مشاهدة النسخة كاملة : .. قـُلْ أنا أقـول .. ولا تقـل يُـقـال أن ..
أبوبكر سليمان الزوي
09-07-2007, 09:37 PM
هي مغالطات أو إشكاليات أدبية وفكرية كبيرة - ربما ..
- وربما كانت مآسي يُسطـّرها الكاتب ويذهب ضحيتها طالب المعرفة- القارئ الحديث البريء-
الذي تتكرر أمام ناظريه وعلى مسامعه فيعتادها فتقنعه فينقلها بدوره-وعلى حسن نية-إلى بيئته العربية الصغيرة الفقيرة التي تسمع وتـُسبّح الله ..
فمثلاً : عندما يقول أحدنا هذه " ثقافتنا الإسلامية " فهو في هذه الحالة مُـخطئ من الناحية الأدبية والفكرية- من غير شك ، ومذنب من ناحية أخرى ولا ريب ؛ لاسيما إذا كان يعني ما يقول . إلا أن الأمر- بالطبع- يختلف
عندما يتعمد الإنسان ذلك الخطأ مؤقتاً -لإيصال رسالته - نزولاً عند ثقافة سائدة لا يملك تصحيحها .
فعندما نقول " الثقافة العربية " فإن ذلك مفهوم لا غبار عليه- لغوياً وأدبياً- مع بقاء الغبار على الجانب الفكري منه . ولكن ليس دقيقاً-
بل إنه ليس صحيحاً بالمطلق أن نقول " ثقافة إسلامية " ؛ لأن ذلك خلط كبير وتوظيف خاطئ لمفهوم الثقافة ،
وهو في الوقت ذاته تجن على المعتقدات والتشريعات الإسلامية السماوية .
حيث أن ثقافة الإنسان هي جزء لا يتجزأ منه - سواءٌ فسدت أخلاقه أم صَلُحت ؛ وهي تظهر للآخرين جلية وكاملة- تطبع صورته وترسم معالم شخصيته ، فتعكسها رغباته وميوله وحصيلته المعرفية .
ونجد أن الإنسان لا ينفك يُحاول إخفاء بعضٍ من مظاهر ثقافته -لاسيما عندما تبرز عيوبها - أمام ثقافات أخرى .
أما معتقداته الدينية فهي على النقيض من ثقافته ؛ حيث أنها لا تظهر للآخرين كاملة وجلية ؛ وهو عادة يُحاول إثبات وجودها ويُـحاول كتابة ثقافته وتبريرها مستنداً إلى علاقتهما .
فالثقافة إذن مادة أدبية فكرية جماعية تفاعلية متطورة متجددة- يشترك في إيجادها وتطويرها عقل الإنسان وعاطفته - وفق تجاربه واحتياجاته وميوله ورغباته وإمكاناته ...
أما المعتقدات الدينية فهي مؤثرات معنوية روحية خارجية لا تنبع من عقل الإنسان ، وإنما تخاطبه من خارجه لتصحح ثقافته وتـَحُـدّ من غروره ، وتـُخطـّط له سياج حريته ، وتـُحـدّد له سقف طموحاته التي لا يرى ما وراءها من سلبيات جسيمة أثناء سعيه لبلوغ إيجابياتها العقيمة .
وكذلك فهي تـُعـرّف الإنسان بناموس الحياة ، وتُطلعه على بعضٍ من أسرار كينونته- فيتفاعل معها وفق رجاحة عقله ، وبمساعدة كبيرة من القضاء والقدر .
ولما كانت الثقافة عبارة عن صورة حياتية آدمية ، وجُـملٍ أدبية لغوية- ينحتها ويكتبها الإنسان على بعض صفحات التاريخ والجغرافيا- بيد جماعية- لتعكس ميول وتفاعل وقدرات العقل البشري فيتم نسخها وتطويرها على هيئة عادات وتقاليد وموروثات فكرية ، وتعاطٍ مع البيئة .
فإن الحضارة وفقاً لذلك ستكون هي الأثر والصورة العملية المنظورة والباقية لتلك الثقافة .
والثقافة تتأثر بالمعتقدات الدينية ولكنها لا تـُنسب لها ، لأنها لا تعكسها ولا تـُعبـّر عنها . وبصورة أخرى يمكننا أن نقول أن حقيقة التفاعل القلبي والالتزام الحسي والعقلي بالمعتقدات الدينية وتعاليمها - هي مسألة فردية لا يمكن لأحد إثباتها للآخرين عن نفسه ، كما أنه لا يمكن للآخرين نفيها عن أحد يدعيها ، كذلك فإنه لا يمكن لأحد فـرْضها على آخـر ، لأنها تـُمَـثـّل حقيقة الإيمان- ذلك الأمـر الذي لا يعلم بُعده الروحي إلا الله ثم ذلك الإنسان الذي يدّعي الإيمان .
أما الثقافة فهي تنبع من الإنسان وتظهر عليه ، ولا يستطيع إخفاءها عن أعين وعقول الآخرين . فالثقافة هي مفاهيم وقناعات ونظريات بشرية انعكست على واقع المجتمع وأخذت منه اسمها .
وبالنتيجة فإن : ما يأتي بعد " قال الله وقال الرسول " هو من المعتقدات التي لا تقبل الجدال وليست في حاجة إلى نقاش - لدى الإنسان الذي يؤمن بالله ويؤمن بذلك الرسول ..
شريطة الاتفاق والإجماع على فهم المقاصد لما قال الله ، وثبوت صحة ما يرد عن الرسول . ويكون الاستدلال بها من أجل تأكيد صحة الأمر وسلامته وضرورته .
بينما الاستدلال بما " قاله المثقف ، أو المفكّـر- ومن خالفه أو وافقه .. فتلك أمـور تخضع للنقاش ويصح فيها القول والقولان . ويكون الاستدلال بها من قبيل الاستنارة الفكرية والمعلوماتية غير الملزمة .
وأود أن أخلص إلى نتيجة من شقين :
الأول : أنه لا يخامرني شك في أن الخلط بين مفهوم الثقافة ومفهوم المعتقد الديني ، واقترانهما لغوياً - صراحةً أو اصطلاحاً- لهو أمرٌ على درجة كبيرة من الخطورة .
فهو يُكسب الثقافة البشرية شيئاً من قداسة المعتقد الديني -وهي لا تستحقه- فيحـدُّ ذلك من- أو يحول دون- انتقاد الثقافة وما تحمله وتنشره من تقاليد سيئة ومفاهيم اجتماعية جاهلية يسودها النفاق تحت اسم المجاملة ؛ والكذب والخداع تحت مبرر الضرورات ... الخ .
والأخطر من ذلك أن هذا الخلط يُوظِـّفُ الدين أحياناً لتبرير انحرافات أتباعه- الناجمة عن انحراف ثقافتهم-عندما تفرض الثقافة نفسها واقعاً على حساب مبادئ الدين .
والثاني : أن الإفراط في الاستدلال بأفكار الآخرين- سواء السابقين أو المعاصرين- لإثبات صواب أفكارنا وكأننا ندرأ بذلك النقد عنا قبل حصوله ، أو كأننا نبحث عن شرعية أدبية لما نكتب ، وكأننا نعترف أن ما نكتبه لا يحمل روحاً أدبية خاصة به تـُعبّر عن المفكّـر الجديد الذي أبدعها ... بدل الاعتماد على المنطق والموضوعية والواقعية لإثبات مهاراتنا ومواهبنا الفكرية ، أدى بنا إلى أن أضحت بعض كتاباتنا المسماة "فكرية " لا تعدو أن تكون نقلاً للبيانات من موقع إلى آخـر ؛ وحتى صرنا نخلط المقالات الفكرية بالتثقيفية .
إن اعتماد غالبية الكتـّاب والمفكّـرين العرب المسلمين- على أفكار ونظريات وكتابات غيرهم للتسويق لأنفسهم ، قد أفرغ كتاباتهم من مضمونها الفكري ، وجعلها دعاية لأفكار ونظريات الآخرين .
إن النظريات الفكرية والأيديولوجيات الفلسفية القديمة-على أهميتها وما قدمته من حلول للإنسانية في أزماتها عبر العصور ... إلا أنها تبقى رافداً ثقافياً محدود الفائدة للفكر . بل إن التركيز عليها بما يُشبه محاولة إثباتها من جديد ، وهي التي تـدّعي فك الطلاسم الفكرية ووضع الحلول النهائية في مختلف المجالات ..
إن ذلك يؤدي إلى جمود الفكـر وفقدان الرغبة والدافع للإبداع والتجديد .. خاصة في مجتمعنا العربي الإسلامي الذي يبدوا أنه لم يجد مقاسه في أسواق الفكـر ، فاستسلم إلى أزمات مستديمة- احتمت فيها سلبيات الثقافة بقداسة الدين ، واختفت فيها الشهامة خلف سياج الفقر ، وطمرت براكين السياسة ما بقي من معالم الإنسان .
ألقاكم بخير أيها الأحباب ..
د. محمد حسن السمان
15-07-2007, 08:27 AM
سلام الـلـه عليكم
الأخ الفاضل الأديب المفكر أبو بكر سليمان الزوي
قرأت مقالتك الغنية اللافتة , واستمتعت بالافكار المطروحة , متوافقا مع أغلبها , ولست مختلفا مع الأقل , وأشهد بقوة الرؤية , وأريحية الرأي , وانساع المنظور .
د. محمد حسن السمان
أبوبكر سليمان الزوي
15-07-2007, 07:43 PM
سلام الـلـه عليكم
الأخ الفاضل الأديب المفكر أبو بكر سليمان الزوي
قرأت مقالتك الغنية اللافتة , واستمتعت بالافكار المطروحة , متوافقا مع أغلبها , ولست مختلفا مع الأقل , وأشهد بقوة الرؤية , وأريحية الرأي , وانساع المنظور .
د. محمد حسن السمان
وعليكم السلام ورحمة الله .. أيها الأستاذ الكبير مكانة وخلقاً ..
أستاذي الفاضل .. تقييمك - شرف عظيم وشهادة أعتز بها ..
سيدي العزيز .. التواضع .. خلق كبير لا يتصف به إلا الكبار ..
إن تواضعك معي وتشجيعك لي .. هما وقود وزاد أنا في أمس الحاجة لهما .
خالص امتناني وعظيم تقديري ..
د. نجلاء طمان
15-07-2007, 08:24 PM
الأديب الأستاذ: أبو بكر
وكأنى بك هنا تعطى التعريفات الأساسية لثلاث لفظات أساسية وهى الثقافة, الحضارة, والمعتقد الدينى.
اسمح لى إذن بالمداخلة وفتح الحوار معك بمحاولة متواضعة, أتناولها معك فى ثلاث مراحل.....
المرحلة الأولى وهى تتناول مفردة الثقافة وما يتعلق بها:
يعرف "تايلور" الثقافة أنها هي ذلك المركب الكلي الذي يشتمل على المعرفة والمعتقد والفن والأدب والأخلاق والقانون والعرف والقدرات والعادات الأخرى، التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضواً في المجتمع .
ويعرفها "كوينسي رايت" أنها هي النمو التراكمي للتقنيات والعادات والمعتقدات لشعب من الشعوب، يعيش في حالة الاتصال المستمر بين أفراده، وينتقل هذا النمو التراكمي إلى الجيل الناشئ عن طريق الآباء وعبر العمليات التربوية.
فى حين يأتى تعريف "مالينوفسكي" لها أنها هي جهاز فعال ينتقل بالإنسان إلى وضع أفضل، وضع يواكب المشاكل والطروح الخاصة التي تواجه الإنسان في هذا المجتمع أو ذاك في بيئته وفي سياق تلبيته لحاجاته الأساسية.
ويقول" غوستان فون غرونيوم":أن هناك تعريفات أخرى مثل (أن الثقافة هي الجهد المبذول لتقديم مجموعة متماسكة من الإجابات على المآزق المحيرة التي تواجه المجتمعات البشرية في مجري حياتها، أي هي المواجهة المتكررة مع تلك القضايا الجذرية والأساسية التي تتم الإجابة عنها عبر مجموعة من الرموز، فتشكل بذلك مركباً كلياً متكامل المعنى، متماسك الوجود، قابلاً للحياة) ومن هذا القبيل تعريف غوستاف فون غرونيوم في مطلع كتابه عن هوية الإسلام الثقافية الصادر في باريس عام 1973 حيث يقول عن الثقافة انها (نظام مغلق من الأسئلة والأجوبة، المتعلقة بالكون وبالسلوك الإنساني).
وهذه التعريفات كلها تبرز بشكل واضح أهمية العقيدة ودور الدين في صنع الثقافة وتوجيه سلوك الإنسان.
هل يعتبر هذا تعريفاً كافياً للثقافة في عصرنا؟!
"مالك بن نبي "يعرف الثقافة في كتابه (مشكلة الثقافة) فيقول إنها (مجموعة الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي تؤثر في الفرد منذ ولادته، وتصبح لا شعورياً العلاقة التي تربط سلوكه بأسلوب الحياة في الوسط الذي ولد فيه).
إذن هل الثقافة هي:
(العلوم والمعارف والفنون و... التي يطلب فيها الحذق)
أم هي (الحذق وفهم العلوم والمعارف والفنون و...)
أم هي (المركب الكلي الذي يشتمل على المعرفة والمعتقد والفن والأخلاق والقانون والعرف والقدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضواً في المجتمع)
أم هي (النمو التراكمي للتقنيات والعادات والمعتقدات لشعب من الشعوب يعيش في حالة الاتصال المستمر بين أفراده، وينتقل هذا النمو التراكمي إلى الجيل الناشئ عن طريق الآباء وعبر العمليات التربوية)
أم هي (جهاز فعلا ينتقل بالإنسان إلى وضع أفضل)
أم هي (الجهد المبذول لتقديم مجموعة متماسكة من الإجابات على المآزق المحيرة التي تواجه المجتمعات البشرية)
أم هي (نظام مغلق من الأسئلة والأجوبة المتعلقة بالكون وبالسلوك الإنساني)
أم هي (المنجزات الفكرية المعنوية التي يبتكرها الإنسان في تنظيم حياته مع الآخرين).
إذا بسطنا الموضوع قليلاً، وتجنبنا محاولة تعريف الثقافة تعريفاً جامعاً مانعاً كما يقال، واكتفينا بالحديث عن الثقافة كمفهوم حديث أو كمصطلح حديث، فلربما أمكننا القول أن: (الثقافة هي المخزون الحي في الذاكرة كمركب كلي ونمو تراكمي مكون من محصلة العلوم والمعارف والأفكار والمعتقدات والفنون والآداب والأخلاق والقوانين والأعراف والتقاليد والمدركات الذهنية والحسية والموروثات التاريخية واللغوية والبيئية التي تصوغ فكر الإنسان وتمنحه الصفات الخلفية والقيم الاجتماعية التي تصوغ سلوكه العملي في الحياة).
هذا المخزون الحي قد يتمثل لدى الشعوب على شكل عقيدة حية فعالة محركة لما يصدر عن أفراد الشعب من قول أو عمل، وما ينجزه على الصعيدين الفكري والعملي الفردي والاجتماعي على السواء من مهام ووظائف.
ولا ننسى أبدا أن نفرق بين القول أن الثقافة هي مجرد اكتساب درجة من العلم والمعرفة أو انها تعني الإبداع والابتكار الفني والجمالي وبين القول أنها السلوك أو نمط التعبير الخاص بمجتمع من المجتمعات أو انها تقتصر على الضروب الرفيعة من التفكير النظري والتجريد، مروراً بالعشرات من وجهات النظر والآراء التي تفهم الثقافة من زوايا خاصة ووفق أغراض محددة.
أما كينونة الثقافة فقد تكون:
أ. الثقافة الفردية:
والتى تكون إما فطرية نشأ عليها الفرد تحت تأثير فطرته وطبيعته, أو تكون مكتسبة من مدركات بيئية خارجية. وبين هاتين الثقافتين ـ الفطرية والمكتسبة ـ جسر موصل أو حاجز غير واضح تماماً، فالجزء البسيط من المدركات والمكتسبات دون سن التمييز أقرب إلى الثقافة الفطرية أو لنقل هو انبثاق عنها وختام لها. والجزء المركب والمعقد من هذه المدركات والمكتسبات أقرب إلى الثقافة المكتسبة أو لنقل هو ابتداء فيضها أو هو منبعها وأساسها.
ب. الثقافة الاجتماعية:
هناك (الثقافة البدائية التلقائية وتوجد حيث يوجد المجتمع، وهي تسود كافة المجتمعات الإنسانية ولا يخلو منها مجتمع، وتتجلى في عموم الحالة السائدة في المجتمع) .
وهناك (ثقافة موجهة قد تم التخطيط لها على أسس متينة وقواعد ثابتة) .
بعد أن أوضحنا مفهوم الثقافة بما لا يدع أي مجال للبس والغموض، بات واضحاً كذلك معنى المثقف، فالمثقف هو مظهر الثقافة ومصداقها والمعبر عنها وحاملها وموصلها لسواه.
صحيح أن المثقف ليس هو الذي يوجد الثقافة فهي موجودة بدونه، لكن المثقف هو الذي ينقلها من السكون الى الحركة، ومن الخمول إلى النشاط. ولكن ليس هو الموجد لها.
وإذا كانت الثقافة الصحيحة السليمة تحتفظ في داخلها بشروط بقائها فماذا يبقى للمثقف من دور؟!
وجواب هذا السؤال أن المثقف هو أحد بل أهم شروط ظهور الثقافة، فلا ظهور للثقافة دون مثقف.
إن القيم والمفاهيم والمعلومات والعقائد والفلسفات والأخلاق وكل مكونات الثقافة ومقوماتها تبقى صوراً تجريدية ذهنية ما لم تظهر على أرض الواقع وتتجسد في مصاديق مادية عملية.
إن الصراع بين الحق والباطل لا يكون الا إذا كان لكل منهما مصاديق، ولابد لكل منهما أن يجد من يحمله ويبشر به ويجعل من نفسه المصداق... المصداق العملي له على أرض الواقع، هذا هو دور المثقف:
ـ أن يتمثل ثقافته جيداً فكراً وسلوكاً.
ـ أن يعمل جاداً للتبشير بثقافته.
ـ أن يدفع عنها عوامل الانهزام الداخلي وعوادي الغزو الخارجي.
وانما يدفع المثقف عن ثقافته عوامل الانهزام الداخلي بما سبق أن المحنا إليه من التفاعل الحر مع الثقافات الأخرى، وعدم الانغلاق على محيطه وبيئته، وعدم الخلط بين الثابت من الحقائق والمتغير من التراث والعادات والتقاليد، والتمييز الواضح بين ما هو من الأسس والأركان وما هو من المتممات والمكملات (أي ما هو من هيكل البناء وما هو من الإضافات والديكورات)، والحرص على عدم تخلف الثقافة عن العصر، وعن الفعل فيه فعلاً إيجابيا، والتحرك داخل العصر وعينه على المستقبل الآتي بما يحمل من آمال وتطلعات وبما يحقق من أغراض وأهداف.
ويدفع عنها الغزو الخارجي بالتخطيط الدقيق والتكافل والتضامن والتعاون مع أبناء ثقافته أياً كان عرقهم ولونهم ولغتهم.
(إن أهمية المثقف إنما تنبثق من أهمية الثقافة نفسها وحاجة المجتمع إليها).
ويميز البعض بين مثقف ساكن ومثقف متحرك، الأول لا دور له في مجتمعه والثاني ينهض بدوره في المجتمع، وبين مثقف منغلق ينتج ثقافة الجمود ومثقف منفتح ينتج ثقافة التجديد، الأول يعيش خارج الزمن فمسيرته إلى التوقف والثاني يواكب الزمن ويعيش فيه فمسيرته إلى النمو، ويميز بين مثقف النخبة الذي يعيش بعيداً عن الناس ويتحدث بخطاب القلة أو النخبة فقط ومثقف الجمهور الذي يعايش الناس ويتحدث بخطابهم خطاب الجمهور والكثرة، ويميز بين مثقف مستبد يتحول قلمه إلى رفض الآخر، ولا يتحدث الا بلغة الرفض والنفي والإقصاء ويمارس القمع والإرهاب، ومثقف شوروي (أو ديمقراطي) يتحدث قلمه بلغة التعددية والتعايش والتسامح ويمارس الحرية والعدالة، ويميز بين مثقف السلطة الذي يكرس الاستبداد ويمارس الظلم ويعشق المال ومثقف الأمة الذي يعشق العلم وينشر العدل ويزرع الحرية.
ونحن ـ مع من ـ يريد ظهور المثقف المتحرك مع آمال الأمة وتطلعاتها وقيمها ومفاهيمها، المنفتح على كل الثقافات القديمة والمعاصرة، الذي يتبنى الحرية والعدل والشورى ويخاطب جماهير الناس ونخبتهم، كلّا بما يناسبه، ولا يقصر خطابه للنخبة فقط.
نريد المثقف الذي يستشعر المسؤولية الخطيرة والجسيمة، فيتمثل دور النبي لا دور الفيلسوف، نريد المثقف الذي ينطلق من جوهر مفهوم الثقافة الذي يفترض فيه التحرك لنشر رسالته الثقافية داخل المجتمع وعلى الصعيد الإنساني العالمي، وتوضيح آفاقها ومنطلقاتها وأهدافها، وترسيخ مفاهيمها الرسالية باللغة التي يفهمونها والتي تحركهم لأنها تتحدث عن قضاياهم ومشاكلهم التي يعانون منها والظروف التي يعيشون تحت أسرها، والآمال التي تراودهم، والأهداف التي تعيش في قلوبهم وأفئدتهم؛ لغة من قد وطد العزم على كسر القيود وفك الأغلال عن الإنسان، ورفع الظلم والحيف والاستبداد، ونشر الأمن والحرية والعدالة في المجتمع الذي يعيش فيه أولاً، وبين الناس كلهم في شتى أرجاء الأرض ثانياً.
لكن ما الفرق بين الثقافة والحضارة؟؟؟ وما العلاقة بينهما , ومدى ارتباطهما بالعقيدة الدينية؟؟؟؟
أعودلإجابة ومداخلة متواضعة , انتظرنى.
شذى الوردة لموضوع يفتح حوار هنا
د. نجلاء طمان.
أبوبكر سليمان الزوي
15-07-2007, 09:23 PM
الأستاذة الدكتورة (الإنسان الجوهرة الفريدة) .. نجلاء طمان ..
لو حاولت-عبثاً- التعبير عن مدى سروري بمداخلتك - التي تستحق بكل جدارة أن تكون هي الموضوع الأساس - لأفسدت على نفسي غبطتها ..
أختي العزيزة الفاضلة .. قرأت مداخلتك المُتسائلة المُجيبة ، وسأعيد وأكـرّر قراءتها بانتظار التتمة ، وبانتظار الإذن لي بمحاولة المحاورة ..
صدق المودة وعظيم التقدير .. لفرسان الكلمة الأمناء الصادقين ..
خليل حلاوجي
16-07-2007, 12:13 PM
الفاضل الحبيب ابو بكر
الاستاذ الدكتور السمان
جوهرة الواحة الاخت نجلاء
صباحكم العافية والامل :
نلاحظ ان البعض يميل الى الحياد في عرض القضايا الكبرى في الاسلام وهو امر خطر فالحياد الذي يقول عنه (دانتي) «أكثر الأمكنة حرارة في جهنم محجوزة لهؤلاء الذين يحتفظون بحيادهم خلال الأزمات »
إنني أسعى الى الحياد الذي يجعلنا نرتضي لأنفسنا موقف المتأمل لا الحاكم حينما أستعرض الفارق بين شخصيتي كباحث عن الحق وبين شخصيتي كداعية الى الحق وغرضي هنا أن يفرّق القارى بين الاعتقاد وبين المعرفة وكما يقول جوستاف لوبون ( المعتقد والمعرفة أمران نفسيان يختلفان من حيث المصدر إختلافا ً تاما ً ، فالمعتقد الهام لاشعوري ناشىء عن علل بعيدة عن ارادتنا والمعرفة اقتباس شعوري عقلي قائم على الاختبار والتأمل )
اخي الحبيب
يرى الفيلسوف البريطاني برتراند راسل ( Russel ) في كتابه ( السلطان The Power ) أن البشر موزعين في ثلاث خرائط بين القادة والاتباع والمنسحبين
والرأي عندي أن أخطر صنف يعيش بيننا هم اولئك المنسحبون من دائرة التأثير والتأثر ورضوا بموقف المتفرج
ثم ان
العقل هو عندي ... عقلان : عقل يسعى لتحويل الواقع ليطابق الرؤى التي يقترحها
وعقل يسعى لتحويل الرؤى التي يؤمن بها لتتطابق مع الواقع .
الاول متحرر من أية قوالب فكرية ويدهش صاحبه بتسارع الانجاز الفكري تبعا ً لتعقيد وتطور معضلات الواقع .
الثاني مستمسك بما وجد نفسه عليه فهو حريص أشد الحرص على ( الآبائية الفكرية ) بل ويعتبر نفسه جنديا ً من حماة حصونها ، مصدقا ً ان فواجع واقعه هي نتيجة لعدم الاعتصام بقولبته الفكرية التي فطر عليها مذ ولادته .
لكل من هذين العقلين ... مقدس .. هو المرجع له
المقدس عند العقل الاول هو : التطورية والنسبية الزمنية والنفعية
التطورية اقتبسها من شعار (دارون ) البقاء للأقوى
والنسبية الزمنية اقتبسها من شعار ( تعظيم الكفاءة )
والنفعية اقتبسها من شعار ( الاكتفاء الذاتي للعلم) فالعلم عند هذا العقل هو الآله المنقذ النافع فلا يمكن التدخل في معاييره الا بالسيطرة على قيم العلم ذاته
فالعلم لايسيطر على المجتمع وادارته فحسب بل يفصل القيم الانسانية والاخلاقية عن قيمه المادية
اما
المقدس عند العقل الثاني فهو الايمان والاعتقاد والتصور والمنهج الذي يرفض النقد وبذلك لايختلف من يؤمن بالوهية البقرة في الهند عمن يؤمن بالوهية الصخرة عند قريش عمن يعبد الحاكم الفرد ( هتلر مثلا ً) فالجميع لايعترفون بأحقية وإلزام تواصل النقد لما تفرضه عقولهم من رؤى.
اما المسلم الحق
فهو لايمتلك أيا ً من هذين العقلين
المسلم الحق يمتلك العقل الذي يسعى لإصلاح حال الإنسان - في أي زمان ومكان – بالطرق المادية من خلال التصدي والإستعانة لقضية الإيمان بالقبول او الرفض .
أبوبكر سليمان الزوي
18-07-2007, 11:53 PM
الأخوة الأفاضل جميعاً .. سلام من الله عليكم ..
لا زلت أنتظر من الأخت العزيزة .. الدكتورة نجلاء طمان .. تكملة مداخلتها الغنية بالأفكار .. لنبدأ التحاور - نزولاً عند رغبتها الكريمة ..
وإلى حين سماح ظروفها بالمواصلة .. أود طرح بعض التساؤلات حول مداخلتها السابقة ..
وكذلك تساؤلات حول مداخلة .. أخي الحبيب .. خليل حلاوجي ..
حيث أني أتمنى على إخوي وزميلي .. الإفصاح عن أفكارهم بصورة أدق وأكثر وضوحاً وتلخيصاً .. خاصة إذا كانت تحتوي شيئاً من النقد أو التساؤل حول أفكار أو نقاط محددة تضمنتها المقالة ، وينتظران مني التعاطي معها ..!
فأنا وبكل صراحة لم أستطع تجميع الأفكار في مداخلتيهما وبلورتها ، لأخرج بصورة متكاملة عما يرميان إليه ..
وكل ما أستطيع قوله الآن .. هو أني لا أقصد التقليل من شأن الثقافة والمثقفين ، ولا أدعو إلى الطعن في الاستعانة بأفكار السابقين .
ولكني أُؤكد على ضرورة التفريق بين المثقفين والمفكرين .. كما أني أؤكد على ضرورة نقد الثقافة وتصحيحها قبل الترويج لها والدفاع عنها .
كما أني أُعيد التأكيد على قناعتي بأن المعتقد الديني ليس جزءاً من الثقافة ؛ بل هو مهذب لها بقدر سماحها له بالتأثير في بيئتها ، وذلك يتوقف على مساحة الحرية الفكرية التي تحتويها تلك الثقافة ضمن مكوناتها .
تحياتي للجميع ..
خليل حلاوجي
20-07-2007, 09:02 AM
يجب أن يفرّق القارى بين الاعتقاد وبين المعرفة
وكما يقول جوستاف لوبون
( المعتقد والمعرفة أمران نفسيان يختلفان من حيث المصدر إختلافا ً تاما ً ، فالمعتقد الهام لاشعوري ناشىء عن علل بعيدة عن ارادتنا والمعرفة اقتباس شعوري عقلي قائم على الاختبار والتأمل )
هذه هي القاعدة التي انطلق منها في رؤيتي
\
بوركتم
أبوبكر سليمان الزوي
20-07-2007, 01:55 PM
أوضحت وأفلحت .. حياك الله .. أخي الحبيب خليل
د. نجلاء طمان
20-07-2007, 11:28 PM
الأديب الألق أبو بكر الزوي
عودة للتعقيب, وعذرا للتأخير
ما معنى الحضارة؟
الحضارة تعني الحضور والوجود والتميز، وتشاكل المدنية في المعنى، وعند البعض تشترك في الدلالة مع الثقافة، وهي مرحلة من مراحل التكوين البشري، وطفرة في النشاط الإنساني، الذي يحصل من خلاله التطور الفعلي على مستويات عدة، ونواح كثيرة، وهي نتيجة لتفاعل الإنسان مع الكون والحياة، بغض النظر عن بعض الخصوصيات التي تخصه، والتباين الذي ينتجه الاختلاف في العقيدة والدين، وهي تتكون من شقين، مادي ومعنوي، فالمادي ما نلمسه من عمران وصناعات وتقنيات وفنون وعلوم ومعارف وقوانين وأعراف، والمعنوي يمثل النوازع العقدية، والدوافع القيمية التي كانت من وراء صناعة هذه الحضارة، فالعقائد والأخلاق والسلوك كلما اقتربت من المعايير العلمية والمنطقية، صارت أقرب من المدنية التي هي مرادف الحضارة عند البعض، وإذا أنتجت التصحر والعقم المعرفي، كانت بداوة ورجعية وتخلفا، فالحضارة نتاج إنساني يعبر عن وحدة المنشأ، وتكامل الأدوار، وهي متداخلة فيما بينها، ومتكاملة في حلقاتها، لا يلغي اللاحق منها السابق، ولا يميت البعض منها الآخر، وإن تباعدت الأقطار، وتفاوتت الأزمان.
وقد عرفها بعضهم بأنها نمط في الحياة المستقرة ينشيء القرى والأمصار ويضفي علي حياة أصحابه فنونا منتظمة من العيش والعمل والاجتماع والعلم والصناعة وإدارة شؤون الحكم وترتيب وسائل الراحة وأسباب الرفاهية . وهذا تعريف للحضارة وأثارها العامة وليس تعريفا دقيقا يحدد معناها.
ومن العلماء من عرفها بأنها كل ما ينشئه الإنسان في كل ما يتصل بمختلف جوانب نشاطه ومعانيه عقلا وخلقا (الفكري والمادي ) او بإصلاح آخر الروحي والمادي .
وبعض الباحثين يري أن الحضارة الحقة هي التي تطلب إلي الإنسان في مظاهر الحياة كافة أن يتذكر الله سبحانه وتعالي ويتذكر نظرته هو بحيث يستطيع أداء دور خليفة الله وهو الدور الذي وجد فيه علي هذه الأرض .
وآخر يري أن الحضارة مجموعة المباديء والأفكار والأصول والتربية التي تثمر لونا من ألوان الحياة الاجتماعية بمقوماتها المختلفة .
وربما كان معناها العام أيضا طريقة الإنسان في الحياة أو مجموعة أفكاره عنها ونعني بالحياة الأعمال اليومية التي يمارسها الإنسان في معيشته ففكرته عنها ونظريته إليها يكيف سلوكه فيها ويحدد طريقة تصرفه في أعماله .
نري من هذه التعريفات إن معني الحضارة قائم عند المفكرين لكنهم يختلفون في توسيع معناه أو في تضييقه وبعبارة أخري هو ضبابي عند البعض منهم الذي جعله يشمل الأفكار والعقائد وما ينتج عنها من نتائج مادية ، فهناك من يري ان الحضارة لها جسم وروح ، جسمها يتمثل في منجزاتها . بمادية كالمخترعات والمصانع والطائرات والأسلحة والأبنية وغيرها ، وروحها يتمثل في مجموعة العقائد والمفاهيم والقيم والآداب والتقاليد التي تتجسد في سلوك الأفراد والجماعات ، وبهذا يتقارب في المفهوم مع (غوستاف لوبون) الذي يري أن الحضارة تشمل العقائد كما تشمل المنجزات العلمية والمادية معا.
ونكاد نتفق مع المستشرق الإنكليزي (ارنولد توينبي ) الذي يري أن معني الحضارة بمعناها المتخصص يقتصر علي وجهة نظر الإنسان عن الحياة ، وهذا هو الذي ينسجم مع تعريف الحضارة الإسلامية التي يمكن أن تكون مجموعة الأفكار والمفاهيم الإسلامية عن الإنسان والحياة والكون ، وهي بهذا تحدد سلوك الإنسان وطريقته في الحياة ونمط معيشته وتعامله مع الكائنات المحيطة به .
وهذا يجرنا إلي تبيان أن الأشكال المادية هي المدنية تنتج عن الحضارة أو العلم ، فبناء البيوت والقصور شكل من إشكال المدنية الناتجة عن الحضارة من حيث أنها مع مفهوم أي حضارة ، وقد راعي المسلمون في حضارتهم الإسلامية أن توجه البيوت نحو الكعبة التي هي قبلة المسلمين بينما نجد أن صنع المنتجات الطبية والأثاث والسيارات والطائرات والآلات وغيرها أشكال مدنية ناتجة عن العلم .
فالحضارة خاصة والعلم عام وقد كان العلم يطلق علي كل معرفة أي كان نوعها ولونها ثم أصبح يفيد المعرفة التي تستفيد من الملاحظة والتجربة والاستنباط كعلم الهندسة والطب والكيمياء وهو التحديد الدقيق لكلمة العلم لكنها قد تطلق علي المعارف الشرعية والقانون والتاريخ والآداب والفلسفة وغيرها من باب التجاوز والتوسع في المعني.
العلاقة بين الثقافة والحضارة
صحيح أن الثقافة ليست هي الحضارة، ولكنها العنصر الهام في عملية البناء الحضاري، فبمقدار شمولية الثقافة وتوازنها واستقرارها وصحة متبنياتها يرتفع عمود الحضارة، وتترسخ أركانها في المجتمع.
وليس لقوة مهما بلغت أن تهزم أو تهدم حضارة قائمة على ثقافة صحيحة سليمة جامعة.
وكما أن الثقافة هي الركن الأساسي لبناء الحضارة فان البنيان الحضاري بعد أن يقوم يلقي بظلاله على الثقافة بحيث يمكن اعتبار الحضارة القائمة رافداً جديداً من روافد الثقافة المستقبلية، وتقوم علاقة نمو متبادل مضطرد بين الثقافة والحضارة.
وما يقال عن الحضارة والعلاقة المتبادلة بينها وبين الثقافة يقال عن المدنية التي هي وليدة الحضارة ومظهرها الواقعي العملي.
من المهم أن نشير هنا إلى أن هنالك من يسوي بين الثقافة والحضارة ويجعلهما مفهوماً واحداً، ومن اشهر هؤلاء تايلور في القرن الماضي.
وهنالك من يفرق بينهما إما على أساس أن الثقافة تشير إلى ما هو عقلي في حين تشير الحضارة إلى ما هو مادي أو بالعكس على أساس أن الثقافة تعني المظاهر المادية للحضارة كالتقنية والصناعة وأن الحضارة تعني المظاهر الأدبية والفلسفية والعقلية.
وعلى سبيل المثال فان المفكرين الأوروبيين في عصر النهضة ـ ولا سيما الألمان منهم ـ يقصرون الحضارة على الإنجازات التقنية والمعرفة العلمية الموضوعية التي يمكن أن تقاس قياساً كمياً، في حين يرون أن الثقافة تشير إلى المعرفة الذاتية غير الوصفية ذات الأحكام التقويمية كالديانات والاعتقادات والأخلاق والفلسفة والآداب والفنون. والحقيقة أن الثقافة والحضارة متداخلتان إلى ما دون التساوي ومتمايزتان دون تباعد.
إذن هل نشجع الغزو الثقافي أم تفاعل الثقافات؟؟؟؟؟
لا يمكن وضع سقف للتقدم الثقافي في عالم سريع التطور، دائم التغير والتبدل بل والتحول.إن وضع سقف لثقافة أمة يعني وقف نمو الأمة، والإخلال بشروط بقائها ونمائها، وبالتالي بداية شوط السقوط والموت.
ولكي تبقى الثقافة في حالة نمو، لابد من انفتاح الثقافات المتنوعة المتباينة على بعضها، الانفتاح الذي يسمح بالفعل والانفعال من أجل الإطلال على آفاق جديدة من عوامل الثقافة ومكوناتها. لكن ذلك مشروط بالانفتاح الحر الذي يتيح التفاعل الطبيعي الحر دون قسر أو ضغط أو إلجاء ليتم في بوتقة التفاعل، فعل الثقافة الأصح والأكمل والأشمل بالثقافات الأقل صحة وكمالاً وشمولاً. أو لنقل لتجتذب كل ثقافة ما تحتاج لكمالها وشمولها من الثقافات المنفتحة عليها بشكل حر يشبه انتقال السوائل في الأواني المستطرقة، ولا أقول يشبه التفاعل بين السخونة والبرودة، بحيث يبرد الساخن ويسخن البارد حتى تتساوى درجة الحرارة في السائلين المتجاورين.
إن هذا التفاعل الحر ـ الذي ينطوي على الفعل والانفعال ـ قد يؤدي إلى الوصول إلى ثقافة عالمية باتت ملامحها شبه واضحة، يتوحد عليها البشر في يوم من الأيام مهما طال انتظاره.من هنا دعونا نطل على ما يسمى بالغزو الثقافي الذي يقابله الانهزام الثقافي.إن كل الثقافات الإقليمية والقومية والعرقية قابلة لأن تمارس الغزو الثقافي أو أن تقع فريسة له بسبب الانهزام الثقافي.
والانهزام الثقافي في هذه الحال إما داخلي ذاتي أو لغزو ثقافي خارجي.أما عندما تكون الثقافة إنسانية عالمية فلا ينطبق على تحولاتها عنوان الانهزام الثقافي، كما لا يمكن أن يوصم أثرها في الثقافات القومية بالغزو الثقافي، بل إنه التفاعل الثقافي فعلاً وانفعالاً.
لا ينكر هنا أن القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية والإعلامية قد تساند ثقافة ما فتصمد لوقت أطول أو ربما تفرض على الشعوب بالقوة والقهر، لكن ذلك لن يدوم طويلاً، فكم من أمة مهزومة عسكرياً استطاعت أن تهزم مستعمريها ثقافياً، وما زالت ماثلة في الأذهان حالة التتار والمغول الذين اكتسحوا العالم الإسلامي عسكرياً ليجدوا أن الإسلام قد اكتسحهم ثقافياً، ولم يترك أمامهم أي مجال سوى تبني ثقافته واعتناق عقيدته وتمثل قيمه الإنسانية العليا، فاستسلموا لذلك دون مقاومة.
إن الشعوب التي يخفت في أعماقها ووجدانها صوت ثقافتها، وتنبهر أبصارها بوهج بريق ثقافة الغير، لابد أن تنهزم أمام الغير وأمام ثقافته، وانهزام الشعوب ليس بالضرورة انهزاما للثقافة التي كانت تحملها، فالثقافة القائمة على أسس سليمة وأركان صحيحة لا تنهزم لا في السلم ولا في الحرب، وإن كمنت إلى حين تحت ضغط عوامل خارجية طارئة ومؤقتة.
أما الثقافات الأخرى التي لا تملك مثل هذه الشروط والمقومات، فإنها سرعان ما تنهزم وتؤول إلى الزوال، مهما لمع بريقها في حين من الأحيان، ومهما روجت لها الأنظمة القوية المسيطرة عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، فالحق لابد أن يسود والباطل لابد أن يمحى من الوجود.
لا يمكن بحال تناول موضوع الثقافة والحضارة دون أن نتناول موضوع العلم وعلاقته بهما؟
والفرق بين العلم والثقافة أن العلم عام لكل امة فهو ليس حكرا علي امة من الأمم أو مختصا بأناس دون غيرهم فهو للناس كافة تأخذه امة عن أخري ، فالاختراعات العلمية والاكتشافات في الصناعة والأسلحة والأبحاث العلمية تنقل من بلد لآخر ومن امة لأخري فإذا اخضع هذا العلم لوجهة نظر معينة أو لمصلحة امة أو دولة أصبح ثقافة خاصة لتلك الدولة أو الأمة لكن الثقافة تبقي خاصة فلكل امة أو شعب ثقافته التي يعتز بها لأنها متصلة بوجهة نظره في الحياة ، فللمسلم ثقافته الإسلامية وللأمريكي ثقافته الأمريكية وللإنكليزي ثقافته الإنكليزية وللفرنسي ثقافته الفرنسية وللروسي ثقافته الروسية وللصيني ثقافته الصينية وهكذا ،ومن هنا نجد حرص الدول المختلفة علي نشر ثقافتها وان يكون لهذا كينونة سياسية كالكومنولث والفرانكفونية والدول الناطقة بالأسبانية والدول الناطقة بالبرتغالية وغيرها .
وقد أحدث عدم التفريق بين العلم والثقافة والحضارة بلبلة في عقول الناس إذ تعددت ثقافاتهم كل بحسب نشأته ، وكما أدي التباس فهم العلم والثقافة لدي الكثيرين اليوم فلم يعرفوا ما يأخذون وما يدعون ، أدي عدم فهمهم للحضارة والمدنية الناشئة عنها أو المدنية الناشئة عن العلم والصناعة إلي اضطراب حياتهم وفوضي مسالكهم إذ انطلقوا في الاقتباس دون تفريق بين غث وسمين فالحضارة هي مجموع مفاهيم الإنسان عن الحياة وهي التي تعين طريقه في الحياة ولان المدنية هي الأشكال المادية المحسوسة التي تستعمل في شؤون الحياة ، والحضارة والثقافة لا تكونان إلا خاصتين ، والمدنية تكون خاصة وعامة ، خاصة إذا كانت ناتجة عن حضارة ، وعامة إذا كانت ناتجة عن علم وصناعة لان العلم والصناعة عالميان .
أرجو أن أكون أوضحت لكم فى مداخلة متواضعة ما يمكن ان يكون موضع التباس للتعريفات المزكورة .
فى النهاية....شكرا لكم جميعا
شذى الوردة ينتظر أى سؤال.
د. نجلاء طمان
ريمة الخاني
21-07-2007, 08:11 PM
السلام عليكم
اخي العزيز ابو بكر استمعت جدا جدا بمقالتك فانا معك اتقاطع تقريبا بمبداي....
واستمتعت بمداخلات الاخوة الافاضل:
السمان
-والحلاوجي
واختي د.نجلاء
ولم يعد عندي مااضيف امام ماطرح سوى
مهما طرحنا سواء علم او عمل او ادب او ثقافه
هل استطعنا تنقية المفاهيم ..وحمايتها من شوائب كثيرة نراها اليوم بالم؟
لامجال لطرحها هنا فالامر بات واضحا
وكذلك
هل فعلا نملك الجراة في ترجمة مايجب ان نقول وندافع عنه سلوكا وتطبيقا ولو ضعف؟
ام سننتظر قراءا ويبقى قولا على قول؟
لنكن اقويا ء كفايه ويكفينا شرف المحاولات
تحية وتقدير لكم جميعا
لي عودة
أبوبكر سليمان الزوي
21-07-2007, 11:48 PM
الأخت الكريمة العزيزة ريمة الخاني ..
نتشرف كثيراً بانضمانك لنا ..
تعلمين أن مثل هذه الحوارات الحرة والقاعات الكبيرة للأجتماع .. لم تكن آلياتها اليوم - موجودة بالأمس .
وما أن أُتيح لنا المجال لإيصال أصواتنا وأفكارنا حتى انتهزنا الفرص وبدأنا في فضح ما نراه سبباً في تخلفنا ، وشرح ما نراه سبيلاً لنهوضنا ..
ولا شك أن الأمانة الأخلاقية تـُحتم علينا مطابقة العمل للقول .. وهذا ما أقرأه جلياً في مشاركات الزملاء والأساتذة الكرام .
وما بداية هذا الحوار الثقافي الجاد الصريح العميق دون اتفاق مُسبق .. إلا دليل على صدق النوايا في محاولة للاتفاق على مفاهيم أساسية في حياتنا ..
مفاهيم .. كان كلٌ منا يعتقد أن رؤيته لها توافق رؤى الجميع .! وإذا بنا نتحاور على ما كنا نعـدها مسلمات ..
وإني أرى أن البداية من الأساس لتصحيح المفاهيم .. ونشر ما نتفق عليه - في ساحات الفكر العربي .. لهي البداية الصحيحة ..
فأنا وغيري كثير .. نعتقد جازمين أن الخلل لدينا هو خلل ثقافي وفكري بالأساس ..
وإني أرى وبكل وضوح أن تعداد العرب الأحياء لا يتعدى ( 3-ملايين) نسمة ؛ وأن المسلمين المؤمنين منهم لا يتعدى تعدادهم المليون الواحد .
وهذه الملايين الثلاثة مشتتة بين (300-مليون نسمة) وهو العدد الافتراضي للعرب المسلمين .
ولذلك فإني أرى أن البداية يجب أن تكون بفرز الأحياء عن الأموات ، ثم البدء بإيجاد السبل والآليات لبث الحياة في الأموات الذين يثقلون كاهل الأحياء .
أختي العزيزة .. الكل ينتقد ويستنهض الأمة وهي كسيحة .. حتى اعتادت على نداءات الاستغاثة ولم تعد تحرك فيها ساكناً .
أختي العزيزة .. إن الفقير المعدم .. ميّـتٌ . وفاقد الكرامة .. ميت . والجاهل .. ميت . وجُلُّ من لا يقرؤون ولا يكتبون .. موتى .
وباستنهاضنا لهممهم .. فإننا كمن يطلب من الفقير التصدق على المسكين ؛ ويطلب من الضعيف إغاثة الملهوف ؛ ويطلب من العجزة فك أسر الأسرى والمساجين .
أختي العزيزة .. ما دمت تؤدين رسالة إنسانية بدافع من ضمير- ولا تنتظرين أجراً من بشر ..
فاعلمي أنك قد اهتديت السبيل ؛ فلا تستعجلي النتائج -فالأمور بمقادير ؛ ولا تـُملـّكي اليأس شبراً في حياتك .. فهو لا يستحق منك ذلك ..
ونحن ننتظر منك الدعم ومواصلة المسير والصبر المرير - فالواقع أمـرّ . هكذا كانت بداية من سبقونا إلى المجد - فلا مفـر .
فقـَدَرُنـَا أن نبدأ نهضتنا من الصفر .. والبشرية تقترب من نهاية الدهـر ..
فأهلاً بكِ معنا .. وثقي تماماً أنه لدينا ما نقول .. ونعلم أن ما نقوله سيفعل فعله ..
عندما قرأت مشاركتكِ المؤثرة .. كنت بصدد إعداد رد على مشاركة الأستاذة الدكتورة .. نجلاء .. .. وهو كذلك شبه جاهز - واعتذر منها على التأخير قليلاً ..
تحياتي الصادقة .. للأوفياء
أبوبكر سليمان الزوي
22-07-2007, 07:45 PM
الأخت الفاضلة .. الأستاذة الدكتورة \ نجلاء طمان .. تحية صادقة
أهلاً بعودتك ومرحباً .. وأنتِ في حلٍ من الاعتذار عن التأخير .. وأهلاً بالأخت ريمة الخاني التي انضمّت لحوارنا الحر الجريء .. حيث محاولة الاتفاق على المفاهيم الأساسية للبعد الفكري الفلسفي في الأداء البشري - من أجل فهم ما يدور حول- و داخل - عالمنا العربي الإسلامي - النائم بعضه .. والتائه بعضه الآخر .. والحائر المغلوب على أمره- ما تبقى من إنسانه ..!
هذه المحاولة التي كان لأستاذنا الدكتور \ محمد حسن السمان ؛ والأستاذ الحبيب \ خليل حلاوجي ؛ والدكتورة الفاضلة \ نجلاء طمان .. كان لهم شرف انطلاقتها ؛ وأتمنى أن يحظى استمرارها باهتمام الجميع .!
أما التساؤلات فهي كثيرة .. سأختصرها قدر الإمكان ، وسأتناول كل ما تعرضت له الدكتورة في مداخلتها ..
أولاً الحضارة .. قد أسهبت- الدكتورة نجلاء - في تعريف الحضارة ووصفها ، فكانت كريمة مع القـارئ . وأتفق معها تماماً في أن مثل هذه المفاهيم لها تعريفات متعددة تتسع وتضيق ..
ولكني أُصـرُّ على أن كل التعريفات يجب أن تتحد في الاتجاه الذي سيذهب له خيال القارئ عند قراءة أيٍ منها . حيث أنها تعريفات متعددة - ولكنها تصف وتـُشير إلى ذات المُعـرّف .
وأختلف هنا مع ربط الحضارة بالمسميات والتعاليم الدينية .. ولذلك فأنا أختلف مع ما استدلت به ( الدكتورة )- مع التذكير بأنها قالت نكاد نتفق- ولم تقل نتفق بالمطلق- ولكنه استدلال على كل حال ..
حيث قالت ..( ونكاد نتفق مع المستشرق الإنكليزي (ارنولد توينبي ) الذي يري أن معني الحضارة بمعناها المتخصص يقتصر علي وجهة نظر الإنسان عن الحياة ، وهذا هو الذي ينسجم مع تعريف الحضارة الإسلامية التي يمكن أن تكون مجموعة الأفكار والمفاهيم الإسلامية عن الإنسان والحياة والكون ، وهي بهذا تحدد سلوك الإنسان وطريقته في الحياة ونمط معيشته وتعامله مع الكائنات المحيطة به . ) ..
أوجه الاختلاف : قد اختلف ابتداءً مع الدكتورة في قراءتها لرؤية المستشرق .. حيث أنه يقول بوضوح أن ( معنى الحضارة هو وجهة نظر الإنسان عن الحياة ) ؛ بينما ترجمتها الدكتورة على أنها تـُعادل من حيث التعريف - المفاهيم الإسلامية التي تـُحـدّد للإنسان سلوكه ونمط معيشته وطريقته في الحياة ( أي التي تـُجبـره على نمط معين من الحياة ) .. فهي إذن في الحالة الإسلامية - إجبارية وإن كانت إيجابية .. وبالتالي فهي لا تعبر عن وجهة نظر الإنسان للحياة ؛ ولم تنشأ بسبب رشاد فكـره ونمط ثقافته وتفاعلاته المجتمعية البشرية .
وجه الاختلاف الثاني .. هو أني أرى الحضارة شأناً ونجاحاً- فكرياً بشرياً محضاً ، وهي ليست سوى الدرجة المطلوبة لحياة الإنسان الدنيوية- لتكون أشبه بالحياة المنطقية المثالية ( الأخروية عند المؤمنين ).
أما المعتقد الديني فهو شأن شخصي فردي ينعكس على سلوكيات الإنسان بقدر التزامه الحقيقي به – وليس بقدر التزامه الثقافي به ..
فأنا أرى أن مبادئ المجتمع وأعرافه التي تفرضها بيئته وإمكاناته- تفرض التزاماً ثقافياً على الإنسان- في شكل سلوكيات مُلْـزمة ضرورية لحياة الجماعة- بحكم العقاب والثواب الفوريين - أكثر بكثير مما يفرضه الالتزام الديني – الشخصي- الفردي .
لأن الالتزام وعدم الالتزام الثقافي - يكون ظاهراً للعيان ويؤثر على الآخرين ؛ ولا يمكن التظاهر به والعمل بنقيضه - الأمـر الذي يمكن حصوله في حال الالتزام الديني .
ولذلك فإن الثقافة توجب على الإنسان التفاعل الاجتماعي من خلالها ؛ أو الالتزام الصامت بها ، أو اعتزال المجتمع ، أو التطرف والمواجهة .!
وليس ما نراه اليوم من تطرف وعنف- بطابع إسلامي- إلا نتيجة مؤكدة صارخة للانحراف الفكري الناتج عن دمج المعتقد الديني الملزم للأفراد - بالثقافة البشرية التي تقود حركة وعلاقة المجتمعات .
فالحضارة أياً كان موقعها الجغرافي والتاريخي - فإن الثقافات المتعددة لا تختلف في وصفها ومدحها للحضارة-على أنها هدف قياسي حققه الفكر البشري- ويمكن الاقتداء به أو منافسته ...
ولا يتحقق هذا الوصف وهذا المدح والإجماع حول الحضارة البشرية ولا تـُحتسب نتائجها نجاحاً لصالح الفكر البشري- في حال أنها نشأت على أساس المعتقد الديني والتعاليم الدينية .. إلا تحت مسميات أخـرى ..
كأن يُـقال أن الفكر البشري الأرضي في مجتمع ما - نجح في الإجماع والاتفاق على الامتثال لتعاليم السماء .. وهذا من المستحيلات ..
لأن ذلك يعني وصول الإنسان إلى درجة يشبه عندها الملائكة في التزامها الديني وعلاقتها بالخالق ؛ وإن حدث ذلك فلن يكون لفكـر الإنسان دور ولا فضل فيه .
وقد يكون في قصة أبينا آدم وأمنا حواء- عليهما السلام .. مع الشجرة .. مثالٌ مُبسّط ٌ ومؤكدٌ ؛ حيث أمرهما المعتقد الديني باجتنابها والاستقرار في الجنة- والتي هي أنسب الأماكن لبناء حضارة تقوم على معتقد ديني .. ؛ بينما قادهما فكرهما البشري إلى محاولة بناء الحضارة التي تناسبهما وتنبع من أفكارهما البشرية .
كما أن المنطق يقول أن الحضارة لا تزول إلا بخطأ أساسي في بنائها ،أو بزوال أو نضوب مصادرها الفكرية ووصول نظرياتها الثقافية المُـؤسِسَةِ لها إلى طريق مسدود- وفشلها في الحفاظ على استقرار المجتمع ، وفشل ثقافتها في التواصل مع بقية الثقافات ؛ أو أن تلك الحضارة كانت مفروضة ومرفوضة عند الإنسان في مجتمعها ، ولم تصل به إلى المرحلة التي تستحق معها لقب الحضارة الإنسانية- في فكره .. فلم يتذوق المجتمع طعمها ، ولم توفر الحضارة بذلك - لنفسها آليات الاستمرار والاستقرار- وبالتالي تفشل الحضارة في القدرة على البقاء ..
حيث أن الاستقرار الذي يولـّد تناغماً وتكاملاً بين مكونات المجتمع يُـعـدُّ الأساس الذي تقوم عليه الحضارة .
والاستقرار بهذا المعنى يُـعـدُّ الثمرة الأساسية للثقافة الرشيدة القويمة لأي مجتمع .
وبالتالي .. فأنا أنظر إلى مسمى ومفهوم الحضارة البشرية- بمعزل عن المسميات والتعاليم الدينية- كما هو الحال كذلك مع مفاهيم الثقافة والمدنية والعلم – مثلاً .
فلو جاز لنا أن نقول حضارة إسلامية وثقافة إسلامية .. فمعنى ذلك أن الإسلام هو المصدر الفكري لتلك الثقافة ، وهو عامل الاستقرار الذي أَسَّسَ لقيام تلك الحضارة ..
ومن هنا تبرز إحدى الإشكاليات الأدبية والفكرية .. فعلمنا وإيماننا بأن الإسلام دين سماوي ، وبأن القرآن هو مصدر تشريعاته وتعاليمه .. وأن هذا القرآن ثابت محفوظ لم يطله تغيير ..
ذلك يعني أن النتيجة كان يجب أن تكون استمرار تلك الثقافة ومن ثم استقرار المجتمع واستمرار بقاء ونمو تلك الحضارة .
وعندما نقول أنه يوجد الآن كيان معنوي يُسمى الثقافة الإسلامية ، ونقول مع ذلك بأن حضارة إسلامية قد ظهرت في مرحلة تاريخية ؛ ثم تراجعت ولم تعد موجودة عمليا ..
فكأنما نقول أن الحضارة لا علاقة لها بالثقافة .. أو نقول قد زالت الحضارة وبقيت الثقافة التي أنتجت تلك الحضارة .
تقول الدكتورة .. نجلاء .. ( وقد راعي المسلمون في حضارتهم الإسلامية أن توجه البيوت نحو الكعبة التي هي قبلة المسلمين ) ... ؛ وتقول ( وليس لقوة مهما بلغت أن تهزم أو تهدم حضارة قائمة على ثقافة صحيحة سليمة جامعة. ) ..
والسؤال .. لماذا هُـزمت وهُـدمت الحضارة الإسلامية ، القائمة على الثقافة الإسلامية .. إذن ..؟ .. هل كانت الثقافة إسلامية - ولكن ليست صحيحة .. وهل يجوز القول بهذا ..!
الجواب من وجهة نظري لن يكون سوى أحد ثلاثة احتمالات .. إما أنه لم تقم حضارة إسلامية – أصلاً . أو أنها لم تقم على ثقافة إسلامية .
أو أنه لا يوجد شيء اسمه حضارة إسلامية أو ثقافة إسلامية .. وهذا ما أراه وأقول به .
أتفق تماماً مع الدكتورة .. نجلاء .. حين تقول ( الحضارة خاصة والعلم عام ) .. إلا أني أرى أن الدين عام أيضاً شأنه شأن العلم . لا سيما ديننا الإسلامي- حيث أنه خاتم الأديان ، ونبيه مبعوث للناس كافة .
ومن هنا فإنه إذا حق لنا أن نقول – حضارة إسلامية – فإنه يمكننا كذلك أن نقول حضارة علمية .
وأنا أقول .. أن ثقافة عربية عامة - ضعيفة المادة الفكرية - لا تصلح لقيام حضارة- كانت قد قامت في مرحلة تاريخية سابقة .. على أنقاض الجاهلية العربية -القبلية - التي هدمها الإسلام .
ثم قامت على حسابها (على أنقاضها)- ثقافات عروبية مناطقية محلية لم تفلح حتى في إقامة دولة- ناهيك عن بناء حضارة .
القادم .. تكملة المشاركة : الحضارة والمسلمون والإسلام .. ومعادلة الحضارة والثقافة والمدنية ..
التكملة ستأتي حـالاً .. أشكركم ..
ريمة الخاني
22-07-2007, 08:54 PM
استاذي اتمنى لهذه النخبه ان تتحدى الصعاب وتبقى تجاهر بصوتها الجريح وهذا مااحالو فعله مع كل مخلص
نامل عون الله
وتحية من القلب
أبوبكر سليمان الزوي
23-07-2007, 01:45 AM
تكملة المشاركة السابقة : الحضارة والمسلمون والعرب والإسلام .. ومعادلة الحضارة والثقافة والمدنية ..
العلاقة بين الحضارة والثقافة .. تقول الدكتورة .. نجلاء .. (من المهم أن نشير هنا إلى أن هنالك من يسوي بين الثقافة والحضارة ويجعلهما مفهوماً واحداً، ومن اشهر هؤلاء تايلور في القرن الماضي. ) ..
وهنا أستطيع أن أرى الفرق واضح .. بين الحضارة والثقافة – وأظن الدكتورة – توافقني الرأي بغض النظر عما قيل في القرن الماضي ..
حيث أن مصطلح الثقافة .. مستنبطٌ من الفعل – ثـَقـُفَ و ثـَقِـفَ و ثـَقـّفَ و ثـَقـَفَ .. وهي على التوالي .. صار حاذقاً ، و أدرك ، و علـّم وهذّب وقوّم ، و فاز في الحذق والمهارة .
ومن هنا ، ومن خلال ما يستحضره خيال الإنسان والاتجاه الذي يذهب له الفكر عند سماع أو عند استعمال مصطلح الثقافة .. فإنها في أبسط معانيها تـُشير إلى ما يقوله الإنسان عن نفسه ، وما يعلمه عن غيره ، وما يود أن يقوله وأن يعلمه عنه غيره ، وما يود فعله ، وما يدعيه ، وما يسعى إليه .
أي أن الثقافة .. هي التخطيط لمتطلبات الحياة ومحاولة التنفيذ بغض النظر عن طبيعة الهدف ، سلباً وإيجاباً ، وبغض النظر عن الفلاح أو الفشل .
في حين أن مصطلح الحضارة .. مشتق من الحَضَر وهم أهل المدن - نقيض البدو ، أو التحضّر نقيض البداوة ، والتحضّر بمعنى التجهّـز ، والتحضّر بمعنى الرفعة في الذوق والتفكير والتصرّف . والحضور بمعنى التواجد ، والحاضر بمعنى الشاهد .
ولذلك فإن مدلول الحضارة الذي يذهب له خيال الإنسان عند استعمال أو سماع مصطلح الحضارة .. نجده يُشير إلى الرقي والعلو والشموخ الفكري وبلوغ الأهداف الإنسانية بالطرق والوسائل العلمية والأخلاقية .
ومن هنا فإن الحضارة .. تعني ما يُحققه المجتمع لأفراده بواسطة حسن تفكيرهم- من سعادة واستقرار- بحيث يراه الآخرون ويشهدوا به .
أي أن الثقافة هي ما يقوله الإنسان عن نفسه وما يفعله ؛ والحضارة هي ما يراه عليه الآخرون ويشهدوا له بالتفوق الإيجابي الذي تقبله الفطرة السليمة ويتمناه ويسعى له الجميع .
وما من شك في أن الثقافة هي وصف للمجتمعات- موجود في كل الأزمان . وأن الحضارة هي هدف عظيم نبيل تحققه بعض المجتمعات في بعض الأزمنة .
وقبل الخوض في مفهوم الغزو الثقافي وتفاعل الثقافات .. أحب أن أذكر الآتي عن صناعة الثقافة وتطورها ..
فأقول أن حُـذاق ورموز المجتمع والمتمردين على بعض أعرافه وواقعهم - هم الذين ينسفون قواعد ثقافته أو يُثـبّـتوها بالشكل واللون الذي يريدون ، وهم أنفسهم الذين يضعون أحجار الزوايا للمعالم الجديدة التي تضاف للثقافة .. ويقودون بها المجتمع وفق رؤاهم .. مستعملين أدوات البيئة ولغتها .
و أن دهماء المجتمع ورعاعه هـم الذين تـُغريهم أو تـُقنعهم أو تخدعهم وأحياناً تـُجبرهم تلك المعالم الثقافية-على رفع الأيادي تأييداً لها- بسبب سطحية فهمهم لرسالتهم ومكانتهم في الحياة ؛ فيُعطون المستجدات أو التغيرات الثقافية- سواء أكانت إضافة أو حذفاً- سلبية أو إيجابية – يعطوها شرعية الحياة والبقاء بأصواتهم العددية لا الفكرية - حسب توافقها مع قدراتهم ومتطلباتهم المادية والمعنوية بما يتماشى مع بيئتهم . وتـُحسب النتيجة على المجتمع كله .
وأن المثقفين هم أولئك الموهوبون الحائزون على كمٍ هائل من المعرفة والدراية بثقافات متعددة ، والقادرون على استحضارها بدقة وبأدلة وفهم - متى دعت الحاجة للاستدلال بها ؛ والمهيئون لبلوغ آفاق معرفية رحبة داخل بيئتهم وخارجها من تجارب ونظريات الآخرين .. مما أوجد لديهم خبرات متنوعة وتجارب عملية وبدائل معرفية في قوالب فكرية جاهزة يقيسون عليها ويحكمون بنتائج المقارنات على صلاح الأمور والآراء والنظريات - من فسادها ..
أما المفكرون فهم أشخاص- أفراد- وجدوا أنفسهم مفكرين ، وهم قلة عادة ؛ وهم لا يبذلون جهداً كبيراً في بلـوَرَة أفكارهم التي تخاطب عقل وضمير الإنسان بغض النظر عن بيئته وثقافته .
والمفكرون تكفيهم قراءة العناوين ورؤوس الأقلام لمن - ولما - حولهم ، وكأن أصول الأمور ونظرياتها موجودة أصلاً في ذاكراتهم وبالصورة الصحيحة ، ولا يؤخر ظهورها سوى أوان الحاجة لها ؛ أو توافر البيئة المناسبة لظهورها - مكاناً وزماناً وسُـبُلاً .
ويمتلك المفكرون آليات ومضادات فكرية طبيعية ومُـرشـّحات منطقية فطرية - تحـول دون ولوج سلبيات ومفاسد الثقافات إلى مراكز الصناعة الفكرية لديهم .
فترى ثقافة المجتمع المغلوطة الملوثة الموجهة عمداً باتجاهات خاطئة لخدمة مصالح ورؤى البعض - تراها تحيط بهم ، وتجدهم يُبصرون من خلالها ، فلا تشير رؤاهم غالباً إلا لما يجب أن يكون .
والآن يمكنني أن أقول ..
- أن ما ينقصنا هو الإنسان المفتخر بثقافته لأنها سليمة – وليس لأنها ثقافته – فحسب .
- وما نحتاجه هي الثقافة التي نستطيع الاجتماع حولها والإجماع على صوابها – لنستطيع الدفاع عنها .
- ما نفتقده هي الثقافة التي تسمح لنا بقبول الآخر ؛ ولا تـُهمّـش أفكارنا ؛ ولا تفرض علينا مواقف مسبقة من الآخرين .
- ما يعوزنا هي الثقة في النفس وفهم الذات - حتى نتمكن من انتقاد عيوب ثقافتنا من أجل إصلاحها ؛ والاعتراف للآخرين بصواب ثقافتهم عندما يُثبتها لنا الواقع .
وحقيقة أنا لا أفهم .. معنى أن للمسلم ثقافته الإسلامية ، وللأمريكي ثقافته الأمريكية .. الخ
فماذا عن الأمريكي المسلم ، وماذا عن المسلم الإيراني الشيعي ، وماذا عن الباكستاني .. الخ
فعندما نجد المسلم الأمريكي الذي لا يكذب ولا يسرق ولا يزني .. فهل ذلك لأن ثقافته إسلامية أم لأنها أمريكية ..!
وعندما نجد المسلم العربي الكاذب السارق الزاني .. هل ذلك بسبب ثقافته الإسلامية أم العربية ..!
وعندما نجد المسلمين - السني والشيعي – يُكفـّران بعضهما ، ويستحلان دماءهما .. فهل ذلك مرده للثقافة الإسلامية ، أم للثقافة العربية أم للثقافة الفارسية ..!
وعندما نرى المواطن التركي المسلم .. يتظاهر من أجل الإبقاء على النظام العلماني ، ويسعى من أجل الانضمام إلى الاتحاد الأوربي المسيحي .. فهل ذلك بسبب ثقافته التركية العلمانية التي لم تبلغ قرناً من الزمان – أم بسبب ثقافته الإسلامية التي كان بفضلها خليفة لكل المسلمين لأكثر من أربعة قرون ..!
أم أن الدين الإسلامي لكافة الناس وليس حكراً على أمة دون غيرها – وتأخذه الشعوب كما الأفراد حسب قناعاتهم وحسب بيئاتهم وحسب هداية الخالق لهم ..!
وأن وجود الملايين من المسلمين في بلاد غير مسلمة – واختلاف ثقافاتهم وقناعاتهم ومبادئهم ونمط حياتهم – عن أبناء جلدتهم في ديارهم الأصلية – هو دليل على أن الثقافة هي صفات وقناعات بشرية ينبغي عدم نسبتها إلى الدين ..!
وأن دور الدين يتجلى في تهذيب سلوك الإنسان وأخلاقه بقدر التزامه الحقيقي به ..!
وأن المسلم العاصي والمنحرف والإرهابي – وهم كثير - يجب ألا يُحسب على الإسلام ثقافياً ، وإنما يُحسب على ثقافة بيئته ومجتمعه – عربياً كان أو فارسياً ، أو .. !
وأن الدين شأنه شأن العلم .. هو هبة من الخالق لمن ثقفه وأدرك بعده الإيماني وأسراره الفكرية ، وفرض عين على من استلم كتابه بلغته – بغض النظر عن الثقافة والجغرافيا ..!
وأن دور العرب يتمثل في إيصال رسالة الإسلام ، وضرب المثل الأعلى في الالتزام بتعاليمه – ليقتدي بهم الآخرون ..
على أن لا ننسى أن العرب يبقون بشر .. ويظل الإسلام ديناً مقدساً .. لا يتحمل وزر إخفاقات ثقافة وفكر العرب .
أما المغالطة الكبرى التي يقع فيها الكثيرون .. فهي ظلمهم للمواطن العربي المسلم واتهامهم له بالتبعية الثقافية والفكرية – وذلك عندما يُبدي إعجابه بالحضارة الغربية وإنجازاتها العلمية العظيمة والعدل والاستقرار والأمن والأمان التي وفرتها تلك الحضارة للمواطن الغربي . والتي لا تحتمل التشكيك – إلا مكابرةً . والتي لا علاقة للحديث عنها بالثقافة .. إلا إذا كانت ثقافة المواطن العربي المسلم يجب أن تمنعه من التعبير عما يراه أمامه .. من أجل المحافظة عليها ..!
وفي هذه الحال .. فربما ننتظر من العرب المسلمين منع الحديث عن الحضارة الفرعونية والبابلية والآشورية والصينية واليابانية – لأنها ليست إسلامية ... وذلك حفاظاً على الفكر العربي من التبعية ..؟؟؟؟؟؟؟
فالمواطن العربي المسلم .. يُـراد منه النهوض ، وفي ذات الوقت يُـراد له أن يعيش داخل وطنه وفق رؤى القادة السياسيين ؛ ويراد له أن يتفاعل مع ثقافات الآخرين وفق رؤى القادة الدينيين .
ولست أدري كم تبقى من وزن بشري ومن كيان إنساني ومن مجال فكري لهذا المواطن العربي الذي أوشك أن يُصبح افتراضي ..!
بقي أن أقول .. أن الثقافة التي تتناغم مع الفطرة الإنسانية السوية .. هي أداة وسبيل الحضارة . وأن المدنية هي ذروة الحضارة ومؤشر رسوخها ونموها الطبيعي .
وأرى أن المدنية بالنسبة للحضارة .. هي كما العجلة بالنسبة للسرعة – بمفهوم رياضي . حيث أن السرعة الثابتة – عجلتها تساوي صفر ؛ والسرعة التزايدية – عجلتها موجبة ؛ والسرعة التناقصية- عجلتها سالبة .. وكذلك المدنية والحضارة .
طابت أوقاتكم .. ولنا لقاء ..
ريمة الخاني
23-07-2007, 09:22 AM
تسجيل حضور
واذن الى اين سنصل استاذي بعد ذلك؟
بارك الله بك
د. نجلاء طمان
23-07-2007, 01:17 PM
الأستاذ الفاضل: أبو بكر
عندما دخلت هنا سيدى , أذكر جيدا أننى بدأت كلامى بأننى أوضح شرح لثلاث مسميات أوردتموها فى مقالتكم الأساسية, وذلك انطلاقا من إسم مقالتكم الكريمة التى هى دعوة لأن يقول كل منا ما يريد قوله لأنه يقتنع به وليس لأن غيره يقوله. من هنا بدأت مداخلتى أيضا بفتح طريق للحوار ووضع بعض المعاريف الأساسية للمصطلحات الأخيرة المذكورة. فى مشاركاتى وضعت تسلسل لما قيل وما يقال عنهم فى الماضى والحاضر وتداخلت برأيي قليلا وليس كثيرا حتى أتيح للقارىء بالأخذ بما يقتنع به, فلا نجُب بذلك عنوان مقالتكم . فالحوار سيدى الفاضل يختلف عن الفكر الخاص والتفكر, فإذن عندما تقول أختلف مع الدكتورة نجلاء وأتفق, فأعتقد سيدى أن الدكتورة نجلاء لم تنزل مشاركة بأرائها وتفكراتها هى الشخصية - وإن كنت ذكرت بعض جوانب منها- وإنما فتحت باب حوار للقارىء منعا للبس والالتباس. أرجو أن أكون أوضحت نقطة هامة هنا خاصة بما نشرته أنا.
شذى الوردة فقط لحرصك الأدبى
د. نجلاء طمان
أبوبكر سليمان الزوي
23-07-2007, 01:43 PM
خاص بتساؤلات الأخت .. ريمة الخاني
أختي الفاضلة .. قرأت في ردودك الثلاثة .. ألماً وحيرةً وتساؤلاتٍ -هي أقرب ما تكون إلى اليأس من تحقيق أي نتيجة من وراء هذه الكتابات ..!
وكأني بكِ تودين القول بأن الطريق مسدود ، أو أن النتائج محسوبة ، أو أن الطريق خطأ ، أو أن الآليات أو الأسلحة التي نستعملها فاشلة ، أو أننا نكتب فقط لنستمتع بعدد القـُرّاء ، أو أننا نضيّع وقت الفراغ لدينا ..!
فاعلمي أختي العزيزة .. أن تساؤلاتكِ مشروعة ومُبـرّرة ، ولا ينزعج منها إلا من تنطبق عليه توقعاتكِ .
واعلمي أنه من حقكِ - بل من واجبكِ - أن تسألي .. وماذا بعد ؟ واعلمي أنه من حقكِ أن تحصلي على إجابة فورية ومقنعة .!
واعلمي أختي الكريمة .. أنني بدأت مشواري في الكتابة بعد أن مللت الأسئلة - ولم أحصل على إجابة ..!
واعلمي أنني أتبنى وأتحمل عبء الإجابة عن مثل هذه الأسئلة - إلى جانب بعض الزملاء .. بإذن الله وتوفيقه ..
أختي الكريمة .. أولاً أتمنى عليك متابعة الحوار كي تطلعي على التفاصيل ، وحتى تعفيني من التكرار ..
أما سؤالك إلى أين ..!
فإن الإجابة الأولية عنه هي كالآتي :
أنا أكتب في أكثر من منتدى ، وأتحاور مع الكثيرين .. وأسعى لإيجاد فكر عربي واقعي ينتبه إلى المأساة المتمثلة في الخلل الثقافي الكبير الذي يقودنا - ويقترب بنا من الهاوية ..
وأبحث من أجل ذلك عن نخبة من الكتـّاب المهرة ، والمفكرين ذوي الحجة الدامغة ، والمثقفين المتحررين من التعصب - لغير الحق والمنطق .!
وقد بدأت الفكرة تتشكل في خيال البعض ، وقد توصلت إلى توافق فكري شبه تام مع بعض الزملاء والأصدقاء ..
وهدفنا إن شاء الله - هو تكوين شريحة أو طبقة من المثقفين والمفكرين التي ستأخذ على عاتقها - كلٌ في موقعه - نشر الأفكار التي نتفق على أنها ستنهض بعقل وفكر المواطن العربي المسلم ، وتـُشعره برسالته ومسئوليته الإنسانية ، حتى يلعب دوره المنوط به ، ولا يكون لقمة سائغة وأداة طيعة في أيدي الساسة ورجال الدين .
ونحن نعلم أن الفقر والجهل والخوف - هي الأمراض والعوائق الرئيسية أمام نهوض المواطن .
ونأخذ على عاتقنا محاربة وفضح الأفكار السطحية التي تؤدي إلى تـهميش الإنسان العربي ..
أعلم أن الرسالة كبيرة .. ولكن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة -كما يقولون . ولا بد من البدء . وليكن دورنا هو البدء .. وليكمل غيرنا المشوار إذا لم نكمله نحن .
صحيح أن الظروف ليست مواتية كما ينبغي ، ولكن البحث عن أسباب الفشل والكسل والتحجج بضعف الإمكانات - هي رسالة غيرنا ولها أبطالها - وليست رسالتنا نحن ..!
ومن يطرح أسئلة صريحة مثلك .. هو من دعاة النهوض ومن حاملي رسالة الفكر ..!
أخيراً .. اقول وبألم كبير .. أنه لدينا أزمة مفكرين ، ولدينا فيض في أشباه المثقفين .. ولكننا نتوكل على الله وبه نستعين ..
تحياتي .. وللحديث بقية ..
أبوبكر سليمان الزوي
23-07-2007, 08:52 PM
الأخت العزيزة الدكتورة .. نجلاء طمان
تحية الإعجاب والاستغراب
آلمتني كثيراً نبرة الغضب والانزعاج في ردك الأخير .. التي لم أجد لها سبباً ..!
وآلمني كثيراً التحول المفاجئ - لشذى الوردة - من الترحيب بالحوار ؛ إلى انتظار أي سؤال ؛ وأخيراً .. فقط لحرصى الأدبي ..
وكأني قد تجاوزت المعايير الأدبية في الحوار مع أخت أحترمتها ، وسأظل أحترمها وأُقـدّرها.. مهما تكن وجهة نظرها بالحوار ..
وأجدها أهلاً للتقدير والأحترام .. وأنا على يقين أنها لا تنتظر مني شهادة بذلك .. وهي ليست بحاجة لشاهدتي .. فالكل يشهد لها ..
ولكني أنا الآخـر لي أحاسيسي ومشاعري .. وأدرك تماماً أصول الأدب والفكـر - ومعايير الحوار والكتابة والردود ..
وقد كان عنوان المقالة واضحاً ( قل أنا أقول .. ولا تقل يُقال أنّ ) .. ولذلك فقد كنت حريصاً في ردودي .. حيث أني لم أتساءل حول نظريات الآخرين التي استدللت بها ، واقتصرت تساؤلاتي حول ما طرحته وما تبنته الدكتورة من أفكار ونظريات .
وكذلك لم تكن ردودي وتساؤلاتي موجهة للدكتورة نجلاء بشكل شخصي .. وإنما كانت موجهة للمحاورين الآخرين - لأستطلع آراءهم ..
أما أن يكون سبب الانزعاج هو قولي .. أتفق مع الدكتورة نجلاء في كذا ، ولا أتفق معها في كذا .. فهذا أمرٌ لم أفهمه ..!
لسبب بسيط وهو أن : أسلوب أتفق أو لا أتفق - مع أفكار ووجهة نظر المحاور .. هي أساس أي حوار أدبي - فكري - ثقافي .
إلا أن يكون السبب هو أن المهندس ليس له أن يُحاور الدكتور .. حتى وإن كان هذا المهندس - مسلماً مؤمناً وكاتباً ومفكراً .. وهذا ما لا أتوقعه من الدكتورة الفاضلة ( نجلاء طمان ) ..
واعلمي أختي الكريمة .. أنني متحررٌ وأقبل النقد وأحترم جداً وجهات نظر الآخرين وأقـدّر مكانتهم وما يحملون من علم وأفكار ورؤى ..
وصدقيني أختي العزيزة .. أن إحدى أخطر ما تعانيه ثقافتنا ، ويقاسيه فكرنا .. هو عدم قبول الرأي الآخر .. إلا إذا كان موافقاً لرؤانا ، أو أن يكون غيرنا قد أبدى فيه رأياً قبلنا .
وكأنه ليس لنا أن نتحاور ونتبادل الآراء والأفكار وأن يؤازر بعضنا بعضاً بالمنطق والحق - إلا إذا كنا نعرف بعضنا مسبقاً .
على كل حال .. ما تفضلتِ به من مشاركات دسمة مليئة بالأفكار والرؤى .. سيُـبقِـي مكانتك الرفيعة - مرموقة في نظري دون أدنى تغيير ..
وسيبقى انزعاجك مصدر قلق لي -حتى يزول ، أو أعرف سببه - فلا أكـرّره مع سواك ..
فأنا هنا للحوار وتبادل الأفكار مع من شاء من الزملاء الأعزاء - ولست هنا لإزعاج الكتـّاب والقـُرّاء .
أشكرك كثيراً - على كل حال .. وأحترم وجهة نظرك .. تقبلي تحياتي
د. نجلاء طمان
24-07-2007, 01:17 AM
لم أغضب أيها العزيز
فقط انزعجت عندما أحسست أن الحوار نسب بالكامل لى
وأنا اخى العزيز أتقبل النقد عن سعة صدر
فأنا ناقدة أخى , إذن كيف أنقد أعمال غيرى ولا أتحمل نقد لنفسى.
سامحنا الله جميعا
شذى أختك الوردة هنا ينشر التسامح
د. نجلاء طمان
جوتيار تمر
24-07-2007, 04:35 PM
حوار رائع
اتابعكم للنهاية
محبتي لكم
جوتيار
ريمة الخاني
25-07-2007, 03:24 AM
خاص بتساؤلات الأخت .. ريمة الخاني
أختي الفاضلة .. قرأت في ردودك الثلاثة .. ألماً وحيرةً وتساؤلاتٍ -هي أقرب ما تكون إلى اليأس من تحقيق أي نتيجة من وراء هذه الكتابات ..!
وكأني بكِ تودين القول بأن الطريق مسدود ، أو أن النتائج محسوبة ، أو أن الطريق خطأ ، أو أن الآليات أو الأسلحة التي نستعملها فاشلة ، أو أننا نكتب فقط لنستمتع بعدد القـُرّاء ، أو أننا نضيّع وقت الفراغ لدينا ..!
فاعلمي أختي العزيزة .. أن تساؤلاتكِ مشروعة ومُبـرّرة ، ولا ينزعج منها إلا من تنطبق عليه توقعاتكِ .
واعلمي أنه من حقكِ - بل من واجبكِ - أن تسألي .. وماذا بعد ؟ واعلمي أنه من حقكِ أن تحصلي على إجابة فورية ومقنعة .!
واعلمي أختي الكريمة .. أنني بدأت مشواري في الكتابة بعد أن مللت الأسئلة - ولم أحصل على إجابة ..!
واعلمي أنني أتبنى وأتحمل عبء الإجابة عن مثل هذه الأسئلة - إلى جانب بعض الزملاء .. بإذن الله وتوفيقه ..
أختي الكريمة .. أولاً أتمنى عليك متابعة الحوار كي تطلعي على التفاصيل ، وحتى تعفيني من التكرار ..
أما سؤالك إلى أين ..!
فإن الإجابة الأولية عنه هي كالآتي :
أنا أكتب في أكثر من منتدى ، وأتحاور مع الكثيرين .. وأسعى لإيجاد فكر عربي واقعي ينتبه إلى المأساة المتمثلة في الخلل الثقافي الكبير الذي يقودنا - ويقترب بنا من الهاوية ..
وأبحث من أجل ذلك عن نخبة من الكتـّاب المهرة ، والمفكرين ذوي الحجة الدامغة ، والمثقفين المتحررين من التعصب - لغير الحق والمنطق .!
وقد بدأت الفكرة تتشكل في خيال البعض ، وقد توصلت إلى توافق فكري شبه تام مع بعض الزملاء والأصدقاء ..
وهدفنا إن شاء الله - هو تكوين شريحة أو طبقة من المثقفين والمفكرين التي ستأخذ على عاتقها - كلٌ في موقعه - نشر الأفكار التي نتفق على أنها ستنهض بعقل وفكر المواطن العربي المسلم ، وتـُشعره برسالته ومسئوليته الإنسانية ، حتى يلعب دوره المنوط به ، ولا يكون لقمة سائغة وأداة طيعة في أيدي الساسة ورجال الدين .
ونحن نعلم أن الفقر والجهل والخوف - هي الأمراض والعوائق الرئيسية أمام نهوض المواطن .
ونأخذ على عاتقنا محاربة وفضح الأفكار السطحية التي تؤدي إلى تـهميش الإنسان العربي ..
أعلم أن الرسالة كبيرة .. ولكن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة -كما يقولون . ولا بد من البدء . وليكن دورنا هو البدء .. وليكمل غيرنا المشوار إذا لم نكمله نحن .
صحيح أن الظروف ليست مواتية كما ينبغي ، ولكن البحث عن أسباب الفشل والكسل والتحجج بضعف الإمكانات - هي رسالة غيرنا ولها أبطالها - وليست رسالتنا نحن ..!
ومن يطرح أسئلة صريحة مثلك .. هو من دعاة النهوض ومن حاملي رسالة الفكر ..!
أخيراً .. اقول وبألم كبير .. أنه لدينا أزمة مفكرين ، ولدينا فيض في أشباه المثقفين .. ولكننا نتوكل على الله وبه نستعين ..
تحياتي .. وللحديث بقية ..
اهلا بم استاذنا جوتيمار الغالي
واشكر توضيحك استاذي
واتمنى مرورك بصباح الخير ربما القت ضوءا عما تبحث
يهمني رايك واعي مثقف عالي مثبك فربما وصلنا لشط نبحث عنه
تحية وتقدير
أبوبكر سليمان الزوي
26-07-2007, 12:01 AM
أشكـر للناقدة الأستاذة الدكتورة .. نجلاء طمان .. تشجيعها على الحوار ..
، حيث أضاءت الساحة الفكرية أمام الجميع - بأن عرضت وشرحت جُلَّ ما قيل سابقاً في شأن التعريفات والمفاهيم التي احتوتها المقالة ..
كما أوضحت وجهة نظرها بجلاء ..
احتراماتي ..
أبوبكر سليمان الزوي
26-07-2007, 01:13 PM
لم أغضب أيها العزيز
فقط انزعجت عندما أحسست أن الحوار نسب بالكامل لى
وأنا اخى العزيز أتقبل النقد عن سعة صدر
فأنا ناقدة أخى , إذن كيف أنقد أعمال غيرى ولا أتحمل نقد لنفسى.
سامحنا الله جميعا
شذى أختك الوردة هنا ينشر التسامح
د. نجلاء طمان
عذراً لتأخري عن وضع رد خاص بهذه المشاركة - لأستاذتنا الكبيرة الأخت الدكتورة .. نجلاء طمان ..
أختي الفاضلة .. كان انطباعي عنكِ منذ مشاركتكِ الأولى .. أنكِ إنسانة كبيرة ..
والآن أجد نفسي أمام إنسانة أكبر مما تصورت ..
فعذراً أختي العزيزة إذا كان قد بدر مني ما ساءك أو أزعجكِ ..
واعلمي أني (والله) لا أحمل لكِ إلا كل تقدير واحترام ، ولا أجد في نفسي تجاهك إلا كل محبة ومودة .. وإني لفخور بمشاركاتكِ القيمة ..
إن دخولك على الخط - في هذا الموضوع قد أعطاه بعداً فكرياً وثقافياً كبيراً ..
أشكركِ أختي العزيزة .. وأرجو أن لا تجدي في نفسكِ شيئاً تجاه الحوار ..
أنتظر مداخلاتكِ الكبيرة - دائماً .. وأترك لكِ اختيار التوقيت والمرحلة والموضوع .. ولكن لا غنى لنا عن النقد ..
للتذكير فقط - متى رأيتِ محلاً للنقد .. فتلك ِ رسالة عظيمة .. وأنتِ لها .. وأنا أرحب بها بكل سرور ..
كل الود والأحترام والمعزة الصادقة ..
أخوك .. مهندس - قياس وتحكم - شركة سرت للنفط \ ليبيا
أبوبكر سليمان الزوي ..
د. نجلاء طمان
19-08-2007, 04:17 AM
عذراً لتأخري عن وضع رد خاص بهذه المشاركة - لأستاذتنا الكبيرة الأخت الدكتورة .. نجلاء طمان ..
أختي الفاضلة .. كان انطباعي عنكِ منذ مشاركتكِ الأولى .. أنكِ إنسانة كبيرة ..
والآن أجد نفسي أمام إنسانة أكبر مما تصورت ..
فعذراً أختي العزيزة إذا كان قد بدر مني ما ساءك أو أزعجكِ ..
واعلمي أني (والله) لا أحمل لكِ إلا كل تقدير واحترام ، ولا أجد في نفسي تجاهك إلا كل محبة ومودة .. وإني لفخور بمشاركاتكِ القيمة ..
إن دخولك على الخط - في هذا الموضوع قد أعطاه بعداً فكرياً وثقافياً كبيراً ..
أشكركِ أختي العزيزة .. وأرجو أن لا تجدي في نفسكِ شيئاً تجاه الحوار ..
أنتظر مداخلاتكِ الكبيرة - دائماً .. وأترك لكِ اختيار التوقيت والمرحلة والموضوع .. ولكن لا غنى لنا عن النقد ..
للتذكير فقط - متى رأيتِ محلاً للنقد .. فتلك ِ رسالة عظيمة .. وأنتِ لها .. وأنا أرحب بها بكل سرور ..
كل الود والأحترام والمعزة الصادقة ..
أخوك .. مهندس - قياس وتحكم - شركة سرت للنفط \ ليبيا
أبوبكر سليمان الزوي ..
التقدير والاحترام لك أيها الفاضل
تسجيل مرور وأعود ثانية للحوار
شذى الوردة يقدم العذر عن التأخير
د. نجلاء طمان
أبوبكر سليمان الزوي
21-08-2007, 10:23 PM
سُـررت كثيراً بمرروكِ ، فأهلاً بإطلالتكِ ..
إلى حين عودتك للحوار .. وبعدها .. لكِ أسمى آيات التقدير ..
أشكرك جزيلاً ..
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir