تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : رسالة الى صديقتي المقتولة



صبيحة شبر
16-06-2007, 08:14 PM
رسالة إلى صديقتي المقتولة

هذه رسالتي الأخيرة لك ، سبقتها رسائل عديدة ،أبثك لوا عج قلبي ، وتحدثينني عن متاعبك الآخذة بازدياد وتفاقم ، رأيتك آخر مرة ، وكنت كالعادة دائما ، تضحكين على المصاعب ، وتهزئين بالكوارث ، تقولين عندما نستفسر متعجبين : انك تطردين الهموم والأحزان بضحكك المستمر ، وابتسامتك المتواصلة ، وان الأحزان كلها من الضعف والضالة ، حيث لا تستطيع الصبر ، والمكوث أمام إصرارك ، فتولي مذعورة ,,, مندثرة ,,,, تهرب من دربك ,,,, بعد أن أدركت ,,,, أنه من المستحيل ، أن تئد الضحكة المتواصلة ، الهازئة بالمصاعب ، وأن تقطع الابتسامة الجميلة التي تعلو محياك وتزينك ، عبارتك التي كنت ترددينها باستمرار
- بعدا للألم يا عزيزتي ، وسحقا للانهزام
رأيتك آخر مرة وأنت شبه وحيدة ، في بيتك القديم المتهدم الجدران ، الواطيء السقف ، المشقق ، المقلوع النوافذ ، لقد مضوا جميعا ، وتركوك صلبة ، لا تنال منها المصاعب ، فأنت مازلت تضحكين ,,, تلك الضحكة العالية ، المتواصلة ، ينظر إليك الجميع ، باستغراب ، ثم بعد لحظة ، يقتدون بك ، وتنتقل إليهم العدوى ، تجدينهم يضحكون ، بتواصل ، وبدون انقطاع ، حنى تنتهي أنت من ضحكتك الجميلة ، وانت ترددين جملتك الاثيرة العصية على النسيان
- بعدا للالم ، وسحقا للانهزام

أعدموا زوجك ، وأبنك الكبير ، فقدت ابنتك الوحيدة ، بعد ان صارت ملتاعة ، محطمة القلب ، مكلومة الفؤاد ، ضربوا زوجها أما م عينيها ذلك الضرب المبرح ، وبلا أي مبرر معقول ، بقيت وحيدة ، غريبة ، في ذلك المنزل الكبير والمتهدم ، تمنين النفس ، أن يعود ابنك المتبقي لك في هذه الحياة ، الغريبة بحوادثها العصية على الفهم والتفسير ، عند سقوط النظام الدكتاتوري الأليم ، صفقت بسعادة ، للحدث العظيم ، وانت ترددين الجملة التي استحوذت على الاعجاب :
- بعدا للالم ، سحقا للانهزام
يمكنك الآن أن تكحلي العين ، برؤية ابنك العزيز ، ذهبت إلى كل السجون والمعتقلات التي تعرفينها والتي علمت بشأنها بعد السقوط ، على الأرض ، وتحتها ، تهرأت قدماك ، وأنت تبحثين وتبحثين ، ثم تطلقين تلك الضحكة المجلجلة التي تثير الاستغراب في البداية ، ثم لا تلبث الضحكات أن تنطلق من الأفواه ، بإصرار غريب ، انتظرت أن يعود ابنك الوحيد ن وان تلتئم الشمل أخيرا في أسرة بقي من أفرادها اثنان ، بعد أن طالت يد الظالمين أغلب أفرادها ، طال بك الانتظار ، تورمت ساقاك ، ولم تعودا بقادرتين على حمل جسدك الآخذ بالنحول ، يوما بعد يوم ، يأتيك النبأ بأن ابنك قد أبيد مع الآخرين ، وان حكما بالإعدام قد صدر بحقه ، دون ان تعلمي او يبلغوك ، وإنهم نفذوا الحكم بسرعة ، وأنت هنا في بيتك المتهدم ، تمنين النفس ، ان تري ابنك قريبا ، بعد ان يطلق سراحه ، لم تفقدي اليقين مع كل أنواع البشاعة التي صادفتها ، وجميع فنون القسوة التي تعرضت إليها ، مع أبنائك وزوجك ن وأفراد عائلتك ، حين سمعت بالمصاب الأليم ، هرعت الى مساعدتك ، عل كلماتي القليلة تخفف بعض معاناتك ، تراكمت عليك أنواع من الحزن ، ترمل وثكل ... وفقدان الأحبة ، يصيبك الوجوم في البداية ، وكأنك فوجئت برؤيتي ، فانا مثلك تماما ، وكنت بعيدة عنك ، فلم تتوقعي رؤيتي بعد هذه السنين الطوال ، فانطلقت ضحكاتك المألوفة بإصرار ، وأنت ترددين الجملة التي أحب سماعها منك
- بعدا للألم ، سحقا للانهزام
فلم أجد نفسي إلا وأنا أشاركك الضحك المستمر الطويل أنا، من كان يظن أنني نسيت كيف أضحك ، وفقدت القدرة على الابتسام ، أحذو حذوك ، وأضحك ,أضحك مما يثير استغراب الزائرات اللاتي يأخذن بضحك متواصل ، تتقطع معه الأنفاس .
تبادلنا حديث الذكريات ، كنا نقرأ معا ، ونمشي المسافات الطويلة ، ونحن نغني أغاني فيروز وعبد الوهاب ، مع الفارق الكبير بين الاثنين ،طالما حفظنا الأغاني ،كما نحفظ القصائد ، والآن نسينا كل ما حفظناه ، وكأنه لم يمر على فكرنا ،،،
أخبرتني أنك لم تعودي تقرئين بذلك النهم المعهود ، فقد أنهكتك الأعمال ،أعمال خارج المنزل ، وأعباء داخله ، ترهق الجبال ، ولكنك لست جبلا وإنما امرأة لم يكن الزوج بقربها ، عشت أرملة على الدوام ، تواصلين العمل بعد فقدانك للأحبة ، تواصلين الهزء بالمصاعب بجملتك الجميلة
تكثرين من الأعمال بعد استفحال الغلاء ، وزالت كل الأمنيات بالحصول على لقمة لذيذة ، وشراب هنيء ،،، أخبرتني أنك وحيدة ، غريبة ، تطل عليك أحيانا إحدى الجارات والتي هي مثلك ، قد فقدت الأحبة ، الواحد بعد الآخر ، ويبس منها القلب ، ونشف الدم ، وجفت الدموع ، أخبرتني أنك تشتاقين إلى الأحباب الذين رحلوا ، وتركوك وحيدة ، وأنك تحلمين أحيانا بأنهم يزورونك ، ويبادلونك الحديث ، سائلين عن أحوالك ، مطمئنين على صحتك ،،،، غادرتك وأنا على يقين أنك بخير ، وان الأحزان التي مررت بها لم تعد قادرة على هزيمة القوة الكامنة في أعماقك ،،، تنيت أن أكون مثلك ، أتحلى بنفس التفاؤل ، وتلك القدرة الكبيرة على انتزاع الضحكة من بين براثن الألم
وأنا جالسة في منزلي في الرباط ، أشاهد إحدى الفضائيات ، رأيت أمام عيني ، مشهدا لتفجير سوق شعبي ، بسيارة مفخخة ، رأيت الضحايا المقتولين ، ينقلون ، كنت أنت بعينك ، بعباءتك السوداء السميكة ، ووشاحك الثقيل ، ترقدين بسلام ،لا أحد بجانبك ، فقدت الجميع ولم تتمكني من توديعهم ، ولم تعثري على قبور لهم فقد لايكون لهم قبور ، وها أنت تقتلين ، بأيد غادرة ، فمن سيقوم بما يلزمك من دفن وبكاء ، وإنزال داخل القبر ، قد تشبهين أحبابك الذين رحلوا في أنك لا تحصلين على القبر فيضم جثمانك ،،،، أمعن النظر اليك ،، لان الكاميرا تتوقف عندك طويلا ،، فأرى طيف ابتسامة ، تلوح على وجهك ، لقد استطاعوا أن يقمعوا تلك الضحكة المجلجلة ، كما نجحوا في ان يفقدوني ، صديقتي الوحيدة


صبيحة شبر

محمد البدري محمد
17-06-2007, 01:41 AM
لو تجردت الرسالة قليلا من بطاقة هوية المرسل إليه
كانت ستحملنا معها ربما إلى عالم ليس كعالمنا لكنه لا يختلف عنه كثيراً
قد نبكي .. لكننا بحاجة لنفكر
جزيت خيراً أيتها المبدعة

جوتيار تمر
17-06-2007, 01:44 AM
الشبر..
عنوان ملفت للنظر، كأني بك منذ البداية تريدين اغراقنا في حتميات الوجود، وتقيدين مداركنا من الابحار في الظنون، والاحتمالات، فهي صديقة مقتولة، والقتل بلاشك في الادب يحتمل ويختزل الكثير من المعاني، ولكن لكون الرسالة مباشرة والعنوان جاء مباشرا ربما تتوقف الاحتمالات خاصة عند شخص متابع لقصصك التي تبحث الواقع الحي الذي تعيشينه انت سواء في غربتك، او من خلال تقمصط لوطنك الجريح الغارق في وحل الدم واوجاع السماء.

لقد جاء النص متماسكا للنهاية، ومحملا بتأوهات الوجع المستبان، رغم كل مايبذل من جهود مستميتة من اجل رسم الابتسامة على تلك الوجوه والشفاه الجافة، التي تريد الارتواء من ظمأ طال بهم ويستمر،حتى اجبرت البعض على الالتهاء بنفسها وكيفية تدبير امورها الحياتية، فصارت كآلة تعمل وتواصل النهار بالليل من اجل الابقاء على بعض الافواه الجائعة رطبة.
وربما جاءت النهاية درامية او ما يمكن ان نسميها بفنتازيا لتؤكد هذه الحقيقة المسرفة في الوجع، والتي تبرهن على ان الانسان هنا حيث الاحداث تقمع كل ابتسامة، اصبح يكافح موته بشتى الوسائل.

دمت بخير
محبتي لك
جوتيار

ريمة الخاني
17-06-2007, 02:29 AM
طريقة المخاطبة نجحت بها تماما
تحية غاليتي

صبيحة شبر
19-06-2007, 08:52 PM
الأخ العزيز محمد البدري محمد
قد نبكي ولكناا بحاجة الى ان نفكر
البكاء في حالتنا قد يريح انفسنا
ولكن التفكير في واقعنا ولماذا اصبحنا هكذا
مسالة أساسية
أشكرك كثيرا على الملاحظة الصائبة
دمت بخير

علاء الدين حسو
20-06-2007, 01:21 PM
دائما اتابع نصوص صبيحة المبدعة للتعرف على المرأة القوية المشغولة بقضايا هامة ان بطلات قصصك استنساخ للخنساء بارواح مختلفة تعمل على تحقيق الهدف نفسه ..دمت

صبيحة شبر
21-06-2007, 08:06 PM
العزيز جوتيار
يتصارع الاهل في العراق ضد قوى عديدة بعضها معروفة
والبعض الاخر مجهول ، والقصة حقيقة تعيش في بلادنا
يغتال الالاف من خيرة اهل الوطن وكفاءاته ، وتعمل قوى عديدة من اجل اطفاء
البسمة واخماد الضحكة
ولكن رغم الموت والدمار ، فان املنا كبير في انتصار شعبنا على قوى الظلام
أشكرك كثيرا أيها العزيز انك تتوج مواضيعي بملاحظاتك الحسان

صبيحة شبر
21-06-2007, 08:08 PM
الأخت العزيزة والأديبة المبدعة ريمة الخاني
أشكرك الشكر الجزيل على جميل كلماتك
دمت بخير وسرور

صبيحة شبر
21-06-2007, 08:10 PM
الأخ العزيز علاء الدين حسو
أسعدتني ملاحظتك القيمة
والثناء الجميل
دمت بخير

د. سمير العمري
11-11-2007, 01:12 AM
الأخت الأديبة صبيحة:

نص موجع حد التأثر البالغ واستدرار دموع المشاطرة والتوجد. وأسلوب أخاذ يزيد من الإحساس بالألم بهذا الصدق الجارف والشعور النبيل.

أعان الله أمتنا ، أعان الله أهلنا في فلسطين ، أعان الله أهلنا في العراق ، وأعاننا الله جميعا.

ولعلني بعيدا عن المعنى رأيت في النص بعض ما يجب أن ينقح لغويا ، ولكن الأهم هو أنني لا أرى فيه مقومات القصة بل هو أقرب جدا لفن الرسالة.

أتمنى أن أسمع رأي النقاد في هذا.



تحياتي

صبيحة شبر
28-07-2009, 07:49 PM
الأخت الأديبة صبيحة:

نص موجع حد التأثر البالغ واستدرار دموع المشاطرة والتوجد. وأسلوب أخاذ يزيد من الإحساس بالألم بهذا الصدق الجارف والشعور النبيل.

أعان الله أمتنا ، أعان الله أهلنا في فلسطين ، أعان الله أهلنا في العراق ، وأعاننا الله جميعا.

ولعلني بعيدا عن المعنى رأيت في النص بعض ما يجب أن ينقح لغويا ، ولكن الأهم هو أنني لا أرى فيه مقومات القصة بل هو أقرب جدا لفن الرسالة.

أتمنى أن أسمع رأي النقاد في هذا.



تحياتي

الأخ العزيز والمبدع القدير د.سمير العمري
خالص التقدير لرأيك الجميل
أسعدتني وجهة نظرك
الشكر الجزيل لك
مودتي الفائقة

ربيحة الرفاعي
23-11-2014, 12:36 AM
عفوية في السرد وصدق في المشاعر وعمق في التعبير كانت جميعا محفّة تحمل الفكرة بوجعها وحدّتها في إطار رائق من أدب الرسائل استلهم الواقع في رسم التفاصيل

تحاياي

خلود محمد جمعة
26-11-2014, 08:18 AM
بسرد سلس و على أضواء فكرة عميقة بنغمة وجع وصوت صادق تخضب بتفاصيل مؤلمة قرأت رسالتك بحزن لامس أرواحنا
بورك النبض
كل التقدير

آمال المصري
02-10-2015, 11:14 PM
لعل رسالتك ذكرتني بالمثل القائل : الضحكة اللي بتيجي وقت الصدمة ، أصعب من البكاء
فربما كان الضحك لصعوبة المواقف التي تمر بها وكان أقوى تعبيرا
تجيدين فن الرسالة والاستحواذ بها على مشاعر المتلقي حد البكاء .. إن لم تكن رسالة من الواقع
بوركت واليراع أديبتنا القديرة
تحاياي