المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إِسْــفَار!



حسين العفنان
20-07-2007, 05:34 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله


((لمْ تَستطعِ (الهَيْئةُ) أنْ تَردَنِي عَنكِ ،
استطعتُ أنْ أخرجَ من حَبْسِهم وَأَنَا رفيعُ الرَّأسِ ،
لمْ يَجِدوا ذرّة تُدينني(والتفتَ إليها) :
تَحملتُ كلَّ ظُلمِهم مِن أجلكِ يا حَبيبتِي...!))

/

إِسْــفَار!
بدأتْ خفقاتُ قلبِّها تَتَريث ، ونَفَسها يعودُ إلى طبيعتِهِ ، فقد خَرجا من السُّوقِ ،وغابتْ سيارتُهما فِي سُحُب كَثيفةٍ من المُنعطفاتِ ، لكنْ ما زالتْ متوترةً...قلقةً...حائرةً!! لم تستطعْ أنْ تَتَبسط مَعَه كالسَّالفِ، فهذِهِ أولُ مرةٍ يُلح عليها بالخُروج في هذا الوَقتِ المُبكرِ ، عبثًا حاولتْ إقناعَه بالجلوسِ في المَطعمِ كانَ مُضطربًا لا يستقرُ على حَالٍ ، مُتلونًا لا ينفكُ بَصرُهُ عَن هَاتِفِه!!
فلما تَزعزتْ قالتْ مُوبخةً نَفْسها :
ما بكِ..؟!كأنّكِ أَول مرّةٍ تخرجينَ معه؟! أ ليسَ بينَكِ وَبينَه عَلاقة حَالمة تُحْسدينَ عليها؟! لم يَتجرأْ ـ على كثرةِ مجالسِكما ـ أنْ يمسكِ بسوءٍ، بلْ كانَ طاهرًا شريفًا ، وقدْ وعدكِ وعدَ حُرٍّ بِالزَّواجِ ـ فأشرقَ وَجْهَها حِينَ ذكرتِ الزَّواجِ ـ ثمّ حَدقتْ فِي وَجهه والغرورُ يُداعبُها : لعلَّ شَغفَه بي دَفعه إلى هَذا...!!

***

كانَ قريبًا مِن (خَالدٍ) تَشوشُ سَكِينتِها واضطرابُها ، فَدافعَ قَلقَه وقالَ:
ـ لمْ تَستطعِ (الهَيْئةُ) أنْ تَردَنِي عَنكِ ،استطعتُ أنْ أخرجَ من حَبْسِهم وَأَنَا رفيعُ الرَّأسِ ، لمْ يَجِدوا ذرّة تُدينني(والتفتَ إليها) تَحملتُ كلَّ ظُلمِهم مِن أجلكِ يا حَبيبتِي...!
ـ فَقَطعته حِينَ ذكرَ (الهَيْئة) فائرةً :
ـ كُرهِي لـ(لمُطاوعة) وُلدَ مَعي! واشتدَ حِينَ أَلقوا القَبضَ عَليكَ!لا أَدرِي كَيفَ قَضيتُ تِلكَ اللّياليَ خِلوًا مِنكَ؟! دعْ ذِكرَهم فإنّه ينغصُ العيشَ...!
(وَأضافتْ ) أُبشرُكَ صَرختُ فِي أَهلي وَ رَددتُ الخَاطبَ(سعودا) وفاءً لكَ..!!
فَتفاقمَ تَوترُهُ !وَطفَا على وَجهِهِ وَقيادتِهِ، فارتجَّ عَليهِ...!واسْترسلتْ :
ـ كمْ سيبتهجُ أهلِي حِينَ تقفُ فِي بَابِنا...!

***

فقطعَ حديثَها وُقوفُهُ المُفاجِئُ أمامَ إحدى الاسْتراحَاتِ!! وَاصطدمتْ بِقولِهِ :
ـ ها..وصلنا...!!
فَردّتْ والرهبةُ تَتصورُ فِي قلبِّها:
ـ ألمْ تقلْ: إنّنا نُريدُ أنْ نَتنزهَ قَليلا ثمّ نَعودُ إلى السُّوقِ؟!
فأمسكَ يَدها بِقوةٍ ، وَهو يَبتسمُ ابْتسامةً مُنكرةً:
ـ بَلى بَلى يَا حَبيبتِي...!! سَنعودُ... سَنعودُ..!!
فآبَ إليها عَقلّها..!!فهمّتْ أنْ تصرخَ...فَسلخَ صوتَها رَجلٌ خشنٌ جَبذَها خَارجَ السَّيارةِ وأَدخَلها الاستراحَةَ بِشدةٍ!!

***

حِينَ رَأتْ أَصاحِيبَ (خَالدٍ) يَأكلونَها بِنظراتِهم الجَائِعة، وَضحكاتُهم الخَبيثةُ، ونياتُهم القذرةُ، تقرعُ سمعَها وَبصرَها ، علمتْ أنّها حلتْ بوادٍ غيرِ ذي زرعٍ! فتحيرتْ في عينِها دمعةٌ خرساءٌ، فصرختْ حَتى كَادتْ نَفْسُها تَتَمزقُ:
ـ أيها الخَائنُ..!! أيها المُجرمُ..!!أيها الكَنودُ..!!
لكنْ تشتتِ الضَّعيفةُ فِي غَياهِبِ دُونيتِهم، فاشرأبّتِ الأعْناقُ وَتطاولتِ الأيدِي كلٌّ لِنفسهِ!! وَما فتِئ قَذَرُ ألسنتِهم يَتَهاوى على رَأْسِها كالصَّخرِ!!

***

وَفِي طَرفةِ عَينٍ لبسَهمُ الذُّعرُ! خَبتْ ضحِكاتُهم! التَفَتُوا عَنها!!
سَمعُوا وقعَ أقدامٍ في البَاحَةِ !
فتَطَايروا مِن أمامِها كالذُّبابِ وهم يرددونَ:
الهيئةَ...الهيئةَ...!!
فأضاءتْ قسماتُها، وتَماطرتْ عَبراتُها: (الهيئة...)!!
وتحدرَ هذا الاسمُ النُّوراني كَالماءِ الشَّبم على نفسِها الهَشيمةِ، فكانتْ كالذَّابلةِ بَاكرَها الغَيثُ ، فتوهجتْ وَرَبتْ وَأحستْ أنَّها وُلِدتْ كَرّةً أُخرى...!

بقلم : حسين العفنان ـ حائل الطّيبة

جوتيار تمر
20-07-2007, 12:42 PM
العفنان الرائع..
في الوهلة الاولى ظننت اني امام مشهد انساني..لكن صدمت وأنا اجد نفسي في نهاية القصة اغوص في وحل اللاانسانية الحديثة..والذكورية الخبيثة.. اي نص سردي يعتمد الوصف طريقا لابد وانه يريد رسم صورة ما .. دون أن يكون متقصدا هدفا يراهن عليه الواصف..و مرجع الرؤية في تتبع الموصوف.. يتجاوز بالضرورة عينية المشاهدة لحركة التفاصيل ..إلى ذهنية التخيل العاقل في اتجاه تحديد الرسالة المراد وقرها في العقل عن طريق الوجدان . .وهذا ما لامسته في النص اتخاذ الكلمة منذ البدء وسيلة لترسيخ وايصال الفكرة الاساس الى المتلقي ..وبسردية اتقنت اختيار التعابير..وكذلك احتواء الزمينة والمكانية في النص ذاته.

دمت بخير
محبتي لك
جوتيار

نوف السعيدي
21-07-2007, 12:50 PM
الأديب حسين العفنان

رائعة هذه القصة التي كتبت على شكل مقاطع
أجدت المساقات والبناء التشويقي وأحسنت رسم الصورالآنية المعبّرة عميقة المغزى
تاركا فسحة خيال واسعة للقارئ وهواجسه
والقصة قدمت رسالة تربوية ودعوية ناجحة
لك خالص التحايا

نوف

محمد سامي البوهي
21-07-2007, 01:42 PM
سيدي
أرحب بك أجل الترحيب بواحتنا الفاضلة ، التي لو علم عنها أفلاطون لأعاد النظر آلاف المرات في فكرة الموت ....
لفت نظري أنك استخدمت تقنية المقطع الفلاشي في بناء القصة ، وهذه التقنية تعطي القارىء مراحل بينية يستطيع من خلالها إلتقاط الأنفاس ، كما أنها من الصنعات البنائية الناجحة ، لكونها تعتمد ازالة الملل ، والتقسيم العقلي للأحداث .........
جاءت قصتك بتسلسل ، إلى أن أنطوت على نهاية انتزعت من الحدث نفسه ، في اعتقادي الشخصي أن البداية كانت أقوى بكثير من النهاية ، أهنئك على ادارة الشخوص ، واكتمالها ، لكن النهاية كنت اود لها الاقوى .........
ودي وتقديري

ربيحة الرفاعي
19-09-2014, 11:32 PM
قص شائق الأسلوب بتقنية اللقطات المنفصلة التي تخضع المتلقي لسلطة السارد الممسك بعناصر اللقطة يصورها المراد تصويرها بخلفياتها المزمع اقتناصها ودلالاتها المراد التأشير إليها كفكرة للنص

أحسنت القص فكرة وأداء أيها الكريم

دمت بخير


تحاياي

نداء غريب صبري
13-12-2014, 08:51 PM
قصة رائعة
أسلوب أخي القاص فيها جميل ومميز
أمتعتني قراءتها

شكرا لك

بوركت

خلود محمد جمعة
22-05-2015, 02:28 PM
طرح طيب وفكر نبيل بيراع متألق يعلم كيف يسير بقوة وعمق فوق السطور
رسالة اجتماعية وتوعوية رائعة وصلت بوضوح
بوركت وكل التقدير

علاء سعد حسن
22-05-2015, 04:07 PM
نص ممتع استطاع بقوته وانسيابته أن ينتصر على مباشرة الوعظ..

حتى وإن كان ينتصر لـ"هيئة" ما.. أكثر من انتصاره للمبدأ الأخلاقي ذاته..

إلا أنه يظل قويا أخاذا.. بسرد ممتع اخذني إلى نهاية القراءة بلا سأم أو ملل

آمال المصري
02-10-2015, 10:40 PM
سرد مائز لفكرة جديرة بالنسج ولغة أنيقة أتقنت من خلالها رسم المشاهد باقتدار ونقل الصورة كما أردت لها أن تصل
ليتك عممت الجهة المكانية " الهيئة " حتى لاتحجم النص بمنطقة معينة
بوركت واليراع
ومرحبا بك ي واحتك
تحاياي

ناديه محمد الجابي
05-04-2017, 08:20 PM
ببناء سردي مميز، وأداء جميل ، وأسلوب مشوق جذاب
رسمت صورة معبرة للإنسان الذي يدعي البراءة حين يكشر عن وجهه الخبيث
في قصة أجدت رسم أحداثها.
نص هادف يجمل رسالة تربوية وصلت وأوصلت.
تحياتي وتقديري.
:hat::hat: