مشاهدة النسخة كاملة : حمائم ورقية للفرح
حنان الاغا
21-07-2007, 04:08 PM
حمائم ورقية للفرح
تهادت السيارة صعودا نحو الشوارع العتيقة ، فانعكس بريق القبة المذهبة في عينيه دفأ غريبا ووهجا أضاء له ما كان معتما طيلة سني عمره القليلة.
صدرت عنه تنهيدة عميقة مسموعة . هذه هي القدس .
تسللت إلى أنفه روائح غير مألوفة . لن يقول عنها إنها منعشة أو جميلة ، ولن يقول إنها لا تشبه روائح المخيم . هي غير هذا كله . حروف الأبجدية كلها لا تستطيع لها وصفا .ربما هي روائح المدن ! لالا ، إنها روائح القدس خدّرت حيْرته وربتت على قلبه وهبت على روحه برداً وسلاما .
تداعت حياته الغضة أمامه شريطا حافلا من الذكريات ، منها ما خبرها بنفسه ، ومنها ما رواها له المخيم ، منذ ولادته ، ثم ترعرعه فيه نبتة برية لم ترأف بها أكف أب ، ولم يحضنها قلب أم . ومنذ تلقفته الأثداء ترضعه حليب اليتم ، وتناولته الأذرع تمنحه بعض حنان مفقود ، إلى المدرسة الداخلية الخاصة بأبناء الشهداء حيث تخرج فيها طالبا متميزا ينبىء عن عبقرية في طور التهيئة ، وإلى صباح هذا اليوم عندما أبلغه المدير بأنه قد خُصّ بمنحة دولية لإتمام دراسته العليا في الخارج.
_ اسمع يا بني . سيكون لك شأن . ستسافر وتتعلم وتنسى كل ما مررت به هنا .
رفع حاجبيه دهشة وهو يقول : ولكني أحب هذا المكان ، ولا أود مغادرته !
نظر المدير في عينيه نظرة غريبة ، ثم قال بلهجة حازمة : أوراقك ها هي ، جاهزة . وتصريح زيارتك للقدس جاهز . إليك به.
كان قد جاء من أخبره منذ مدة أن له عمة تعيش في القدس فقفز قلبه ونطفت روحه لدى سماع الخبر .
تجمعت الروائح في صدره ، واحتشدت الأصوات في سمعه ، في خليط شهي الوقع .
فتح عينيه على وسعهما عندما توقفت السيارة . وخفق قلبه بعنف عندما أخبره السائق أنهما وصلا للعنوان المقصود.
قفز خارجا ً من السيارة وهو يتأمل السفح الممتد أمام ناظريه لوحة فسيفسائية مرصعة بالبيوت والخضرة .جالت عيناه بعشق غريزي ، وكانت تتوقف كل لحظة أمام نافذة جميلة أو شرفة عتيقة تدخل النسمات عبرها وتخرج منها زفرات محملة بحزن مقيم .
ها هي البيوت المعتقة بروائح العز والفخار ترنو إليه وتفصح عن مكنوناتها ، وتفتح قلبها الذي نقشته أنامل مبدعين كانوا يوما ًهنا ، ولا يزال أحفادهم هنا لكن محرومين من استئناف مسيرة الجمال الذي يسكن حواسهم.
نظر بإمعان إلى شرفة من هذه الشرفات فرأى جذع امرأة كأنها ملاك أبيض يرفرف من بعيد ، وسمع صوت زغرودة تتعالى مع الصدى حتى بلغت أعلى الذرى ، فتحركت لها أوراق الزيتون جذلى ، تهفو لفرح مجهول .
صعد السلالم الحجرية الصقيلة وهو يتأملها واحدة واحدة ، يود لو يقبلها ، إلا أن بعض وجوه حمراء غريبة الملامح كانت ترمقه بشك وارتياب جعلته يكتفي باغتراف المكان بعينيه وصبه في القلب في دفقة واحدة.
أسرع إلى الباب الذي عرفه بحَدْسه ، ونظر إلى الاسم المكتوب على اللافتة النحاسية الصغيرة المثبتة على الباب الأخضر بلون السرو . أمسك يد الباب النحاسية وقرع الباب بها ، ثم اقترب بوجهه منها يقبل اسم عائلته المنقوش أمامه ، وعلى وجيب قلبه وهو يستذكر أسماء أجداده وأعمامه ويتخيل بصمات أبيه طفلاً طالما قرع الباب نفسه باليد النحاسية الجميلة نفسها .
برهة وفتح الباب ، واحتواه الصدر الحنون
_ يا فرحتي يا بني . يا فرحتي
انهمرت الدموع سخينة ، واختلطت معا
_ عمتي . عمتي . عمتي !!
أحس برغبة ملحة في أن يكرر اللفظ حتى يعيَ أن هناك على قيد الحياة من يسري في شرايينه دم من دمه هو .
انطلق خارجاً من صدرها وجعل يتفقد المكان ، السقف المرتفع ، والغرف الفسيحة ، والأثاث الخشبي العتيق المشبع برائحة السنديان ، والعيون الغريبة التي تخترق الجدران غير راضية بوجود هذا الغصن من هذه الشجرة التي آلت للسقوط .
_ اجلسي عمتي . سأذهب لأشرب من ماء القدس . وتوجه للمطبخ وفتح صنبور المياه فتحة كاملة فاندفع الماء المبارك متدفقا في الحوض . خفض رأسه ليشرب من الماء بفمه عندما تراءى له خيال طويل يتدلى من السدة قرب السقف ، باتجاه الماء . توقف ، ونظر فتسمرت عيناه وبقي فمه مفتوحاً عندما رأى عينا ً تنظر إليه بدعة لا تتناسب مع المشهد . توقفت أنفاسه ، وغص بريقه ، وانعقد لسانه وشلت حركته ، فقط صوت عمته يقترب متسائلا : ما بك لا تجيب ؟
ثم وهي تقف إلى جانبه تلفه بذراعها : لا تخف يا بني ! هي تسكن هنا من قبل أن يولد جدك ، تنزل لتشرب كلما سمعت صوت الماء . ثم بابتسامة لا مثيل لها : هي بنت القدس تسليني في وحدتي ، لم تتركني ، ولم تغادر هذا البيت ، تشرب ماءه وتأكل من بقايا طعامه.
تحركت شفتاه ببطء : بنت القدس . في الوقت الذي بدأ الجسد الممتد المصقول يتلوى صعودا نحو رطوبة مسكنه .
بكى وضحك ، وضحك وبكى وأجهش وقهقه.
مد يده في جيبه وأخرج أوراق المنحة ومزقها نتفا صغيرة وهو يقترب من النافذة التي شهدت للمرة الأولى منذ عقود فرحا ينطلق منها وينتثر في سماء القدس بياضا ً مختلطا مع حمائم الحرم .
_________________
حنان الأغا
21 -7 -2007
عمّان
جوتيار تمر
21-07-2007, 05:29 PM
حنان...
حمامة تبسط جناحيها على منبع الحرف والفن..كما تفعل في نصها حمائم ورقية للفرح..حيث قدمت لنا سواء على مستوى المعمار الفني المحكم البناء ..أوعلى مستوى العمق الدلالي للحدث الذي يتوسل به لتشكيل المعنى المستهدف بالتصوير في ذهن القارئ..التنازع الطبيعي في الوجدان بين الرغبة والرهبة قدر إنساني وقد قدمت بالفعل صورة جميلة عن وجه من أوجهه في شخص العمة والابن.. والمدينة التي هي قدر اخر من اقدار الانسان المؤمن بها..وبين التنازع الذاتي..والوجداني..والتفاعل مع المحيط الخارجي..وقبلها الداخلي..تجلت لنا اجمل صورة يمكن لفنان ان يرسمها...حيث الانتماء الذي كان هو الحكم النهائي على الحدث القصصي هنا وفي لمحة وجدانية بارعة من الساردة.
حنان..
وتفيض الايام بالنوادر..!!
محبتي لك
جوتيار
د. محمد حسن السمان
21-07-2007, 06:56 PM
سلام الـلـه عليكم
رؤية خاطفة في قصة " حمائم ورقية للفرح " للأديبة الفلسطينية حنان الآغا .
قصة " حمائم ورقية للفرح "
عمل فني رائع , ابتداء من اللغة الرصينة , إلى عبارت جيدة السبك , ليتباهى البناء ويأتلق , بمنظومات من الاتاشيد الداخلية , والصور الرائعة المعبّرة عن خلجات نفسية عميقة , ومرتسمات مؤثرة للمعاناة , مع ترك مساحات رحبة لخيال القارئ وتحليلاته , ولقد اضفت السردية المحكمة على القصة , عبقا اسطوريا , يخال القارئ أنه يعيش كل لحظة والتفاتة , فالحبكة متفوقة مقتعة , ثم يظهر النص روعة خالصة , عندما يرسم صورة القدس , باستخدام الابعاد المنظورة التي تعكس بحرفية ابعادا نفسية وفكرية شديدة التأثير , ثم جاءت النهاية المدهشة , على غير المتوقع , عندما يتم تمزيق أوراق المنحة , في إشارة الى عمق المشاعر , وعودة الالتحام مع المدينة المقدسة .
وقصة " حمائم ورقية للفرح " تقدم لنا نموذجا متقدما , لما نطلق عليه أدب التضال الفلسطيني , حيث يتم توثيق ملامح البلد , وتوثيق ملامح العادات والتقاليد , والملامح النفسية والنضالية , ويفجّر رسالة قوية بعودة الحق لأصحابه .
د. محمد حسن السمان
http://www4.0zz0.com/2007/07/21/15/78175405.gif
صبيحة شبر
22-07-2007, 01:18 AM
الأديبة المميزة حنان الأغا
بألفاظ منتقاة بعناية وفكرة جميلة ومشاعر تتوهج بالبهاء
تأخذنا القاصة القديرة باسوبها الفريد في رحلة حبيبة
نحس بالمكان ونحلم مع البطل اليتيم
ابن الدين علي
22-07-2007, 03:27 PM
اعجبني تصويرك للقدس الشريف بجمل تنم عن ذكاء إبداعي و تحكم رصين في الصياغة و النهاية كانت ممتازة فيها عبرة لمن يعتبر
محمد سامي البوهي
22-07-2007, 03:54 PM
النقية القديرة / حنان الأغا
رأيتك هنا كعادتك تعتمدين على المشهد السينمائي المصور بالحرف ، وذلك من بداية ولوج القارىء للنص ، اللعبة المكانية محكمة جداً ، فالمكان هو البطل الحقيقي للقصة ، جاء سردك ممهداً ، يتنامى مع التطور الطبيعي للحدث ، معتمدة على أدواتك القصصية المغلفة بأغلفة مزركشة بلوحات فنية ، تنسجها جملك المتبخترة على طرق الأعين القارئة ، الشخصيات هنا محلها الطابور الثاني ، أما المعالم ، سواء كانت هي معالم حية أو معالم جامدة ، فقد جاءت في المقدمة ، وهذا هو الهدف الأساسي المتعمد بالنص ، وهو إبراز ذات المكان ، وخلطها بالذات الإنسانية .
هاجس الإغتراب يلعب دور الخلفية المائية لهذا النص ، وقد بدت ملامحه مع تلك الأوراق ، وتلك الموافقات ، التي من خلالها يمكنه زيارة المدينة المقدسة ، استعمالك للمثيرات الإيجابية فوق الروعة، وقد ظهر في مواطن عدة ، أذكر منها الرائحة مثلاً ، و كذلك المياة المباركة ، وكذلك العمة كمثير تجسيدي مشخص ..
ما قبل النهاية عندك لعب فيه ذكاؤك دوراً كبيراً ، حيث الحشد الشعوري ، والتشويقي عن كون المخلوق الذي داهم الشخصية الرئيسية ، والذي طل عليه من حيث لا ينتظر ، لكن في النهاية ، جاء الإبهام الموظف لكنه هذا المخلوق ، وإن كنت أتساءل لما نعت بأنه أسود اللون ، لكن أجبت على نفسي السؤال ، وقلت طالما هي ابنة القدس فلابد وأن تكون سوداء اللون ، سواد الحزن ، و التدنيس ، والظلم ، في النهاية كانت النهاية جنونية ، ومتمردة ، وفي نفس الوقت طفولية ، وتحمل الكثير من معاني الحرية ، حيث أن تمزيق الورق الفاصل بينه وبين المدينة ، يعتبر ضربا لتلك القوانيتن ، وتلك الاوراق المفتعلة التي تفصل أجسادنا عن أماكننا المحببة ، فكان تطاير قطعها الممزقة بمثابة فرحة ، تشبة تلك الفرحة التي تغمرنا عندما تتطاير من حولنا الحمائم البيضاء ........
ننتظر دائما الجديد هنا لنتعلم سيدتي
محمد
علي أسعد أسعد
22-07-2007, 04:31 PM
مساء الخير أديبتنا الكبيرة
تم التعديل
وأعتذر عن التأخير ..
قصة رائعة كعادتك ..
بارك الله بنبضك
وقلمك الوارف
زاهية
22-07-2007, 07:08 PM
قرأت المتصفح كله نصًا وردودًا
سعدت جدًا بهذا الجمال الحرفي ياحنان
ماقاله الكرام هنا كان رائعًا أيضًا
بانتظار نصوص أخرى تعبق بالجمال
والوعي والفكر كحمائم ورقية للفرح
أختك
بنت البحر
حنان الاغا
23-07-2007, 02:49 AM
حنان...
حمامة تبسط جناحيها على منبع الحرف والفن..كما تفعل في نصها حمائم ورقية للفرح..حيث قدمت لنا سواء على مستوى المعمار الفني المحكم البناء ..أوعلى مستوى العمق الدلالي للحدث الذي يتوسل به لتشكيل المعنى المستهدف بالتصوير في ذهن القارئ..التنازع الطبيعي في الوجدان بين الرغبة والرهبة قدر إنساني وقد قدمت بالفعل صورة جميلة عن وجه من أوجهه في شخص العمة والابن.. والمدينة التي هي قدر اخر من اقدار الانسان المؤمن بها..وبين التنازع الذاتي..والوجداني..والتفاعل مع المحيط الخارجي..وقبلها الداخلي..تجلت لنا اجمل صورة يمكن لفنان ان يرسمها...حيث الانتماء الذي كان هو الحكم النهائي على الحدث القصصي هنا وفي لمحة وجدانية بارعة من الساردة.
حنان..
وتفيض الايام بالنوادر..!!
محبتي لك
جوتيار
___________________________
جوتيار
أيها الصديق الذي يمنح الكلمة كيانها ويكشف عن مكنوناتها ببصره الثاقب ، وبصيرته الصافية،
يبقى للنص وما يعبر عنه السلطة الحقيقية فهو يكتب نفسه أحيانا ويسوقنا معه في رحلة الاستكشاف المدهشة .
شكرا لإطرائك جو
مودتي دائما
حنان الاغا
23-07-2007, 02:11 PM
سلام الـلـه عليكم
رؤية خاطفة في قصة " حمائم ورقية للفرح " للأديبة الفلسطينية حنان الآغا .
قصة " حمائم ورقية للفرح "
عمل فني رائع , ابتداء من اللغة الرصينة , إلى عبارت جيدة السبك , ليتباهى البناء ويأتلق , بمنظومات من الاتاشيد الداخلية , والصور الرائعة المعبّرة عن خلجات نفسية عميقة , ومرتسمات مؤثرة للمعاناة , مع ترك مساحات رحبة لخيال القارئ وتحليلاته , ولقد اضفت السردية المحكمة على القصة , عبقا اسطوريا , يخال القارئ أنه يعيش كل لحظة والتفاتة , فالحبكة متفوقة مقتعة , ثم يظهر النص روعة خالصة , عندما يرسم صورة القدس , باستخدام الابعاد المنظورة التي تعكس بحرفية ابعادا نفسية وفكرية شديدة التأثير , ثم جاءت النهاية المدهشة , على غير المتوقع , عندما يتم تمزيق أوراق المنحة , في إشارة الى عمق المشاعر , وعودة الالتحام مع المدينة المقدسة .
وقصة " حمائم ورقية للفرح " تقدم لنا نموذجا متقدما , لما نطلق عليه أدب التضال الفلسطيني , حيث يتم توثيق ملامح البلد , وتوثيق ملامح العادات والتقاليد , والملامح النفسية والنضالية , ويفجّر رسالة قوية بعودة الحق لأصحابه .
د. محمد حسن السمان
http://www4.0zz0.com/2007/07/21/15/78175405.gif
______________________________
الأديب الدكتور السمان
ما أصدقها رؤية وما أبدعه تحليلا أيها الفاضل .
هو دأب العالم المبتكر يبحث ويجرب ويوائم ولا يتوقف حتى حين يصل لنتائجه التي تصبح بداية لبحث جديد.
ويبدو أن رؤيتك هذه فتحت أمامي بابا لأفكار كثيرة قادمة بإذن الله.
ويشرفني أنك وجدت في قصتي ما يرفعها لمستوى الأدب الفلسطيني الذي هو الوجه الآخر المشرق للقضية الفلسطينية العربية .
تحياتي ومودتي أيها المبدع
حنان الاغا
23-07-2007, 02:14 PM
الأديبة المميزة حنان الأغا
بألفاظ منتقاة بعناية وفكرة جميلة ومشاعر تتوهج بالبهاء
تأخذنا القاصة القديرة باسوبها الفريد في رحلة حبيبة
نحس بالمكان ونحلم مع البطل اليتيم
____________________________
القاصة المبدعة صبيحة شبر
من عاش الواقع الملطخ بوجود احتلال بغيض أيا كان أصحابه يستطيع أن يتفاعل ويحس بالكلمة.
أشكر لك هذا التعقيب المفعم عاطفة ومرارة قهر
محبتي صبيحة
حنان الاغا
23-07-2007, 10:39 PM
الأديبة المميزة حنان الأغا
بألفاظ منتقاة بعناية وفكرة جميلة ومشاعر تتوهج بالبهاء
تأخذنا القاصة القديرة باسوبها الفريد في رحلة حبيبة
نحس بالمكان ونحلم مع البطل اليتيم
________________________
القاصة العزيزة صبيحة
سعيدة بك هنا وفي كل مكان أرى اسمك فيه
واسمحي لي أن أحييك لهذه القراءة المتأملة المتعاطفة .
تحياتي
حنان الاغا
23-07-2007, 10:45 PM
اعجبني تصويرك للقدس الشريف بجمل تنم عن ذكاء إبداعي و تحكم رصين في الصياغة و النهاية كانت ممتازة فيها عبرة لمن يعتبر
_____________________________
الأخ ابن الدين علي
قراءة واعية رائعة
أشكرك أيها الأخ الفاضل
تحياتي
ضحى بوترعة
23-07-2007, 11:00 PM
العزيزة حنان
لأنّك فنانة رسمت لنا لوحة جميلة تخترق الأمل والألم تخترق جما السرد واللغة
شكرا لك أيتها المبدعة الفنانة
محبتي لك
وفاء شوكت خضر
24-07-2007, 02:44 AM
حنان الأغا ..
القلم والفرشاة توامان سياميان بين اناملك .. تجعل نصوصك لوحات فنية ، بنمنمة دقيقة ملونة ، تظهر فيها الحركة ، والصوت والرائحة والنور والظل ، حتى حاسة اللمس ، فنجد أنفسنا بكل حواسنا نتبعك .فنانة متمكنة من أدواتها الفنية والأدبية ، وتعرف كيف تزخرف الحرف ، ليظهر بأجمل صوره وألوانه .
قصة نزف تحروفها من شقوق الروح المتقرحة بالغربة ، لتصب في تربة امتدت فيها شرايين الإنتماء ، لتتشبث بارض هجرناها قسرا ، فأتت حروفك تصويرية معبرة .
لأني أحب حرفك ، أخشى أن تكون شهادتي بهذا النص مجروحة ، وأنا ابنتة الأرض التي أنت منها .
هذا الألق يستحق أن تنحني له اقلامنا تبجيلا .
لك الحب والود وطاقات الورد.
أديبة
الشربينى خطاب
24-07-2007, 06:02 AM
حمائم ورقية للفرح
تهادت السيارة صعودا نحو الشوارع العتيقة ، فانعكس بريق القبة المذهبة في عينيه دفأ غريبا ووهجا أضاء له ما كان معتما طيلة سني عمره القليلة.
صدرت عنه تنهيدة عميقة مسموعة . هذه هي القدس .
تسللت إلى أنفه روائح غير مألوفة . لن يقول عنها إنها منعشة أو جميلة ، ولن يقول إنها لا تشبه روائح المخيم . هي غير هذا كله . حروف الأبجدية كلها لا تستطيع لها وصفا .ربما هي روائح المدن ! لالا ، إنها روائح القدس خدّرت حيْرته وربتت على قلبه وهبت على روحه برداً وسلاما .
تداعت حياته الغضة أمامه شريطا حافلا من الذكريات ، منها ما خبرها بنفسه ، ومنها ما رواها له المخيم ، منذ ولادته ، ثم ترعرعه فيه نبتة برية لم ترأف بها أكف أب ، ولم يحضنها قلب أم . ومنذ تلقفته الأثداء ترضعه حليب اليتم ، وتناولته الأذرع تمنحه بعض حنان مفقود ، إلى المدرسة الداخلية الخاصة بأبناء الشهداء حيث تخرج فيها طالبا متميزا ينبىء عن عبقرية في طور التهيئة ، وإلى صباح هذا اليوم عندما أبلغه المدير بأنه قد خُصّ بمنحة دولية لإتمام دراسته العليا في الخارج.
_ اسمع يا بني . سيكون لك شأن . ستسافر وتتعلم وتنسى كل ما مررت به هنا .
رفع حاجبيه دهشة وهو يقول : ولكني أحب هذا المكان ، ولا أود مغادرته !
نظر المدير في عينيه نظرة غريبة ، ثم قال بلهجة حازمة : أوراقك ها هي ، جاهزة . وتصريح زيارتك للقدس جاهز . إليك به.
كان قد جاء من أخبره منذ مدة أن له عمة تعيش في القدس فقفز قلبه ونطفت روحه لدى سماع الخبر .
تجمعت الروائح في صدره ، واحتشدت الأصوات في سمعه ، في خليط شهي الوقع .
فتح عينيه على وسعهما عندما توقفت السيارة . وخفق قلبه بعنف عندما أخبره السائق أنهما وصلا للعنوان المقصود.
قفز خارجا ً من السيارة وهو يتأمل السفح الممتد أمام ناظريه لوحة فسيفسائية مرصعة بالبيوت والخضرة .جالت عيناه بعشق غريزي ، وكانت تتوقف كل لحظة أمام نافذة جميلة أو شرفة عتيقة تدخل النسمات عبرها وتخرج منها زفرات محملة بحزن مقيم .
ها هي البيوت المعتقة بروائح العز والفخار ترنو إليه وتفصح عن مكنوناتها ، وتفتح قلبها الذي نقشته أنامل مبدعين كانوا يوما ًهنا ، ولا يزال أحفادهم هنا لكن محرومين من استئناف مسيرة الجمال الذي يسكن حواسهم.
نظر بإمعان إلى شرفة من هذه الشرفات فرأى جذع امرأة كأنها ملاك أبيض يرفرف من بعيد ، وسمع صوت زغرودة تتعالى مع الصدى حتى بلغت أعلى الذرى ، فتحركت لها أوراق الزيتون جذلى ، تهفو لفرح مجهول .
صعد السلالم الحجرية الصقيلة وهو يتأملها واحدة واحدة ، يود لو يقبلها ، إلا أن بعض وجوه حمراء غريبة الملامح كانت ترمقه بشك وارتياب جعلته يكتفي باغتراف المكان بعينيه وصبه في القلب في دفقة واحدة.
أسرع إلى الباب الذي عرفه بحَدْسه ، ونظر إلى الاسم المكتوب على اللافتة النحاسية الصغيرة المثبتة على الباب الأخضر بلون السرو . أمسك يد الباب النحاسية وقرع الباب بها ، ثم اقترب بوجهه منها يقبل اسم عائلته المنقوش أمامه ، وعلى وجيب قلبه وهو يستذكر أسماء أجداده وأعمامه ويتخيل بصمات أبيه طفلاً طالما قرع الباب نفسه باليد النحاسية الجميلة نفسها .
برهة وفتح الباب ، واحتواه الصدر الحنون
_ يا فرحتي يا بني . يا فرحتي
انهمرت الدموع سخينة ، واختلطت معا
_ عمتي . عمتي . عمتي !!
أحس برغبة ملحة في أن يكرر اللفظ حتى يعيَ أن هناك على قيد الحياة من يسري في شرايينه دم من دمه هو .
انطلق خارجاً من صدرها وجعل يتفقد المكان ، السقف المرتفع ، والغرف الفسيحة ، والأثاث الخشبي العتيق المشبع برائحة السنديان ، والعيون الغريبة التي تخترق الجدران غير راضية بوجود هذا الغصن من هذه الشجرة التي آلت للسقوط .
_ اجلسي عمتي . سأذهب لأشرب من ماء القدس . وتوجه للمطبخ وفتح صنبور المياه فتحة كاملة فاندفع الماء المبارك متدفقا في الحوض . خفض رأسه ليشرب من الماء بفمه عندما تراءى له خيال طويل يتدلى من السدة قرب السقف ، باتجاه الماء . توقف ، ونظر فتسمرت عيناه وبقي فمه مفتوحاً عندما رأى عينا ً تنظر إليه بدعة لا تتناسب مع المشهد . توقفت أنفاسه ، وغص بريقه ، وانعقد لسانه وشلت حركته ، فقط صوت عمته يقترب متسائلا : ما بك لا تجيب ؟
ثم وهي تقف إلى جانبه تلفه بذراعها : لا تخف يا بني ! هي تسكن هنا من قبل أن يولد جدك ، تنزل لتشرب كلما سمعت صوت الماء . ثم بابتسامة لا مثيل لها : هي بنت القدس تسليني في وحدتي ، لم تتركني ، ولم تغادر هذا البيت ، تشرب ماءه وتأكل من بقايا طعامه.
تحركت شفتاه ببطء : بنت القدس . في الوقت الذي بدأ الجسد الممتد المصقول يتلوى صعودا نحو رطوبة مسكنه .
بكى وضحك ، وضحك وبكى وأجهش وقهقه.
مد يده في جيبه وأخرج أوراق المنحة ومزقها نتفا صغيرة وهو يقترب من النافذة التي شهدت للمرة الأولى منذ عقود فرحا ينطلق منها وينتثر في سماء القدس بياضا ً مختلطا مع حمائم الحرم .
_________________
حنان الأغا
21 -7 -2007
عمّان
الأستاذة الفاضلة / حنان الأغا
عنما قرأت النص ترنمت في خيالي فيروز العرب بصوتها الشجي فخلقت لمشاهد النص موسيقي تصويرية حملت إلي نسمات مقدسية فتحرك بداخلي شيء وتمنيت صلاة في الأقصي قبل الممات
الوصف السردي للمكان والشخوص مجموعة من لوحات تشكيلية بريشة فنانة مبدعة جملها موحية بل تفتح باب التخيل عند المتلقي علي مصراعيه إلا بعض مفردات جائت صريحة ومتكررة في السرد { صدرت عنه تنهيدة عميقة مسموعة . ـ هذه هي القدس .ربما هي روائح المدن ! لالا ، إنها روائح القدس ـ ـ أن له عمة تعيش في القدس ـ وتصريح زيارتك للقدس جاهز . إليك به. اجلسي عمتي . سأذهب لأشرب من ماء القدس ـ هي بنت القدس تسليني في وحدتي ـ وينتثر في سماء القدس بياضا ً مختلطا مع حمائم الحرم . }
ثم أن النص يوحي بما فيه الكفاية أن بطل القصة فاقد أمه وأبيه وبنت القدس أيضاً فلما التصريح {إلى المدرسة الداخلية الخاصة بأبناء الشهداء }
أعتذر عن تدخلي في هذا النص الثري و الجميل ، ربما من وجهة نظري لو تخلص النص من هذه الألفاظ المتكررة لزاد جمالاً علي جمال
كل قراءة احتمال 000
خالص تقديري واحترامي
حنان الاغا
25-07-2007, 01:46 PM
النقية القديرة / حنان الأغا
رأيتك هنا كعادتك تعتمدين على المشهد السينمائي المصور بالحرف ، وذلك من بداية ولوج القارىء للنص ، اللعبة المكانية محكمة جداً ، فالمكان هو البطل الحقيقي للقصة ، جاء سردك ممهداً ، يتنامى مع التطور الطبيعي للحدث ، معتمدة على أدواتك القصصية المغلفة بأغلفة مزركشة بلوحات فنية ، تنسجها جملك المتبخترة على طرق الأعين القارئة ، الشخصيات هنا محلها الطابور الثاني ، أما المعالم ، سواء كانت هي معالم حية أو معالم جامدة ، فقد جاءت في المقدمة ، وهذا هو الهدف الأساسي المتعمد بالنص ، وهو إبراز ذات المكان ، وخلطها بالذات الإنسانية .
هاجس الإغتراب يلعب دور الخلفية المائية لهذا النص ، وقد بدت ملامحه مع تلك الأوراق ، وتلك الموافقات ، التي من خلالها يمكنه زيارة المدينة المقدسة ، استعمالك للمثيرات الإيجابية فوق الروعة، وقد ظهر في مواطن عدة ، أذكر منها الرائحة مثلاً ، و كذلك المياة المباركة ، وكذلك العمة كمثير تجسيدي مشخص ..
ما قبل النهاية عندك لعب فيه ذكاؤك دوراً كبيراً ، حيث الحشد الشعوري ، والتشويقي عن كون المخلوق الذي داهم الشخصية الرئيسية ، والذي طل عليه من حيث لا ينتظر ، لكن في النهاية ، جاء الإبهام الموظف لكنه هذا المخلوق ، وإن كنت أتساءل لما نعت بأنه أسود اللون ، لكن أجبت على نفسي السؤال ، وقلت طالما هي ابنة القدس فلابد وأن تكون سوداء اللون ، سواد الحزن ، و التدنيس ، والظلم ، في النهاية كانت النهاية جنونية ، ومتمردة ، وفي نفس الوقت طفولية ، وتحمل الكثير من معاني الحرية ، حيث أن تمزيق الورق الفاصل بينه وبين المدينة ، يعتبر ضربا لتلك القوانيتن ، وتلك الاوراق المفتعلة التي تفصل أجسادنا عن أماكننا المحببة ، فكان تطاير قطعها الممزقة بمثابة فرحة ، تشبة تلك الفرحة التي تغمرنا عندما تتطاير من حولنا الحمائم البيضاء ........
ننتظر دائما الجديد هنا لنتعلم سيدتي
محمد
________________________
القاص الأديب البوهي
أصبت أيها الأخ
المكان له أهمية مضاعفة ، فهو بمثابة سجل الوقائع والحدثان .
تمر منه الأزمنة كلها فتترك بصمة هنا وركلة هناك
ويبقى الإنسان في المكان أرواحا متتالية تأخذ من السلف لتصبح الخلف والسلف من جديد
وإنسان منطقتنا التي وطئتها أزمان مختلفة ، له ذاكرة تعي الكثير .
شكرا البوهي لقراءتك المستنيرة
حنان الاغا
25-07-2007, 01:50 PM
مساء الخير أديبتنا الكبيرة
تم التعديل
وأعتذر عن التأخير ..
قصة رائعة كعادتك ..
بارك الله بنبضك
وقلمك الوارف
_______________________
الشاعر الصديق علي
أولا شكرا لتعاونك .
ثم شكرا لردك العذب المشجع كعادته دائما .
أسعدني مرورك
تحياتي
حنان الاغا
25-07-2007, 01:53 PM
قرأت المتصفح كله نصًا وردودًا
سعدت جدًا بهذا الجمال الحرفي ياحنان
ماقاله الكرام هنا كان رائعًا أيضًا
بانتظار نصوص أخرى تعبق بالجمال
والوعي والفكر كحمائم ورقية للفرح
أختك
بنت البحر
___________________----
زاهية الغالية
شاعرتنا المحلقة أدبا وشعرا ومحبة
لروحك الراضية الراقية كل الحب ، ولرأيك الاعتزاز
أتمنى لك الفرح الدائم
محبتي
حنان الاغا
25-07-2007, 01:55 PM
العزيزة حنان
لأنّك فنانة رسمت لنا لوحة جميلة تخترق الأمل والألم تخترق جما السرد واللغة
شكرا لك أيتها المبدعة الفنانة
محبتي لك
_______________________
أشكر الله سبحانه وتعالى على كل شيء
تحياتي لك أيتها الرقيقة ضحى
وسعيدة لأن هذه القصة حازت إعجابكم
مودتي
حنان الاغا
25-07-2007, 01:59 PM
حنان الأغا ..
القلم والفرشاة توامان سياميان بين اناملك .. تجعل نصوصك لوحات فنية ، بنمنمة دقيقة ملونة ، تظهر فيها الحركة ، والصوت والرائحة والنور والظل ، حتى حاسة اللمس ، فنجد أنفسنا بكل حواسنا نتبعك .فنانة متمكنة من أدواتها الفنية والأدبية ، وتعرف كيف تزخرف الحرف ، ليظهر بأجمل صوره وألوانه .
قصة نزف تحروفها من شقوق الروح المتقرحة بالغربة ، لتصب في تربة امتدت فيها شرايين الإنتماء ، لتتشبث بارض هجرناها قسرا ، فأتت حروفك تصويرية معبرة .
لأني أحب حرفك ، أخشى أن تكون شهادتي بهذا النص مجروحة ، وأنا ابنتة الأرض التي أنت منها .
هذا الألق يستحق أن تنحني له اقلامنا تبجيلا .
لك الحب والود وطاقات الورد.
أديبة
_______________________
الصديقة الصدوقة وفاء
لقد أدهشني هذا التشبيه حقا وفرحت به وجعلني أفكر بأشياء كثيرة .
سبحان الله
كيف تأتيك الفكرة بهذه التلقائية والحميمية .
عزيزتي
لأنك تحبين حرفي فأنا متأكدة أنك تقولين إحساسك تجاهه بكل صدق ، وهذا لصالحي بالتأكيد .
بوركت وبوركت ذرة تراب تمت لك بصلة
.
محبتي التي تعلمين
حنان الاغا
02-08-2007, 06:44 PM
الأديب المبدع الشربيني
أرحب بك دائما أيها القاص المتميز
قرأت تعقيبك بتمهل وتمعن
وفوجئت بإحصائيتك وربما معك حق ، لقد تكرر ذكر القدس كثيرا
ماذا أفعل وهي تتربع في الذاكرة فلا تبقي سواها؟
لرأيك تقدير خاص
مودتي
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir