تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : دماء لزهر الحنون



أحمد عيسى
09-05-2007, 06:01 PM
دماء لزهر الحنون


تحت ظل زيتونة جلست ...
أشعة الشمس تتسلل بين حبات الزيتون الخضراء وتشرق اشراقتها على وجه الاء المتعب ...
مطرقة رأسها ...
تسنده بكفيها ...
وتحدق في الفراغ بعيون تتصارع فيها كل مشاعر الدنيا ...
تفكر في شخص ما ...
احتل مساحته من كيانها لفترة طويلة ...
ترسم بخيالها صورة للقاء دائم ..
ثم يطفو ألم الحياة على قشرة وجهها ، تتذكر أخاها" رائد " الذي يقضي سني حياته في سجون الاحتلال
شامخ خلف الزنزانة ...
تتعالى أنفاسها اذ تتذكره ، تحاول رسم صورة له بعد تسع سنوات قضاها دون أن تراه ....
تتذكر ضحكته التي كانت تملأ المنزل ، مزاحه معها ، وأحلامه التي كانت تسبق سنه ...
ماذا تحلمين يا الاء
فتقول وهي تهيم يوجدانها الى أبعد حدود
- طبيبة طبعا ، وثق أنني لن أعالجك الا بعد دفع الكشفية
وأنت ؟
يبتسم الطفل اليافع الشامخ بأحلامه :
- أريد أن أحرر المسجد الأقصى ... وأن أكون أنا بطل التحرير ، خلفي جيش من ألف مقاتل ... نفتحه كما فعل صلاح الدين ، ونصلي فيه ...
نظرات دَهِشَةَ تحدق في وجه الطفل ...
وتجد دمعة ساخنة تسيل على خديها ، فيمسحها " رائد " في حنو بالغ ، فتحتضنه ، وتنهمر دموعها دون تأنِ ، وهي تشعر في قرارة نفسها ، أن هذا الطفل لن يكون طفلاً عادياً
وتكبر الأيام ..
ويكبر الهم ، يزداد الجرح اتساعاً ، حتى يكاد يشمل الأفق
صودرت الأرض ، جرفت بيارتهم ، وطئت أقدام الجنود أغصان الزيتون ، وطارت بقايا الحمام الذي تلون ريشه بلون الدم الذي يصبغ الموجودات في كل مكان ...
كانت مجزرة
طالت الجيران والأحباب ، قضت على الاخضر واليابس ، حولت البركان الخامد في صدر رائد الى شعلة من الغضب ، ترجمها فوراً ... وكانت الملحمة
لم يتصور أحد القابعين في هذا المخيم المتواضع ، ان بين أشبال المخيم ، من يحمل عزم الأباة ، وصبر الأسود ، هذا الشبل الذي يخرج من قلبه نار ، تنقلب دعته الى شراسة ، يستل بارودة والده القديمة ، وينطلق بين البيارات ، يحدد هدفه جيدا ، ويسدد
طارت رؤوس كثيرة ، وتناثرت أشلاء جنودهم فوق الأرض التي اغتصبوها ، لم يصدق أي منهم أن شابا صغيرا هو من يهاجمهم ..
هذه البراعة ، هذه الدقة المتناهية في التصويب ، قناص ... وأي قناص
تراجعوا ، تفرقت صفوفهم ، وكادوا يفرون هاربين ...
حتى جاءت الرصاصة
تراجعت الشمس في ألم ، تغامزت النجوم في حسرة ، عندما سقط البطل جريحاً
ومن كل جانب أحاط به المرتجفون ..
وكان أن حكم عليه بقضاء حياته ألف مرة ... داخل زنازين المحتلين القادمين من صقاع الارض
تحدرت دمعة على خديها وهي تغوص الى تلكم الذكريات ...
وتركت لخيالاتها العنان ...
نامت وزهرة الحنون بين ذراعيها الحانيتين ..
وصارت تحلم ...
ولمن يراها من بعيد
كان في الشمس اشراقة على جفونها
نجوم تتلألأ على ثنايا ثغرها الذي ابتسم رغم استغراقها في النوم
ورأت حبيبها الذي صار هناك ، سبقها قبل أيام بسكين قديم
كان فاتحاً ذراعيه نحوها ...
يريد أن يضمها اليه
أن يكتب حكاية الخلد والخلود
وكانت مسافة صغيرة تحول بينها وبين ذراعيه
انتظرني يا أعز النااااااااااس
ونهضت من النوم
ابتسامة الحياة تعلو وجهها
والنور يضئ الدنيا في عيونها
وكانت تعرف الطريق الى الله
واليه ....

**************

وفاء شوكت خضر
09-05-2007, 06:42 PM
وكانت تعرف الطريق الى الله
واليه ....


نعم ..
هي وكل أقرانها يعرفون الطريق إلى الله ..

أحمد عيسى استمر ..
سنبقى على ضفاف حرفك ..

لك تحيتي ..

محمد سامي البوهي
10-05-2007, 12:52 PM
الأستاذ أحمد عيسى

هو السهل الممتنع ، جاء نصك ، لينقل لنا دواخل طفولية بسيطة ، هموم أزلية مزمنة .

ولو كانت القصة أكثر ضغطاً وتكثيفاً لكانت روعة على روعة بالطبع .

تحيتي

أحمد عيسى
10-05-2007, 08:55 PM
وكانت تعرف الطريق الى الله
واليه ....
نعم ..
هي وكل أقرانها يعرفون الطريق إلى الله ..
أحمد عيسى استمر ..
سنبقى على ضفاف حرفك ..
لك تحيتي ..
الفاضلة وفاء
وهو المرور الجميل مرة أخرى
لك أشكر هذه الكلمات
ودمت بخير
:hat:

جوتيار تمر
10-05-2007, 10:09 PM
العزيز احمد..
دعني اسرح بعيدا..
امتزج في القصة الحب بشتى انواعه، فجعلت منها صورة حية للواقع اليومي الذي تعيشه الاارضي المحتلة النغتصبة أي كانت، فاحلام الحب والحنان، والحياة الهادئة والامان، والزهزر والريحان، والزيتون والارض، والاهل والجيران، كلها تصبح ما تهلم المرء في ساعات نومه القليلة بل وحتى في احلام اليقظة، وكأني بهذه الامور هي محركة وديناميكية الوجد فيهم، والاء كغيرها من الفتيات اللاتي عشن وقع الاحتلال، تحلم واحلامها لم تخرج عن المعهود بل ظلت تحوم حولها لانها بعقلها وبواقعها لايمكنها ان تخرج من هذا الذي تعيشه وتراه وتسمعه، اما باقي الاحلام فهي مؤجلة مدفونة في لاوعيها تنتظر ذات يوم ان تخرج هذا ان كتب لها الخروج اصلا.
احلامها تجذبها في البدء الى احضان الذي ترجوا من حضنه الامان، وهذا طبيعي لكونها فتاة تعلم بان جل ما تحتاجه هي واقرانها تحت هذا الاحتلال الجارف المتعجرف الامان رجل يحيمها من براثن هولاء المارقين، ومن ثم تعيد بذاطرتها للوراء القريب فترى تلك اليراعة المتحركة في البيت اخيها وهو يحلم احلام لاتشبه احلام الاء في الكثير من الامور بل في جلها فهذه حلمت بالامان بين احضان حبيبها ومن ثم بمهنة انسانية نعم وقد تكون المهنة اصلا فرضا واقعيا عليها لكونها ترى الالاف من ابناء بلدتها يحتاجون من يداويهم، لكن احلام رائد فاقت تصورها لكونه اصغير منها فكيف يملك العزم لتحقيق حلمه الذي هو حلم الملايين من بني وطنه، وهنا تاتي الايات عكس ما كانت تحلم هي به وتختلط الامور بذاكرتها وتمنح وجودها مساحة اكبر فترى الحلم بعض جزء منه يتحول الى ملحمة امام عينيها ذاك غائب والزيتون والارض تغتصب في اليوم الف مرة وها هي ترى فارسا يصول ويجول حاملا بندقية والده، وبلاشك هذه العبارة لها مدلولها التاريخي هنا وكأن الاء تريد ان تقول لنا بان رائد هو امتداد طبيعي لتيار المقاومة في بيتهم أي انه ورثها منهم، وتاتي لحظة السقوط فيلتف حوله الجنود ويسوقونه الى سجونه التي لاترحم، وهنا تشعر الاء ثانية بمآساتها كفتاة انها لم تعد ترى من يحميها فالى ماذا تعود بذاكرتها بلاشك الى الحبيب البعيد عساه يعود ليغرس فيها الامان لكنها تدرك اخيرا بان الطريق اليه صعب لانه كغيره ليس ممكنا الان.
هموم الانسان في وقتنا تفوق كل شيء..لانها لم تعد هموم جسد وروح فقط انما تعدت لتصبح هموم انسانية وارض ....

محبتي لك
جوتيار

أحمد عيسى
11-05-2007, 10:15 PM
الأستاذ أحمد عيسى
هو السهل الممتنع ، جاء نصك ، لينقل لنا دواخل طفولية بسيطة ، هموم أزلية مزمنة .
ولو كانت القصة أكثر ضغطاً وتكثيفاً لكانت روعة على روعة بالطبع .
تحيتي
الأخ الأديب القاص المتألق : محمد سامر البوهي
أشكر لك مرورك وتعليقك ، صفحتي تزدان بهذا المرور من أديب بارع كشخصك
لك تحيتي واحترامي


:noc:

عدنان أحمد البحيصي
12-05-2007, 11:11 AM
تعيشنا الأحلام أو نحن الذين نعيشها ، وفي لحظات ما قد ندخل معها في صراع فكري ونفسي رهيب ، وهو مع رهبته قد يوصلنا إلى الحقيقة الكاملة

الأخ المبدع أحمد

استمر فأنا على ضفاف حرفك دائماً

أحمد عيسى
13-05-2007, 08:20 PM
العزيز احمد..
دعني اسرح بعيدا..
امتزج في القصة الحب بشتى انواعه، فجعلت منها صورة حية للواقع اليومي الذي تعيشه الاارضي المحتلة النغتصبة أي كانت، فاحلام الحب والحنان، والحياة الهادئة والامان، والزهزر والريحان، والزيتون والارض، والاهل والجيران، كلها تصبح ما تهلم المرء في ساعات نومه القليلة بل وحتى في احلام اليقظة، وكأني بهذه الامور هي محركة وديناميكية الوجد فيهم، والاء كغيرها من الفتيات اللاتي عشن وقع الاحتلال، تحلم واحلامها لم تخرج عن المعهود بل ظلت تحوم حولها لانها بعقلها وبواقعها لايمكنها ان تخرج من هذا الذي تعيشه وتراه وتسمعه، اما باقي الاحلام فهي مؤجلة مدفونة في لاوعيها تنتظر ذات يوم ان تخرج هذا ان كتب لها الخروج اصلا.
احلامها تجذبها في البدء الى احضان الذي ترجوا من حضنه الامان، وهذا طبيعي لكونها فتاة تعلم بان جل ما تحتاجه هي واقرانها تحت هذا الاحتلال الجارف المتعجرف الامان رجل يحيمها من براثن هولاء المارقين، ومن ثم تعيد بذاطرتها للوراء القريب فترى تلك اليراعة المتحركة في البيت اخيها وهو يحلم احلام لاتشبه احلام الاء في الكثير من الامور بل في جلها فهذه حلمت بالامان بين احضان حبيبها ومن ثم بمهنة انسانية نعم وقد تكون المهنة اصلا فرضا واقعيا عليها لكونها ترى الالاف من ابناء بلدتها يحتاجون من يداويهم، لكن احلام رائد فاقت تصورها لكونه اصغير منها فكيف يملك العزم لتحقيق حلمه الذي هو حلم الملايين من بني وطنه، وهنا تاتي الايات عكس ما كانت تحلم هي به وتختلط الامور بذاكرتها وتمنح وجودها مساحة اكبر فترى الحلم بعض جزء منه يتحول الى ملحمة امام عينيها ذاك غائب والزيتون والارض تغتصب في اليوم الف مرة وها هي ترى فارسا يصول ويجول حاملا بندقية والده، وبلاشك هذه العبارة لها مدلولها التاريخي هنا وكأن الاء تريد ان تقول لنا بان رائد هو امتداد طبيعي لتيار المقاومة في بيتهم أي انه ورثها منهم، وتاتي لحظة السقوط فيلتف حوله الجنود ويسوقونه الى سجونه التي لاترحم، وهنا تشعر الاء ثانية بمآساتها كفتاة انها لم تعد ترى من يحميها فالى ماذا تعود بذاكرتها بلاشك الى الحبيب البعيد عساه يعود ليغرس فيها الامان لكنها تدرك اخيرا بان الطريق اليه صعب لانه كغيره ليس ممكنا الان.
هموم الانسان في وقتنا تفوق كل شيء..لانها لم تعد هموم جسد وروح فقط انما تعدت لتصبح هموم انسانية وارض ....
محبتي لك
جوتيار
الأديب الغالي : جوتيار تمر
ما أجمل تحليلك وأروع تصورك وفهمك للقصة ، وكأنك كنت معي وأنا أكتب عن هذه الفتاة وعن حبيبها الذي سبقها الى الخلد والخلود ، وعن البطل الصغير الذي ثأر لقرية بأكملها ورفع رأس قومه عالياً
كأنك عشت القصة بكل ما فيها وبكل معانيها ، باحساسك الذي فهم وحلل ...
جوتيار
أحييك وأشكر لك هذا المرور الذي لا ينسى

ربيحة الرفاعي
10-02-2014, 05:49 PM
قص جميل ناقش الحب بمعانيه في طرح مؤثر وناطق
عاز السرد بعض التكثيف

دمت بخير أيها الرائع قصا وفكرا

تحاياي

نداء غريب صبري
26-04-2014, 01:43 AM
قصة جميلة ومؤثرة
فيها الحب والروعة

أنت قاص رائع أخي

شكرا لك أخي

بوركت

ناديه محمد الجابي
26-04-2014, 12:55 PM
قصة من قصص الحب الطفولي على الطريقة الفلسطينية
قصة تمتلأ بالبطولات والمشاعر الإنسانية
إن المحتل بكل ما يملك من سيطرة ونفوذ لن يستطيع التحكم
بقلوب وإرادة شعب عشق الوطن وآمن بحتمية وجوده وحقه
في العيش والحب .
أحي فيك هذا الألق الأدبي
دام بهاء حرفك.

خلود محمد جمعة
28-04-2014, 04:01 PM
ندخل في القصة كإحدى أبطالها من خلال السرد السلس والصور الجميلة والروح الحية
حرفك برائحة الارض وطعم الزيت ولون الحنون
دمت حراً
مودتي وكل التقدير