مشاهدة النسخة كاملة : عندما تتعانق الشطآن ....
عبدالله المحمدي
12-05-2007, 08:49 PM
عندما يغتال الملل كل اللحظات الهادئة
وينساب ضجرا لزجا إلى أطرافك وأنت تعانق
الشاطيء من شرفة ذاك الفندق وترى كل تلك
الفوضى التي تلتهمك ..
عندما يتقاذفك إحساس بالبلادة وأنت تسدل
ذراعيك إلى طرفي سريرك ...
عندما تتزاحم أمنياتك عبثا لا تطيقه ..
أي أمنياتك تنتحر أولا ..
لا أدري كم من الوقت مضى ، كم وجها رأيت
، كم طابقا هبطت ، ولا أذكر إن كنت قد
أودعت مفتاح حجرتي لتلك الموظفة في
شباك الاستقبال أم لا ..
أعلم أنني وجدت نفسي أقف أمام مدخل
الفندق الرئيسي ، ورغما عني وجدتني
أنساق لإلحاح سائق التاكسي بالجلوس
إلى جواره ..
بدأت أتذكر أنني لم أنم ليلة الأمس
عندما رأيت الشاطيء يكاد يخلو إلا من
بعض المارة ، بعض عمال النظافة
يحملون مقشاتهم بملل ..
لم أنظر إلى وجه السائق ، ولا أعتقد
أنني ألقيت التحية ..
بدأت أختلس النظر إلى ذلك الوجه
العربي الأسمر ..
تلك الملامح القاسية ..
يبدو أنه أمضى ليلته ينتظر أحد نزلاء
الفندق ، ربما ليطعم أفواها ، أو
ليشتري خمرا ، أو ... أو ..
من يدري ..
عندما تنحنح السائق أدركت أن
حديثا ما سيدور الآن ..
لم أنتظر طويلا حتى سألني
بلهجة محلية :
لا موخزة يافندم .. عاوز تروح فين .. ؟
تظاهرت بعدم سماعي له ..
ربما لأنني لا أدري إلى أين سأذهب ..
أو متى سأعود ..
ساد الصمت برهة ثم عاد ليسألني ثانية ..
أريد أن أذهب إلى البحر ...
أفندم .. ؟
أمال اللي على يمينك دا إيه حضرتك .. ؟
مش برضو بحر والا أنا غلطان .. ؟
آه يالهذا السائق كم أكرهك ..
لا أجد رغبة في الجدال ..
حسنا قف هنا على اليمين ..
أعتقد أنني لم أوفق بسائق يدرك
ما أعنيه بالبحر ..
ترجلت من التاكسي بعد أن دفعت له
وانطلق متذمرا وأخالني سمعته يقول .. :
يافتاح ياعليم يارزاق ياكريم ..
بدأت قدماي تحث الخطى شرقا .. والبحر
لم ينم مثلي .. والهواء ينساب باردا
يعبث بما لم تدركه مقشات عمال
النظافة بعد ليلة أنهكت البحر
سمرا حتى امتلأ عشقا بتلك المشاهد
التي أراها كل ليلة هنا ..
يسمع بوح العشاق ..
ويشهد على التقاء أصابعهم ،
التصاق أجسادهم ، اختلاط أنفاسهم ..
أذكر أنني تطفلت على عاشقين كانا
غير موجودين بعالمنا آنذاك ..
ربما لم يقولا الكثير .. لكنني
كنت أختلس النظر إلى عينيها ،
إلى عينيه ، إلى البحر ..
الفقر هنا كتلك الصماء التي يتكسر
على صدرها موج البحر ..
تتكسر معه أمنياتهم العذبة ..
أحلامهم الغضة .. لكن الأصابع تتعانق
والأنفاس تختلط برائحة العشق والبوح ،
والبكاء ، ورائحة الذرة المشوية ..
ها أنا أبصر البحر في هذا الصباح غير
البحر الذي ألفته عندما كنت أسرق وقتي
لأعانقه .. وأختلس النظر إلى مكان كان
يفيض دفئا فأعود بعيني منكسرا ..
ربما هذه من اللحظات القليلة
التي سأهنأ فيها بهذا
الهادر منفردا ..
فأبكي على صدره غربتي وضياع وطني ..
لاتزال خيوط الشمس تتراءى بخجل ..
السرطانات تفيق على أول تلك
الخيوط الذهبية ..
المحارات بعضها خاو كصدري ،
بعضها يتضور شوقا لسرطان غادر ..
والموج يهدر ..
آه كم أعشق هذا المكان ..
كم أعشق هذا البحر .. كم أعشق هذا
الهواء ..
وبين عشقي لهذا وذاك تتولد الحسرة
على تلك الملامح التي عشقت بها كل
هذا فبقي ماعشقت ورحل من علمني
العشق ..
لم أفق من جنوني هذا إلا وعامل النظافة
يدس مقشته تحت قدمي متذمرا ..
ربما من يوم سيلهب ظهره نصبا أو
من لقمة استحالت إلا ممزوجة برائحة النفايات ، أو من أفواه يكدح
لأجلها ...
توقف قليلا ..
نظر إلى بعينين قاسيتين ..
تمتم قائلا .. :
أما ناس فاضية بصحيح ... هو انتو
معندكوش شغل بدل الصرمحة دي .. ؟
ابتسمت بهدوء مميت وأشرت برأسي ...
أن لا ..
الاسكندريه 2007
مرآة النفس
12-05-2007, 09:39 PM
كنت قد حلمت يوماً
أن أعانق ذلك البحر
وأستقل أيّ وسيلة تأخذني إليه...
كنت أعرف أنني هناك سأجد نفسي
بعيداً عن زيف المرايا ,,,
وبعيداً عن زهدي وكِبري...
ومرّت بي الأيام
وأنا أنتظر
أن يطلّ الأفق عليّ ولو من بعيد...
وأن يلعنني عامل النظافة ولو كذباً...
فكم كنت أكره
أن أمشي في طريق نظيف...
بل أحببت أن أتدّثر برمال البحر ,,,
برائحته وإن كانت نتنة...
بملوحته السقيمة مثلي...
وبعد مضي الأيام...
عبرت معك هذا المشهد الغريب
لم أكن أعلم أنني سأذهب هناك مجرد شاهد
بل ظننت أني سأذهب عاشقاً
ألم يهمس لي البحر ذات حلم أنه يحلم بأناملي...!!
مالي إذن لا أر هناك مقعدي...
ليس لي مكان بين الشاطئ والبحر...
ليس لي مساحة تؤوي إليها إيمان طفلة ...
وتمنع الكآبة من اجتياح مصير فتاة لازالت طفلة...
ولكنني...
أتابع بشغف...
وحدتك...
وأستمتع بنجواك...
لن تسمعني...لن تلحظ مروري بقربك ذات ليلة شاطئية...
لأنك كنت منهمكاً بتذكّر الأحداث...
أمّا أنا فاعتنقت النسيان منذ الأزل...
فيكفي...
أن نمرّ كلانا عندما تتعانق الشطآن...
حتى وإن اختلفت الأزمان...
فلنسيم البحر ذاكرة لا تفنى...
تحيتي لنزف قلمك
جوتيار تمر
12-05-2007, 09:40 PM
المحمدي..ايها العاشق..
احيانا اتسائل من اين يتدافع هذا الوهج الساطع في كلماتك..
أ هو من انسكاب عفويتك وتلقائيتك..
التي تخفى ببراعة مقدرتك في الاحكام والتصميم..؟
ا م هو من التوتو الجدلي المستمر بين تعدد الاصوات..
في نجوى الذات وفي مخاطبة الاخرين..؟
نصك هذا..فيها اجتمعت..كل صنوف الابداع..
من صورة ..وفكر..وايقاع وتناغم..وانسيابية..ووووو...
دمت...
محبتي لك وتقديري
جوتيار
شموخ الحرف
12-05-2007, 10:28 PM
كم أتوق لذاك البحر .. لا أجيد تراتيله ، لكن نسيمه يسكنني
يعطيني إحساسا جميلا للغد القادم ، أحاديث كثيرة تهمس في أذني .. تداعب مسمعي
أبحث لحظات الهدوء فيه ، أطلب العمق البعيد عن الفضوليين .
ليتني أسير حافية القدمين ، أنطلق بلا قيود ـ بعيدا عن صخبهم لأسمعني من خلالك
لربما تؤلمك رفقتي ، لربما أصابك الملل ، لربما أشياء كثيرة .
هاجس في البعيد بين مد وجزر .. يعبث بي .
عبدالله :
الرفقة معك لها جمالها .
عبدالله المحمدي
13-05-2007, 06:38 PM
مرآة :
تحية عطره لشخصك الكريم .....تحية عطره لحرفك الجميل
جميل يا سيدتي ماخطته يداك ....استمتعت به حقا ..!!!!
دمت سيدتي بهذا النقاء
عبدالله المحمدي
13-05-2007, 10:01 PM
صديقي جو:
دائما ماألهث وراء كتاباتك انتظرها بفارغ الشوق
قد لاتراني ياصديقي في كثير من مواضيعك
لكن ثق اني اقرأك .....
صديقي جو :
صديق الحرف ...صديق الكلمه الصادقه.... دائما ماتقول لي وللآخرين محبتي وتقديري
دعني اقولها لك ...ليست محبتي وتقديري فقط
بل محبة كل اعضاء الواحه وتقديرهم لشخصكم الكريم ولحرفكم الجليل
دمت بهذه الروعة
الى اللقاء صديقي
د. سلطان الحريري
14-05-2007, 12:47 AM
أما أنا أيها المحمدي الجميل فأراك وقد تاهت بك سبل الملتقى فوضعت هذا النص الجميل الذي ينتمي إلى القصة أكثر من انتمائه إلى البوح الذاتي في منتدى النثر ، وهو يشي بقاص متمكن من أدواته ، وأجدني أنحي شخصيتك جانبا لأرى من يتحدث في ذلك النص بطلا لقصة تمكن مبدعها من أدواته.
سأنقلها إلى منتدى القصة لتجد نصيبها من القراءة التي تستحقها.
أعجبني النص أيها الجميل، وأجدني سأتابعك باستمرار فاقبل بمتطفل مثلي على ضفاف حرفك.
إلا أنني سأطالبك بكتابة النص مرسلا ، وبعلامات ترقيم تضبطه لتراه مختلفا .
لك خالص الود والتقدير
سحر الليالي
14-05-2007, 12:27 PM
الفاضل " عبدالله":
قرأت حرفك وتهت بكل نبض فيه..!!
قصة جميلة كتبت من مداد الصدق ..
سلمت ودام ابداعك
لك خالص تقديري وباقة ورد
عبدالله المحمدي
14-05-2007, 02:44 PM
تخرج من أعماق يرصدها حلم ..ويوسوس لها النهار ..وتشى بأسرارها ظلال الأماكن ..هاهى تتمطى بدلال تنفض أرق ليله مخبأة تفاصيل مساماتها بين الحروف..!!
شموخ :
من عمق مشاعرى أقدم امتنانى لمرورك العذب بسطورى الباهته ودمت طيبة ....!!
......!!
عبدالله
عبدالله المحمدي
17-05-2007, 02:41 PM
د. سلطان الحريري :
أخي د. سلطان اشكرك على حضورك ...وكلماتك اعتبرها وسام شرف لي
سيدي ...سأحاول قدر استطاعتي العمل بملاحظاتك القيمة والاخذ بها مستقبلا
أشكرك مرة اخرى ...واتمنى حضورك الدائم لصفحاتي المتواضعه
دمت في رعاية الله
د. نجلاء طمان
18-05-2007, 04:16 PM
عندما تتعانق الشطآن
للقاص الرائع: عبدالله المحمدى
كان الملل يغتال كل اللحظات الهادئة وينساب ضجرا لزجا إلى أطرافي وأنا أعانق الشاطيء من شرفة ذاك الفندق وأرى كل تلك الفوضى التي تلتهمنى . كان يتقازفنى إحساس بالبلادة وأنا أسدل ذراعي إلى طرفي سريري . كانت تتزاحم أمنياتي عبثا لا أطيقه أي أمنياتى تنتحر أولا . لا أدري كم من الوقت مضى ، كم وجها رأيت، كم طابقا هبطت ، ولا أذكر إن كنت قد أودعت مفتاح حجرتي لتلك الموظفة في شباك الاستقبال أم لا .أعلم أنني وجدت نفسي أقف أمام مدخل الفندق الرئيسي ، ورغما عني وجدتني
أنساق لإلحاح سائق التاكسي بالجلوس إلى جواره . بدأت أتذكر أنني لم أنم ليلة الأمس عندما رأيت الشاطيء يكاد يخلو إلا من بعض المارة ، بعض عمال النظافة يحملون مقشاتهم بملل . لم أنظر إلى وجه السائق ، ولا أعتقد أنني ألقيت التحية . بدأت أختلس النظر إلى ذلك الوجه العربي الأسمر - تلك الملامح القاسية - يبدو أنه أمضى ليلته ينتظر أحد نزلاء الفندق ، ربما ليطعم أفواها ، أو ليشتري خمرا ، أو ... أو .. من يدري . عندما تنحنح السائق أدركت أن حديثا ما سيدور الآن , لم أنتظر طويلا حتى سألني بلهجة محلية:
-لا مؤاخزة يافندم .. عاوز تروح فين ؟
تظاهرت بعدم سماعي له , ربما لأنني لا أدري إلى أين سأذهب ؟ أو متى سأعود ؟ . ساد الصمت برهة ثم عاد ليسألني ثانية
-أريد أن أذهب إلى البحر.
-أفندم ؟ أمال اللي على يمينك دا إيه حضرتك ؟مش برضو بحر والا أنا غلطان ؟
آه يا لهذا السائق كم أكرهه ! لا أجد رغبة في الجدال.
-حسنا قف هنا على اليمين.
أعتقد أنني لم أوفق بسائق يدرك ما أعنيه بالبحر . ترجلت من التاكسي بعد أن دفعت له , انطلق متذمرا وأحالني سمعته يقول
-يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم.
بدأت قدماي تحث الخطى شرقا .. والبحر لم ينم مثلي , والهواء ينساب باردا, يعبث بما لم تدركه قشات عمال النظافة بعد ليلة أنهكت البحر سمرا حتى امتلأ عشقا بتلك المشاهد التي أراها كل ليلة هنا يسمع بوح العشاق ويشهد على التقاء أصابعهم ... التصاق أجسادهم واختلاط أنفاسهم. أذكر أنني تطفلت على عاشقين كانا غير موجودين بعالمنا آنذاك , ربما لم يقولا الكثير لكنني كنت أختلس النظر إلى عينيها وإلى عينيه ، إلى البحر الفقر هنا كتلك الصماء التي يتكسر على صدرها موج البحر فتتكسر معه أمنياتهم العذبة وأحلامهم الغضة .. لكن الأصابع تتعانق والأنفاس تختلط برائحة العشق والبوح والبكاء ورائحة الذرة المشوية , ها أنا أبصر البحر في هذا الصباح غير البحر الذي ألفته عندما كنت أسرق وقتي لأعانقه , وأختلس النظر إلى مكان كان يفيض دفئا فأعود بعيني منكسرا . ربما هذه من اللحظات القليلة التي سأهنأ فيها بهذا الهادر منفردا فأبكي على صدره غربتي وضياع وطني لا تزال خيوط الشمس تتراءى بخجل , السرطانات تفيق على أول تلك الخيوط الذهبية . المحارات بعضها خاو كصدري وبعضها يتضور شوقا لسرطان غادر والموج يهدر. آه كم أعشق هذا المكان كم أعشق هذا البحر ! كم أعشق هذا الهواء ! وبين عشقي لهذا وذاك تتولد الحسرة على تلك الملامح التي عشقت بها كل هذا فبقي ما عشقت ورحل من علمني العشق. لم أفق من جنوني هذا إلا وعامل النظافة يدس مقشته تحت قدمي متذمرا , ربما من يوم سيلهب ظهره نصبا , أو من لقمة استحالت إلا ممزوجة برائحة النفايات ، أو من أفواه يكدح لأجلها توقف قليلا , نظر إلى بعينين قاسيتين تمتم قائلا :
أما ناس فاضية بصحيح ,هو انتو معندكوش شغل بدل الصرمحة دي ؟
ابتسمت بهدوء مميت وأشرت برأسي : أن لا .
أسجل وجودى مع القصة بشكلها الصحيح بعد إضافة بعض الضروريات التى تطلبها التعديل. وأعود ثانية للتعليق.
شذى الوردة
د. نجلاء طمان
عبدالله المحمدي
19-05-2007, 12:26 AM
سحر :
سيدتي لحروفك شذى فواح ....أشكر لك سيدتي حضورك الجميل
سحر :
تحياتي لك سيدتي أينما كنتِ
تحية نقية كما يجب
تحية رائعة كما يليق بك
دمت بخير
عاشق الخيل
عبدالله المحمدي
20-05-2007, 01:36 PM
د.نجلاء:
أشكر لك سيدتي حضورك ، وأتمنى بصدق أن أكون عند حسن ظنك بي
د. نجلاء :
كم كنت أتمنى أن نتبادل المواقع سيدتي الرائعة لأنال إجابات تشتعل في رأسي كلما قرأتك في ملحمة من ملاحمك ....ومثلك هو من يستفاد من حضوره ...!!!!
دمت سيدتي بهذه الروعه
الى اللقاء
ريمة الخاني
27-05-2007, 03:08 PM
قصة مشبعه برائحة الواقع
تحية لقلمك
حسنية تدركيت
28-05-2007, 10:32 PM
قصة جميلة جدا فيها رؤى كثيرة تمتزج بين الواقع والحلم
شكرا لك اخي الفاضل واعتذر منك اذا لم استطع كتابة رد يليق بها
عبدالله المحمدي
30-05-2007, 09:30 PM
والتحية لك ام فراس يملئها التقدير والاحترام لشخصكم الكريم
بارك الله فيكِ
الى اللقاء
د. نجلاء طمان
31-05-2007, 01:05 AM
عندما تتعانق الشطآن
للقاص الرائع: عبدالله المحمدى
كان الملل يغتال كل اللحظات الهادئة وينساب ضجرا لزجا إلى أطرافي وأنا أعانق الشاطيء من شرفة ذاك الفندق وأرى كل تلك الفوضى التي تلتهمنى . كان يتقازفنى إحساس بالبلادة وأنا أسدل ذراعي إلى طرفي سريري . كانت تتزاحم أمنياتي عبثا لا أطيقه أي أمنياتى تنتحر أولا . لا أدري كم من الوقت مضى ، كم وجها رأيت، كم طابقا هبطت ، ولا أذكر إن كنت قد أودعت مفتاح حجرتي لتلك الموظفة في شباك الاستقبال أم لا .أعلم أنني وجدت نفسي أقف أمام مدخل الفندق الرئيسي ، ورغما عني وجدتني
أنساق لإلحاح سائق التاكسي بالجلوس إلى جواره . بدأت أتذكر أنني لم أنم ليلة الأمس عندما رأيت الشاطيء يكاد يخلو إلا من بعض المارة ، بعض عمال النظافة يحملون مقشاتهم بملل . لم أنظر إلى وجه السائق ، ولا أعتقد أنني ألقيت التحية . بدأت أختلس النظر إلى ذلك الوجه العربي الأسمر - تلك الملامح القاسية - يبدو أنه أمضى ليلته ينتظر أحد نزلاء الفندق ، ربما ليطعم أفواها ، أو ليشتري خمرا ، أو ... أو .. من يدري . عندما تنحنح السائق أدركت أن حديثا ما سيدور الآن , لم أنتظر طويلا حتى سألني بلهجة محلية:
-لا مؤاخزة يافندم .. عاوز تروح فين ؟
تظاهرت بعدم سماعي له , ربما لأنني لا أدري إلى أين سأذهب ؟ أو متى سأعود ؟ . ساد الصمت برهة ثم عاد ليسألني ثانية
-أريد أن أذهب إلى البحر.
-أفندم ؟ أمال اللي على يمينك دا إيه حضرتك ؟مش برضو بحر والا أنا غلطان ؟
آه يا لهذا السائق كم أكرهه ! لا أجد رغبة في الجدال.
-حسنا قف هنا على اليمين.
أعتقد أنني لم أوفق بسائق يدرك ما أعنيه بالبحر . ترجلت من التاكسي بعد أن دفعت له , انطلق متذمرا وأحالني سمعته يقول
-يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم.
بدأت قدماي تحث الخطى شرقا .. والبحر لم ينم مثلي , والهواء ينساب باردا, يعبث بما لم تدركه قشات عمال النظافة بعد ليلة أنهكت البحر سمرا حتى امتلأ عشقا بتلك المشاهد التي أراها كل ليلة هنا يسمع بوح العشاق ويشهد على التقاء أصابعهم ... التصاق أجسادهم واختلاط أنفاسهم. أذكر أنني تطفلت على عاشقين كانا غير موجودين بعالمنا آنذاك , ربما لم يقولا الكثير لكنني كنت أختلس النظر إلى عينيها وإلى عينيه ، إلى البحر الفقر هنا كتلك الصماء التي يتكسر على صدرها موج البحر فتتكسر معه أمنياتهم العذبة وأحلامهم الغضة .. لكن الأصابع تتعانق والأنفاس تختلط برائحة العشق والبوح والبكاء ورائحة الذرة المشوية , ها أنا أبصر البحر في هذا الصباح غير البحر الذي ألفته عندما كنت أسرق وقتي لأعانقه , وأختلس النظر إلى مكان كان يفيض دفئا فأعود بعيني منكسرا . ربما هذه من اللحظات القليلة التي سأهنأ فيها بهذا الهادر منفردا فأبكي على صدره غربتي وضياع وطني لا تزال خيوط الشمس تتراءى بخجل , السرطانات تفيق على أول تلك الخيوط الذهبية . المحارات بعضها خاو كصدري وبعضها يتضور شوقا لسرطان غادر والموج يهدر. آه كم أعشق هذا المكان كم أعشق هذا البحر ! كم أعشق هذا الهواء ! وبين عشقي لهذا وذاك تتولد الحسرة على تلك الملامح التي عشقت بها كل هذا فبقي ما عشقت ورحل من علمني العشق. لم أفق من جنوني هذا إلا وعامل النظافة يدس مقشته تحت قدمي متذمرا , ربما من يوم سيلهب ظهره نصبا , أو من لقمة استحالت إلا ممزوجة برائحة النفايات ، أو من أفواه يكدح لأجلها توقف قليلا , نظر إلى بعينين قاسيتين تمتم قائلا :
أما ناس فاضية بصحيح ,هو انتو معندكوش شغل بدل الصرمحة دي ؟
ابتسمت بهدوء مميت وأشرت برأسي : أن لا .
أسجل وجودى مع القصة بشكلها الصحيح بعد إضافة بعض الضروريات التى تطلبها التعديل. وأعود ثانية للتعليق.
شذى الوردة
د. نجلاء طمان
الأديب الرائع:المحمدى
بعد وضع القصة فى إطارها الصحيح أقول:
يمتلك الفاص أدوات قص عالية , فالقاص أمسك بالخيط الحبكى فى تمكن ولم يفلت منه بالرغم من أنه مزج بين السرد الواقعى المتمخض فى الحوار وبين السرد الخيالى المتمثل فى غوصه داخل جوانيات بطل قصته . كانت الافتتاحية شيقة وجاءت النهاية رائعة وكمل الروعة عنوان رومانسى جذاب. يمتلك القاص لغة جيدة , والمكن الخيالى الوصفى عنده جاء معبرا جدا, ظهر ذلك فى إجادته لوصف جوانيات شخوصه فى سلاسة مالت كثيرا الى النثر الذى يغلب عليه طابع الحزن والوحدة, واللذان أثرا بدورهما على التراكيب التعبيرية الواصفة للحالة الشعورية لشخوص القصة جميعهم وعلى وجه الخصوص حالة بطل القصة الشعورية. لكن القاص هنا مال كثيرا لإطالة الحوار فظهر فى شكل مسرحى كان يلزمه تشذيب وتكثيف ليكمل روعة العمل. أقرأ لك قريبا عملا يفرز كل روعتك .
شذى الوردة لقلم مبشر
د. نجلاء طمان
عبدالله المحمدي
31-05-2007, 10:54 PM
حسنيه تدركيت :
بل الشكر لك انت سيدتي ...وعلى مرورك الكريم الذي اعتز به
دمت ياسيدتي في رعاية المولى
الى اللقاء
علي بن أحمد المرشدي
01-06-2007, 12:13 AM
عبدالله المحمدي
شكراً لك على هذه الذائقة
والإمتاع المتميز
دام بريق قلمك من ذهب
عبدالله ..
تلون الأدب في كتاباتك أعجبني جداً
دمت بخير
محبتي , وصحبتي
علي المرشدي
عبدالله المحمدي
12-02-2008, 07:48 AM
الاديبه الرائعه د. نجلاء :
اسعد الله صباحك ....لا اعلم حقيقة كيف افيك حقك
ولكن لك مني امتنان يعقبه امتنان
ولي عوده ...
تقبلي تحياتي
عبدالله المحمدي
13-02-2008, 07:39 AM
الاديب والاخ علي :
ثناؤك واطراؤك ...شرف لي ياسيدي العزيز
وماانا الا قطرة من بحر حروفكم
أخي العزيز علي افتقدنا تواجدك وحضورك
آمل ان تكون بخير
دمت بهذا النقاء
خالد ابراهيم
17-02-2008, 09:29 AM
المبدع الجميل عبدالله المحمدى
حروف راقية كتبت فيها القصة بلغة الشعر
الكتابة لديك مدينة أنت أمير عليها
واضح لديك التمكن والتوهج أحييك على العمل
تقبل مودتى
خالد ابراهيم
ربيحة الرفاعي
16-12-2012, 12:09 AM
نص قصي جميل شاعري الحرف غدق العبارات والصور
وددت لو كتب مرسلا باسلوب الفقرة وباستخدام علامات الترقيم
دمت بخير أديبنا
تحاياي
نداء غريب صبري
13-01-2013, 07:34 AM
قصة جميلة مع أنها مكتوبة بتنسيق لا علاقة له بالقصة
شكرا لك اخي
بوركت
ناديه محمد الجابي
18-08-2016, 10:53 PM
[QUOTE=د. نجلاء طمان;268945]عندما تتعانق الشطآن
للقاص الرائع: عبدالله المحمدى
كان الملل يغتال كل اللحظات الهادئة وينساب ضجرا لزجا إلى أطرافي وأنا أعانق الشاطيء من شرفة ذاك الفندق وأرى كل تلك الفوضى التي تلتهمنى . كان يتقازفنى إحساس بالبلادة وأنا أسدل ذراعي إلى طرفي سريري . كانت تتزاحم أمنياتي عبثا لا أطيقه أي أمنياتى تنتحر أولا . لا أدري كم من الوقت مضى ، كم وجها رأيت، كم طابقا هبطت ، ولا أذكر إن كنت قد أودعت مفتاح حجرتي لتلك الموظفة في شباك الاستقبال أم لا .أعلم أنني وجدت نفسي أقف أمام مدخل الفندق الرئيسي ، ورغما عني وجدتني
أنساق لإلحاح سائق التاكسي بالجلوس إلى جواره . بدأت أتذكر أنني لم أنم ليلة الأمس عندما رأيت الشاطيء يكاد يخلو إلا من بعض المارة ، بعض عمال النظافة يحملون مقشاتهم بملل . لم أنظر إلى وجه السائق ، ولا أعتقد أنني ألقيت التحية . بدأت أختلس النظر إلى ذلك الوجه العربي الأسمر - تلك الملامح القاسية - يبدو أنه أمضى ليلته ينتظر أحد نزلاء الفندق ، ربما ليطعم أفواها ، أو ليشتري خمرا ، أو ... أو .. من يدري . عندما تنحنح السائق أدركت أن حديثا ما سيدور الآن , لم أنتظر طويلا حتى سألني بلهجة محلية:
-لا مؤاخزة يافندم .. عاوز تروح فين ؟
تظاهرت بعدم سماعي له , ربما لأنني لا أدري إلى أين سأذهب ؟ أو متى سأعود ؟ . ساد الصمت برهة ثم عاد ليسألني ثانية
-أريد أن أذهب إلى البحر.
-أفندم ؟ أمال اللي على يمينك دا إيه حضرتك ؟مش برضو بحر والا أنا غلطان ؟
آه يا لهذا السائق كم أكرهه ! لا أجد رغبة في الجدال.
-حسنا قف هنا على اليمين.
أعتقد أنني لم أوفق بسائق يدرك ما أعنيه بالبحر . ترجلت من التاكسي بعد أن دفعت له , انطلق متذمرا وأحالني سمعته يقول
-يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم.
بدأت قدماي تحث الخطى شرقا .. والبحر لم ينم مثلي , والهواء ينساب باردا, يعبث بما لم تدركه قشات عمال النظافة بعد ليلة أنهكت البحر سمرا حتى امتلأ عشقا بتلك المشاهد التي أراها كل ليلة هنا يسمع بوح العشاق ويشهد على التقاء أصابعهم ... التصاق أجسادهم واختلاط أنفاسهم. أذكر أنني تطفلت على عاشقين كانا غير موجودين بعالمنا آنذاك , ربما لم يقولا الكثير لكنني كنت أختلس النظر إلى عينيها وإلى عينيه ، إلى البحر الفقر هنا كتلك الصماء التي يتكسر على صدرها موج البحر فتتكسر معه أمنياتهم العذبة وأحلامهم الغضة .. لكن الأصابع تتعانق والأنفاس تختلط برائحة العشق والبوح والبكاء ورائحة الذرة المشوية , ها أنا أبصر البحر في هذا الصباح غير البحر الذي ألفته عندما كنت أسرق وقتي لأعانقه , وأختلس النظر إلى مكان كان يفيض دفئا فأعود بعيني منكسرا . ربما هذه من اللحظات القليلة التي سأهنأ فيها بهذا الهادر منفردا فأبكي على صدره غربتي وضياع وطني لا تزال خيوط الشمس تتراءى بخجل , السرطانات تفيق على أول تلك الخيوط الذهبية . المحارات بعضها خاو كصدري وبعضها يتضور شوقا لسرطان غادر والموج يهدر. آه كم أعشق هذا المكان كم أعشق هذا البحر ! كم أعشق هذا الهواء ! وبين عشقي لهذا وذاك تتولد الحسرة على تلك الملامح التي عشقت بها كل هذا فبقي ما عشقت ورحل من علمني العشق. لم أفق من جنوني هذا إلا وعامل النظافة يدس مقشته تحت قدمي متذمرا , ربما من يوم سيلهب ظهره نصبا , أو من لقمة استحالت إلا ممزوجة برائحة النفايات ، أو من أفواه يكدح لأجلها توقف قليلا , نظر إلى بعينين قاسيتين تمتم قائلا :
أما ناس فاضية بصحيح ,هو انتو معندكوش شغل بدل الصرمحة دي ؟
ابتسمت بهدوء مميت وأشرت برأسي : أن لا .
رائعة قصتك بلغتها الشاعرية وسبك فني مميز وألق في الأداء
بمهارة أمسكت بخيوط الحبكة لتوظفها في بناء قصي شائق السرد.
راقني ما قرأت ـ فشكرا لك ولقلمك المبدع.
:v1::001:
ملحوظة : الشكر الجزيل للدكتورة/ نجلاء طمان
على إنزال القصة في القالب الصحيح.
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir