تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الحرث في الكسل



محمد الحامدي
09-08-2007, 08:55 PM
الحرث في الكسل
محمد بن الطيب الحامدي
كان لي جد طعن في التجارب حتى ابيض شعره وعيناه ، سمع ذات يوم بتلك الحرب فشد على يدي حتى أدمعت روحي وسألني أن أبسط له ما يحدث ، فقلت بعد أن قلت : أمري لله : يا جدّ الأمر وما فيه ... وذكرت له قول أحد قادة الأمريكان أيامها حين قال " الطبيعة لم تكن عادلة في توزيع الثروات ( يقصد النفط ) وقواتنا ستعدّل هذا الخلل " وأفهمته ما لا يريد أن يفهمه المتفيهمون ، فاعتدل في جلسته وقص عليّ هذه القصة .
قال : الحمد لله والصلاة على رسوله ،
يحكى أنّ راعيا كان يجوب البادية خلف ماشية سيده بحثا عن الكلأ والماء ، وكان كثير التأفف من الرعي ، تطمح نفسه إلى الرزق والرخاء . وذات يوم وهو يتبع ماشيته على عادته لاحظ أن جرادة قفزت من بين رجليه لتعتلي ظهر إحدى الدواب . فراح يراقبها طوال اليوم وهي على ظهر الدابة عينه لا تبرحها . واستمر الأمر بها رابضة وبه مراقبا حتّى انحدرت الشمس فهش دوابه يريد بها العودة إلى مرابضها ، وعينه على الجرادة تراقبها . فلما أن صارت الماشية قرب بئر سديم إذ طارت " بومة " من قاعه أزعجها حفيف أظلاف الماشية ، وطارت الجرادة والتقيا في الهواء أمام عيني الراعي ، فالتهمتها البومة وواصلت طيرانها ، وكاد عقل الراعي يطير ، وظل من حينه يكرر السؤال : إذا كانت هذه البومة الواقعة في جحرها من البئر ما شاء لها البقاء حتى قفزت تلك الجرادة على ظهر تلك الدابة وقضت يومها فوقه لا تبرحه حتى سرنا إلى قرب البئر فطارت وطارت ووقعت اللقمة بمنقارها دون عناء ، فلا بدّ أنّ في الأمر سرّا ، فلأقبعنّ في بيتي هانئ البال ، فمن رزق البومة في الغار يرزقني في الدار . وأقام في الدار ، وكان له زوج وولد ، والكل بحاجة إلى ماء وطعام وملبس ، ولكنه أبى الخروج وعقد العزم على الانتظار . وجاءه يوم صائح يصيح " النفير ، النفير " فما أعار جوابا حتى دخل عليه الناس وقائلهم يقول : إنها الحرب وفي الحرب لا توزع الأرزاق ، فإما نجاة أو قطع أعناق ، فانج بنفسك حتى يصيبك رزقك . فقال : أسير . وسار حتى كان اللقاء واشتد القتال وأبلى خير بلاء ، حتى بلغ خيمة القائد وقد فُلّ جيشه وتفرق فصاح به " خذ نصف ثروتي وأعتقني " ، فقال : وأين ألقاك حتى تفي ، قال : دع القتال يضع الأوزار وعُد في قومك واكتم سري ومن الغد تجد الوفاء . وعاد يكتم السر ، حتى جاءه بعد أيام رسول القائد يطلب لقياه على انفراد ، فلبى ، فضرب عنقه وهو يقول " هو أجلك سبق رزقك " ، وكان خلفه جيش قائده فمزقوا قومه شرّ تمزيق .
- يا ولد ، عسى ألاّ تكون قد نمت ؟!!
- يا جدّ ، ومتى صحوت ؟!!

د. محمد حسن السمان
10-08-2007, 08:20 AM
سلام الـلـه عليكم
الأخ الغالي الأديب محمد الحامدي

أسعد الـلـه صباحك , وأكتحلت عيناك برؤية بيت الله .
قرأت قصة " الحرث في الكسل " يوم أمس , ولم أشأ أن أبدأ في كتابة شيء , أملا أن لاأكون الأول , خشيت أن أكتب ما يؤثر على من يجيء بعدي , وأنا أريد العكس , وعدت هذا الصباح الى القصة , فوجدتني سأكون الأول , في التعليق والكتابة , ولاباس في ذلك .
القصة كتبت على نحو مختلف , حيث بدأت في تقديم المشهد القصي الاعتيادي , ثم تشكلت القاعدة التي بنيت عليها أحداث القصة الرئيسة , التي هي شكل من اشكال الحكايا الشعبية التربوية , التي اعتدنا في مجتمعاتنا أن نسمعها , أو حتى أن نرددها على لسان الجد أو الجدة , لنضفي على الحكاية طابع الحكمة , وخلاصة التجربة الانسانية الواسعة , ولاشك بأن القدرة الأدبية والتمكن , في أدوات القص , نقلت الحكاية الى مصاف القصة الفنية , وخاصة في القفلة والنهاية .
القصة جميلة هادفة , لاتشغل بال القارئ كثيرا , وتقوده عبر التشويق المتتابع للحدث , وهي تقنية تميّز الحكاية الشعبية أصلا , وهي سمة ناجحة عند الكاتب , رأيناه في أكثر من عمل , لتقدم لنا في النهاية , حكمة ودرسا تربويا .

د. محمد حسن السمان

جوتيار تمر
10-08-2007, 10:54 AM
الحامدي...

الحرث في الكسل دقة الدلالة في العنوان فهو مركب من "الحرث" الواقع و"الكسل" شيء ملا متعلق بالارداة والشعور..كأني بالعنوان في تركيبه الدلالي..يحيلنا بصورة مباشرة الى التركيب الرمزي للمضمون..والتركيب النفسي للشخوص..وهذا بلاشك ما يمكننا ان ندخله في حانة الارتباط الوثيق بين السارد والاجتماع..النص قصة قصيرة شعبية..تحكم السارد هنا في الربط العضوي بين بدايتها ونهايتها..بحيث جاءت النهاية ومضة فلاشية معبرة جدا..استطاعت ان تستفز العقل..وتحرك المشاعر..ويمكن فصل مسار تنمية القصة بين مستويي حضور الشخصية الفاعلة..بحيث تتحرك في الواقع بوعي اليقظة الشعورية..من خلال الانشغال اثناء سرد الجد للقصة..وكل مارافق هذا السرد الذي قام بتعرية الواقع.. وبعد الانتهاء منها..بحيث نجد انه اثناء سرد القصة تتقاذف الصور المنبثقة من وعي المتلقي والحاضرة عن واقعه..في عملية مقارنة جانبية..وكذلك بعد الانتهاء نجده العبارة الاقوى تداهما وتحيلنا الى واقع عياني نعيشه رغم رمزية ومجاز العبارة "يا جد متى صحوت" وكأني بأن القصة كلها تنحصر هنا من حيث المداليل وعلاقتها بالمعنى والمغزى العام للقصة.
دمت بخير محبتي لك
جوتيار

خليل حلاوجي
10-08-2007, 03:20 PM
يقول مالك بن نبي ... بعد هزيمة حزيران إنها هزيمة حضارية

وأنت هنا تضع إطارا ً أدبيا ً تصوغ خلاله فقه الفجيعة ...

نعم

أوافقك أن الكسل والخوف .... ومحنة ثقافة مزورة ... هي علة هزيمتنا

ولكن

يعيش للنصر وللغد الباهر .... الجهابذة

فهذه أمة لن تموت

محمد الحامدي
10-08-2007, 07:06 PM
سيدي الدكتور السمان العزيز .. فعلا هي القصة الشعبية ،، أو هي على حد عبارة " فلادمير بروب " الحكاية الشعبية ، وفعلا قصدت توظيفها لخدمة رأي أراه فيما يحدث حولنا ، وغاية الغاية التنويع وغلإثراء بين طرق سرد تتنوع في لغتنا الثرية .. جزيل الشكر وإلى لقاء

محمد الحامدي
10-08-2007, 07:08 PM
أخي جوتيار ، أصدقك القول إني أنتظر قولك في قولي ،، فكم قلتَ فيما أقول ما لم يجل بالخاطر لحظة الكتابة إنه الإبداع في الإبداع ،، دمت لنا محللا ممحصا .

محمد الحامدي
10-08-2007, 07:13 PM
خليل يا خليل ...اشتقت إليك والله ( وهذا قسم مؤمن إذ لا أريد أن أصوم ثلاثا في هذا الحر ) واشتقت لروحك تزخر بهذا الأمل الذي - ولا أخفي عنك - لو لا الإيمان بأن الخير في أمة رسول الله وفيه إلى يوم القيامة لقلت لك إنه يستعصي عليّ أحيانا لما أرى من هول الصمت والكسل والخنوع ..
يا رجل دعنا نرى طلعتك باستمرار ففي بشاشتك الأمل
لن نموت وكيف نموت وفينا أمثالك ؟؟؟

زاهية
10-08-2007, 07:52 PM
رويت الحكاية بفنية جميلة أوصلت لي ماتريد أن تقوله ..سيظل الخير موجودًا بإذن الله مادام فينا من يوقظ العقول بحكايا الحكمة ..
دمت مبدعًا أخي المكرم محمد الحامدي
أختك
بنت البحر

محمد الحامدي
11-08-2007, 12:48 AM
الأخت زاهية ، أولا شكرا على مرورك الكريم
ثانيا أحاول أن أجد الصوغ الذي يفي بصياغة " جدي " للقصة في لهجتها الأصلية وبطريقته الخاصة وسعال الشيخوخة يقطع استرساله فيصرخ فيمن حوله يطلب الماء ثم يستأنف السرد في ليالي الشتاء الباردة ونحن حوله وحول النار ... رحمه الله وعهد أن أحاول نبش ذاك التراث ...وبعث الروح فيه