قد تكونان!!
- هما على كل حال تمثلان مساحة خاوية ومليئة في نفس الوقت..
إنهما لا تقولان شيئا متعارفا عليه بأنه يعني شيئا يعني ليس لهما معنى في لغة العرب، وفي نفس الوقت لهما جسمان موجودان الآن في الورقة.. جسمان مستديران مصمتان.. وأكيد أن الصندوق مهما كان خالياً فإن لوجوه فائدة وحكمة ما..

هل تجيب الندا يا حبيبي..

هل..
الهاء التي تحكي لحظة قاسية على القلب حين تحس بتدفق دمه ممزوجاً بتأوه الزفرة أو زفرة التأوه المعلنة هنا في هائية الشاعر.. والتي تناسب لحظات الانتظار المشفق من الآتي تماماً..

هل..

يا أبي أنا لا أسمع صوتك...
هل تجيب..
ليس هنا أي ذكر لكون الأب الراحل غير سامعٍ الندا، بل هناك شبه قطع بأنه سامع للندا وقد يكون شبه القطع واعياً أو غير واعٍ .. ليس هذا مركز المسألة .. المركز نقطته إجابة الندا الآن أو لا..هذا هو المسئول عنه، أنه سمع فهذا أمر كان من بدهيات إحساس الشاعر، وأن أباه موجود أصلا على الطرف الآخر من الخط فهذا ما قاله الشاعر حين سأل عن إجابة الندا، لا عن فاعل إجابة الندا فالسؤال (هل تجيب الندا/ وليس أأنت تجيب الندا)..
ولو جئنا لما قاله سيبويه في أن هناك فائدة في ما اضطر العرب إليه في شعرهم.. فهنا أجد في قصر كلمة "الندا" ما يصدق هذا القول فعلا.. إنها معادلة كتابية أو صوتية بين ما كان من النداء فعلا ..
فقط كانت .. (ألو + . .) وهو ليس نداء كاملاً إنه جزء من النداء وإن كان أثبت معنى النداء أصلا..
أو أراد الشاعر أن يحاكي بين صوته في الواو الممدودة في "ألو" بالمد في "الندا" ..
أو أراد الشاعر أن يحاكي بين صوته المتردد صدى/ المهتز في مساحة النقطتين بعد ألو بالمساحة الصوتية الحزينة والواسعة التي تخلفها مدة الألف في "الندا.........."..
كل هذه احتمالات ممكنة للمعنى الذي يرسم نفسه بقوة الحدث.. وضغط المشاعر..
ومن هنا يتحول "الندا" إلى نداء غير مألوف، ولم نعتده فيما قرأناه.. رغم أن تركيب الجملة يوحي بأنه تركيب مطروق.. ووليد لحظة انفعال فحسب..
وأنا لا أنكر ولادته في لحظة انفعال، ولكني أثبت فقط قدرة هذه اللحظة بصدقها +_طاقة الشاعر النفسية واللغوية والشعرية = تركيبا مختلفاً.
ولذا –أيضاً- كانت كلمة (حبيبي) في منتهى البكاء.. في ذروة الرقة وتصاعد الحدث الهاتفي إلى قمته البالغة الإثارة وجعاً، وانفعالاً بحجم ما أفجع شاعرنا..

ولا شك في إمكانات "يا" للنداء ..
وللمنادى الناء أو كالناء يا..

أَتَسمَعُ صَوتِي ، و جَمرَ نَحِيبِي ؟


أنا جزمت في البدء أن الشاعر لم يأبه إلى مسألة أن والده سمع نداه أولم يسمعه وكان السبب عندي سهلا وجائز الوقوع جدا وهو في ثلاثة احتمالات:
- من بدهيات إحساس الشاعر أن أباه يحس به دوما، ويعرف ما به، وذلك أمر واقع عند كثيرين يسمونها بعملية التنبؤ، ولكن التنبؤ هنا مختلف فهو قبل كل شيء إحساس الأب بابنه وبما يعتمل في صدره، ثم بعد هذا تتدخل عمليات المخ في التنبؤ بمعناه الطبي أو في المأثور الديني.
- رغبة نفسية أو محاولة نفسية في تخطي تلك المرحلة (هل تسمعني الآن بوضوح؟؟) نظراً لقسوة تلك الكلمة الآن في هذا الموقف الذي يجاهده الشاعر بما أوتي من طاقة ضد الفناء..
- اعتياد الشاعر أن يحدث أباه كل يوم جعل بدايات المحادثة الهاتفية أمراً غير مأبوه له، وإنما ما بعد البدايات.

هذا كله وارد، ولكن الواقع برز مكشراً عن تفاصيله التي حاولنا تجاوزها، فالوالد رحل، وليس على الطرف الآخر من خط الاتصال الهاتفي.. ومن ثم حضرت مسألة أن يكون سامعاً أصلا..
لعل الشاعر لم يرد هذا، ولكن أراد أن يقول لنفسه ليس المهم أن تجيب مهما كان في إجابتك من السلامة لنفسي ما فيها، ولكن الأهم أن تسمع.. أن تعاود الاتصال بي بسمعك وإحساسك.. وبانتهاء البيت يكون الشاعر حدد رغبته في أن يسمعه وأمر الإجابة أو عدمها مرحلة لاحقة أو على الأقل لم يأت وقتها..

ما أروع هذا التراجع وهو يصور تلك الصحوة التي توقظ الشاعر من بدهيات مشاعره..

من زاوية حاصرتني المفارقة بين الواقع وبين ما نحمله من بدهيات شعورية نكون في أمس الحاجة أحياناً ألا نراجعها..
تلك المفارقة التي تفرض نفسها الآن في ثوبها الكئيب الخانق..
أبي يعرف ما في قلبي دوما .. يحس بآلامي .. فهل هو يجيب النداء الآن؟؟
الواقع يفرض سؤالا آخر: هل هو يسمع النداء.. ؟؟
بل أيسمع الصوت؟ مجرد الصوت؟ ضاعت هنا المعاني والكلمات بدلالاتها المعجمية كوسيلة اتصال.. تبقى صوت الهاء في (هل) والحاء في (حبيبي/ نحيبي) والجيم (تجيب / جمر).. ومنثورات النون والميم والباء)
تلك الباء التي ظهرت ذات يوم لأجل أن يعبر تكرارها عن (بابا)..
لكنها هنا جمعت حياتين حياة (بابا) وحياة (حـ/ /ـبيبي).. وأنا هنا لا أستدعي فكاهة من اللفظ ولا أحسب أن الموقف يستدعيها في ذهن أحد، ولكني أقصد حياة ذلك المسمى (بيبي) وحياة ذلك المسمى (بابا).. أي حياة الطفل الصغير الذي يرعاه (بابا) وحياة الأب الحكيم المعلم الذي يحب (ـبيبي)..
لا أدري هل كان في قصد الشاعر هذا أم لا..
أنا وجدت ما يبرر تفكيري في مثل هذه الجمالية وهو البيت الرابع



و كُنتُ إذا مـا بَثَثتُـكَ حُزنِـي=تقـولُ فِـداكَ العُيـونُ حَبِيبِـي


ف(حبيبي) الأولى من الابن للأب.. و(حبيبي/البيت الرابع) نفس اللفظ من الأب للابن..
لعلها اجتمعت بشكل غير واع، في (حــ/بيبي) تلك الباءات التي رسمت لنا خطاً نفسياً، وتفسيريا للعلاقة الرائعة التي جمعت الأب والابن..

محمد جمال إبراهيم
24-04-2007, 05:20 AM
مرور قبل السفر..
روعة ..
وبارك الله..

د.جمال مرسي
24-04-2007, 06:02 AM
متابعة من القلب
و شغف كبير للبيت الثاني
و قبلهما قلب يخفق بحبك
فلله أنت أخي أحمد
دمت لأخيك
و سلمك الله

أحمد حسن محمد
24-04-2007, 08:30 AM
مرور قبل السفر..
روعة ..
وبارك الله..

شكرا حبيبي..
في رعاية الله

د. مصطفى عراقي
24-04-2007, 10:14 AM
ألو .. هل تُجِيبُ النِّدا يَا حَبِيبِي=أَتَسمَعُ صَوتِي ، و جَمرَ نَحِيبِي ؟
إنه ليس هناك وقت للقصيدة إلا وقت المحادثة الهاتفية.. أو أنا يحلو لي أن أمارس رعشات القصيدة هنا في تخيل المحادثة تلك المحادثة التي تبدأ برغبة حقيقية فعلية في انتظار الرد.. وهي فعلا ليس لها محل من الزمان إلا بعد أيام من العادة اليومية من مباركة صوت الأب لابنه الحبيب إلى نفسه.. وذلك من السؤال فيما بعد..
(ألو) يا كم أسمع هذه الكلمة بهمزة مد.. (آ لو)
لكنها هنا بهمزة عادية ليست ممدودة.. همزة تقطع المسافة الصوتية سريعاً لتصل إلى نهاية الكلمة .. تلك النهاية التي يعقبها صمت الطرف الآخر..
هي بهمزة عادية تخلصت من كل تكاليف الصوت المظهرية من العرف المصري المعهود عندنا والذي سمعت عنها من أحد أصدقائي أنها من دعائم الإتيكيت أو رسم الشخصية أو الرقي أمام الطرف الآخر حين يفخم ويمد في أحرفه..
هنا لا مدود..
ولا تفخيم..
ولا .. ولا..
بل واقعية السرعة النفسية حين تظفر باللحظة وتنفرد بالرجل الرقيق الحزين.. سرعة الخطوات النفسية في الكلمة ونطقها واضح جد الوضوح..
من كلمة واحدة فقط رسم الشاعر لنا خطوطاً طولاً وعرضا تصف الموقف.. بل وأكاد أقول من كل زواياه..
ذلك الموقف الذي ناسب أشد المناسبة البحر الذي يشبه موجات البحر المكرورة أو دوائر الماء بعد إلقاء الحجر..
الفارق بين المشبه والمشبه به.. أن هنا المساحات تقاس بالإحساس بدءاً يعقبه عمل دءوب لكافة الحواس الممكنة..
ألو.. هل تجيب الندا يا حبيبي..
ليس تحضيضاً ولا حثاً ولا ولا وإن حمل إيحاءات من التحضيض والحث.. لكنه سؤال.. أعقب نقطتين:
- هما قطعتان من الخط لعلهما أشبه ببقايا الصدى.. /بقايا الصوت المهزوز الراعش.. قد تكونان!!
- هما على كل حال تمثلان مساحة خاوية ومليئة في نفس الوقت..
إنهما لا تقولان شيئا متعارفا عليه بأنه يعني شيئا يعني ليس لهما معنى في لغة العرب، وفي نفس الوقت لهما جسمان موجودان الآن في الورقة.. جسمان مستديران مصمتان.. وأكيد أن الصندوق مهما كان خالياً فإن لوجوه فائدة وحكمة ما..
هل تجيب الندا يا حبيبي..
هل..
الهاء التي تحكي لحظة قاسية على القلب حين تحس بتدفق دمه ممزوجاً بتأوه الزفرة أو زفرة التأوه المعلنة هنا في هائية الشاعر.. والتي تناسب لحظات الانتظار المشفق من الآتي تماماً..
هل..
يا أبي أنا لا أسمع صوتك...
هل تجيب..
ليس هنا أي ذكر لكون الأب الراحل غير سامعٍ الندا، بل هناك شبه قطع بأنه سامع للندا وقد يكون شبه القطع واعياً أو غير واعٍ .. ليس هذا مركز المسألة .. المركز نقطته إجابة الندا الآن أو لا..هذا هو المسئول عنه، أنه سمع فهذا أمر كان من بدهيات إحساس الشاعر، وأن أباه موجود أصلا على الطرف الآخر من الخط فهذا ما قاله الشاعر حين سأل عن إجابة الندا، لا عن فاعل إجابة الندا فالسؤال (هل تجيب الندا/ وليس أأنت تجيب الندا)..
ولو جئنا لما قاله سيبويه في أن هناك فائدة في ما اضطر العرب إليه في شعرهم.. فهنا أجد في قصر كلمة "الندا" ما يصدق هذا القول فعلا.. إنها معادلة كتابية أو صوتية بين ما كان من النداء فعلا ..
فقط كانت .. (ألو + . .) وهو ليس نداء كاملاً إنه جزء من النداء وإن كان أثبت معنى النداء أصلا..
أو أراد الشاعر أن يحاكي بين صوته في الواو الممدودة في "ألو" بالمد في "الندا" ..
أو أراد الشاعر أن يحاكي بين صوته المتردد صدى/ المهتز في مساحة النقطتين بعد ألو بالمساحة الصوتية الحزينة والواسعة التي تخلفها مدة الألف في "الندا.........."..
كل هذه احتمالات ممكنة للمعنى الذي يرسم نفسه بقوة الحدث.. وضغط المشاعر..
ومن هنا يتحول "الندا" إلى نداء غير مألوف، ولم نعتده فيما قرأناه.. رغم أن تركيب الجملة يوحي بأنه تركيب مطروق.. ووليد لحظة انفعال فحسب..
وأنا لا أنكر ولادته في لحظة انفعال، ولكني أثبت فقط قدرة هذه اللحظة بصدقها +_طاقة الشاعر النفسية واللغوية والشعرية = تركيبا مختلفاً.
ولذا –أيضاً- كانت كلمة (حبيبي) في منتهى البكاء.. في ذروة الرقة وتصاعد الحدث الهاتفي إلى قمته البالغة الإثارة وجعاً، وانفعالاً بحجم ما أفجع شاعرنا..
ولا شك في إمكانات "يا" للنداء ..
وللمنادى الناء أو كالناء يا..
أَتَسمَعُ صَوتِي ، و جَمرَ نَحِيبِي ؟
أنا جزمت في البدء أن الشاعر لم يأبه إلى مسألة أن والده سمع نداه أولم يسمعه وكان السبب عندي سهلا وجائز الوقوع جدا وهو في ثلاثة احتمالات:
- من بدهيات إحساس الشاعر أن أباه يحس به دوما، ويعرف ما به، وذلك أمر واقع عند كثيرين يسمونها بعملية التنبؤ، ولكن التنبؤ هنا مختلف فهو قبل كل شيء إحساس الأب بابنه وبما يعتمل في صدره، ثم بعد هذا تتدخل عمليات المخ في التنبؤ بمعناه الطبي أو في المأثور الديني.
- رغبة نفسية أو محاولة نفسية في تخطي تلك المرحلة (هل تسمعني الآن بوضوح؟؟) نظراً لقسوة تلك الكلمة الآن في هذا الموقف الذي يجاهده الشاعر بما أوتي من طاقة ضد الفناء..
- اعتياد الشاعر أن يحدث أباه كل يوم جعل بدايات المحادثة الهاتفية أمراً غير مأبوه له، وإنما ما بعد البدايات.
هذا كله وارد، ولكن الواقع برز مكشراً عن تفاصيله التي حاولنا تجاوزها، فالوالد رحل، وليس على الطرف الآخر من خط الاتصال الهاتفي.. ومن ثم حضرت مسألة أن يكون سامعاً أصلا..
لعل الشاعر لم يرد هذا، ولكن أراد أن يقول لنفسه ليس المهم أن تجيب مهما كان في إجابتك من السلامة لنفسي ما فيها، ولكن الأهم أن تسمع.. أن تعاود الاتصال بي بسمعك وإحساسك.. وبانتهاء البيت يكون الشاعر حدد رغبته في أن يسمعه وأمر الإجابة أو عدمها مرحلة لاحقة أو على الأقل لم يأت وقتها..
ما أروع هذا التراجع وهو يصور تلك الصحوة التي توقظ الشاعر من بدهيات مشاعره..
من زاوية حاصرتني المفارقة بين الواقع وبين ما نحمله من بدهيات شعورية نكون في أمس الحاجة أحياناً ألا نراجعها..
تلك المفارقة التي تفرض نفسها الآن في ثوبها الكئيب الخانق..
أبي يعرف ما في قلبي دوما .. يحس بآلامي .. فهل هو يجيب النداء الآن؟؟
الواقع يفرض سؤالا آخر: هل هو يسمع النداء.. ؟؟
بل أيسمع الصوت؟ مجرد الصوت؟ ضاعت هنا المعاني والكلمات بدلالاتها المعجمية كوسيلة اتصال.. تبقى صوت الهاء في (هل) والحاء في (حبيبي/ نحيبي) والجيم (تجيب / جمر).. ومنثورات النون والميم والباء)
تلك الباء التي ظهرت ذات يوم لأجل أن يعبر تكرارها عن (بابا)..
لكنها هنا جمعت حياتين حياة (بابا) وحياة (حـ/ /ـبيبي).. وأنا هنا لا أستدعي فكاهة من اللفظ ولا أحسب أن الموقف يستدعيها في ذهن أحد، ولكني أقصد حياة ذلك المسمى (بيبي) وحياة ذلك المسمى (بابا).. أي حياة الطفل الصغير الذي يرعاه (بابا) وحياة الأب الحكيم المعلم الذي يحب (ـبيبي)..
لا أدري هل كان في قصد الشاعر هذا أم لا..
أنا وجدت ما يبرر تفكيري في مثل هذه الجمالية وهو البيت الرابع

و كُنتُ إذا مـا بَثَثتُـكَ حُزنِـي=تقـولُ فِـداكَ العُيـونُ حَبِيبِـي
ف(حبيبي) الأولى من الابن للأب.. و(حبيبي/البيت الرابع) نفس اللفظ من الأب للابن..
لعلها اجتمعت بشكل غير واع، في (حــ/بيبي) تلك الباءات التي رسمت لنا خطاً نفسياً، وتفسيريا للعلاقة الرائعة التي جمعت الأب والابن..





الابن الغالي أحمد


ما أسعدني بهذا النقد الذي يرتاد أفقا جديدا في أعماق البنية الفنية بلماحية ذكية فائقة ، وحساسية لغوية صادقة ، تنفذ إلى الأسرار والأغوار بحبٍّ واقتدار. عبر بيتٍ واحدٍ حوى ما حوى من الصدق والجمال والجلال

للتثبيت يا أحمد تقديرا وإعجابا.


ودمت بكل الخير والسعادة والإحسان

أحمد حسن محمد
24-04-2007, 01:24 PM
متابعة من القلب
و شغف كبير للبيت الثاني
و قبلهما قلب يخفق بحبك
فلله أنت أخي أحمد
دمت لأخيك
و سلمك الله


أيها الحبيب..
الدكتور الغالي/
جمال مرسي
إن في قلبي صوتك لا يترددُ..
فأنا الشاكر لك أيها القريب جدا..
ما كان ليمكنني أن أتفاعل مع حرف واحد إلا بدهشة الشعور..
والشعور بالفكرة..
شجعتني كلماتك..
وصوتك الحبيب..
فلك المحبة والتقدير أيها الشاعر
الذي يرسم دوما إنساناً من روح وجسم
لا قصيدة من كلمات..

وقدر الله أخاك المحب على إكمال القصيدة..
دعواتك..
ولك الدعوات بكل الخير

أحمد حسن محمد
24-04-2007, 07:21 PM
الابن الغالي أحمد
ما أسعدني بهذا النقد الذي يرتاد أفقا جديدا في أعماق البنية الفنية بلماحية ذكية فائقة ، وحساسية لغوية صادقة ، تنفذ إلى الأسرار والأغوار بحبٍّ واقتدار. عبر بيتٍ واحدٍ حوى ما حوى من الصدق والجمال والجلال
للتثبيت يا أحمد تقديرا وإعجابا.
ودمت بكل الخير والسعادة والإحسان




أستاذي الحبيب الجميل
الدكتور/
مصطفى عراقي
في انتظار هذه الزيارة دوماً..
أقضي أوقاتاً من التلفت والتركيز والرجاء..
أيها الحبيب القريب القاضي إذا كان القضاء علماً..
البادي إذا قدر للشموس البدو كصفة ملازمة..
الحادي فؤادي إلى سعادة أثمرتها تلك الزيارة الكريمة..
والتشجيع الحبيب إلى نفس محبك

تحيتي وتقديري وزهوي بإعجابك

مجذوب العيد المشراوي
25-04-2007, 11:51 AM
أحمد نعرف عبقريتك وبتنا ننتظر غيثك فمتى ؟؟؟

أحمد حسن محمد
25-04-2007, 03:31 PM
أحمد نعرف عبقريتك وبتنا ننتظر غيثك فمتى ؟؟؟



أيها المجامل بلا رأفة..
كيف حالي وأنا أسمع تانكم الكلمات من غالي المنزلة في قلبي..
ارفق بي..
أما غيثي فأنا أخفيه دوماً لسبب بسيط..
هو أني أرى أن فائدته لا تكون شيئاً بين سحاباتك..

تحية محب والله

خليل حلاوجي
25-04-2007, 04:14 PM
الشاعر الصادق جمال

والنقد الناضج احمد

تعانق السمو والابداع

أحمد حسن محمد
27-04-2007, 09:17 PM
هذه قراءة للبيت الثاني لشاعرة وكاتبة سعودية..

(الشاعرة هند)
قراءة نفسية للبيت الثاني
أتسمع نبضي وتنأى بعيدا وقد كنت بهجة صبح الغريب
ياااااااااااااااه
وجع شاعرنا يبدأ بحرف ثقيل ،،، لعل إحساسه أراد حرفا ثقيلا ثقل الوجع
فكان الهمزة ،، هذا الصوت المجهور الذي حاول النبض به أن يتخفَّف من وجعه
فيجهر به ،،،
يسأل شاعرنا سـؤال من لا ينتظر جوابا ،، يدرك أنَّه لن يُجاب ،،
ولكن الحزن لمَّا يعلن عنه القلب تهدأ النفس قليلا ..
(
وتنأى بعيدا) ياللـــــــــــــه !!!!!!!!
ما شكل ؟ ما لون ؟ ما طعم وجع كهذا ؟؟؟
ما اكتفى بدلالة النأي ،، بل زاده بعدًا ، إذ هو النأي الأبعد..
للمتلقي أن يتخيَّل إحساس من يشكو نأيًـــا أبعد !!!
( قد كنت ) حقيقة يؤكِّدها الإحساس المذبوح وهو
يتذكَّـــر زمانا تولَّى ، ويصرُّ على تأكيدها بـ ( قد ) ،،، كان ثَمَّ زمان مشرق
،،، لكن لون الإشراق هنا ليس مضيئا كما المعتاد ؛ لأنَّـــه صبح الغريب
،،،حتى لمَّا يأتي ضوءٌ في النص ــ نعم هو ضوء قادم من زمن غير زمن الألم
الجاثم على النبض الآن ــ أقول حتى لمَّا يأتي ضوء يحاط بسياج من عتمة ،،
عتمة الغربة ،، فإحساس شاعرنا ال ... وقف في وجه الضوء ليكسر بهاءه ؛
إذ ليس المقام مقام إشراق وإضاءة ...
هـــنـــــد

أحمد حسن محمد
02-05-2007, 12:38 PM
الشاعر الصادق جمال
والنقد الناضج احمد
تعانق السمو والابداع

كابتسامة الوليد أرى كلماتك فطرةً.
كاللذة التي ترسم عيون الضحى في عيوني..
تبدو كلماتك..
وتباركني خطوات قلمك..
لأبتسم في فرحة..
شاكر لك من جديد

عادل العاني
02-05-2007, 01:08 PM
هذه قراءة للبيت الثاني لشاعرة وكاتبة سعودية..

(الشاعرة هند)
قراءة نفسية للبيت الثاني
أتسمع نبضي وتنأى بعيدا وقد كنت بهجة صبح الغريب
ياااااااااااااااه
وجع شاعرنا يبدأ بحرف ثقيل ،،، لعل إحساسه أراد حرفا ثقيلا ثقل الوجع
فكان الهمزة ،، هذا الصوت المجهور الذي حاول النبض به أن يتخفَّف من وجعه
فيجهر به ،،،
يسأل شاعرنا سـؤال من لا ينتظر جوابا ،، يدرك أنَّه لن يُجاب ،،
ولكن الحزن لمَّا يعلن عنه القلب تهدأ النفس قليلا ..
(
وتنأى بعيدا) ياللـــــــــــــه !!!!!!!!
ما شكل ؟ ما لون ؟ ما طعم وجع كهذا ؟؟؟
ما اكتفى بدلالة النأي ،، بل زاده بعدًا ، إذ هو النأي الأبعد..
للمتلقي أن يتخيَّل إحساس من يشكو نأيًـــا أبعد !!!
( قد كنت ) حقيقة يؤكِّدها الإحساس المذبوح وهو
يتذكَّـــر زمانا تولَّى ، ويصرُّ على تأكيدها بـ ( قد ) ،،، كان ثَمَّ زمان مشرق
،،، لكن لون الإشراق هنا ليس مضيئا كما المعتاد ؛ لأنَّـــه صبح الغريب
،،،حتى لمَّا يأتي ضوءٌ في النص ــ نعم هو ضوء قادم من زمن غير زمن الألم
الجاثم على النبض الآن ــ أقول حتى لمَّا يأتي ضوء يحاط بسياج من عتمة ،،
عتمة الغربة ،، فإحساس شاعرنا ال ... وقف في وجه الضوء ليكسر بهاءه ؛
إذ ليس المقام مقام إشراق وإضاءة ...
هـــنـــــد


رائع حقا يا أحمد

لكن اسمح لي هنا أن أختلف معك :

وخاصة فيما يتعلق بالشطر الثاني :

أتسمع نبضي وتنأى بعيدا وقد كنت بهجة صبح الغريب

من الشطر الأول يتضح مدى عمق الجرح والإستغراب !
وكان يفترض بالشطر الثاني أن يكون اكثر قوة ووضوحا لبيان مدى الألم في الشطر الأول.

فالغريب لا يوصف بالبهجة , والغريب ليس له صبح , قبل التعرف عليه ,
ولو كان المعنى ( وقد كنت بهجة صبح رحيب ) لعبرت عن اللم والخسران .
أما أن يكون بهجة صبح الغريب ويرحل ... فلم الحزن عليه إذن ؟

وأضيف لشرحكم أيضا إن اختيارها لبحر المتقارب أتاح لها فرصة العزف على أوتار الألم.


ويبقى هذا رأيا ليس إلا ...

تحياتي وتقديري

د.جمال مرسي
02-05-2007, 08:36 PM
الأخ الصديق المبدع عادل العاني
إن كان مسموحا لي أن أتدخل في النقاش و لست بناقد في حرفية أخي أحمد و لا في دقة رؤية أختنا هند
إلا أنني أردت أن أوضح أمرين
1- الاقتباس الذي اقتبسته و خاطبت في نهايته أخي أحمد حسن هو للشاعرة هند و ليس لأحمد و هذا رأيها و أعتز به و أقدره لها .
2- أما بخصوص الغريب و تداعياتها في البيت فأقول أن للغريب صبحاً كأي إنسان و لكن الشاعر كان يراه صبحاً كئيباً موحشاً لا بهجة فيه و لا حياة إلا حين يسمع صوت الأب فتعود له البهجة و الانشراح و النور . هذا ما قصدته من بهجة صبح الغريب لأن الكلام موجه للمرثي بالقول ( و قد كنت ) أي قد كنت قبل رحيلك بهجة و فرحة لهذا الصبح الكئيب لهذا الغريب .
و ربما توسع اخي أحمد في تحليل هذا البيت عندما يعود له إن شاء الله فيعطيه أبعاداً أخرى يراها بعين الناقد المميز .
فسأنتظره على بساط اللهفة
و لك الشكر الجزيل على رأيك الجميل و للحديث معكم بقية و متعة خاصة
دمت بخير أخي عادل و تقبل الود

أحمد حسن محمد
02-05-2007, 10:28 PM
الأخ الصديق المبدع عادل العاني
إن كان مسموحا لي أن أتدخل في النقاش و لست بناقد في حرفية أخي أحمد و لا في دقة رؤية أختنا هند
إلا أنني أردت أن أوضح أمرين
1- الاقتباس الذي اقتبسته و خاطبت في نهايته أخي أحمد حسن هو للشاعرة هند و ليس لأحمد و هذا رأيها و أعتز به و أقدره لها .
2- أما بخصوص الغريب و تداعياتها في البيت فأقول أن للغريب صبحاً كأي إنسان و لكن الشاعر كان يراه صبحاً كئيباً موحشاً لا بهجة فيه و لا حياة إلا حين يسمع صوت الأب فتعود له البهجة و الانشراح و النور . هذا ما قصدته من بهجة صبح الغريب لأن الكلام موجه للمرثي بالقول ( و قد كنت ) أي قد كنت قبل رحيلك بهجة و فرحة لهذا الصبح الكئيب لهذا الغريب .
و ربما توسع اخي أحمد في تحليل هذا البيت عندما يعود له إن شاء الله فيعطيه أبعاداً أخرى يراها بعين الناقد المميز .
فسأنتظره على بساط اللهفة
و لك الشكر الجزيل على رأيك الجميل و للحديث معكم بقية و متعة خاصة
دمت بخير أخي عادل و تقبل الود



صدقت يا أستاذي الغالي ..
وأخي الكبير الجميل..
وأنا بصراحة لم أر التفسير الذي رآه أستاذنا الشاعر عادل العاني، وإنما كنت أرى أن المعنى الذي شرحته أنت ه البدهي في الدخول بدءاً إلى عقل القارئ..
وفوق هذا وذاك .. عبقرية تحديد الوقت بالصبح...
فلقد تعبنا من ذكر الليل.. ومن البدهي امتلاء الليل بالهموم وهذا منتشر في الشعر العربي..
ذكر الليل ملازما للهموم والوحشة..
أما أنت فبعبقرية الشعر حددت الصبح..
الصبح/ وقت المحادثة الهاتفية/ لعله تكملة لليل التراثي.. فقد ذكر من قبلك الليل وما فيه، وأنت تؤكد هذا بدون ذكره، ولكن حين تذكر الصبح فكأنما طال ليل الهم (تراثاً) في انتظار الصباح والمكالمة ، حتى الصباح وقت بداية العمل فهو مليء عندك بالهموم، وليس هموما بغير تقييد، ولكنها بصفة الغريب.. وما أقسى أن يكون ذلك الامتداد للهموم (الليل/التراث) .... (الصبح/الشاعر العبقري جمال مرسي).. ما أقسى مثل هذا الامتداد حيث لا توجد المكالمة الهاتفية بسبب رحيل الوالد..
وسامح أخاك وتلميذك المحب في تأخره في تفعيل علاقته مع البيت الثاني..
سوف أحادثه وأكون علاقة معه يمكنني من خلالها أن أستفيد شيئا من مكنوناته..
أيها الغالي..
شكرا لكما..

عادل العاني
03-05-2007, 08:22 AM
أخي دكتور جمال

آسف أولا على الخطأ الذي حصل , والذي نتج بسبب زحمة الصفحات التي كانت أمامي.

أما رؤيتي فلم تتغير ...

وربما هي وجهات نظر في الربط بين الصبح ... والغريب ,

لأن الغريب إن رحل فلن يترك ذلك الألم الذي عبر عنه الشطر الأول.

بالتأكيد الرؤية تعتمد على أمور عديدة ولا يمكن لمن يريد ان يبحر في المعنى أن يرسم نقس الصورة التي يراها الآخر.

ويبقى تنوع الصور بتنوع الرؤية أمر بديع ايضأ.

تحياتي وتقديري

عادل العاني
03-05-2007, 08:30 AM
ألو .. هل تُجِيبُ النِّدا يَا حَبِيبِي=أَتَسمَعُ صَوتِي ، و جَمرَ نَحِيبِي ؟
إنه ليس هناك وقت للقصيدة إلا وقت المحادثة الهاتفية.. أو أنا يحلو لي أن أمارس رعشات القصيدة هنا في تخيل المحادثة تلك المحادثة التي تبدأ برغبة حقيقية فعلية في انتظار الرد.. وهي فعلا ليس لها محل من الزمان إلا بعد أيام من العادة اليومية من مباركة صوت الأب لابنه الحبيب إلى نفسه.. وذلك من السؤال فيما بعد..
(ألو) يا كم أسمع هذه الكلمة بهمزة مد.. (آ لو)
لكنها هنا بهمزة عادية ليست ممدودة.. همزة تقطع المسافة الصوتية سريعاً لتصل إلى نهاية الكلمة .. تلك النهاية التي يعقبها صمت الطرف الآخر..
هي بهمزة عادية تخلصت من كل تكاليف الصوت المظهرية من العرف المصري المعهود عندنا والذي سمعت عنها من أحد أصدقائي أنها من دعائم الإتيكيت أو رسم الشخصية أو الرقي أمام الطرف الآخر حين يفخم ويمد في أحرفه..
هنا لا مدود..
ولا تفخيم..
ولا .. ولا..
بل واقعية السرعة النفسية حين تظفر باللحظة وتنفرد بالرجل الرقيق الحزين.. سرعة الخطوات النفسية في الكلمة ونطقها واضح جد الوضوح..
من كلمة واحدة فقط رسم الشاعر لنا خطوطاً طولاً وعرضا تصف الموقف.. بل وأكاد أقول من كل زواياه..
ذلك الموقف الذي ناسب أشد المناسبة البحر الذي يشبه موجات البحر المكرورة أو دوائر الماء بعد إلقاء الحجر..
الفارق بين المشبه والمشبه به.. أن هنا المساحات تقاس بالإحساس بدءاً يعقبه عمل دءوب لكافة الحواس الممكنة..
ألو.. هل تجيب الندا يا حبيبي..
ليس تحضيضاً ولا حثاً ولا ولا وإن حمل إيحاءات من التحضيض والحث.. لكنه سؤال.. أعقب نقطتين:
- هما قطعتان من الخط لعلهما أشبه ببقايا الصدى.. /بقايا الصوت المهزوز الراعش.. قد تكونان!!
- هما على كل حال تمثلان مساحة خاوية ومليئة في نفس الوقت..
إنهما لا تقولان شيئا متعارفا عليه بأنه يعني شيئا يعني ليس لهما معنى في لغة العرب، وفي نفس الوقت لهما جسمان موجودان الآن في الورقة.. جسمان مستديران مصمتان.. وأكيد أن الصندوق مهما كان خالياً فإن لوجوه فائدة وحكمة ما..
هل تجيب الندا يا حبيبي..
هل..
الهاء التي تحكي لحظة قاسية على القلب حين تحس بتدفق دمه ممزوجاً بتأوه الزفرة أو زفرة التأوه المعلنة هنا في هائية الشاعر.. والتي تناسب لحظات الانتظار المشفق من الآتي تماماً..
هل..
يا أبي أنا لا أسمع صوتك...
هل تجيب..
ليس هنا أي ذكر لكون الأب الراحل غير سامعٍ الندا، بل هناك شبه قطع بأنه سامع للندا وقد يكون شبه القطع واعياً أو غير واعٍ .. ليس هذا مركز المسألة .. المركز نقطته إجابة الندا الآن أو لا..هذا هو المسئول عنه، أنه سمع فهذا أمر كان من بدهيات إحساس الشاعر، وأن أباه موجود أصلا على الطرف الآخر من الخط فهذا ما قاله الشاعر حين سأل عن إجابة الندا، لا عن فاعل إجابة الندا فالسؤال (هل تجيب الندا/ وليس أأنت تجيب الندا)..
ولو جئنا لما قاله سيبويه في أن هناك فائدة في ما اضطر العرب إليه في شعرهم.. فهنا أجد في قصر كلمة "الندا" ما يصدق هذا القول فعلا.. إنها معادلة كتابية أو صوتية بين ما كان من النداء فعلا ..
فقط كانت .. (ألو + . .) وهو ليس نداء كاملاً إنه جزء من النداء وإن كان أثبت معنى النداء أصلا..
أو أراد الشاعر أن يحاكي بين صوته في الواو الممدودة في "ألو" بالمد في "الندا" ..
أو أراد الشاعر أن يحاكي بين صوته المتردد صدى/ المهتز في مساحة النقطتين بعد ألو بالمساحة الصوتية الحزينة والواسعة التي تخلفها مدة الألف في "الندا.........."..
كل هذه احتمالات ممكنة للمعنى الذي يرسم نفسه بقوة الحدث.. وضغط المشاعر..
ومن هنا يتحول "الندا" إلى نداء غير مألوف، ولم نعتده فيما قرأناه.. رغم أن تركيب الجملة يوحي بأنه تركيب مطروق.. ووليد لحظة انفعال فحسب..
وأنا لا أنكر ولادته في لحظة انفعال، ولكني أثبت فقط قدرة هذه اللحظة بصدقها +_طاقة الشاعر النفسية واللغوية والشعرية = تركيبا مختلفاً.
ولذا –أيضاً- كانت كلمة (حبيبي) في منتهى البكاء.. في ذروة الرقة وتصاعد الحدث الهاتفي إلى قمته البالغة الإثارة وجعاً، وانفعالاً بحجم ما أفجع شاعرنا..
ولا شك في إمكانات "يا" للنداء ..
وللمنادى الناء أو كالناء يا..
أَتَسمَعُ صَوتِي ، و جَمرَ نَحِيبِي ؟
أنا جزمت في البدء أن الشاعر لم يأبه إلى مسألة أن والده سمع نداه أولم يسمعه وكان السبب عندي سهلا وجائز الوقوع جدا وهو في ثلاثة احتمالات:
- من بدهيات إحساس الشاعر أن أباه يحس به دوما، ويعرف ما به، وذلك أمر واقع عند كثيرين يسمونها بعملية التنبؤ، ولكن التنبؤ هنا مختلف فهو قبل كل شيء إحساس الأب بابنه وبما يعتمل في صدره، ثم بعد هذا تتدخل عمليات المخ في التنبؤ بمعناه الطبي أو في المأثور الديني.
- رغبة نفسية أو محاولة نفسية في تخطي تلك المرحلة (هل تسمعني الآن بوضوح؟؟) نظراً لقسوة تلك الكلمة الآن في هذا الموقف الذي يجاهده الشاعر بما أوتي من طاقة ضد الفناء..
- اعتياد الشاعر أن يحدث أباه كل يوم جعل بدايات المحادثة الهاتفية أمراً غير مأبوه له، وإنما ما بعد البدايات.
هذا كله وارد، ولكن الواقع برز مكشراً عن تفاصيله التي حاولنا تجاوزها، فالوالد رحل، وليس على الطرف الآخر من خط الاتصال الهاتفي.. ومن ثم حضرت مسألة أن يكون سامعاً أصلا..
لعل الشاعر لم يرد هذا، ولكن أراد أن يقول لنفسه ليس المهم أن تجيب مهما كان في إجابتك من السلامة لنفسي ما فيها، ولكن الأهم أن تسمع.. أن تعاود الاتصال بي بسمعك وإحساسك.. وبانتهاء البيت يكون الشاعر حدد رغبته في أن يسمعه وأمر الإجابة أو عدمها مرحلة لاحقة أو على الأقل لم يأت وقتها..
ما أروع هذا التراجع وهو يصور تلك الصحوة التي توقظ الشاعر من بدهيات مشاعره..
من زاوية حاصرتني المفارقة بين الواقع وبين ما نحمله من بدهيات شعورية نكون في أمس الحاجة أحياناً ألا نراجعها..
تلك المفارقة التي تفرض نفسها الآن في ثوبها الكئيب الخانق..
أبي يعرف ما في قلبي دوما .. يحس بآلامي .. فهل هو يجيب النداء الآن؟؟
الواقع يفرض سؤالا آخر: هل هو يسمع النداء.. ؟؟
بل أيسمع الصوت؟ مجرد الصوت؟ ضاعت هنا المعاني والكلمات بدلالاتها المعجمية كوسيلة اتصال.. تبقى صوت الهاء في (هل) والحاء في (حبيبي/ نحيبي) والجيم (تجيب / جمر).. ومنثورات النون والميم والباء)
تلك الباء التي ظهرت ذات يوم لأجل أن يعبر تكرارها عن (بابا)..
لكنها هنا جمعت حياتين حياة (بابا) وحياة (حـ/ /ـبيبي).. وأنا هنا لا أستدعي فكاهة من اللفظ ولا أحسب أن الموقف يستدعيها في ذهن أحد، ولكني أقصد حياة ذلك المسمى (بيبي) وحياة ذلك المسمى (بابا).. أي حياة الطفل الصغير الذي يرعاه (بابا) وحياة الأب الحكيم المعلم الذي يحب (ـبيبي)..
لا أدري هل كان في قصد الشاعر هذا أم لا..
أنا وجدت ما يبرر تفكيري في مثل هذه الجمالية وهو البيت الرابع

و كُنتُ إذا مـا بَثَثتُـكَ حُزنِـي=تقـولُ فِـداكَ العُيـونُ حَبِيبِـي
ف(حبيبي) الأولى من الابن للأب.. و(حبيبي/البيت الرابع) نفس اللفظ من الأب للابن..
لعلها اجتمعت بشكل غير واع، في (حــ/بيبي) تلك الباءات التي رسمت لنا خطاً نفسياً، وتفسيريا للعلاقة الرائعة التي جمعت الأب والابن..



أحمد

كنت هنا أكثر من رائع ,

وكنت أتمنى أيضا التطرق لما يرسمه الشاعر في الشطر الثاني من التناقض الذي عبر عنه ببلاغة :

اتسمع صوتي ... وجمر نحيبي

تسلؤل عن سماع صوت في مقطعه الأول , ثم انتقال إلى التعبير عن مدلاى الحزن واللم ::: جمر نحيبي

فالجمر لا صوت له , لكنه ربطه بالنحيب للتعبير عن عمق الألم.


وأنتظر منك المزيد.


تحياتي وتقديري

د.جمال مرسي
03-05-2007, 09:10 AM
بارك الله بك أخي أحمد
و بارك بك أخي عادل و أحترم رأيك و أقدره و الاختلاف في وجهات النظر أمر وارد
و لعلي من أجل توسيع دائرة النقاش الجميل أوضح أن الغريب هنا هو الشاعر و ليس المرثي
و قد كان صبح ( وقت المكالمة ) هذا الغريب/ الشاعر كئيباً لولا سماع صوت الراحل فيه
و الذي كان به يحيل كآبة هذا الصبح إلى بهجة و انشراح
فالشاعر بعد مكالمته للمرثي في صباحه الكئيب ساوره الشك بل و لم يصدق أن الراحل
قد سمع نبضات قلبه التي تخاطبه ثم نأى بعيدا عنها
و كأنه بذلك يستعتبه .. و العتاب لا يكون إلا للحاضر ... أتسمع هذا النبض يا أبي
ثم تنأى بعيداً و قد كنت تملأ هذا الصبح الكئيب بهجة و انشراحاً .
هذه رؤية جديدة لعلها تقرب وجهات النظر
و لكما الحب الجزيل

عادل العاني
03-05-2007, 10:59 AM
أتسمع نبضي وتنأى بعيدا ........ وقد كنت بهجة صبح الغريب

أخي أبا رامي

إن كان المعنى هنا قد تغير في تعريف الغريب , فاسمح لي أن أهنئك على هذا الرأي ,

حقا الغريب الذي يتمثل بالشاعر في رثاء صبحه وبهجته أكثر من رائع.

وإذا أخذنا غرض القصيدة فهي في رثاء أب ,

وهنا تأتي بلاغة الشاعر في تمثيل نفسه بالغريب الذي يعتبر ما فقده والحزن الذي عبر عنه في شطره الأول , بأنه ( قد كان ) بهجة صبح للغريب , وأية بهجة هذه التي تتمثل بمن يزيل " الغربة " لكي لا يشعر الغريب بغربته.

هنا تتجلى بلاغة الوصف وتوضيف المشاعر الإنسانية للتعبير عن الحالة التي ابتدأها في الشطر الأول.

وفقد هذه البهجة تعيد الإنسان إلى غربته ... وكأن الفقيد هو الملاذ وهو الوطن وهو السكن...

أحييك أخي جمال هنا.

نحياتي وتقديري

أحمد حسن محمد
03-05-2007, 12:35 PM
وأضيف يا أستاذنا الحبيب عادل العاني..

أن أبعاد الكلمة عند الدكتور جمال..

فأنا من قراءة عابرة -سامحوني فيها بسبب ظروف عمل- لقراءة الأستاذ عادل اتضح عندي أنه أخذ (الغريب).. كصورة وتخيل.. من باب علوم البيان..

ولكني أرى أنه قصد (المغترب)

وهي أول وآخر ما تبادر إلى ذهني
حيث أخونا الكبير وأستاذنا الرائع وشاعرنا الإنسان في كل كلمة
في بلاد الجزيرة العربية..
وهي مهما كانت بلده عربيا فإنه قصد المسافة بينه وبين مصر..

شاكر لكما أيها الجميلان..
وأرجو أن تزيد حدة المناقشة فهي تفتح أبواباً في التركيب ..
أبواباً كثيرة كثيرة جدا جدا جدا

د.جمال مرسي
03-05-2007, 08:48 PM
أخي الحبيب عادل
أخي الحبيب أحمد
لله دركما
أنتما رائعان و ربي

من معاني كلمة الغريب كما جاء في بعض المعاجم :
المحيط:
الغَرِيبُ : الرَّجل ليس من القوم ولا من البلد. -: البعيد عن وطنه ج غُربَاءُ. -: العجيبُ غيرُ المألوف؛ إنه مشهدٌ غريب. - من الكلامِ: البعيد الفهم؛ في شِعْره صور غامضة وغريبة.

الغني :
غَرِيبٌ، ةٌ - ج: غُرَبَاءُ، ـات، غَرَائِبُ. [غ ر ب]. (صِيغَةُ فَعِيل). 1."غَرِيبٌ عَنْ وَطَنِهِ" : بَعِيدٌ عَنْهُ. 2."رَجُلٌ غَرِيبٌ" : لَيْسَ مِنْ أَهْلِ البَلَدِ

لسان العرب:
غرب فلانٌ غُرْبًا وغُرْبَةً نزح عن وطنهِ.
وفي اللسان أيضا اغترب الرجل تحمل نفس المعنى
واغترب الرجل: بعد ونزح عن الوطن .

و هذا هو المعنى الذي قصدته من ( غريب ) في البيت المذكور

و لكما الشكر

أحمد حسن محمد
04-05-2007, 08:39 PM
وهذا عين ما قلته يا أستاذي الشاعر الدكتور جمال ..
دمت بمحبة عاشق لأن تكون بخير..

أحمد حسن محمد
05-05-2007, 07:04 PM
رائع حقا يا أحمد
لكن اسمح لي هنا أن أختلف معك :
وخاصة فيما يتعلق بالشطر الثاني :
أتسمع نبضي وتنأى بعيدا وقد كنت بهجة صبح الغريب
من الشطر الأول يتضح مدى عمق الجرح والإستغراب !
وكان يفترض بالشطر الثاني أن يكون اكثر قوة ووضوحا لبيان مدى الألم في الشطر الأول.
فالغريب لا يوصف بالبهجة , والغريب ليس له صبح , قبل التعرف عليه ,
ولو كان المعنى ( وقد كنت بهجة صبح رحيب ) لعبرت عن اللم والخسران .
أما أن يكون بهجة صبح الغريب ويرحل ... فلم الحزن عليه إذن ؟
وأضيف لشرحكم أيضا إن اختيارها لبحر المتقارب أتاح لها فرصة العزف على أوتار الألم.
ويبقى هذا رأيا ليس إلا ...
تحياتي وتقديري


أستاذي الشاعر الكبير..
لك التحية موصولة ..
والعذر مضفور بمداد القلب المحب الذي غيب فكره مناقشة فلم يدر على من يجيب، وكأنه أعماه ضوء كلماتك..
دم بخير ومحبة