مشاهدة النسخة كاملة : التفت إلى الوراء ..أكانت هي؟!
كانت قدماه تلتهم عتبات السلم نزولاً حين ألقى عليهما بنظرة خاطفة لكنها من النوع الذي يشفر العقل باتجاه معين في لحظة واحدة ، كان الأمر في عقله أشبه ما يكون باندفاع تيار كهربائي بشدة عشرة آلاف أمبير إلى مصباح صغير لايتحمل أكثر من 10 أمبير، فكر في أن يلتفت إليهما مرة أخرى ليتأكد مما رآه، لكن نظرته اللامبالية مضافاً إليها كبريائه الطاغي أبتا عليه الالتفات للوراء، تلك النظرة اللامبالية كانت تخفي وراءها أطنانا من الرغبة وخطواته الثابتة جدا على خط مستقيم والتي توحي للوهلة الأولى بالتماسك والسيطرة على الموقف جعلت من المستحيل عليه الالتفات لأي سبب.
توقف على بعد خطوات وأرخى الحقيبة جانباً لتمتد يده بسرعة إلى نظارته كي يمسح عنها الضباب المتجمع بفعل الرطوبة ، لم يكن مدركا على وجه الدقة ما إذا كان يريد أن يمسح الضباب من عليها أم أنه يحاول مسح ما رآه للتو من ذاكرته.. أتراها تكون هي ! خطر بباله: " يا الله! كم هو مؤلمُ أن يثق أحدنا بنظاراته أكثر مما يثق بعينيه!! مؤلم حقاً، والأشد إيلاماً أن يثق بعينيه أكثر من ثقته بقلبه وحدسه."
مرت لحظات عدة وهو يتشاغل بتنظيف عدسات نظاراته فيما فكره منهمك بالكامل في عرض تفاصيل المشهد..لينقض عليه السؤال من جديد؟! أكانت هي؟.. كأنها هي , لا فالمكان مظلم ومرتفع وهي كانت تخاف الظلام وتحب أن تبقى قريبة من الأرض ..كانت دائما تهزأ من خوفها من المرتفعات بالقول ضاحكة: " اتق شر من اقترب من الأرض" وكان يتساءل أي شر يمكن أن يضمره قلبها الصغير!!
ثم إن هذا الذي معها لم يكن أبدا من النوع الذي يمكن أن تفضله في يوم من الأيام، فأمارات الغباء تبدو شديدة الوضوح على ملامحه بحيث لا تخفى إلا على من هو أشد غباءَ منه..وعيناه جامدتان لا اشتعال فيهما، تماما كمنفضة سجائر يمكن أن تطفيء فيهما عشر "سيجارات" كل يوم دون أن يساورك أدنى شعور بتأنيب الضمير، حتى ابتساماته التي كان يوزعها بسخاء في كل اتجاه كمن يعلن انتصاره العظيم في معركة لم يكن فيها سواه، تلك الابتسامات كانت تنم عن بلاهة وعتهٍ شديدين!! .. ترى أي تغير اعتراها جعلها تقدم على هكذا حماقة باختيار هذا الرجل بالذات! قفزت إلى ذاكرته جملة كان يرددها على مسامعها كثيراً: " الناس تتغير والأذواق تتغير...لاشيء لا يتغير، التغيير هو الثابت الوحيد كما يقول هيجل" وتذكر كيف أنها لم تكن تعرف من هو هذا الهيجل تماما كما لاتعرف كيف تتغير، حسناً هاهو يقف الآن أمام اللحظة التي ينقلب فيها السحر على الساحر، ربما أخطا هيجل هذه المرة ولكنه لم يتخيل يوماً أن يتغير ذوقها إلى هذه الدرجة أقنع نفسه على مضض بأن ذوقها لم يتغير بل اختفى بالكلية!! ومع ذلك فقد فشل في أن يقنع نفسه بأنها قد تغيرت فهي ليست ككل الناس تلك الطفلة التي عرفها يوماً صارت مسخاً دميماً لا يخاف الظلام ولا يهتم كثيرا بالابتعاد عن الأرض، فقط لايمكنه تخيل ذلك.. قفز السؤال إلى مقدمة رأسه مجدداً " أتراها كانت هي!! ماذا لو ألتفت للوراء قليلاً!" أستطيع أن أتظاهر بأنني نسيت مفاتيح سيارتي وبأنني عائد لآخذها لكنه تراجع عندما تذكر ذكاءها الحاد! حسنا استطيع أن أقف مكاني هنا لأتبادل مع حارس البناية أحاديث فارغة في السياسة والأدب ريثما يعودان،هذه الفكرة أيضا تبدو غبية كسابقتها.
" الأمر كله متعلق بالالتفات قليلاً إلى الوراء بكل بساطة نظرة واحدة إلى الوراء وينتهي كل شيء هذا.. لكن يبدو بأنني نسيت فعلا كيف يكون الالتفات إلى الوراء" لاحظ بأنه استغرق وقتاً طويلاً في دعك عدستي نظارته فتوقف فورا وأعادها لأنفه على أمل أن تعيد له شيئاً من توازنه المفقود. ثم مضى إلى الأمام جداً وبنفس الخطى المستقيمة جداً.. فهي لم تعد هي
شريف المهندس
21-05-2007, 08:33 AM
الأخت الفاضله / ليال :
قصه مشوقه تصف موقفاً لم يستغرق فى الواقع سوى دقائق
وربما ثوانى ولكن خيال بطل القصه استعرض عمراً كاملاً
فى لحظات,
أهنئك على بساطة وعمق السرد, القصه واقعيه وتحدث لنا جميعاً
مع إختلاف المشهد ورد الفعل من شخص لاَخر.
تحياتى.
شريف
سحر الليالي
21-05-2007, 10:22 AM
يالهي ...!!!
ليال : لله ما أروعك ..!
قصة قرأتها بشغف وعدت قراءتها عدة مرات ...
رائعة ،رائعة بكل معنى الكلمة ..!
سلمت ودام ابداعك
لك ودي وألف باقة ورد وفل
خليل حلاوجي
21-05-2007, 11:53 AM
الاستاذة ليال
وقفتي الاولى :
جاء في القصة أكثر من لفتة فلسفيةمثل
وعيناه جامدتان لا اشتعال فيهما،
اهنئك هنا على دقة التعبير .... فالعين - بنظري - على الاقل هي البوابة لفهم الانسان
ومع اني لاأومن البتة بان العين قد تصيب الانسان فتحيل الشر اليه من خلالها الا اني اؤمن ان باستطاعة العيون ان تتحدث بلغة لايفقهها الا الراسخون في النقاء
قولك لااشتعال فيهما ... يدل على رؤيتك الفلسفية التي تقر ان خلف العين عينا ً أخرى هي كالبركان المتقد عند البعض والخامد عند آخرين
\
ساتابع وقفاتي لاحقا ً
بوركت ِ
حسن راشد
21-05-2007, 05:34 PM
نص يستحق الاهتمام قرأته وأنا أرقب في كل كلمة عيون دهشة وانبهار بهذه القدرة السردية العالية التأثير بامتداد الزمان رغم قصر اللحظة واممتداد المكان رغم ضيق مساحته.
حقيقة أجد هذا النص مبهرا يدل على أديبة تحمل قدرات كبيرة.
سأكون من متابعي أدبك الجميل.
لك التحية
د. نجلاء طمان
21-05-2007, 09:44 PM
ليال: أيتها القاصة الرائعة
"الأمر كله متعلق بالالتفات قليلاً إلى الوراء "
هنا تكمن المعضلة, هو نسى فعلا كيف يكون الالتفات للوراء, مع أن نظرة واحدة كانت ستغير الكثير . التفاتة ونظرة فى الماضى بكل بساطة كانت ستعكس الحاضر, لكنه بخل بها فى الماضى , وانتظرتها هى طويلا حتى ملت وتحولت مسخا. والآن يظل على نفس عنجهيته وبروده ويبخل على نفسه وعليها بالتفاته , خوفا من أن يدرك فيشعر بالندم فيعود للوراء, وهو الواثق الماضى للأمام بالخطوة المستقيمة جدا.فليستمر إذن فى ارتداء نظارته, علها تريه أشياء لا يراها. فكرة رائعة تطرحها قاصة تملك أدواتها , لم يفلت منها خيط الحبك, ولم يمل معها المتلقى.
شذى الوردة لروعتك.
د. نجلاء طمان
شريف المهندس
شرفني مرورك وأسعدني ، لقد حاولت هنا رسم اللحظة القصصية بدقة وتأنٍ قدر المستطاع وأرجو فعلا أن أكون وفقت في ذلك..ممتنة لك على تعليقك اللطيف وتهنئتك الرقيقة ..أطيب تحية
سحر
الود بك موصول
والورد منك مقبول، والفل على دربك مفلول،سحر اسعدني جدا شغفك بالقصة ،وأسعدني أكثرحضورك المبهج..خالص تمنياتي لك بالتوفيق
خليل حلاوجي
موقنة أنا بأن للعيون أرواحاً تَقتِل وأخرى تُقتل وثالثة تحلق هنا وهناك..وهل في ذلك شك؟!
اهنيء نفسي دائما بحصولي على قراءة كقراءتك المتأنية المتأملة ،والمتألمة أحياناً ..انتظر عودتك بامتنان كبير.
حسن راشد
كل كثير مني هو قليل في الرد على ما أغدقته علي ..متابعة امثالك تسعدني وتحملني مسؤلية أن اكون عند حسن الظن دائماً..اطيب تحية
د. نجلاء طمان
قراءة مختلفة ومدهشة!! سررت كثيرا بتعليقك التفاعلي مع القصة وأنا ممتنة لمرورك الملفت ، شكرا لك
د. سلطان الحريري
22-05-2007, 12:08 PM
الفاضلة الأديبة ليال:
وقفت أمام قصتك هذه موقف المعجب بأدواتك القصصية ، فهي قصة فذة على صعيدي الفكرة والطرح المتميز لأدوات القص وتوظيف تلك الأدوات بعفوية ، ومع عفويتها كانت حافلة بالدلالات العميقة والنفاذة ، وقد كنت موفقة في مبدأ الوحدة ، ومبدأ التركيز والتكثيف ؛ إذ لا يمكن لنا أن نستبعد من القصة شيئا ، إلى جانب ما حمله السرد ، ومبدأ التداعي من التشويق .
لا أريد أن أدخل في تفاصيل الفكرة ، ولكنني سأقف عند حدود بعض ما ورد عندك ، وأركز على فكرة أن أن معرفة دواخل الناس يمكن أن تتضح من أشكالهم في نظرة واحدة ، فقد حكمت على غباء مرافق الشخصية بالغباء من نظرة واحدة له ، فعيناه جامدتان لا اشتعال فيهما ، وابتسامته التي يوزعها بسخاء ليعلن انتصاره في معركة ليس فيها سواه ، وأظن أن تفكير البطل بهذه الطريقة نابع من ذاته ورؤيته للأشياء ؛فنظرة واحدة لا يمكن أن يدخل من خلالها البطل إلى العمليات الذهنية والنفسية التي تتعلق بجوانيات النفس البشرية ، وهذا غالبا ما يكون مبنيا على التخمين ، وهو بحد ذاته يحسب لك ؛ لأنك أعطيت وصفا رائعا ، ومن خلال ذلك الوصف أدخلتنا في طريقة تفكير البطل دون تدخل وتفسير .
وكان بودي أن تبتعدي عن التفسير أحيانا لتتركي للمتلقي مساحة من الحرية في اصطياد الدلالات العميقة التي حملتها رموزك من مثل ( النظارة )، وحدث ذلك على سبيل المثال في نهايتك التي كنت أود أن تنتهي عند قولك: (لاحظ بأنه استغرق وقتا طويلا في دعك عدستي نظارته وأعادها إلى أنفه)، فما جاء بعدها فضلة عليها ، وتفسيرلما كان يفكر فيه ، وسياق السرد يدل على ذلك ، فلا داعي إذا أن نفسر له بأن ذلك قد يعيد له توازنه المفقود، وحتى قولك في النهاية: ( فهي لم تعد هي ) أيضا يمكن أخذه من من دعك العدستين ،ومن سياق السرد ، وبذلك تعطين نهاية مفتوحة يأخذ المتلقي دلالتها من الفعل ، لا من التفسير.
ولي تحفظ على العنوان أيضا ؛لأنه مفسِّر ، وقد يكون كلامي غير مقبول عند غيري من المبدعين ، ولكنني بحق لا أحبذ العناوين المفسِّرة، وعنوانك هنا هو زبدة الفكرة التي طرحتها ، وكأنني بك تفتحين الباب للمتلقي دون أن تمنحيه فرصة لفتحه بمفتاحه هو .
ويبقى أن أشير إلى أنني سعيد جدا بهذا العمل الرائع ، فأنت- أخيتي- ممن تشد إليهم رحال القلم ، وعملك هذا يستحق التقدير والإشادة، واسمحي لي بأن أكون زائرا دائما عند ضفاف الجمال الذي يبثه قلمك المبدع.
لك خالص الحب والتقدير
وفاء شوكت خضر
22-05-2007, 06:15 PM
ليال ..
عذرا إن تأخرت في الرد ، ولكن لم أبرح هذه الصفحة لروعة نصك ، ولأسلوبك الشيق وذكائك في توظيف أدواتك ليخرج نصك كأنه شباك التقطتنا فلم نستطع منها فكاك ..
شخصية غير سوية ، تفشى فيها داء العظمة والكبر حتى باتت لا تنظر لمن حولها إلا من خلف نظارة ، كسى عدساتها التراب ، حتى زادت عمى العين عمى ، ليمتد ويصل البصيرة ..
إن مجرد لمحة لم يكن متأكدا أنها هي ، وهي الحبيبة والتي علمها كل ما أراد لها أن تعرفه ، هل كانت كافية لأن يرى فيها كل ما رأى من عيوب في الآخر ؟؟
العيب ليس في الظارة إنما بنفسه .
لك كل الحب .
جوتيار تمر
24-05-2007, 10:48 PM
ليال..
القصة بدت لي من العنوان وكأنها تبحث عن الذات التي تعي ولاتريد ان تعي،فالعنوان يثير فينا هذا التساؤل هو الخوف من الالتفاتة، وهذا الخوف مصدره بلاشك يكون الوعي بالشيء او بغيره،مما يشكل في الذات نفسها ادراكا حتميا بامر قد تتألم منه، وهذا ما اجدت بلاشك في رسمه لنا، هي لحظة زمنية اقحم فيها المكان، والمكان بدا لي في صراع مرير مع الزمن ذاته،لان توقف أي واحد منهما سيشكل مرحلة انتقالية لهذا الشخص،بحيث تكون لحظة الرؤية الحقيقة نقطة تحول تامة في مسار الحياة لديه.
وهذا ما يؤكد بان الانسان ليس ..شكلا ثابتا غير متغير..انه..تجربة وانتقال ،انه لاشيء اكثر من جسر ضيق خطر بين الطبيعة والروح،ان المصير الكامن فيه يدفعه الى في الكثير من الاحيان الى الشكل بالثابت، وهذا الشك يضيف لحياته نوعا من الالم والسكينة في آن واحد..لذا نجده يبحث
عن منفذ او ايجاد قنوات لتسرب الافكار السلبية المكبوتة واستدعائها بغية تطهير نفسه وتنقيتها، و هو تدبير يقوم على تصور ان الافكار والمشاعر التي ترافق عدم اشباع رغبة ما او تنم عنه لاتزول وانما تزاح او تكيف في اللاوعي ويستمر تاثيرها على المرء مما ينم عنه ظهور اضطرابات في سلوكه لايعرف عن سببها او مصدرها اي شيء..لذا كان الاجد به ان يعود ليتاكد ومن ثم تكون انطلاقته هنا اكثر حرية.
النص جميل ورائع
محبتي لك
جوتيار
مأمون المغازي
25-05-2007, 01:26 AM
كانت قدماه تلتهم عتبات السلم نزولاً حين ألقى عليهما بنظرة خاطفة لكنها من النوع الذي يشفر العقل باتجاه معين في لحظة واحدة ، كان الأمر في عقله أشبه ما يكون باندفاع تيار كهربائي بشدة عشرة آلاف أمبير إلى مصباح صغير لايتحمل أكثر من 10 أمبير، فكر في أن يلتفت إليهما مرة أخرى ليتأكد مما رآه، لكن نظرته اللامبالية مضافاً إليها كبريائه الطاغي أبتا عليه الالتفات للوراء، تلك النظرة اللامبالية كانت تخفي وراءها أطنانا من الرغبة وخطواته الثابتة جدا على خط مستقيم والتي توحي للوهلة الأولى بالتماسك والسيطرة على الموقف جعلت من المستحيل عليه الالتفات لأي سبب.
توقف على بعد خطوات وأرخى الحقيبة جانباً لتمتد يده بسرعة إلى نظارته كي يمسح عنها الضباب المتجمع بفعل الرطوبة ، لم يكن مدركا على وجه الدقة ما إذا كان يريد أن يمسح الضباب من عليها أم أنه يحاول مسح ما رآه للتو من ذاكرته.. أتراها تكون هي ! خطر بباله: " يا الله! كم هو مؤلمُ أن يثق أحدنا بنظاراته أكثر مما يثق بعينيه!! مؤلم حقاً، والأشد إيلاماً أن يثق بعينيه أكثر من ثقته بقلبه وحدسه."
مرت لحظات عدة وهو يتشاغل بتنظيف عدسات نظاراته فيما فكره منهمك بالكامل في عرض تفاصيل المشهد..لينقض عليه السؤال من جديد؟! أكانت هي؟.. كأنها هي , لا فالمكان مظلم ومرتفع وهي كانت تخاف الظلام وتحب أن تبقى قريبة من الأرض ..كانت دائما تهزأ من خوفها من المرتفعات بالقول ضاحكة: " اتق شر من اقترب من الأرض" وكان يتساءل أي شر يمكن أن يضمره قلبها الصغير!!
ثم إن هذا الذي معها لم يكن أبدا من النوع الذي يمكن أن تفضله في يوم من الأيام، فأمارات الغباء تبدو شديدة الوضوح على ملامحه بحيث لا تخفى إلا على من هو أشد غباءَ منه..وعيناه جامدتان لا اشتعال فيهما، تماما كمنفضة سجائر يمكن أن تطفيء فيهما عشر "سيجارات" كل يوم دون أن يساورك أدنى شعور بتأنيب الضمير، حتى ابتساماته التي كان يوزعها بسخاء في كل اتجاه كمن يعلن انتصاره العظيم في معركة لم يكن فيها سواه، تلك الابتسامات كانت تنم عن بلاهة وعتهٍ شديدين!! .. ترى أي تغير اعتراها جعلها تقدم على هكذا حماقة باختيار هذا الرجل بالذات! قفزت إلى ذاكرته جملة كان يرددها على مسامعها كثيراً: " الناس تتغير والأذواق تتغير...لاشيء لا يتغير، التغيير هو الثابت الوحيد كما يقول هيجل" وتذكر كيف أنها لم تكن تعرف من هو هذا الهيجل تماما كما لاتعرف كيف تتغير، حسناً هاهو يقف الآن أمام اللحظة التي ينقلب فيها السحر على الساحر، ربما أخطا هيجل هذه المرة ولكنه لم يتخيل يوماً أن يتغير ذوقها إلى هذه الدرجة أقنع نفسه على مضض بأن ذوقها لم يتغير بل اختفى بالكلية!! ومع ذلك فقد فشل في أن يقنع نفسه بأنها قد تغيرت فهي ليست ككل الناس تلك الطفلة التي عرفها يوماً صارت مسخاً دميماً لا يخاف الظلام ولا يهتم كثيرا بالابتعاد عن الأرض، فقط لايمكنه تخيل ذلك.. قفز السؤال إلى مقدمة رأسه مجدداً " أتراها كانت هي!! ماذا لو ألتفت للوراء قليلاً!" أستطيع أن أتظاهر بأنني نسيت مفاتيح سيارتي وبأنني عائد لآخذها لكنه تراجع عندما تذكر ذكاءها الحاد! حسنا استطيع أن أقف مكاني هنا لأتبادل مع حارس البناية أحاديث فارغة في السياسة والأدب ريثما يعودان،هذه الفكرة أيضا تبدو غبية كسابقتها.
" الأمر كله متعلق بالالتفات قليلاً إلى الوراء بكل بساطة نظرة واحدة إلى الوراء وينتهي كل شيء هذا.. لكن يبدو بأنني نسيت فعلا كيف يكون الالتفات إلى الوراء" لاحظ بأنه استغرق وقتاً طويلاً في دعك عدستي نظارته فتوقف فورا وأعادها لأنفه على أمل أن تعيد له شيئاً من توازنه المفقود. ثم مضى إلى الأمام جداً وبنفس الخطى المستقيمة جداً.. فهي لم تعد هي
أديبتنا : ليال
في هذه القصة لاحظت تطورًا في أسلوبك الكتابي ، وعرضك للفكرة والحدث ، كما لاحظت تغيرًا في نمط العرض والحكي الذي سيطر على قصتك ، وهذه الالتفاتات الموفقة ، فمن نسق الراوي ، إلى نسق المتحدث ، ومن الذكرى إلى الحدث ، وهذا جميل منك .
في هذه القصة حاولت ليال عرض حالة نفسية وحدث ذاتي ، وفقت في الكثير من اللقطات التي بدت رتيبة إلا أنها متفقة مع السياق ، فالقاصة تحكي قصة لحظة ، أو بالأحرى التفاتة ، وكان جميلاً منها أن تقرر أن لحظات عدة قد مرت ، فما أطول اللحظة حين نغرق في التفكير ، إنها قادرة على احتواء تاريخ بالكامل . إلا أن القاصة ربما أغرقت في الوصف الذي لم يخدم القصة كثيرًا في عرض ملامح هذا الذي أظهرته وكأنه مأفون ، في محاولة منها لإحداث التناقض اللحظي في منطقة التذكر والاسترجاع .
كما أن القاصة ـ وبامتلاكها لأدوات القص كما يظهر لنا ـ كان بإمكانها تقديم القصة بروعة تفوق الروعة التي أتت بها ، إلا أنني أعتقد أنها اعتمدت القصة بهذا الشكل لتقريبها من المتلقي ولتناسبها مع الحدث البسيط ظاهريًا والذي يتكرر كثيرًا ، ويمر به الكثيرون .
إلا أن القصة بها من الإمتاع والتشويق ما يجعلنا نحتفي بها من قاصة موهوبة تسعى إلى تقديم الأجمل من أعمالها القصصية ، وما زلت أوصي أديبتنا بتدقيق اللغة رسمًا ونحوًا قبل عرض أعمالها التي ننتظرها منها .
أديبتنا :ليال
أتمنى لكِ كل التوفيق .
مع محبتي واحترامي
مأمون
محمد سامي البوهي
25-05-2007, 08:47 AM
السلام عليكم ورحمة الله
عذراً للأديبة ليال لتأخري في الرد
قرأت القصة منذ أربعة أيام سابقة عندما حثتني الأديبة وفاء شوكت خضر على قراءتها ، لكني فضلت التمهل في الرد لأسباب ذاتية ....
العنوان :
تأملت العنوان ، ومن الوهلة الأولى أيقنت أنه يحمل خلفيات ، وأحداث متنامية ، لما فيه من تركيبات موحية ، ودخولاً في نص القص تبين لي صدق حدسي ...
البداية :
كانت قدماه تلتهم عتبات السلم نزولاً حين ألقى عليهما بنظرة خاطفة لكنها من النوع الذي يشفر العقل باتجاه معين في لحظة واحدة ، كان الأمر في عقله أشبه ما يكون باندفاع تيار كهربائي بشدة عشرة آلاف أمبير إلى مصباح صغير لايتحمل أكثر من 10 أمبير، فكر في أن يلتفت إليهما مرة أخرى ليتأكد مما رآه، لكن نظرته اللامبالية مضافاً إليها كبريائه الطاغي أبتا عليه الالتفات للوراء، تلك النظرة اللامبالية كانت تخفي وراءها أطنانا من الرغبة وخطواته الثابتة جدا على خط مستقيم والتي توحي للوهلة الأولى بالتماسك والسيطرة على الموقف جعلت من المستحيل عليه الالتفات لأي سبب.
جاءت براعة الإستهلال في الإنزلاق ببداية موفقة إلى هوة الحدث السحيقة ، لتسير معنا التساؤلات عن الآتي ، وكشف اللحظة القادمة ، وهذا التشويق هو من علامات نضوج المداخل وحبكتها ليسيطر على القارىء الفضول للمواصلة في عالم ممتلىء بالمشاغل ، والشتات الفكري ، وإنه لم ذكاء الكاتب أن يوائم بين ما هو كائن من واقع نفسي يسيطر على عقل المتلقي ، وبين ما يكتبه ، بالتركيز على نقاط التملص من السيطرة الخارجية .. فكانت الصورة المستحدثة هنا من الصور اللافتة بالفعل حيث تم تشبيه الحالة النفسية المقرؤه بحالة المصباح الكهربائي وخواصه الفزيائية ، وجذب الصور للمداخل هي أيضا من الطرق الناجحة في براعة الإستهلال بفن القصة ، لأن المدخل القصصي يعتبر هو المنافس الحقيقي للفنون الأخرى في عملية الجذب والمواصلة ، ولأن الفن القصصي بات مهدوراً دمه بالنسبة للشعر فإنه يتوجب على القاص أن يركز أدواته في براعة المدخل ، كعملية إعلانية زاهية تلمع بعين القارىء فيدفع كل مايدخره من وقت لحظي لإنهاء النص .
الوسط :
هذه المنطقة من النص التي لفتت انتباهي ، وبرز فيها ذكاء كاتبة ...
خطر بباله: " يا الله! كم هو مؤلمُ أن يثق أحدنا بنظاراته أكثر مما يثق بعينيه!! مؤلم حقاً، والأشد إيلاماً أن يثق بعينيه أكثر من ثقته بقلبه وحدسه."
لحظة من التباهي اللفظي ، وإستعراض جوي بطائرات من الأحرف المتداخلة ، لتخرج علينا حكمة تستدعي الوقفة والتامل ، وهنا الذكاء ، فهذه المنطقة من التأمل اللفظي هي منطقة راحة للمواصلة ، بعد اتمام خوض غمارات المدخل ، وتعتبر هذه النقطة كالفاصل الإعلاني بالبرامج التلفزيونية الدسمة مثلاً التي تعطي المشاهد فرصة لتجديد التنفس ، أشيد ببراعة الكاتبة هنا .
الديناميكية :
ما أقصده هنا الخيوط البيضاء التي يشد عليها النسيج ، ليظهر بشكله النهائي ، ي اعتقادي الشخصي أن الخيوط البيضاء التي شد عليها نسج هذا النص هو اللعبة الزمنية ، فما أجملها من لعبة ، والكاتتبة قد اقتنت هنا من محال لعب الزمن لعبة التوقف الزمني ، فبدأ النص بتحرك زمني ، ثم توقف عندما قامت الشخصية المحورية بمسح عدسات النظارة ، وهنا توقفت اللحظة ، لتبث لنا أحداث القصة من منطقة داخلية ذاتية كامنة بعقل الشخصية ، فدارت الأحداث بتوقف زمني جمدته اللحظة ...
في النهاية ، وبعد هذه اللمحات السريعة التي اسمتعت بها عند قراءتي لهذا العمل، أوافق الدكتور سلطان الحريري فيما أورده ، ونصح به والتي أتمنى أن تأخذ به الكاتبة الرائعة ، وهذا لا ينقص أبداً من براعة فائقة ، وقلم أجاد الرسم .
تحيتي
سعيد أبو نعسة
25-05-2007, 06:49 PM
أختي الكريمة ليال
قصة رائعة فكرة و لغة و أسلوبا
لحظة تختزل العمر تماما كما عمر الإنسان على هذه الأرض مختزل بلحظتي الولادة و الموت
الموقف مرسوم بدقة لافتة
أصفق لك إعجابا
أتحفينا بالمزيد
د.سلطان الحريري
كنت وما أزال أكن أحتراما وتقديرا كبيرين لشخصك ولحرفك أينما كان واليوم اضيف لهذا الأحترام والتقدير سرورا بوجودك في هذه التجربة المتواضعة ، قد أتفق معك في وجهة نظرك وقد اختلف، وربما يشفع لي أنه يمكن أن يكون لكل قصة قصيرة تكنيكها الخاص بها من دون أن يؤثر ذلك على عناصرها الأساسية، ومع ذلك فأنا اشيد بموضوعيتك في الطرح وملاحظاتك القيمة التي ستبقى راسخة في ذهني لوقت طويل ، ممتنة لحضورك المثري فشكرا لك وحياك الله دائما.وفاء شوكت
مرورك مرحب به في اي وقت ولا داعي للإعتذار مطلقاً عزيزتي ، فتجربتي الطويلة مع الواقع الإفتراضي هذا تجعلني اؤكد بأن تكاثر عدد الردود بسرعة تحت اي مشاركة لاي كاتب ليست بالضرورة ظاهرة جيدة دائما وليست مؤشر يقاس به جودة النص أو أهميته، إلا أنني مع ذلك أقول وبدون أدنى مجاملة بأنني سعدت وكثيرا لتواجدك في الصفحة وتوقفت عند الأثر الذي تركته هذه الشخصية في نفسك ولاحظت كيف أنك و د.نجلاء تتشاركان في ذات الرأي تقريبا! وهو رأي لا أميل إليه تماما، لأنني أحمل تعاطفا مع كل الشخصيات التي تناولتها وإن بقدر يختلف من شخصية لأخرى، ولكن بالمجمل لا أستطيع القول بأن شخصية البطل شخصية غير سوية لكنها تحمل قدرا من التوتر الذي يفرضه الموقف والصراع الداخلي الذي يعيشه. بقي أن أكرر شكري وامتناني لحضورك المشرق.
جوتيار
لايعرف الكاتب قيمة ما كتب إلا برصده للاثر الذي تركه نصه في اعماق المتلقي فأنت لاتعرف ماحصل للبذرة في باطن الأرض إلا بعد يتشقق وجه الأرض عن الأخضر، لقد كان تناولك لنفسية البطل والأفكار التي يعتمل بها راسه مبهرا !كما وأن تحليلك لهذه الأفكار جاء ليتفوق على النص.
مأمون المغازي
سررت بمرورك المهم ، وسعدت ايضا بملاحظتك القيمة ، هذه هي قصتي الأولى ،اشكرك على الوقت الذي قضيته في قراءتها ومن ثم التعليق عليها.وثق بأن توصياتك ستكون نصب عيني دائما وأنها ستنال مني كل الإهتمام الذي تستحقه..تقبل مني كل الإحترام والتقدير.
محمد سامي البوهي
لا تعتذر سيدي الكريم على التأخير ،إذ يكفي حضورك الذي ما توقعته ولا انتظرته رغم سروري به ، وقد فهمت منك بأن الأخت وفاء قد حثتك على قراءتها (وبرغم قناعتي التامة بحسن النية وباهتمامها الصادق ،الأمر الذي اقدره لها كثيرا وكثيرا جدا) إلا أنني آمل بأن لا تكون عودتك هنا لما لايستحق العودة، ارجو فعلا أن تكون القصة قد استحقت منك الوقت الذي قضيته في قراءتها وأن لا يكون الأمر قائم على مجاملات شخصية على حساب "وقتك" بالدرجة الأولى الذي هو أهم مني ومن قصتي ، ممتنة جدا وصدقا لإضاءاتك الرائعة على النص وتحليل الموضوعي له ..خالص احترامي وتقديري
وأخيرا وليس آخرا
سعيد أبو نعسة
استاذي الكريم ، ممتنة لحضورك العطر الذي فتح طاقات هنا من البهجة ، اسعدك الله في الدارين ووفقك دائما.
د. سمير العمري
09-08-2009, 07:29 PM
نص ممسز لا يخلو من حنكة وبراعة ولا يغفو عن تفصيلات دقيقة مباشرة وغير مباشرة ، وهو يظهر للقارئ ايضا جانبا مهما من شخصية الكاتبة وسعة ثقافتها وميلها الفلسفي والتزامها الخلقي.
هو باختصار نص مميز وإن كنت أرى شخصيا أن الصواب هو أن يقطع الشك باليقين وأن يدحض التأويل والتخمين بالحقيقة كي لا يكون حكمه ظالما قائما على مجرد ظن. ، ثم لعلني تمنيت لو تم الاهتمام قليلا باللغة وتنقيح أخطاء شابت النص بها.
دمت متألقة مبدعة!
أهلا ومرحبا بك دوما في أفياء واحة الخير.
تحياتي
آمال المصري
14-11-2014, 12:07 PM
نعم تختلف الرؤية من عيني شخص لعيني آخر وقد تكفي نظرة لتحسم الكثير من الأمور .. ونظرة للماضي كفيلة لدفعة للأمام أكثر لكن هنا كان البطل كدودا عليها ربما وعلى نفسه أيضا
نص راق لي بسرده وفلسفته وأسلوبه الراقي
حقا أنت قاصة رائعة
مرحبا بك في واحتك
تحاياي
نداء غريب صبري
20-02-2015, 05:29 PM
الكبر والإحساس بالعظمة الكاذبة من أسوأ الأمراض
قصة جميلة أسلوبها مشوق
شكرا لك أخي
بوركت
خلود محمد جمعة
23-02-2015, 08:52 AM
هي لم تعد هي وهو لم يعد هو ونظرة واحدة للخلف هل كانت ستحدث ذلك الفرق
كبرياءه الذي أودى بحبهما هو نفسه الذي جعله يمضي بثبات الى الامام مدركا في أعماقه مدى الانكسار في روحه
أظنها لم تخسر الكثير
وبحوار داخلي دقيق جمعت أطراف القصة بمهارة
اسجل اعجابي
بوركت
ناديه محمد الجابي
28-05-2018, 04:42 PM
نظرة في لحظة كسهم نافذ اختزلت القصة بأسلوب بديع
نص قصي مميز بلغته الفلسفية، وبسرد متمكن أجاد رسم المشهد
ونجح في عرض الحوار الداخلي لبطل القصة لنتعرف على عنجهيته
وكبرياءه وأسلوبه في التفكيرـ من خلال حبكة قوية وأداء عميق ودقيق ، وصور معبرة
سحرتني شاعرية الروح التي نسجت الفكرة حرفا فقصة
وسموق المشهد المصور هنا.
بورك القلم وصاحبته.
:0014::nj::0014:
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir