تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : بحر في أعماقي



محمد سامي البوهي
06-06-2007, 12:57 PM
http://i28.photobucket.com/albums/c214/hdhd/179510_28-10-2006_202013.gif

بحر في أعماقي
سيرة كائن مائي



بين أحضان النيل والبحر ولد منزلنا ، فاستلقت عليه ضفافي بشريط أخضر يعانق قلوب أسرتي الدافئة ، نشأت بينهم في أرض تتنفس رائحة الخشب العنبري الذي يحمل الملامح المحفورة على جسد الرزق بورش النجارة الصغيرة ، هاتفتني الطبيعة منذ لحظة وعيي من خلف غياهب القدرة الإلهية الواقعة عند حدود الشعرة الفاصلة بين العذب ، والمالح ، و بين الصخب ، والهدوء ، وبين الرمال ،والطين ، لأتعلم من هواجس البيئة ماهية التذوق ، أقف على الخطوط الملونة للشمس السابحة بأطراف البحر الممتدة ، أفرد كفي الصغير لأحجبها عن العالم الكبير ،فأشعر بكياني المستمد من تلك القدرة ، تشرق شمس أخرى تغزل حرفي الأول على قصاصات من الورق ، أطيرها بالهواء لتعلق بأرجل النوارس المهاجرة للعالم الآخر ، أؤمن دائماً بأن هناك عالماً آخر يكمن خلف حدود البحر الغائرة ، جرفني إلى البحث عن وجوه الصفحات بمحاولات تائهة بين خواطر النفس المشحونة بطاقات الكلمات المترجمة لبيئتي المائية ، و كانت البداية لكلمات تتلاعب على سلالم بيوت الشعر ، انطلقت بها مع شعراء مدينتي إلى المدن والقرى المجاورة ، لكني شعرت أن الطاقة الكامنة مازالت تختزل الكثير والكثير ، وجدتني أنجذب بها نحو الشتاء ببرده القارس الذي يجمع الأسرة بأكملها ، حول حكايات جدي – رحمه الله – فكنت أخرج من رحلة استمتاعي بجسر يربط حاضر كلماتي الحائرة بالماضي المسطور على جباه التاريخ.

غرفتي الصغيرة هي ملاذ أحلامي المخلوطة بحبر قلمي الأسود ، ينتشر عبر أثير المذياع الخشبي ، فأشارك أبناء مدينتي صفحاتهم الشهيرة، عشت مع ( طاهرأبو فاشا) آلاف الليالي بقصور شهريار ، تمنيت أن يتنازل لي عن شهرزاد ، فأقطع رأس الديك لتستمر معي بلياليها الملاح ، غصت مع (فاروق شوشة ) بأحشاء لغتنا الجميلة حتى تحولت بحور الشعر بمجراها لتصب ببحر مدينتي دمياط ، ارتمي على مكتبي بأطراف الغرفة ، أجذب جواريره لأحرمه من نومه العميق بركنه المميز جوار النافذة ، أحتسي رشفات من قهوة الحبر ، بفنجان من ورق ، يشبه تماماً قواربي الورقية التي تركتها تسبح منذ عشرات السنين تصارع خيالاتي الهائجة ، أُصَبح أخي (د. أيمن) على حصاد ليلتي الماضية فيمدني بمجاديف جديدة لقاربي الخشبي لأكمل سيري نحو الشاطئ المفعم بحكايات جديدة ، أنهمها من طواجن أبي العسكرية ، المطبوخة بتجارب حرب الاستنزاف ، و انتصارات أكتوبر ، آكل من لحوم حكاياته اللذيذة ، وأهرب من عظام أرقامه المدونة بدفاتر عمله بأحد البنوك ، كم أمقت كل الأرقام، وكم أحب كل أحرف اللغة العربية ، ما أجمل أحرفها ، من الألف حتى الياء ، أعشقها تلك اللغة التي شاركتني أحلامي ، وواقعي ، فكانت مصدراً للثناء على من مدرسيها عبر مراحل تعليمي ،( الأستاذ جمال عبد الواحد ) اسم لا أنساه ما حييت ، مدرس اللغة العربية العاشق الذي دفعني دفعاً نحو المواصلة ، كانت الانطلاقة الأولى من هذه المرحلة ، مرحلة الثانوية العامة ، حملت المنهج لأحدد معالمه ، فكانت القصة هي الطفلة الجديدة التي ولدت لتحمل كلماتي ، و التي وثقتها مرحلة الجامعة حيث التخصص في اللغة العربية وآدابها ، سرت أعانق مسرحيات الحكيم ، و أرفع الكتب عن الجاحظ ، و أستنشق رومانسية عبد الحليم عبد الله ، أتنزه بأزقة نجيب محفوظ ، ثم فتحت نافذة غرفتي على مصراعيها أمام رياح الغرب الآتية بأسرار أجاثا كريستي ، وشخصيات ديكنز ، وحب ماركيز ،عبرت النافذة لأزيح الستار عن القمر الساجد في معابد المياه من حولي ، يستدير معه قلمي بوجه حبيبتي الغائبة ، ويتسلق جبال طموحاتي المنتظرة ، ذابت المرحلة الجامعية على صفيح الواقع الساخن ، فقفزت غفلتي من فراش العالم الآخر على ضجيج عالم واحد فقط نعيشه ، تتعلق به همومنا التي تنتظر كلماتنا لتخرج من كهف النسيان ، إلى نور تتفتح عليه أعيننا ، كانت (جريدة يوليو ) هي المستقبل الأول للضيف القادم من جنات الياسمين ، فعبرت الحواجز القاتمة ، أكتشف ما خلف المكاتب الفارهة ، لأخرج رأس السلحفاة يراها الجميع ، لكن أصرت هواجسي الأولى ألا تتركني ، لتلح على بالحكايات القديمة ، عاتبتني غرفتي ، وتعطل مذياعي ، ليذكرني صمته بليالٍ قضيتها على همسات (البرنامج العام) ، فانكمشت الخيارات أمامي لخيار العودة لطفلتي ، أرسم بين سطورها شوارعنا الضيقة ، و بحار الدموع المكتظة خلف أبوابنا المتهالكة ، تنتظر لقمة عيش آتية دون موعد سابق ، أو تجفف دماء ارض ابتلت بأجساد أبنائنا من أجل الحرية .

شاءت الأقدار أن أرتفع يوماً بالهواء ، قرب أجنحة النوارس ، وفوق أشرعة المراكب المسافرة ، لأحط بقلمي على قلب تلك المدينة (الكويت) ، حمدت الله كثيراً أن الكائن المائي لن يموت مختنقاً ، أجدد أنفاسي من مياه الخليج كل يوم ، و أقرئ بحر مدينتي السلام ، أغازل الأمواج الآتية بعبق روائح الخشب ، أشمها فأنتشي ، أخط وجه طفلتي على رمال الشاطئ كل ليلة ، حتى تجمدت دموعها فكانت (لوزات الجليد ) مجموعتي القصصية الأولى ، الصادرة عن مركز الحضارة العربية – القاهرة 2006،التي احتفت بها جريدة القبس الكويتية ، ومازلت أرسم وجه طفلتي على رمال شاطئ الخليج لأبني منها (أهرامات الضحك) مجموعتي القصصية القادمة ، والتي ستصدر عن نفس الدار ، و تواضعت أحلامي كثيراً مع أحلام الشاعرة (سعدية مفرح ) فكنت أعكس هواجس غربتي على مرآتها المستلقية بصفحتها التي احتوتني ،وإذا بي استيقظ يوماً على شاردة من شوارد الشاعر (مدحت علام ) ،التي استقبلت نقوشي الباقية للمرة الأولى على صفحات الرأي العام ،وتمتد رحلة الدفء من العالم الافتراضي بملتقى (رابطة الواحة الثقافية) ، الموقع الحلم الواقع على مقاهي الخليج بصحبة ترفرف حولها الكلمات المحلقة ، لأرى مدينتي أجمل مدن العالم ، وأرى زوجتي أجمل نساء الكون ، وها أنا الآن أرسم وجه طفلتي (حنين) على الرمال ، لتعانق طفلة قلمي القادم إليها ، لتستقبلني أمي بأحضان الوطن في ميناء السفينة العائدة وعلى متنها الكائن المائي .

محمد سامي البوهي

عطاف سالم
06-06-2007, 01:09 PM
تحية طيبة أستاذ / محمد البوهي
أهنئك الحقيقة على هذه الخاطرة الذاتية الطابع..
بوح يشي بفتنة البوح وسحره ..
وثرثرة نفسية حالمة أخذتنا معك في كل رحالاتك في تسلسل غير ممل من أول الشاطئ إلى آخر الشاطيء الثاني... وغصنا في بحر هذا الهمس الصافي الشجي الحزين ..
جميل جدا ماقرأته لك هنا أستاذ / محمد
تقبل تحيتي وتقديري
ولعلي أحظى بنص آخر أكثر روعة وأبلغ بيانا وأملأ صورا مثل هذا الذي قرأت وأكثر.

جوتيار تمر
06-06-2007, 01:18 PM
البوهي..
اراك تحمل في رحلتك المائية الكثير مما تفيض به قريحتك..
فتكون امواج في حين..
ورياح تشد شراع مركبك..

عندما يريد المرء نسج روءاه وصوره واحلامه بتفنن وابداع..
لابد ان يفجر التصادم بين اخيلته المتمردة..المتألمة وكثافة العالم الثقيلة..وحينها..بل ومنها تتأتى غربة المرء..تلك الغربة التي تظهر في الكلمة..في الماء..
في السفر..في الموسيقى..في الاهتمامات..في التجواب..
وفي اللانهائي..
ومما لاشك فيه ان احدى اهم ركائز الكثافة هذه هي الذكريات التي تتعلق بلاوعي المرء..
وعندما يستعد المرء بلفظ الاوجاع خارجا يدس اللاوعي صور في ذهن المرء..
ليستعيد بعض الالم..من وجع الذكريات.

دمت ودامت لك حنين

محبتي لك
جوتيار

محمد سامي البوهي
06-06-2007, 08:16 PM
تحية طيبة أستاذ / محمد البوهي
أهنئك الحقيقة على هذه الخاطرة الذاتية الطابع..
بوح يشي بفتنة البوح وسحره ..
وثرثرة نفسية حالمة أخذتنا معك في كل رحالاتك في تسلسل غير ممل من أول الشاطئ إلى آخر الشاطيء الثاني... وغصنا في بحر هذا الهمس الصافي الشجي الحزين ..
جميل جدا ماقرأته لك هنا أستاذ / محمد
تقبل تحيتي وتقديري
ولعلي أحظى بنص آخر أكثر روعة وأبلغ بيانا وأملأ صورا مثل هذا الذي قرأت وأكثر.
الأستاذة الأديبة / عطاف
أشكرك جداً على هذا التواجد الثري ، بين ضفاف الحرف المغموس في الماء المعسول بالشوق ...

تحيتي إليك

حوراء آل بورنو
06-06-2007, 09:17 PM
الأخ الفاضل

لا أخفيك أن بدايات أسطرك كانت تلح علي أنها " سيرة ذاتية " أكثر منها أسطر ترسم الزمان و المكان كنعصرين أساسيين في سرد متتابع فيه من التركيز و التكثيف الشيء الكثير .
و احترت إلى أي الصنفين هي تنتمي ؛ خاطرة أم سيرة ذاتية في ثوب أقصوصة !
على كل حال لا أجد أن تداخل الفنين في بعض الأغراض مضر ، و لا ريب أن عند الأدباء الكبار رأيا أفصح من رأي ، و به استنر .

بقي أن أذكر أني بحق استمتعت بعرضك لسيرتك - على هيأتها - استمتاعاً كبيراً ؛ فبحق وفقت في سبك كل أفكارك في قالب من العاطفة و الخيال مميز و بديع .

تقديري .

محمد سامي البوهي
07-06-2007, 12:59 AM
البوهي..
اراك تحمل في رحلتك المائية الكثير مما تفيض به قريحتك..
فتكون امواج في حين..
ورياح تشد شراع مركبك..
عندما يريد المرء نسج روءاه وصوره واحلامه بتفنن وابداع..
لابد ان يفجر التصادم بين اخيلته المتمردة..المتألمة وكثافة العالم الثقيلة..وحينها..بل ومنها تتأتى غربة المرء..تلك الغربة التي تظهر في الكلمة..في الماء..
في السفر..في الموسيقى..في الاهتمامات..في التجواب..
وفي اللانهائي..
ومما لاشك فيه ان احدى اهم ركائز الكثافة هذه هي الذكريات التي تتعلق بلاوعي المرء..
وعندما يستعد المرء بلفظ الاوجاع خارجا يدس اللاوعي صور في ذهن المرء..
ليستعيد بعض الالم..من وجع الذكريات.
دمت ودامت لك حنين
محبتي لك
جوتيار

جووووووووو

ردودك هي نصوص نستمتع بها ، وتحيي داخلنا نصوصا تنبثق من كلماتك ... أحييك بقلب البحر ، وبجود النيل ...
محمد

منى الخالدي
07-06-2007, 02:15 AM
الأستاذ الفاضل
محمد سامي البوهي

أراك تنسجُ هنا خيوطاً من أيامٍ مضتْ وأخرى حاضرة تتنفسكَ وتعيش في قالبها
كائناً مائيّاً يبحر في عميق نفوسنا فينثر فيها بعضاً من زَبَدِ إبداعه.

أشارك الغالية حوراء في رأيها فالنص أقرب للسيرة الذاتية ومما لا شكّ فيه هو نجاحك
في إيلاجنا عمق أحلامك وأمنياتك الطيبة

تحيتي لك وتقديري
وكل التوفيق أتمناه لك..

د. نجلاء طمان
07-06-2007, 06:17 AM
الأديب الرائع: البوهى


بوح قصصى ذاتى.

ويبقى طين الوطن

بين طيات النبض

يعيد توزيعه دائما كيفما شاء.


شذى الوردة لكل هذا الحنين

د. نجلاء طمان

محمد سامي البوهي
07-06-2007, 09:18 AM
الأخ الفاضل
لا أخفيك أن بدايات أسطرك كانت تلح علي أنها " سيرة ذاتية " أكثر منها أسطر ترسم الزمان و المكان كنعصرين أساسيين في سرد متتابع فيه من التركيز و التكثيف الشيء الكثير .
و احترت إلى أي الصنفين هي تنتمي ؛ خاطرة أم سيرة ذاتية في ثوب أقصوصة !
على كل حال لا أجد أن تداخل الفنين في بعض الأغراض مضر ، و لا ريب أن عند الأدباء الكبار رأيا أفصح من رأي ، و به استنر .
بقي أن أذكر أني بحق استمتعت بعرضك لسيرتك - على هيأتها - استمتاعاً كبيراً ؛ فبحق وفقت في سبك كل أفكارك في قالب من العاطفة و الخيال مميز و بديع .
تقديري .

الأستاذة القديرة / حوراء

حاولت أكثر من مرة أن أتجرد من القص ، لا لسمة الضيق أو الزهق ، ولكن لخوض غمار تجارب جديدة في عالم الأدب ، لكنني دون أن أدري أنجذب نحو أغوار الحكايات ، عندما طلب مني أن أكتب سيرتي الذاتية لظروف معينة ، فوجئت بها تخرج على هذه الشاكلة ، وهذا الذي دفعني بقوة أن أنشرها هنا لأخذ الرأي والمشورة من أساتذتي بالواحة ، سعدت جداً عندما قلت انها سيرة ذاتية قصصية، لأن انتمائي للقصة غير المتعمد يثبت حبي الصادق بيني وبين نفسي لهذا الفن ، أشكرك جداً على ثنائك المحايد ...
تحيتي

محمد سامي البوهي
07-06-2007, 02:23 PM
الأستاذ الفاضل
محمد سامي البوهي
أراك تنسجُ هنا خيوطاً من أيامٍ مضتْ وأخرى حاضرة تتنفسكَ وتعيش في قالبها
كائناً مائيّاً يبحر في عميق نفوسنا فينثر فيها بعضاً من زَبَدِ إبداعه.
أشارك الغالية حوراء في رأيها فالنص أقرب للسيرة الذاتية ومما لا شكّ فيه هو نجاحك
في إيلاجنا عمق أحلامك وأمنياتك الطيبة
تحيتي لك وتقديري
وكل التوفيق أتمناه لك..

الأستاذة القديرة / منى

أشكرك جدا على هذه المشاركة التي تشد على يدي بقوة ، لتشارك مجاديفي نحو المواصلة ...

أشكر لك إبداعك الذي ينبع من نفس المعالم ...

تحيتي

محمد سامي البوهي
10-06-2007, 01:03 PM
الأديب الرائع: البوهى
بوح قصصى ذاتى.
ويبقى طين الوطن
بين طيات النبض
يعيد توزيعه دائما كيفما شاء.
شذى الوردة لكل هذا الحنين
د. نجلاء طمان

الدكتورة نجلاء

تعلمين جيداً كم هو جميل هذا الوطن ، وكم هي مدينتنا الرائعة ............
لي موجة صديقة تركنها منذ ست سنوات تسبح هناك بالركن الهادىء من بحرنا ... كنت ألقي عليها همومي لتغسلها بماء الملح ..... وطن هو بأهلنا ، بأصدقائنا ، بكل ذرة علقت بهوائه الطيب ...

تحيتي وشكري

شريف سيد صلاح
10-06-2007, 02:41 PM
http://i28.photobucket.com/albums/c214/hdhd/179510_28-10-2006_202013.gif
بحر في أعماقي
سيرة كائن مائي


بين أحضان النيل والبحر ولد منزلنا ، فاستلقت عليه ضفافي بشريط أخضر يعانق قلوب أسرتي الدافئة ، نشأت بينهم في أرض تتنفس رائحة الخشب العنبري الذي يحمل الملامح المحفورة على جسد الرزق بورش النجارة الصغيرة ، هاتفتني الطبيعة منذ لحظة وعيي من خلف غياهب القدرة الإلهية الواقعة عند حدود الشعرة الفاصلة بين العذب ، والمالح ، و بين الصخب ، والهدوء ، وبين الرمال ،والطين ، لأتعلم من هواجس البيئة ماهية التذوق ، أقف على الخطوط الملونة للشمس السابحة بأطراف البحر الممتدة ، أفرد كفي الصغير لأحجبها عن العالم الكبير ،فأشعر بكياني المستمد من تلك القدرة ، تشرق شمس أخرى تغزل حرفي الأول على قصاصات من الورق ، أطيرها بالهواء لتعلق بأرجل النوارس المهاجرة للعالم الآخر ، أؤمن دائماً بأن هناك عالماً آخر يكمن خلف حدود البحر الغائرة ، جرفني إلى البحث عن وجوه الصفحات بمحاولات تائهة بين خواطر النفس المشحونة بطاقات الكلمات المترجمة لبيئتي المائية ، و كانت البداية لكلمات تتلاعب على سلالم بيوت الشعر ، انطلقت بها مع شعراء مدينتي إلى المدن والقرى المجاورة ، لكني شعرت أن الطاقة الكامنة مازالت تختزل الكثير والكثير ، وجدتني أنجذب بها نحو الشتاء ببرده القارس الذي يجمع الأسرة بأكملها ، حول حكايات جدي – رحمه الله – فكنت أخرج من رحلة استمتاعي بجسر يربط حاضر كلماتي الحائرة بالماضي المسطور على جباه التاريخ.
غرفتي الصغيرة هي ملاذ أحلامي المخلوطة بحبر قلمي الأسود ، ينتشر عبر أثير المذياع الخشبي ، فأشارك أبناء مدينتي صفحاتهم الشهيرة، عشت مع ( طاهرأبو فاشا) آلاف الليالي بقصور شهريار ، تمنيت أن يتنازل لي عن شهرزاد ، فأقطع رأس الديك لتستمر معي بلياليها الملاح ، غصت مع (فاروق شوشة ) بأحشاء لغتنا الجميلة حتى تحولت بحور الشعر بمجراها لتصب ببحر مدينتي دمياط ، ارتمي على مكتبي بأطراف الغرفة ، أجذب جواريره لأحرمه من نومه العميق بركنه المميز جوار النافذة ، أحتسي رشفات من قهوة الحبر ، بفنجان من ورق ، يشبه تماماً قواربي الورقية التي تركتها تسبح منذ عشرات السنين تصارع خيالاتي الهائجة ، أُصَبح أخي (د. أيمن) على حصاد ليلتي الماضية فيمدني بمجاديف جديدة لقاربي الخشبي لأكمل سيري نحو الشاطئ المفعم بحكايات جديدة ، أنهمها من طواجن أبي العسكرية ، المطبوخة بتجارب حرب الاستنزاف ، و انتصارات أكتوبر ، آكل من لحوم حكاياته اللذيذة ، وأهرب من عظام أرقامه المدونة بدفاتر عمله بأحد البنوك ، كم أمقت كل الأرقام، وكم أحب كل أحرف اللغة العربية ، ما أجمل أحرفها ، من الألف حتى الياء ، أعشقها تلك اللغة التي شاركتني أحلامي ، وواقعي ، فكانت مصدراً للثناء على من مدرسيها عبر مراحل تعليمي ،( الأستاذ جمال عبد الواحد ) اسم لا أنساه ما حييت ، مدرس اللغة العربية العاشق الذي دفعني دفعاً نحو المواصلة ، كانت الانطلاقة الأولى من هذه المرحلة ، مرحلة الثانوية العامة ، حملت المنهج لأحدد معالمه ، فكانت القصة هي الطفلة الجديدة التي ولدت لتحمل كلماتي ، و التي وثقتها مرحلة الجامعة حيث التخصص في اللغة العربية وآدابها ، سرت أعانق مسرحيات الحكيم ، و أرفع الكتب عن الجاحظ ، و أستنشق رومانسية عبد الحليم عبد الله ، أتنزه بأزقة نجيب محفوظ ، ثم فتحت نافذة غرفتي على مصراعيها أمام رياح الغرب الآتية بأسرار أجاثا كريستي ، وشخصيات ديكنز ، وحب ماركيز ،عبرت النافذة لأزيح الستار عن القمر الساجد في معابد المياه من حولي ، يستدير معه قلمي بوجه حبيبتي الغائبة ، ويتسلق جبال طموحاتي المنتظرة ، ذابت المرحلة الجامعية على صفيح الواقع الساخن ، فقفزت غفلتي من فراش العالم الآخر على ضجيج عالم واحد فقط نعيشه ، تتعلق به همومنا التي تنتظر كلماتنا لتخرج من كهف النسيان ، إلى نور تتفتح عليه أعيننا ، كانت (جريدة يوليو ) هي المستقبل الأول للضيف القادم من جنات الياسمين ، فعبرت الحواجز القاتمة ، أكتشف ما خلف المكاتب الفارهة ، لأخرج رأس السلحفاة يراها الجميع ، لكن أصرت هواجسي الأولى ألا تتركني ، لتلح على بالحكايات القديمة ، عاتبتني غرفتي ، وتعطل مذياعي ، ليذكرني صمته بليالٍ قضيتها على همسات (البرنامج العام) ، فانكمشت الخيارات أمامي لخيار العودة لطفلتي ، أرسم بين سطورها شوارعنا الضيقة ، و بحار الدموع المكتظة خلف أبوابنا المتهالكة ، تنتظر لقمة عيش آتية دون موعد سابق ، أو تجفف دماء ارض ابتلت بأجساد أبنائنا من أجل الحرية .
شاءت الأقدار أن أرتفع يوماً بالهواء ، قرب أجنحة النوارس ، وفوق أشرعة المراكب المسافرة ، لأحط بقلمي على قلب تلك المدينة (الكويت) ، حمدت الله كثيراً أن الكائن المائي لن يموت مختنقاً ، أجدد أنفاسي من مياه الخليج كل يوم ، و أقرئ بحر مدينتي السلام ، أغازل الأمواج الآتية بعبق روائح الخشب ، أشمها فأنتشي ، أخط وجه طفلتي على رمال الشاطئ كل ليلة ، حتى تجمدت دموعها فكانت (لوزات الجليد ) مجموعتي القصصية الأولى ، الصادرة عن مركز الحضارة العربية – القاهرة 2006،التي احتفت بها جريدة القبس الكويتية ، ومازلت أرسم وجه طفلتي على رمال شاطئ الخليج لأبني منها (أهرامات الضحك) مجموعتي القصصية القادمة ، والتي ستصدر عن نفس الدار ، و تواضعت أحلامي كثيراً مع أحلام الشاعرة (سعدية مفرح ) فكنت أعكس هواجس غربتي على مرآتها المستلقية بصفحتها التي احتوتني ،وإذا بي استيقظ يوماً على شاردة من شوارد الشاعر (مدحت علام ) ،التي استقبلت نقوشي الباقية للمرة الأولى على صفحات الرأي العام ،وتمتد رحلة الدفء من العالم الافتراضي بملتقى (رابطة الواحة الثقافية) ، الموقع الحلم الواقع على مقاهي الخليج بصحبة ترفرف حولها الكلمات المحلقة ، لأرى مدينتي أجمل مدن العالم ، وأرى زوجتي أجمل نساء الكون ، وها أنا الآن أرسم وجه طفلتي (حنين) على الرمال ، لتعانق طفلة قلمي القادم إليها ، لتستقبلني أمي بأحضان الوطن في ميناء السفينة العائدة وعلى متنها الكائن المائي .

محمد سامي البوهي





رائع .. رائع .... بل أكثر من رائع
تحياتى أخى / محمد

ليال
11-06-2007, 12:02 AM
(كائن مائي )
لفتني جدا هذا التعبير الموفق
ممتعة هذه الإطلالة البحرية
تقبل أطيب تحياتي

محمد سامي البوهي
11-06-2007, 12:49 PM
الأستاذ/ شريف
بل الرائع هو وجودك ، تحية كلها ود

مروة عبدالله
11-06-2007, 01:35 PM
كم توسدنا الألم وكم بقينا ليالي ساهرين ..

وكم مرت بنا الأيام .. ونحن ننظر إلى الذكرى بكل حنين ..

وكم بقيت الآه محبوسة في دواخلنا .. لتعلن الأنين ..

وكل ذلك املاً في عودة من نحب ...و ..


ربما يعود او لا يعود ..؟!!

أديبنا ... محمد سامى البوهي

ابدعت وتسلل ابداعك حتى النخـاع

ووقف القلم مصـاب بالشيخوخة امام هذه الحروف00


اهديك ارق التحايا مغلفة بورد الخزامى

تقديري محمل باحتراماتي

محمد سامي البوهي
14-06-2007, 11:54 PM
(كائن مائي )
لفتني جدا هذا التعبير الموفق
ممتعة هذه الإطلالة البحرية
تقبل أطيب تحياتي

الأستاذة الاديبة / ليال
أسعدني جداً ان كلماتي هذه البسيطة وقفت امامها أديبة رائعة مثلك .

تحيتي

وفاء شوكت خضر
15-06-2007, 11:37 AM
الأديب القاص / سامي البوهي ..

كما التقى العذب بالمالح ، لتندفع الموجات تجوب كل الشطآن ، التقى النثر بالقصة ، لترتفع الأمواج ، تحكي قصة كائن مائي ، لا زال يخط على الرمال تاريخه مع الحروف ..

كتبت بمفردات وصور رائعة .

تحيتي ..

محمد سامي البوهي
19-06-2007, 12:29 PM
كم توسدنا الألم وكم بقينا ليالي ساهرين ..
وكم مرت بنا الأيام .. ونحن ننظر إلى الذكرى بكل حنين ..
وكم بقيت الآه محبوسة في دواخلنا .. لتعلن الأنين ..
وكل ذلك املاً في عودة من نحب ...و ..
ربما يعود او لا يعود ..؟!!
أديبنا ... محمد سامى البوهي
ابدعت وتسلل ابداعك حتى النخـاع
ووقف القلم مصـاب بالشيخوخة امام هذه الحروف00
اهديك ارق التحايا مغلفة بورد الخزامى
تقديري محمل باحتراماتي

الأستاذة الأديبة / مروة

شكراً جزيلاً طيباً ، على هذه المشاركة المتألقة ، والتي أضمفت على النص رونقاً آخر ، ينبوع هو قلمك ، ينبع ماء نقياً ...

علي أسعد أسعد
19-06-2007, 01:18 PM
ظننتها قصة ...

فإذا بقلمك يأخذني إلى مدن مرتفعة

ويسير بي في منخفضات كلها إبداع ...

أيها المترف

لك تحياتي

محمد سامي البوهي
21-06-2007, 08:26 AM
كم توسدنا الألم وكم بقينا ليالي ساهرين ..
وكم مرت بنا الأيام .. ونحن ننظر إلى الذكرى بكل حنين ..
وكم بقيت الآه محبوسة في دواخلنا .. لتعلن الأنين ..
وكل ذلك املاً في عودة من نحب ...و ..
ربما يعود او لا يعود ..؟!!
أديبنا ... محمد سامى البوهي
ابدعت وتسلل ابداعك حتى النخـاع
ووقف القلم مصـاب بالشيخوخة امام هذه الحروف00
اهديك ارق التحايا مغلفة بورد الخزامى
تقديري محمل باحتراماتي
الأديبة الرائعة /مروة

بين جوانب الكلم تكمن الثناءات المتأججة ، والتي إن أخرجناها من محارتها فقدت قيمتها ...

فسأبقي شكري لك داخل محارته .....

تحيتي

محمد سامي البوهي
23-06-2007, 08:34 AM
ظننتها قصة ...
فإذا بقلمك يأخذني إلى مدن مرتفعة
ويسير بي في منخفضات كلها إبداع ...
أيها المترف
لك تحياتي
الأستاذ القدير علي

بل هي قصة ، فانا اتمحور حول القصة ، وكلما حاولت ان اكتب اجد القصة هي من تكتبني ...

ودي وتقديري لك

محمد سامي البوهي
17-07-2007, 05:09 PM
الأديب القاص / سامي البوهي ..
كما التقى العذب بالمالح ، لتندفع الموجات تجوب كل الشطآن ، التقى النثر بالقصة ، لترتفع الأمواج ، تحكي قصة كائن مائي ، لا زال يخط على الرمال تاريخه مع الحروف ..
كتبت بمفردات وصور رائعة .
تحيتي ..

الأستاذة القديرة وفاء شوكت

تعلمنا منك الكثير ، تعلمنا كيف نتذوق الوفاء ، و نبحر في عمق الوفا ...

تحيتي