المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة قصيرة : السقا حي



د.مصطفى عطية جمعة
01-08-2007, 11:36 PM
قصة قصيرة : السقا حي
- نبوية ، خذي المياه .
من مجلسها أمام البيت ، في بقعة الشمس ، ترد :
- صب المياه في الزير ، وما يتبقى في الطبق البلاستيك .
يتحرك حاملاً " زمزميتيه " الكبيرتين المعلقتين في خشبة على كتفه .
قالت : - فاكر أيام الصفيحتين يا " بدوي " .
- هل لابد أن تذكريني ؟
*
قالتْ رفيقتها " أم سليم " :
- لماذا لا توصلين المياه مثل باقي الحارة ؟
- تحتاج فلوسًا كثيرة .
- ارحمي نفسك من السقا .
- مياهه كلها بركة .
*
سألته : - كم بيتًا تعطيهم ماء ؟
- الرزق من ربنا .
- اشتغل في السوق ، بعْ أي شيء .
- هل أبيع المياه في السوق ؟! لا أعرف غيرها .
*
قالت له ، وهي تستدفىء أمام المجمرة في ساحة البيت :
- أولادي وإخوتي ، كلهم تركوني وحيدة ، أنت الذي تطرق بابي كل يوم .
- البيت قديم ، وحيطانه مشققة .
- الشقق الجديدة علب والنفوس أضيق .
- أنتِ مثلي ، كلهم يسخرون من شغلتي .
سكت ، متلذذًا بالوهج الساخن :
- لكن أبي الله يرحمه قال لي السقا خادم المياه ، والمياه روح الجسم .
- لو متنا أنا وباقي العجائز مثلي ، من سيشتري منك ؟
ضحك عاليًا ، وقام حاملاً الزمزيتين الخاويتين .
*
قابلها تحمل الفول والخبز :
- صباحك رائق يا نبوية .
ردت التحية ، وأردفت :
- افطر معي ، ألم تملأ رائحة الكمون خياشيمك ؟
…………..
في ساحة الدار ، قال وهو يقرّب رأسه من وابور الشاي :
- جاءني سكان عمارة الحاج " جلال " .
قالتْ يتؤدة : - لماذا ؟
- المياه لا تصل للشقق العالية . تكسرت أقدامي وأنا أصعد .
سكت ، تهدج صوته :
- لمحت ابتسامتهم وأنا أمشي وسط الشقة على السجاد .. ، خافوا أن يتسخ من ملابسي وحذائي
- " معلهش " .. يا بدوي .
- بيوت زمان ، كانت الأزيار جانب الباب الأرضي ، ولم أكن أرى حرمة البيت .
تهدج صوته :
- قلت في نفسي : باب رزق وانفتح لك …
قالتْ مبتسمة بفمها الخاوي من الأسنان :
- كنت تقول دائمًا إن السقا لازم يكون قلبه صافيًا مثل مياهه .
*
سقط الزمزميتان الكبيرتان ، سال الماء وتجمع في حفرة بالحارة . كانت رفيقتها " أم سليم " تصرخ وسط ساحة بيتها . قال :
- دعوتك يارب أن تجعل يومي قبلها .

جوتيار تمر
02-08-2007, 12:23 AM
دكتور مصطفى..
ابرز ما يميز قصص الدكتور سواء على المستوى البناء القصصي المحكم..او على المستوى الدلالي للرموز التي تتمثل من خلالها الرؤية النابعة من عمق السارد لتتشكل المغزى والمعنى اللذان يقومان بمهمة التصوير المشدهي في ذهن المتلقي..هو قدرة الدكتور على فرض صورته على باقي الصور الذهنية لدى المتلقي.
وهو ما يجعلني ارى دائما القدرة الفائقة للدكتور على التحكم في التخيل..من من زاوية الانشغال الذهني بالمعيش النفسي والاجتماعي السياسي ايضا..وقلما يوجد نص سردي يلتمس من خلال الوصف رسم واقع ما..دون ان يكون مقتصدا هدفا معينا يمزج له وبه الالوان ببعضها ويراهن عليه..وهذا ما يجعلنا ندرك تماما ان مرجع الرؤية في تتبع الاولان وحركة يد السارد الفنان..تتجاوز بالضرورة عينية المشاهدة لحركة التفاصيل..لتغرس في ذهن المتلقي في اتجاه تحديد الومضة التي يراد ايصالها وغرسها في عقل المتلقي سواء عن طريق تحريك المشاعر الوجدانية..او تحريك الذهن من خلال حركية الصورة ومدى حيويتها وعمق الوانها..وعمق قربها من الواقع الحي الملموس..ولقد ابدع الدكتور هنا في رسم هذه الصورة..الحية..وبهذه الالوان المستوحاة من الواقع اليعاني اليومي..الاجتماعي المعيشي الفردي..داخل الاجتماع.
محبتي لك
جوتيار

سارة محمد الهاملي
02-08-2007, 08:37 AM
د. مصطفى عطية جمعة
يكفي أنك أثرت الكثير من الشجون بقصة السقا حي، ولكن لا هروب من الواقع. كنت أعتقد أن هذه المهنة انتهت، لم أدرِ أن هناك مازال من يحتاج إلى سقاء في هذا الزمن. أشد ما يؤسف له أننا أصبحنا نعيش في أبراجنا العاجية، ونغض الطرف عن معاناة الآخرين.
تقبل كل التحيات والتقدير.

زاهية
02-08-2007, 09:16 AM
مدهشة والله وهي بحاجة لدراسة أدبية لاكتشاف أبعادها ففيها الكثير الملفح بالرمزية ..يبدو أني سأدمن القراءة لك د.مصطفى كي أغوص في أعماق الفن القصصي ، وأستخرج درره كما تفعل هنا ..قرأتها مرتين وسأعيد قراءتها ففي كل مرة أكتشف جديدًا .دمت مبدعًا وليبارك الله بك ولك
أختك
بنت البحر

محمد سامي البوهي
03-08-2007, 09:52 PM
السقا حي

قرأت النص أكثر من مرة ، ثم عدت إليه ، أتخيل أحداثاً لم أرها ، ولم أعشها ، لكنني أتخيلها هنا ، ذكرني النص بقصة حكاها لي أبي عن هذا الرجل الذي كان ينثر المياة على الطريق الترابي ، الموصل بين قريتنا ، والمدينة العاصمة ، وذلك ليمهد الطريق للسيارات المتجهه نحو المدينة ، كنت أرسم ملامح هذا الرجل بكل تفاصيله ، على ضوء ما أوصله لي أبي ، وهنا فعلت هذا ، رسمت كل تفاصي المكان ، والشخصيات ، لكن الفرق هنا أن القصة تدور في زمن حاضر ، وأن هذه المهنة المنقرضة تفرض نفسها على عالم التقدم ، لأن هناك من سقط من يد هذه الحضارة الزائفة ...

سألت نفسي يوماً عندما رأيت عامل (المجاري)، وهو يدفن جسده داخل بئر الصرف الصحي بأحد شوارع مدينتنا ، وحوله الكثيرين من المسؤولين في بلدية الحي ، من ذوات البزات ، والنظارات الشمسية ، ستوقفني المشهد، بتلك المفارقة ، بين ما وصل اليه هذا الرجل الذي كان يرتدي (جوالاً من كتان)، لكني فوجئت به يمزح ، ويبتسم مع هؤلاء الرهط الفارهة من المسؤولين المتابعين له ، ابتسمت لنفسي ، وسبحت الله ، وقلت لولا هذا الرجل لطفت المدينة على بحر من مياه الصرف الصحي ، هذا الرجل أثبت لي بأنه اهم بكثير من هؤلاء ، وأنه يقوم بمهمة وطنية من الطراز الأول ... لأنني عندما سألت لم لا تقوم آلات الشفط بهذا العمل ، فكانت الإجابة أن جميع آلات الشفط ، معطلة ، فكان لابد من الاستعانة بهذا الرجل الذي يمتهن هذه المهنة بالقرى المجاورة ... زادت ابتسامتي عندما علمت ان اسمه (عم حسونه)، وزاد حزني عندما علمت بعدها بفترة أن هذا الرجل لقي حتفه ، بسبب اصتدام (سيخ الحديد)، الذي يستخدمه في هذا العمل ، بأحد سلوك الكهرباء المعلقة بأحد أعمدة الإنارة بإحدى القرى ...

أعادتني قصتك يا دكتور إلى مشاهد كثيرة ، ومهن كثيرة ، وملامح كثيرة رسمتها دون ان أراها ... هنا أجد أن قصة (السقا حي ) هي صورة عاكسة لهذه المهن التي مازالت تتعلق بأهداب الزمن الجميل ، مثل أمثال :
- أبو المعاطي (مصلح الأواني )
- سيد النحاس (مبيض النحاس)
- عم على (راصف الطريق)
- عم محمود (مصلح بوابير الجاز)
- عم نصحي (صانع الغرابيل ، والمناخل)
وغيرهم .........
لكن هنا كان الوسيط مختلفاً ، وهو حامل الماء ، سر الحياة ، ليربطه كاتبنا بأسرار حياتنا الحضارية الهشة ، التي سقطت عند أول ازمة انقطاع مياة ، ولكن كان للأصاله دورها كالعادة ..

جاءت اللغة بسيطة ، بحوارية أبسط ، لتتناسب مع بساطة الحدث ، والبيئة ، ومستوى الشخصيات ، وقد استخد الكاتب اللغة الفصحى المعممة ...

الدكتور مصطفى عطية جمعة ...
يروق لي إبداعك الذي يندس بين حنايا ذكاء القارىء ...

ودي واحترامي

د.مصطفى عطية جمعة
04-08-2007, 11:09 AM
دكتور مصطفى..
ابرز ما يميز قصص الدكتور سواء على المستوى البناء القصصي المحكم..او على المستوى الدلالي للرموز التي تتمثل من خلالها الرؤية النابعة من عمق السارد لتتشكل المغزى والمعنى اللذان يقومان بمهمة التصوير المشدهي في ذهن المتلقي..هو قدرة الدكتور على فرض صورته على باقي الصور الذهنية لدى المتلقي.
وهو ما يجعلني ارى دائما القدرة الفائقة للدكتور على التحكم في التخيل..من من زاوية الانشغال الذهني بالمعيش النفسي والاجتماعي السياسي ايضا..وقلما يوجد نص سردي يلتمس من خلال الوصف رسم واقع ما..دون ان يكون مقتصدا هدفا معينا يمزج له وبه الالوان ببعضها ويراهن عليه..وهذا ما يجعلنا ندرك تماما ان مرجع الرؤية في تتبع الاولان وحركة يد السارد الفنان..تتجاوز بالضرورة عينية المشاهدة لحركة التفاصيل..لتغرس في ذهن المتلقي في اتجاه تحديد الومضة التي يراد ايصالها وغرسها في عقل المتلقي سواء عن طريق تحريك المشاعر الوجدانية..او تحريك الذهن من خلال حركية الصورة ومدى حيويتها وعمق الوانها..وعمق قربها من الواقع الحي الملموس..ولقد ابدع الدكتور هنا في رسم هذه الصورة..الحية..وبهذه الالوان المستوحاة من الواقع اليعاني اليومي..الاجتماعي المعيشي الفردي..داخل الاجتماع.
محبتي لك
جوتيار

المبدع والناقد الأستاذ العزيز / جوتيار
أتلهف على تحليلاتك النقدية التي تنبئ عن قلم نقدي موهوب ، يتلمس ما وراء الأسطر ، ويغوص في الثنايا، ويمعن في إخراج الدلالات . تقبل تقديري لك ولنقدك ولإبداعاتك .
أخوك / مصطفى

د.مصطفى عطية جمعة
04-08-2007, 11:12 AM
مدهشة والله وهي بحاجة لدراسة أدبية لاكتشاف أبعادها ففيها الكثير الملفح بالرمزية ..يبدو أني سأدمن القراءة لك د.مصطفى كي أغوص في أعماق الفن القصصي ، وأستخرج درره كما تفعل هنا ..قرأتها مرتين وسأعيد قراءتها ففي كل مرة أكتشف جديدًا .دمت مبدعًا وليبارك الله بك ولك
أختك
بنت البحر

أختي المبدعة القارئة المتذوقة بامتياز / زاهية ( بنت البحر ) .
أشكرك على هذا التعليق الذي يمزج التلقي النفسي للعمل ، مع دلالات العمل ذاته ، وإذا كنت ستدمنين القراءة لي ، فأنا سأدمن متابعاتك وتعليقاتك . وأرى أن لقبك " بنت البحر " يشي بأن البحر هو بحر روافدك الثقافية والإبداعية .
دمت بخير وإبداع وثقافة أختي العزيزة الفاضلة .
أخوك / مصطفى

د.مصطفى عطية جمعة
04-08-2007, 11:16 AM
السقا حي
قرأت النص أكثر من مرة ، ثم عدت إليه ، أتخيل أحداثاً لم أرها ، ولم أعشها ، لكنني أتخيلها هنا ، ذكرني النص بقصة حكاها لي أبي عن هذا الرجل الذي كان ينثر المياة على الطريق الترابي ، الموصل بين قريتنا ، والمدينة العاصمة ، وذلك ليمهد الطريق للسيارات المتجهه نحو المدينة ، كنت أرسم ملامح هذا الرجل بكل تفاصيله ، على ضوء ما أوصله لي أبي ، وهنا فعلت هذا ، رسمت كل تفاصي المكان ، والشخصيات ، لكن الفرق هنا أن القصة تدور في زمن حاضر ، وأن هذه المهنة المنقرضة تفرض نفسها على عالم التقدم ، لأن هناك من سقط من يد هذه الحضارة الزائفة ...
سألت نفسي يوماً عندما رأيت عامل (المجاري)، وهو يدفن جسده داخل بئر الصرف الصحي بأحد شوارع مدينتنا ، وحوله الكثيرين من المسؤولين في بلدية الحي ، من ذوات البزات ، والنظارات الشمسية ، ستوقفني المشهد، بتلك المفارقة ، بين ما وصل اليه هذا الرجل الذي كان يرتدي (جوالاً من كتان)، لكني فوجئت به يمزح ، ويبتسم مع هؤلاء الرهط الفارهة من المسؤولين المتابعين له ، ابتسمت لنفسي ، وسبحت الله ، وقلت لولا هذا الرجل لطفت المدينة على بحر من مياه الصرف الصحي ، هذا الرجل أثبت لي بأنه اهم بكثير من هؤلاء ، وأنه يقوم بمهمة وطنية من الطراز الأول ... لأنني عندما سألت لم لا تقوم آلات الشفط بهذا العمل ، فكانت الإجابة أن جميع آلات الشفط ، معطلة ، فكان لابد من الاستعانة بهذا الرجل الذي يمتهن هذه المهنة بالقرى المجاورة ... زادت ابتسامتي عندما علمت ان اسمه (عم حسونه)، وزاد حزني عندما علمت بعدها بفترة أن هذا الرجل لقي حتفه ، بسبب اصتدام (سيخ الحديد)، الذي يستخدمه في هذا العمل ، بأحد سلوك الكهرباء المعلقة بأحد أعمدة الإنارة بإحدى القرى ...
أعادتني قصتك يا دكتور إلى مشاهد كثيرة ، ومهن كثيرة ، وملامح كثيرة رسمتها دون ان أراها ... هنا أجد أن قصة (السقا حي ) هي صورة عاكسة لهذه المهن التي مازالت تتعلق بأهداب الزمن الجميل ، مثل أمثال :
- أبو المعاطي (مصلح الأواني )
- سيد النحاس (مبيض النحاس)
- عم على (راصف الطريق)
- عم محمود (مصلح بوابير الجاز)
- عم نصحي (صانع الغرابيل ، والمناخل)
وغيرهم .........
لكن هنا كان الوسيط مختلفاً ، وهو حامل الماء ، سر الحياة ، ليربطه كاتبنا بأسرار حياتنا الحضارية الهشة ، التي سقطت عند أول ازمة انقطاع مياة ، ولكن كان للأصاله دورها كالعادة ..
جاءت اللغة بسيطة ، بحوارية أبسط ، لتتناسب مع بساطة الحدث ، والبيئة ، ومستوى الشخصيات ، وقد استخد الكاتب اللغة الفصحى المعممة ...
الدكتور مصطفى عطية جمعة ...
يروق لي إبداعك الذي يندس بين حنايا ذكاء القارىء ...
ودي واحترامي

أخي المبدع الرائع / محمد البوهي
تحياتي ، وكيف حالك ( أحييك من أرض الكنانة )
لا أعلم ، هل أنت خلقت قاصا ؟ أم أن القص ملازم لك : صحوا ونوما وكتابة وقراءة وتعليقا ؟
فقد استرعاني قدرتك القصصية الفائقة وأنت تعلق على قصتي المتواضعة . لقد قدمت إبداعا على إبداع ، ليس مجرد تعليق ، وأرى أن ما ذكرته هو شجن على شجن ، وأقترح عليك أن تعيد صياغة هذا التعليق فسيكون قصة شجية ، وأنا أول من تشجيه .
تحياتي وتقديري

مجذوب العيد المشراوي
07-08-2007, 12:46 PM
يا مصطفى لولا لهجتهما لظننت أنك من بيت نجيب . صدقنيأنك تعصر القصة عصرا حتى لا تترك فيها إلا ما يصلح وتلقي بالكثير إلى سلة المهملات .
ثم ما أجمل هذه المضامين التي لا تأتي من السماء وإنما من جيرانك ، القاص الممتاز رجل بسيط وكل من ترفع فلن يبلغ لب القصة أبدا .. لك قبلة على رأسك من أخيك .

ابن الدين علي
07-08-2007, 08:14 PM
" السقا حي" عنوان له دلالة عميقة و جاء بمثابة لحظة التنوير لقصتك المتكاملة البناء المحكمة في نسجها . هي قصة تسجل لمرحلة من تاريخنا . تعيد القابعين في ابراجهم العاجية الى الحقيقة . ما زال السقاء موجودا كما كان . فنية القص هنا بارزة و واضحة للعيان , حسبك أن من قرأها مرة يعيد قراءتها لا لفك رموزها بل ليستمتع بفنيات الحكي . دمت في رعاية الله....

ناديه محمد الجابي
12-04-2017, 08:28 PM
قصة جميلة فكرتها وبناؤها ولغتها ـ كتبت فأبدعت وأمتعت
وبين جمال القصة وروعة التعليقات قضيت وقتا ممتعا
فشكرا لكل من مر من هنا.
تحياتي وتقديري.
:nj::0014: