المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المقامة الطّينيّة



صالح أحمد
09-05-2007, 08:22 PM
المقامة الطّينيّة

طيني على خَدّي ....
ومن بلدي..
لحمي أورِّثه...
ولدي ...
ولد ولدي.
***
وفجأة ... لا... ليس فجأة... بل ذات تنبُّهٍ لوجودي ؛ ولحاجتي للوجود ! ورغم كل ما هو حاصل وموجود... وجدتني أقود نعاجي العجفاء، العطشى الخماص، إلى مواقع الزبد... أو... وتوخيا للدِّقة... إلى حيث انطفأ الزبد أمام ناظري... ظانا أن سأجد مرعى لأغنامي... وموطئا لأقدامي... وظلا لرأسي المحموم .
لا عيش في مواطن الزبد ... لا عيش...
فقاعات الزبد؛ لا تترك سوى الملح؛ الذي لا يصلح لصنع العيش ...
يا حسرتا !!
تلفّتّ ذات اليمين وذات الشمال؛ علّي أعثر على رجل... أو شبح رجل، ينفع، أو يصلح لأن أصيح مناديا إياه بـــ "يا عم أو يا خال"!!
صوت النعاج الثاغية، ورائحة أصوافها وهي تحتك بي... تتمسّح، أو... ربّما... أظنها تتمتّع!! من يدري!! فالاحتكاك يوَلّد المتعة .
وما لنعاجي لا تمارس المتعة والتمتع في زمن طويت فيه «الانتربولوجيا» في الكتب، وأطلقت عبر الأثير ألوانا وصورا وأخيلة... أظن أن للمتعة نصيب الأسد فيها .
ويحي ...
طين على كفي ...
والماءُ من عَرَقي
حُبًا سأطبعه...
أملا على شَفَقي .
***
وأمضي...
وذات انبهار؛ أجدني؛ ودون وعي مني... أو أدنى تفك، أو تأمل أو تدبر... أضع اصبعيّ الشّاهدين (السّبّابتين عند السّواد) بين شدقيّ؛ وأطلق صفرة مدوية... تفهمها نعاجي جيدا بحكم الانصياع ... فتجتمع حولي من جديد، تثغو بتذلل، تتمسّح بي، وأنا أستَشعِرُ اللَّذَة !! وأسوقها إلى مواقع السّراب، عفوا... إلى لوائِح السّراب! فقد تعلمت بالصدفة والتجربة؛ أن السّراب يلوح، ولا يقع .
أجري، وتَتبعُني إلى ما يلوح لي؛ لخيالي المجهد...
النعاج تتبعني، تثغو، تكف عن التمسّح بي، يفارقني شعور اللّذة، ولسان حالي يردد:
طين على عيني...
ويلوح لي أنّي...
الخائِني... ظنّي...
لا بدّ يُبلغني...
أرضًا من الوهم...
ما داسها قبلي ...
إنسي ولا جِنّي!!!
***
ثغاء... لهاث... نظرات عتاب، بل نقمة... أفتح عيني بعد جهد جهيد، يخيّل إليّ أن ألف ألف أفق يمتد أمامي... ولكني أقف في الهواء!! ما زلت هنا... وما زال السراب يلوح لي هناك ...
وحده صوت النعاج يأتيني، وحده سلوك النعاج تغير في هذا الأفق... لم تعد تتمسح بي، إنها تتمسح بالأحجار هناك... تؤثر ملمس الأحجار الصماء؛ على ملمس جسدي المُعرَورِقِ الطيني... ثؤثر جفاف الصخور؛ على ملمسي والطين يَطليني "من رأسي إلى أساسي!!"
ولا عتب!!
طيني على حالي ...
مشرد وغريب
دمعي جرى ويلي
كيف الحزين يطيب؟؟!!
***
من قال أن البحر لا يُشبهني ؟!!
من قال أن البحر وحده المسؤول عن الزبد؟؟!!
من قال أن البحر وحده يحضن الأمواج ؟؟؟
أنذا أرغي وأزبد حيث لا يشعر بي أحد... حتى نعاجي ... باتت ترغي وتزبد من أمامي... وأنا خلفها؛ أتظاهر أنني لا أشعر بها... أنا الذي وإن بت لا أشعر بنفسي... ولكن هيهات أن تغفل عيني عن موج الزبد يحدق بي ... يتعاظم أمواجا وجبالا... تغلّفني، تضغطني، تخنقني...
الى الموج أرنو، أتعلم تقلباته، أهرع إلى الشاطئ مثله... هناك ينطفئ الزبد!!!
على الشّط تكتب النهايات!
والأمور بخواتمها أيها القوم ...
على الشّط تنسكب حمولة الأمواج .. فإما يمتصها الرّمل، وإما يرثيها الزبد، وإما يحملها الغيم مطرا ... و{ساء مطر المنذرين}.
على الشّط أيّها السّادة... ولأول مرة أجدني وحدي... أتأمل أخيلة نعاجي في الزبد، وفي رأسي تندفع الفكرة؛ الغيمة...
ما أكثر من يكتُبون المقدّمات...
وحدي هنا... واليوم... سوف أكتب الخاتمة..
طيني غدا حالي ..
والدهر ذو أحوال
غرسي أنا مالي
صبري غدا أهوال
يا صادق العزمِ
في جهدك المنال

جوتيار تمر
09-05-2007, 10:03 PM
العزيز صالح..

مقامة رائعة بلاشك...
الكاتب عندما لا ينظم رؤاه والمه وحتى ضجره حرفا وكلمة..
انما يحافظ على وضعية اخرى بريئة تماما،
هي انه طفل،طفل كبير،رائع ولذا فالبدائية في الكتابة شأنها شأن البدائية في الفن،
ليست مجرد عودة الى النقاء الانساني الاصيل والغير ملوث،
لا هي التملص من العدمية المتربصة لنا في الافق..افق الفرد..
عبر توتر وارتداد حاد الى الحافة القصوى،
اي النقطة الاولى في بدء الزمان الانساني.

العزيز عذرا لهذه الهمسة الغريبة هنا لكنها داهمتنا وانا اقرأ لك

محبتي لك
جوتيار

صالح أحمد
10-05-2007, 09:30 PM
أخي الطيب جوتيار

بل شكرا لهذه الهمسة الراقية يا طيب
وما احوجني الى من يتقن الهمس مثلك، ليظل يهمس لي بما يطيّب خاطري

شكرا لأنك هنا دائما بكل صفاء روحك

تقبل تحياتي وتقديري

حوراء آل بورنو
29-05-2007, 10:15 PM
الأخ الفاضل
لا أدري كيف فاتتني مقامتك هذه ؛ ففكر و أداة و لا أجود !
سعيدة أني وجدتها ، و لأنها درس فسأضعها في الأعلى مثبتة .
كل التقدير .

سعيد أبو نعسة
02-06-2007, 02:41 PM
أخي الكريم صالح أحمد
لله درك و أنت تصوغ هذه الدرة بمداد القلب
رائع كما العادة
دمت مبدعا

وفاء شوكت خضر
02-06-2007, 08:05 PM
الأخ الفاضل / صالح أحمد .

لم نعد نرى النعاج إلا كمظهر سياحي في المناطق الراقية في بلدي ، وظننت أن تربيتها مقصورة على نيوزلندا والدنمارك وتركيا ، والدول التي تعمل في الزراعة .


مقامة رائعة ، بل درة أدبية ، حيث لم يعد هناك إلا قلة ممن يجيدون هذا الفن من الأدب ، وشكرا لأستاذتنا حوراء التي قامت بالتثبيت .

احترامي الكبير وكل الود .

عمر علوي
02-06-2007, 11:09 PM
لست ناقدا، و لذلك أكتفي بالقول بأن النص جميل و ممتع و مفيد
تحياتي لكم
أخوكم عمر

صالح أحمد
08-06-2007, 10:09 PM
الأخ الفاضل
لا أدري كيف فاتتني مقامتك هذه ؛ ففكر و أداة و لا أجود !
سعيدة أني وجدتها ، و لأنها درس فسأضعها في الأعلى مثبتة .
كل التقدير .
:::::::::::::::::::::::::::
أختي الطيبة الكريمة حوراء

ما أطيب حضورك ... وما أرق همسك ... وما أرقى كلماتك ...
كل ما قلت، وما يمكن أن أقول؛ يقصر عن شكرك ... يا طيبة

تغمرينني دائما بنبلك.... وبدفء حضورك
شكرا لأنك هنا...
وشكرا على ما أكرمتني به من تثبيت المادة ...
شرف .. بل تاج فخار؛ مكرمتك هذه يا طيبة .

وأعتذر عن التأخر بالرد... فقد مكثت أسبوعين تحت العلاج المكثف لمرض ألم بي أقعدني تماما
عافاك الله وسلمك وحماك من كل سوء وألم وكرب...

كوني بخير يا طيبة
وتقلبلي جزيل شكري وامتناني وتقديري

صالح أحمد
08-06-2007, 10:11 PM
أخي الكريم صالح أحمد
لله درك و أنت تصوغ هذه الدرة بمداد القلب
رائع كما العادة
دمت مبدعا
::::::::::::::::::::::::
أخي الحبيب سعيد أبو نعسة

ما أسعدني بوجودك وحضورك أخي الحبيب
فأنت في القلب لا تغيب يا طيب

شكري الجزيل لهمستك الدافئة التي تركت هنا...
تقبل تحياتي ومودتي كما يليق ببهاء حضورك

صالح أحمد
08-06-2007, 10:17 PM
الأخ الفاضل / صالح أحمد .
لم نعد نرى النعاج إلا كمظهر سياحي في المناطق الراقية في بلدي ، وظننت أن تربيتها مقصورة على نيوزلندا والدنمارك وتركيا ، والدول التي تعمل في الزراعة .
مقامة رائعة ، بل درة أدبية ، حيث لم يعد هناك إلا قلة ممن يجيدون هذا الفن من الأدب ، وشكرا لأستاذتنا حوراء التي قامت بالتثبيت .
احترامي الكبير وكل الود .
::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
أختي الطيبة الكريمة وفاء شوكت خضر

قلت النعاج الحقيقية في بلادنا ...
وبالمقابل وللأسف / فقد كثرت النعاج المنقادة -تقليدا وخضوعا- من بني البشر، وممن يسمون رجالا ... بل وقادة وحكاما ... وذلك مما يؤلم ... بل يقتل ..

لست أدعي فن المقامة ... فأبن ما كتبت من رقي ما قدم وأبدع: الحريري، وبديع الزمان الهمذاني، واليازجي وغيرهم .
إنها مجرد خاطرة جادت بها قريحتي ذاك نشوة فكر ...

كل التقدير والاحترام لشخصك أختا وأديبة ...
وأكرر معك الشكر للأخت حوراء على التثبيت الذي شرفتني به

تقبلي تحيتي كما يليق بروعة حضورك ودفء كلماتك

صالح أحمد
08-06-2007, 10:19 PM
لست ناقدا، و لذلك أكتفي بالقول بأن النص جميل و ممتع و مفيد
تحياتي لكم
أخوكم عمر
::::::::::::::::::::::::
أخي الطيب عمر علوي

مرحبا بك أخا كريما ، وأديبا ذواقة ...
وشكرا جزيلا لروعة حضورك ...
ولرقة وسمو كلماتك

لك التحية كما يليق بطيبة قلبك ونبل خلقك