المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سيرة كرسيّ الجدّة



عبد الواحد الأنصاري
04-05-2007, 01:24 AM
سيرة كرسي الجدة


1
وما تلك بيمينك يا موسى؟ قال هي عصاي، أتوكّأ عليها، وأهشّ بها على غنمي، ولي فيها مآرب أخرى.
2
بعد ضياع كرسي الجدّة أراد كاتب القصّة أن يدون سيرته.
3
الكرسي خشبي وطيء، يضارع صناديق الخضروات،بطول ثلاثة أشبار (الطول المناسب لعرض إليتي الجدة) وعرض شبر، وارتفاع نصف شبر. وهو ثلاث
قطع: أبلكاش مسطّح بسمك خمسة سنتيمترات + قاعدتان كساقي سلحفاة الحفيدة، كلتاهما انتزعتا من أحد أعمدة سقف البيت القديم.
4
وظيفته الأساسية: لا شيء في حياة الجدة إلا ويكون للكرسيّ منه نصيب.
5
فهو يمتص شيئا من رطوبة المنزل الناتجة عن عمل المكيف الصحراوي طيلة الوقت، والصراصير تلجأ إليه في الظلال وفي الظلام، وتنزوي تحته بعض الفئران الغبية حين يدهمها ابن الجدة بعصاه، وكثيرا ما تتعثر به أقدام الأغراب الذين لا ينظرون إلى مواطئهم، أو يحاول أطفالهم أن يعبثوا به، وقد يقدم الأغبياء منهم على تجريب طعمه على حين غفلة من ذويهم، فيلعقونه بألسنتهم، ويكررون ذلك كلما واتتهم الفرصة؛ لأنهم يجدون فيه ملوحة تجتذبهم، وتسلّي الحفيدة نفسها بامتطائه حين تعود من المدرسة وقد ضربها ابن الجيران الشقيّ، أو تخفي تحته سلحفاتها وتضع عليه قماشاً أو منشفة لترعب به الأطفال عندما يزورن البيت، وقد تكافئها الجدة باللعب به إذا حفظت وردها من القرآن أو بدا عليها الحزن لأي من الأسباب، ويكتسب عامل المنزل بضعة ريالات شهريا من (العمة الكبيرة كما يسميها) بإظهاره العناية به وغسله في بعض الأحيان. كما يستريح عليه وفي أخشابه بضعة عشر مسماراً صدئا، ولا بدّ أن تجلس عليه صاحبته إذا أرادت قضاء حاجتها؛ لأنها لا تستطيع الصمود بمفاصلها الهشة على حفرته العربيّة، وتستعين به على صعود الدرجات الطويلة في البيوت التي تزورها، وتركزه أمامها سترةً للصلاة حين تكون في الفناء، وتريح عليه قدميها لتشعر بالتوازن أثناء جلوسها على مقعدها الجلدي، وتهدد به الأطفال المزعجين إذا تجاوزوا معها حدودهم، وتعلق عليه ساقها حين تتنمّل أو حين تحاول قصّ أظافر رجليها بنفسها، وتتخذه مخدّة قاسية لها حين تريد إشعار أهل البيت باكتئابها، ويمكنه أن يحمل رائحة عرقها فتتوهم زوجة ابنها (التي تعتقد أنها تتمنى وفاتها) أنها (في وقت واحد) موجودة في أكثر من مكان، وهو ذريعة لشتمها أيضا واتهامها بإخفائه إذا نسيت أن تتذكر في أي مكان تركته من المنزل، كما أنه وسيلة لإشعار ابنها بالذنب؛ لأنه كثيرا ما يفقد صبره فيعلّق عليه أو يسخر به، فتغضب وتبكي؛ ويلزمه بعد ذلك إرضاؤها بزيارة خارجية، يصطحب فيها كرسيها معها بالتأكيد، وعندئذ يكون من فوائده أن يتيح لها إظهار مهاراتها في الجدال وهي تقطع دونه ألسنة العجائز الحادة.
6
أسباب ضياع الكرسي:
الجدة: زوجة الابن أخفته (طبعا) لتغيظها، لكنها جادة فيما تقول هذه المرة.
الزوجة: الجدّة أخفته (عمدا) لكي تتسلى بتعذيبها كما تصنع كلما شعرت بالملل من عجزها السرمديّ.
الابن: ربما قذفه عامل المنزل مع النفاية في لحظة من لحظات شروده الذهني.
الحفيدة: مثل كل الأشياء التي تختفي: مات الكرسي.
اقتراح غبي من كاتب القصة: سئم الكرسي من سكوت أهل المنزل عن مواصلة ابن الجيران ضرب (صديقته)، فانتظر إلى أن أعتم الليل وسكنت الدنيا، واستنجد بالسلحفاة فاستجابت له، رفع لها ساقه إلى أن استوت تحته، وتسلقت به سلالم الدرج، وتهادت بثقله الهرم إلى حافة السطح، عندها ترجّل عنها بأناة وتركها تعاود مسيرتها الهابطة إلى مهجعها أسفل السلالم؛ تحامل الكرسيّ على تخشبه وأوجاعه ومعاناة عمره الطويل، وقفز إلى السطح الآخر، وأثناء لعب الولد الشقي رمى بنفسه تحته، وغرز في رجله أحد مساميره الصدئة، لعلّ ذلك يجعل الحفيدة تسلم من شرّه إلى حين.

معاذ الديري
04-05-2007, 02:27 AM
عبد الواحد اهلا بك مجددا
انا اكثر معجبيك حبا لقراءتك صدق او لا تصدق, فلا تحرمني ولا تطل الغيبة ارجوك .
هذه القصة العجيبة لم تغير قناعاتي عن كتاباتك المتنوعة:
نادرة ومتفردة .. وتختلف عن كل ما نقرأ ..
يقال لمثل هذا : ابداع .

تحياتي ايها الكاتب المتمكن ..
تحياتي الكبيرة .
تحيات من القلب .

عبد الواحد الأنصاري
07-05-2007, 02:23 PM
تصويبا ليس إلا:




سيرة كرسي الجدة

1
لأنها لا تستطيع الصمود بمفاصلها الهشة على حفرته العربيّة،

التصويب: على حفرة الحمام العربيّة.

وتتخذه مخدّة قاسية لها حين تريد إشعار أهل البيت باكتئابها،

التصويب: حين تريد إعلام أهل البيت باكتئابها

، وهو ذريعة لشتمها أيضا واتهامها بإخفائه إذا نسيت أن تتذكر في أي مكان تركته من المنزل،

التصويب: إذا لم تتذكر في أي مكان تركته من المنزل.

جوتيار تمر
07-05-2007, 09:51 PM
الانصاري..

بدت لي القصة تريد ان تعلمنا كيفية توضيح الاشياء للسائل حتى وان كان الامر لايستحق التوضيح الممل، لكون عصا موسى اجد بان توظيفها في هذا الشأن شيء رائع وجميل، لكن ما تخطيت بعض الاسطر حتى وجدت نفسي داخل جدلية معقدة تعالج امرا خاصا، واثنا البحث عن هذه الجدلية وجدت نفسي امام محاور تبدو لي بانها تحاول اعطاء وجهة نظر حول بعض الامور التي تبلغ مدتها وهي لم تزل تجذب انظارنا، ككرسي الجدة هذا، حيث برمزية جدلية اراد القاص هنا ان يأخذنا الى اجواء خاصة جدا ومن هذه الاجواء يمكننا ان نستفيض ونعمم على الاقل على بعض جوانب الاجتماع ما يمكن ان نستلهمه من كرسي الجدة هذا.
حيث الصراع الدائم بين الطفلة وابن الجيران، والجدة والزوجة، والمرأة التي لم يزل رائحة عرقها يفوح من اطراف الكرسي والابن، كل هولاء يشكلون الحلقة الاساسية للصراع الداخلي والخارجي للاجتماع أي اجتماع كان ، ومن خلال هذه الحواريات التي جرت بينهم يمكن ان نعيد مسألة توظيف عصا موسى بحيث يتشكل لدينا قضية هامة وهي ان عدم التوضيح والغموض قد يسببان الكثير من النفور وغرس الاحقاد بين الاجتماع الواحد، ولقد اوقفتني مقولة الحفيدة حيث اجدها روح القصة باكملها، مثل كل الاشياء التي تختفي مات الكرسي، وهل من بلاغة تصف الحياة باكملها مثل هذه الكلمات، انها رؤية اكثر من واقعية لجدلية الحياة والموت والصراع الاولي بينهما.
القصة تمكن ان تتخذ اكثر من وجهة واحتمال...لذا عذرا ان كانت رؤيتي تختلف.
محبتي لك
جوتيار

خلود محمد جمعة
25-12-2013, 12:36 AM
تروقني القصص التي تلون الحرف بالطرافة والعمق
وجميل الحرف الذي يعطيك اتساعا في التفكير
دمت بخير
مودتي وتقديري

ربيحة الرفاعي
15-01-2014, 03:42 AM
طرافة أطرتها وبراعة رسمتها بتميز وتأثيث قصّي متقن لفكرة رائقة

أحسنت القص وأجدت تحميل النص بطيب المضمون ماتعه

دمت بخير

تحاياي

آمال المصري
01-04-2014, 02:54 AM
طرح بديع يخفي وراءه دلالات ويدعو للفكر ويفتح أبواب التأويل وتعدد القراءات ولغة طيعة بسرد ماتع
بوركت شاعرنا الفاضل واليراع
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

د. سمير العمري
23-07-2015, 02:25 AM
أسلوب مختلف في الطرح ومضمون يرسم البسمة على الشفاه ويبعث على التأمل فيما وراء الكلمات.
نص قصصي قديم لك لا يختلف عن غيره في تأكيد تميزك الإبداعي في فنون الأدب.

تقديري

ناديه محمد الجابي
06-08-2022, 06:16 PM
بسرد بلغة مختلفة متقن جذاب قدمت لنا قصة ظريفة جمعت بين أناقة المفردة وتألق الأسلوب وسعة الخيال
أمسكت بتلابيب الحرف ليخدم هذا النص بتعبير قوي وتصوير جميل
استمتعت بهذا النص البديع والمتفرد قصا وحسا وصياغة وفكرا.
دمت بكل خير.
:v1::nj::0014:

أسيل أحمد
12-08-2022, 10:35 AM
قصة ظريفة ملفتة بروعة أسلوبها وملفت تعبيرها
منحتني قراءة ماتعة بتفرد فكرتها وعميق مدلولها.
دمت بكل خير.