تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : جَدّي وحَلْوى الْأَطفالِ



د. سلطان الحريري
20-06-2007, 10:55 PM
جَدّي وحَلْوى الْأَطفالِ*
تَصَدَّعَتْ جُدْرانُ الصّبْرِ ، وأنْتَ ماثِلٌ أمامي أَعُدُّ تَجاعيدَ وَجْهِكَ التّي حَفرَها العُثْمانيونُ والفِرنْسيونَ وحَصادُ القَمْحِ، فقدْ عارَكْتَ الاِنْتظارَ مائةَ عامٍ ونيّفٍ(1) ... اخْتُصِرَتْ بِشَهْقَةٍ ، تَمُرُّ الثّواني وأنا أُحاوِلُ تَهْجِئَةَ أعْوامِكَ تِلكَ في دفْتَرِ الْغيابِ ، فَكَمْ نَبْضَةً نَبَضَها قلبُكَ في مائة عامٍ ونَيّفٍ ... يا رَجلاً أورَقَتْ في روحِهِ أزْهارُ الْيَقينِ...
عَقَدَ الْحُزْنُ عَزْمَهُ ،وشارَكَتِ الْعَيْنُ الْقَلْبَ بُكاءً خاشِعًا ... فَقَدْ شاءَتِ الْأَقْدارُ أنْ تَصْطَفِيَ هذه اللّيْلَةَ لِتَكونَ مَوعِدًا لِوداعٍ عَظيمٍ ...فَقَدْ تَناهى إلى مَسْمَعِ الْوَقْتِ رَحيلُكَ ، في هدوءٍ مِنْ عَقارِبِ السّاعَةِ، حينَ تَوقّفتْ عِنْدَ مَشْهَدِ الْوَداعِ ... نعم، إنّهُ مَوعِدُ الْعَوْدةِ إلى أسْئِلةٍ مَسْبوكَةٍ مِنْ وَجَعٍ .
ثمارُ شَجَرَةِ الْفَقْدِ دانِيةٌ يا جَدّاهُ ، والْحُزْنُ كما شَجرَةٌ عُمْرُها بِعُمْرِكَ ، عَميقَةٌ في الْأَرْضِ تَحْكي قِصّةَ وَفاءٍ دامَ مائةَ عامِ ونَيّفٍ...
كمْ هيَ قاسِيةٌ تِلكَ السّواعدُ الّتي تَحْمِلُ نَعْشَكَ ... بلْ كمْ هيَ قَويّةٌ ...كَيْفَ تُذيقُنا مَرارةَ غِيابِكَ، ونَحْنُ الذينَ بعثرنا أَعْمارَنا في أزْمِنَةِ الذّبولِ...
لا أَحَدَ سَيَحْمِلُ نَبَراتِ صَوْتِكَ ... ولا مَلامِحَ صَمْتِكَ ... ولا كِبْرِياءَ دَمْعِكَ ... ولا أَحَدَ سَيقْرأُ في عَيْنيكَ الرّاحِلَتينِ مُخطَّطَ ثَلاثةِ قُرونٍ مِنْ مُعاناةٍ لَطالمَا رَأَيْتُكَ فيها مُدْهِشًا ، وَرَأَيْتُ اِخْضِرارَ نَفْسِكَ مَعَ حَبّاتِ الْمَطَرِ ، وَوَشْوَشاتِ الصَّباحِ حينَ تَمْضي إلى الْحَصادِ، وتُدْهِشُكَ هَرولاتُ الغْسَقِ الهارِبِ مِنْ غَزوِ الْمَطَرِ ...
أُحِسُّ يا جَدّي أنّني صُمْتُ طَويلاً عَنِ الْحِبْرِ ؛ لأفْصِحَ عَنْكَ ، ولِتَتوهجَ أوراقي بِحُضورِكَ رَغمَ الغِيابِ، حُبُّكَ لا يُجَمِّلُهُ الْبَياضُ ؛ لإنّه الْأَعْظَمُ ؛ ولِأَنَّكَ عَظيمٌ عِشْتَ عُمْرَكَ تُحْصي نُدوبَ الضّيْمِ، وتَرْثي مَجْدَنا النّائِمَ الذّي لمْ تُوْقِظْهُ أصْواتُ الْجيلِ الْجَديدِ، بَعْدَ أنْ كانَ زمَنُكَ مُدجّجًا بالْحُبِّ، وزَمَنُنا مُدَجّجٌ بالأحْقادِ.
كُنْتَ الشّاهِدَ على زَمَنِ الْمَحبَّةِ ، وعلى زَمَنِ قَتْلِ الْمَحبَّةِ ، وعلى الصّيْحاتِ الْمَْطْعونَةِ بالذُّلِّ .
أتَذَكَّرُ يا جدّي حينَ كُنْتُ أَحْشُرُ مَلامِحَ فُضولي في تَجاعيدِ وَجْهِكَ ، وأنْتَ تَشْعُرُ بالنُّعاسِ كُلّما آنسْتَ هُدوءًا ، وكأنّكَ تُغْمِضَ عَينيكَ على ماضٍ لنْ يَعودَ؟!!
كنْتُ أراكَ شبابَةَ لِحنينٍ، بلْ كُنتَ السّائِحَ الْمُقيمَ في عالَمٍ لَيسَ بِعالَمِكَ ... لَمْ تُغْوِكَ فيهِ سُرْعَةُ الاخْتِراعاتِ، ولا الألوانُ الْمُسْتَنْسَخةُ للوجوهِ الْجَديدةِ الْعابِرَةِ في عالمَِكَ ، وكُنْتَ تَتناسَلُ منْ زَمَنٍ جميلٍ... لَمْ تَكُنْ تَمْقُتُ الّلقْمَةَ الناشِفَةَ،ولا خُبْزَ الشَّعيرِ، فقدْ لَقَّنَتْكَ الْحَياةُ حِكْمَةَ الْجُوعِ ، وكنْتُ أراكَ غَريبًا كَمَنْ يَبْحَثُ عَنْ شيىءٍ لمْ يَفْقِدْهُ ؛ أحاديثُكَ مختصرةٌ ، ونظراتُكُ حادّةٌ ، وكأنّها تُحَدِّثُنا بِسُؤالٍ يُلحُّ في أعْماقِكَ : ماذا يَحْدُثُ في الْعالَمِ؟
جدّي يا سِنديانَةً لمْ يَهرَمِ الدّهْرُ في جُذوعِها .
ماذا أخَذَ الْمَوتُ مَعَكَ ؟ أخذَ أحْلامَ أجيالٍ مُتعاقِبَةٍ ، ولكنّ فُصولَكَ باقياتٌ يَعِزُّ عليها هَجْرَ الأرضِ التي عَددتَ ذرّاتِ تُرابِها ، وَحَفرَتْ في وَجْهِكَ أخاديدَ تؤذِنُ بِزَمَنٍ مُضْنٍ .
عِنْدما أتذكَّرُ كَلِماتِكَ وذِكْرياتِكَ عنْ زمانِكَ الجميلِ... أتَخَيلُكَ عابِدًا مَلّ صَخْرِيّةَ الأيّامِ التّي عاشَها في زَمانٍ لَيْسَ زمانهُ ، وقَدْ حَمَلْتَ مَعَكَ في رِحْلَتِكَ الطويلَةِ زوّادَةً للمسافاتِ التّي أرادَكَ اللهُ أن تَقطَعَها..
مائةُ عامٍ ونيّفٍ جَعَلَتْكَ تَهْشِمُ ضِفافَ التاسعَ عَشرَ مِنها ، وَتَسْتَحِمُ في سَبْعٍ من الحادي والعِشرينَ ، وأمّا العِشرونَ فَقَدْ عِشْتَهُ بالرّفْضِ لا بالْخُضوعِ ، بَحْثًا عنْ مَجْدِنا الْمَخلوعِ مِنْ أعْماقِنا .
أَتعلَمُ يا جدّي : كنْتُ دائِمًا أُحَدِثُ نَفْسي بأنّنا نَصْحو معَ الشّمْسِ كُهولًا ، وتَصْحو مَعكَ الشّمْسُ كَهْلَةً تَمْنَحُها شَبابَكَ ..
زَمَنُنا يا جدّي عاقِرٌ أدمَنَ الصّمْتَ اِرْتَدَّ بعدَ اخْتِصارِ الصّهيلِ ، تاركًا مخالبَ الْحُزْنِ تَخْمِشُ أصْواتَنا ، ونَحْنُ نَقْتَرِفُ ذُعْرَ الطُّقوسِ الْمُهيبةِ ، وكنْتُمْ تَحْمِلونَ مناجِلَكُمْ لِتَحْصدوا الْقَمْحَ ، وعُيونُكمْ مُسمّرةٌ بالْوَطنِ .. نعم، إنّه الْوَطنُ الذّي يَسْري في عُروقِكُم ْ، وإذا أجْهَضَ الْقَحْطُ زُغْبَ الْعَصافيرِ ، واسْتحصدَ القمحُ في قريتِنا الفقيرَةِ انْتَظرْتُمْ غَيْمةً تَمُرُّ في تَمّوزَ ... وكنْتُ أتذكَّرُكَ وأنا صَغيرٌ كَيْفَ تأكُلُ صَبْرَكَ، وترفضُ مِنّةَ الأغْنِياءِ الذّينَ حَفَروا في أخاديدِ وُجوهِكُم هياكِلَ مِنْ ظُلْمٍ لا يُحَدُّ...
كنّا نُحِبُّ الْجُلوسَ إليكُمْ حَوْلَ مَوْقِدِ الشّتاءِ كنَاياتِ الْحَنانِ الْعَذْبِ ، لِنَسْمَعَ أجْراسَ هِجْرَتِكُمْ، ونَرى زَمانًا جَفّتْ فيهِ بُيوتُ الطّينِ ، ووجوهًا جُبِلَتْ بالعُشْبِ والْكِبْريتِ ، وكُنْتُ أُحِسُّكَ وأنْتَ تَرفو بالْحنينِ قَميصَ غُصّاتِكَ ، وَكأنَّكَ تَقولُ لَنا : لَنْ يُثْمِرَ الزّيتونُ حباتٍ ألذّ منَ الصّبْرِ .
أتَعلَمُ يا جدّاهُ كنتُ أودُّ أنْ تَرحلَ والتفاؤلُ رفيقُكَ ، ولكِنَّ زَمانَنا يَسْهَرُ تَحْتَ نَحيبِ الْهَجْرِ والبُؤْسِ والْعُمْرِ اليابِسِ ... كُنْتُ أتَمنّى أنْ نُمَجِدَ بينَ يديك َالحبُّ الطقسُ ، وأنْ نُعيدَ الفرحَةَ إلى أوطانٍ يائِسةٍ ، وأنْ نَرْفَعَ عنكُمْ غُصّاتِ التّعَبِ المرّةَ، ونُعيدكُمْ إلى زَمَنٍ يَبْعَث ُ في الأحْجارِ النّخْوةَ العَربيةَ ، ويشْربُ نَخْبَ نِساءٍ شارَكْنَ الرِّجالَ طُقوسَ الألَمِ ، تَحْتَ رُطوبَةِ جُدرانِ الطّينِ، وأبوابٍ بائِسَةٍ مُنْفَرِجَةِ الشّفاهِ ، لا يقيهُنَ عُيونَ الْمُتلصصينَ ، وَبَرْدَ الشِّتاءِ الْقارِسِ!! وفَيضَ عُصورٍ غارَتْ ، وَكُنْتُم فيها تَنْقشونَ أحْزانَكُمْ على أشْجارِ الزّيْتونِ ، وعلى سَنابِلِ الْقَمْحِ ، أو حيطانِ أفْرانِ الْخُبْزِ اللّذيذِ .
وأتذكّرُ في أواخِرِ أيامِكَ كَيْفَ كُنْتَ تَحْمِلُ في جيوبِكَ حَبّاتِ الْحَلْوى لِتُوزِعَها على الْأطْفالِ، وأنتَ في طَريقِكَ إلى الْمَسْجِدِ ...
كَثيراً ما كُنْتُ أفَكِّرُ : لِمَ يَفْعَلُ الجدُّ ذلكَ ؟ وأحيانًا كُنْتُ أتمنّى أنْ تَمْنَحَني بَعْضَ حبّاتٍ مِنْ حَلواكَ الشَّهيَّةِ ، وَبَعدَ مَوتِك عَرَفْتُ السِّرَّ...
لقد رأيْتَ الْكِبارَ وقَدْ عاشوا في منافي الْوَهْمِ ، وتَرجو بِحَلْواكَ مُسْتَقبلًا أجْملَ لِجيلٍ قادِمٍ ، يَصْنعُ منْ فَرْحَةِ الأطْفالِ عالمًا مِنْ سَلامٍ ...كُنْتُ أظُنُّ أنّ حَبّاتِ الْحَلْوى كخاتَمِ ( اللُّبَيْك) تَصْحبُ أطفالَنا في هَودَجِ التَّطْوافِ في عالَمٍ قادِمٍ غيرِ عالَمِنا، وأمّا الْكِبارُ فَسيلْبَِسونَ عمَامَةً تَحْجِبُ عنْهُم الْفَهْمَ ، وجُعبًا مملوءًة بالصَّومِ عن النّخوَةِ ،وزَمانُهُم يَميسُ كَفاجِرَةٍ أفْعَمتْها الشَّماتَةُ، وفي أطْفالِنا وَعْدٌ بالْخُصوبَةِ .
جدّاهُ يا راحِلا بِصَمْتٍ يوحي بأسْئِلةٍ حُبلى بالْخَصْبِ : ماذا سَتَفعلونَ يا نواطيرَ هذا الزّمانِ المأفونِ؟ ومَنْ سَيُقاضيكُم أمامَ أبْناءِ جيلِكُمْ ؟
جدّي أيّها الرّاحِلُ النّقيُّ :كُنْتُ أتَمنّى أنْ أكونَ آيةً خَبّأتّها تَحْتَ وسادَتِكَ ، أو خِنْجَرًا في حِزامِكَ، أو سُبْحَةً رافقَتْكَ أيامُكَ ، ولكنّهمْ أسْلموكَ للتُرابِ ، وكان الْمساءُ خانِقًا يَتنفَسُ من رئاتٍ كَظيمَةٍ ، وأمّا الأطْفالُ فَسَيمرّونَ مِنْ طَريقِ الْمسْجِدِ اِنْتِظارًا لِحَلْواكَ الشّّهيّةِ ...
سَأُسائِلُ عَنْكَ سَجاياكَ على أرْضِ ذاكَ الطَّريقِ ، وفي حَواكيرِ الْقَرْيةِ ، وفي بَسَماتِ الْأَطفالِ ، سَأُسائِلُ عَنْكَ دَرْبًا غَرْغَرَ بالْحُزْنِ بَعْدَ أنْ باتَ مُمْحِلًا أَمْرَدَ الْعُشْبِ ،وسَأُسائِلُ عَنْكَ دُموعَ عَمّاتي حِينَ كنْتَ تَمْنحهُنَ طُقوسَ ضِيافَتِكَ بالْبَسماتِ الْعِذابِ.
جَدّي أيُّها الرّاحِلُ الْحَبيبُ : اغْرُزْني إِبْرةً في نَسيجِ الرَّحيلِ الْكئيبِ ، ودَعْني أَلْتَحِفِ الْبُكاءَ!!
___________
* كتبت في رثاء المرحوم جدي ، تغمده الله بواسع رحمته وغفرانه.
(1) عاش الجد المرحوم بإذن الله تعالى 112 سنة .

جوتيار تمر
20-06-2007, 11:07 PM
الدكتور الحريري...
فلتنعم السماء روحه النقية بالجنان..

اعجبني في النص الاشتغال على الجانب الجانب الفني ، كالعادة ، هناك ما يمكن ان اسميه بانوراما اجناسية وهي بانوراما تسعى جاهدة الى القتل الادبي لمفهوم معين وهو مفهوم الجنس الادبي ، حيث السعي الدائم لخلق مساحة شاسعة للسقوط في احضان اللغة ، اعتقد بانها السمة الغالبة على جل كتابات المبدع الدكتور الحريري ، مع ذلك استطيع ان اقول بان الحفيد قد تغلب على الكاتب داخل هذه البؤرة الابداعية الكتابية وبامتياز ايضا ، بحيث حتى محاولة مسرحة اللغة في اخر النص لم تخلو من نبض الحفيد الذي يسترجع ذكرى اليمة عليه.

دمت بخير
محبتي لك
جوتيار

منى الخالدي
20-06-2007, 11:16 PM
أيها العزيز
كم من الأحباب يغرزون في نفوسنا وجع الفراق ، حين تغادرنا أرواحهم مُكرهةً ، غير راغبة في الرحيل، وكم من نسمات الشوق تلطم بقوةٍ قلوبنا ، وهي تتهافت على ذكراهم ، وتبكي على الأطلال..

لم تكن حروفكَ هنا إلّا وروداً معطرة ، نثرتها على ضريح فقيدكم أسكنه الله فسيح جناته
وما كان منّا إلّا أن نصغي لكلّ هذا الشجن ، وقلوبنا تائهة بين تأريخ جدك العريق ،
وبين بين أصالتكَ وروحك الطاهرة النقيّة..

د.سلطان الحريري
أبعد الله قلبك عن كلّ وجعٍ وألم
وجعلها خاتمة أحزانك\كم بإذنه تعالى

نص يدهش العين والقلب
بكلّ تفاصيله..

اِحترامي ومودتي الخالصَين..

عماد عنانى على
21-06-2007, 12:31 AM
استاذنا الفاضل / د . سلطان

هى من اصعب اللحظات التى تمر بنا ... لحظة وداع قريب او عزيز إلى قلوبنا
لحظة تدمى القلب وتدمع العين

استاذى الفاضل رسمت ريشتك من مداد حبر الذاكرة
لحظات تعايشت معك بكل حرف هنا
حتى رأيت الابداع بين
زوايا الحرف الممتد إلى أرواحنا

أسال الله للفقيد الرحمة وان يجمعنا جميعا به على حوض الكوثر

تقديرى واحترامى

مأمون المغازي
21-06-2007, 01:48 AM
أستاذنا ، أديبنا الدكتور : سلطان الحريري ،

دعني أعانق هذا النص بروحي أيها الحبيب ، هذا النص الذي يأتي فيه الأديب سلطان الحريري بقلم جديد ، هذا القلم الذي يحرضنا على الكتابة ، هذا القلم الذي يأتي هذه المرة في مركب الواقعية ليرصد ويحلل ، ويناقش بطريقة مبتكرة ، ليأتي النص نموذجًا لفن الكتابة النثرية .

فنحن أمام نص تناول مع حالة الوجد ، والحزن رصدًا تاريخيًا لفترات مرت بها المنطقة ، والحالة الاجتماعية في المجتمع السوري على مر قرن ونيف ، والأوضاع السياسية ، ويأتي النص راصدًا أيضًا للعلاقات الأسرية ، وحميمية القرية . وهذا كله جاء في إطار بلاغي رائع ؛ قام على الصورة الكلية ، والممتدة التي لا تقف عند الحدود الضيقة للتخييل ، وإنما تعتمد على التكثيف حينًا والتنامي حينًا آخر ، مستحثة للنفس أن تتابع وتغوص .

أقول : بين الحزن النبيل ، ودخول جب الفقد ، والتطواف في التاريخ كان سلطان الحريري يؤصل لأسلوب جديد في الكتابة بهذه اللغة الشاعرة ،المسبوكة في نسق بلغ من الجدة ما يجعله نموذجًا لكل من يحب تعلم هذا الفن ، وكان فيه الأديب تلقائي التعبير ، تأتيه اللغة سهلة المشرب ، عذبة للمتلقي ، عميقة الصورة التي أتت جديدة ومبتكرة .

أديبنا القدير وأستاذنا الدكتور سلطان الحريري ،

هذا تطواف لحجز مقعد هنا ، أما القول فسيأتي بما يليق بإذن الله .

رحم الله الجد وأسكنه الجنة ، وأثابه بحبك له ، أيها الراسم من الحزن إبداعًا وروعة .

لك الحب المقيم

مأمون

د. سلطان الحريري
21-06-2007, 10:44 AM
جوتيار أيها الجميل:
عندما يكتب أحدنا بمداد الصدق ، لا يلتفت إلى عالم غير عالم الصدق ، وهذا النص كتبني ولم أكتبه ، وعندما أصل إلى هذه المرحلة من التجلي تخرج الكلمات من بين أصابعي ، ومن حنايا الروح كما هي ، لا كما أريدها أن تكون .
سعدت بتطوافك في نصي ، وسعدت أكثر برأيك النقدي فيه.
لك الحب والتقدير

د. سلطان الحريري
21-06-2007, 10:49 AM
الأخت الأديبة منى الخالدي:
إذا كان نصي يدهش العين والقلب ، فقد زاده مرورك إدهاشا ، فالشكر لك على كلمات صيغت من مداد صدق ، والنص مدين لك بها، وهذا هو القدر الذي نؤمن به ، يسحب من بين أيامنا أجمل اللحظات ،ويترك غصات لا تنتهي ، ونحن به مؤمنون.
لك خالص الود والتقدير

حمزة محمد الهندي
21-06-2007, 12:02 PM
الأديب / د. سلطان الحريري ...

كيف قراتها سأكتب

بين كفيّ الصخر الوردي
تجهزتُ بحاضري وأمسي
أرنو إلى شدو طريق مجهول
وأتنفس بصخب الصراخ ، الفقيد حيث
بلله الدمع من السماء تقاطر !!!
كلّ الملامح كان هو
والحفيد ، ملامح مرسومة على جدران الانتظار المصلوب
شعور غريب ، يمتطي ظهر خياله وهو يجري في ميدانك
شعور يتلبسه كـ ظله ، يقول أنه مشتاق ، ، ولـ علني في الزمن البعيد
رسمك في خيالات دفتره ، ونسجت من ألوان محبرتي ملامح بوتقة صمتك
ربما كانت ملامحي حين طال غيابه فـ وضعت شوقه لك في حقيبة سفر

أنه .......

انتظارُ من لا يأتي

سوف يكون فالفردوس الأعلى يشدو بحنان اللغة التي كتبتها له

حمزة واحترامه الكث

جروح
21-06-2007, 02:29 PM
الفراق وهل يوجد أقسى منه ؟
صحيح إن الموضوع يدور حول الفراق الأبدي،لكن أنا شعرت بالأمان لوجود أيب حساس ووفي
سلطان النثر وسلطان المشاعر.

خليل حلاوجي
21-06-2007, 02:51 PM
ماذا سَتَفعلونَ يا نواطيرَ هذا الزّمانِ المأفونِ؟ ومَنْ سَيُقاضيكُم أمامَ أبْناءِ جيلِكُمْ ؟
\
تقرر هنا أسئلة مصيرنا

أجدادنا صورة لمستقبل ماضينا

\

اللهم تقبلنا عندك من الصادقين لوعدك .... اجمعين ... يارب العالمين

محمد إبراهيم الحريري
21-06-2007, 03:18 PM
ابن العم الحبيب الدكتور سلطان
تحية بعد سلام من الله ورحمة من لدنه وبركات
منذ حروف وأنا استكمل نقطة الدخول إلى عالمك المشحون بالصدق ، ولكن شرفة البيان غامت عليها دموع ، فراق الأحبة تدثرها بين طيات ذكريات بحرير الأيام ، تنبشها حين اللوعة بنات الأفكار ، وحين انطلاق الأنين تبدأ رحلة العد إليهم بالانطلاق من مؤق النور ، ويبقى الألم يكحل العيون بمراود الألم المحبوس خلف حدود البوح ، ولكن لابد من لحظة معنى تشع رغم الصبر بنود الماضي تخفق بالنوى على تلال الحاضر رايات وصل بمن فقدنا .
ومنذ لحيظة تقدير ، بدأت أغربل المشاعر بين صادق ، واصدق سيرة ، فكانت تحت غربال الشمس نقية إلا كلها ، مشوبة بالحزن جلها ، تنتمي لعائلة الشجن في تعداد عاطفي لزفرات الفراق .
نعم أيها الحبيبب
هي الذكرى تتبلور بعد إكمال العمر دورته ، واستقراره على آلة حدباء كنجم بل كوكب دري ، او ما دون ذلك أو أسمى ، هنا يعلن ولادة الروح جمع المشيعين ، أو وفاة التاريخ عند أول نقطة وضوء الوداع ، وما الناس إلا لسان حق ينطلق من عقال السريرة معلنا ما يلف خبايا القلوب مما كان عليه الراحل .وهي شهادة حق نطقها معشر الخيرين بما كان عليه جدنا رحمه الله ، فقد أبلى أيام عمره فوق الشبهات خلقا ، وتحت قدميه ترامت دنيا حفر لها في ثرى طهره ندبة ليعلن أفول دنياه مطية للآخرة .
رحم الله الفقيد
وعوضنا بالصبر على فراقه خلفا على آثاره مقتدون .
شكرا لك يابن العم

وفاء شوكت خضر
21-06-2007, 04:30 PM
سلطان النثر أديبنا الرائع / د. سلطان الحريري .
كمن يرسم لوحة بالفسيفساء ، نمنمات فنية جمعتها بإتقان فنان ، لترسم لنا هذه اللوحة التاريخية ، تحكي قصة كفاح جيل مضى ، كان للأرض عنده قيمة ، وللقيم قيمة ، صبر على تقلبات الجو والأوضاع السياسية ، الفقر ، الجوع ، بنى مجدا وأجيالا ..
قطع الحلوى تلك ، لها معنى أكبر من أنها قطع حلوى التي تخرج من جيبة ، هي امتداد للعطاء من جيل إلى جيل ، وكأنها الأمانة تسلم لمن سيحملها ، ليعرف حلاوة طعم حفظها .. فجدك ، هو جدي وجده وجده ، ذلك الجيل الذي كان صامدا يقد الصخر ويحفر الأرض بسواعد تكمن قوتها بإيمانها بدينها ومبادئها .. و رغم القسوة ، كانت تلك الأيدي حانية رقيقة حين تصل إلينا ، رغم الفقر كانوا كرماء ، ورغم العواصف بقيت جذورهم تمتد في الأرض راسخة ..
كان جيلا كما حبات القمح تُنثَر ، فتنبت السنابل ذهبية تراقص الشمس على إيقاع الزمن .

رحم الله جدك وجلعه ممن رضي عنهم فأرضاهم .. ورحم جميع موتى المسلمين .

الإنصات لهمس حرفك متعة للروح .
تحيتي وكل الود .

د. محمد حسن السمان
21-06-2007, 10:00 PM
سلام الـلـه عليكم
الأخ الحبيب الغالي الأديب الكبير
الاستاذ الدكتور سلطان الحريري

لقد كان لي شرف السماع لهذه الرائعة , وقد أطلق عليها الحضور من الأدباء " رائعة جدي والحلوى " ثم عدت لاقرأ هذه الرائعة , ثم عدت مرة أخرى إليها , ووجدتني حائرا , فقد حضرت جلسة أدبية مطوّلة , لقراءات نقدية ودراسة في هذه الرائعة , وقد أختزنت في داخلي كل التحليلات والقراءات , وبالتالي فإن كتبت في الرائعة , فسأكرر ما قيل بحقها , من قبل الأخوة الأدباء , وبالتالي كي لاأكون مقتبسا , يترتب علي , أن أقوم بقراءة خاصة بي , لا أكون فيها واقعا تحت تأثير ما قيل بحق " الرائعة " , وما أصعب هذه المهمة .

للتثبيت
احتراما وتقديرا لهذه الرائعة , التي تمثل إنموذجا للكتابة الأدبية .

أخوكم
د. محمد حسن السمان

شاهين أبوالفتوح
22-06-2007, 11:30 AM
لَنْ يُثْمِرَ الزّيتونُ حباتٍ ألذّ منَ الصّبْرِ .

أديبنا الأصيل أ.د/ سلطان الحريري
شكرا لك يا أمير النثر ، حدثتنا عن جدنا جميعا !
بورك مداد قلمك النابع من جذور الجذور وواصل للفروع ولبراعم لم تبزغ بعد ، بوركت حلوى الجد التي خَلدت مذاقها بحرفك .

محبتي واحترامي
شاهين

إكرامي قورة
22-06-2007, 06:05 PM
من أجمل ما قرأت بلا مبالغة

اعذرني لا أجد في قاموس مفرداتي المتواضع ما يمكن أن أعطي به هذه المقطوعة ( المعزوفة) قدرها الذي تستحق.

رحم الله فقيدا كنتَ حفيدَه
فمثله لا يموت ، أعلى الله ذكركما

تقديري واحترامي

نور سمحان
26-06-2007, 12:39 AM
الله الله
ماشاء الله عنك أخي
نص مدهش
صدقا استوقفني طويلا
لاأذاقك الله حزنا
ولا لوعك بفراق عزيز
تحياتي لك

ابتسام خليل حسن
27-06-2007, 05:13 PM
جَدّي وحَلْوى الْأَطفالِ*
تَصَدَّعَتْ جُدْرانُ الصّبْرِ ، وأنْتَ ماثِلٌ أمامي أَعُدُّ تَجاعيدَ وَجْهِكَ التّي حَفرَها العُثْمانيونُ والفِرنْسيونَ وحَصادُ القَمْحِ، فقدْ عارَكْتَ الاِنْتظارَ مائةَ عامٍ ونيّفٍ(1) ... اخْتُصِرَتْ بِشَهْقَةٍ ، تَمُرُّ الثّواني وأنا أُحاوِلُ تَهْجِئَةَ أعْوامِكَ تِلكَ في دفْتَرِ الْغيابِ ، فَكَمْ نَبْضَةً نَبَضَها قلبُكَ في مائة عامٍ ونَيّفٍ ... يا رَجلاً أورَقَتْ في روحِهِ أزْهارُ الْيَقينِ...
عَقَدَ الْحُزْنُ عَزْمَهُ ،وشارَكَتِ الْعَيْنُ الْقَلْبَ بُكاءً خاشِعًا ... فَقَدْ شاءَتِ الْأَقْدارُ أنْ تَصْطَفِيَ هذه اللّيْلَةَ لِتَكونَ مَوعِدًا لِوداعٍ عَظيمٍ ...فَقَدْ تَناهى إلى مَسْمَعِ الْوَقْتِ رَحيلُكَ ، في هدوءٍ مِنْ عَقارِبِ السّاعَةِ، حينَ تَوقّفتْ عِنْدَ مَشْهَدِ الْوَداعِ ... نعم، إنّهُ مَوعِدُ الْعَوْدةِ إلى أسْئِلةٍ مَسْبوكَةٍ مِنْ وَجَعٍ .
ثمارُ شَجَرَةِ الْفَقْدِ دانِيةٌ يا جَدّاهُ ، والْحُزْنُ كما شَجرَةٌ عُمْرُها بِعُمْرِكَ ، عَميقَةٌ في الْأَرْضِ تَحْكي قِصّةَ وَفاءٍ دامَ مائةَ عامِ ونَيّفٍ...
كمْ هيَ قاسِيةٌ تِلكَ السّواعدُ الّتي تَحْمِلُ نَعْشَكَ ... بلْ كمْ هيَ قَويّةٌ ...كَيْفَ تُذيقُنا مَرارةَ غِيابِكَ، ونَحْنُ الذينَ بعثرنا أَعْمارَنا في أزْمِنَةِ الذّبولِ...
لا أَحَدَ سَيَحْمِلُ نَبَراتِ صَوْتِكَ ... ولا مَلامِحَ صَمْتِكَ ... ولا كِبْرِياءَ دَمْعِكَ ... ولا أَحَدَ سَيقْرأُ في عَيْنيكَ الرّاحِلَتينِ مُخطَّطَ ثَلاثةِ قُرونٍ مِنْ مُعاناةٍ لَطالمَا رَأَيْتُكَ فيها مُدْهِشًا ، وَرَأَيْتُ اِخْضِرارَ نَفْسِكَ مَعَ حَبّاتِ الْمَطَرِ ، وَوَشْوَشاتِ الصَّباحِ حينَ تَمْضي إلى الْحَصادِ، وتُدْهِشُكَ هَرولاتُ الغْسَقِ الهارِبِ مِنْ غَزوِ الْمَطَرِ ...
أُحِسُّ يا جَدّي أنّني صُمْتُ طَويلاً عَنِ الْحِبْرِ ؛ لأفْصِحَ عَنْكَ ، ولِتَتوهجَ أوراقي بِحُضورِكَ رَغمَ الغِيابِ، حُبُّكَ لا يُجَمِّلُهُ الْبَياضُ ؛ لإنّه الْأَعْظَمُ ؛ ولِأَنَّكَ عَظيمٌ عِشْتَ عُمْرَكَ تُحْصي نُدوبَ الضّيْمِ، وتَرْثي مَجْدَنا النّائِمَ الذّي لمْ تُوْقِظْهُ أصْواتُ الْجيلِ الْجَديدِ، بَعْدَ أنْ كانَ زمَنُكَ مُدجّجًا بالْحُبِّ، وزَمَنُنا مُدَجّجٌ بالأحْقادِ.
كُنْتَ الشّاهِدَ على زَمَنِ الْمَحبَّةِ ، وعلى زَمَنِ قَتْلِ الْمَحبَّةِ ، وعلى الصّيْحاتِ الْمَْطْعونَةِ بالذُّلِّ .
أتَذَكَّرُ يا جدّي حينَ كُنْتُ أَحْشُرُ مَلامِحَ فُضولي في تَجاعيدِ وَجْهِكَ ، وأنْتَ تَشْعُرُ بالنُّعاسِ كُلّما آنسْتَ هُدوءًا ، وكأنّكَ تُغْمِضَ عَينيكَ على ماضٍ لنْ يَعودَ؟!!
كنْتُ أراكَ شبابَةَ لِحنينٍ، بلْ كُنتَ السّائِحَ الْمُقيمَ في عالَمٍ لَيسَ بِعالَمِكَ ... لَمْ تُغْوِكَ فيهِ سُرْعَةُ الاخْتِراعاتِ، ولا الألوانُ الْمُسْتَنْسَخةُ للوجوهِ الْجَديدةِ الْعابِرَةِ في عالمَِكَ ، وكُنْتَ تَتناسَلُ منْ زَمَنٍ جميلٍ... لَمْ تَكُنْ تَمْقُتُ الّلقْمَةَ الناشِفَةَ،ولا خُبْزَ الشَّعيرِ، فقدْ لَقَّنَتْكَ الْحَياةُ حِكْمَةَ الْجُوعِ ، وكنْتُ أراكَ غَريبًا كَمَنْ يَبْحَثُ عَنْ شيىءٍ لمْ يَفْقِدْهُ ؛ أحاديثُكَ مختصرةٌ ، ونظراتُكُ حادّةٌ ، وكأنّها تُحَدِّثُنا بِسُؤالٍ يُلحُّ في أعْماقِكَ : ماذا يَحْدُثُ في الْعالَمِ؟
جدّي يا سِنديانَةً لمْ يَهرَمِ الدّهْرُ في جُذوعِها .
ماذا أخَذَ الْمَوتُ مَعَكَ ؟ أخذَ أحْلامَ أجيالٍ مُتعاقِبَةٍ ، ولكنّ فُصولَكَ باقياتٌ يَعِزُّ عليها هَجْرَ الأرضِ التي عَددتَ ذرّاتِ تُرابِها ، وَحَفرَتْ في وَجْهِكَ أخاديدَ تؤذِنُ بِزَمَنٍ مُضْنٍ .
عِنْدما أتذكَّرُ كَلِماتِكَ وذِكْرياتِكَ عنْ زمانِكَ الجميلِ... أتَخَيلُكَ عابِدًا مَلّ صَخْرِيّةَ الأيّامِ التّي عاشَها في زَمانٍ لَيْسَ زمانهُ ، وقَدْ حَمَلْتَ مَعَكَ في رِحْلَتِكَ الطويلَةِ زوّادَةً للمسافاتِ التّي أرادَكَ اللهُ أن تَقطَعَها..
مائةُ عامٍ ونيّفٍ جَعَلَتْكَ تَهْشِمُ ضِفافَ التاسعَ عَشرَ مِنها ، وَتَسْتَحِمُ في سَبْعٍ من الحادي والعِشرينَ ، وأمّا العِشرونَ فَقَدْ عِشْتَهُ بالرّفْضِ لا بالْخُضوعِ ، بَحْثًا عنْ مَجْدِنا الْمَخلوعِ مِنْ أعْماقِنا .
أَتعلَمُ يا جدّي : كنْتُ دائِمًا أُحَدِثُ نَفْسي بأنّنا نَصْحو معَ الشّمْسِ كُهولًا ، وتَصْحو مَعكَ الشّمْسُ كَهْلَةً تَمْنَحُها شَبابَكَ ..
زَمَنُنا يا جدّي عاقِرٌ أدمَنَ الصّمْتَ اِرْتَدَّ بعدَ اخْتِصارِ الصّهيلِ ، تاركًا مخالبَ الْحُزْنِ تَخْمِشُ أصْواتَنا ، ونَحْنُ نَقْتَرِفُ ذُعْرَ الطُّقوسِ الْمُهيبةِ ، وكنْتُمْ تَحْمِلونَ مناجِلَكُمْ لِتَحْصدوا الْقَمْحَ ، وعُيونُكمْ مُسمّرةٌ بالْوَطنِ .. نعم، إنّه الْوَطنُ الذّي يَسْري في عُروقِكُم ْ، وإذا أجْهَضَ الْقَحْطُ زُغْبَ الْعَصافيرِ ، واسْتحصدَ القمحُ في قريتِنا الفقيرَةِ انْتَظرْتُمْ غَيْمةً تَمُرُّ في تَمّوزَ ... وكنْتُ أتذكَّرُكَ وأنا صَغيرٌ كَيْفَ تأكُلُ صَبْرَكَ، وترفضُ مِنّةَ الأغْنِياءِ الذّينَ حَفَروا في أخاديدِ وُجوهِكُم هياكِلَ مِنْ ظُلْمٍ لا يُحَدُّ...
كنّا نُحِبُّ الْجُلوسَ إليكُمْ حَوْلَ مَوْقِدِ الشّتاءِ كنَاياتِ الْحَنانِ الْعَذْبِ ، لِنَسْمَعَ أجْراسَ هِجْرَتِكُمْ، ونَرى زَمانًا جَفّتْ فيهِ بُيوتُ الطّينِ ، ووجوهًا جُبِلَتْ بالعُشْبِ والْكِبْريتِ ، وكُنْتُ أُحِسُّكَ وأنْتَ تَرفو بالْحنينِ قَميصَ غُصّاتِكَ ، وَكأنَّكَ تَقولُ لَنا : لَنْ يُثْمِرَ الزّيتونُ حباتٍ ألذّ منَ الصّبْرِ .
أتَعلَمُ يا جدّاهُ كنتُ أودُّ أنْ تَرحلَ والتفاؤلُ رفيقُكَ ، ولكِنَّ زَمانَنا يَسْهَرُ تَحْتَ نَحيبِ الْهَجْرِ والبُؤْسِ والْعُمْرِ اليابِسِ ... كُنْتُ أتَمنّى أنْ نُمَجِدَ بينَ يديك َالحبُّ الطقسُ ، وأنْ نُعيدَ الفرحَةَ إلى أوطانٍ يائِسةٍ ، وأنْ نَرْفَعَ عنكُمْ غُصّاتِ التّعَبِ المرّةَ، ونُعيدكُمْ إلى زَمَنٍ يَبْعَث ُ في الأحْجارِ النّخْوةَ العَربيةَ ، ويشْربُ نَخْبَ نِساءٍ شارَكْنَ الرِّجالَ طُقوسَ الألَمِ ، تَحْتَ رُطوبَةِ جُدرانِ الطّينِ، وأبوابٍ بائِسَةٍ مُنْفَرِجَةِ الشّفاهِ ، لا يقيهُنَ عُيونَ الْمُتلصصينَ ، وَبَرْدَ الشِّتاءِ الْقارِسِ!! وفَيضَ عُصورٍ غارَتْ ، وَكُنْتُم فيها تَنْقشونَ أحْزانَكُمْ على أشْجارِ الزّيْتونِ ، وعلى سَنابِلِ الْقَمْحِ ، أو حيطانِ أفْرانِ الْخُبْزِ اللّذيذِ .
وأتذكّرُ في أواخِرِ أيامِكَ كَيْفَ كُنْتَ تَحْمِلُ في جيوبِكَ حَبّاتِ الْحَلْوى لِتُوزِعَها على الْأطْفالِ، وأنتَ في طَريقِكَ إلى الْمَسْجِدِ ...
كَثيراً ما كُنْتُ أفَكِّرُ : لِمَ يَفْعَلُ الجدُّ ذلكَ ؟ وأحيانًا كُنْتُ أتمنّى أنْ تَمْنَحَني بَعْضَ حبّاتٍ مِنْ حَلواكَ الشَّهيَّةِ ، وَبَعدَ مَوتِك عَرَفْتُ السِّرَّ...
لقد رأيْتَ الْكِبارَ وقَدْ عاشوا في منافي الْوَهْمِ ، وتَرجو بِحَلْواكَ مُسْتَقبلًا أجْملَ لِجيلٍ قادِمٍ ، يَصْنعُ منْ فَرْحَةِ الأطْفالِ عالمًا مِنْ سَلامٍ ...كُنْتُ أظُنُّ أنّ حَبّاتِ الْحَلْوى كخاتَمِ ( اللُّبَيْك) تَصْحبُ أطفالَنا في هَودَجِ التَّطْوافِ في عالَمٍ قادِمٍ غيرِ عالَمِنا، وأمّا الْكِبارُ فَسيلْبَِسونَ عمَامَةً تَحْجِبُ عنْهُم الْفَهْمَ ، وجُعبًا مملوءًة بالصَّومِ عن النّخوَةِ ،وزَمانُهُم يَميسُ كَفاجِرَةٍ أفْعَمتْها الشَّماتَةُ، وفي أطْفالِنا وَعْدٌ بالْخُصوبَةِ .
جدّاهُ يا راحِلا بِصَمْتٍ يوحي بأسْئِلةٍ حُبلى بالْخَصْبِ : ماذا سَتَفعلونَ يا نواطيرَ هذا الزّمانِ المأفونِ؟ ومَنْ سَيُقاضيكُم أمامَ أبْناءِ جيلِكُمْ ؟
جدّي أيّها الرّاحِلُ النّقيُّ :كُنْتُ أتَمنّى أنْ أكونَ آيةً خَبّأتّها تَحْتَ وسادَتِكَ ، أو خِنْجَرًا في حِزامِكَ، أو سُبْحَةً رافقَتْكَ أيامُكَ ، ولكنّهمْ أسْلموكَ للتُرابِ ، وكان الْمساءُ خانِقًا يَتنفَسُ من رئاتٍ كَظيمَةٍ ، وأمّا الأطْفالُ فَسَيمرّونَ مِنْ طَريقِ الْمسْجِدِ اِنْتِظارًا لِحَلْواكَ الشّّهيّةِ ...
سَأُسائِلُ عَنْكَ سَجاياكَ على أرْضِ ذاكَ الطَّريقِ ، وفي حَواكيرِ الْقَرْيةِ ، وفي بَسَماتِ الْأَطفالِ ، سَأُسائِلُ عَنْكَ دَرْبًا غَرْغَرَ بالْحُزْنِ بَعْدَ أنْ باتَ مُمْحِلًا أَمْرَدَ الْعُشْبِ ،وسَأُسائِلُ عَنْكَ دُموعَ عَمّاتي حِينَ كنْتَ تَمْنحهُنَ طُقوسَ ضِيافَتِكَ بالْبَسماتِ الْعِذابِ.
جَدّي أيُّها الرّاحِلُ الْحَبيبُ : اغْرُزْني إِبْرةً في نَسيجِ الرَّحيلِ الْكئيبِ ، ودَعْني أَلْتَحِفِ الْبُكاءَ!!
___________
* كتبت في رثاء المرحوم جدي ، تغمده الله بواسع رحمته وغفرانه.
(1) عاش الجد المرحوم بإذن الله تعالى 112 سنة .

أستاذي الكريم
رحم الله جدك وأسكنه فسيح جناته

من خلف السطور قرات مرارة الفراق، ولكنك في ذات الوقت قد أثريتنا بهذا الرثاء، فنعم الجد كان ومازال قابعا في طيات قلبك، ونعم الرثاء قد خط قلمك ونسج.
وتقبل تعازي وتحياتي لك في ذات الوقت.

سحر الليالي
28-06-2007, 01:40 PM
أستاذي/ أمير النثر" د.سلطان الحريري":
يا متوجا بقناديل من ذهب
هل تمنحي شرف هذا التوقيع الم ــتأخر على مرثيتك..؟؟
ولم يكن ذلكــ الا لعجز الحروفــ عن المواساة ..!
رغم الوج ــع الا إنها مترفة حد الثمالة..!!
رحم الله جدك واسكنه فسيح جناته
سلمتــ ودام نبضكــ:0014:
لكـ خالص إحترامي وتقديري وباقة ورد

راضي الضميري
28-06-2007, 03:17 PM
جَدّي وحَلْوى الْأَطفالِ*
أُحِسُّ يا جَدّي أنّني صُمْتُ طَويلاً عَنِ الْحِبْرِ ؛ لأفْصِحَ عَنْكَ ، ولِتَتوهجَ أوراقي بِحُضورِكَ رَغمَ الغِيابِ، حُبُّكَ لا يُجَمِّلُهُ الْبَياضُ ؛ لإنّه الْأَعْظَمُ ؛ ولِأَنَّكَ عَظيمٌ عِشْتَ عُمْرَكَ تُحْصي نُدوبَ الضّيْمِ، وتَرْثي مَجْدَنا النّائِمَ الذّي لمْ تُوْقِظْهُ أصْواتُ الْجيلِ الْجَديدِ، بَعْدَ أنْ كانَ زمَنُكَ مُدجّجًا بالْحُبِّ، وزَمَنُنا مُدَجّجٌ بالأحْقادِ.
كُنْتَ الشّاهِدَ على زَمَنِ الْمَحبَّةِ ، وعلى زَمَنِ قَتْلِ الْمَحبَّةِ ، وعلى الصّيْحاتِ الْمَْطْعونَةِ بالذُّلِّ .
.

الأديب الكبير الدكتور سلطان الحريري

وأنتَ تكتب عن جدك_ المغفور له بإذن الله تعالى _ شعرت بالتاريخ يبكي ويندب فراق عمالقة الزمن الجميل ، فراق رجال سطروا بدمائهم وحبات العرق الزكية المنسابة من على وجوههم تاريخًا وتراثًا لن ينسى ، يحكي عن أيام عزٍ و جاه ، كان فيها للرجال موقف وكلمة ، رجال بأمة ، رجال يرتضون الموت في سبيل المحافظة على كرامتهم ، رجال الزمن الجميل ، حاربوا وناضلوا من أجل العيش الكريم ، كان فقرهم غنىً ، وكان خبز شعيرهم ألذ وأطيب من أشهى المأكولات لأنه كان خبز العرق الطاهر الذي روى تراب أرضنا الحبيبة ، كان زمن الرجال الطيبين ، وزمن النخوة ، زمن من لا ينام وجاره جائع ، زمن من لا يرد سائلاً ولا مستجيرًا ، كان زمن الحلم الجميل الذي أضاعه_ فيما بعد _جيلاً مزيفًا أدعى الرجولة ، لنكتشف فيما بعد انه جيلاً مخصيًا لا يستطيع الإنجاب .

وهنا يحق لنا أن نبكي معك جدك الفقيد ، فبرحيله الذي أدمى القلوب ، ترحل معه أجمل ذكريات الوطن ، وأجمل شاهد على عصرنا الذي دمرناه مع سبق الإصرار والترصد.

يحق لكَ كما يحق لنا أن ننعى أنفسنا بفراق هذا الجيل الذي نرجو ونسأل الله أن يعوضنا عنهم بمثلهم ، وأن يغفر لهم ويدخلهم جنته برحمته الواسعة.

لقد كتبت تاريخنا بكل حقائقه ، فكنت معبرًا عن أمة بأكملها.

وأنتَ خير خلف لخير سلف ، بارك الله فيك.

تقبل فائق احترامي وتقديري

د. سلطان الحريري
28-06-2007, 05:13 PM
الحبيب عماد عناني:
مرور بطعم خاص أسعدني ، ووضع على صفحتي علامات لا تنسى .
لك من الحب أجمله

د. سلطان الحريري
28-06-2007, 05:15 PM
الحبيب مأمون المغازي :
عندما قرأتها كنت حاضرا في كل حرف فيها في قراءتك التي أضاءت جوانب نفسي ، واضاءت حروفي ، وسأنتظر قراءة أخرى لها كما وعدت ، فمثلك يغريني بعالم جميل نضع أنفسنا فيه على قارعة الذائقة ، وندخل تفاصيل أحلام الحرف .
لك حبي أيها الغائب الحاضر

د. سلطان الحريري
28-06-2007, 05:16 PM
الحبيب حمزة الهندي:
الفردوس الأعلى يا صديقي يزهو بالأتقياء الذي نرجو أن تخلدهم أقلامنا ، فلك مني خالص الحب والتقدير

د. سلطان الحريري
28-06-2007, 05:17 PM
الأخت الفاضلة جروح:
سعادتي كبيرة بمرورك على نصي المتواضع ، وشعورك بالأمان في رحابه زاد من سعادتي ، وثناؤك عليه منحني الكثير .
لك خالص الود والتقدير

د. سلطان الحريري
28-06-2007, 05:19 PM
أيها الخليل الحبيب:
نعم يا صاحبي هي أسئلة مصيرية تلك التي تقف على عتبات ذاكرتنا المرهقة .
يرحل الكبار ، ويبقى تاريخهم ، ونبقى نحن نلوك أيامنا بالوجع.
دم رائعا كما أنت

د. سلطان الحريري
28-06-2007, 05:20 PM
أبا القاسم الحبيب:
لمرورك طعم آخر ، فأينما حل حرفك حل النقاء ، وكل كلمة قلتها بحق جدنا ، وبحق نصي هي رصيد جديد لحرفي ، ومثلك يغري حرفي بالمزيد.رحم الله جدنا الحبيب .
دم كبيرا كما أنت

د. سلطان الحريري
28-06-2007, 05:22 PM
الأخت الفاضلة وفاء شوكت خضر:
إذا كان الإنصات لهمس حرفي متعة للروح ، فروح حروفي شاكرة لإنصاتك ، وسعادتي كبيرة بمرورك على ضفاف حرفي المتواضع .
لك خالص الود والتقدير

د. سلطان الحريري
28-06-2007, 05:25 PM
أستاذي العالم والأديب والإنسان الدكتور السمان:
مرورك- يا سيدي- شهادة ممهورة بختم النقاء ، وبعالم من الحب لا ينتهي ، وسأنتظر قراءتك لنصي المتواضع الذي ستمنحه شرفا وأي شرف!!
أنتظرك سيدي دائما عند حروفي ، فمثلك يرفع الحرف .
لك حب تلميذك .

د. سلطان الحريري
28-06-2007, 05:26 PM
الأستاذ الشاعر الجميل شاهين أبو الفتوح:
إذا كانت كلماتي قد خلدت الجد المرحوم بإذن الله بحزني ، واستدعت الأصالة ، فمرورك عليها منحها جمالا من نوع خاص .
لك الحب يا صديقي

د. سلطان الحريري
28-06-2007, 05:28 PM
الحبيب الدكتور إكرامي قورة:
وأنا - يا صاحبي - لا أجد في قاموس اللغة ما يسعفني لتعطير الصفحة بما يليق بك ، فإن كانت معزوفة ، فمرورك صدى لها .
لك حبي وتقديري

د. سلطان الحريري
28-06-2007, 05:30 PM
الخت الفاضلة نور سمحان:
مرورك هو المدهش ، وأدعو الله تعالى ألا يذيق الجميع الحزن ، وإذا كان فليكن حزنا نبيلا يدعونا لمزيد من الصبر ، ومزيد من السمو بمشاعرنا لنستلهم منه قوة تدفعنا للإبداع .
دومي بخير

د. سلطان الحريري
28-06-2007, 05:31 PM
الأخت الفاضلة النجيبة ابتسام خليل:
مرورك أسعدني ، وزاد رثائيتي بهاء ، فلك مني خالص الود والتقدير.

د. سلطان الحريري
28-06-2007, 05:33 PM
الأخت الفاضلة سحر الليالي:
مرورك في هذا النص الذي وصفته بالمترف حتى الثمالة يرفع من الحرف ، ويدعوه لمزيد من السمو ، فنقاؤك يستحث في نفسي الإبداع ، ويدعوني للمزيد.
لك خالص الود والتقدير

د. سلطان الحريري
28-06-2007, 05:35 PM
الأديب الجميل راضي الضميري:
سعادتي لا توصف بك ، وبحروف من نور خطها قلمك ، فكل حرف فيها يساوي عندي عالما من نقاء ، ودخولك في تفاصيل التجربة أدخل إلى قلبي السرور .
نعم -يا صاحبي - إنه زمن الطيبين الذي نعود إليه كلما تأزمت ايامنا الكالحة ؛ لنعود منه بنقاء ، وبعض شهامة ونخوة.
لك الحب كله.

يمنى سالم
30-06-2007, 12:12 AM
د. سلطان الحريري


رائحة الذكرى العامرة بطعم الماضي والأصالة..
معطرة بصدق الإحساس وعذوبة اللغة وتمكنها..

سيدي

أي كلام يقال هنا قد لا يفي بجمال النص ورقيه

تحية من قلب مفعم بالدعاء بالرحمة لكل من غادرنا بلا رجعه..

محبتي

د. نجلاء طمان
02-07-2007, 10:19 AM
الأديب الرائع: د. سلطان الحريرى

أيها السامق حرفا وصدقا

مالى أراك تحلق فى سماء الرقى بأجنحة من ذهب!

من وسط سراديب الدهشة والإبهار التى قذفنى فيها حرفك المكلل بالوجع

أتيك أحلق منتشية بأجنحة الإجلال والإكبار.

عساها لا تتكسر أجنحتى الضعيفة على سطح إبداعك !

فأسقط صريعة من سمائك شهيدة كل هذا الجمال.


شذى من الوردة لهذا الإرتقاء المتناهى فى الرقى.

د. نجلاء طمان

نوف السعيدي
07-07-2007, 12:28 PM
استاذي الدكتور سلطان الحريري

أنت قدمت لنا هنا درسا في الكتابة الأدبية في منتهى الابداع والاستاذية
رحم الله جدك الذي عاش هذا الردح الطويل من الزمن
ويكفيه كما قال أحد الأدباء الكبار أنه خلّف أديبا لامعا واستاذا كبيرا
وأنا دوما في شوق لأقرأ كتاباتك الرائعة

نوف

محمد المختار زادني
07-07-2007, 12:55 PM
وأتذكّرُ في أواخِرِ أيامِكَ كَيْفَ كُنْتَ تَحْمِلُ في جيوبِكَ حَبّاتِ الْحَلْوى لِتُوزِعَها على الْأطْفالِ، وأنتَ في طَريقِكَ إلى الْمَسْجِدِ ...
كَثيراً ما كُنْتُ أفَكِّرُ : لِمَ يَفْعَلُ الجدُّ ذلكَ ؟ وأحيانًا كُنْتُ أتمنّى أنْ تَمْنَحَني بَعْضَ حبّاتٍ مِنْ حَلواكَ الشَّهيَّةِ ، وَبَعدَ مَوتِك عَرَفْتُ السِّرَّ...
.

أخي الحبيب

تغمد الله جدك واجداد المسلمين بواسع رحمته

أرى في صورة جدك هذه ألق الشخصية الأدبية للدكتور سلطان الحريري، وصورة أخرى تحكي أحداث تاريخ لم يكتب بمداد ديوان البلاط ...

بوركت من أديب فذ

زاهية
04-08-2007, 09:46 AM
ماأعظمه من راحل وما أنبله من جد ،حتى في رحيله كان كريمًا ،فقدم لنا بك هذه المرة حلوى من نوعٍ آخر، حلوى لعقول الكبار تعلمهم معنى الوفاء والإخلاص ،معنى المحبة الصادقة والعطاء النبيل ..
رحم الله جدك أخي المكرم د.سلطان الحريري وأسكنه فسيح جنانه وأمدَّ في عمرك سنينا طويلة كلها خير وعطاء رائع ..
هنا أجد جامعة أدبية ملكها د.سلطان بلا منازع
فليحفظك ربي معلمًا للأجيال
أختك
بنت البحر

د. سمير العمري
08-08-2007, 07:29 PM
كنت دوما أصفق بانبهار للحروف وهي تنساب بين يديك خيوط حرير تطرزها بروحك ودقة مغزل مهارتك نسيجا مخمليا ساحر.

اليوم وأنا أمسك بذات النسيج المخملي وقد بدا أكثر رقة وأكثر دقة أجدني أجد فيه شيئا تفوق على ما قبله في عاطفة جياشة وحس عالي جعل التوحد في نصك والتماهي مع روحك أمرا لا يتكلف ولا يتكفكف.

مبدع هنا حد النخاع أيها الأديب الكبير والأخ الحبيب ، وأسأل الله أن يرحم جدك برحمته الواسعة وأن يجعله شفيعك فأنا أتذكر حديثا شريفا أن من بلغ التسعين غفر له وشفع في عشرة من أقاربه.


تحياتي لأديب كبير وحرف أنيق.

حوراء آل بورنو
14-08-2007, 11:30 AM
بسم الله الرحمن الرحيم


أخي و الصديق الوفي د. سلطان الحريري
لا يخفى عليك فراغ قلمي من حبر البوح – و لا زال ، و تطاول الزمن و أنا لم أنفذ وعدي ؛ فلا نصاً أهديتك و لا حرفاً جاريتك !

و قد انتهت كل محاولاتي بالفشل و أنا أحاول أن أكتب نصاً عن " جدتي " – يرحمها الله – يماثل نصك في جدك – غفر الله له ، و لم أخرج كل مرة إلا بأسطر يتيمات لا تسمن و لا تغني من جوع ! و لأن المرض ربما يطول فإليك بعض حديث مهلهل عن " جدتي " لا يستحق صفحة مستقلة أدعي فيها التشبه بك – و أنت سيد قلم لا تشبه إلا نفسك .

كانت لجدتي مقولة تكررها على مسامعي و أنا صغيرة عليّ أكون من " الشطّار " فأتعلم .. و لكني ما تعلمت !


و كأن وراثة الجدّ لازمة لزوم وراثة لون العينين و صباغ الأديم ؛ فإن كانت قد وهبتني جدتي يرحمها الله بعضاً من ملامح وجهها و أصعب ما في سجاياها فقد أورثتني جدّها كله .

و غريب حظها ! نخب معتق كالخمر ؛ آسن كالماء .

فبرغم عمرها المتطاول – مائة عام إلا نيف – لم تجد وسادة من لحم ! و هي الآن تسند رأسها وسادة من تراب علّها تكون أفضل من كل لحم تمنته !

و لأن " جدتي " يرحمها الله كان تأكد لي كل مرة أن تلك الوسادة لم تجدها بحال فقد أضفتها رابعة على المستحيلات الثلاثة .. بل ربطتها حينها بالعنقاء و كأنها لازمة من لوازم استحالة وجودها ، و لعل خيالات الطفولة نسجت لي تلك الصورة المشبهة بطائر العنقاء يفر بقطع اللحم – وسائد اللحم – و قد علق فيها الماس بعيدا عن السندباد البحري و أصحابه !!!

و لا أدري أكانت " جدتي " تكرر علي فشلها في العثور على تلك الوسادة لترحمني عناء البحث أم لتنبئني عن نتائجه ؟!

و الحق أني أتسأل الآن و كثيراً ؛ من عليه أن يحتمل رأساً مثقلاً بالهموم و الأوجاع ؟! و لم عليه أن يفعل ذلك ؟!


أخي الصاحب
تعلم تماماً ما رأيت في نصك منذ إشراقاته .. بل تعلم رأي في أحرفك قبل الولادات ؛ عليّ الفكر و مبدع صور و صادق الحس حدأ تأبى أسطرك أن تغيب عن ذاكرتي .

سأرتقب ما يفصح عنه فكرك و يبوح به وجدانك متى كان و كيفما كان و لمن كان .

كل التقدير و أكثر .

ماجدة ماجد صبّاح
28-09-2007, 11:02 AM
أ. سلطان
أنت بحر بكل معانيه أعجبني جدا ما كتبت،، واسمح لي باقتباس بعض من كلماتك،،
رحمه الله تعالى
لك ود واحترام ابنتك/ماجدة