تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : عَلَى شطِّ الصَّاعِدِي



بندر الصاعدي
02-06-2007, 04:18 PM
عَلَى شطِّ الصَّاعِدِي
إِلَى الأَدِيبَةِ الكَرِيمَةِ / حَوْرَاءَ آلِ بُورنو .
صَدَى إِجَابَاتٍ عَلَى صِدْقِ نِدَاءَاتٍ
لَسْتُ أَصِيحُ مُسْتَنْجِدًا , وَقَدْ ابْتَلَعَ مِنِّي الغِيَابُ شَطْرًا فَشَطْرَا , تُنَازِعُهُ عَلَيَّ ذِكْرَى , وَمَا أَمْلِكُ بِيْنَهُمَا أَمْرًا , إِذِ اعْتَدْتُ خَسْفِي بِلَا أَسَفٍ , فَمَا أَنَا إلَّا رَهْنُ قَدَرِي , أَسِيرُ عَلَى أَثَرِ , رَضِيتُ الغِيَابَ كِرِضَايَ الحُضُورَ , غَيْرَ أَنَّهُ يُحَمِّلُنِي حِدَاءُ صُوتٍ فَوْقَ مَا تُطِيقُ رِكَابِي , حَثَّا عَلَى إِيَابِي , فِيَزْدَادُ بِي الحِمْلُ حِمْلَيْنِ , كَأَنَّ الحِدَاءَ وَحَالِيَ كَفَّانِ أُشْرِعَتَا فِي وَجْهِ مُعَاقٍ , أَوْ رُقْيَةُ رَحِيمٍ عَلَى صَدْرِ عَقِيمِ .
لَمْ تَسْلُبْنِي الرِّيَاحُ شِرَاعِي بَعْدُ , فَهْوَ عَلَى جِدَّتِهِ , إِنَّمَا سَاعِدَايَ قُيِّدَا بِحَبْلِ المَعِيشَةِ , وَمَا هِي فِي البَحْرِ إِلَّا لِمَنْ بَاعَ حِلًى اسْتَخْرَجَهَا أَوْ اسْتُخْرِجَتْ لَهُ , وَقَدْ عَهِدْتُنِي رُبَّانًا لَا يَمْخُرُ بِسَفِينَةٍ عُبَابًا لِيَطْرُقَ بَابَا , إِنَّمَا لِيُغْرِقَ شِيطَانًا أَوْ يُنْقِذَ أَلْبَابَا , فَمَتَى لَمْ أَسْتَطِعْهَا أَعْرَضْتُ عَنْهُ , وَقَدْ تَوَلَّتِنِي حَالاتٌ مَا لَبُوسُهُنَّ الكِتَابَةُ , وَيُشْقِينِيَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ لَبَعْضِهَا لبَاسَهَا , فَتَحَلِّيْتُ بِالصَّبْرِ دِثَارًا , إِذْ هُو حِلْيَةُ الفَاقِدِ , وَبُرْدَةُ الوَاجِدِ . وَعِلَّاتُ المَرْءِ بَعْضُ حَالاتِهِ , وَكَذَلِكَ خَيْبَاتُهُ , وَإِنْ أَتَتِ الرِّيَاحُ بِمَا لَا تَشْتَهِي السُّفُنُ فَحَيْلُولَتُهَا دُونَ صَيْرُورَةِ المُبْتَغَى , فَمَا بَالُ رِيَاحٍ اعْتَرضَتْنِي لا تَنْقَطِعُ , وَمَا بَالُ أَمَانِيِّي أَدْرَكَهَا اليَأْسُ فِي مَهْدِهَا فَلَمْ أُدْرِكْ مِنْهَا إِلَّا تَشْيِيعَهَا , وَإِنْ أَدْرَكْتُ فَلا تَأتِي كَمَا تَبْدُو .
وَلَعلَّ خَلْوَةً بِالنَّفْسِ - وَإِنْ طَالَتْ - كَفِيلَةٌ بِإِبْرَائِهَا مِنْ أَدْوَائِهَا , وَمَا دَاءُ البَدَنِِ بِشَيْءٍ إِزَاءَ دَاءِ النَّفْسِ , فَالوَهَمُ دَاءٌ , والكَآبَةُ دَاءٌ , والكِبْرُ دَاءٌ , وَكَذَلِكُ البُؤْسُ . فَلَيْتَ عَرَضَهُ حِسِّيٌِّ ظَاهِرِيُّ يُدْرَكُ بِالنَظَرِ ,أَوْ بَاطِنِيُّ يُعْرَفٌ بِالجَسِّ لَهَانَ التَّشْخِيصُ وسُعِيَ لِلْمُعَالَجَةِ , إِنَمَّا دَاؤُهَا غَائِرٌ فِي خَفَايَاهَا غَائِبٌ عَرَضُهُ عَنْ صَاحِبِهَا , وإِنْ بَدَا شَيْءٌ مِنْهُ فَالكِتْمَانُ سَجَّانُهُ والكَبْتُ أَصْفَادُهُ, وَلَوْ كَانَ غَيْرَ ذَلَك لَمَا غَلَّبَتِ النَّفْسُ صَاحِبَهَا .
إِنَّ مُعَقَّبَاتِ أَدْوَاءِ النَّفْسِ لَتُخْتَصَرُ فِي كَلِمَةٍ حَيَاةٍ , فَمَنْ كَانَ حَيًّا لَا بَدَّ لَهُ مِنْ مُكَابَدَةِ نَفْسِهِ وَمَا يَعْتَرِيهَا , فَالفَقْرُ حَالَةٌ تُعَقِّبُ البُؤْسَ وَغَيْرَهُ , وَمُعَامَلَةُ النَّاسِ بِمَا يُخَالِفُهُمْ تَجْلِبُ الشَّحْنَاءَ , وَبِمَا يُوَافِقُهُمْ تُودِي إِلَى النِّفَاقِ , حَتَّى الصَدَاقَةُ تُزْعِجُ النَّفْسَ فِي بَعْضِ حَالَاتِهَا , بَلْ إِنَّ الدَّاءَ لَيَأْتِيكَ مِنْ قَرِيبٍ بَلْ مِنْ أَقْرَبَ مِنْ ذَاتِ النَّفْسِ .
وعَلَى مَا بِالنَّفْسِ مِنْ إِشْكَالِيَّاتٍ واخْتِلَاجَاتٍ وَمَكْنُونَاتٍ فَإِنَّ الإِحَاطَةَ بِهَا وَرِعَايَتَهَا وإِخْلَاءَهَا مِنْ كُلِّ دَاءٍ يَعَزُّ عَلَى كُلِّ ذِي نَفْسٍ , فَسُبْحَانَ الذِي شَاءَ كُلَّ نَفْسٍ تَلْجَأُ إِلَيْهِ حُبًّا ورَغَبًا أَوْ رَغْمَا وَرَهَبًا , وَجَلَّ إِذْ جَبَلَ الأَنْفُسَ عَلَى اللَّوْمِ وَالنَزَعِ , فَلَا بُدَّ لِإِرَاحَتِهَا وَسَلامَتِهَا مِنْ اللُّجُوءِ إِلَيْهِ والافْتِقَارِ إِلَى كَلَاءَتِهِ , والاعْتِصَامِ بِهِ , فَلا َحوْلَ ولَا قُوَّةَ إلَّا بِهِ , ولَا اتِّكَالَ إِلَّا عَلَيْهِ , فاللَّهُمَّ هَذِهِ نَفْسِي عَلَى مَا جَبَلْتَهَا فَطَمِّنْهَا , وَهَذَا قَلْبِي بِمَا ارْتَضَيْتَهُ لَهُ فَامْلَأْهُ نُورًا , وَهَذَا شَأْنِي بِمَا قَضَيْتَهُ وَقَدَّرْتَهُ لِي فَأَصْلِحْهُ كُلَّهُ وَلا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ , فَإِنَّي إِنْ زَللتُ لَا سِوَايَ مَلُومٌ , وَأَنْتَ إِنْ عَاقَبْتَ فَعَدْلٌ حَكِيمٌ , وَإِنْ غَفَرْتَ فَرَحْمَنُ رَحَيِمُ , غَلَبَتْ رَحْمَتُكَ نِقْمَتَكَ وَعْفُوُكَ عِقَابَكَ , فَاهْدِنِي صِرَاطَكَ وِقِنِي عَذَابَكَ , إِلَيْكَ المَلْجَأُ وِبكَ النَّجَاةُ .

وفاء شوكت خضر
02-06-2007, 09:08 PM
الأخ صاحب الخلق الكريم / بندر الصاعدي ..

ما أجمل ما قرأت من فصيح بيان .
قلت صدقا وأبدعت بيانا ، أوجزت وأوضحت .
لسان صدق ، وقلب تقي ، وبليغ قول .

أعذرني أيها الأديب السامق ..
أمام حرفك لا أملك إلا الصمت ، وأما خلقك الحياء ..

بارك الله فيك ، فما خطه يراعك هنا موعظة لمن أراد أن يتعظ .

تقبل مروري ..

جوتيار تمر
03-06-2007, 01:19 PM
الصاعدي..
اشتغال جميل على اللغة..والبيان..
اخرجت نصا رائعا هنا..

دمت بخير
محبتي لك
جوتيار

بندر الصاعدي
04-06-2007, 03:02 AM
جزيت خيرًا أختي وفاء وبلغك الله طمأنينة النفس والرضا

لك امتناني وتقديري وشكري على ما قلتِ وهو كثير في حقي .


دمت في رعاية الله وحفظه

د. نجلاء طمان
05-06-2007, 02:48 AM
الأديب الرائع : الصاعدى

بوح بليغ وراقٍ

يسرى فى بحر النقاء

لم تسلبه الرياح شراعه

ولم تقيده حبال اليأس

فصار حلية البحر والبحار.


شذى الوردة لكاتب النص والمهدى اليه النص.


د. نجلاء طمان

سحر الليالي
05-06-2007, 10:56 PM
أيها الفاضل " بنـــدر الصاعـــدي":

لله ما أروع حرفكـ ...!
أخبرني كيفـ لي أن أمر هنا بصمتـ وبوحكـ جاء بروعة المطر...!!
نبض مدهـش غارقـ بالروعة حد الثمالة وأكثر...!

سلمتـ لنا أيها الفاضل
تقبل خالص تقديري وباقة سوسن

بندر الصاعدي
06-06-2007, 10:56 AM
أخي الكريم / جوتيار

مرحبًا بك في رحاب النصِّ ومعقبًا عليه .
ما حيلتنا إلا اللغة ننفث فيها زفرات صدرٍ وخطرات فكر , ونأمل بها البيان وكشف بواطنِ الأذهان .

لك التحية والتقدير
دمت بخير

نور سمحان
06-06-2007, 11:14 AM
ماشاء الله عنك أخي
نص متين مبنى ومعنى
فعلا الصمت في حرم الجمال جمال
تقبل مروري المتواضع
تحياتي لك

حوراء آل بورنو
11-06-2007, 12:25 PM
و الله صدّقتها .. حفظاً لوداد حريّ بحرة .

يا ابن حرب

انبجست الدماء من جرح التأم على فساد و حرفك يغور بنصله يفسر الغياب ؛ فكلنا في أسبابه أخوة أعيان ! غير أنك تغيب و أنا حاضرة برسم اسمي و الروح في غيابها لا تنفك .

عافاك الله أينما كنت من كل داء ؛ فما كتبتَ إلا أعجميات حسي ببيان حرفك الناصع و رصدتَ ببلاغتك دقائق حَزن فات و همّ على مقبل .. فلله در الأديب أنت !
أفكنتَ تكتب عنك أم عني ؟

ثم رأيتُ أنه نص يستحق التثبيت لأنك أستاذ و بك يقتدى ، و لكن مخافة أن يقال : هو أخوها ، كففتُ .

يا فاضل
و قد كان أن جمعنا الغياب عن خلجان تستقر بينها سفين الهانئين أفلا نجتمع ها هنا تحت ظل حرف تنفيس !
هو رجاء ستترجمه دوما ندائاتي الصادقة .

كن بخير دائما .

سامر الليل
22-06-2007, 11:31 PM
ما يعجني فيك أخى بندر شعراً ونثراً أنك تشخص الحالة والمشكلة ثم تعرِّج عليها بمشاعرك و أحاسيسك الفيِّّاضة, فتتدفق المعاني الجميلة,وتنبعث الروح المستكنة,وتشرقُ أحلام وتغرب آلام,
وتتساقط الدرر وتتناثر الحكم.....,
وفي نهاية المطاف تعود بنا على مركب الإيمان إلى مكانٍ قريبٌ منا,وتسمو بنا في صورٍ جليه,
لايكون للإنسان عزاً إلابها........,
أبتهالٌ ..... ,وخشوعٌ..... ,وخضوعٌ لله .... فبارك الله فيك وسدد خطاك.

سحر الليالي
23-06-2007, 01:15 AM
أخي الحاضر الغائب"بنــدر الصاعدي":

لـ حرفكـ تحيه اجلالـ ..!

وبإنتار هطولكـ دوما بشوق.!

تقبل خالص إحترامي وتقديري

بندر الصاعدي
02-08-2007, 08:18 AM
د. نجلاء طمان
السلام عليكم
تعقيبك يبعث الأمل في حبر القلم لينبض حروفًا عن قلب حامله فلك الشكر .

شذا وردتك عبق بنفسي فودِعتْ وطابتْ

لك التحية عاطرةً بالتقدير والامتنان

دمت بخير

حسنية تدركيت
17-08-2007, 01:00 AM
وهل لنا رب سواه فندعوه ؟؟
هو يعلم ضعفنا وفقرنا إليه, فنرجوه سبحانه أن يسعدنا دنيا وآخرة ...
جزاك الله خيرا, نص يملأ النفس ثقة بالله وطمئنينة وآمانا ...
شكرا جزيلا

علي أسعد أسعد
17-08-2007, 01:15 AM
وما أجمله من شاطئ

تحياتي لكما

أحمد الرشيدي
06-04-2009, 09:50 PM
عَلَى شطِّ الصَّاعِدِي

إِلَى الأَدِيبَةِ الكَرِيمَةِ / حَوْرَاءَ آلِ بُورنو .
صَدَى إِجَابَاتٍ عَلَى صِدْقِ نِدَاءَاتٍ
لَسْتُ أَصِيحُ مُسْتَنْجِدًا , وَقَدْ ابْتَلَعَ مِنِّي الغِيَابُ شَطْرًا فَشَطْرَا , تُنَازِعُهُ عَلَيَّ ذِكْرَى , وَمَا أَمْلِكُ بِيْنَهُمَا أَمْرًا , إِذِ اعْتَدْتُ خَسْفِي بِلَا أَسَفٍ , فَمَا أَنَا إلَّا رَهْنُ قَدَرِي , أَسِيرُ عَلَى أَثَرِ , رَضِيتُ الغِيَابَ كِرِضَايَ الحُضُورَ , غَيْرَ أَنَّهُ يُحَمِّلُنِي حِدَاءُ صُوتٍ فَوْقَ مَا تُطِيقُ رِكَابِي , حَثَّا عَلَى إِيَابِي , فِيَزْدَادُ بِي الحِمْلُ حِمْلَيْنِ , كَأَنَّ الحِدَاءَ وَحَالِيَ كَفَّانِ أُشْرِعَتَا فِي وَجْهِ مُعَاقٍ , أَوْ رُقْيَةُ رَحِيمٍ عَلَى صَدْرِ عَقِيمِ .
لَمْ تَسْلُبْنِي الرِّيَاحُ شِرَاعِي بَعْدُ , فَهْوَ عَلَى جِدَّتِهِ , إِنَّمَا سَاعِدَايَ قُيِّدَا بِحَبْلِ المَعِيشَةِ , وَمَا هِي فِي البَحْرِ إِلَّا لِمَنْ بَاعَ حِلًى اسْتَخْرَجَهَا أَوْ اسْتُخْرِجَتْ لَهُ , وَقَدْ عَهِدْتُنِي رُبَّانًا لَا يَمْخُرُ بِسَفِينَةٍ عُبَابًا لِيَطْرُقَ بَابَا , إِنَّمَا لِيُغْرِقَ شِيطَانًا أَوْ يُنْقِذَ أَلْبَابَا , فَمَتَى لَمْ أَسْتَطِعْهَا أَعْرَضْتُ عَنْهُ , وَقَدْ تَوَلَّتِنِي حَالاتٌ مَا لَبُوسُهُنَّ الكِتَابَةُ , وَيُشْقِينِيَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ لَبَعْضِهَا لبَاسَهَا , فَتَحَلِّيْتُ بِالصَّبْرِ دِثَارًا , إِذْ هُو حِلْيَةُ الفَاقِدِ , وَبُرْدَةُ الوَاجِدِ . وَعِلَّاتُ المَرْءِ بَعْضُ حَالاتِهِ , وَكَذَلِكَ خَيْبَاتُهُ , وَإِنْ أَتَتِ الرِّيَاحُ بِمَا لَا تَشْتَهِي السُّفُنُ فَحَيْلُولَتُهَا دُونَ صَيْرُورَةِ المُبْتَغَى , فَمَا بَالُ رِيَاحٍ اعْتَرضَتْنِي لا تَنْقَطِعُ , وَمَا بَالُ أَمَانِيِّي أَدْرَكَهَا اليَأْسُ فِي مَهْدِهَا فَلَمْ أُدْرِكْ مِنْهَا إِلَّا تَشْيِيعَهَا , وَإِنْ أَدْرَكْتُ فَلا تَأتِي كَمَا تَبْدُو .
وَلَعلَّ خَلْوَةً بِالنَّفْسِ - وَإِنْ طَالَتْ - كَفِيلَةٌ بِإِبْرَائِهَا مِنْ أَدْوَائِهَا , وَمَا دَاءُ البَدَنِِ بِشَيْءٍ إِزَاءَ دَاءِ النَّفْسِ , فَالوَهَمُ دَاءٌ , والكَآبَةُ دَاءٌ , والكِبْرُ دَاءٌ , وَكَذَلِكُ البُؤْسُ . فَلَيْتَ عَرَضَهُ حِسِّيٌِّ ظَاهِرِيُّ يُدْرَكُ بِالنَظَرِ ,أَوْ بَاطِنِيُّ يُعْرَفٌ بِالجَسِّ لَهَانَ التَّشْخِيصُ وسُعِيَ لِلْمُعَالَجَةِ , إِنَمَّا دَاؤُهَا غَائِرٌ فِي خَفَايَاهَا غَائِبٌ عَرَضُهُ عَنْ صَاحِبِهَا , وإِنْ بَدَا شَيْءٌ مِنْهُ فَالكِتْمَانُ سَجَّانُهُ والكَبْتُ أَصْفَادُهُ, وَلَوْ كَانَ غَيْرَ ذَلَك لَمَا غَلَّبَتِ النَّفْسُ صَاحِبَهَا .
إِنَّ مُعَقَّبَاتِ أَدْوَاءِ النَّفْسِ لَتُخْتَصَرُ فِي كَلِمَةٍ حَيَاةٍ , فَمَنْ كَانَ حَيًّا لَا بَدَّ لَهُ مِنْ مُكَابَدَةِ نَفْسِهِ وَمَا يَعْتَرِيهَا , فَالفَقْرُ حَالَةٌ تُعَقِّبُ البُؤْسَ وَغَيْرَهُ , وَمُعَامَلَةُ النَّاسِ بِمَا يُخَالِفُهُمْ تَجْلِبُ الشَّحْنَاءَ , وَبِمَا يُوَافِقُهُمْ تُودِي إِلَى النِّفَاقِ , حَتَّى الصَدَاقَةُ تُزْعِجُ النَّفْسَ فِي بَعْضِ حَالَاتِهَا , بَلْ إِنَّ الدَّاءَ لَيَأْتِيكَ مِنْ قَرِيبٍ بَلْ مِنْ أَقْرَبَ مِنْ ذَاتِ النَّفْسِ .
وعَلَى مَا بِالنَّفْسِ مِنْ إِشْكَالِيَّاتٍ واخْتِلَاجَاتٍ وَمَكْنُونَاتٍ فَإِنَّ الإِحَاطَةَ بِهَا وَرِعَايَتَهَا وإِخْلَاءَهَا مِنْ كُلِّ دَاءٍ يَعَزُّ عَلَى كُلِّ ذِي نَفْسٍ , فَسُبْحَانَ الذِي شَاءَ كُلَّ نَفْسٍ تَلْجَأُ إِلَيْهِ حُبًّا ورَغَبًا أَوْ رَغْمَا وَرَهَبًا , وَجَلَّ إِذْ جَبَلَ الأَنْفُسَ عَلَى اللَّوْمِ وَالنَزَعِ , فَلَا بُدَّ لِإِرَاحَتِهَا وَسَلامَتِهَا مِنْ اللُّجُوءِ إِلَيْهِ والافْتِقَارِ إِلَى كَلَاءَتِهِ , والاعْتِصَامِ بِهِ , فَلا َحوْلَ ولَا قُوَّةَ إلَّا بِهِ , ولَا اتِّكَالَ إِلَّا عَلَيْهِ , فاللَّهُمَّ هَذِهِ نَفْسِي عَلَى مَا جَبَلْتَهَا فَطَمِّنْهَا , وَهَذَا قَلْبِي بِمَا ارْتَضَيْتَهُ لَهُ فَامْلَأْهُ نُورًا , وَهَذَا شَأْنِي بِمَا قَضَيْتَهُ وَقَدَّرْتَهُ لِي فَأَصْلِحْهُ كُلَّهُ وَلا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ , فَإِنَّي إِنْ زَللتُ لَا سِوَايَ مَلُومٌ , وَأَنْتَ إِنْ عَاقَبْتَ فَعَدْلٌ حَكِيمٌ , وَإِنْ غَفَرْتَ فَرَحْمَنُ رَحَيِمُ , غَلَبَتْ رَحْمَتُكَ نِقْمَتَكَ وَعْفُوُكَ عِقَابَكَ , فَاهْدِنِي صِرَاطَكَ وِقِنِي عَذَابَكَ , إِلَيْكَ المَلْجَأُ وِبكَ النَّجَاةُ .

وعند شط الصاعدي علمت علم اليقين بأنني وأضرابي كنا نخوض ونلعب ...

لله أنت ! كيف نسلت هذه الكلم ، فكانت ذرية بعضها من بعض كل يورث من بعده أجمل ما فيه حتى بلغوا ما قد قضيت لهم بما أقدرك الله الخلود والنجاة !

حفظك الله ونفع بك

ربيحة الرفاعي
30-06-2014, 02:28 AM
وَلَعلَّ خَلْوَةً بِالنَّفْسِ - وَإِنْ طَالَتْ - كَفِيلَةٌ بِإِبْرَائِهَا مِنْ أَدْوَائِهَا , وَمَا دَاءُ البَدَنِِ بِشَيْءٍ إِزَاءَ دَاءِ النَّفْسِ , فَالوَهَمُ دَاءٌ , والكَآبَةُ دَاءٌ , والكِبْرُ دَاءٌ , وَكَذَلِكُ البُؤْسُ . فَلَيْتَ عَرَضَهُ حِسِّيٌِّ ظَاهِرِيُّ يُدْرَكُ بِالنَظَرِ ,أَوْ بَاطِنِيُّ يُعْرَفٌ بِالجَسِّ لَهَانَ التَّشْخِيصُ وسُعِيَ لِلْمُعَالَجَةِ , إِنَمَّا دَاؤُهَا غَائِرٌ فِي خَفَايَاهَا غَائِبٌ عَرَضُهُ عَنْ صَاحِبِهَا , وإِنْ بَدَا شَيْءٌ مِنْهُ فَالكِتْمَانُ سَجَّانُهُ والكَبْتُ أَصْفَادُهُ, وَلَوْ كَانَ غَيْرَ ذَلَك لَمَا غَلَّبَتِ النَّفْسُ صَاحِبَهَا .

مترف الحرف متقن العزف على قيثارة هدأة اليقين وإيمان العارفين
أحسنت القول أحسن الله إليك

ودمت تقيا نقيا

تحاياي

أحمد الأستاذ
30-06-2014, 02:31 AM
نص أدبي فاخر
ونعم الحرف أيها الوفي الكريم
نثرت فأمتعت
دمت بخير

نداء غريب صبري
08-08-2014, 03:53 PM
وجدت هذا النص القديم وأنا أبحث عن نصوصك أيها الأديب البارع فوجدت هذا النثر الجميل وهذا الأداء الأدبي الراقي فأحببته وأحببت أن أرفعه.
شكرا لك وأتمنى أن أقرأ لك نصوصا جديدة في الواحة.

بوركت

د. سمير العمري
26-11-2014, 08:43 PM
اللهم آمين أيها الحبيب ، وزده اللهم وزدنا من فضلك العميم ومن رحمتك الواسعة ورضنا بما وهبتنا إنك على ذلك قدير.

نص أثير ظننتني رددت عليه من قبل فما وجدت لي فيه أثر إلا ما كان من حس أثيل تركه نصك الراقي في النفس بما حوى من فلسفة حصيف ويقين مؤمن وحرف أديب.

أشكر لك حسك وحرفك وأتمنى لك الخير دوما أيها الغائب الحاضر في قلب أخيك.

دمت بخير ورضا!

تقديري