د.عطاالله عبد العال
05-06-2007, 06:52 PM
لا يؤسفني أن أقول لك: إنك أشأم مولود في تاريخنا، فنكبتنا أهون منك رغم شؤمها، فقد كانت ثمرة لتمزق عربي، وانحطاط (بالجملة) على مستوى الدولة، وتخلف في كل الميادين: المعرفة والسياسة، والفهم ؛كانت دميمة، مخيفة، عمياء، عمشاء، تافهة مخزية، فقد قادنا فيها مطعون وساقط ومدان (وأهبل).
أما أنت فقد كنت ثمرة لكذبة كبيرة، صدقناها، وأحببناها، هتفنا بها ورقصنا، وجرينا وراءها كالمضبوع، كذبة كانت لها شعارات براقة، خدعتنا، أذهبت بصائرنا، وبصرنا، مثل: (دخلنا عصر الفضاء)،( نحن نملك أكبر قوة ضاربة في الشرق الأوسط)، (نسورنا ملوك الفضاء مخابراتنا قهرت مخابراتهم)، (أنا مش خِرِع زي المستر إيدن)، (إحنا بنؤول للحرب أهلاً وسهلاً ).
شعارات يعرفها جيلي، طربنا لها، غنينا، طربنا على أجنحة الفرحة القومية، ولدتك مؤتمرات القمة التي وحدت شمل العرب كما ظننا.
ابتسامات قائدنا: هي آمالنا، تفاؤلنا بانتصارات وانتصارات.
وعناقهم هي مقدمات جيوشنا، ومؤخراتها، وميامنها، مياسرها، وقلوبها، وأصبحت جسداً واحداً كمصارع عملاق له مائة مليون عقل ومائتا مليون ذراع... كالبنيان و(يا ويلك بني صهيون) عملاق يوشك أن يطبق على عنق اليهود، الذين سرقوا بلادنا، وكم قاومنا شعوراً بالشفقة عليهم، سرعان ما ندفعه بشماتة ساذجة أو سذاجة شامت. أنت ثمرة قيادات كنا نظنها واعية، مثقفة، شابة، ركلت الخيانة بقدمها، دست الظلم والطغيان، وأودت برموز النكبة إلى الجحيم؛ فاروق، عبد الله، نوري السعيد، عبد الإله...
ولد مع نكبتنا اليقين بالعودة، والأمل بالوجود، وألف أمل وأمل أن نسقي حمامنا الذي تركناه في بيتنا هناك، ونأكل (زغاليلهم) التي لن تصير (عتاقي) ونحن في بلاد الهجرة، ولد معنا ألف أمل وأمل أن الثوار قادمون، إذا انتصرت ثورة ازداد لدينا الأمل في العودة، ومعنى أن يسقط طاغية أننا اقتربنا من ساعة الرجوع، ما أسرع أن ترسم أصابعنا الصغيرة الطرية خارطة فلسطين وتكتب تحتها أننا لعائدون، حتى أتقنها آبائنا وأمهاتنا اللذين يحفظون في قلوبهم دروبها، وشعابها، ومواطن البيادر، والأجران فيها، هي آياتنا التي نتلوها صباح مساء، وما أسرع أن نرسم من الذاكرة صور الأبطال الذين أعطوا أرواحهم لفلسطين، ونحبهم بعفوية، ونتحدث عنهم ببراءة وتلقائية.
كم أحببنا جمال، وكم كانت ابتسامته تملؤنا تفاؤلاً وحباً، وكم رسمنا صورته، وعندما أتيت ذهبت ابتسامة جمال، وذهب معها تفاؤلنا، وقضت أصابعنا، لم تعد تتقن الرسم (التخمنا)، وأخذنا السؤال بعد السؤال ووضع علامات التعجب وعلامات الحزن، وبرك الدموع...لماذا تدمرت مطارات جمال؟ حتى السرية منها في بني سويف والأقصر، كيف احترقت طائرات السوخوي والميج التي كانت ستقلنا إلى فلسطين بعد أن تدمر جيش يهود؟ وهل صحيح أن مردخاي هود (وقائد طيرانهم) غلب صدقي محمود قائد طيراننا؟ كيف؟ كيف؟!!
أين أساطيلنا التي فعلت الأفاعيل في أسطولهم الجبان، المذعور؟أين طور بيد(جول جمال) الذي مزق بوارجهم في بحر الإسكندرية المقدام؟ أين المشير الذي يملك بإشارة من إصبعه -أن يحيل سماء يهود إلى سعير؟ هل صحيح أن أرتال الدبابات التي اخترقت سيناء كالسهم نحو فلسطين لم تصل إلى قلب تل أبيب لتفتك به لأن نيرانهم صهرتها؟؟؟!!!.
كنا قد خرجنا قبيل مقدمك من أعياد مارس؛ ذكرى انتصاراتنا سنة 1957، وتهامس القليل منا؛ لماذا هذه البهرجة؟ وتضييع المال والجهد، لا يليق بنا فلنوفر كل قرش لنشتري به بندقية أو رصاصة، أو رغيفاً لمقاتل، نحن في طور تحرير، فحللت، فانحسم الخلاف، لم نعد نحتفل بأعياد انتصاراتنا، ودعنا - بك - النصر للأبد والفرحة للأبد، والعيد للأبد، ووضعنا كفنا على خدودنا ( كالأرامل) أو كالثكالى.
كنا نمتلئ فخراً ونشوة عندما نرى علمنا يخفق على مبنى الجامعة العربية ونراه الأحلى والأبهى، نتجلى عندما نرى رئيسنا يجلس في مقاعد العظماء وكم رقصنا عندما جاء لنا بسفير من الصين، يحمل لنا سلاح الصين، وقوة الصين، وملايين الصين الذين سيأكلون اليهود أكلاً لما، ولكنك جئت (ويا ليتك ما جئت) لتحطم كل ذلك ـ أحرقت كل ذلك وخافت منك ملايين الصين، فما جاءت اليهود لتأكل اليهود، بل اليهود (بلعونا)، ابتلعوا غزة، سيناء، وهضبة الجولان، والضفة؛ جبال الخليل الشامخة، وجبال النار المتوقدة، وألف آه آه على القدس، وأعلن يهود في بيان رقم ( 1 )، عند دخولها أن محمد قد مات وأنه خلف بنات فغرقنا في بحار من اليأس والتعاسة والدموع. وانهارت - بمجيئك القيادة العربية الموحدة ولم يعد هناك علي علي عامر، الذي انعقد أملنا على العزم الساكن على حاجبيه !!حرق اليهود مكتبه، وقهر رئيس أركانهم (رابين) كل رؤساء أركاننا.
ياه... كنت حلماً ثقيلاً أسود بغيضاً مزعجاً ما أبشعك، هام جنودنا على وجوههم: جنود مصر الكنانة، جنود فلسطين الكيان، الجيش العربي، ومغاوير الشام، خلعوا بصاطيرهم وانتعلوا (السوافي) وشعاب الجبال حتى (تبربقت) أقدامهم ـ وطارت النسور عن جباههم، ولم يعد على أكتافهم من نجوم، أو سيوف أو أغصان زيتون، أو بنادق... احترق الجميع، الموت يترصدهم، ويلاحقهم، يحشرهم في المدارس، والأزقة، والمواصي، والمشافي، أخذ يجندل قاماتهم، ويقصف أعناقهم، لم تعد الخوذات تحمي الجماجم، فقد ثقب رصاص يهود الحديد والعظام، كان صوت مذيعهم (جورج ناصر) يرهقنا (ينرفزنا) وهو يدعو (بصوته الأجش) جنودنا أن يرفعوا الرايات البيضاء، ويلقوا أسلحتهم بين يدي جيش الدفاع الرحيم الشفوق، فتتحول من دموع وحناجر منتحبة، إلى أكوام من الحزن، والفشل، والفجيعة، في الوقت الذي يعلن مذيعنا عن دخول جنودنا السبع، وتوجهها صوب تل أبيب.
كان صوت (العم حمدان) يسخر منا ومن أولاد مصر الطيبين.
وصوت(ابن الرافدين) يكشف لشعب العراق خيانة حكامه.
تتسع الجغرافيا حتى تبتلع التاريخ أو تهدمه.
وكل هذا بسببك، كما اغتظنا منك عندما رأينا اليهود وهم يغسلون أقدامهم في مياه القناة، بعد أن أصبحت مصر كل مصر بلا غطاء جوي، وبها أصبحت كل العروبة بلا غطاء، والحرية بلا غطاء، والاشتراكية بلا غطاء، والوحدة بلا غطاء، فلقد انكشفت سوءاتها جميعاً، وأمست حِمى مستباحاً ليهود!!
وقفنا -بك- على حقيقتنا، اكتشفنا بك أن كل همسنا، وخلجات نفوسنا يعرفها عنا يهود، ونحن غرقى في بحار الوهم.... اكتشفنا –بك- أنهم يعلمون نوايانا، والمشطوب من خططنا، ولون البطيخ الذي أكلناه في غرف قياداتنا، وكل خطوة من تحركاتنا، وكل نأمة من اتصالاتنا.
يعلمون كل شئ حتى؛ متى سننام، وماذا سنأكل، ونتوهم أنهم لا يعرفون ما لون باب مدينتنا.
اكتشفنا –بك- أنهم يعيشون كالسوس في أسناننا، والقذى في عيوننا، وفي أعقاب سجائرنا، وثمالات كؤوسنا.... اكتشفنا –بك- أنهم يمارسون ذبحنا بسرعة، وبمزيد من السرعة، والسرعة دائماً، وبجرأة، وبمزيد من الجرأة، والجرأة دائماً، وهاأنت تطل علينا للمرة الأربعين ...لقد كنت فتياً يوم رأيتك أول مرة، كنتُ فتىً مفعماً بالأمل، مفعماً بحب الحياة، وما أن حل علينا ضحاك حتى تبدل من النقيض إلى النقيض، بسرعة الهزيمة، وسواد الهزيمة، وقبح الهزيمة، واليأس الذي يسكن قلب المهزوم إذا حلت به الهزيمة، أحرقت مسرحنا، ولم تبق عليه إلا الممثلين أنفسهم كما قال أحد ظرفائنا، أما نحن الجمهور، فأخذنا نصرخ منك، وبك: أين الروس؟!! أين الروس؟!! أين الروس؟!! ويبدو أن الروس لا يفهمون لغتنا، أم أنهم يفهمونها، ولكن لغتهم الأم هي العبرية، فنكسنا ما بقي من رؤوسنا، وانتكسنا....
الآن؛ لا أستئذنك بالتوقف وليتني أستطيع أن أتخلص منك، إنني على يقين أننا –ذات يوم – سنستطيع، أليس كذلك؟؟؟!!
وهنا أقول: لا يطيب لي أن أستئذنك، بل أتركك إلى حين، لألتقيك في الرسالة القادمة ، إن كان في العمر بقية، و ليتك ما أتيتنا، ولا رأينا وجهك الشنيع.
أما أنت فقد كنت ثمرة لكذبة كبيرة، صدقناها، وأحببناها، هتفنا بها ورقصنا، وجرينا وراءها كالمضبوع، كذبة كانت لها شعارات براقة، خدعتنا، أذهبت بصائرنا، وبصرنا، مثل: (دخلنا عصر الفضاء)،( نحن نملك أكبر قوة ضاربة في الشرق الأوسط)، (نسورنا ملوك الفضاء مخابراتنا قهرت مخابراتهم)، (أنا مش خِرِع زي المستر إيدن)، (إحنا بنؤول للحرب أهلاً وسهلاً ).
شعارات يعرفها جيلي، طربنا لها، غنينا، طربنا على أجنحة الفرحة القومية، ولدتك مؤتمرات القمة التي وحدت شمل العرب كما ظننا.
ابتسامات قائدنا: هي آمالنا، تفاؤلنا بانتصارات وانتصارات.
وعناقهم هي مقدمات جيوشنا، ومؤخراتها، وميامنها، مياسرها، وقلوبها، وأصبحت جسداً واحداً كمصارع عملاق له مائة مليون عقل ومائتا مليون ذراع... كالبنيان و(يا ويلك بني صهيون) عملاق يوشك أن يطبق على عنق اليهود، الذين سرقوا بلادنا، وكم قاومنا شعوراً بالشفقة عليهم، سرعان ما ندفعه بشماتة ساذجة أو سذاجة شامت. أنت ثمرة قيادات كنا نظنها واعية، مثقفة، شابة، ركلت الخيانة بقدمها، دست الظلم والطغيان، وأودت برموز النكبة إلى الجحيم؛ فاروق، عبد الله، نوري السعيد، عبد الإله...
ولد مع نكبتنا اليقين بالعودة، والأمل بالوجود، وألف أمل وأمل أن نسقي حمامنا الذي تركناه في بيتنا هناك، ونأكل (زغاليلهم) التي لن تصير (عتاقي) ونحن في بلاد الهجرة، ولد معنا ألف أمل وأمل أن الثوار قادمون، إذا انتصرت ثورة ازداد لدينا الأمل في العودة، ومعنى أن يسقط طاغية أننا اقتربنا من ساعة الرجوع، ما أسرع أن ترسم أصابعنا الصغيرة الطرية خارطة فلسطين وتكتب تحتها أننا لعائدون، حتى أتقنها آبائنا وأمهاتنا اللذين يحفظون في قلوبهم دروبها، وشعابها، ومواطن البيادر، والأجران فيها، هي آياتنا التي نتلوها صباح مساء، وما أسرع أن نرسم من الذاكرة صور الأبطال الذين أعطوا أرواحهم لفلسطين، ونحبهم بعفوية، ونتحدث عنهم ببراءة وتلقائية.
كم أحببنا جمال، وكم كانت ابتسامته تملؤنا تفاؤلاً وحباً، وكم رسمنا صورته، وعندما أتيت ذهبت ابتسامة جمال، وذهب معها تفاؤلنا، وقضت أصابعنا، لم تعد تتقن الرسم (التخمنا)، وأخذنا السؤال بعد السؤال ووضع علامات التعجب وعلامات الحزن، وبرك الدموع...لماذا تدمرت مطارات جمال؟ حتى السرية منها في بني سويف والأقصر، كيف احترقت طائرات السوخوي والميج التي كانت ستقلنا إلى فلسطين بعد أن تدمر جيش يهود؟ وهل صحيح أن مردخاي هود (وقائد طيرانهم) غلب صدقي محمود قائد طيراننا؟ كيف؟ كيف؟!!
أين أساطيلنا التي فعلت الأفاعيل في أسطولهم الجبان، المذعور؟أين طور بيد(جول جمال) الذي مزق بوارجهم في بحر الإسكندرية المقدام؟ أين المشير الذي يملك بإشارة من إصبعه -أن يحيل سماء يهود إلى سعير؟ هل صحيح أن أرتال الدبابات التي اخترقت سيناء كالسهم نحو فلسطين لم تصل إلى قلب تل أبيب لتفتك به لأن نيرانهم صهرتها؟؟؟!!!.
كنا قد خرجنا قبيل مقدمك من أعياد مارس؛ ذكرى انتصاراتنا سنة 1957، وتهامس القليل منا؛ لماذا هذه البهرجة؟ وتضييع المال والجهد، لا يليق بنا فلنوفر كل قرش لنشتري به بندقية أو رصاصة، أو رغيفاً لمقاتل، نحن في طور تحرير، فحللت، فانحسم الخلاف، لم نعد نحتفل بأعياد انتصاراتنا، ودعنا - بك - النصر للأبد والفرحة للأبد، والعيد للأبد، ووضعنا كفنا على خدودنا ( كالأرامل) أو كالثكالى.
كنا نمتلئ فخراً ونشوة عندما نرى علمنا يخفق على مبنى الجامعة العربية ونراه الأحلى والأبهى، نتجلى عندما نرى رئيسنا يجلس في مقاعد العظماء وكم رقصنا عندما جاء لنا بسفير من الصين، يحمل لنا سلاح الصين، وقوة الصين، وملايين الصين الذين سيأكلون اليهود أكلاً لما، ولكنك جئت (ويا ليتك ما جئت) لتحطم كل ذلك ـ أحرقت كل ذلك وخافت منك ملايين الصين، فما جاءت اليهود لتأكل اليهود، بل اليهود (بلعونا)، ابتلعوا غزة، سيناء، وهضبة الجولان، والضفة؛ جبال الخليل الشامخة، وجبال النار المتوقدة، وألف آه آه على القدس، وأعلن يهود في بيان رقم ( 1 )، عند دخولها أن محمد قد مات وأنه خلف بنات فغرقنا في بحار من اليأس والتعاسة والدموع. وانهارت - بمجيئك القيادة العربية الموحدة ولم يعد هناك علي علي عامر، الذي انعقد أملنا على العزم الساكن على حاجبيه !!حرق اليهود مكتبه، وقهر رئيس أركانهم (رابين) كل رؤساء أركاننا.
ياه... كنت حلماً ثقيلاً أسود بغيضاً مزعجاً ما أبشعك، هام جنودنا على وجوههم: جنود مصر الكنانة، جنود فلسطين الكيان، الجيش العربي، ومغاوير الشام، خلعوا بصاطيرهم وانتعلوا (السوافي) وشعاب الجبال حتى (تبربقت) أقدامهم ـ وطارت النسور عن جباههم، ولم يعد على أكتافهم من نجوم، أو سيوف أو أغصان زيتون، أو بنادق... احترق الجميع، الموت يترصدهم، ويلاحقهم، يحشرهم في المدارس، والأزقة، والمواصي، والمشافي، أخذ يجندل قاماتهم، ويقصف أعناقهم، لم تعد الخوذات تحمي الجماجم، فقد ثقب رصاص يهود الحديد والعظام، كان صوت مذيعهم (جورج ناصر) يرهقنا (ينرفزنا) وهو يدعو (بصوته الأجش) جنودنا أن يرفعوا الرايات البيضاء، ويلقوا أسلحتهم بين يدي جيش الدفاع الرحيم الشفوق، فتتحول من دموع وحناجر منتحبة، إلى أكوام من الحزن، والفشل، والفجيعة، في الوقت الذي يعلن مذيعنا عن دخول جنودنا السبع، وتوجهها صوب تل أبيب.
كان صوت (العم حمدان) يسخر منا ومن أولاد مصر الطيبين.
وصوت(ابن الرافدين) يكشف لشعب العراق خيانة حكامه.
تتسع الجغرافيا حتى تبتلع التاريخ أو تهدمه.
وكل هذا بسببك، كما اغتظنا منك عندما رأينا اليهود وهم يغسلون أقدامهم في مياه القناة، بعد أن أصبحت مصر كل مصر بلا غطاء جوي، وبها أصبحت كل العروبة بلا غطاء، والحرية بلا غطاء، والاشتراكية بلا غطاء، والوحدة بلا غطاء، فلقد انكشفت سوءاتها جميعاً، وأمست حِمى مستباحاً ليهود!!
وقفنا -بك- على حقيقتنا، اكتشفنا بك أن كل همسنا، وخلجات نفوسنا يعرفها عنا يهود، ونحن غرقى في بحار الوهم.... اكتشفنا –بك- أنهم يعلمون نوايانا، والمشطوب من خططنا، ولون البطيخ الذي أكلناه في غرف قياداتنا، وكل خطوة من تحركاتنا، وكل نأمة من اتصالاتنا.
يعلمون كل شئ حتى؛ متى سننام، وماذا سنأكل، ونتوهم أنهم لا يعرفون ما لون باب مدينتنا.
اكتشفنا –بك- أنهم يعيشون كالسوس في أسناننا، والقذى في عيوننا، وفي أعقاب سجائرنا، وثمالات كؤوسنا.... اكتشفنا –بك- أنهم يمارسون ذبحنا بسرعة، وبمزيد من السرعة، والسرعة دائماً، وبجرأة، وبمزيد من الجرأة، والجرأة دائماً، وهاأنت تطل علينا للمرة الأربعين ...لقد كنت فتياً يوم رأيتك أول مرة، كنتُ فتىً مفعماً بالأمل، مفعماً بحب الحياة، وما أن حل علينا ضحاك حتى تبدل من النقيض إلى النقيض، بسرعة الهزيمة، وسواد الهزيمة، وقبح الهزيمة، واليأس الذي يسكن قلب المهزوم إذا حلت به الهزيمة، أحرقت مسرحنا، ولم تبق عليه إلا الممثلين أنفسهم كما قال أحد ظرفائنا، أما نحن الجمهور، فأخذنا نصرخ منك، وبك: أين الروس؟!! أين الروس؟!! أين الروس؟!! ويبدو أن الروس لا يفهمون لغتنا، أم أنهم يفهمونها، ولكن لغتهم الأم هي العبرية، فنكسنا ما بقي من رؤوسنا، وانتكسنا....
الآن؛ لا أستئذنك بالتوقف وليتني أستطيع أن أتخلص منك، إنني على يقين أننا –ذات يوم – سنستطيع، أليس كذلك؟؟؟!!
وهنا أقول: لا يطيب لي أن أستئذنك، بل أتركك إلى حين، لألتقيك في الرسالة القادمة ، إن كان في العمر بقية، و ليتك ما أتيتنا، ولا رأينا وجهك الشنيع.