تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الإبدال اللغوي



د. عمر جلال الدين هزاع
27-07-2007, 02:37 AM
الإبدال اللغوي

الإبدال لغة: رفع الشيء ووضع غيره في مكانه. والإبدال اللغوي أو الاشتقاق الكبير (ويسمى أيضاً: البدل والمبدل منه، والقلب والمقلوب، والمحوَّل، والمضارعة، والتعاقب، والنظائر) هو ظاهرة لغوية صوتية دلالية تعني إقامة حرف مكان حرف مع الإبقاء على سائر حروف الكلمة، وبذلك قد تشترك الكلمتان بحرفين أو أكثر، ويبدل حرف منهما بحرف آخر يتقاربان مخرجاً أو في المخرج والصفة معاً نحو «قضب وقضم، وقطع وقطم» فقد اشترك الزوج الأول بحرفين منهما القاف والضاد، واختلف بالباء والميم، أحدهما مبدل من الآخر، وكلاهما من مخرج واحد، أي هما حرفان شفهيان. وأما الزوج الثاني فقد اشتركت لفظتاه أو صورتاه بحرفين منهما القاف والطاء، واختلف بالعين والميم، غير أن العين حلقية، والميم شفهية.

ولايُقيَّد الإبدال بالحرف الثالث من الأصل الثلاثي، أي بلام الفعل، وإنما قد يطرأ الإبدال على الحرف الأول وهو فاء الفعل نحو: خبن وغبن، أو على الثاني وهو عين الفعل نحو: رسم ورشم، وقد تكون اللفظتان رباعيتين كتَوْلَج ودَوْلَج (كناس الظبي)، والبدل في الحرف الأول منهما، وقد تكونان خماسيتين والبدل في الحرف الثاني كجرسام وجلسام (السمّ، وتسمية العامة: البِرْسام)، أو سداسيتين نحو: اعرَنْكَسَ الليل واعلَنكس إذا أظلم.

وأما الإبدال في النحو والصرف فيُصنف في إطار القلب النحوي الذي جعلوه شاملاً لإعلال ونقل الحركات والافتعال. قال أبو البقاء الكفوي في «الكليَّات»: «الإبدال يكون من حرف العلة وغيرها، والقلب لا يكون إلا من حرف العلَّة». ويرى النحاة أن هذا الإبدال قد يقع في كل حروف الإبدال وإن قصره بعضهم على تسعة أحرف في الإطراد، أو جعلوه في اثني عشر حرفاً، أو أربعة عشر، أو اثنين وعشرين حرفاً. ومن المرجح أن أول من سمّى هذه الظاهرة اللغوية «إبدالاً» عبد الملك بن قريب الأصمعي (ت 216هـ)، وعرض لها الزجاجي (ت 337 هـ) فقال «يقال لهذه الحروف (يعني الكلمات): الإبدال والمعاقبة والنظائر، منها ما يجوز بعضه مكان حرف واثنين وثلاثة، وليس كل الحروف كذلك».

وذلك يعني أن أكثر ما يجيء التعاقب بين حرفين كالضاد والطاء في قضم وقطم، أو بين ثلاثة أحرف كمدّ ومتّ ومطّ، ولا يجيء الإبدال في الحرف الواحد إلا في إبدال تخفيف الهمزة نحو: سأل وسال فإن الهمزة والألف كالحرف الواحد. وقد يجري الإبدال في حرفين من البدلين نحو: سحق وسهك فإن الحاء بدل من الهاء وهما أختان في المخرج، والقاف بدل الكاف وهما أختان، وهو من مسوغات الإبدال. وقد يجري بين حروف ثلاثة في الكلمة الواحدة نحو: درأ وطلع، فإن الدال والطاء متعاقبتان لأنهما نطعيتان، والراء واللام ذلقيتان وأختان، والهمزة والعين أختان حلقيتان، ومن علماء اللغة من يقول بهذا الإبدال الثنائي والثلاثي. ولعل أول من عرض للإبدال الثلاثي أبو الفتح بن جني (ت 392هـ) وسمّاه الاشتقاق الأكبر وعرّفه بقوله: «وأما الاشتقاق الأكبر فهو أن تأخذ أصلاً من الأصول الثلاثية فتعقد عليه وعلى تقاليبه الستة معنى واحداً تجتمع التراكيب الستة وما يتصرف من كل واحد منها عليه، وإن تباعد شيء من ذلك عنه رُدّ بلطف الصنعة والتأويل إليه».

ويبدو أن هذا النوع من الإبدال القائم على التقليب قد ابتعد عمّا عالجه اللغويون قبل ابن جني واختلفت أمثلته وفلسفته فاتجه نحو الدلالة مبتعداً عن الصوتية التي كانت منطلق السابقين إلى التصنيف في الإبدال، ومع ذلك فقد صنف ابن جني كتاباً سماه «تعاقب العربية» ويُفهم مما جاء في مقدمته أنه كان الأقرب إلى إبدال سابقيه، إذ يقول: «اعلم أن كل واحد من ضربي التعاقب، وهما البدل والعِوَض، قد يقع في الاستعمال موقع صاحبه وربما امتاز أحدهما دون رسيله، إلا أن البدل أعم استعمالاً». وما هذا التوزع بين الإبدال والتقاليب الذي يبدو عليه بعض القلق عنده إلا نتيجة لعدم استقرار المصطلح عند جمهور اللغويين.

ويشار هنا إلى أن ابن جني قد عقد في كتابه «الخصائص» باباً للإبدال هو «باب في الحرفين المتقاربين، يستعمل أحدهما مكان الآخر» فهو يميل في هذا إلى جعل الإبدال في الحروف المتقاربة صفة ومخرجاً، وإن كان الكثير من علماء اللغة لا يشترطون هذا التقارب، بل لقد جمع بعضهم كل ما تقارب لفظاً وخطاً ومبنى وسلكه في إطار الإبدال.

ومن الجدير بالذكر هنا أن اللغويين اختلفوا حول جريان الإبدال على ألسنة العرب عفواً أو تعمُّداً، فرأى بعضهم أنه لم يجر على ألسنة العرب عفواً، وإنما كان بقصد تنويع معاني الكلمة الواحدة، ومن هنا حسب أصحاب المعاجم أن الإبدال في النظائر بنطقين متساويين هو من سنن العرب في كلامها، في حين ذهب أبو الطيب اللغوي (ت 351هـ) إلى أنه «ليس المراد بالإبدال أن تتعمد العرب تعويض حرف من حرف، وإنما هي لغات مختلفة لمعان متفقة، واستُدلّ على ذلك بأن قبيلة واحدة لا تتكلم بكلمة طوراً مهموزة وطوراً غير مهموزة، ولا بالصاد مرة وبالسين أخرى، إنما يقول هذا وذاك آخرون».

وثمة شواهد شبيهة بالإبدال ليست منه في شيء أيضاً، إِنما هي وليدة أمراض النطق والكلام كاللثغة والغمغمة والحُبْسة والتأتأة والفأفأة، أو وليدة التصحيف الناجم عن سوء السمع أو عن إِغفال الإِعجام.

أما أشهر من عرض لهذه الظاهرة بالبحث أو بالتصنيف فالأصمعي ويعقوب بن السكيت (ت 244هـ) والزجاجي وكتابه «الإبدال والمعاقبة والنظائر» وأبو الطيب اللغوي وكتابه «الإبدال»، وقد حقق هذين الكتابين الأخيرين عز الدين التنوخي ونشرهما المجمع العلمي العربي بدمشق. وكتاب «الإبدال» لأبي الطيب من أوعب ما أُلِّف في هذا الباب وأغزرها مادة تم حشدها وتقييدها وفق منهج حسن التبويب والتنظيم، مرتب على تسلسل حروف الهجاء.

وأشهر من صنف في هذه الظاهرة من المحدثين أحمد فارس الشدياق، وكتابه: «سر الليال في القلب والإبدال»، وربحي كمال، وكتابه: «الإبدال في ضوء اللغات السامية».

د. عمر جلال الدين هزاع
27-07-2007, 02:38 AM
الموضوعات ذات الصلة
ـ التنوخي (عز الدين ـ) ـ الزجاجي (عبد الرحمن بن إسحق ـ) ـ ابن السكيت ـ أبو الطيب اللغوي.

د. عمر جلال الدين هزاع
27-07-2007, 02:39 AM
مراجع للاستزادة
ـ أبو الطيب اللغوي الحلبي، الإبدال، تحقيق عز الدين التنوخي.ط. (مجمع دمشق 1960).
ـ عبد الرحمن بن إسحق الزجاجي، الإبدال والمعاقبة والنظائر، تح، عز الدين التنوخي (مجمع دمشق، 1962).
ـ يعقوب بن السكيت، الإبدال، تحقيق، حسين محمد شرف (القاهرة 1978).

ــــــــــــــــــ

( المصدر : الموسوعة العربية )

أحمد الرشيدي
27-07-2007, 03:02 AM
الأخ الدكتور عمر حفظه الله

السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، وبعد :

فبادئ ذي بدء أرجو ألا أكون ضيفا ثقيلا عليكم لاسيما أني تطفلت على صفحتكم كما أن الموضوع الذي طرحتموه يجعلني لا أستحضر إلا هذا المثل : ( ليس هذا بعشك فادرجي ) ولكن مثلكم يعذر مثلي ويأخذ بيده ،أيها الأخ الكريم أذكر أني أطلت النظر في هذا الموضوع ( الاستقاق الأكبر ) كما يعبر ابن جني ، بل إني أذكر عبارته الفذة : " وإن تباعد شيء من ذلك عنه رُدّ بلطف الصنعة والتأويل إليه». فقد استوقفنا أستاذ فاضل عندها طويلا ، فجزاكم الله خيرا سابغا على هذا الإيجاز غير المخل الذي أنعش ذاكرتي .

زادكم الله علما وعملا ونفع بكم

د. عمر جلال الدين هزاع
27-07-2007, 04:39 PM
مرحباً بحضورك
قارئاً وناقداً
وعيناً بصيرة
ولك الود كله

عبدالملك الخديدي
28-07-2007, 09:13 PM
بارك الله فيك يا أبا حفص
دائما مواضيعك مفيدة وجذابة في الطرح والفكرة
تحياتي وتقديري لشخصكم الغالي
ولصاحب التعقيب الجميل للأستاذ : أحمد الرشيدي

د. عمر جلال الدين هزاع
29-07-2007, 04:01 AM
مرحباً بالحبيب
أبي الوليد
خالص تقديري

د. نجلاء طمان
30-07-2007, 06:37 PM
دام عز حرفك د. عمر

ودام رقى فكر نبت فى أرض الأصالة

شذى الوردة لك ولتألقك الواضح

د. نجلاء طمان

د. عمر جلال الدين هزاع
31-07-2007, 02:04 AM
ودام عطر مرورك الأخاذ
و فوح بنفسجاتك الندية
تحيتي لكرم الرد
و أصالة التعبير
بوركت د. نجلاء
لك المودة

ريمة الخاني
19-08-2007, 09:37 AM
بارك الله بك دكتور

الشربينى خطاب
22-08-2007, 05:52 AM
الأستاذ الفاضل / د0 عمر جلال الدين هزاع
يقول الأمام علي كرم الله وجهه " نحن قوم لا ننبر ـ لا ينطقون الهمزة ـ ولولا أن القرآن نزل بالنبر ما نبرنا 00 " وهي لهجة أهل الشام يقولون " خي " بدلاً من أخي و" بي 00 وخيتي 00 وخبرنا 00
والإبدال في كلمات وردت بآبات القران الكربم { مكة وأيضاً بكة وبكاء وابضاً مكاء 00 }
ويقول جرجي زيدان في كتابه " الفلسفة اللغوية والألفاظ العربية "
من أسباب الإبدال في الغالب نيجة علة في أعضاء النطق في اول الأمر ثم بالاستعمال 000 كما هو شائع في لغة أهل الموصل وسكان فرنسا بأوربا ، أبدلوا حرف الراء لعلة في اللسان فينطقونه غين 000
ربما خصصوا كل تنوع لفظي بتنوع من المعني الأصلي فالمصريون قد شقوا من لفظ " ثقيل " بالإبدال ألفاظ أخري ، لكل منها معني مستقل فثقيل بالثاء تعني حال الثقل ، فأبدلت الثاء سين " سقيل " وتعني ثقيل الروح وأيضاً ابدلوا الثاء تاء " تقيل " أي رزين العقل تعني وكذلك لفظ ثبات شقوا منه " سبات " بمعني الصبر و " تبات " بمعني البلادة وثقل الروح ، وقد حدث هذا الإبدال إعتباطاً لافتقار اللغة في أول أدوارها للألفاظ فنري قد يكون الإبدال سبباً من اسباب ظهور اللهجات بين القبائل والشعوب
والموضوع يحتاج إلي أبحاث ودراسة مستفيضة
نشكرك جزيل لشكر أن فتحت لنا الباب للبحث والدراسة في معرفة اصل الألفاظ
خالص تقديري واحترامي

د. عمر جلال الدين هزاع
15-09-2007, 12:32 AM
أخي الحبيب
بارك الله بك
إضافة رائعة
و مرور كريم
لك وافر تقديري وتحاياي

نور سمحان
15-09-2007, 11:37 AM
بارك الله فيك
وجزاك كل خير على هذا الموضوع الماتع الشائق
جدا كان ناجعا ومفيدا لي
تقديري وجلّ احترامي أستاذي

د. عمر جلال الدين هزاع
15-09-2007, 02:42 PM
لاشكر على واجب
لك تحيتي
وبك اعتزازي

أبوجابر بن هيف
17-09-2007, 06:53 AM
أحب أولا : أن أشكر الدكتور عمر على هذا البحث المركز المفيد ...

وثانياً : ألفت نظر أخي الفاضل / الشربيني خطاب إلى أن النبر الذي لم يكن في لسان قريش ليس كما مثل له بـ ( خي ) في ( أخي ) و ( بي ) في ( أبي ) ونحو ذلك ... وإنما المقصود أنهم كانوا يسهلون الهمزة في سط الكلمة ... فيقولون : ( ذيب ) ( بير ) ( راس ) في ( ذئب ) و ( بئر ) و ( رأس ) ونحو ذلك ..

حفظكما الله ونفع بكما .

د. عمر جلال الدين هزاع
17-09-2007, 11:13 PM
أبا جابر
بارك الله قلبك
لك ودي
وكل عام وأنت بخير

عطاف سالم
21-09-2007, 06:57 PM
جهد يلحظ فيه رشح جبينك ..
جعله الله في موازين حسناتك ..
وما رأيت كتابا موسعا في الإبدال والحديث عن الإشتقاق قدر ماقرأت في كتاب الخصائص لابن جني
تقبل تحيتي أخي الشاعر البديع
وجل تقديري واحترامي
دام ألقك وتفردك

د. عمر جلال الدين هزاع
21-09-2007, 08:14 PM
عطاف أيتها المكرمة
وما زال نبض حرفك يحرك السواكن
فطوبى لك من أديبة رائعة تستحق كل تقدير
تحيتي