المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مواجهة



عبدالله سليمان الطليان
19-08-2007, 07:07 PM
شبحه منتصب وسط الغرفة كتمثال منسي كساه الغبار والتراب، ترك العالم الخارجي وانقطع عنه محصوراً بين قطع من الأثاث البالي المتناثر هنا وهناك في فوضى تشبه ساحة توقفت فيها معركة يعود إليها مجبراً للبحث عن حماية من عوامل الطبيعة والنظرات القاسية التي ما ان يغادره إلا وتهجم عليه تلاحقه بشدة يغلب عليها الفضول ترسم بدقة هيئته ومظهره تولد في داخله شعلة من صراع لا تخمد إلا في التواري والانزواء فيلوذ أحيانا وبافتعال منه بركن أو زاوية حتى يشعر بأنه أصبح وحيداً ليعود في رحلة طلبه في خطوات بطيئة ومتوجسة وبصمت اختاره لكي تظل لغة الكلام مقيدة ومكبوتة لأنها تفصح عن خلل في نطقها فتزيد في غرس سهم الألم أكثر فكان الهروب من المواجهة وإخفاء جزء من الحقيقة كي لا تتحد مع شكله الخارجي فتأسره إلى الأبد وتعيق قيامه بنفسه وتنزع منه المقاومة المتبقية لديه في هذه الحياة فكانت العزيمة والإصرار تمسك بجذورها في داخله بشدة لتقول له تماسك وتجلد لكي تعيش، تغلب على حالتك.. يسري ذلك الصوت في كيانه فيعطيه طاقة تجعله يحمل سيف الدفاع عن نفسه في نزال يحاول كل مرة ان يخرج منه منتصراً.
جاءه الموقف مصادفة ودون قصد منه وهو يشق طريقه بخطواته المعتادة في رحلة العودة إلى مأواه ان مر بجانبه رجل يحمل متاعا سقط بعض منه فالتفت وأخذ يصيح للرجل بشكل متقطع الذي قفل عائدا إلى حيث سقط جزء من متاعه فاقترب منه الرجل والحذر باد عليه.. فأشار بيده اليسرى التي برزت من كم ثوبه المتسخ، نسي عن حالها فبدأت يده مشوهة لا تحوي إلا إصبعين فقط.. وقد سارع إلى إخفائها.. تقدم الرجل وأخذ يلتقط متاعه ونظراته مسددة إليه يتمعن في خلقته.. خرجت منه كلمة الشكر وهو في تفحص وتدقيق لذلك الوجه الذي علاه التشويه فبدا بعين واحدة مع أنف كبير إلى شفاه مشقوقة من الجنب تبرز إلى الأمام بشعر منفوش وأغبر.. أحس ومن خلال نظراته انه لايتحمل الاشفاق والعطف التي تبددت وانقشعت عندما ترك الرجل متاعه ومد يده إليه مصافحا فكانت بمثابة مطر نزل في صحراء طال جدبها لتنتعش من جديد وتكتسي بأزهار الأمل.
هل تعيش هنا؟ سأله الرجل.
فأجاب بتلعثم: نعم.
هل تعمل؟
خرجت الإجابة بشكل متقطع ممزوجة بمرارة غائرة: كيف تريدني ان اعمل وأنت ترى حالي.
دلني على أحد يتقبلني وأنا في هذا الوضع.
لا تدع اليأس يتسرب إليك فيرميك نحو هاوية التشرد الذي ينقض عليك ويكبلك فتبقى تحت رحمته مطاردا بأعين الشفقة وأحيانا السخرية أينما ذهبت تعيش في عوز وحاجة ومساعدة.. لا تستسلم انك لست الوحيد في هذا العالم الذي نزل إليه القدر فهناك الكثير الذين أعلنوا التحدي وهم في أسوأ من حالتك.
راحت كلمات الرجل تسري في جسده مثل النار التي تشتعل في الهشيم وأصبحت تزيد في طاقته، أزالت قشور الأسى والإحباط التي كانت تغلفه.. أوجدت منه إنسانا آخر.


abdllh_800@hotmail.com

زاهية
19-08-2007, 09:55 PM
أجل أخي المكرم عبد الله فكما أن هناك كلمات قاتلة ،فهناك أيضًا كلمات تعيد الحياة لروح دبَّ اليأس في نفس صاحبها ،فأوشكت على مغادرة جسده ..بارك الله بك أخي المكرم وأنت تبعث الأمل في نفوس غزاها جراد اليأس فتركها قاحلة جرداء إلا من الحزن والألم.
أختك
بنت البحر

عبدالله سليمان الطليان
19-08-2007, 11:18 PM
الانسان المتأمل يأخذ العبرة والموعظة التي تدل على قدرة الله
شرفني مرورك
ألاخت الفاضلة بنت البحر

جوتيار تمر
20-08-2007, 01:55 PM
الطليان....
لعل ابرز ما ميز هذه القصة ..سواء على المستوى البناء القصصي المحكم..او على المستوى الدلالي ..الذي تمثل من خلاله الرؤية النابعة من عمق القاص لتتشكل المغزى والمعنى اللذان يقومان بمهمة التصوير المشدهي في ذهن المتلقي..هو قدرة القاص هنا على فرض صورته على باقي الصور الذهنية لدى المتلقي..وهو ما يجعلني اقول بأن نجاح العمل اي عمل ادبي.. يتوقف على جملة امور ولعل ابرزها القدرة الفائقة على التحكم في التخيل.. من زاوية الانشغال الذهني بالحالة النفسيةوالاجتماعية..وفي النص هذا برزت هذه القدرة..من حيث اسقاط الواقع في عين ويد..ولسان يتلعثم..وكذلك الصورة الرائعة التي دائما نجدها في الدراما الحية..من حيث النهايات التي تبعث الامل في نفوس المشاهدين..حيث المواقف الايجابية تتخلل المواقف الصعبة والسلبية من اجل غرس روح الايمان بالذات وبالقدرة الاسنانية في الانسان نفسه..وهذا ما حصل بالفعل مع بطل القصة هنا..حيث التواري بسبب العاهات..والخوف من نظرة الاجتماع..له هنا مدلولان وربما اكثر..لكن ما اراه هو في الاول ان الثقة عندما تغيب لدى الانسان يصبح فريسة الهواجس والافكار السلبية التي تتراكم ومن تخلق منه انسانا تحكمه المخاوف وعدم القدرة على فعل شيء..وهذا ينتج بالضرورة..اقول بالضرورة عن قلة وعي الاجتماع..لانه يحكم دائما على المظاهر ويبرر اخفاقاته في بناء الانسان السوي من خلال المظاهر.. واللمحة الاروع في القصة والتي قلت عنها انها اسبه بموقف درامي..النهاية والكلمات التي تبعث القوة والثقة في النفس.. كما الحال لدى بطلنا هنا.

محبتي لك
جوتيار

عبدالله سليمان الطليان
20-08-2007, 03:26 PM
الأخ جويتار
لامست الحقيقة وامسكت بمضمونها وجاء التشريح الدقيق لأحداث القصة ليقول لنا الحذر ثم الحذر
فهناك علم يمسك بقلم النقد المتميز والمتمكن الذي نطمح ان نصل اليه ونتمنى ان لايتوقف عطاءه
شرفني واسعدني مرورك
دمت في صحة وعافيه
عبدالله الطليان

ريمة الخاني
20-08-2007, 07:23 PM
لاادري! اظنني مررت من هنا لا باس
اعيد الرد:
كل منا يملك املا خفيا يحتاج دفعا خفيفا
لكن هناك مواقف تحتاج معونه قويه لاتكفيها الكلمات
تحية وتقدير صورة واقعيه مؤلمه
دمت مبدعا