المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حـذار من شُـبْهَـة التشـاؤم .. (2)



أبوبكر سليمان الزوي
18-07-2007, 10:38 PM
تكملة الجزء الأول ( حـذار من شبهة التشاؤم ) ..


ولعل أمـر الموت مع الإنسان يقترب من الطرافة- بالنظر إلى ما يفعله أغلب الناس من بكاء وعويل وتحسّـر ..


عند موت قريب لهم أو عزيز عليهم ؛ وكأنهم يعلمون أنه ذاهب إلى مصير ملئه الألم والأسى ؛


أو كأن موته لم يكن في الحسبان- في أية لحظة . أو كأنهم لو علموا بموعد موته لأنقـذوه .!


فإذا كان موت الأحبة والأعزاء أمراً مُـفـزعاً إلى هذا الحد ..( وهو كذلك ) فكان على الأحبة إذن .. أن يبكوا بعضهم مع بداية المحبةوباستمرار ..


وألا ينتظروا وصول الموت وكأنهم يشككون في قدومه .


فليس من المفهوم لدى العقل .. أن يكون الإنسان في غاية السعادة والسرور ..


وهو ينتظر ويترقب موت أحبابه ؛ أي أنه ينتظر حدوث أمرٍ مؤكدٍ لا يملك له رداً ..


وعند حدوث ذلك الأمر المؤكد الذي يُتَوَقع حدوثه في كل لحظة .. يتصرف الإنسان وكأن أمراً مُـفجعاً طارئاً غير متوقع- قد حدث ..!


ولذلك فإني أعتقد أن أمر الموت وعدم فهم الإنسان له .. هو من أهم أسباب وصف القرآن الكريم للإنسان - بالظلوم الجهول .!


إذ ليس للإنسان هدف محدد يسعى إلى تحقيقه ليُـعلن بعـده كفايته من الحياة- وجاء الموت ليكون الحائل الوحيد الذي حال دون تحقيقه لذلك الهدف .!


كما أننا نلاحظ أن قيمة الإنسان- تـُحسب وترتفع عند موته- مادياً ومعنوياً . في حين أنه مُحارب ومُهان في حياته .


فأي انتصار عظيم هذا الذي يُحققه الموت- لضحاياه - مقابل خرق الحياة للمبادئ والقيم التي يتبجح بها أحباؤها .!


ولعل من الأمور التي تبرز فيها الغرابة ، ومن أكثرها أحقية بالبحث والمناقشة فيما يتعلق بالحياة والموت- بالنسبة للمؤمنين بالبعث والحساب ..


هي طموحات الإنسان اللا محدودة .. في حياة يعلم أنها محدودة .. ومتبوعة بموت مؤكد .. يتبعه حساب دقيق على كل قولة قالها وكل فعلة فعلها ...


خاصة إذا أخذنا في الحسبان أنه قلـّما تمكّـن الإنسان من تحقيق طموحاته دون انحرافات- قد يموت أثناء مخاضها ؛ وهو يعلم أن ما يستحوذ عليه في الحياة الدنيا من ممتلكات ..


سيزيد من تشبثه اللا مُبـرّر بالحياة ، ويُضاعف من خوفه اللا مُـفيد من الموت ، ويزيد من أعبائه وواجباته اليوم ، وغالباً ما يُحْسَبُ عليه سلباً بعد الممات .


ولعل الطرافة في فلسفة الموت وعلاقته بالحياة والسعادة .. يمكن التعبير عنها وتقريبها للمنطق .. كأن نقول أن السعادة والمتعة بأي أمر ، لا يتم احتسابها ولا يشعر الإنسان باكتمالها إلا عند انتهاء ذلك الأمر ..


كما هو الحال في الرحلات الترفيهية القصيرة التي يُحـدّد الإنسان لحظة نهايتها لكي تكتمل متعته بها ؛ لأنه لا يستطيع توفير السعادة والمتعة في حياته العادية المستمرة التي لا يعلم موعد نهايتها .


بمعنى آخر .. أن الإنسان يقتطع أجزاءً من حياته ليقيم فيها حياة مصغّرة ، يقرر هو بدايتها ونهايتها ليستمتع بتلك النهاية .


فهل يكون وجود الموت هو من أجل احتساب مدى السعادة في أيام الحياة ومن أجل الشعور بمتعة اكتمال رحلة الحياة- بنهايتها .؟


لا شك أن القول بمثل هذه الفرضيات والتساؤلات والأفكار - سيضع صاحبه في مواجهة مع الراغبين في الحياة- المتفائلين بطول الأعمار- وسيصفونه بالمتشائم ..


وكأن التشاؤم يكفي المتشائمين ذنباً ؛ وكأن المتفائلين لا يدرون أو لا يعترفون بأن التشاؤم في أوضح صوره ليس إلا قراءة عقلانية منطقية للمستقبل المجهول .. في كتاب الحاضر المتغير .. على ضوء الماضي المعلوم .!


ولكن .. وعلى كل حال .. ليس بالضرورة أن يكون تفضيل الموت على الحياة ، أو مدح الحياة بموتها .. تشاؤماً أو ذماً للحياة ، لأن لب الحقيقة هو ..


أن حياة الإنسان صاحب الصورة الجميلة والآمال العريضة والأحلام الوردية والقوة المصطنعة الكاذبة المؤقتة والخيال اللا محدود ؛ وحبه لها- الذي يُخفي خلفه كماً لا يحصى من المُـكابرات والعيوب والأسرار والمخاوف والهواجس والهموم والكراهية لها- أحياناً .. هذه الحياة بمجملها لا تعدو أن تكون مرحلة مليئة بالمآسي ، وتشوب سعادتها وآمالها الهشة -مفاجآت منتظرة من مجهول خارج عن السيطرة والإدراك ؛ وتسير مراكب يومها تحت تهـديد عـواصف غـدها .


وهي مرحلة مؤقتة في صيرورة أبدية متغيرة ومتعددة المراحل والمعطيات .. ويجهل الإنسان عن أسرار هذه المرحلة وتلك الصيرورة ومراحلها الأخرى-كل شيء تقريباً ، و لا يكاد يتحكم منها بشيء .


ويُـحسب للموت أنه يُمثـّل حتمية نهاية حياة الفرد ، وما تحويه وما تعنيه تلك النهاية- ولأنها مؤكدة- من راحة وسعادة ومتعة وجمال- ينبغي الاستمتاع بالاستعداد لها ..


بدل أن نتجاهلها ونحتاط منها ونتنكر لفضلها- في غمرة حبنا اللا مدروس لحياة مؤقتة لا نملك قرار بدايتها ولا نهايتها ولا سعادتها .


ولا يمكن لأحد أن يُنكر عِـظم حجم المأساة التي ستحل بالأغلبية الساحقة عـدداً- المسحوقة واقعاً مُعاشاً .. لولا وجود الموت في حياة الإنسان .


فبوجود الموت يشعر الفقير بأن المال- أو ما يُعادله - الذي يفتقده هو ، والذي لا تقوم الحياة السعيدة إلا به .. لا يعدو كونه زاداً يقتات به لحين وصول الموت .


ونفاد ذلك الزاد أو نفاد نصيب الإنسان منه- معناه وصول الموت المنتظر- شأن الفقير في ذلك شأن الغني ؛ مع الفارق الذي يجعل الفقير العاقل ينتظر الموت كمنقذ له من مرحلة مريرة وواقع أليم لم يألفه ، ومبشرٍ له ببديل يأمل ويتمنى وينشد ويظن- وأحياناً يعتقد- أنه سيكون أفضل من حاضره ، وهو مُنقذ آتٍ لا ريب في قـدومه .


بينما لا يروق لأغلب الأغنياء ذكر الموت ؛ وهذه من مزايا الموت والفقـر ، ومن عيوب حياة الغنى والرفاهية ... وكذلك الأمر مع المحكوم و الحاكم .. وهكذا .


والموت في حياة الضعيف هو الذي يجعله يشعر بتساوِ الجميع ضعفاً .. حيث أن النتيجة والمستقر والمنتهى واحدة ، رغم الفارق الكبير المنظور لحظياً بين الأحياء ، ذلك الفارق العنصري الظالم المُـزيّـف الذي فقد هيبته وبهرجته بوجود عدل الموت .


ويرمز الموت في الحياة الدنيا المليئة بالمظالم والشرور .. يرمز إلى العدل والمنطق والحكمة والصواب والموضوعية في أبهى صورها . ولذلك فقد مدح الله سبحانه وتعالى .. الحياة في الآخرة بوصفه لها بالأبدية ، لأن العدل المطلق يكون قد تحقق حينها ، ولا مجال لمغالطات الفكر البشري ، وبالتالي تكون قد انتفت الحاجة لوجود الموت لتصحيح تلك المغالطات- وفق الحكمة والمشيئة الإلهية .




تمنياتي لكم بالسعادة وطول الأعمار أيها الأحبة .. ألقاكم مُجـدّدَاً ..

ريمة الخاني
19-07-2007, 09:06 AM
بارك الله بك
ربما نقلت موضوعك لمنتديات ام فراس الثقافيه
اشكرك

أبوبكر سليمان الزوي
19-07-2007, 12:56 PM
بارك الله بك




ربما نقلت موضوعك لمنتديات ام فراس الثقافيه


اشكرك






الأخت الكريمة ..



أشكرك على مرورك وتعاطيكِ المسئول ..



واعلمي أختي الفاضلة .. أنني أعي تماماً أن مثل هذا الموضوع لا يروق للكثيرين ، وأنا أُقـدّر وأحترم وجهات نظر الجميع ...

وأرجو أن لا تترددي في النقد وإبداء رأيك بكل صراحة .. فأنا على استعداد لسماع كل وجهات النظر ..

وأتخذ من النقد وآراء الآخرين منطلقات للكتابة والفكر .. ولا أجد في نفسي شيئاً تجاه من ينتقدني .





وإذا كان الموضوع يميل كثيراً باتجاه التشاؤم ؛ فما ذلك إلا لأن الواقع والمنطق يفرضان ذلك .



وإذا بدا من الأفكار المطروحة ما يُـشير إلى مُحاربة التفاؤل .. فما ذلك إلا بسبب مساوئ الإفراط في التفاؤل .. الأمر الذي أوصلنا إلى قراءة مشوهة للواقع .. حتى أصبحنا نرى هزائمنا -انتصارات ، وتخلفنا -تقدماً ..




أحببت الاستفسار عن هذه الجزئية إذا كان ذلك لا يزعجك (ربما نقلت موضوعك لمنتديات ام فراس الثقافيه)




.. أشكرك كثيراً ..

ريمة الخاني
19-07-2007, 04:38 PM
اخي العزيز احترم جدا من يتقبل اراء حرة بموضوعيه هذا اولا
ثانيا قلت ربما نقلتها لمنتداي هذا اسمه تجده في غوغل
اشكر وعيك وتفهمك

أبوبكر سليمان الزوي
19-07-2007, 07:20 PM
الأخت الفاضلة .. ريمة الخاني ..

يسرني ويسعدني .. أن تنقلي الموضوع إلى منتداك ..

أشكرك كثيراً ..

خليل حلاوجي
21-07-2007, 02:36 PM
الموت .... سماه القرآن ... مصيبة

يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ الآثِمِينَ }المائدة106


اما انا فالموت في نظري خدعة .... فلا موت البتة


اننا ننتقل من حياة في الدنيا الى حياة في الآخرة ... اما في نعيم مقيم او في عذاب اليم


\

ويعجبني مقاله ابو الطيب :

وأفجع من فقدنا من وجدنا .... قبيل الفقد مفقود المثال


\


شكرأً استاذنا الحبيب


والموضوع


للتثبيت

أبوبكر سليمان الزوي
21-07-2007, 08:18 PM
أخي خليل ..

أُقـدّر لك صدق مرورك وبالغ تقديرك .. المعهودين ..

التحية الصادقة .. للصادقين

شاهين أبوالفتوح
21-07-2007, 09:53 PM
ولعل الطرافة في فلسفة الموت وعلاقته بالحياة والسعادة .. يمكن التعبير عنها وتقريبها للمنطق .. كأن نقول أن السعادة والمتعة بأي أمر ، لا يتم احتسابها ولا يشعر الإنسان باكتمالها إلا عند انتهاء ذلك الأمر



أخي الأستاذ / أبوبكر سليمان الزوي
أقرأ كتاباتك فأفكر ، ومن يجعلنا نفكر نعرفه بالفيلسوف ، فأعذرني إن لم أكتب ردي كلمات .. لأنني أفكر وأعدك أني سأعود إلى كلماتك لأفرأها و .. أفكر !

محبتي واحترامي
شاهين

عبدالصمد حسن زيبار
21-07-2007, 10:04 PM
كان من قبل من يبحث عن من لم يتغير لسانه
و اليوم ربما نبحث عن من لم تتغير فطرته السليمة.

أبوبكر سليمان الزوي
22-07-2007, 12:07 AM
الأخ الحبيب شاهين ..

كلماتك تتسلل إلى مراكز صناعة الفكـر .. وأنا أنتظـر عودتك بفارغ الصبر مع جزيل الشكر ..

أبوبكر سليمان الزوي
22-07-2007, 12:14 AM
الزميل .. عبد الصمد ..

سُـرِرت بمرروك ، وتهت قليلاً بضبابية شعورك ، وأرجو أن أكون يوماً سبب في سرورك ..

تحياتي ..

شاهين أبوالفتوح
22-07-2007, 12:32 AM
أنت يا أخي نساج ،تغزل وتنسج ، قد لا تنتهي من نسجك .. ذلك البساط الطائر !

القلوب عند بعضها
محبة واحتراما
شاهين

أبوبكر سليمان الزوي
23-07-2007, 09:50 PM
أنت يا أخي نساج ،تغزل وتنسج ، قد لا تنتهي من نسجك .. ذلك البساط الطائر !

القلوب عند بعضها
محبة واحتراما
شاهين



أخي العزيز .. شاهين

آسف على تأخري .. وأشكرك كثيراً على لطفك وكرمك ..

نورية العبيدي
30-08-2007, 09:47 AM
ليس الحزن على الراحلين إلى وجه الله -عند المؤمنين- بسبب رفض حقيقة الموت، أو الاعتراض عليه، أو بسبب الخوف على الراحل من المصير الذي سيلاقيه أو من المجهول أو ما شابه ذلك ... لكن قد يكون الحزن على قدر تعلقنا بالشخص الراحل وبقدر مكانته بالنسبة لنا، أي هو حزن على فراقه وحسب !

فحتى الذين يغادروننا بسفر مثلا، ونحن نعلم انهم يرحلون الى مكان افضل مما هم بقربنا ، ولمكانتهم الخاصة في قلوبنا نحزن على فراقهم، ليس ذلك معناه خوفا عليهم من المجهول او من المصير المظلم، ولكن حزنا على أنفسنا من بعدهم!

وكذلك في حالة الموت، نحن نعلم ان الاخرة خير لنا ولهم من الاولى، وقد نكون جازمين أن من رحل له حسن العاقبة نظرا لما له من اعمال طيبة ، ولكنك قد لا تبكي على مصيره او عليه ولكن تبكي على نفسك بفراقه وكيف ستعيش وحيدا مغتربا من بعده وهو الذي كان يملا عليك المكان والزمان ... لا تعترض على الموت كموت ولكن ربما تتمنى لو أنه تأخر قليلا لكي يبقى معك مدة اطول ... ربما تقول في نفسك ليته لم يفارق الان فلا يزال العمر طويلا امامي لالقاه مرة ثانية وانعم بصحبته من جديد ، وهكذا ...

ودعت الكثير من الاحبة أغلى الاحبة بالموت، وادعوا لهم بالرحمة والاستقرار بجوار الله الكريم فهو الرحيم بهم اكثر منا ومن ذويهم اجمعين ، ولكن لا يزال قلبي يتمنى لو لم ترحل بهذه السرعة وبهذا الوقت المبكر صديقتي الوحيدة والاقرب إلى روحي وهي لا تزال عروس تعد العدة لزواجها! فجرح فراقها في قلبي ونفسي لا يريد أن يطيب، بالرغم من مرور اكثر من عام على رحيلها ... ربما ظلت هذه الحسرة في قلبي لان هذه الانسانة لا تتكرر بالنسبة لي ولا يوجد انسان يعوض عنها وعن مكانتها عندي في هذه الدنيا ، حتى صرت اترقب الرحيل واتمنى يوم اللقاء بها في اية لحظة لنعيش اجمل من ايامنا التي خلت في الجنة ان شاء الله ! على أني وجدت بالفعل مع هذه المصيبة -وفي حالة أي مصيبة - سحرا لايوصف من الرحمة لشفاء النفس وتصبيرها في ترديد عبارة ؛ - إنا لله وانا اليه راجعون-

(... وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة، واولئك هم المهتدون ... صدق الله العظيم).


أما إذا كان الحزن رفضا لحالة الموت وجزعا، فهذا يحصل لدى غير المؤمنين الرافضين للموت، والذين لا يجدون فيه سوى الهلاك والنهاية المفجعة ! أولئك سيقتلهم الجزع والحزن ولن يحصلوا على الرحمة لتطمين قلوبهم !


واخيرا الايمان سر السعادة النفسية ............:011:



مع تقديري للجميع

ياسر عبد الودود
30-08-2007, 08:51 PM
ليس الحزن على الراحلين إلى وجه الله -عند المؤمنين- بسبب رفض حقيقة الموت، أو الاعتراض عليه، أو بسبب الخوف على الراحل من المصير الذي سيلاقيه أو من المجهول أو ما شابه ذلك ... لكن قد يكون الحزن على قدر تعلقنا بالشخص الراحل وبقدر مكانته بالنسبة لنا، أي هو حزن على فراقه وحسب !
فحتى الذين يغادروننا بسفر مثلا، ونحن نعلم انهم يرحلون الى مكان افضل مما هم بقربنا ، ولمكانتهم الخاصة في قلوبنا نحزن على فراقهم، ليس ذلك معناه خوفا عليهم من المجهول او من المصير المظلم، ولكن حزنا على أنفسنا من بعدهم!
وكذلك في حالة الموت، نحن نعلم ان الاخرة خير لنا ولهم من الاولى، وقد نكون جازمين أن من رحل له حسن العاقبة نظرا لما له من اعمال طيبة ، ولكنك قد لا تبكي على مصيره او عليه ولكن تبكي على نفسك بفراقه وكيف ستعيش وحيدا مغتربا من بعده وهو الذي كان يملا عليك المكان والزمان ... لا تعترض على الموت كموت ولكن ربما تتمنى لو أنه تأخر قليلا لكي يبقى معك مدة اطول ... ربما تقول في نفسك ليته لم يفارق الان فلا يزال العمر طويلا امامي لالقاه مرة ثانية وانعم بصحبته من جديد ، وهكذا ...
ودعت الكثير من الاحبة أغلى الاحبة بالموت، وادعوا لهم بالرحمة والاستقرار بجوار الله الكريم فهو الرحيم بهم اكثر منا ومن ذويهم اجمعين ، ولكن لا يزال قلبي يتمنى لو لم ترحل بهذه السرعة وبهذا الوقت المبكر صديقتي الوحيدة والاقرب إلى روحي وهي لا تزال عروس تعد العدة لزواجها! فجرح فراقها في قلبي ونفسي لا يريد أن يطيب، بالرغم من مرور اكثر من عام على رحيلها ... ربما ظلت هذه الحسرة في قلبي لان هذه الانسانة لا تتكرر بالنسبة لي ولا يوجد انسان يعوض عنها وعن مكانتها عندي في هذه الدنيا ، حتى صرت اترقب الرحيل واتمنى يوم اللقاء بها في اية لحظة لنعيش اجمل من ايامنا التي خلت في الجنة ان شاء الله ! على أني وجدت بالفعل مع هذه المصيبة -وفي حالة أي مصيبة - سحرا لايوصف من الرحمة لشفاء النفس وتصبيرها في ترديد عبارة ؛ - إنا لله وانا اليه راجعون-
(... وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة، واولئك هم المهتدون ... صدق الله العظيم).
أما إذا كان الحزن رفضا لحالة الموت وجزعا، فهذا يحصل لدى غير المؤمنين الرافضين للموت، والذين لا يجدون فيه سوى الهلاك والنهاية المفجعة ! أولئك سيقتلهم الجزع والحزن ولن يحصلوا على الرحمة لتطمين قلوبهم !
واخيرا الايمان سر السعادة النفسية ............:011:
مع تقديري للجميع


تحية أخوية

شدني هذا الموضوع كثيرا وجعلني أقرأ أكثر من مرة سطوره ولما قرأة ردك هذا على الأستاذ أبوبكر سليمان
وجدتك أكثر من طبيبة نفسية، أستاذة علم لم نظهر بعد إلا لدى الغرب وهو ما يتناول بالدراسة والبحث "راحة الروح أو راحة النفس" ...

والشكر الجزيل موصول للأستاذ أبوربكر سليمان على إثارته مثل هذا الموضوع

أبوبكر سليمان الزوي
31-08-2007, 01:14 AM
بالغ تقديري وعظيم احترامي .. أخي الكريم ياسر عبد الودود ، والأخت الفاضلة نورية العبيدي .


يقولون .. إن الأصدقاء الأوفياء كالأجحار الثمينة .. لا نصنعهم نحن ، ولكن نجدهم فنحافظ عليهم ونخشى فراقهم ..


لا شك أن من الناس من استحقوا صداقتنا بصدقهم وعطائهم ، وملئوا فينا القلب حباً بوفائهم .. ولا شك أننا نذكر للحياة فضلها أن أوجدتهم ، ولا ننسى للموت فعلته أن أدمى قلوبنا بفراقهم .. فهم ينحتون في نفوسنا صوراً جميلة ، وتستمتد حياتنا من وجودهم فيها أملاً يُقاوم اليأس والحزن ..


ولكن للمنطق والواقع والحقيقة رأياً آخرا .. فبنظرة عقلانية فاحصة إلى عواطفنا التي هي نقاط ضعفنا ، وهي أوتارنا الحساسة التي يعزف عليها الدهر وتتلاعب بها الخطوب ، وتدخلنا عبرها الآلام ..
سندرك أن الحب الذي تخرج نتائجه عن سيطرة العقل هو في الحقيقة لا ينتظر مبرارتنا لوجوده ، ولا فضل لنا في بقائه ، وأنه قد حاز منا على زوايا دون موافقة الحكمة .. وأن ذلك يُنهك فينا الفكر ..
وعلينا بذل الجهد واستعمال سلاح الإيمان والمعرفة والحكمة - لتطويعه للمنطق والموضوعية ، ولإدخال ذلك الحب في فلك العقل ، من أجل مواءمته مع الأمانة التي نحملها ..


علينا أن نتذكر دائماً أنه من الحكمة عدم ترك العنان للعاطفة في حب الحياة والبشر .. دون استشارة العقل وإعمال ميزان الإيمان ..


إن حب البشر لا يكون مأمون الجانب دائماً إلا إذا كان المحبوب رسولاً .. لأن الحب يفرض طاعة المُحب لمن أحب .. وكثيراً ما كان ذلك سبب في انحراف الإنسان عن رسالته في الحياة ..


وعلى كل حال .. فإن القواعد لا تنطبق في جميع الأحوال ..


المقال يتحدث بالأساس عن كراهية الإنسان لموته هو ، وهروبه المؤقت منه ، بدل استعداده له ..


وما لا أفهمه وأستغربه ولا أوافق عليه هو ما يفعله أحدنا بنفسه وما يُظهره من غضب شديد عند فقدان أحبائه ، وكأنه قد أخذ عهداً من الحياة بعدم موتهم ..

ولا اختلاف على حتمية حزن قلبي طبيعي صادق - لا إرادي- تفرضه لحظة فراق من أحببنا وأحبونا وكنا وكانوا صادقين ..!

أرجو أن يكون الزملاء قد اطّلعوا على الجزء الأول من المقالة ( حذار من شبهة التشاؤم (1) .. وهو بداية الموضوع ..


هدانا الله وإياكم سواء السبيل ..

أبوبكر سليمان الزوي
05-09-2007, 10:55 PM
عُـذراً .. الأصدقاء الأوفياء كالأحجـار الكريمة .. لا نصنعهم نحن .. ولكن نجـدهم ، فنحافظ عليهم ونخشى فراقهم ..