تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : :::( أبيـــــض و أســـــــود ):::



فريد عبدالعزيز
21-06-2007, 03:32 AM
أبيـــض واســـود


يومها كان الجو حارا شديد الحرارة أثناء ذهابك إلى العمل فطلبت من زملائك إغلاق النوافذ وطلبت من سائق الميكروباص تشغيل التكييف ..... كنت جالسا على الكنبة الأخيرة تستمع إلى أحاديث زملائك المنفصلة تماما عن الواقع المرير والتي تعودت على تكرار سماعها وعدم التعليق عليها .. الكنبة الأولى جلس عليها مينا ومحسن وكان الحوار دائرا عن أيهما أجمل مؤخرة روبى أم مؤخرة هيفاء وهبي ....

تخرج من أفكارك وهواجسك على صوت المهندس رأفت وهو يسأل السائق :

لماذا كل هذه الوقفة يا اسطي حازم ؟؟ خير إن شاء الله ؟

يأتى صوت السائق مطمئنا : كل خير يا باش مهندز ...... دا الباشا معدي .... شكله راجع من الشغل بدري وعلشان كدا موقفين الطريق .

الباشا ... ما أكثر الباشاوات في بلدكم .... وما أكثر المرات التي تتوقف فيها سيارة العمل بالساعات حتى يمر باشا ما ويصل إلى منزله بسلامة الله وتذهبون انتم إلى أعمالكم متأخرين – بسلامة الله – أيضا ولكن القانون لا يعرف الباشاوات كما يقول لكم الأستاذ أبو العلا مدير الشئون الإدارية ولا بد من احتساب ساعات التأخير و تخصيمها من رواتبكم الشهرية .... وإذا كنتم تحبون العمل فاحضروا قبل مرور الباشا وإغلاق الطريق.

تقف بجواركم سيارة مدرسة خاصة تحمل طلبة وطالبات في مراحل ابتدائية مختلفة
يحملق الأستاذ عماد في وجوههم فاغرا فاه وهو يقول لك :
بسم الله ما شاء ..... شايف يا أستاذ وحيد الولاد بتوع المدارس الخاصة حلوين أوى ازاى .... ولاد ناس بصحيح

تحاول أن تقنع نفسك للحظات بكلامه فتقع عيناك على أحدهم أشعث الشعر اسود الوجه وكأنه غراب فتقول :

شكلهم عادى جدا .... ربنا يخلي لك ولادك يا أستاذ عماد

ينفعل وهو يقول : انت حتجيب ولادى اللى بيكتبوا من اليمين للشمال بالعافية زى اللى بيكتبوا من الشمال لليمين زى الاكس

تنهى الحوار معه بالدعاء له أن يكون هو وأولاده من أصحاب الشمال وتحاول الهرب من ثرثرته بالبحث في صفحات الجريدة عن صفحة الإذاعة والتليفزيون.... وتمنى نفسك أن تجد فيلما لإسماعيل ياسين يتناسب مع ميعاد رجوعك إلى المنزل وجلوسك مع زوجتك لتناول العشاء.

لازلت تعشق أفلام إسماعيل ياسين بكل سذاجتها الساحرة ولم تستطع الأيام أن تنسيك حبك للأبيض والأسود بصفة عامة وأفلام إسماعيل ياسين بصفة خاصة

يقع بصرك على خبر مدعم بالصور يعلن انتهاء الحرب الفنية بين هيفاء وهبي وأخرى نصف مشهورة على أغنية عنوانها ( الواوا ) ... تجهد بصرك للتأكد من صحة ما قرأت .... هل هي الواوا أم اسم أخر ؟؟؟ ..... تمر أعينك على الأسطر الكثيرة التي تملأ فراغات الجريدة حتى تعرف في نهاية الريبورتاج أنهما قسما البلد نصفان فالأولى سوف تغير اسمها إلى ( بوس الواوا ) والثانية سوف تسميها ( واوا أح ) ويا دار ما دخلك شر.... صور الموضوع مستفزة وخادشة بشكل كبير وتحمل بين طياتها الكثير من المعاني والدلالات ....

وصلت بك السيارة إلى مقر عملك .... تقوم بوضع إصبعك السبابة على الدائرة الالكترونية الموضوعة على بوابة الأمن فتقوم تلقائيا بتسجيل حضورك وفى الممر المؤدى إلى مكتبك تقول في سرك .... اللهم أنى أسألك خير هذا اليوم وخير ما فيه وأعوذ بك من شر هذا اليوم وشر ما فيه ... اللهم أنى أعوذ بك من شرورهم وأجعلك في نحورهم .

نعم ... لك الحق أن تعوذ بالله من شرورهم وتجعله في نحورهم .... هم زملائك في نفس المكتب الكبير ولكنهم كونوا فرقة موسيقية بشكل جديد

فهذا يطبل وهذا يرقص وهذا يلقى بالمواويل والسير الشعبية للموظفين على أذن المدير ... أما ( حسونة ) فقد اختار لنفسه دور مهرج المدير .. وأحيانا يلقى على مسامعكم مواقفه الظريفة التي لا تعد ولا تحصى وتنتاب زملائك هستريا ضحك على مواقف المدير ذو الوجه الأمشيرى وخفة ظله والتي هي من نسج خيال الأستاذ حسونة وإبداعاته الخاصة

لك الله ... أنت لا تحب الغناء ولا تجيد الرقص ولا حتى العزف على أنية ولا تروق لك النكات ولا تستطيع تأليف سيرة شعبية لمديرك فكيف لا تعوذ بالله من شرورهم .... حنى مديرك المباشر يكرهك.... يصلك الكلام من طبال الفرقة انه قال في غيبتك انك مغرور وثقيل الظل وهو لا يريدك في إدارته

يحاول الطبال جاهدا أن يأخذ ما تيسر من زلات لسانك لتوصيلها بسرعة البرق لمديرك ولكن يخرس الله لسانك في اللحظة ذاتها وتفضل سبه ولعنه في سرك .

شغل أربعة زملاء تقوم أنت وحدك بعمله دون أن تشكوا من أحد أو لأحد .... وعندما تشعر باليأس ويهزمك الإحباط تقول بصوت عال ( ذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون ).

أثناء انهماكك في العمل تتذكر كآبة زوجتك في المنزل وتحولها إلى نمرة شرسة بعد سماعها خبرا من خيرة الأطباء مفاده أن فرصة الإنجاب لديها ضعيفة ... تتذكر كآبة المنزل وهو صامت الجدران بارد الأثاث بدون أولاد .... تتذكر الأسانسير العطلان ..... والإيجار المتأخر عليك .... تتذكر مرضك بالسكر وارتفاع ضغط الدم في الآونة الأخيرة........ تتذكر أشياء وأشياء كلها سوداء حتى تشير ساعة العمل إلى انتهاء اليوم
مع انتهاء ساعات العمل ومع انطلاقة السيارة تبدأ رحلة عذاب جديدة .... ومخاوف جديدة .



ٍ

جوتيار تمر
21-06-2007, 11:10 PM
العزيز فريد..
القصة اشبه بدراما حقيقة،دراما واقعية ناطقة، حيث فيها كل حدث يتكلم بلغة مفهومة تماما، لااظن بان هناك من ينكرها، او حتى يتحاشاها، او يتجاهلها، انها لغة الناس العاديين الذين يعيشون في اوطانهم على الفتات الباقي من خزائن الباشاوات، واهل السلطة، والعنوان جاء يقول لنا، اما ان تكون قويا نمالكا وصاحب سلطة، او تكون ضعيفا مقهوا فقرا تابعا خاضعا.
ولقد استهلت القصة، بحوار جميل، حوار بما ليس لهولاء غيره ما يشغلهم عن ما يجري لهم وما يرونهم، حوار اشبه باللهو المجاني واشباع ربما غريزة ذاتية، فروبي وهيفاء ومن سار على نهجهما وما اكثرهن، ربما هن يشغلن الشباب وهولاء الموظفين العاديين عن الاعمال التي تحدث وراء الكواليس ولست استغرب من ان هولاء هن صناعة السلطات من اجل الهاء الشعوب ليقوموا هم بما يريدون دون مضايقة او متابعة اعين الشعب التي ستلتهي بلاشك بهذه المؤخرة او تلك.. بحرب هذه على تلك، او بقيمة تعري هذه على حساب تلك.
لقد اجدت في سردك بحيث استطعت ان تنقل ربما بعض اوجه الواقع العياني لهولاء بصورة مفصلة، وجميلة، دون تحامل، انما برقة الانسان الطيب الذي يرى الاشياء هذه ولايحسد وهكذا هو طبع الفقراء دائما يبنون الاحلام ولايحسدون الاغنياء ابدا..بل ما ان يصلون مكاتبهم حتى يغرقون بالاعمال، وهم في الاصل متكسدون من الاوجاع والالام لظروفهم التي تعاني هي ذاتها الفقر، وما بالك بالمشاكل العائلية، ونعيق الزوجات، ومطاليبهن وصراخهن المستمر والاولاد ومطاليبهم.
عزيزي..
لقد اجدت في رسم هذه الصور الجميلة للواقع العياني دون رتوش او تعمد، بل جاء النص موازيا للعفوية حيث علا فيه روح الصدق.
دمت بخير
محبتي لك
جوتيار

فريد عبدالعزيز
14-07-2007, 08:29 PM
العزيز فريد..
القصة اشبه بدراما حقيقة،دراما واقعية ناطقة، حيث فيها كل حدث يتكلم بلغة مفهومة تماما، لااظن بان هناك من ينكرها، او حتى يتحاشاها، او يتجاهلها، انها لغة الناس العاديين الذين يعيشون في اوطانهم على الفتات الباقي من خزائن الباشاوات، واهل السلطة، والعنوان جاء يقول لنا، اما ان تكون قويا نمالكا وصاحب سلطة، او تكون ضعيفا مقهوا فقرا تابعا خاضعا.
ولقد استهلت القصة، بحوار جميل، حوار بما ليس لهولاء غيره ما يشغلهم عن ما يجري لهم وما يرونهم، حوار اشبه باللهو المجاني واشباع ربما غريزة ذاتية، فروبي وهيفاء ومن سار على نهجهما وما اكثرهن، ربما هن يشغلن الشباب وهولاء الموظفين العاديين عن الاعمال التي تحدث وراء الكواليس ولست استغرب من ان هولاء هن صناعة السلطات من اجل الهاء الشعوب ليقوموا هم بما يريدون دون مضايقة او متابعة اعين الشعب التي ستلتهي بلاشك بهذه المؤخرة او تلك.. بحرب هذه على تلك، او بقيمة تعري هذه على حساب تلك.
لقد اجدت في سردك بحيث استطعت ان تنقل ربما بعض اوجه الواقع العياني لهولاء بصورة مفصلة، وجميلة، دون تحامل، انما برقة الانسان الطيب الذي يرى الاشياء هذه ولايحسد وهكذا هو طبع الفقراء دائما يبنون الاحلام ولايحسدون الاغنياء ابدا..بل ما ان يصلون مكاتبهم حتى يغرقون بالاعمال، وهم في الاصل متكسدون من الاوجاع والالام لظروفهم التي تعاني هي ذاتها الفقر، وما بالك بالمشاكل العائلية، ونعيق الزوجات، ومطاليبهن وصراخهن المستمر والاولاد ومطاليبهم.
عزيزي..
لقد اجدت في رسم هذه الصور الجميلة للواقع العياني دون رتوش او تعمد، بل جاء النص موازيا للعفوية حيث علا فيه روح الصدق.
دمت بخير
محبتي لك
جوتيار

المفكر والاديب الرائع / جوتيار

لا حرمنى الله من تواجدك الرائع ومرورك العذب على اعمالى المتواضعة

الف شكر لك ومليون باقة ورد

ومحبتى لك.... بلا حدود

فريد

ربيحة الرفاعي
05-04-2014, 11:15 PM
صفحة من دفتر يوميات مواطن مقهور صيغت ببراعة سردية جعلت المتوقع استحواذيا يستحثك على اللهاث وراء السطور تتبعا لما يليه فما يليه علّ سطرا يأتي بجديد غير الذي تعرفه بخبرتك إن لم تكن باشا أو ابن ذوات
الفكرة جميلة وسريعة التسلل للأعملاق المتلقي برغم عاديتها، والبناء الدرامي متقن بتداعيات الحدث شابه بعض حشو، والأداء جميل ومتمكن

قص طيب وسرد شائق
لا حرمك البهاء

تحاياي

ناديه محمد الجابي
11-04-2014, 09:52 PM
أفلحت في التعبير بصدق وأحسنت أنتقاء الألفاظ
ورسمت بتميز لوحة المعاناة لإنسان مقهور تجسد
حالته التي تمثل حياة الكثير من الفقراء الطيبين في
سرد شائق ووصف متقن وحبكة .
أحييك مبدعا كبيرا راقيا.

خلود محمد جمعة
15-04-2014, 08:36 PM
شريط يومي لمواطن مطحون سلبي لا يفعل شيء سوى استعراض مأساته بينه وبين نفسه
سرد شائق وحبكة محكمة
دمت بخير
مودتي وتقديري

نداء غريب صبري
11-06-2014, 12:43 AM
قصة من الواقع
كلنا نستطيع أن نتصور أحداثها وما سيجد فيها
لأننا نعيش واقعا متشابها

شكرا لك أخي

بوركت

آمال المصري
09-11-2015, 07:30 PM
بين القديم والجديد بون كبير تلمسته من بين يوميات هذا المقهور الذي انتقل به الزمن من عهد الأبيض والأسود لما هو أسوأ حيث الأسود فقط رغم التقدم وعصر التكنولجيا
لكن الحياة مليئة بالمنغصات التي لايمتلك الفكاك منها سواء في العمل أو في الحياة الاجتماعية
سرد شائق ولغة طيعة أديبنا الفاضل
بوركت واليراع
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي