المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أنتظار ( قصة قصيرة )



دكتور محمد فؤاد
23-08-2007, 12:57 PM
إنتظار
---------دكتور/محمد فؤاد منصور
الأسكندرية----------
تعاقبت علىّ الفصول الأربعة وأنا فى هذا المكان،أنهى عملى سريعاً ثم أنطلق إلى محطة القطار ، أجلس على مقعد خشبى متهالك فى زاوية الساحة لكنه يطل على جميع المخارج، الفكرة جاءتنى كالوميض الخافت ثم بدأت تلح على خاطرى حتى آمنت بها فأستبدت بى تماماً، أين يمكن ان تكون؟ عشرون سنة مضت منذ آخر لقاء عاصف صفقت بعده الباب خلفى دون ان أفطن إلى أننى تركته دون أن أحكم الغلق كماتعودت ،كنا سعداء ولم أكن أعصى لها أمراً ، كنت ألبى طلباتها من قبل أن تخطر فى بالها فقط لو عَرَفت مقدار حبى لها وخوفى عليها ، ثارت فى وجهى أتهمتنى بالسادية والجنون ومع ذلك فقد كنت أجثو على ركبتىّ وأنخرط فى بكاء مرير يقطع نياط القلب وأنا أعلنها بحبى وأننا وحدنا فقط يمكننا الإستغناء عن العالم من حولنا ، كنت أريدها لى وحدى ،خاصمت الجيران والأصحاب وأغلقت الأبواب والنوافذ دونهم فمن أين تسرب فيروس التمرد اللعين إلى عقلها ؟
عشرون سنة وأنا أحلم بأن أجدها قد عادت فجأة كما أختفت فجأة وكأنما أبتلعتها الأرض، كيف هان عليها كل ذلك الحب الذى بذلته من أجلها ،لم أجرؤ على سؤال الجيران وقد قاطعتهم بسببها وأتهمتهم بتحريضها قبل أن أوصد كل المنافذ ، طفت المدينة فلم أترك مكاناً دون ان أبحث فيه ، الأحياء جميعاً ،أقسام الشرطة والمستشفيات، وضعت خططاً للبحث فى كل مكان حتى أيقنت أنها لابد قد غادرت المدينة إلى حيث لاأدرى.
ترى هل مازالت تحتفظ بجمالها القديم.. سر عذابى وشقوتى؟ و إبتسامتها الساحرةالتى طالما أجّجت الحروب بيننا ؟هل كانت الخلافات تنذر بالفراق؟آلاف الأسئلة تحاصرنى وتقض مضجعى..كنت أحبها وكانت جميلة وكان مجرد مرورنا بمكان كفيلاً بأن تلتوى الأعناق لتشاهد البهاء المارق ،يتوقف لغط المقاهى التى نمر عليها فى طريقنا ، العيون ذاهلة مماترى من حسن، تلوح منى إلتفاتة ناحيتها فاضبط إبتسامة نشوانة بالإطراء ووجه تتقافز فيه فرحة بالحفاوة وعبارات الغزل، أتميز غيظاً ، تدب الرعشة فى أوصالى،أعود مسرعاً إلى البيت ،أدفن مخاوفى وجنونى فى لقاء سريع يؤكد سطوتى وإمتلاكى لهذا الجمال دون منازع فلاتنطفئ الحمم فى أعماقى.
ماذا علىّ يارب أن أفعل؟! يسعد الناس بما أملك وأتعذب به حد الوجع فماذا أصبت منه غير التوجس والترقب والجزع ؟، صارت حياتنا جحيماً مستعراً وتحول الجمال الصارخ إلى محرقة تشتعل فيها أعصابى كل يوم.
توقفنا عن الخروج تماماً ، أغلقت الأبواب والنوافذ وصرت أعود من العمل كل يوم محملاً بما يلزمنا من سلع ،أصبحت مثل سجّان مكلف بمراقبة رهينته، لم تكن تحتاج شيئاً ولم تكن تعلن تبرمها إلا حين تثور من حين إلى حين على ّ وتتهمنى بالجنون المطبق، غلطة واحدة وقعت فيها ذات صباح كلفتنى هنائى وأمان نفسى ،صرعتنى الأسئلة عشرين عاماً دون إجابة. أين؟ وكيف؟ ولماذا؟، لم يجبنى أحد صرت اتطلع للنوافذ المغلقة وأحدث نفسى بأنها موجودة فى مكان ما خلف إحداها..لكن أين بحق السماء؟!
هبطت الفكرة كأنها وحى السماء ،لابد أنها رحلت عن المدينة وأنها يوماً سوف تعود للقاء من حرّضها على الرحيل أو معترفة بأنها أذنبت فتجئ طالبة الغفران والعفو،تعاقبت الفصول والأيام وأنا مازلت أجلس فى مقعدى الخشبى أراقب وجوه القادمين وانتظر قطار آخر الليل، هبت عاصفة باردة عاتية قلبت صناديق القمامة ففرّت القطط وأنتشرت فى كل مكان ، تدثرت بمعطفى وأحكمت رباط عنقى المتهدل، دقت الساعة الكبيرة المعلقة فى سقف المحطة معلنة إنتصاف الليل، أرهقنى الإنتظار والبرد عبثاً أنفخ فى راحتى ألتمس بعض الدفء ،أضم ياقة معطفى حول عنقى واتشبث بها حد الإختناق، أوشك الليل على الإنتهاء ولم يصل القطار بعد.

ابن الدين علي
23-08-2007, 07:29 PM
أديبنا محمد فؤاد : من حسن الصدف و أنا أقرا قصتك الجميلة جدا كان عبد الحليم حافظ يغني "اهواك و اتمنى لو انساك" مما زاد القصة عمقا . سلوك البطل يدل على انه فعلا ساديا . هل هو الافراط في الحباو المبالغة فيه او هو بكل بساطة حب غير سوِي ام هو حالة مرضية يتحمل عناءها المحبوب اكثر من المُحِب

مازن سلام
23-08-2007, 09:30 PM
القاصّ د. محمد فؤاد منصور المحترم
وجدت هنا نصّاً يحاكي الماضي و الحاضر كأن الزمن توقـّف
حالة اجتماعية مؤثرة بما تحويه من ذكريات و غيرة و برد ...
أحيي قلمك الجميل
كل التحية
مازن سلام

دكتور محمد فؤاد
23-08-2007, 10:25 PM
أخى العزيز أبن الدين على
أشكرك لتفضلك بقراءة النص والتعليق عليه تساؤلاتك فى محلها ، الحب المرضى قد يدفع للجنون لأنه يتحول إلى رغبة سادية فى الإمتلاك والقهر..تقبل عظيم إمتنانى وتحياتى.
دكتور/ محمد فؤاد منصور
الأسكندرية

جوتيار تمر
24-08-2007, 02:53 AM
دكتور محمد.......
المرض الحبي..الافراط في حساسية العاطفة..تجاه شخص ما..التعمق في الذات الاخرى..تخيل كل شيء منه.. تخيل ماوراء الظاهر..هواجس نفسية ذاتية..وصر ترافق الذهن..وتخيلات ترافق الذهن..تمازج بين الصور والتخيلات..رغبات تتصاعد..تحدث تورتات عنيفة.وانفعالات ربنا لاتتناسب وقدرة البطل على تحملها من حيث الكم والنوع..النهاية الجنوح نحو سلوكيات سادية في التعامل.. من هذا المنطلق.. تصبح القصة برمتها حالة إنسانية تتجاذبها مشاعر وانفعالات لا يطفو على سطحها غير المسموح بالإعلان عنه ..بينما تبقى الأسئلة الحقيقية حول الأصل في الصراع معلقة أو مسكوتا عنها .. والنتيجة كما تجسدها ردود الفعل المعبر عنها .. يتداخل فيها المدرك وغير المدرك.. لدرجة الانتهاء إلى الإقرار بالجنوح والمرض الحبي العنيف..بل التطرف..باعتبارهما الحقيقة المعادلة للوهم .

دمت بخير
محبتي لك
جوتيار

دكتور محمد فؤاد
24-08-2007, 05:47 AM
الأستاذ الفاضل مازن سلام
أشكرك على تفضلك بقراءة هذا العمل ولقد أسعدنى أنه حظى بإهتمامك وعنايتك فشكراً لك مرتين على القراءة والتحية وتقبل منى أرق تحياتى.
دكتور/ محمد فؤاد منصور
الأسكندرية

حنان الاغا
26-08-2007, 12:25 AM
الأخ د. محمد فؤاد

الغيْرة المرضية قضية تؤرق العديد من الأسر ، وتهدد أجمل العلاقات الإنسانية وبخاصة الزوجية .
وعندما تصبح نوعا من حب التملك يصبح الوضع أسوأ .
صياغة موفقة جدا ، وأسلوب استرجاع الحدث تم بسرد جميل متماسك .
ومكمن الجمال هو الحدث كله على لسان الراوي الذي هو الشخصية المحورية في القصة.
ما أغرب الحب عندما يتحول دون أن نحس إلى قيد !
قصة جميلة.

مودتي

دكتور محمد فؤاد
29-08-2007, 05:23 AM
الأخ العزيز جوتيار
يسعدنى دائماً مرورك بصفحتى وغوصك فى أعماق النص وتحليلك الثرى له وهو مايجعلنى دائماً فى إنتظار كلماتك التى تثرى العمل وتضيف إليه..لك منى عظيم الشكر والإمتنان وتقبل تحياتى.
دكتور/ محمد فؤاد منصور
الأسكندرية

دكتور محمد فؤاد
30-08-2007, 05:15 AM
الأخت العزيزة حنان الأغا
أنا جد سعيد بلقائك فى هذا المكان وارف الظلال والذى تشيع بين جنباته روح الأخوة والمودة وسط كوكبة لها ثقلها من المبدعين، وأشكرك على تفضلك بقراءة النص والتعليق عليه .
بالفعل سيدتى حين ينقلب الحب إلى حالة مرضية من التملك تصبح الحياة والجحيم سواء..لك منى أفضل تحية وتقدير وألقاك دائماً على خير.
دكتور/ محمد فؤاد منصور

آمال المصري
26-12-2014, 10:03 PM
حالة مرضية صنعتها الغيرة التي تصل حد الشك فأطاحت بكل جميل في الحياة وتركته وحيدا ينتظر قطار لن يأتي
سرد جذاب ولغة طيعة ونص نسجه يراع مبدعة فشكرا لك أديبنا الفاضل
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

خلود محمد جمعة
29-12-2014, 11:32 AM
هو فصام وعيش حالة من العذاب رسمها هو بعد أن خطط ودبر ونفذ حكم السيد ليجد نفسه وحيدا في زنزانة حياته
لم يدرك بعد أنها لن تعود بعد أن سلمت بعقلها وقلبها منه
لن يكف عن الانتظار الا حينما يجد نفسه
جميلة وعميقة ومؤثرة
تقديري

ناديه محمد الجابي
22-11-2015, 08:39 PM
قد يكون جمال المرأة أحيانا نقمة وليس نعمة فالمرأة الجميلة تكون دائماً محط الأنظار
فإن ذلك يدفع الرجل إلى الغيرة وتضييق الخناق عليها وقد تصل غيرته إلى جعلها
تشعر أن جمالها الذى أنعم الله عليها به قد عكر عليها صفو الحياة
فيحجر على حريتها مما يدفعها للهرب لكسر القيود المكبلة بها.
قصة صافحت كف الإبداع فشكرا لك. :001: