محمد الحامدي
19-07-2007, 10:04 PM
الضحك عند أقدام الميت
نظر إلي بعين واحدة يوشيها خليط عجيب من الحنان والصرامة ، كان يتكئ على عاتقي في انتظار خيزرانته المحلاة بزخارف السنين ، عندما غمغم :
- إلى أين تأخذني ؟
- يا أيها الوالد ...
- دعك من تزويق الكلام ولبوس الشيطان وأفصح .
- يا أبي ... اشتقت إليك ، وهدّني البعادُ ، وأكلتْ لظى الغربة لحمي ، ونخر سوس الشوق عظمي ، فدعنا نذهب على غير نهج ، نسير كما اتفق ، فقط أريد أن أكون معك ، وأسمع لعنك وشتمك واحتجاجك على كل شيء ..
لاحظت ارتعاشة شاربه وخفقان جفنيه ، لقد كاد يبكي ، فأشفقت عليه وخفت أن أنفجر بين يديه .. فمددتُ له مفاتيح السيارة قائلا : " ستقود أنت " فردّ وقد فهم أني أريد إنقاذه من تلك الحالة التي يستحي فيها الرجل من عواطفه :
- أو تظن أني لا أقدر عليها ؟؟
"انتبه . أريدك ألاّ تخذل هذين الشاربين . كن رجلا . واصبر على الأذى حتى يملّك . واحذر إذلال الرجال ، وغضب الحليم .. خذ ،، أقم بها أود حياتك حتى يستقيم أمامك الطريق . اصنع زمنك ولا تجعله يصنعك .. "
ولم يكف عن القول حتى أني أذكر أني لم أعد أسمعه , كأنه كان يعمد إلى الكلام يغطي به عواطف بدأت ترج الضلوع تريد الإفلات والصراخ ..
وصلنا دون أن نشعر بالطريق إلى عاصمة الإقليم ، وكان الجو لا يخلو من ذلك البرد الذي يحسه الشيوخ ويضحك منه الشباب ، فأخذت بيده ، تماما كما كان يأخذ بيدي في طفولتي ليشتري لي فطائر العم سالم ،" قد مات وشبع موتا " هكذا كان يقول لي عن كل من أسأل عنه .
وقف عند باب أحد المجمعات وتسمر في مكانه يأبى الدخول :
- أبتي ! تعالى ! سأشتري لك غداء ، تعالى أرد لك نتفا من فضائلك ...
وبعد رجاء كاد يلفه البكاء دخل وما إن أبصر الناس على كلّ شكل ولون حتى فغر فاه ، وأنا أكتم ضحكي وأبتسم له : وفجأة توقف ممسكا بيدي وضاغطا عليها حتى كادت تدمع عيناي :
- فقط أريد أن أعرف هذا الكائن الذي يمشي أمامنا ، هناك قرب ذلك الضوء الأزرق ، هناك ! هناك ! عند ذلك الكدس من اللحم ،، أريد أن أعرف هل هو امرأة أم رجل ،، أدفع ما بقي من عمري وأعرف ذلك فقط ..
- وما يهمك في ذلك ؟
- ألا ترى أن الدنيا أجدبت ولم نر المطر منذ أيام جدك رحمه الله .. كيف سيرفق الله بنا والناس ، بل الشياطين ، على هذه الحال ؟ ( ثم وهو يهمس إلي وكأن الناس تتصنت عليه ) : ما رأيك ؟ تعال نقترح عليه أو عليها أن يذهب معنا إلى طبيب شرعي . لا أحد سيثبت جنسه سواه .
وغرقتُ في الضحك ... وأفقت فوجدتني جاثما عند قدميه ، وهو مسجى أمامي وتلك الابتسامة الساخرة لا تفارق شفتيه العريضتين ..فمسحت خجل دمعتي و ضحكتي بها : رحمك الله يا أبي ..
نظر إلي بعين واحدة يوشيها خليط عجيب من الحنان والصرامة ، كان يتكئ على عاتقي في انتظار خيزرانته المحلاة بزخارف السنين ، عندما غمغم :
- إلى أين تأخذني ؟
- يا أيها الوالد ...
- دعك من تزويق الكلام ولبوس الشيطان وأفصح .
- يا أبي ... اشتقت إليك ، وهدّني البعادُ ، وأكلتْ لظى الغربة لحمي ، ونخر سوس الشوق عظمي ، فدعنا نذهب على غير نهج ، نسير كما اتفق ، فقط أريد أن أكون معك ، وأسمع لعنك وشتمك واحتجاجك على كل شيء ..
لاحظت ارتعاشة شاربه وخفقان جفنيه ، لقد كاد يبكي ، فأشفقت عليه وخفت أن أنفجر بين يديه .. فمددتُ له مفاتيح السيارة قائلا : " ستقود أنت " فردّ وقد فهم أني أريد إنقاذه من تلك الحالة التي يستحي فيها الرجل من عواطفه :
- أو تظن أني لا أقدر عليها ؟؟
"انتبه . أريدك ألاّ تخذل هذين الشاربين . كن رجلا . واصبر على الأذى حتى يملّك . واحذر إذلال الرجال ، وغضب الحليم .. خذ ،، أقم بها أود حياتك حتى يستقيم أمامك الطريق . اصنع زمنك ولا تجعله يصنعك .. "
ولم يكف عن القول حتى أني أذكر أني لم أعد أسمعه , كأنه كان يعمد إلى الكلام يغطي به عواطف بدأت ترج الضلوع تريد الإفلات والصراخ ..
وصلنا دون أن نشعر بالطريق إلى عاصمة الإقليم ، وكان الجو لا يخلو من ذلك البرد الذي يحسه الشيوخ ويضحك منه الشباب ، فأخذت بيده ، تماما كما كان يأخذ بيدي في طفولتي ليشتري لي فطائر العم سالم ،" قد مات وشبع موتا " هكذا كان يقول لي عن كل من أسأل عنه .
وقف عند باب أحد المجمعات وتسمر في مكانه يأبى الدخول :
- أبتي ! تعالى ! سأشتري لك غداء ، تعالى أرد لك نتفا من فضائلك ...
وبعد رجاء كاد يلفه البكاء دخل وما إن أبصر الناس على كلّ شكل ولون حتى فغر فاه ، وأنا أكتم ضحكي وأبتسم له : وفجأة توقف ممسكا بيدي وضاغطا عليها حتى كادت تدمع عيناي :
- فقط أريد أن أعرف هذا الكائن الذي يمشي أمامنا ، هناك قرب ذلك الضوء الأزرق ، هناك ! هناك ! عند ذلك الكدس من اللحم ،، أريد أن أعرف هل هو امرأة أم رجل ،، أدفع ما بقي من عمري وأعرف ذلك فقط ..
- وما يهمك في ذلك ؟
- ألا ترى أن الدنيا أجدبت ولم نر المطر منذ أيام جدك رحمه الله .. كيف سيرفق الله بنا والناس ، بل الشياطين ، على هذه الحال ؟ ( ثم وهو يهمس إلي وكأن الناس تتصنت عليه ) : ما رأيك ؟ تعال نقترح عليه أو عليها أن يذهب معنا إلى طبيب شرعي . لا أحد سيثبت جنسه سواه .
وغرقتُ في الضحك ... وأفقت فوجدتني جاثما عند قدميه ، وهو مسجى أمامي وتلك الابتسامة الساخرة لا تفارق شفتيه العريضتين ..فمسحت خجل دمعتي و ضحكتي بها : رحمك الله يا أبي ..