المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة قصيرة جدا : أضغاث أحلام



محمد الحامدي
31-05-2007, 09:49 AM
قصة قصيرة جدا : أضغاث أحلام
بقلم : محمد بن الطيب الحامدي
" ... لا غداء ، طيب !! المطعم ؟؟ وهذا اللهيب ؟؟؟ ليكن دش وزبادي ونوم "
ثم سرعان ما تخلى عن فكرة الدش . " جوع وماء وتعب ...! " و فتح " الثلاجة " ثانية " صرير باب هذه التحفة النادرة يذهب بكلّ شهية " . أخرج منها كل ما يمكن أن يؤكل : حبة طماطم ، ورغيفي خبز وخيارة ذاوية سوداء وبقايا علبة " زبادي " . وضع الكل في طبق وجلس أمام جهاز التلفزيون ، فرح جدا بمسرحية " الزعيم " فأشعل سيجارة ونسي الغداء وبدأ يتابع ويضحك لوحده ز وقبل أن تنتهي السيجارة ، كان يغطّ في نوم عميق . تراءى له أنه يمشي في شارع مشهور . على جانبي الشارع بعض المارة يحملون أكياسا تشع ألوانها خيرا ورفاها ، ويسرعون إلى سياراتهم . وفوانيس الشارع مضاءة بالنهار . وقف عند أحد المحلات التجارية ز تراءت له خطيبته التي لم يرها سوى مرّة واحدة . لقد حان موعد السفر وكان عليه أن يرحل ، " يا الله ... " تعب جدا وهو يستحضر صورتها وهي تغالب دمعة الوداع الخجولة . وساقه الخيال إلى حديقة مهجورة تماما إلا من جسمين نحيلتين . " من يرتاد الحدية في هذا اللهيب الحارق ؟؟ !! " ثم قفز السؤال إلى ذهنه في تحد وإصرار : " ماذا أفعل هنا ؟ وبدأ السؤال يلح عليه إلحاحا مقيتا ويطرق دماغه طرقا عنيفا . ثمّ تكاثرت الأسئلة . وبدأت تنبح في رأسه وكأنها جراء صغيرة . " ماذا جنيت من سفرك هذا ؟ متى ستغادر أغلال الغربة ؟ متى ستتزوج ؟ متى سيكبر أبناؤك ؟ ... " وشعر بصداع شديد يكاد يمزق أنسجة خياله ، فأغمض عينيه بعنف أشد . وفي بركة راكدة تجمعت فيها الأوساخ ، وقد كانت " نافورة " تزين الحديقة في يوم ما ، ركّز بصره وكأنه يبحث عن وجه خطيبته في ذلك الركام من كلّ شيء . فرأى دمعة كبيرة تنزلق تدريجيا وببطء شديد على جدار تلك البركة . كانت دمعة شفافة في البداية ، ثمّ صارت داكنة ز وهاهي تصبح حمراء قانية وكأنها الدّم . ثمّ هاهي تغادر هدوءها وتنتفض متفجّرة إلى قطرات دمع حمراء تشق حمرتها خطوط سوداء . أصابه الذّهول لكثرتها . ثمّ إذ بها تتخذ صورا أخرى وتمشي على حافة البركة ز لقد بدأت تكبر في شكل جرو كبير ز وبدأ نباحه يغطي على كلّ الأصوات الأخرى . النّباح الحاد يشتد وكأنّه يحاكي لفظ " ماذا تفعل هنا ؟ " ورأس الجرو يكبر حتى غطى مساحة البركة جميعا . بل ها هو يتجه نحوه فاتحا فما داميا ، أسنانه من نار ولسانه لهب مضطرم ،مضطرب . " ماذا تفعل هنا ؟ " لطالما أخافه هذا السؤال وأوهن فكره . ولكنه ... الآن وحش مخيف ، مرعب ، لا صورة له ولا كيان يرى ولا يمسك ويسمع ولا يحس . أقترب الوحش كثيرا وعلا صوته الحادّ أكثر مردّدا نفس النغمة الحارقة " ماذا تفعل هنا؟ " ز وشعر وكأن الشجيرات القليلة الشاحبة في الحديقة كانت تردّد نفس النغمة . وبدا له وكأنه يسمع صوت طبول هائلة تردد نفس النغمة . وارتجف كل شيء حوله . وأظلمت الدنيا إلا من لهب كان يقذفه ذلك الجرو الوحش .. لم يشعر بالخوف لكن ذلك اللون الأحمر المخطط بالسواد كان يضغط على صدره حتى ضاق تنفسه . وبدأت تلك الأصوات تدق حواسه وكلّ سيء حوله كان يردّد " ماذا تفعل هنا ؟؟ " فوضع يده مرتعشة على رأسه يتحسسه ويتأكد من أنه مازال ثابتا بين كتفيه . وطفق الجسم النحيل النائم قربه في زاوية من الحديقة يسعل سعالا حادا ففتح عينيه وأخذ يفركهما بيدين متشنجتين .. نظر فإذا هو في غرفته وبقربه طبق " الفداء " والتلفزيون يصدر ذلك الصوت الذي يصدره كلما انتهى الإرسال . تمطى قليلا وهو يتساءل : " أنمت كلّ هذا الوقت ؟ " ودّ يده إلى طبق الغداء وهو يردد " أضغاث أحلام " .......
كتبها : محمد بن الطيب الحامدي

جوتيار تمر
31-05-2007, 01:21 PM
الحامدي..

مستمدا عزمه من الواقع الفردي العياني، ومن ثم من الواقع البيئي الصوري، جاء النص لمحة ذاتية عن واقع ملموس..غوص في افاق الانا الداخلية واسترجاع محمو لذاكرة توالت عليها الاحدث فاكسبتها توجها خاصا في التحليل والتحديث، تحليل الامور التي اوجبت وجوده الحالي، ومحاولة تحديث آلية الزمن من العودة الى الوراء القريب، مما ادخل الامر هذا الذات في صراح آحادي في البدء صراع الذات مع نفسها ومن تطور الصراع ليشمل افقا اوسع وذلك ليدخل ضمن اطار الصراع تلك الرغبات والذكريات التي الجمت حاضره وانهكت قواه الداخلية .

دمت بهذا الالق

محبتي لك
جوتيار

نادية حسين
31-05-2007, 02:08 PM
جميل ماتسطرة اخي محمد

يعطيك ربي العافيه

اضغاث احلام بسبب الواقع المرير

ودمت بخير

محمد الحامدي
31-05-2007, 02:42 PM
قد والله فعلت ما فعل ذلك الذي كان يشرح للنشء أبيات أبي نواس ( لا شك في أنك تعرف القصة ) فقلت في قولي أكثر مما طمحتُ إليه ... تحليل وضع الإصبع على المقصد وأكثر ... وبمثل هذا التحليل نستعين على فهم أنفسنا ... وكم مبدع يعلم أقل مما يقول ..
شكرا جزيلا وإلى لقاءات قادمة

محمد الحامدي
31-05-2007, 03:20 PM
شكرا سيدتي الأستاذة " نادية " حقا إنك تكرمينني كثيرا بهذه المتابعة التي ألقاها منك أينما حللت مستجيرا بحدائق الواحة من حرّ الإبداع والسهر والكتابة ... شكرا سيدتي فتشجيعك يشجع القلم ويحدو الكتابة ... شكرا سيدتي فلا أجد غير الشكر سبيلا للردّ على هذا التشجيع منقطع النظير ... شكرا وألف شكر ...

نادية حسين
31-05-2007, 03:31 PM
لاشكر علي واجب اخي محمد

ولدي طلب بسيط

الرجاء ان تذهب لهذا الرابط

هناك قصيده كتبتها بالفصحى واود ان اري غلطاتي النحويه وان توجهني
لاني اتوقع ان بها اخطاء

هذا الرابط

https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?p=273038#post273038

وكلنا اخوه

ودمت بخير اخي :) لاااعدمتك

محمد الحامدي
31-05-2007, 03:45 PM
هذا شرف لي والله ... حاضر

نادية حسين
31-05-2007, 03:54 PM
سلمت يداك وبارك الله فيك وجعلك ذخرا للادب
وجزاك الله خيرا
واسعدك الله سعادة الدارين

د. نجلاء طمان
05-06-2007, 12:28 AM
الأديب الرائع: الحامدى

افتتاحية ذات سرد هادىء واقعي تناسب كثيرا مع هدف القاص في توضيح حالة فقر بطل قصته-بالرغم من غربته- وإرهاقه وتغربه . يبدأ الكاتب بعدها في القفز المباشر الواثق في كل من لغة السرد وحالته الشعورية, وفى الأزمنة . في الأولى (لغة السرد وحالته الشعورية) تشرب السرد كثيرا بشعرية جميلة ورائعة ظهرت بوضوح في الرحلة المبدعة للدمعة الحزينة ابتداءً من لحظة سقوطها وحتى تحولت إلى نباح جرو بشع أيقظه. جاءت هذه الرحلة كوصف يعكس حالة القاص الجوانية التائهة في بحار الألم , جاء هذا الوصف من أجمل الحالات الوصفية التي قرأتها على الإطلاق. في الثانية (الأزمنة) استطاع الكاتب القفز من زمن الواقع إلى زمن لحظة حلم داخل عقل بطل شخصيته في روعة, لكن الأكثر روعة كيفية رجوعه ثانية إلى الواقع , وقد جسد القاص لحظة الانفصال -نهاية الحلم أو نهاية رحلة دمعته الحزينة المتمثلة في النباح- من داخل الحلم نفسه .


شذى الوردة لأضغاث رائعة


د. نجلاء طمان

محمد الحامدي
05-06-2007, 08:30 PM
شكرا دكتورة على هذا الإبصار العميق في النص ... رؤية مختصين وهذا ليس غريبا ... فقط أريد أن أعتذر منكم جميعا على بعض الأخطاء المطبعية ... فشتان بين " القلم " الحبيب وبين هذه اللوحة التي تقهرني ...

محمد سامي البوهي
09-06-2007, 05:43 PM
الأستاذ الناقد القاص / محمد بن الطيب
حزمة مؤلفة من الفوضى النفسية لقطع طولي من اللحظة اليومية المغمورة في الإنهاك والتعب ، والجوع ، ملىء الفراغات الداخليه نحو المتعة .......

جاءت البداية متعجبة مستفهمة ، كنوع من الذكاء الإستهلالي لمشاركة القمتلقى للحالة ، نعم حالة هي كينونة النص ...

تنشر لنا من خلالها واقعاً محسوساً ، يجذبنا من خلال أنياب صندوق الدنيا الحديث ، ليأخذ صاحبنا إلى عالم الدخان ، فتتراءى له علامات من الإنتهاء ، والتصحر ، والخواء ، لتسير بنا الأحداث إلى مطاردة ، وافتراس ، وهوجة من الألوان يتصدر الأحمرقائمتها ، فتستمر لدينا دلالة الصراع ...

جاء النص بنهاية متوقعة ، حددها العنوان ، وهذا ليس وجهاً للضعف ، المخالف لعنصر المفاجأة المتلائم مع النفس البشرية ، لكن النص اعتمد اعتماداً كليا على التجريد النفسي ، حتى من حالة المتعة المشاركة لنهاية النص .

تحيتي

سعيد أبو نعسة
09-06-2007, 09:33 PM
أخي الكريم محمد الحامدي
حين تتخفى الفكرة في غلالة رقيقة من فنتازيا رائعة تسبكها يد كاتب قدير في قالب من الجمال يجعلها إلى الواقع أقرب فإذا اللغة و الأسلوب يرقيان بالنص إلى ذرا الإبداع .
لولا الفقر لما كان للغنى معنى .
و لولا الحامدي لما قرأنا هذه التحفة
دمت مبدعا

محمد الحامدي
10-06-2007, 03:57 PM
الأخ محمد سامي البوهي ، قد غمرني فضل مرورك ،، وقد فهمتك تلميحك وتصريحك ،، وإني ممن يشكر الناس على نقدهم ،، وأعمل كثيرا بآراء رجالات الأدب ،، وأنت درة من تلك الدرر ، اطمئن سأضع تصريحك محفزا وتلميحك منبها .. وشكرا ثانية على هذا النقد المبدع " فالكلام على الكلام صعب " كما تعلم

محمد الحامدي
10-06-2007, 04:02 PM
آه أبا نعسة ( وقد أعجبني هذا اللقب إلى حد الهوس ) هل تعلم أنّ المديح أكثر إلحاحا من الانتقاد .. قد غمرني فضل مرورك ... وفضل قولك ... حتى أني صرت أفتش في مخطوطاتي عساني أجد من الأقصوصات المغبرة ما أطرحه عليكم للتفحص والتقييم .
شكرا أخي على هذا الذوق الرفيع ... وهو ليس غريبا على أديب ينحت من اللفظ الملقى على قارعة الطريق تحفا مبهرة ... شكرا ثانية وإلى لقاء

محمد سامي البوهي
10-06-2007, 04:04 PM
أستاذي الرائع
النجوم أصبحت لنا وطن ، ندور حوله بمجرات النفس ، نقرأ أحلامنا ليلاً بعقولنا المتخمة بالهموم ، وصباحاً ننثر الحب بيننا ...

مساؤك بالخير يتحلى أيها الرائع .

محمد

وفاء شوكت خضر
11-06-2007, 07:25 PM
الأخ الأديب الناقد / محمد الحامدي .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

أضغاث أحلام .. هو عنوان القصه ، وهو القصة ذاتها ، حيث كشف الكاتب عن القصه من خلال العنوان منذ البداية .
بدأت القصه بتصوير حال البطل ، ليظهر لنا أنه وحيد ، يعاني من القصور المادي، بما استهل به الأحداث ،
وكانت البداية موفقة .
كتب النص بأسلوب مباشر ، بسيط ، يتابعه المتلقي بالأسلوب الذي أراده الكاتب ، دون أن يترك له مجالا للتوقعات أو التأويل .
القصة ليست قصيرة جداً كما ادعى الكاتب بل هي قصة قصيرة ، وهناك فارق بينهما وأعتقد الكاتب ملم بهذه الأمور حيث
أنه أديب وناقد .
قصة لم يلعب الخيال بها دور كبير ، ولم يستخدم الكاتب فنيات الرمزية بشكل يضفي على النص عنصر التشويق ، فلو أنه بدلا من ..
كان يغط في نوم عميق ... إلى آخره ، كان من الأفضل ألا ينبه من البداية انه يحلم وكان من الأفضل أنه ..
وقبل أن تنتهي السيجارة " وجد نفسه يمشي في شارع مشهور" وهنا لا يفصح عن الحلم بشكل مباشر بل يدع القارئ يتحير ويفكر هل هو في حلم ام واقع؟
ماذا جنيت من سفرك؟ متى ستغادر أغلال الغربة؟ متى ستتزوج؟متى سيكبر أبناؤك؟
هذه الأسئلة المباشرة ، لو أنها استبدلت بأسئلة غير صريحة على هذا الشكل ، لتماشت مع وجود الوحش ، الذي ربما يرمز إلى الغربة لكان أفضل ، أما وجود الاثنين معا ففيه شيء من التناقض،
النهاية كانت يجب أن تكون عند
"نظر فإذا هو في غرفته وبقربه طبق الغداء ، والتلفزيون يصدر ذلك الصوت الذي يصدره عندما ينتهي الإرسال."
أما ما بعدها فما هو إلا استرسال لا يخدم القصة ..

رأي متواضع أتمنى أن تتقبله بسعة صدر من تلميذة لكم .

محمد الحامدي
12-06-2007, 09:36 AM
شكرا سيدتي على مرورك الكريم ...
ملاحظاتك وصلت إلى من يحتفي بها ويقبلها ويقلبها على كل وجه ....
أما في مجال الإبداع فكلنا تلاميذ لدى القراء الكرام ... والنص - أي نص - بمجرد أن يخرج من بين أصابع صاحبه صار ملكا مشاعا للجميع ... وكل رأي فيه محترم ...
مرة أخرى شكرا على تكرمك بتجشم المشقة في نقد ما أكتب ...

خليل حلاوجي
14-06-2007, 03:30 PM
قرأتك هنا ... وبوضوح
وأنار الاستاذ جوتيار والاستاذة د. نجلاء بعض الضوء على القصة فازدادت توهجا ً


اتوقع منك ... الارتقاء في سلم الابداع ... وانت رائده

فلاتحرمنا حضورك ...



تقبل مودتي

خليل حلاوجي
14-06-2007, 03:31 PM
قرأتك هنا ... وبوضوح
وأنار الاستاذ جوتيار والاستاذة د. نجلاء بعض الضوء على القصة فازدادت توهجا ً
اتوقع منك ... الارتقاء في سلم الابداع ... وانت رائده
فلاتحرمنا حضورك ...
تقبل مودتي

محمد الحامدي
15-06-2007, 08:24 AM
شكرا سيدي خليل ... أما سلم الإبداع فقد ضيّق الأنفاس وشيب الأقلام ... ومازلت على أعتابه
دمت بخير و إبداع