تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : نقد العقل العربي ( قضية للنقاش )



عطية العمري
01-09-2007, 09:04 AM
أعرض فيما يلي جزءًا من قراءة في كتاب ( نقد العقل العربي ) لمحمد الجابري ، يليها دراسة نقدية للكتاب ، وهي بعنوان ( نقد نقد العقل العربي )
أرجو من الجميع الإدلاء بدلوه في هذا الموضوع لأهميته ( في تصوري )
ولكم جزيل الشكر سلفًا


قراءة في كتاب : نقد العقل العربي
لمحمد عابد الجابري
إعداد : أحمد السيد

بنية العقل العربي
ما هو ( العقل العربي ) ؟؟
يخصص الجابري ثلاثة فصول أولى من كتابه لتحديد ما يقصده بـ( العقل العربي ) ، فهو يستبعد ( العقل الإسلامي ) لأن هناك علماء مسلمين غير عرب لهم نتاج ضخم مكتوب بلغتهم أي من داخل ثقافتهم وعقلهم هم وليس من داخل ( العقل العربي ) الذي تشكل اللغة العربية إحدى أهم أساساته . ويستبعد كتابات المستشرقين عن التراث العربي لأنهم كتبوها وفق مفاهيم وعقل غربي ويصفها بأنها ليست أكثر من "وجهة نظر" غير عربية في الثقافة العربية .
يقصد الجابري بالعقل العربي العقل الذي تشكل داخل الثقافة العربية وبها وطورها وطورته .
العقل هو أداة ذات بنية ( عناصر مركبة ) مثلما الفأس أداة ذات بنية مركبة من خشب وحديد ، ويأخذ العقل أهميته وماهيته من عمله وهو التفكير مثلما الفأس تأخذ أهميتها وماهيتها من عملها وهو القطع .
وكل فأس حتما سبق أن شاركت في صناعتها فأس أخرى وستكون هي عنصرا من ( بنية ) فأس أخرى فكذلك العقل شارك في تكوينه وبنيته عقل سبقه وسيكون هو عنصرا في تكوين عقل لاحق بعده .
فالعقل بهذا المعنى هو مجموعة المفاهيم والتصورات التي تمنحها ثقافة ما لأبنائها في فترة ما وستكون هذه المفاهيم والتصورات تحكم نظرة أبناء الأمة إلى العلم والكون والعالم والله ، وستنتج علوما ومعارف ستكون فيما بعد عنصرا ثابتا في تكوين عقل أجيال لاحقة وهكذا .
العقل يتشكل باستمرار وليس ثابتا . ومن هنا فالجابري بهذا المعنى يريد أن يقول أن العقل العربي يمكن تغييره وتطويره ليستطيع مواصلة دوره ، وهنا أهمية الكتاب .
العقل العربي ذاته يجب أن يتغير .
وحتى نتمكن من تغييره لا بد من الكشف عن أسسه وأصوله منذ أن تكوّن .
فمتى تكون العقل العربي ؟
من العصر الجاهلي أم من ظهور الإسلام أم من العصر الحديث ؟
أين النقطة التي يمكن القول أن عندها بدأ العقل العربي في التكون ؟
يختار الجابري نقطة بداية غير العصر الجاهلي وغير ظهور الإسلام وغير بداية عصر النهضة .
يختار الجابري عصر التدوين ( من منتصف القرن الثاني الهجري إلى منتصف القرن الثالث الهجري ) .
أما لماذا اختار الجابري هذه البداية فسيكون موضع المشاركة القادمة .
" قال الذهبي : في سنة 143 شرع علماء الإسلام في هذا العصر في تدوين الحديث والفقه والتفسير فصنف ابن جريح بمكة ومالك الموطأ بالمدينة والأوزاعي بالشام وابن أبي عروبة وحماد بن سلمة بالبصرة ومعمر باليمن وسفيان الثوري بالكوفة وصنف ابن اسحاق المغازي وصنف أبو حنيفة رحمه الله الفقه والرأي .... وكثر تدوين العلم وتبويبه .. وقبل هذا العصر كان الناس يتكلمون من حفظهم أو يروون العلم من صحف صحيحة غير مرتبة " .
يستخلص الجابري من هذا النص ما يلي :
ـ تحديد فترة بدء التدوين بإشراف الدولة وتحريضها ( أيام الخليفة العباسي المنصور ) .
ـ أن عبارة ( تدوين العلم وتبويبه ) تعني أن العلم كان موجودا وعلى العالِم فقط تدوينه وتصنيفه .
ـ تدوين العلم وتبويبه لا يمكن أن يتم بدون حذف وتعديل وتصحيح وتقديم وتأخير ، بمعنى أن التدوين والتبويب صار عملية إعادة الموروث ليكون تراثا ، ليكون إطارا مرجعيا لنظرة العربي إلى الكون والإنسان والمجتمع والتاريخ .
إن الحذف والتعديل والتصحيح والتقديم والتأخير ليست من العلم الموجود ولكنها من عمليات ( الرأي ) عمليات العقل العربي .
ـ النص يسكت عمدا عن بدء التدوين لدى الشيعة ( كان هناك تسابق بين الشيعة والسنة في تاريخ بدء تدوينهما لعلميهما ) ، وهو سكوت يفسره مرجعية السلطة التي ينتمي لها صاحب النص وهي السلطة التي تجدد الحقل المعرفي الأيدلوجي لأهل السنة كافة
- السكوت عن ( العلم الشيعي ) كان من الشروط الموضوعية التي حددت وأطرت صحة ( العلم السني ) والعكس صحيح كذلك ..
ـ النص يسكت عمدا عن بدء تدوين ( علم الكلام و علوم الأوائل = الفلسفة ) لأنهما لا يدخلان ضمن ( العلم السني ( .
ــ سكت النص عمدا عن التدوين في ( السياسة ) ككتب ابن المقفع وهو معارض سياسي للسلطة السنية التي قتلته فيما بعد .
وينقل الجابري عن علماء الحديث هذه العبارة :
" قولنا حديث صحيح لا يعني أنه صحيح على وجه القطع ، بل يعني أنه صح على شروطنا ، كما أن قولنا حديث غير صحيح لا يعني الجزم بعدم صحته ، فهو قد يكون صحيحا في الواقع ولكنه لم يصح على شروطنا "
وإذا طبقنا هذا على التفسير والفقه واللغة والتاريخ لأن المشتغلين بهذه العلوم اعتمدوا نفس طريقة أهل الحديث المعتمدة على الرواية والإسناد لأمكن القول : " إن الموروث الثقافي العربي الإسلامي الذي تناقلته الأجيال منذ عصر التدوين ليس صحيحا على وجه القطع ، بل هو صحيح فقط على شروط أهل العلم ، الشروط التي وضعها وخضع لها المحدثون والفقهاء والمفسرون والنحاة الذين عاشوا في عصر التدوين ما بين منتصف القرن الثاني ومنتصف القرن الثالث للهجرة " .
ويؤكد المؤلف أنه لا يقصد وضع التراث العبي الإسلامي موضع الشك ، وإنما يقصد إلى إبراز أن تلك ( الشروط ) لم تكن جزءا من العلم = المرويات ، بل كانت من عمل الرأي ، أي العقل ، عمله الأول . وبما أنها ما زالت سارية إلى اليوم داخل الثقافة العربية ، على الأقل كنقط استناد رئيسية فهي تشكل الإطار أو القسم الرئيسي والأساسي للإطار المرجعي لفكر العربي منذ عصر التدوين إلى اليوم .
ما الذي تغير منذ أكثر من ألف عام ؟؟؟؟

خاتمة القسم الأول من كتاب ( تكوين العقل العربي )
يلخص الجابري نتائج الفصل الأول بالتأكيد على :
العقل العربي : جملة المفاهيم والفعاليات الذهنية التي تحكم رؤية الإنسان العربي إلى الأشياء وطريقة تعامله معها في إنتاج المعرفة وإعادة إنتاجها .
الإنسان العربي : الفرد الذي تشكل عقله وترعرع وتقولب داخل الثقافة العربية التي شكلت إطاره المرجعي الرئيسي أو الوحيد .
الثقافة العربية : وهي العقل العربي ذاته ( في إنتاجه وفي ممارسة التعلم والتفكير والتعليم ) إنما تشكلت في عصر التدوين ، وما زالت تعيش نفس العقل ، فالزمن الثقافي العربي راكد منذ عصر التدوين إلى اليوم ، ولذلك فالفرد العربي اليوم لا يجد نفسه ولا يشعر بالاستقرار إلا باستغراقه في ذلك الزمن ولانقطاعه له دون أي شعور بالبعد الزمني أو أي شعور بالغربة رغم طول الفترة .
ولأن القسم الأول من الكتاب كان مخصصا لتحديد ما يقصده الجابري ( بالعقل العربي ) فقد ختمه بعبارة موجزة تلخص كل ما سبق وهي : " العقل العربي هو البنية الذهنية الثاوية في الثقافة العربية كما تشكلت في عصر التدوين "

ويعدنا الجابري أنه في الأقسام التالية من الكتاب سيرتفع بتلك العبارة إلى مستوى الحقيقة العلمية عن طريق التحليل الملموس للواقع الملموس . .

وأختم أنا بالتأكيد على أن كل ما تقدم هنا هو لتعريف العقل العربي . أما كيف تكوّن هذا العقل فأسأل الله أن يعينني على عرض بقية أقسام الكتاب .

عطية العمري
01-09-2007, 09:05 AM
نقد نقد العقل العربي
د.عبدالرزاق عيد *
ثمة إنجازات فكرية كبرى يظلمها ضخامة إنجازها، مما يخلف أثرا مهيبا لدى قارئها من مقاربتها لقلق مشروع من عجز أية مقاربة على مطاولة ضخامة البنيان، ومن ثم الخشية من الإساءة إليه اختزالا في مقال عابر، كما حدث أو يمكن أن يحدث مع مشروع فكري بدأه المفكر السوري (جورج طرابيشي) وهو في ذروة نضجه الفكري والمعرفي وهو منذ عقد ونصف، وذلك في موسوعته (نقد نقد العقل العربي) في محاورة المشروع الفكري الموسوعي لمحمد عابد الجابري الذي بدأه منذ الثمانينات تحت عنوان (نقد العقل العربي).
ونحن لا نرى أنفسنا مغالين عندما نطلق على مشروعي الجابري/ طرابيشي صفة الموسوعية، بل ولسنا مغالين إذا ذهبنا إلى القول: إن دارسي تاريخ الفكر العربي الحديث، سيخلصون إلى أن القرن العشرين وسمته ثلاث موسوعات فكرية تتناول التراث الفكري العربي الإسلامي، متمثلة: أولا بموسوعة أحمد أمين الشهيرة عن (فجر وضحى وظهر الإسلام) في أواسط النصف الأول من القرن العشرين، وبموسوعتي محمد عابد الجابري وجورج طرابيشي في العقدين الاخيرين من القرن العشرين، ومستهل القرن الواحد والعشرين، إذ إن طرابيشي بدأ مشروعه النقدي لمشروع الجابري قبل الشروع في موسوعته، وذلك منذ سنة 1993 عندما أصدر كتابه (مذبحة التراث في الثقافة العربية).
لقد توَجه اليوم بصدور الجزء الرابع (العقل المستقيل في الإسلام) ليحاور السؤال المركزي الذي يخترق مشروع الجابري، وهو سؤال عوامل استقالة العقل العربي: هل هي عوامل خارجية، يمكن تعليقها على مشجب الآخر، أم هي عوامل داخلية، يتحمل فيها العقل العربي الإسلامي مسؤولية الإقالة المأساوية لنفسه بنفسه؟! وهو يرد بذلك على ما يعتبره الجابري غزوا خارجيا تمثل باللامعقول الهرمسي والغنوصي، وتصوف وتأويل باطني وفلسفة إشراقية وسائر تيارات الموروث القديم، وهو(طرابيشي) في طريقه لتفكيك أطروحة الجابري، فإنه كان قد غاص في تاريخ فلسفات وأفكار الموروث القديم هذا لفترة تستغرق خمسة عشر عاما قام خلالها في إعادة بناء ثقافته الفلسفية على حد تعبيره، وهو إذ كان يعيد بناء عمارته فإنه كان يعمل على تقويض عمارة الجابري، ليستجلي صدقية هذا الغزو وحقيقته وشكله ومواقع اندفاعاته، وهو في ذلك يطوف بنا في مجاهل ثرة ومدهشة من عوالم فلسفات وأفكار الموروث القديم، يساعده على ذلك عمر من النشاط الكثيف في مجال الترجمة الذي لا يدانيه مترجم عربي في عصرنا، إذ تجاوزت ترجمات الصديق (جورج طرابيشي) المئة من الأمهات، وانصراف مديد (15 سنة) لمصاولة المشروع المختلف (نقد العقل العربي) عبر التعرف على كل مصادره ومراجعه وقراءاته (التراث اليوناني التراث الأوروبي الفلسفي التراث العربي الإسلامي ليس الفلسفي فحسب، بل والكلامي والفقهي واللغوي والبياني، ولعل ما لا يقبل التأجيل في معاورة موسوعة طرابيشي الكبرى، هو اكتشافه لكتاب في الموروث القديم (الفلاحة النبطية) يعود تاريخ تأليفه إلى القرن الثاني بعد الميلاد، وذلك في الجزء الأخير من سلسلته النقدية (العقل المستقيل في الإسلام)، إذ إن هذا الكتاب: (الفلاحة النبطية) اللقيا يتوفر على نسيج من المفاهيم و شبكة من الأفكار تدعو للدهشة، في مدى انطوائها على نظرات وخطرات وتفسيرات وتأويلات تتحلى بدرجة عالية من الراهنية بل والمعاصرة ما يجعلها طليعية حتى في زماننا، حتى نكاد أن لا نصدق أن مصفوفة ثقافية مقمشة من هذا النسيج القديم يمكن أن تنتج منذ تسعة عشر قرنا، ولو أن اكتشاف الأستاذ طرابيشي لهذا الأثر وقع في يد باحث أوروبي لاكتسب هذا الكتاب أهمية عالمية بقوة المركز الأوروبي الإعلامي، ولو ان هذا الكتاب أتيح لماركس أن يطلع عليه في حينه لترك أثرا على هيكلية بنائه لقارته التاريخانية...!
وعلى هذا فقد وجدت أن أعود إلى مشروع جورج طرابيشي منذ بداياته الاولى، لأعرضه وأحاوره في حدود المتاح من الكلام في جريدة أو مجلة، قبل تناول (العقل المستقيل في الإسلام) الجزء (الرابع) الأخير، وذلك بتناول الأجزاء الأربعة، لنخص كل جزء بحلقة دراسية موجزة تعطي لهذا السفر بعضا من حقه على الفكر العربي المعاصر الكسول بل والمذهول وهو يعيش ?اليوم لحظة الانتقال من التنوير إلى التكفير، مما يبدو أن مشروعي الجابري وطرابيشي وكأنهما يأتيان خارج السياق، سياق زمن ثقافي وفكري ينوس بين (القرضاوي والزرقاوي). يحاور طرابيشي في كتابه: الجزء الأول (نظرية العقل) مشروع الجابري في خمسة عناوين، لا يسميها أقساما أو فصولا، بل هي إشكالات أغلقها الجابري بإجاباته، فأراد طرابيشي أن يفتحها من جديد بأسئلته، فبدأ بمناقشة التأصيل النظري الذي يضعه الجابري للعقل، وذلك لأن جزءا من الشهرة التي حازتها كتابات الجابري، في جزء منها تعود إلى توظيفه مفهوم العقل كما هو كذلك (نظرية العقل).
دار الساقي ط2 1999 ص 11 وهنا يشير الباحث إلى أن استخدام مصطلح (العقل) سبق أن استخدمه زكي نجيب محمود 1977، وأحمد موسى سالم الذي رد بكتاب على زكي نجيب محمود سنة 1980، ويربط سبب صعود نجم الجابري من منظور علم اجتماع المعرفة إلى أنه أعاد الاعتبار لمفهوم (العقل والعقلانية) بعد هيمنة الإيديولوجيا (الوعي غير الواعي) بعد هزيمة 1967، وعلى مستوى منظور علم النفس بظاهرة (العصاب الجماعي) الذي لحق بالانتليجنسيا العربية، بعد هزيمة حزيران، ونكوصها للبحث عن أب حام أو أم كلية القدرة ص12.
وكان قد تقصى مظاهرها العصابية المرضية في كتاب صدر له سنة 1991 عن دار الريس تحت عنوان (المثقفون العرب والتراث: التحليل النفسي لعصاب جماعي)، لكن ما يميز الجابري عمن كتبوا من قبله عن العقل العربي حسب طرابيشي هو قوة تأسيسه النظري، أو الابستمولوجي... ودفعه إياه من مستوى اللفظ أو المعنى إلى مستوى المفهوم.
ونحن نجدها مناسبة للتنويه حيث السياق لا يتيح التفصيل إلى أننا أظهرنا أن طه حسين في كتابه (قادة الفكر) الصادر سنة 1925، قد ارتفع بملفوظ (العقل) من مستوى اللفظ والمعنى إلى مستوى المفهوم (بوصفه أداة للتفكير ونظاما مفاهيميا) وذلك في كتاب لنا عن طه حسين (العقل والدين) ص 7884، وكنا قد قمنا بمقارنة بين المفهوم التاريخاني لل(العقل) عند طه حسين، والمفهوم النسقي عند الجابري، وذلك في كتاب لنا عن أزمة التنوير ص92117.
ويخلص طرابيشي إلى أن استعارة الجابري لهذا المفهوم من تمييز لالاند للعقل المكوِّن والعقل المكوَّن، ضمن للفيلسوف الفرنسي الذي أصدر كتابه (العقل والمعايير) سنة 1948 شهرة عربية متأخرة، لكنه مع ذلك يشكك بدرجة استناد الجابري إلى لالاند، إذ يرى أن الجابري استند إلى معجم الفلسفة لفوكييه للتعرف على لالاند، وذلك من خلال المقارنة بين نص الجابري ونص لالاند، ليخلص إلى أن الجابري لم يتعرف إلى نظرية لالاند في مصدرها الأصلي، أي كتاب (العقل والمعايير)، وإذا كان الجابري وفق طرابيشي لم يقرأ النص الأصلي للالاند، فمن باب أولى فإن أي نقد يقوم به الجابري تجاه أفكار لالاند، (لن يثبت بنقده لها سوى المزيد من الجهل بها) ص15. وهو في صدد مناقشة إحالات الجابري إلى كتاب الفكر الوحشي لكلود ليفي شتراوس فإنه يسعى للبرهنة على أن الجابري لم يقرأ شتراوس أيضا، بل اعتمد إلى مصادر ثانية (معجم كوفييه) وعلى هذا فإن (جهل وسذاجة مناقشة الجابري) ليست مقصودة بهدف الإساءة للجابري وإن كان لا يصعب نفيها بل هي تفسر وتعلل أهم ما يريد طرابيشي ان يخلص له في أهم ما خلص له الجابري عند صياغة إشكاليته للعقل في (قسمته لا في وحدته) وذلك عندما (تجاهل) الوظيفة التوحيدية للعقل المكوَّن...فقد قاده ذلك لبناء تحليله للعقل العربي على تشطير هذا العقل تشطيرا ثلاثيا وقطعيا إلى عقل بياني وعرفاني وبرهاني، وبدلا من أن يرد تجليات هذا العقل في مجالات الفقه وعلم الكلام والتصوف والفلسفة إلى البنية العضوية الواحدة التي تصدر عنها... فأدى التشطير إلى إنزال العقل منزلة الجوهر الفرد القائم بذاته والمنغلق على نفسه... ومن ثم قيام حرب مواقع وخنادق بين هذه العقول بل وحتى (تحالفات) قد يعقدها العقل البياني مع العقل العرفاني (الغزالي) أو العقل العرفاني مع العقل البرهاني (ابن سينا) وهذه التحالفات... ليست سوى (اختراقات) تتيح للموروث القديم اللاعقلاني (العرفان = الغنوصية = الهرمسية= الأفلاطونية المحدثة الشرقية) أن تستعيد (المواقع) التي خسرتها بظهور الإسلام ومن ثم انتصار (المعقول الديني).
كل ذلك فوَّت على الجابري حسب طرابيشي فرصة قراءة (وحدوية) وجدلية معا للعقل الإسلامي، وذلك عندما لم ينتبه إلى الوظيفة النقدية للعقل المكِّون بوصفه عقل (استحداث أزمات) على حد تعبير باشلار، أي بوصفه (حركية موجهة) نحو التقدم، لتجاوز العقل المكوَّن الذي ينبغي أن ينتفض ضد ذاته بوصفه (مطلقا)، وإذا كان الجابري في الجزء الأول (تكوين العقل العربي) أخذ (حركية العقل) بعين الاعتبار، لكنه في (بنية العقل العربي) ينتقل من مفهوم نقدي تكويني صيروري إلى مشروع نقد بنيوي ماهوي للعقل العربي.
وتأسيسا على ذلك يعترض طرابيشي على تحقيب الجابري للزمن الميت، زمن العقل المكوَّن، إذ يدرج (لحظة الغزالي) في الزمن الميت، بوصفها جزءا من (عصر الانحطاط)، ومن ثم تمديد هذه الحقبة (الانحطاط) حتى اليوم، مما يترتب على ذلك شطب (عصر النهضة) في (العصر الحديث)، وإذا كان من المفهوم مبررات اعتراض طرابيشي على شطب عصر النهضة، انطلاقا من استشعار راهني لأهمية تضييع الفكر العربي المعاصر لمنجزات الزمن النهضوي، ومن ثم الدعوة إلى ضرورة استئنافه من جديد، في مواجهة الدعوة ذات النكهة السلفية التي يدعو لها الجابري، وهي حاجتنا إلى عصر تدوين جديد كما يدعو الجابري، نقول: إذا كان من المفهوم استيعاب حاجة المفكر النهضوي طرابيشي لاستئناف زمن النهضة الحديث، لكنا لم نفهم ما هي حاجة العقل المكوِّن للمثقف النهضوي، لتمديد حقبة العصر الذهبي حتى القرن السابع الهجري ليضم الغزالي إلى هذه العصور والسؤال هنا يدور حول الوظيفة الايديولوجية للتحليل الابستمولوجي، لأنه من الصعب الاطمئنان لتحقيب طرابيشي الذي يريد إدراج الغزالي في زمن العصر الذهبي، مادام الغزالي نفسه يعلن انسحابه من العالم، من خلال إعلانه الصريح عن عدم حاجة الأمة للعلوم الطبيعية بوصفها علوم دنيا، والدعوة إلى علوم الباطن، علوم المكاشفة بوصفها فرض عين لاقتناص مستقبل الآخرة، هذا رغم أنا لا ننظر بازدراء علموي لانعطافة الغزالي باتجاه التصوف على حساب انصرافه عن الفقه حسب تأنيب ابن القيم، مما كان يؤذن بممكن ثورة دينية أخلاقية!؟
وعلى هذا فقد كان تحليل الجابري للعقل على أساس تشطيره وتجزئته، لا على أساس بناء وحدته، مما أفضى لأن يتأتى تعاطيه مع العقل من موقع سجالي، لا من موقع نقدي، مما قاد إلى نوع من المقارنة بين العقول الثلاثة التفاضلية لا التكافؤية، إذ تبدت هذه العلاقة عن حرب أهلية دائمة، يتخذ لنفسه منها موقفا كطرف دون طرف آخر، فقد انتصر ابستمولوجيا للعقل البرهاني على العقل البياني، بقدر ما انتصر للعقل البياني على العقل العرفاني، وانتصر إيديولوجيا للعقل (السني) على العقل (الشيعي) وانتصر جغرافيا لعقل المغرب على عقل ?أو بالأحرى (لا عقل) المشرق... ! وتحت العنوان الثاني يقدم طرابيشي بحثا مطولا حول: التوظيف المركزي الاثني لنظرية الحضارات الثلاث اليونانية والعربية والأوروبية الحديثة التي وحدها أنتجت ليس فقط العلم، بل أيضا نظريات في العلم، وأنها وحدها التي مارست ليس فقط (التفكير بالعقل) بل أيضا (التفكير في العقل).
فيبدأ تفنيده بالنعي على الجابري أن أطروحته هذه هي من مشاع القول في تاريخ الفلسفة السائد، بل يذهب أبعد من ذلك في (الاتهام) بأنه أخذ هذا التعريف عن كتاب صادر بالفرنسية سنة 1978 لمحمود قاسم عميد كلية دار العلوم بجامعة القاهرة عن (نظرية المعرفة عند ابن رشد وتأويلها لدى توما الأكوييني (وعن مصدر ثاني هو كتاب هيغل الرائج (دروس في تاريخ الفلسفة)، ويمضي عبر أكثر من مئة صفحة ليفند هذه الاطروحة، من خلال إطلالة موسوعية على تاريخ الفلسفة ليبرهن على أن للهند تاريخا عظيما في الفلسفة والمنطق لا يقل أهمية عن تاريخ الفلسفة اليونانية، وعلى أن الجابري متأثر بنظرية المركز الاثني الأوروبي في القرن 19، وذلك عندما يحكم بالإعدام على ألفي سنة من تاريخ الفلسفة و المنطلق في الهند، وتراثا متراكما في (التفكير بالعقل) وأن عدم تحول العقل الهندي إلى عقل (كوني) يعود لأسباب تاريخية لا لأسباب ابستمولوجية، وذلك بسبب انتماء الحداثة الأوربية للجذر اليوناني، وبالتالي فإن أوروبا هي التي صنعت (المعجزة اليونانية)..! وبالتوسع ذاته يقوم بتناول تطور مفهوم العقل في الحداثة الأوربية ليمتد حجم البحث على مدى ما يقارب 100 صفحة، مفندا مفهوم العقلانية لدى الجابري القائم على التطابق بين نظام الفكر ونظام الطبيعة، باعتباره مفهوما متقادما، نسفته النظرية النسبية لإنشتين 1905 ومبدأ اللاحتمية الذي قال به هايزنبرغ عام 1928 لكن الاندفاع العلمي والبحثي الخصب والإخلاص المعرفي لروح البحث من قبل الصديق طرابيشي، كان يؤجج حماسه العاطفي تجاه إشكاليته، مما كان ينسيه في بعض الأحايين أنه تجاه مشروع فكري ضخم مميز على مستوى قرن العرب العشرين كما قدمنا، ولو لم يكن كذلك لما تجشم الصديق (طرابيشي ) وجشمنا معه كل هذا الجهد العظيم في مقاربته ومعاورته ومصاولته، فإذا كان الأمر كذلك وهو كذلك فإنه لا يستقيم معه اتهام صاحبه (الجابري) أكثر من مرة بالسذاجة والجهل بل والرثاثة كما في ص (240). ولنا عودة...

* مفكر وأكاديمي سوري

عطية العمري
01-09-2007, 09:06 AM
(موسوعة) نقد نقد العقل العربي إشكاليات العقل العربي 2
د. عبد الرزاق عيد
بعد تناول جورج في الجزء الأول من موسوعته (نقد نقد العقل العربي) أصول نظرية العقل عند الجابري، ومن ثم التوظيف المركزي الإثني لنظرية العقل، ونقده لهجاء الجابري للعقل العربي من خلال وضعه بحالة ضدية مع العقل اليوناني، ومن ثم قيامه ببحث موسع في تطور مفهوم العقل في الحداثة الأوروبية، ليخلص إلى تناول مظاهر الخلط بين العقل والعقلية في مشروع الجابري لنقد العقل العربي.
فإنه في الجزء الثاني (إشكاليات العقل العربي) يتناول ثلاث إشكاليات:
1 إشكالية الإطار المرجعي للعقل العربي (عصر التدوين)
2 إشكالية اللغة والعقل.
3 إشكالية البنية اللاشعورية للعقل العربي.
عصر التدوين:
يستند الجابري في تحديده لفترة عصر التدوين بوصفها تمثل الإطار المرجعي لهذا العقل إلى كتاب (تاريخ الخلفاء) للسيوطي: الذي ينقل عن الذهبي تحديده لهذا العصر بأنه يبدأ سنة ثلاثة وأربعين ومائة للهجرة، إذ صنف ابن جريح في مكة، ومالك الموطأ بالمدينة، والأوزاعي بالشام، وابن أبي عروبة وحماد بن سلمة وغيرهما بالبصرة، ومعمر باليمن، وسفيان الثوري بالكوفة، وصنف ابن إسحاق المغازي، وصنف أبو حنيفة الفقه والرأي، ثم بعد يسير صنف هشيم والليث وابن لهيعة ثم ابن المبارك وأبو يوسف وابن وهب، وكثر تدوين العلم وتبويبه، ودونت كتب العربية واللغة والتاريخ وأيام الناس.
جورج طرابيشي يضع تعبير (عصر التدوين) بين قوسين إشارة إلى عدم اعترافه بشرعية هذا التعبير، ويعلن أنه سيبدأ بالمسكوت عنه في نصه قبل المنطوق به.
يكتفي الباحث بتعليق سريع وعرضي إلى عدم اعترافه بشرعية التعبير، كون تعبير عصر التدوين يختزل في نص الجابري إلى (التبويب) لما هو جاهز، في حين إن العملية انطوت على الإنتاج والبناء والتنظيم للثقافة العربية الإسلامية، وقد تمثلت في الانتقال بالثقافة من طور (شفاهي) إلى طور (كتابي) مما يتطلب تجاوز الذاكرة والتبويب إلى الإنتاج وإعادة الإنتاج الثقافي.
يكتفي الباحث بهذه الملاحظات السريعة رغم أهميتها التي تتطلب وقفة تحليلية خصبة، لينتقل مباشرة لتناول المسكوت عنه:
أولاً سكوت الجابري عن المصدر الذي أخذ منه الفكرة والتسمية، وهو كتاب (ضحى الإسلام) لأحمد أمين الصادر منذ سنة 1934، بل وإلى الشيخ أحمد الإسكندري الذي رفض اعتبار عصر بني أمية هو عصر التدوين، فحصر هذه الصفة بالعصر العباسي الأول، كما أن جولدزيهر في كتابه (دراسات إسلامية) دافع عن فكرة النقلة الفجائية من طور الرواية الشفهية للحديث إلى طور التدوين الكتابي في الفترة الحاسمة الممتدة بين منتصف القرن الثاني ومنتصف القرن الثالث الهجرية.
ثانياً يسكت الجابري عن المصدر الذي استقى منه نص السيوطي الذهبي، وليس كتاب أحمد أمين فقط الذي لم يكن مع ذلك الوحيد في الأزمنة الحديثة الذي تنبه لأهمية نص السيوطي الذهبي، بل وكتاب شاكر مصطفى في (التاريخ العربي والمؤرخون) الذي يعرفه الجابري ويستشهد به تكراراً (ص16)، ليدخل الأستاذ طرابيشي في محاجة تحقيقية طويلة حول حقيقة اطلاع (الجابري) فعلاً على كتاب (تاريخ الخلفاء) للسيوطي، وهذه (الملاحقة) ستشكل أحد المداخل الأساسية التي يلجها ناقد نقد العقل العربي لمحاكمة الناقد الأول (الجابري) أخلاقياً، عبر الأجزاء الأربعة لسفره، ويبدو أن الأول (الجابري) وضع نفسه في موقع الشبهة بسبب ترخصه المتكرر بعدم توثيق المراجع التي دافعها على الأغلب ليس ادعاء التبحر بالعودة إلى المظان الأولى للمصادر والمراجع فقط، بل نزوع للتعالي على منتجي مشهد الفكر العربي الحديث بمجمله، تجلى هذا النزوع في أكثر ما تجلى في كتابه (نقد الخطاب العربي المعاصر)، حيث يتسفل الجميع إلى الهامش، فلا نجد اسم أي علم من أعلام الفكر والثقافة العربية في القرن العشرين من يستحق أن يحتل شرف فسحة المتن، ولهذا فإن القارئ لقسوة جورج في هذا التعقب والملاحقة، لن يشعر بالتعاطف مع الجابري إذ يكشف ناقده عن عورات أخلاق البحث العلمي الذي من أول شروطه هو الأمانة الوثائقية والتوثيقية في سرد الوقائع، والأمانة تجاه حقوق الآخرين التأليفية، أي رد الأمانات لأصحابها.
المسألة المركزية التي أراد ناقد النقد أن يبرهن عليها، هي التأكيد على الزمن المبكر لعصر التدوين الذي يعود إلى النصف الثاني من القرن الأول للهجرة، خلافاً لتحديد الجابري الذي يتأخر به حتى منتصف القرن الثاني للهجرة، وأن التدوين الأول المبكر، هو النموذج الأول لكل تدوين لاحق، والذي هو تدوين القرآن (ص59)، لكن ناقد العقل العربي (الجابري) يقفز تماماً فوق الواقعة القرآنية ليجعل من منتصف القرن الثاني إطاراً مرجعياً يتيماً للعقل الذي يتصدى لنقده، عازياً ذلك إلى (التقيّة) أو وفق ما يقدره الجابري في: (أن الوطن العربي في وضعيته الراهنة لا يتحمل ما يمكن أن نعبر عنه بنقد لاهوتي)، مما أدى إلى الزج بواقعة تدوين القرآن، أو (مصحفته) في غيتو اللامفكر به le nonpense أو الممتنع التفكير به l'impensable ليجعل من تدوين الحديث هو البداية المطلقة لعصر التدوين، وفي سبيل أن يفند الأستاذ جورج أطروحة الجابري عن تاريخ عصر التدوين تفنيداً شديداً، فإنه يحدثنا بالاستناد إلى مصادر لا يحددها بأن عدد المصاحف التي رفعها أفراد جيش معاوية على أسنة الرماح في وقعة صفين عام (37 هجرية) بلغ نحواً من خمسمائة!
ولا ندري كيف يمكن أن يركن الباحث إلى مثل هذه الرواية، ولم يمر بعد على جمع القرآن إلا بضع سنين!
هل يمكن لأفراد الجيش في تلك الفترة أن يكون لديهم (500) مصحف، هذا ما عدا ما لدى الناس الآخرين في الأمصار من نسخ في ذلك الزمن؟.. وذلك إذا كانت معظم دور النشر العربية اليوم لا تنشر أكثر من ألف نسخة للكتاب المطبوع في العالم العربي الذي تعداد سكانه (300) مليون نسمة!
هل من الممكن بحق أن نطمئن إلى تحقيب كرونوجي حاسم؛ اعتماداً على كتب في السيرة والأخبار والغزوات لا تفعل سوى أن تكرر بعضها بعضاً في الخطأ والصواب، بل وأن تناقض بعضها بعضاً حد عدم اتفاقها حتى على تاريخ وفاة النبي بين (10) إلى (11) هجرية!
لماذا يسهب صاحب نقد النقد في إيراد الشواهد والنصوص التي تبرهن على وجهة نظره بأن عصر التدوين يعود إلى منتصف القرن الأول؟.. ما هي الدلالة التاريخية المتوخاة في إنتاج الوظيفة المعرفية الراهنية لمثل هذا الإثبات أو النفي؟
يعتبر ناقد النقد أن الجابري تبنى لحسابه خطيئة عصر النهضة بإعلانه عن عدم أزوف ساعة الثورة اللاهوتية وذلك بتبني الأسطورة البعدية لعصر التدوين، ومن ثم إخراج واقعة تدوين القرآن من ترسيمته الإشكالية، مما يترتب على ذلك ضرورة إرجائها إلى أجل غير مسمى، ومن ذلك مطالبته ب(استبعاد شعار العلمانية من قاموس الفكر العربي) (ص 69)!
إن جورج طرابيشي الذي يعود له الفضل، فضل الريادة في التصدي لحالة النكوص الفكري العربي، ومن ثم إضراب الإنتلجنسيا العربية عن التفكير، وذلك من خلال تصديه المبكر لجائحة تأثيم وتكفير وتخوين عصر النهضة العربية، إذ كان سباقاً في التصدي لهذه الجائحة بوصفها ظاهرة مرضية بحاجة للعلاج النفسي قبل الفكري!
جورج الذي قام بهذا الجهد الرائد، ها هو يعود من النافذة لا لتجريم فكر النهضة باتهامه له بالجموح وعدم التبيؤ، والهجنة والاستيراد، والغزو الثقافي، بل ليجرمه من خلال اتهامه بالقصور لأنه لم يقم بالثورة اللاهوتية، بل ومن باب الغرائب أن يذهب باحث عربي آخر (برهان غليون) الذي كان من رهط المجرّمين ليجرم فكر النهضة ليس بالغزو الثقافي فحسب، بل والقصور أيضاً كما يفعل ناقد النقد، ووجه هذا القصور بالنسبة لغليون هو أن فكر النهضة العربية لم يهتم بالعلوم الطبيعية والتطبيقية، والتجريبية الصناعية والتقنية!
نحن لم نذكر الفكرة الثانية (غليون) إلا لمباطنتها اللاتاريخية للفكرة الثانية (طرابيشي)، وهي أن الثورة اللاهوتية ما كانت لتتحقق تاريخياً لولا ثورة كوبر نيكوس العلمية، ولذا ليس مصادفة أن يكون تاريخ وفاة كوبر نيكوس (1543) متزامناً مع تاريخ وفاة مارتن لوثر (1546)، حيث إن ثورة اللاهوت لتحرير الرسالة من التاريخ تبدأ مع بداية انبعاث البعد الروحاني في الدين، متمثلاً بتلك الرعشة الروحية التي تفردت بها الصوفية تاريخياً، وهي التي ما كان لها أن تتفتح إلا على هامش الحضور الوضعي المتجهم لعالم فقد لمسة الشعر، وهو المحايث للثورة العلمية في كل الأحوال.
هل من المعقول أن ننتظر من السقف التاريخي لزمن محمد عبده أن ينجز على مستوى حركة الإصلاح الإسلامي ثورة لاهوتية أكثر مما أنجز؟.. وهو المجرّم والمدان بل والمخوّن دينياً ووطنياً بعد قرن!.. هل كان من الممكن للمصلح عبده أن يحدث ثورة لاهوتية في مجتمع ما كان يعرف سوى العلوم الدينية، إذ أن محمد عبده هو أول من أدخل إلى مؤسسته العلمية الوحيدة (الأزهر) تدريس بعض العلوم غير الدينية!
ألسنا مضطرين اليوم للدفاع عن سمعة العلمانية، أن نعود اليوم للكواكبي وطه حسين وعلي عبد الرازق وسلامة موسى وأحمد أمين.. إلخ بعد أن أسقطتها الحركات القومية واليسار الشيوعي من برامجها لاعتبارات سياسوية شعبوية؟ ألم يغدو شعار الثورة المصرية (1919) (الدين لله والوطن للجميع) مذموماً مدحوراً، وهو الذي شكل الأفق الوطني للمرحلة الليبرالية العربية، ألا يشكل اليوم شعاراً مداناً ومرفوضاً من قبل منظومة قيم العقل العربي القائم والمهيمن السائد معبراً عنه بصوت الشيخ يوسف القرضاوي (بابا الإسلام) اليوم، الذي يقود جناحي الأمة (الإسلام والقومية) في المؤتمرات القومية والإسلامية بعد أن ضاعت الحدود بين التيارين، وذلك عندما يفتي بحكم الردة على العلمانيين الذين يرفضون شعار الدولة الدينية والذين لا يزالون مثابرين على تبني شعار البداهة الوطنية (الدين لله والوطن للجميع) بوصف هذا الشعار غريباً عن روح الأمة وإسلامها الذي هو حسب القرضاوي دين ودولة وعبادة وقيادة ورسالة وسيف...!
والبعد السلبي الآخر لتأخير (عصر التدوين) حتى منتصف القرن الثاني يتصل هنا بإشكالية أخرى في منهج الجابري، وهي ما يراه جورج بعدم استيعاب الجابري لإشكالية العقل المكوَن والعقل المكوِِِن التي قادته لوصف عصر التدوين بأنه عصر العقل المكوَن، مما حجب عن الوعي الابستمولوجي إمكانية قراءة جدلية ثنائية الطور للحضارة العربية الإسلامية، في طور عظمتها الأولى المتطابق مع اشتغال العقل المكوِن ما بين القرنين الأول والخامس، وفي طور أفولها وانحطاطها المتطابق مع سيادة العقل المكوَن وقد تبلور ثم تحجر في الحقبة ما بين القرنين السادس والثالث عشر.
هل حقاً أن القرون الخمسة الأُوَل كانت تمثل عصر عقل مكوِن لطور حضاري عظيم؟.. هل عصر التدوين إن كان بدأ من منتصف القرن الأول أو الثاني يمثل طور عقل مكوِن، إذ هو يدون العلوم ويصنفها ويبوبها ضمن وظيفة واحدة، وهي مأسسة المقدس، أي وضع جميع هذه العلوم بتعدد نصوصها النحوية والبلاغية واللغوية والفقهية والكلامية بخدمة النص الأول وتحت تصرفه، أي كلها كانت تطوف حول نواة ابستمية واحدة وهي القرآن، أو كما يعبر الأستاذ طرابيشي (بناء المعقولية القرآنية) الذي يعزو إخفاق المشروع النهضوي الأول منذ نهاية القرن التاسع عشر، لأنه لم يقترن بثورة لاهوتية لإعادة بناء المعقولية القرآنية، ومن ثم الحاجة التنويرية إلى تحرير (الرسالة) من عبء التاريخ؟
الأستاذ جورج قبل خمس صفحات ص (66) يقر بأن قيام الحلف في القرن الثاني بين أهل الحديث وأهل الفقه أدى إلى غلبة التفسير الفقهي للإسلام مما شكل مأزق العالم الإسلامي المعاصر مع الحداثة، فكيف استقام إذاً لناقد نقد العقل العربي أن يأخذ على الجابري وصفه لهذا العصر، أنه عصر عقل مكوَن؟ وكيف لم يتح له أن يعتبر أن هذا القرن الذي لم يفعل سوى تدوين ما يسميه أرسطو ب(الأوندكسا) أي حفظ ما حفظه الناس، وتقييد مقولة قولهم حول النواة الأبستمية الأساسية، (ابستمية الوحي) أنه عقل مكوَن ما دام يقر أن القرنين الأولين شهدا تحالفات شكلت مأزقاً للعالم الإسلامي المعاصر مع الحداثة، وعلى هذا فإن عملية التدوين تعني أن كل شيء كان جاهزاً وأن المهمة كانت منتهية سلفاً، حسب الجابري الذي يبدو أنه كان محقاً في اعتباره لعصر التدوين أنه عصر عقل مكوَن.
وعلى هذا فإن القرن الأول والثاني كان العقل يتكون (نقلياً)، ولم يغدُ عقلاً مكوِناً إلا عندما غدا العقل ذاته موضوعاً للتفكير والتعقل، وذلك بدءا من القرن الثالث ليتوج في القرن الرابع، الذي انتهت إليه كل ثقافات العصر، إذ كانت حضارة الإسلام بوجه عام متصلة بإحياء ثقافات وحضارات متقدمة عليها، وذلك هو تفسير وتعليل محمد عبدالهادي أبوريدة لتسمية القرن الرابع الهجري من قبل آدم متز، بأنه عصر النهضة، إذ يماثل متز دلالة النهضة الإسلامية بعصر النهضة الأوروبية التي قامت على (إحياء الحضارة القديمة)، ليشير إلى أنه في القرن الرابع ظهرت بين المسلمين أفكار ومذاهب وأساليب في الحياة وعادات كانت موجودة قبل الإسلام عند أمم أخرى، ثم عادت إلى الظهور من جديد، هذا من جهة أول أطراف المماثلة مع النهضة الأوروبية، أما الوجه الآخر فهو انحلال دولة الخلافة الكبرى إلى دول صغرى كما حدث للدولة الواحدة التي قام عليها العصر الوسيط في أوروبا عندما نشأت القوميات وتجزأت الدولة الواحدة، ولهذا فقد كان الفصل الأول من كتاب متز، هو تناول المملكة الإسلامية وانحلالها إلى دول في القرن الرابع الهجري الذي يمثل ذروة الازدهار الحضاري والثقافي المتزامن مع بداية الانحلال السياسي: التفتت والتجزئة؟

عطية العمري
01-09-2007, 09:08 AM
موسوعة نقد نقد العقل العربي
إشكاليات العقل العربي ( 3 )
د.عبد الرزاق عيد
ما كان يمكن تناول هذا الجزء الثاني من هذه الموسوعة، بدون أن نخص الفصل الثاني من هذا الكتاب (إشكالية اللغة والعقل) بوقفة خاصة، فهذا الفصل يمتد على مدى أكثر من 200 صفحة، تتوفر على كم هائل المصادر والمراجع باللغة الفرنسية والعربية ما يدعو للدهشة والعجب لتنوعها وتعددها، وتعدد مجالاتها ومناحيها وغنى موضوعاتها التي تكشف عن مدى من النزاهة والصدق والتفاني في البحث العلمي الذي يثير الحزن والرثاء لواقع الثقافة العربية الشاحب والكئيب بل والجاحد، إذ كيف يمكن أن تمر أعمال تنطوي على كل هذه الجهود والمثابرة وصبر العلماء بحق، دون أن تتحول الجامعات والمجلات والصحف إلى ورش للنقاش والحوار والسجال، بل إن البؤس كل البؤس أن تكون ردة فعل صاحب مشروع نقد العقل العربي (الجابري)، أنه (دكتور) أعطى العديد من شهادات الدكتوراه، في حين أن ناقده (طرابيشي) لا يحمل شهادة الدكتوراه!
ولن نسف في مثل هذه المماحكات لنقول: إن هذا الفصل عن (إشكالية اللغة والعقل) من هذا الجزء الثاني فيه وحده من الجهد والقيمة العلمية والمعرفية ما لم تتوفر عليه أطروحات دكتوراه ليس للتلامذة الذين منحهم الدكتوراه بل والأساتذة الذين أشرفوا أيضا.
لكن إذا كان الواقع الكئيب للفكر العربي يفسر موضوعيا غياب الاستجابات الضرورية على تحديات مشروع (طرابيشي)، إلا أن المشروع ذاته من جهته يتحمل قسطا من المسؤولية الذاتية في إنتاج عقبات الاستجابة، ويتمثل ذلك بهذا الحشد الهائل من كمية المعلومات والإحالات والمصادر والمراجع التي تضع المتلقي أمام تحدي (الانخراط) في المشروع ذاته، وإلا فإن ملامسته الخارجية تبدو للقارئ المبهور وكأنها غير مجدية، مما يضع المرء أمام سؤال إما أن تشارك أو أن تفارق!
الأمر الذي دفعني أن أنصح بعض الباحثين الشباب أن يخصوا مشروعي (الجابري / طرابيشي) بأطروحات جامعية تتطلب زمنا للبحث تتيح للدارس أن يعود إلى مصادر الاثنين (النقد / ونقد النقد) هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن غرض البحث وإشكاليته الأساسية (نقد النقد) قادت إلى ما كان يسميه طه حسين ب (هدم الهدم)، ومن ثم تفكيك التفكيك، الذي أفقد مشروع الجابري بريقه وقوض عنصر دهشة الاكتشافات التي فاجأ بها الفضاء الثقافي العربي في الربع الأخير من القرن الماضي، مما يبدو أمام القارئ وكأن طرابيشي يعيد للقارئ اطمئنانه إلى ثوابته، إذا لم نقل مرتكزات وثوابت عناصر استشعاره بهويته التاريخية والحضارية بأدوات منهجية حداثية، بل هي على درجة من الثقة بالنفس تريد أن تشكك بكل منجزات عمارة الحداثة التي شيدها الجابري، بل وتدميرها تدميرا، إذ يتصف الحوار بالسجالية القطبية، حيث الأطروحة تستمد مغزاها ودلالتها ليس من تناقضها الجدلي مع الأطروحة الأخرى، لإنتاج تركيب نوعي جديد، بل من خلال الأطروحة التي تصطدم بالأطروحة المضادة لتدميرها تدميرا بل وإبادتها، حيث تبدو الحقيقة وكأنها ليست ثمرة جدل الأطروحتين، بل ينبغي أن تتموضع في أحد الركنين أو في إحدى الجهتين، مما يخلف شعورا بالخيبة والإحباط ممزوجا بنكهة (اللا أدرية) التي تخلف فراغا معرفيا محيرا في داخل المتلقي الذي يستشعر بدوره استلاب الإرادة والعزم في الدخول كشريك في إنتاج النص، وذلك لعدم قدرته على التدخل، وذلك بدل أن فرح الاكتشاف الذي كان الجابري قد منحه لقارئ قد جسد العلاقة معه من خلال خبرة أكاديمية جامعية تدريسية، تقرب البعيد، وتجعل المناهج والمذاهب القديمة والحديثة في متناول اليد، ولعل مأثرة الجابري في مشروعه النقدي أنه أتاح الفلسفة للجميع، بغض النظر عن الاتفاق والاختلاف، فلم تعد النصوص التراثية القديمة الفلسفية والكلامية والفقهية أو حتى مناهج البحث الحداثية، وما بعد الحداثية، من نوع العلوم المضنون بها على غير أهلها.
هذا لا يعني أن المقاربة الأسلوبية للأستاذ (طرابيشي) تميل إلى التجريد أو الغموض والتعقيد، بل إن الرجل على درجة من الخبرة والدربة والممارسة، ترجمة وتأليفا وبحثا ونقدا، عمقت لديه إحساسا بالمسؤولية العالية أخلاقيا تجاه القارئ الخاص والعام، فلا يغادر نقطة غامضة إلا وأشبعها إضاءة، لكن هذه الأخلاقية كثيرا ما قادته إلى نوع من الجدية العلمية والبحثية المتزمتة التي تفقد الكتابة (طزاجتها الفانتازية)، التي تتيح للجابري مثلا شطحا تأويليا يحقق للقارئ إحساسا نقديا طازجا نحو حالة الانحطاط التي يتردى فيها واقعه الحضاري السياسي والثقافي والاجتماعي، فيراها في درجة حضور الميراث القبلي والبدوي في اللاوعي الجمعي العربي، الذي يمكن أن تطربه جملة (الأعرابي صانع العالم العربي) ص (71) هكذا يبدأ الفصل الثاني من الجزء الثاني (إشكالية العقل العربي) هذا النزوع لتنبير المعنى عبر التبئير السردي لمعاورة هذا المعنى، إذا استعرنا لغة السرديات يؤدي إلى إنتاج إيقاع مشوق للمتلقي صادما أفق انتظاره من خلال ما يسمى بالأسلوبيات (الانزياح) عن مألوف النسق التعبيري، وهي استعارة أسلوبية من الجماليات الشعرية والتي تحركها غائية بناء النسق، بغض النظر عن مآلات هذا النزوع الذي كثيرا ما يقود إلى أنساق مغلقة، هذه المزية الأسلوبية التنبيرية ذات الإيحائية الدلالية في كتابة الجابري تستثير الرصانة العقلانية التي لا تخلو من نزعة (محافظة) متشددة في تقشفها البحثي، وذلك في تأبيها على قبول هذه الانزياحات والانتهاكات، ولذا فقد كان مشروع الجابري بكامله حسب عقلانية طرابيشي متهما بالنزعة الهجائية للعقل العربي، رغم أن الجابري ايديولوجيا وسياسيا ينتمي إلى ايديولوجيا قومية كان قد تخطاها المسار الفكري الديناميكي لطرابيشي، وهي ايديولوجيا رغم حداثتها المنهجية في نقدها للعقل القومي العربي التقليدي، لكنها ظلت على الأقل محافظة سياسيا!
ولهذا يحتج طرابيشي على القول: فالعربي (حيوان فصيح) حيث يرى أن المسكوت عنه في هذه الصياغة هو تعريف أرسطو (الإنسان حيوان عاقل) لكن تعبير الجابري ينطوي على مضاربة على الإنسان العربي (حيوان فصيح) وذلك بالضدية مع الإنسان اليوناني الذي هو حيوان عاقل، وهذه الضدية الثنائية النسقية كان قد توقف عندها نقديا مطولا في الفصل الثالث من الجزء الأول (نظرية العقل).
ثم يقوم بمراجعة مطولة ردا على فكرة أن ثمة خاصية انتربولوجية تميز العربي بأنه (يحب لغته إلى درجة التقديس)، وأنه يعتبر كل من لا يتحدث بالعربية ب(الأعاجم) والتي معناها من لا يفصح ولا يبين في كلامه حسب الجابري، ليبرهن ناقده بأن هذه المزاعم ليست وقفا على العربية بل إن هذه النزعة تميز السنسكرتية لغة الثقافة العالمة في كل العالم الهندي الذي لا يزال يتكلم إلى اليوم بأكثر من ألف لغة واسمها بنفسه يعني (اللغة الكاملة)، بل هي تصم كل ما عداها بالبربرية (فرفارا)، وهذه الخاصية (النرجسية والمغايرة) نجدها حسب ناقد النقد حتى في اليونانية التي يتمحور تاريخها الحضاري على جدلية اليونانيين / البرابرة، وهذا المفهوم ورثه الرومان ليصفوا به ما عداهم من الشعوب وليبرروا حقهم الأرستقراطي في استعبادها، وستتضخم الدلالة السالبة للفظ بشكل لاحق، حيث تلتبس معنى (الهمج) عندما أطلق على القبائل الجرمانية الهمجية فعلا التي هاجمت روما وأسقطتها في عام 476 وعملت بها ما عمل المغول ببغداد، ص 77 وعلى هذا فإن صفة العُجمة في السياق العربي لم تكن تنطوي كما يوحي الجابري على هذه الدرجة السالبة بوصف نصاب العجم من الحضارة العريقة الإسلامية كنصاب (الحيوانات العجمى) وترد عليها مقدمة ابن خلدون التي تلصق تهمة (البكم الحضاري) بالعرب دون العجم، رغم نسب ابن خلدون إلى أسرة عربية من جنوب جزيرة العرب، ونقده للبداوة العربية والبربرية ما كان أكثر مهادنة من موقفه من البداوة الشرقية والعربية، فعمران إفريقيا والمغرب كان بدويا، بينما عمران العجم (قرى وأمصار ورساتيق) من بلاد الأندلس والشام ومصر وعراق العجم وأمثالها.
وعلى هذا فإن الجابري وفق طرابيشي ينتج مصادرات أشبه ب(حبائس)، مما يجعل من إغلاق الإشكاليات علامة فارقة ل (الابستمولوجيا) الجابرية، التي يطمح في نقده لها أن يجعلها إشكاليات مفتوحة، متحررة من النزعة الهجائية القائمة على جلد الذات.

عطية العمري
01-09-2007, 09:09 AM
موسوعة نقد نقد العقل العربي
إشكاليات العقل العربي ( 4 )
د.عبد الرزاق عيد
وتأسيسا على ذلك يبدأ بالتشكيك بمرجعية الجابري لا على مستوى درجة التمثل بل على مستوى التوثيق للشاهد كما مر معنا، حيث يشكك إن كان الجابري قد رجع فعلا إلى كتاب (اللغة والمعرفة) لآدم شاف، وذلك لأن الجابري يقوِّل شاف ما لم يقله، وما لا يمكن منهجيا ومعرفيا أن يقوله كمفكر ماركسي يلتزم بفكرة الوجود الموضوعي للعالم أن يقول: (إن اللغة التي تحدد قدرتنا على الكلام هي نفسها التي تحدد قدرتنا على التفكير)، فواضح أن هذه الأطروحة هي عكس مرام شاف كماركسي ينطلق من نظرية الانعكاس، وهو نفسه الذي يحذر من أن يفهم من قبل أصحاب نظرية الحقل اللغوي وفرضية سابير وورف، كما فهمه الجابري، عندما يستخدم كلمة (تؤثر) محل كلمة (تحدد قدرتنا على التفكير).
وهكذا سيبرهن على أن الجابري لم يعرف هردر إلا عن طريق شاف، وأن القول بأن ليس للإنسان من عالم سوى العالم الذي تقدمه له لغته، هو قول فختوي وليس هردرياً، وفي كل الأحوال فمن الممتنع منطقيا، أن يكون الجابري نصيرا لدعوى تبعية العقل للغته الخاصة، ثم يظل يمارس نقده للعقل العربي باسم العقل الكوني.
يقوم جورج برحلة باهرة في تاريخ علم اللغة من حسن حظ الثقافة العربية ليبرهن أن الجابري لم تتجاوز معارفه لنظريات اللغة هردر وهمبوليت وسابير 1939م أو عند تلميذه في وورف المتوفى 1941م، رغم إعلان الجابري بأنه سيلتزم التصور العلمي في أقصى مراتبه، في حين أنا لن نرى أية إحالة مرجعية للعلماء المعاصرين لا (بنفنست وشومسكي، ولا مارتينه وغاردنر) ولا حتى سوسور أو بلو مفيلد (ص 124) ورغم ذلك فإن الجابري الذي يستند مرجعيا إلى هردر وهمبولت وسابير المقروئين ثلاثتهم بمنظار آدم شاف، فهؤلاء ثمنوا العربية تثمينا عاليا، على عكس النزعة الهجائية التبخيسية التي تحط اللغة العربية إلى مستوى لغة قبيلة بدائية أو اثنية منعزلة كالأسكيمو، وذلك باختزالها إلى مستوى أنها (لغة صحراوية، أي بدوية) فسابير اعتدها مع السنسكريتية والصينية واليونانية واللاتينية والفرنسية واحدة من كبرى (اللغات والينابيع، في العالم)، وهمبولت لم يقارنها مع لغات القبائل الأمريكية الهندية أو لغة الأسكيمو أو أي قوم بدائي آخر، بل مع (اللغة المثالية) التي كانتها في تصوره اللغة السنسكرتية أو اليونانية، أما هردر فقد تحدث عن (معجزة) العربية (الغنية والجميلة) التي خرجت من الصحراء لتقدم بعد (اليونانية) أنبل أداة للفلسفة والعلوم (ص 133) بهذا الروح السجالي يمضي ناقد النقد ليفند أطروحة الجابري حول علاقة (القطيعة) بين جامعي اللغة العربية وواضعي النحو مع (النص) القرآني ليتحداه بأن يأتي بكلمة واحدة من النص القرآني لم يتضمنها (لسان العرب) رغم أن هذا القاموس من صنع ابن منظور (علامة عصر المختصرات والملخصات) وبالإيقاع ذاته يرد على أطروحة (الفقر الحضاري في اللغة العربية الذي يقابله غنى بدوي يتمثل خاصة في المفردات) (فائض في الألفاظ بالنسبة للمعنى) لكن فقط بالنسبة لعالم البدو دون عالم الحضر، يرد على ذلك بأطروحة المستشرقة الرومانية ناديا انغلسكو، بأن النحو ما كان ليولد إلا في الحضارات التي قامت حول نص مقدس (القرآن) أو شبه مقدس (الفيدا) عند الهنود أول حضارة تنتج النحو.
لا شك أن مرافعة طرابيشي تتمتع بكل المواصفات التي تعطيها التماسك والرسوخ وقوة الإقناع، لكن هل كل هذه البراهين المفككة لأطروحة الجابري التي تمنح القارئ العربي المسلم راحة اليقين لثوابت لغته ودينه التي تثبت صلة النحو واللغة بعلوم القرآن، تنفي فكرة الجابري عن الإعرابي مرجع صناعة اللغة العربية؟ ألم ينتج القرآن نفسه لغة هذا الإعرابي الذي كان يتوجه له، ألم يأت بلسان قومه (قرآنا عربيا) محاكيا للغتهم وثقافتهم الأمية، حيث الشريعة أمية حسب الإمام الشاطبي!؟ أليست هي لغة الاعرابي التي أتاح لها الإسلام العسكري والسياسي أن تتفاعل مع الحضارات والثقافات واللغات الأخرى لتتمثلها حضاريا، حيث يكون القرن الرابع الهجري ذروة الإشباع لممكنها الحضاري، إذ بعده لم يعد هناك ثمة اجتراح لأية مأثرة عقلية حضارية عظيمة، إذا استثنينا ابن خلدون، الذي كان في كل الأحوال شاهدا على انحطاطها والراثي الأكبر لزوالها، وابن رشد الذي كان الطريد الأخير لحضارة هرمت ولم تعد قادرة على تحمل شبابه العقلي؟!
ويختم جورج طرابيشي كتابه بفصل أخيرا تحت عنوان (إشكالية البنية اللاشعورية للعقل العربي) حيث يعرض لمجموعة من المفاهيم التي يتداولها خطاب الجابري لينفي صدقية مرجعيتها مثل تعريف (النظام المعرفي في ثقافة ما هو بنيتها اللاشعورية)، يرى جورج أن هذا التعريف الذي يدعي الجابري استيحاءه من فوكو، إنما هو نقيض للدينامية الأبستمية الفوكوية، وذلك عندما يقرأ الجابري تاريخ الثقافة العربية قراءة لا تاريخية، قراءة سكون وركود وموات، بوصفه تاريخ حركة اعتماد لا حركة نقلة، تاريخ (اجترار ثقافي)، ليخلص إلى أن فوكو لم يستخدم تعبير (البنية اللاشعورية) إذ إن هذا التعبير يعود إلى كلود ليفي ستراوس، لكن الجابري يستخدمه بالعكس أيضا، إذ إن مصطلح اللاشعور عند ستراوس يتداول في المجال الأثنولوجي، حيث تناول ثقافات (الشعوب البدائية الثقافة الشفهية)، بينما تاريخ المجتمعات الكتابية يرصدها المؤرخ من خلال التعابير الواعية، في حين أن الجابري أحل ما هو اثنولوجي: (رصد الشروط اللاواعية للحياة الاجتماعية) عند البدائيين، محل الابستمولوجي الذي يرصد تاريخ الوعي للمجتمعات الكتابية، أي (العقل الواعي) للثقافة الإسلامية.
كما أن ناقد النقد سيأخذ على الجابري توظيفه لمفهوم (اللاشعور المعرفي) المنسوبة أبوته إلى جان بياجه، بالمضادة التامة من منظومة الأطروحات التي صنعت الشهرة العالمية لمؤسس السيكولوجيا والابستمولوجيا التكوينتين، ليتهمه بأنه لم يقرأ بياجه قط (297)، بل إن جهله ببياجيه يصفه ب(الفضيحة المعرفية)، وذلك لأن بياجيه لا يرفض فكرة (مفاهيم لا شعورية) فحسب، بل يجعل أيضا من المفاهيم عنوان الفكر الواعي. ص 307
وفي المآل كشف النقاب عن المديونية المفاهيمية الكاذبة للجابري تجاه فوكو وليفي ستراوس وجان بياجيه.
إن الصرامة التي يصطنعها تحليل طرابيشي لعلاقة الجابري بمرجعياته، وتشكيكه بدرجة التزامه بحرفيتها، (حذو النعل على النعل)، تتيح تساؤلا مضادا: ترى أليست انتقائية الجابري هذه وتوفيقيته أو تلفيقيته: أي توليفه بين مفاهيم عدة في خدمة مصفوفته التي يسعى إلى تنضيدها منهجيا ووظيفيا، هي سر موهبة مشروعه وتألقه، بل وما يمكن أن نقول: سر أصالته التي وفرت لمشروعه كل هذا الانتشار والذيوع؟!

عطية العمري
01-09-2007, 09:11 AM
نقد نقد العقل العربي ( 5 )
العقل المستقيل في الاسلام: إقالة نفسه بنفسه أم إقالة الخارج؟
د.عبد الرزاق عيد
لعل الجزء الرابع والأخير (العقل المستقيل في الإسلام) من المشروع الموسوعي من سلسلة (نقد نقد العقل العربي) لجورج طرابيشي هو الذي يطرح السؤال الوظيفي الاجرائي الراهني لمشروع محمد عابد الجابري في نقد العقل العربي، وهو السؤال الذي لا يزال العرب يطرحونه على أنفسهم حتى اليوم ليس على المستوى الفكري والثقافي فحسب، بل وعلى المستوى الاقتصادي والتنموي والسياسي إن كان عالمنا العربي الإسلامي متخلفاً بذاته، أم مخلّفاً بالإكراه من خارجه؟!
هل هو (تخلف) تحل اشكالاته برامج التنمية الاقتصادية والتحديث التقني والاداري، أم هو (تأخر) يستدعي السؤال النهضوي الذي هو سؤال جذري متعدد المحاور والمستويات، يبدأ بالسؤال المعرفي الذي يجعل من العقلانية والحداثة والتنوير أسا ضرورياً لأي تحديث تكنولوجي، على اعتبار أن العلوم التطبيقية والتكنولوجية ليست إلا فرعاً تطبيقياً من شجرة حداثة المعرفة التاريخية الأوروبية، هذا السؤال المعرفي ينعطف عليه السؤال السياسي الذي يستدعي بالضرورة أن التطور التقني والتحديث الاقتصادي غير ممكن في بيئة الاستبداد السياسي، وهو يستدعي بالضرورة أيضاً الحداثة السياسية: الديموقراطية والحريات وحقوق الانسان التي تستند إلى مجتمع مدني سياسي حديث منضد أفقياً سوسيولوجيا: طبقات شرائح نوادي، أي مجتمع يتخطى المجتمع الأهلي العمودي حيث روابط الدم والقرابة والعائلة والعشيرة والطائفة.
هذا السؤال المباطن لتاريخ خروج العرب من التاريخ والدخول في التراث، ظل يمارس ندبه الرثائي مع نداء لسان الكون بالخمول والانقباض بلسان ابن خلدون وحتى يومنا هذا والسؤال المطروح لماذا تأخرنا وتقدم الغرب؟
أي تحليل يسعى لمقاربة هذا السؤال لابد له من أن يلامس مسألة علاقة الخارج بالداخل (الأنا/ الآخر) في تعليل حالة الأفول التاريخي الذي آلت إليه الأمة.
وهنا تأتي مساءلة جورج حول مشروع الجابري في التصدي لهذا السؤال الاشكالي، وذلك لأن مشروع الجابري يؤسس مقاصده الراهنة في التصدي لهذا السؤال، من خلال سيادة ثقافة المؤامرة التي تحكم العقل العربي اليوم، أو في سياق مشروع الجابري: نظرية مؤامرة الخارج (حصان طروادة) الذي تسلل إلى ساحة العقل الاسلامي فزعزعه ودفعه إلى الاستقالة، وذلك من خلال اكتساح جحافل اللامعقول العرفاني من هرمسية وغنوصية وتصوف وتأويل باطني وفلسفة اشراقية وسائر تيارات (الموروث القديم) حيث تشكل كل هذه الروافد (حصان طراودة) الآخر، الذي تسلل مستتراً إلى ساحة العقل العربي الإسلامي ليجندله تحت سنابكه ويدخله في حالة من الغيبوبة التي لم يستفق منها حتى اليوم.
وهكذا يبدأ جورج كتابه بفصل مطول يتناول فيه ظاهرة (الابستمولوجيا الجغرافية) حيث عقلانية الغرب ولا معقولية المشرق، في صيغة علاقة اكتساح تبدأ من (حران) التي تقدم مصدراً مشرقياً غنوصياً لتعليل المآل الانحطاطي للثقافة العربية الاسلامية وتحويلها من (معقولها الديني البياني) إلى (اللامعقول العرفاني) بجميع ضروبه من هرمسية وغنوصية وأفلاطونية محدثة بصيغتها المشرقية، وعلى هذا النحو يكون (منبع اللامعقول خارجياً)، وعلى هذا النحو أيضاً تعطي براءة ذمة للعقل العربي الإسلامي، وبذلك فإن تآكل هذا العقل لا يتم من الداخل وجراء تطور عضوي سالب بل من الخارج...) ص 96
ليخلص جورج إلى أن الأساس في الابستمولوجيا الجغرافية الجابرية هي (تغريب العقل وتشريق اللاعقل) ص 99، وحيث عملية التفاعل بين العقلين هو غزو لا عقل الشرق لعقلانية الغرب بهدف دفعها إلى الاقالة من خارج بنيتها العضوية، حيث من (حران) ينطلق اكتساح العرفان، اذ تبدو حران كجزيرة معزولة عن محيطها، وكأنها مقر سري لهيئة أركان اللامعول الذي من سراديبه ستتسلل العناصر اللامنظورة للعرفان المشرقي لتعزز، كما الطابور الخامس، النظام البياني العربي من داخله، وفق الصياغة المجازية المتهكمة لجورج ص 109 الابستمولوجيا الجغرافية:
وهذه الابستمولوجية الجغرافية ستلحق جائحتها اخوان الصفا الذين يعقد لهم جورج فصلاً من أرقى وأعمق ما كتب عن هذه المجموعة التي استعادها لنا طرابيشي من عالم البرزخ العرفاني وملكوت الكواكب الهرمسية، من جغرافيا لا عقلانية الفلسفة المشرقية والمدرسة الحرانية الذين يتهمهم الجابري بزعامتها قبل أن تؤول هذه الزعامة إلى ابن سينا كما كنا قد توقفنا عند الجزء الثالث (وحدة العقل العربي الإسلامي)، وهكذا على مدى ما يقارب 120 صفحة يقوم ناقد النقد ببحث جدي ودؤوب وعميق وراء كل هذه البداهات المتوارثة والمتداولة عن اخوان الصفا، فاختار من بين كل هذه الركامات أن يصطحب أبا حيان التوحيدي أغرب الغرباء في غربته، بعد أن (أشكل الإنسان على الانسان) على حد تعبير التوحيدي، وأبو حيان التوحيدي هو الأقدر على معرفة مأساة الغرباء، فهو القائل: إن أغرب الغرباء من كان عن نفسه غريباً، فترافق غريبا الدرب أبو حيان وجورج طرابيشي بحثا عن رفاق الغربة، ليقوم جورج بعملية فك أسر أو افتداء هذه المجموعة الأريبة من التصنيفات السهلة والساذجة والبسيطة لاكراههم على الاندراج في تصانيف وانساق العادي والمألوف، ومن ثم ليكتشف دون اسقاط باستشفاف داخلي لعين حاذقة ترى بأن الاسلام الفقهي الذي شكله (فقهاء السوء) حسب تعبير الغزالي، يتكلكل فوق صدر لوعة الروح وهو يتطلع شوقاً إلى الانفتاح على الملكوت، ولعل من أوثق الأدلة وألطفها وأكثرها رهافة، ملاحظته، إن خمسمائة من الآيات الستمائة التي يسوّر بها الاخوان رسالتهم الجامعية هي من المكيات.
والحال أن مكيات القرآن تقوم للتشريع الروحي مقام المدنيات للتشريع المدني ص 385 (فالشريعة طب المرضى، والفلسفة طب الأصحاء، والأنبياء يطببون المرضى حتى لا يتزايد مرضهم، والفلسفة طب الأصحاء..) على حد تعبير اخوان الصفا.
هذه الخلاصة يصل طرابيشي وهو يفكك الابستمولوجيا الجغرافية المشرقية الغنوصية العرفانية التي يطوق بها الجابري لأخوان الصفا بعد أن استجلا من نصوصهم:
أ رؤية كونية تتحلل من خصوصية أحكام الزمان والمكان داخل الشريعة الواحدة.
ب الانفتاح على الشرائع الأخرى.
ج الانفتاح على جميع أشكال التعددية.
د التأكيد على وحدة الأديان حتى وان اختلفت الشرائع.
هـ معارضة التعصب الاطلاقي النزعة من موقع النسبية المتبادلة وقلب منطق الفرقة الناجية وتكريس شرعية الاختلاف.
هذه الخصائص التي يكتشفها جورج في نصوص اخوان الصفا تخولهم لصياغة نموذج ل (إنسان أعلى كوني) عابر للخصوصيات وجامع لتعدد من الهويات النسبية، ومجسد لمبدأ التنوع في الوحدة الذي كان ولا يزال علاقة فارقة للمذهب الانساني كما عرف ساحة مجده في الثقافة العربية الإسلامية في قرن اخوان الصفا والتوحيدي ومسكويه، وفق ما يخلص له جورج متفقا مع اطروحة محمد أركون عن النزعة الإنسانية العربية في القرن الرابع الهجري.
الموروث القديم: الفلاحة النبطية (نوذجا):
اذن استمرارا لسؤال علاقة الداخل بالخارج، الأنا الآخر، ومآل هذه العلاقة على مصائر العقلانية العربية، يقوم جورج بمعاورة سؤال، هل استقالة العقل جاءت بعامل خارجي والذي نعيش اليوم راهنيته ونتائجه بدرجة مؤرقة تفتح الفضاء العقلي والثقافي على سلسلة لا متناهية من الأسئلة عن علاقة الخارجي بالداخلي فيما تشهده المنطقة من زلازل وهزات، يفتح أقواسا للتحديد عن معنى الوطنية والديموقراطية، هل تمكن الواحدة بدون الأخرى، الخصوصية المحلية والعمومية الكونية.
هذا الشاغل الذي كان كامنا وراء الوظائف الاجرائية لنهاجية جورج وهو يدرس ويحلل ويتأمل نصوص اخوان الصفا، ليخلص الى اكتشاف تلك النزعة الانسانوية الكونية التي يمكن أن ترتقي بالروح العربي فوق كل هذا الخراب، هذا الشاغل يكمن وراء تفكيك أطروحة الجابري عن (الموروث القديم / اللاعقل)، وهذا هو مشجب الخارج الذي تسلل إلى ساحة الاسلام ليضعضع المعقول الديني ( البياني) الإسلامي لصالح لا معقول (عرفاني) غنوصي هرمسي دفع العقل الإسلامي إلى الاستقالة. وهنا يعثر جورج على كتاب (الفلاحة النبطية) اللقيا الذي كان الجابري قد وصفه بكتاب سحر وطلمسات لا يدرس النبات لذاته، بل من أجل وظائفه السحرية، وهو أي: (الكتاب) يصدر عن نفس التصور الهرمسي للكون المبني على قيادة التأثير بين النجوم والكائنات الأرضية، وفي مقدمتها النباتات، إنها (الفلاحة التنجيمية) بتعبير فيستوجيير الذي يعتمد على كتابه عن (هرمس مثلث العظمة)، هذا الكتاب كان لقيا حقيقية، وكم كنا نريد أن يقتصر عرضنا لهذا الكتاب الرابع من سلسلة موسوعة طرابيشي عن نقد نقد العقل العربي، بالتوقف عند عرض العرض الذي قام به ناقد النقد لهذا الكتاب (الفلاحة النبطية)، لكن حكاية هذا الكتاب التي يسردها جورج والأسئلة التي يثيرها هذا الكتاب أعقد من أن يفيها أي عرض حقها بدون متابعة تشابكات حكاية وصوله إلينا، من حيث التحقق من هوية المترجم، وزمنه، واختلافات بل وخلافات الدارسين من المستشرقين حول تاريخ تأليفه، وتأويل سياقاته.. الخ.
فمن حسن الحظ أن الجابري قد أوغل بعيدا وهو يضع ترسيمة خطاطته عن العقل العربي في التعويل على مشجب الخارج (الموروث القديم) ودوره في جندلة العقل العربي من على صهوة حصان البيان والبرهان إلى القاع السفلي للعرفان، الذي لا يزال إلى اليوم يزداد تسفيلا!
نقول من حسن الحظ، أن فعل ذلك، وذلك ليحفز نزعة التحدي الكبرى عند جورج لكي يكتشف لنا هذا الأثر الهائل الذي يقول مؤلفه منذ بدايات القرن الميلادي الأول: (اني لا أسلم لاحد شيئا دون أن تقوم عندي الدلالة على صحة ما يقوم في عقلي السليم من التعصب والهوى) ص 219 .
إن من يقرأ هذه الجملة تذكره بالتأسيسات المنهجية الأولى لمقدمة كتاب (في الشعر الجاهلي) لطه حسين، وهو يشرح منهجه الديكارتية عن أهمية التحرر من أي (تعصب قومي أو هوى ديني) عندما نقارب النصوص.
ولعلها من الاشارت السباقة حتى بالنسبة لفلسفة العصر الوسيط الإسلامية المسيحية، أن يكون قوثامي مؤلف (الفلاحة النبطية) قد توصل إلى فرضية مركزية الدماغ وتسفيهه لفرضية مركزية القلب، ففي الوقت الذي يؤكد فيه على أن (العقل مسكنه الدماغ) ويعيد القول على أنه (لما كان أفضل ما اعطيه الإنسان العقل (لذا) كان العقل من اجزاء بدنه في اعلاه ورأسه ودماغه).
وانطلاقا من ذلك يسخر من اعتقادات العامة بأن القلب هو مركز النفس، ويسخر بلوذعية أكثر من لغة العامة الأمر الذي يصدق على لغتنا نحن أبناء العصر الحاضر حينما يقولون: ( لقد فرّحت قلبي وغممت قلبي، وطرب قلبي وأوجع قلبي (فهم لا يقولون هذا القول إلا: ( لانهم يتوهمون ويظنون أن القلب مكان للطرب والسرور والغم والهم، وليس هذا الظن بصحيح ولا ما توهموه بحق) (ص 233).
ومن الطرافة أن لا يجد طرابيشي في كتاب (الفلاحة النبطية) المؤلف من 1500 صفحة سوى إشارة واحدة لهرمس، وهي اشارة تتصل بباب ( نبات الباقلي) وليس في سياق اية نبوة دينية، وذلك ردا على وصف الجابري لهذا الكتاب بأنه كتاب هرمسي، متابعا في هذه الأطروحة ماسينون في هذا الحكم.
ولعل مأثرة جورج لا تتأتى في اكتشاف هذا الكتاب بوصفه وثيقة، فقد تم اكتشافه من قبل الاستشراق منذ ما قبل منتصف القرن التاسع عشر حسب توصيف جورج نفسه، ولا في اظهاره فقد نشره فؤاد سزكين التركي سنة 1984م، ومن ثم كانت الخطوة الثانية ويصفها جورج بالجبارة هو إقدام توفيق فهد على اصداره في جزئين من ألف وخمسمئة صفحة، واستغرق عمله في تحقيقه عشرين سنة، وصدر عن المعهد الفرنسي للدراسات العربية بدمشق 1993م وجزء الثاني 1995م، والثالث دمشق 1998م.
فمأثرة جورج إذن هي: في هذا العرض الوظيفي الكاشف عن حدوس سوسيولوجية يجدها في أسبقية قوثامي إلى وضع أسس النظرية (عمران ريفي أو عمران الضيعة) أو في صيغة حدوس بقانون التقدم عندما يتحدث الكتاب عن أن المعرفة تتقدم بخط سير زمن نحو المستقبل:( ولعله أن يحدث في الزمان المستقبل قوم يدركون بعقولهم واستخراجهم واستنباطهم أكثر مما أدركنا..) وهنا يلحظ ناقد النقد بأن هذا التصور التقدمي للمستقبل قلب المعادلة المحكومة بالإبستمية القروسطية عن العلاقة بين الأجيال، التي ترى في السيرورة افسادا وانحطاطا وإخلاء السلف الصالح مكانه لخلف طالح، بينما هي عند قوماثي: علاقة تراكمية يزداد فيها علم المتأخرين على علم المتقدمين.. الخ ص (224).
مما يشكل التقاء وتقاطعا مع ترسمية العلم الحديث، بوصفها ترسيمة خطية طردية متقدمة باستمرار، بالضد من ترسيمة العصور الوسطى، بوصفها ترسيمة دائرية مركزها الابستمية اللاهوتية، حيث ارتباط الدائرة بمركزها، التي أقصى حريتها هو توسع الدوائر حول نقطة المركز!
اذن مأثرة طرابيشي ليس في معرفة وجود هذا الكتاب أو نشره أو اصداره بل بادراك قيمته المعرفية تاريخيا وقد كنا قد عبرنا من قبل بأن هذا الكتاب لو أتيح لماركس أن يطلع عليه في حينه لترك اثرا على هيكلية بنائه لقارته التاريخية، من خلال ما يقدمه الكتاب من مادة ثرية عن بنية عمران (الضيعة) العمران الزراعي والريفي وما يتصل بهذا العمران من بنى ذهنية ومعرفية وثقافية: تصورات ثيولوجية وكسمولوجية للجماعة الحضارية.
إن اكتشاف (الفلاحة النبطية) بهذه الصيغة المعرفية التاريخية الثقافية المقارنة يعيد الاعتبار إلى عقلانية الموروث القديم، ويسقط (نظرية المشجب أو حصان طروادة) التي طالما تفننت الايديولوجيا القومية التي ينتمي اليها الجابري في إبراز أشكال (مؤامرات الخارج)، مما يفتح الباب إلى الحداثة النقدية التي تبدأ بالذات للكشف عن المكبوت والمسكوت عنه: عن عمق المأساة الكامنة في بنية عقل كان قدره أن يأكل نفسه بنفسه على طريق إقالة نفسه بنفسه، والبحث في هذا المستوى من الاشكالية يترك جورج الإجابة عليه إلى المجلد الخمس والأخير من نقد نقد العقل العربي.

عطية العمري
01-09-2007, 09:14 AM
نقد العقل العربي: من النظرية للمختبر
علي سعد الموسى
أكاد أهم الساعة بإحراق ما في مكتبتي الخاصة من كتب تناولت بالتحليل نقد (العقل العربي) وعلى رأسها ما أفنى فيه محمد عابد الجابري وكذا الأنصاري وابن نبي زهرة أيامهم في هذا المجال. ذاك أنني اكتشفت أن كل الأفكار والأبحاث التي تناولت نقد العقل العربي درست هذا العقل من منظور نظريات أدبية إنشائية أو من زوايا تحليل نفسي واجتماعي وكل هذا السرد التعبيري لن يشخص على الإطلاق أمراض العقل العربي.
اكتشفت ثانياً أن الثلاثي الجابري والأنصاري ـ ومن قبلهما ابن نبي ـ استخدموا كلمة (أمراض) في ثنايا أبحاثهم في أكثر من مكان، بل تواترت هذه الكلمة أحياناً على أوساط صفحات مترادفة أو متقابلة. غير أنني أزعم اليوم أن نقد العقل العربي يجب أن يؤخذ عنوة من أيدي علماء الاجتماع إلى مختبرات علماء الطب والهندسة الوراثية والأحياء وخبراء الهرمونات وأساتذة التشريح وعلم وظائف الأعضاء. العرب باختصار لديهم إما هرمون زائد عن المعيار أو بالعكس ناقص عن المعدل الطبيعي مما يجعل لديهم مرضاً حقيقياً يعالج بالحقن والإبر لا بالأوراق الصفراء والنظريات الفكرية الثنائية.
العرب اليوم يشكلون أزمة كونية حقيقية وانظروا إليهم في شوارع بغداد وبيروت والجزائر ودارفور والصومال وأزقة غزة ورام الله. ومثل حالة الانفصام العدواني، يجنح العربي تلقائياً لحمل السلاح والقنابل في وجه أخيه العربي، وتماماً ومرة أخرى، مثل حالة مريض الانفصام الذي يجنح به خياله للأوهام والتهيؤات يحمل العربي سلاحه ضد الطائفة المقابلة من بني جلدته ويتستر بذرائع المؤامرة والعمالة والتبعية. تماماً كما يبرر مريض الانفصام لحظات انفلاته وغليانه وحين يؤخذ للطبيب النفسي يبرد الأمر بإبرتين تعيدان للعقل توازن الهرمون وترتيب الأعصاب.
العربي اليوم لم يعد خطراً على الآخر، فحسب، بل خطراً جداً على نفسه ومن حوله ولكم أن تتخيلوا مشهد الصورة على صدر ثلاث صحف بالأمس لثلاثة عرب في ثلاث عواصم يحيط بهم الجند وثلاثتهم يحملون على التوالي سكيناً ورشاشاً وعصا غليظة. العرب اليوم بحاجة إلى 300 مليون إبرة علاج

عطية العمري
01-09-2007, 09:17 AM
نقد نقد العقل العربي.. وسط غياب المفاهيم: عمر كوش


2005/01/30
ألا تكفي 15 سنة لانهاء السجال بين طرابيشي والجابري؟
إن كان ثمة طائل من محاولة وضع تحديد معين لـ«العقل العربي»، وتلاوينه المختلفة والمتعددة، وبصفته ماهية محددة أو
مجردة أو خالدة، فمن الممكن تفهم وجود طائل آخر من مشروع «نقد نقد العقل العربي» الذي يقوم به جورج طرابيشي ليرد على مشروع محمد عابد الجابري في «نقد العقل العربي» منذ نحو خمس عشرة سنة، وأثمر أربعة كتب أو مجلدات، آخرها «العقل المستقيل في الإسلام، دار الساقي، 2004» الذي بين يدينا.
لا شك في أن تساؤلات جمّة ستنشأ في سياق النقد ونقد النقد، تخص طبيعة النقد ونقده، وكيفية بزوغ وتشكّل كل منهما، وما إلى ذلك من تساؤلات لا يحدها حدّ. مع أن التاريخ لم يشهد لحظة معينة ولد فيها العقل، عربياً كان أو أوروبياً أو غربياً، فضلاً عن صعوبة الإلمام بدلالات مفهوم العقل، كونه استخدم في مجالات متعددة وفي أشكال مختلفة، ووظف في توظيفات واستثمارات شتى، وخضع لتبدلات وتغيرات كثيرة، إضافة إلى كون مفهوم العقل متعدّد المعايير، يُنظر إليه بحسب الفلسفة التي أنتجت مركّبات دلالاته.
وكنت أتمنى منذ بداية مشروع «نقد نقد العقل العربي» أن يصرف جورج طرابيشي جهده هذا في إنجاز مشروعه الخاص في قراءة التراث العربي الإسلامي، لكنه يرى أن رده على الجابري قدم له نقطة انطلاق لإعادة حفر أو إعادة تأسيس أو إعادة قراءة للتراث العربي، إيماناً منه أن نقد النقد يرسي رؤية بديلة، ويقدم قراءة نقدية وعقلانية مغايرة ومجددة معاً للتراث العربي والإسلامي.
الظاهرة التي يبحثها هذا الكتاب، هي ظاهرة العقل المستقيل في الإسلام، لكنّ طرابيشي يريد من خلالها ردّ الاعتبار إلى عقلانية الموروث القديم، من خلال تصديه لأطروحات الجابري حول هذه الظاهرة، معتبراً أن الجابري تبنى أطروحات مدرسة بعينها من المستشرقين، وأسقط على الإسلام - معتمداً عليها - تاريخ صراع الكنيسة مع الهرمسية الوثنية والغنوصية الهرقوطية والديانات العرفانية، ومع الأفلاطونية المحدثة التي مثلت خط الدفاع الأخير عن العقلانية اليونانية، وعليه فإن الجابري يمارس في ساحة الثقافة العربية الإسلامية ضرباً من استشراق داخلي أسير لمركزية مزدوجة، غربية ومسيحية في الوقت ذاته.
لكن السؤال المطروح هو، هل استقالة العقل في الإسلام جاءت بفعل عامل خارجي، وهي قابلة بالتالي للتعليق على مشجب الغير، أم هي مأساة داخلية ومحكومة بآليات داخلية، يتحمل فيها العقل العربي الإسلامي مسؤولية إقالة نفسه بنفسه؟
هذا السؤال يعيدنا من جديد إلى علاقة الداخل مع الخارج، التي كُتب عنها وقيل فيها الكثير. فحين يقول الجابري باستقالة العقل في الإسلام، يقول طرابيشي بإقالة العقل في الإسلام، وحين يعتبر الجابري أفول العقلانية اليوناني كان سبباً، فإن طرابيشي يقول بأنها كانت نتيجة، وهكذا ندور في فلك المقولات وعكسها.
اعتبر الجابري أن الموروث من القدماء (اليونان) هو المحدد الثالث للعقل العربي، وهو ينطوي على نظام يعارض «المعقول الديني»، من جهة اعتقاده بأن العقل البشري عاجز عن تحصيل أية معرفة عن البارئ من خلال تدبر الكون، بل يرى أن معرفة الإنسان للكون عليها المرور عبر اتصاله المباشر بالحقيقة العليا. وهذا النظام المعرفي هو «اللامعقول الفعلي»، إنه العقل المستقيل الذي يطلق عليه الجابري اصطلاح «البرهان». لكن أهم ما يميز الموروث القديم أن تياراته متداخلة، وأنه انتقل الى الثقافة العربية على مستويين: المستوى العالم، ويعتمد أساساً الخطاب المنظم المكتوب، والمستوى العامي الذي يعتمد أساسا النقل الشفهي، حيث تكثر الخرافات. ويعزو الجابري محاولات تنصيب العقل المستقيل، عبر إقامة التحالف بين نظامي البرهان والبيان في عصر المأمون، إلى محاولات حماية الدولة العباسية وفكرها الديني، الرسمي بشقيه المعرفي والسني، ولضرب العرفان الشيعي القائم على مبدأ الإمامة. فالمأمون قاد مدرسة ضد العرفان، بتأسيس البيان على البرهان. وكان ابن سينا ممثل المعارضة في ميدان الإيديولوجيا، وأستاذ مدرسة تأسيس العرفان على البرهان. وبحسب الجابري فإن الصراع داخل الثقافة الإسلامية كان بين البيان والعرفان، وكل من نظامي المعرفة هذين يحاول أن يجد له أساسا وسنداً في نظام البرهان.
أما الموقع الذي انطلق منه غزو العقل المستقيل للثقافة العربية الإسلامية فهو «حران»، بحيث يرى طرابيشي أن حران تلعب في الإبستمولوجيا الجغرافية الجابرية دوراً موازياً لدور أفامية، ولكن في الاتجاه المعاكس، فكما أن أفامية تولت تصدير العقل المستقيل إلى الثقافة اليونانية البرهانية، كذلك فإن حران ستتكفل بإعادة استيراده برسم استزراعه في الثقافة العربية البيانية.
يقوم طرابيشي بتفحص تضاريــــــــــس الإبستمولوجيـا المعرفية لدى الجابري، فيجدها تخضع لما يشبه أن يكون جدلية الحضارة والبداوة. وفي ما يتصل بخريطة العقل المستقيل، يمكن التمييز بين الاستقرار الحضري للمنابع ومساقط الرأس، والترحال البدوي للمفاهيم والنظريات. وتعج الإبستمولوجيا الجغرافية الجابرية بتعابير من قبيل: «الاسكندرية موطن الهرمسية» و«أفامية مسقط رأس الأفلاطونية المحدثة، وبالذات المشرقية منها»، و«انطاكية الموطن التقليدي للتيارات الغنوصية الأولى»، و«حران المنبع والمصب معاً لكل تيارات العرفان الصابئي - المندائي - المانوي، فضلاً عن التيار الأفلاطوني المحدث، في صيغته المشرقية دوماً.
ويعتبر طرابيشي أن هذه الثوابت الجغرافية «للعقل المستقيل» تقابلها بداوة عابرة للمكان على صعيد المفاهيم والصيغ النظرية، ذلك أن الجابري يحكم بالتهرمس و«التغونص» والتعرفن على كل فكر يشتبه في أن يكون رأى النور في الإسكندرية أو أفامية أو حران، وعلى كل فكر يتبنى نظرية الفيض وفرضية العقول العشرة. ومن هنا كان تمييزه بين مدرسة خراسان «المشرقية» وبين مدرسة بغداد «المغربية»، وأيضاً تمييزه بين الفلسفة السينوية العرفانية والفلسفة الرشدية البرهانية. ويعزو طرابيشي هيمنة مفاهيم مثل «حران» أو «أفامية» إلى عيب «الحتمية الجغرافية» الذي تعاني منه الإبستمولوجيا الجابرية، ذلك أن الاحتكام إلى مفاهيم وصيغ نظرية شاردة ومفصولة عن سياقها الوظيفي يكشف عن العيب الأساسي الثاني: لا الحكم بالجزء على الجزء، وهو أضعف أنواع الاستدلال طبقاً للتصنيف المنطقي الأرسطي، بل الحكم بالجزء على الكل.
ومن الموروث القديم الذي تسلل منه اللامعقول إلى الثقافة العربية الإسلامية كتاب «الفلاحة القبطية»، حيث يحكم الجابري بناء على ملاحظة ماسينيون بأنه كتاب هرمسي تماماً، من حيث أن الكتاب لا يدرس النبات لذاته، بل من أجل وظائفه السحرية، ويصدر عن التصور الهرمسي نفسه للكون، وهذا مبني على تبادل التأثير بين النجوم والكائنات الأرضية، وفي مقدمتها النباتات.ويعتبر طرابيشي أن كتاب «الفلاحة النبطية» هو فعلاً كتاب في الفلاحة لمؤلف كسداني يدعى «قوماثي»، ويدخل في إطار مشروع ابن وحشية لإخراج التراث النبطي إلى النور، وهو نقل في هذا السياق إلى اللغة العربية عكتباً نبطية أخرى. والكتاب موسوعة في علم الزراعة، مع ما يستتبع هذا العلم من فنون تتصل بالتلقيح والتطعيم والتقليم والتسميد، ومن علوم تتصل بـ«استباط المياه وهندستها»، و«كيفية حفر الآبار» و«تغيير طعم المياه» و«إصلاح الضياع» و«دفع الآفات» و«معرفة العلة في الفساد العارض للنبات». ولا يخلو الكتاب من إشارات، مقتضبة تارة ومطوّلة تارة أخرى، إلى ديانة الكسدانيين القدامى وطقوسهم الوثنية. وتشير نصوص الفلاحة النبطية إلى العلاقة المتوترة بين الكنعانيين والكسدانيين، لكنها لا ترفع إلى مستوى العداء بينهم، وفيه استطرادات تتطرق إلى حكايات السحر والخرافات والاعتقادات الدينية. وفي قسمته المانوية للأفلاطونية المحدثة، اليونانية ثم العربية، إلى مدرسة مغربية عقلانية ومدرسة مشرقية لاعقلانية، لا يتردد الجابري في وضع إخوان الصفا في رأس قائمة المشرقيين الذين أخذوا عن أساتذتهم الحرانيين التقليد الحراني المشرقي، وتبنوا تصوراً للكون يتفق تماماً مع الفلسفة الدينية الحرانية. ويردّ طرابيشي ضراوة حملة الجابري على أخوان الصفا إلى مبرر تكتيكي، كونه يتخذها مقدمة لحملة أشد ضراوة على ابن سينا بصفته مبتكر تلك الفلسفة التي تحمل اسمها بالذات، بدلالته الجغرافية والإبستمولوجية المزدوجة، علامة انتمائها اللاعقلاني: الفلسفة المشرقية. ويتساءل طرابيشي عما إذا كانت رسائل إخوان الصفا تشكل مدونة هرمسية كاملة حسب حكم الجابري، فكيف تمّ تمريرها إلى الثقافة الإسلامية؟ ذلك أن الهرمسية هي فلسفة دينية وثنية، فكيف أمكن هضمها في ثقافة دينية توحيدية مثل الثقافة العربية الإسلامية؟ جواب الجابري هو السمعلة، إذ تغدو الإسماعلية لديه الثوب التنكري الذي تزينت به الهرمسية لتغزو الخاصرة الإسلامية من داخلها!
هكذا، فإن الكتاب لا يخرج عن إطار السجال حول التراث العربي الإسلامي، ويريد فيه طرابيشي، من خلال تصديه لأطروحات الجابري، أن يرد أفول العقلانية العربية الإسلامية إلى أسبابها الداخلية، وإلى آليات ذاتية، غير قابلة للتعليل بأي حصان طروادة إيديولوجي أو إبستمولوجي متسلل من الخارج، وبالتالي لم يخرج السجال عن إطار محاولات البحث عن أسباب وحيثيات الاخفاقات التي مرّ بها الوضع العربي، والذي أفرز حالات من التخلف والتبعية والانهيار والهزائم على مختلف الصعد، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لكن الملاحظ في نقد العقل العربي ونقد نقد العقل العربي هو غياب مفهوم واضح ومخصوص لمفاهيم العقل والعقلانية واللاعقلانية وسوى ذلك كثير.

كاتب سوري.
"الحياة"

خليل حلاوجي
01-09-2007, 01:23 PM
موضوع هام جدا ً وجوهري

نحن حقا ً بحاجة إلى مصارحات ... لعلنا نضع رؤية نهضوية تعين إنساننا وهو يتلمس درب التغالب بين سوانا من الأمم ...

بعد السقوط حاولت أن أكتب عن نقد العقلية العراقية واستعنت بثلاث كتب العابدي ومحمد آركون في نقده العقل المسلم وعلي الوردي في كتابه ( مهزلة العقل البشري ) ، ولا زلت أبحث من أرض الواقع عن سر كل ما يحصل ... ولا زلت أؤكد أن ثمة وباء يخص ويمس ( العقل ) ولن ننجح في معالجة الوباء مالم نضع لقاحات تلاحق منابته ... بعكس المرض الذي قد ننجح في القضاء عليه عندما نصنع له مشافي وأطباء وصيادلة وأدوية وجو معقم من الجراثيم الفكرية ...

أخيرا ً :

ان ما يحصل اليوم هو نتيجة استقرار ( أفكار ميتة ) في جماجمنا تعيقنا عن فهم الحياة ( ينظر في ذلك مالك بن نبي : مشكلات النهضة ) .

لي عودة أستاذنا الفاضل وتقبل بالغ تقديري

عبدالصمد حسن زيبار
01-09-2007, 08:27 PM
بوركت استاذنا عطية

الموضوع غني

اطلالة ولي عودة

عطية العمري
03-09-2007, 07:13 AM
الأخوان الكريمان
خليل الحلاوجي
وعبد الصمد زيبار
أشكر لكما مروركما واهتمامكما
وأرجو إثراء الموضوع بالأفكار والمقترحات
ودمتما بألف خير

خليل حلاوجي
03-09-2007, 08:14 AM
الأخطاء التي وقع فيها بحث الجابري :
أولاً : قوله :
يختار الجابري نقطة بداية غير العصر الجاهلي وغير ظهور الإسلام وغير بداية عصر النهضة .يختار الجابري عصر التدوين( من منتصف القرن الثاني الهجري إلى منتصف القرن الثالث الهجري )
أقول :
هذه اللحظة الزمنية التي اختارها الجابري هي لحظة تفاعل العقل العربي مع منتج عقل ( الآخر) ، وسيلته اللغة العربية التي ساهمت في نقل الدين – الإسلام – إلى عقول فارسية ومصرية ورومية وهندية ... إلى ما سواهم من شعوب الأرض آنذاك.
يصح أن نصم هذه اللحظة بأنها نقلة تاريخية تجاوزت فيها الثقافة العربية حين لبيت لبوس الإسلام تجاوزت آلية ( المشافهة) إلى آلية التدوين فحسب ولا يعني ذلك أن العقل العربي أستطاع أن يطغى على غيره من عقول البشر فضلا ً عن قيادة غيره وتوجيهه لهم .. وأما قول الجابري ( تدوين العلم وتبويبه لا يمكن أن يتم بدون حذف وتعديل وتصحيح وتقديم وتأخير) فأقول أن الحذف والتعديل والتصحيح تم على أساس من هضم المنهج الإسلامي بغرض حمايته وتحصينه من الدخلاء فالأصل عندي أن بداية العقل العربي بدأت منذ اللحظة الأولى لنزول القرآن وهذا القرآن يصدم على التتابع القولبة العقلية للرجل الجاهلي محفزا ً إياه على الخروج من طفولته الفكرية ..
لقد بدأ تشكيل العقل العربي وهو ينفعل مع القرآن رفضا ً ( الحذف بلغة الجابري) وقبولاً ( تصحيح بلغة الجابري) .. حتى جاءت لحظة حاسمة هي هجرة الرسول إلى يثرب ومعه صحابته ليتخلص إلى غير رجعة هذا العقل العربي من طور الطفولة إلى مرحلة الشباب وبداية النضوج وبداية تشكل الشخصية الفكرية بدليل أننا شهدنا رجالاً تفقهوا في الدين وتشربوا بروح القرآن وهو يدعو إلى نبذ الخوارقية بكل صور الخرافية كما شهدنا رجالاً أتقنوا الترجمة في بضع أيام ورجالاً أتقنوا فنون التجارة وهي في يثرب تأخذ طابعا ً عالميا ً كون اليهود هم الربيون الذين سيطروا على اقتصاد السوق هناك ثم شهدنا رجالاً أتقنوا فنون الزراعة
فصاروا مستثمرين في البساتين الشاسعة بعيدا ً عن آليات الإقطاع كما تفتحت العبقرية العسكرية عند الكثير من رجالات الإسلام .
لقد استخرج الإسلام الطاقة الفكرية العربية الكامنة في جماجم العرب وهيأهم لتقبل الفكر المخالف لهم والذي حدثنا عنه الجابري .

ثانيا ً
يربط الجابري العقل العربي في لحظته تلك مع صراع التسنن والتشيع الذي يدعيه الجابري والذي أراه أننا لم نشهد ثمة صراع بين العقل السني والعقل الشيعي عند تلك اللحظة بدليل أن ظهور التشيع لم يكن ظهوراً فكريا ً بل سياسيا ً عندما أفرزت لنا معركة صفين فرقة الخوارج رأيا ً سياسيا ما لبث أن تحول إلى أيدلوجيا دينية ، بمعنى أن اعتراض الخوارج الأصل فيه الرأي السياسي المتكأ على النص الديني حينما خالف الخوارج الخليفة ومن يقاتله وخطوا لأنفسهم دعوة سياسية جديدة لا تقر للخصمين بالحاكمية .
ولست أدري أي ما دخل الصراع السني الشيعي المزعوم من قبل الجابري بما يحدثنا عن بنية العقل العربي خصوصا ً ولو تنبه الجابري أن الصراع الفكري كان بين المعتزلة وسواهم من رجال الحديث وأصحاب الرأي والكلام والمتصوفة هو الذي ساهم في احتضان الرأي والرأي الآخر في لحظة فوران المنتج العقلي العربي بدليل أن القضاء على فكر المعتزلة كان إيذانا ًَ بوصول العقل العربي إلى مرحلة الشيخوخة وولادة متن إقفال باب الاجتهاد .
لم يكن التدوين هو الدافع لظهور بنية العقل العربي ووضوحها بل كانت آلية ( التدبر) بشطريها تدبر آيات القرآن وظهور علم ( الفقه ، النحو ، العقيدة ، التشريع ، أدب وفلسفة ) وتدبر آيات الكون ( كيمياء ، جغرافيا ، فلك ، طب )

وباختصار : إن التباين بين التاريخ المعرفي والتاريخ السياسي للعقل العربي هو الذي جعل الجابري يتخبط في طروحاته ، ولو عدنا إلى ما قاله ( مالك بن نبي ) في مشكلات الحضارة سنتبين دقة وصحة ما أقول

عطية العمري
03-09-2007, 08:47 AM
أشكرك أخي الحبيب على هذه الملاحظات القيمة

ولكن هذا الموضوع أثار لدي تساؤلات أرى أن يتركز نقاشنا حولها :
1- ما أهم ملامح العقلية العربية في الوقت الراهن ؟
2- ما ميزاتها ؟ وما عيوبها ؟
3- كيف يمكن دعم هذه الميزات وتلافي تلك العيوب ؟
4- كيف يمكن النهوض بالعقلية العربية والارتقاء بها في وقتنا الحاضر ؟
5- أية تساؤلات أخرى ترون من المناسب مناقشتها .

ودمتم جميعًا بألف خير

خليل حلاوجي
03-09-2007, 03:33 PM
مدخل جليل ...

سأطرح ما يمكنني طرحه ...


لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا

أبوبكر سليمان الزوي
03-09-2007, 09:06 PM
العقل العربي يُـحاور مُـنتقديه ..!



ربما احتجنا ابتداءً إلى تناغم حول دلالة مصطلح العقل العربي المقصود بالنقد هنا .. فهو لا يفي بالغرض بما يكفي للنقد ، وهو في أحسن الأحوال ليس دقيقاً ..!


ولذا فإني أرى أولاً ضرورة تكملة التعريف ليصبح .. العقل العربي الإسلامي ..! لأن هذا هو العقل الذي نراه أمامنا اليوم ونعلم واقعه .


وثانياً .. حبذا لو كنا أكثر تحديداً للعقل المستهدف بالنقد .. حيث أننا يجب ألا نغفل أن العقل الغـربي مثلاً ينقسم إلى شرائح ، وكل شريحة نابغة في مجالها وحسب ؛ وذلك وفق المواهب والهوايات والرغبات والقدرات ، لأن الثقافة الغربية لا تضع قيوداً على الفكر ولا على الممارسات . وليس كل شرائح العقل الغربي هي أفضل من كل شرائح العقل العربي .! مع أن الانطباع العام يُظهر تفوقاً شاملاً للعقلية الغربية على العقلية العربية ؛ وهذا من وجهة نظري ناجم عن تعدد المجالات والاتجاهات الفكرية والممارسات العملية التي توفرها الثقافة الغربية أمام العقل الغربي ؛ والتي سمحت للأفراد بممارسة هواياتهم ومواهبهم دون قيود ، فوجدوا أنفسهم وعبروا عن مكنوناتهم وحددوا أهدافهم في الحياة كلٌ في مجاله .. فشريحة تمارس هوايتها وموهبتها في مجال الإعلام بحرية كاملة ، وأخرى تبدع في مجال الفن والسينما دون وجود لمقص الرقيب ، وأخرى لا تفقه سوى الرياضة .. وهكذا نجد أن كل شريحة متخصصة في جانب من الحياة ، ولا تـُكلّف نفسها عناء الإلمام ببقية المجالات ، ونحن نعلم أن التخصص هو سر النجاح والإبداع ؛ وبذلك سنحت الفرصة لشريحة المفكرين لديهم ، فأدت دورها ومارست مواهبها وهواياتها ، فأثمرت وأبدعت أفكاراً خلاقة سارت على هُـداها بقية الشرائح دون مزايدات .. فالعقلية الغربية الفاعلة فكرياً - والتي تنهض بمجتمعاتها - لا تتعدى نسبة محدودة جداً من عموم المجتمع ، ولكنها منتجة وفاعلة لأن بقية الشرائح لا تزاحمها ، فلكل شريحة مجالها .


وبالمقابل نجد أن الواقع المجتمعي والثقافة العربية تضع قيوداً على العقل العربي الإسلامي وتحد من خياله وحريته ، بل وتحدد له - أحياناً - موهبته وهوايته ومساره الفكري - إذا أراد الفلاح .! فنجم عن ذلك واقع حياتي أجبر كل الشرائح على التنافس في مجالات محدودة ، مما نتج عنه بروز عقليات عابثة - سيطرت في غير مجال فقهها ومواهبها وهواياتها .. مما أدى بالنتيجة إلى ظهور القيادات الفاشلة والأفكار العقيمة ..


وإذا كان القصد من النقد هنا هو التلميح إلى احتمالية وجود قصور فكري – نوعي - لدى العرب - في العقل البشري الذي يهبه الله للإنسان .. إذاً لو ثبت ذلك فسيكون الأمر قضاء وقدر ، ولا طائل من النقاش ..!



أما إذا كان النقد موجه لسلوك المواطن- الفرد - ذي العرق العربي - المسلم – كإنسان - من حيث الفعل وردة الفعل والاستجابة للمتغيرات- مقارنة بنظرائه من الأعراق الأخرى .. فعلينا أن نضع النقد في ميزان المنطق ونضع المقارنة في قالب البيئة ( الثقافة والأدب وحرية الفكر ، وكيان الفرد ...الخ ) .. قبل أن نقارن سلوك الأشخاص أو ننتقدهم ..!



أما إذا كان النقد يدور حول أسباب شذوذ الوضع العربي العام ، واتسام المجتمعات العربية بطابع البداوة والدروشة ، واللامبالاة أو ربما عدم القدرة على مواكبة التطور والإنتاج والإبداع المعرفي لدى الآخرين ، والرضا بواقع التخلف- المُثير للشفقة والخجل ..
فإن أسباب ذلك من وجهة نظري ليست مُبهمة إلى ذاك الحد ، فهو نتيجة طبيعية حتمية – للقدسية التي تتمتع بها الثقافة العربية - ذات الصبغة الإسلامية - والسائدة منذ قرون ، والغيبيات والروحانيات التي تتخلل تلك الثقافة والتي تـُلزم الفكر العربي بالدوران في فلكها وتـُرغمه على لي أعناق الحقائق لإضفاء المشروعية على مغالطاتها الفكرية ، محتمية بتراثها الإسلامي - زوراً ..!


وهنا أُحب أن أُشير إلى تدني سقف حرية الفكر والخيال أمام الإنسان العربي المسلم ، حيث أنه - ووفق المعطيات الموجودة فإن هذا الإنسان مطالبٌ بأن يكون كما هو الآن ، وأن لا يكون غير ذلك ..!


فهل نحن على استعداد لأن نحاور العقل العربي الإسلامي دون قيود وشروط مسبقة – سوى توحيد الله ورسالة محمد - بدل أن نـُحـدّد له السقف والمسار والاتجاه ثم نـُحاسبه على النتائج ..؟ لا أعتقد أننا جاهزون لمحاورته ..! فنحن الذين نقول أمامه أن هذا الأمر يمكن أن يؤخذ بالعقل ، أما ذاك فيؤخذ بالنقل ويجب أن يقبله العقل ..!


ولذلك فإن الأفكار التي يُنتجها مثل هذا العقل لن تحظى بقبول المنطق لها ، ولن تجد طريقها للحياة - طالما بقي الآخرون موجودين وقادرين على رفضها ..!


إن العقل البشري الطبيعي يستقي مادته الفكرية الأولية من الثقافة والأدب والبيئة - لينتج منها الآلة الفكرية التي تقود الإنسان في حياته وتحدد سلوكياته وقناعاته وترسم آفاقه المعرفية .. ووفق قوانين الطبيعة فإن خصائص المادة الأولية هي التي تحدد خصائص المادة المُنتجة ..!


وعلى هذه الأسس فإنه من البديهي والطبيعي جداً أن يظل العقل العربي الإسلامي متقوقعاً – منكفئاً على نفسه ، رافضاً لغيره ، ومنتجاً لأفكارٍ يرفضها الواقع الإنساني العام .. ولا تقبلها الفطرة المشتركة للبشر .


إن الثقافة العربية بأدبياتها وطبيعة مجتمعاتها قد انتزعت- قسراً - من العقل العربي الإسلامي - إقراره واعترافه بعروبة بعض المفاهيم الإنسانية العامة .. فعزلته بذلك عن محيطه البشري وغرست فيه أدبيات التعالي والتباهي والزهوّ والتفاخر ، وفرضت عليه النظر إلى الآخرين من زاوية الدونية - بغض عن الواقع .. الأمر الذي جعل العقل العربي الإسلامي ينتج أفكاراً تتناقض مع الواقع والمنطق ، فأصبح يؤّل المفاهيم ليُـوهم نفسه أن الهزائم قد تعني انتصارات إذا كانت عربية ، وأن الانتصارات قد تعني هزائم إذا كانت لصالح الآخرين ، وأصبح مضطراً لتبرير تخلفه وعجزه من ناحية ، وتبرير تجاوزه وخرقه للأخلاقيات الإنسانية من ناحية أخرى ..!


إن الثقافة التي تـُرسّخ في الفكر أن الشهامة والمروءة والنخوة والكرم والشجاعة والجهاد والحماس والإيثار والإباء والأنفة والبطولات والحضارة الحقيقة ..الخ .. أن كل هذه المفاهيم والصفات الحميدة لا يمتلكها غير العرب .. فلا ريب أن العقل هنا سيكتفي بها ولا يجد نفسه في حاجة إلى إنتاج فكري أو علمي بعدها ..


فعندما تـفرض الثقافة على الفكر أن يؤمن بشرعية وصواب حكم قتل المُـرتد - مثلاً ، والإقـرار إلى جانب ذلك بأن الإسلام يكفل حرية المعتقد .. فإنها بذلك إنما تـُجبره على القول بعقلانية اللا معقول ، فتـُهيّـئه بذلك للنفاق ، وتؤهله للتعصب ، وتقتل فيه روح المنطق والموضوعية ..!


فهل لنا بعد ذلك أن ننتظر الإبداع والمنطق من عقلٍ مُـجبرٍ على حمل مثل هذه الأفكار ..!



تحياتي للجميع .. ..

عبدالصمد حسن زيبار
15-09-2007, 03:00 PM
مطلب الاصلاح و إعادة تشكيل الذهنية و العقلية السائدة مطلب فرضته الراهنية القاتمة و أوصلت اليه صيرورة تاريخية وهو صدى لحاجات ومطالب موضوعية ورغبات و آمال ذاتية إنه إتحاد الذاتي بالموضوعي و التاريخي بالراهن .. إنه بداية نهضة حضارية .

/

أظن أن الاختلاف في تحديد تشكل العقل العربي يرتبط بالانتماء الديني للناقدين
فالجابري أخر ظهور العقل العربي الى عصر التدوين وما بعده لتفادي معالجة مشكل اللاهوت و النص المقدس أي اشكالات تدوين القرآن
بينما جوروج طرابيشي لم يحكمه تقديس النص لانتمائه الديني المغاير.
إشكال النص المقدس و القراءة التاريخية؟
الثورة اللاهوتية : هل هي فعلا حاجة مهمة؟ كما شهدت أوروبا؟
ها فعلا نحن بحاجة لتحرير الرسالة من عبء التاريخ ؟

/

فكرة الجغرافية العقلانية تعبر عن أزمة مفكرينا
بداوة الفكر

هل هناك بالفعل عقل عربي بعيدا عن العقلانية الاسلامية؟
/


نقدية طرابيشي للجابري كانت تكون في نظري أكثر قيمة و أغنى عطاء لو ركزت على أطروحة الجابري بقراءة نقدية توليدية أي النقد و التجاوز ثم التأسيس.
فجورج ظل رهين أطروحة الجابري بل لشخص الجابري مما شكل القراءة في إطار النقدية التقليدية و التبعية رغم تأسيسها على منهج حداثي.
أقول لو ترفع طرابيشي بأطروحته النقدية للجابري ألى مستوى نقد منهجي عام , في إطار موضوعي يتسم بالكلية لا التجزيء نقد بنيوي تكويني لأضفى على عمله طابع الأطروحة الكاملة و الاستقلالية.
الأطروحة (نقد نقد العقل العربي) رغم غناها وموسوعيتها و نضجها تظل إحدى توابع أطروحة الجابري .



يمكن الرجوع لمواضيع سابقة تهم القضية

/
تحياتي للجميع

عطية العمري
09-10-2007, 10:53 AM
الأخوان الكريمان
أبوبكر سليمان الزوي
عبدالصمد حسن زيبار
أشكر لكما مشاركتكما وما طرحتماه من أفكار قيمة
ولكن أستميح أخي أبا بكر عذرًا في أن أختلف معه في نقطة واحدة وهي قوله :
" فهل نحن على استعداد لأن نحاور العقل العربي الإسلامي دون قيود وشروط مسبقة – سوى توحيد الله ورسالة محمد - بدل أن نـُحـدّد له السقف والمسار والاتجاه ثم نـُحاسبه على النتائج ..؟ لا أعتقد أننا جاهزون لمحاورته ..! فنحن الذين نقول أمامه أن هذا الأمر يمكن أن يؤخذ بالعقل ، أما ذاك فيؤخذ بالنقل ويجب أن يقبله العقل ..! "
فما دام الشرط الذي وضعه وارتضاه عدم مخالفة توحيد الله ورسالة محمد ، فإن ذلك يقتضي التسليم بأن هناك أمورًا يجب أن نسلِّم بها حتى لو لم نعرف الحكمة منها كعدد ركعات كل صلاة مثلاً ، كما أن من مقتضيات الإبمان أن نؤمن بالغيب وهو أحد أركان الإيمان ، أضف إلى ذلك أن في القرآن الكريم ما هو محكم وما هو متشابه نسلّم به ، وذلك مما ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى : " هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكمات هن أم الكتاب وأُخَر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله ، والراسخون في العلم يقولون آمنا به كلٌّ من عند ربنا وما يتذكر إلا أولو الألباب "
لكن ليس معنى هذا أن نأخذ النصوص على ظاهرها دائمًا ، بل هناك مجال للتدبر والتفكر والدراسة وأخذ العبرة . المهم أن الإسلام قد أوجد مساحة واسعة للتفكير وإعمال العقل ، ولكن ترك مساحة ضيقة للتسليم بدون نقاش حتى لا يُفتن الإنسان بهذا العقل فيتمرد على خالق العقل
آمل أن تكون قد وصلت الفكرة جيدًا ، وأرجو الله أن لا أكون مخطئًا فيها
ودمتم بألف خير

أبوبكر سليمان الزوي
10-10-2007, 04:18 AM
الأخ الكريم .. عطية العمري
السلام عليك ورحمة الله


أخي .. لا خلاف فيما وردت فيه نصوص صريحة ، وأكثر من حديث شريف ، وأجمعت عليه الأمة دون اختلاف ،
ولكن الخلاف فيما يفرضه البعض على البعض - وفق فهمه ورؤيته هـو ، أو وفق تأويل السابقين - دون إجماع ، ودون سند صريح من القرآن ؛ ويُكفـرون به بعضهم البعض .


- .. كأن نقول للعقل العربي إن الإسلام يكفل حرية المعتقد ، ومن شاء فل يؤمن ومن شاء فليكفر ، ولا إكراه في الدين .. ولكن من ارتد عن الإسلام ، واعتنق ديناً آخـر يُـقتل .. فهذا مما يُـربك العقل العربي ، ولا يمكن فهمه ..!


- .. وأن تكون كل الآيات التي تتناول أمـر الربا - تـُخاطب المرابي - الغني - المستفيد من عملية الربا ، ولا تـُخاطب الفقير المستدين المحتاج المضطـر .. ثم نأتي نحن ونـُطلق على المواطن المحتاج - لقب مرابي ، ونتهدده ونتوعده بالويل والثبور .. فهذا مما يُـربك العقل العربي ، ولا يفهمه ..!


- هذه بعض الأمثلة على ما أُخذ بالنقل عن السابقين ، وفـُرض على عقول اللاحقين ، ولم يُسمح للعقل العربي المسلم اليوم بالخوض فيه ..


شكراً أخي العزيز على تعاطيك الموضوعي مع مشاركتي ، وأهلاً بالأختلاف العقلاني المنطقي الهادف ، والنقد البنـّاء .

عطية العمري
10-10-2007, 08:07 AM
أخي الحبيب أبا بكر
أظن أننا لسنا مختلفين في المبدأ الذي ننطلق منه ما دمنا معًا في عدم التعرض للنصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة
ولكن أرى أنك عند الدخول في التفاصيل لم تراعِ هذا المبدأ ، فمسألة لا إكراه في الدين مثلاً خاصة بمن لم يدخل الإسلام أصلاً أما المرتد فهناك حديث صحيح يقول : " من بدل دينه فاقتلوه " وأجمع علماء الأمة على ذلك ، إضافة إلى أن الحكمة من ذلك واضحة وهي أن المرتد يعطي فكرة لغير المسلمين بأن الإسلام غير جيد فها هو قد دخل في الإسلام فجربه فوجده غير صالح فتركه ، مما يصد الآخرين عن الدخول في الإسلام .
أما مسألة الربا فالحديث صريح حيث يقول : " لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه " ، أما المضطر للاستقراض بالربا فقد حدد العلماء الاضطرار الذي يسمح بذلك وهو الخوف على الحياة ، أما من يقترض بالربا ليشتري سيارة أو يجمِّل بيته مثلاً فهذا في الحقيقة ليس مضطرًا ويدخل ضمن دائرة موكل الربا " والله أعلم .
أما فرض رأي شيخ معين أو عالم معين في مسألة من المسائل فأنا معك في أنه أمر مرفوض ، ولكن على من يرفض أن تكون لديه الأدوات اللازمة لأن يكون له رأي مستقل في تلك المسألة ـ وخاصة إن كانت مسألة دينية ـ كالعلم بكتاب الله وبحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالواقع وأدوات الاجتهاد المعروفة ، فقد يأخذ شخص بظاهر آية مثلاُ وتكون منسوخة الحكم ، أو هناك آية أخرى أو حديث يجب أخذه بعين الاعتبار في تلك المسألة ، أو أن تكون هذه الآية خاصة بواقعة معينة دون غيرها ، .... إلخ .
المهم أن لا يأتي أي شخص ويقول أنا لا يعجبني رأي العالم الفلاني وهو ليس لديه واحد في الألف من علم ذلك العالم .
والله أعلم
أخي الحبيب أنا سعيد بمثل هذه الحوارات التي أرجو أن تكون لوجه الله تعالى وللوصول إلى الحقيقة وليس الجدل العقيم ، وهناك فرق بين النقاش الهادف البنَّاء والجدل السفسطائي العقيم .
دمت بألف خير

خليل حلاوجي
10-10-2007, 11:44 PM
" من بدل دينه فاقتلوه " وأجمع علماء الأمة على ذلك ،


لا أعتقد أن هناك إجماعا ً على ذلك
ولو تكرم الأساتذة واطلعوا على مساهمتي المنقولة والتي نشرتها هنا في واحتنا وهي تضم الكثير من الرؤى لعلنا نزدد منفعة ....


جزاكم الله خيرا ً

عطية العمري
11-10-2007, 09:00 AM
أخي الحبيب خليل
لم أقصد هنا أن أصدر فتوى في قضيةٍ ما من القضايا ، فأنا لست أهلاً لذلك
وما قصدته هنا أن هناك بعض الأمور يجب التسليم بها دون مناقشة وهي قليلة ، كما أن مسألة مناقشة الأحكام الشرعية لا تجوز إلا لمن امتلك الأدوات الضرورية لذلك .
أما قضية حكم المرتد فقد قرأت المقالين التاليين حولها :
( 1 )
حديث عقوبة المرتد* .. ‬صحيح* .. ‬ولا تناقض بينه وبين آيات الردة التي وردت في القرآن
يقول د.محمد رأفت عثمان أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية ومجمع الفقه الإسلامي بواشنطن* '‬حكم الردة موجود في كل كتب الفقه الإسلامي وإن المرتد يعاقب علي ردته* .. ‬وهناك خلاف حول عقوبة المرأة،* ‬هل هي كعقوبة الرجل أم لا فالإمام أبو حنيفة يقول انها تحبس والجمهور يري تطبيق الحد عليها مثل الرجل*'.‬
وقد استند العلماء في عقوبة حد الردة إلي حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم* '‬من بدل دينه فاقتلوه*' .. ‬وهذا الحديث رواه الإمام البخاري وصحيح البخاري كما نعلم هو الكتاب الأول من ناحية التثبت من أحاديث رسول الله* .. ‬وهذا هو ما يراه علماؤنا القدامي* .. ‬ولكن يرون في نفس الوقت ألا تطبق العقوبة علي المرتد إلا بعد خطوات معينة منها*: ‬أن يندب للشخص الذي حصل منه ما يوجب الردة أحد العلماء سواء كان قاضيا أم لا ويناقشه في أفكاره لعله يتبين أن ما استند إليه من رأي هو شبهة لا دليل لها* .. ‬فإذا هداه الله ورجع عن ردته انتهي الأمر* .. ‬وإذا تمسك بردته تترك له الفرصة ليفكر في الأمر لمدة *٣ ‬أيام كما يري فريق من العلماء*.‬
والعقوبة كما نري هي عقوبة شديدة وذلك يرجع إلي أن الدين هو أول ما يجب أن يحافظ عليه من أمور ضرورية لابد من وجودها في المجتمع وهي حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ النسل والعقل وحفظ المال ولعل السبب أيضا إلي جانب ذلك أن المرتد عن الإسلام عادة أو في* ‬غالب أمره لا يكتفي بردته بينه وبين الله وإنما يحاول ان يعلم الناس بمبرراته لترك هذا الدين،* ‬فبهذا يكون هادما لأساس من الأسس التي تقوم عليها الدولة في الإسلام*.‬
ويضيف د.رأفت عثمان في حديثه* .. ‬حاول اليهود ان يضعفوا من مكانة الإسلام في نفوس المؤمنين به أيام رسول الله صلي الله عليه وسلم فطلبوا من مجموعة منهم أن يؤمنوا بالإسلام في أول النهار،* ‬ثم يعلنوا كفرهم في آخر النهار وذلك للإساءة لسمعة الإسلام* .. ‬وقد بين الله عز وجل في قوله الكريم* '‬وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي انزل علي الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون*' ‬صدق الله العظيم* .. ‬فما الذي يضمن أن ما حدث اليوم من حالات ارتداد في الاسلام وقد شهدنا عددا كبيرا منها في هذه الأيام وهناك من يكون مسلما ثم يرتد ويخرج في وسائل الإعلام مشككا في الدين الإسلامي* .. ‬من يضمن ألا يكون هؤلاء يفعلون ذلك عن عمد وتعمد،* ‬بقصد الإساءة للدين الإسلامي وهم بذلك يهدمون أساسا من أسس الدولة والتي هي أساسها ودستورها مبني علي الإسلام*.‬
ولكن هناك من يقول ان الآيات القرآنية التي وردت في الردة لم يرد فيها حكم العقوبة بالقتل وان العقوبة وردت في السنة فقط وفي التمسك بالعقوبة وفقا للسنة فيه تقديم للسنة عن القرآن*!‬
يجيب د.رأفت عثمان قائلا*: ‬لا يصح ان نقول ان الحديث الذي ورد في حد الردة قد ناقض القرآن لأن التناقض لا يكون إلا بين حكمين في قضية واحدة،* ‬والقرآن الكريم لم يقل* '‬لا تعاقبوا المرتد*'‬،* ‬وإنما أقصي ما يفهم منه هو عدم الكلام عن العقوبة فإذا جاءت السنة وبينته بحديث صحيح مثل ما رواه البخاري وهو أن عقوبة المرتد هي القتل فهذا لا يكون تناقضا وإنما يكون بيانا بحكم فعل لم يبن القرآن له حكما،* ‬ومعروف أن الأحكام الشرعية لا تؤخذ من القرآن وحده وإنما بجانب القرآن بوصفه مصدرا للتشريع فإن السنة أيضا هي المصدر الثاني من مصادر التشريع* .. ‬قال تعالي لرسوله الكريم*: '‬وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم*' .. ‬وقال تبارك وتعالي*: '‬وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا*'.‬
*'‬فلا وربك لا يؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما*'.‬
صدق الله العظيم
( 2 )
سؤال :
كيف نرد على الشبهة القائلة بأن: "عقوبة المرتد في الإسلام تتنافى مع حرية العقيدة"؟
الجواب :
الحمد لله وحده، وبعد:
أولاً: أنصح السائل الكريم أن يبتعد عن مجالسة أهل الزيغ والأهواء ممن يثيرون الشبهات في مجالسهم، ويُلبسون على الناس عقائدهم.
كما أنصحه بعدم إضاعة وقته بقراءة كتب ذوي التوجهات الفكرية المشبوهة، والمذاهب المنحرفة الهدامة، سيما تلك المتدثرة بجلابيب ذات صبغة إسلامية في الظاهر فقط، وإفلاس حقيقي في الأصالة، والاتباع لما كان عليه سلف الأمة عقيدة ومنهجاً.
ثانياً: ليعلم السائل أن أحكام الشريعة مفروضة من لدن حكيم عليم، وبلغها رسولنا الأمين –صلى الله عليه وسلم- للأمة كما أرادها الله تعالى.
فليس في أحكام الله وشريعته تناقض أو تصادم قال الله تعالى:"ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً".
ثالثاً: أن الأصل في المسلم الرضا بأحكام الله وشرائعه والتسليم بها، سواء عقل الحكمة أم لم يعقل، فهم المقصود أم لم يفهم، إذ العقل البشري قد يقصر عن إدراك بعض أسرار الشريعة وأحكامها، فلا يسعه إلا أن يقول كما قال أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم-:"سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير".
وأنا أضرب لك مثالاً: تُرى لم كانت ركعات الظهر والعصر والعشاء أربعا،ً بينما المغرب ثلاثاً والفجر اثنتين؟ ولم كانت الظهر والعصر سرية القراءة وكانت البواقي جهرية؟
الجواب: إنها إرادة الله وحكمته وكفى!
رابعاً: بالنسبة لما أثرته من تساؤل حول عقوبة المرتد -وهي القتل- وأنها تتنافى مع حرية العقيدة؟
فالجواب من وجوه:
(1) أولاً: إن المرتد بعد أن أقر بالإسلام والتزم به وتسمى به، فقد رضي بكل ما تضّمنه الإسلام من أحكام ومنها حكم المرتد.
(2) ثانياً: إن المرتد لا يقتل إلا بعد استتابته ثلاثاً- أي: ثلاثة أيام- مع خلاف في بعض المسائل كمن سب الله تعالى أو رسوله –عليه الصلاة والسلام-. فإصراره على الردة، والسيف مروض على رقبته، يدل على عدم استحقاقه البقاء، إذ لو بقي لكان عامل فتنة مهدم لضعيفي الإيمان من أبناء الأمة، بما قد يلقيه عليهم وبينهم من الشبه والأغلوطات، فقتل المرتد حماية لغيره من اقتفاء أثره والتشبه بمسكله. وتأمل كيف سمى الله تعالى قتل القاتل حياة حين قال:"ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون".
(3) ثالثاً: لو تُرك المرتد بلا قتل؛ لاتخذ الناس دين الله هزواً ولعبا؛ً فيسلم أحدهم اليوم ويكفر غداً ويسلم غداً ويكفر بعد غد بلا مبالاة، بدعوى حرية المعتقد، وفي ذلك مفاسد لا تخفى والله المستعان.
وفقك الله وأعانك، والسلام عليكم.

عطية العمري
11-10-2007, 09:54 AM
زيادة في الفائدة أعرض عليكم ما جاء عن حكم المرتد في المذاهب الفقهية الأربعة من كتاب " الفقه على المذاهب الأربعة : لعبد الرحمن الجزيري

*مبحث حكم المرتد - تعريف المرتد.
الردة - والعياذ بالله تعالى - كفر مسلم تقرر إسلامه بالشهادتين مختارا بعد الوقوف على الدعائم، والتزامه أحكام الإسلام ويكون ذلك بصريح القول كقوله: أشرك بالله، أو قول يقتضي الكفر، كقوله: إن اللّه جسم كالأجسام أو بفعل يستلزم الكفر لزماً بيناً كإلقاء مصحق، أو بعضه ولو كلمة، أو حرقه استخفافاً لا صوناً، أو علاجاً لمريض، ومثل إلقائه، وتركه في مكان قذر، ولو طاهراً كبساق أو تلطيخه به، نحو تقليب ورق بالبصاق، ومثل المصحق الحديث، وأسماء اللّه الحسنى، وكتب الحديث، وكذا كتب الفقه إذا كان علي وجه الاستخفاف بالشريعة الإسلامية، وأحكامها، أو تحقيرها، وكذا أسماء النبياء. وشد الزنار ميلا للكفر، أما لو لبسه لعباً فهو حرام. مع دخول الكنائس. أو سجوده لصنم. وكذلك يكفر بتعلم السحر، والعمل به، لأنه كلام يعظم غير اللّه تعالى، وتنسب إليه المقادير، وكذلك يكفر بقوله: إن القالم قديم، وهو ما سوى اللّه تعالى، لأنه يستلزم عدم وجود الصانع أو يقول: إن العالم باق على الدوام فلا يفنى، لأنه يستلزم إنكار القيامة، ولو أعتقد حدوثه، وهو تكذيب للقرآن الكريم، وكذلك الشك في قدم العالم، أو بقائه، أو أنكر وجود اللّه تعالى، ويكفر كذلك من قال: بتناسخ الرواح، أي أن من مات تنتقل روحه إلى غيره، لأن فيه إنكار البعث، ويكفر إذا أنكر حكما أجمعت ألامة عليه كوجوب الصلاة، أو تحريم الزنا، أو إنكار الصوم، ويكفر إذا أنكر بقوله بجواز اكتساب النبوة، وتحصيلها بسبب الرياضة، لأنه يستلزم جواز وقوعها بعد النبي، أو سب نبي أجمعت الأمة على نبوته أو سب ملكاً من الملائكة يجمع على ملكيته، ويكفر أن عرض في كلامه بسب نبي، أو ملك، بأن قال عند ذكره، أما أنا فلست بزان أو بساحر، أو ألحق بنبي، أو ملك نقصاص، ولو ببدنه، كعرج وشلل، أو طعن في وفور علمه، إذ كل نبي أعلم أهل زمانه، وسيدهم صلى اللّه عليه وسلم أعلم الخلق أجمعين، أو طعن في أخلاق نبي،او في دينه، ويكفر إذا ذكر الملائكة بالأوصاف القبيحة، أو طعن في وفور زهد نبي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
قال الأئمة: لا بد في إثبات الردة من شهادة رجلين عدلين، ولا بد من اتحاد المشهود به، فإذا شهدا بأنه كفر قال القاضي لهما باي شيء؟ فيقول الشاهد: يقول كذا، اويفعل كذا.
واتفق الأئمة الأربعة عليهم رحمه اللّه تعالى: على أن من ثبت ارتداده عن الإسلام والعياذ بالله وجب قتله، وأهدر دمه، وعلى أن قتل الزنديق واجب، وهو الذي يضمر الكفر ويتظاهر.
استتابة المرتد
الحنفية قالوا: إذا ارتد المسلم عن الإسلام - والعياذ بالله تعالى - عرض عليه الإسلام فإن كانت له شبهة أبدها كشفت عنه، لأنه عساه اعترضته شبهة في الدين فتزاح عنه لأن فيه وقع شره بأحسن الأمرين، وهما القتل، والإسلام، إلا أن عرض الإسلام عليه مستحب، غير واجب، لأن الدعوة قد بلغته، وعرض الإسلام هو الدعوة إليه، ودعوة من بلغته الدعوة غير واجبة، بل هي مستحبة فإذا طلب الامهال، يستحب أن يؤجله القاضي ثلاثة ايام، ويحبس ثلاثة أيام فإن اسلم بعدها، وإلا قتل، لقول تعالى: {قاقتلوا المشركين} من غير قيد الامهال، وكذلك قوله صلى اللّه عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه) ولم يذكر التأجيل ولأن المرتد كافر حربي لا محالة، فليس بمستأمن لأنه لم يطلب الأمان، ولا ذمي لأنه ولم يذكر التأجيل ولأن المرتد كافر حربي لا محالة، فليس بمستأمن لأنه لم يطلب الأمان، ولا ذمي لأنه لم تقبل منه الجزية، فيجب قتله في الحال من غير استمهال، ولا يجوز تأخير الواجب لأمر موهوم، لأن دلائل الإسلام ظاهرة غير خفية، فإذا استمهل، فإن الإسلام حينئذ لا يكون موهوماً فيستحب تأخيره.
قالوا: لا قرق في وجوب قتل المرتدين كونه حراً، أو عبداً، لإطلاق الدلائل.
الشافعية - قالوا: إذا ارتد المسلم، والعياذ بالله تعالى فإنه يجب على الإمام أن يؤجله ثلاثة أيام، ولا يحل له أن يقتله قبل ذلك، لأن ارتداد المسلم عن دينه يكون عن شبهة غالباً، فلا بد من مدة يمكنه التأمل فيها ليتبين له الحق، وقدرناها بثلاثة أيام، طلب ذلك، أو لم يطلب، وقصة سيدنا موسى صلى اللّه عليه وسلم مع العبد الصالح: {إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني} فلما كانت الثالثة قال له: {قد بلغت من لدني عذراً}.
وروي عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي اللّه تعالى عنه أن رجلاً أتاه من قبل أبي موسى الشعري، فقال له: (هل من معربة خير؟ فقال: نعم، رجل ارتد عن الإسلام فقتلناه، فقال له: هلا حبستموه في بيت ثلاثة أيام، وأطعمتموه في كل يوم رغيفاً، لعله يتوب؟ ثم قال: اللهم إني لم أحضر، ولم آمر، ولم أرض) أخرجه الإمام مالك رحمه اللّهن في كتابه الموطأ فتبري سيدنا عمر من فعلهم يقتضي وجوب الإمهال ثلاثة أيام قبل موت المرتد، فإن تاب ونطق بالشهادتين أو كلمة التوحيد، خلي سبيله، وإن لم يتب وجب قتله بالسيف فوراً. ولا يؤخر كسائر الحدود، السابقة، لأن الردة أفحش الكفر وأغلظه حكماً، وهي محبطة للعمل إن اتصلت بالموت، قال تعالى: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر} الآية وإن عاد إلى الإسلام لم يجب عليه أن يعيد حجه، لأن الردة أبطلت أعماله.
المالكية قالوا: يجب على الإمام أن يمهل المرتد ثلاثة أيام بلياليها، وابتداء الثلاثة، من يوم ثبوت الردة عليه، لا من يوم الكفر، ولا من يوم الرفع إلى الحاكم، ولا يلفق الثلاثة أيام، فيلغي يوم الثبوت إن سبق بالفجر، ويطعم في أيام الحبس، ويسقى، من ماله، ولا ينفق على ولده وزوجته منه، فإن لم يكن له ماله، فينفق عليه من بيت المال، سواء وعج بالتوبة، أو لم يعد، ولا يعاقب في السجن بضرب، ولو أصر على عدم الرجوع، وإنما يستتاب المرتد وجوباً ذلك القدر، صوناً للدماء، ودرأ للحدود بالشبهات، ويعرض عليه الإسلام عدة مرات، وتزال الشبهة التي تعرش له، ويهمل للتفكير، عسى أن يرجع ويتوب في هذه المدة، فلو حكم القاضي بقتله قبل المدة، مضى حكمه، لأنه حكم بمختلف فيه، فإن تاب بعد الأيام الثلاثة تركن وإن أصر على الكفر قتل بغروب الثالث، ولا يغسل ولا يكفن ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا في مقابر الكفارن لأنه ليس منهم حيث إسلامه، وإنما يلقى حتى يكون عبرة لغيره.
الحنابلة قالوا: في إحدى روايتيهم أنه يجب الاستتابة ثلاثة أيام مثل المالكيةن والشافعية. وفي رواية أخرى عنهم: إنه لا تجب الاستتابة، بل يعرض عليه الإسلام فإن قبل ترك وإلا يتحتم قتله حالاً.
حكم المرأة المرتدة.
الشافعية، والمالكية، والحنابلة - قالوا: إن المرأة المرتدة حكمها حكم المرتد من الرجال فيجب أن تستتاب قبل قتلها ثلاثة أيام، ويعرض عليها الإسلام: لأن دمها كان محترماً بالإسلام، وربما عرضت لها شبهة من فاسق، فيسعى في إزالتها. وقد ثبت وجوب الاستتابة عن سيدنا عمر رضي اللّه عنه.
وروى الدارقطني عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما أن امرأة يقال لها أم (رومان) ارتدت فأمر النبي صلى اللّه عليه وسلم (أن يعرض عليها الإسلام فإن تابت وإلا قتلت) لأنها بالردة اصبحت مثل الحربية، فيجوز قتلها حداً، بل إن ذنبها أشنع من الحربيات، حيث أنها سبق لها الإسلام. ولقوله صلى اللّه عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه) وهي كلمة تعم الرجال والنساء، ولأن ردة الرجل مبيحة للقتل بالإجماع من أن الردة جناية متغلظة، فتناط بها عقوبة متغلظة، وردة المرأة تشاركها فيها، فتشاركها في موجبها، وهو القتل.
المالكية قالوا: إن المرأة المرتدة إذا كانت مرضعاً يؤخر قتلها لتمام رضاع طفلها، إن لم يوجد مرضع أو وجد، ولم يقبلها الولد، وتؤخر ذات الزوج، وكذلك المطلقة طلقة رجعية، أما البائن فإن ارتدت بعد حيض بعد طلاق فلا تؤخر، وإلا أخرت لحيضة، إن كانت من ذوات الحيض، ولو كانت عادتها في كل خمس سنين مرة، وإن كانت ممن لا تحيض لضعف وإياس مشكوك فيه استرئت ثلاثة أهر إن كانت ممن يتوقع حملها، وإن كانت ممن لا يتوقع حملها قتلت بعد الاستتابة، وإن لم يكن لها زوج لم تستبرأ.
الحنفية قالوا: إن المرأة المرتدة لا يجب قتلها، فإن قتلها رجل لم يضمن شيئاً حرة كانت أو عبدة، لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم نهى عن قتل النساء، ولأن الأصل تأخير الأجزية إلى دار الآخرة، إذ تعجيلها يخل بمعنى الابتلاء، وإنما عدل عنه دفعاً لسر ناجز، وهو الحراب، ولا يتوجه ذلك من النساء لعدم صلاحية البنية بخلاف الرجال، فصارت المرتدة كالأصلية، وكل جزاء شرع في الدار ماهو ألا لمصالح تعود إلينا في هذه الدنيا، كالقصاص، وحد القذف، والشرب، والزنا، والسرقة، فشرعت لحفظ النفوس، والأعراض، والعقول، والأنساب، والأموال، فكذا يجب في القتل بالردة أن يكون لدفع شر حداً به، لا جزاء على فعل الكفر، لأن جزاءه أعظم من ذلك عند اللّه تعالى، فيختص لمن يأتي منه الحراب، وهو الرجل، ولهذا نهى النبي صلى اللّه عليه وسلم عن قتل النساء، وعلله بأنها لم تكن تقاتل، على ما صح من الحديث فيما تقدم.
وما قيل: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قتل مرتدة، فقد قيل: إنه عليه الصلاة والسلام لم يقتلها بمجرد الردة، بل لأنها كانت ساحرة، شاعرة، تهجو رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وكان لها ثلاثون ابناً، وهي تحرضهم على قتال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأمر بقتلها لهذه الأسباب. ولكن يجب حبسها أبداً حتى تسلم، أو تمت، وتضرب كل يوم تسعة وثلاثين سوطاً. وهذا قتل معنى، لأن موالاة الضرب تفضي إليه، وإنما يجب حبسها لأنها امتنعت عن إيفاء حق اللّه تعالى بعد الإقرار فتجبر على إيفاء بالحبس، كما في حقوق العباد.
وفي الجامع الصير: تجبر المرأة على الإسلام حرة كانت أو أمة، والأمة يجبرها مولاها، لما فيه من الجمع بين الحقين يعني حق اللّه تعالى، وحق السيد، ولا تسترق الحرة المرتدة ما دامت في دار الإسلام، وإنما تضرب كل يوم، مبالغة في الحمل على اعتناق الإسلام، وكسبها لورثتها لأنه لا حراب منها، ويرثها زوجها المسلم.
وقد روى أبو يوسف عن أبي حنيفة، عن عاصيم بن أبي النجود، عن أبي رزين، عن أبن عباس رضي اللّه عنهم، قال: (لا تقتل النساء إذا هن ارتدن عن الإسلام، ولكن يحبسن. ويدعين إلى الإسلام ويجبرن عليه).
عن أبن عمر أن امرأة وجدت في بعض مغازي النبي مقتولة، فأنكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قتل النساء والصبيان (وفي بلاغات محمد قال: بلغنا عن أبن عباس رضي اللّه عنهما أنه قال: إذا ارتدت المرأة عن الإسلام حبست) ومثل هذا لا يقال عن اجتهاد.
وروي عن معاذ بن جبل رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال له حين بعثه إلى اليمن: (أيما رجل ارتد عن الإسلام فادعه، فإن تاب فاقبل منه، وإن لم يتب فاضرب عنقه، وأيما امرأة ارتدت عن الإسلام فادعها فإن تابت فاقبل منها، وإن أبت فاستتبها) الخ الحديث.
وأخرج الدارقطني رحمه اللّه في صحيحه عن الإمام علي رضي اللّه تعالى عنه أنه قال: المرتدة تستتاب ولا تقتل، وهذه أدلة على مذهب الحنفية الذين قالوا: إنه لا يجب قتلها بل تحبس وتضرب.
*مبحث أملاك المرتد.
الحنفية قالوا: يزول ملك المرتد عن أمواله بردته زوالاً موقوفاً، إلى أن يتبين حاله، فإن أسلم عادت أمواله على حالها الأول، لأنه حربي مقهور تحت أيدينا حتى يقتل، ولا قتل إلا بالحراب، وهذا يوجب زوال ملكه ومالكيته غير أنه مدعو إلى الإسلام بالإجبار عليه، ويرجى عوده إليه، فتوقفنا في أمره، فإن أسلم جعل العارض كأن لم يكن في حق هذا الحكم، وصار كأن لم يزل مسلماص، ولم يعمل السبب، وإن مات أو قتل على ردته، أو لحق بدار الحرب، وحكم بلحاقه، استقر كفره، فيعمل السبب عمله ويزول ملكه، والإجماع على أنه إن عاد وماله قائم كان هو أحق به، ووجب أن يعمل بهما فيقول: بالردة يزول، ثم بالعود يعود شرعاً.
وقال الصاحبان: لا يزوال ملك المرتد عن أمواله، لأنه مكلف محتاج، فإلى أن يقتل يبقى ملكه، كالمحكوم عليه بارجم، والقصاص، لأن كلاً منهم مكلف مباح الدم.
قال الإمام أبو حنيفة: وإن مات أو قتل على ردته انتقل ما اكتسبه في إسلامه إلى ورثته المسلمين، وكان ما أكتسبه في حال ردته فيئاً لجماعة المسلمين، يوضع في بيت المال.
وقال الصاحبان: كلا الكسبين، يقسم على ورثة المسلمين، لأن ملكه في الكسبين، بعد الردة باق لأنه ملكف محتاج فينتقل بالموت إلى ورثته، ويستند إلى ما قبل ردته، إذ الردة سبب الموت، فيكون توريث المسلم من المسلم، ويجعل كأنه اكتسبه في حال الإسلام.
والمرتد إذا مات أو قتل على ردته ترثه امرأته المسلمة وهي في العدة، لأنه يصير فاراً، وإن كان صحيحاً وقت الردة، لأنها سبب الموت.
المالكية، والشافعية، والحنابلة - قالوا: إن ما اكتسبه المرتد في إسلامه، وما اكتسبه في حال ردته يكون فيئاً، لأنه مات كافراً، والمسلم لا يرث الكافر إجماعاً، ثم هو مال حربي لا أمان له، لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فيكون فيئاً.
الشافعية - قالوا: في زوال ملك المرتد عن ماله الحاصل قبل الردة، أو فيها بالردة أقوال: أظهرها الوقوف كبضعزوجته سواء ألحق بدرا الحرب أم لا، فإن هلك مرتداً بأن زاوله بالردة فما ملكه فيء، وما تملكه من احتطاب، ونحوه باق على الإباحة، وإن أسلم بأن أنه لم يزل، لأن بطلان أعماله تتوفق على هلاكه على الردة، فكذا زوال ملك.
وقيل: يزول ملكه عن ماله بنفس الردة لزوال العصمة بردته فماله اولى.
وقيل: لا يزول ملكه بالردة، لأن الكفر لا ينافي الملك كالكافر الأصلي.
ويتفرع على هذه الأقوال أنه يقضي من مال المرتد دين لزمه قبلها بإتلاف أو غيره، لأنا إن قلنا ببقاء ملكه أو إنه موقوف فواضح، وإن قلنا بزواله فهي لا تزيد على الموت، والدين يقدم على حق الورثة، فكذا على حق الفيء ا هـ.
حكم الزنديق.
المالكية، والحنابلة قالوا: ويجب قتل الزنديق بعد الاطلاع عليه بلا طلب توبة منه، وهو الذي يسر الكفر، ويظهر الإسلام، وهو الذي كان يسمى منافقاً في زمن النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه رضوان اللّه عليهم أجمعين، ولا بد من قتله وإن تاب، لكن إن تاب قتل حداً، لا كفراً، فيحكم له بالإسلام ويغسل، ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، ويترك أمره إلى اللّه عز وجل، أما إذا جاء قبل الاطلاع على أمره فلا يقتل، وله أحوال خمسة، ثلاثة يكون ماله لورثته، وهي ما إذا جاء تائباً، أو تاب بعد الاطلاع عليه، أو لم تثبت زندقته إلا بعد موته، وحالان يكون ماله فيها لبيت المال، وهي ما إذا اطلعنا عليه قبل الموت، وقتلناه بغير توبة، أو مات بغير توبة ومثله الذي سب نبياً أجمعت الأمة على نبوته، فإنه بدون اســابة، ولا تقبل توبته، ثم إن تاب قتل حداً، ولا يعذر الساب بجهل لأنه لا يعذر أحد في الكفر بالجهل، ولا يعذر بسكر حرام، أو تهور، أو غيظ بل يقتل، والساب الكافر اصلاً إذا اعتنق الإسلام، ولو كان إسلامه خوفاً من القتل، فإنه لا يجب قتله، لأن الإسلام يجب ما قبله.
أما المسلم إذا ارتد بغير السب، ثم سب زمن الردة، ثم أسلم ثانية، فلا يسقط عنه قتل السب، لأنه حد من حدود اللّه تعالى وجب عليه.
وقيل: تقبل توبته إذا رجع إلى الإسلام كما هو مذهب الشافعي، حتى في سب الملائكة والأنبياء، والفرق بين سب اللّه تعالى فتقبل التوبة فيه، وبين سب الأنبياء، والملائكة فلا يقبل، أن اللّه تعالى لما كان منزهاً عن لحوق النقص له عقلاً قبل من العبد التوبة، بخلاف خواص عباده المؤنين به لأن استحاله النقص عليهم من اخبار اللّه تعالى، لا من ذواتهم فشدد فيهم، فردت توبته، ويقتل.
وأسقط الإسلام الثاني ما عليه من صلاة، وصوم، وزكاة، إن كانت عليه، فلا يطلب منه فعلها بعد رجوعه إلى الإسلام إلا أن يسلم قبل خروج وقت الصلاة، وذلك لقوله تعالى: {قل للذين كفروا أن يتنهوا يغفر لهم ما قد سلف} ويحبط ثواب عمله السابق بردته، لقوله تعالى: {لئن اشركت ليحبطن عملك} ويجب عليه الوضوء، لا الغسل إلا بموجب له، ويجب عليه إعادة الحج لبقاء وقته وهو العمر، ويسقط عنه النذر، وكفارة الايمان، وكذلك العتق والظهار، والطلاق، كأن قال لزوجته إن دخلت الدار فأنت طالق ثم دخل الدار بعد ردته أو توبته، ويبطل إحصانه، أما الطلاق الذي صدر منه قبل الردة، فإذا طلق ثلاثاً ثم ارتد، ثم رجع للإسلام، فلا تحل له إلا بعد زوج، ما لم يرتدا معاً ثم يرجع للإسلام.
الحنفية، والشافعية قالوا: إن الزنديق إذا تاب. وأظهر الإسلام تقبل توبته، ويستتاب ولا يقتل، ويلحق بالكافر الأصلي إذا اعتنق الإسلام، فإنه يقبل منه، ويترك.
وفي قول للشافعية: أنه لا يصح إسلامه إن ارتد إلى كفرخفي، أو إلى كفر باطنية، وهم القائلون بأن للقرآن باطناً، وأنه الراد منه دون الظاهر، أو ارتد إلى دين يزعم أن محمداً مبعوث إلى العرب خاصة، أو ارتد إلى دين يقول: إن رسالة محمد حق لكنه لم يظهر بعد، أو إذا جحد فرضاً، أو تحريماً، فإنه لا يصح إسلامه، ويجب قتله حداً، وكذلك الفلاسفة الذين يزعمون أن اللّه خلق شيئاً ثم خلق منه شيئاً آخر يدير العالم، وسموا الأول العقل، والثاني النفس، فإنه كفر ظاهر، وكذلك الطبائعي القائل بنسبة الحياة والموت إلى الطبيعة، ومن قذف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أو سبه، أو سب واحداً من الرسل الكرام الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم، أو كذب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في دعوته فإنه يقتل حداً، ولا يسقط عنه الحد بالتوبة.
وقيل: لا يقتل بعد التوبة: بل يجلد ثمانين جلدة،ن لأن الردة ارتفعت بإسلامه، وبقي الجلد عليه.
الحنفية قالوا: كل من أبغض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بقلبه كان مرتداً، فالسب بطريق أولى فيقتل حداً ولا تقبل توبته في إسقاط القتل عنه.
الحنفية، والمالكية قالوا: لا يجوز أن يسبى للبغاة ذرية، لآنهم مسلمون، ولا يقسم لهم مال لعدم الاستغنام فيها، لقول الإمام علي رضي اللّه عنه يوم الجمل: (ولا يقتل أسير، ولا يكشف ستر، ولا يؤخذ مال) وهو القدوة لنا في هذا الباب، ولأنهم مسلمون، والإسلام يعصم النفس، والمال، ولا بأس بأنيقاتلوا بسلاحهم إن احتاج المسلمون إليه، لأن الإمام علياً رضي اللّه عنه قسم السلاح فيما بين أصحابه، بالبصرة، وكانت قسمته للحاجة، لا للتملك، ولآن للإمام أن يفعل ذلك في مال الرجل العادل عند الحاجة، ففي مال الباغي أولى،ن والمعنى فيه إلحاق الضرر الأدنى، لدفع الضرر الأعلى. ولما رواه الحاكم في المستدرك، والبزاز في مسنده من حديث كوثر بن حكيم، عن نافع، عن أبن عمر، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (هل تدري يا ابن أم عبد كيف حكم اللّه فيمن بغي من هذه الأمة؟ قال: اللّه ورسوله أعلم. قال: لا يجهز على جريحها، ولا يقتل أسيرها، ولا يطلب هاربها، ولا يقسم فيئها).
*مبحث لحوق المرتد بدار الحرب.
الحنفية قالوا: إذا لحق المرتدر بدار الحرب، وحكم القاضي بلحاقه عتق مدبروه، وأمهات أولاده، وحلت الديون التي عليه، ونقل ما اكتسبه في حال الإسلام إلى ورثته من المسلمين، لأنه باللحاق صار من أهل الحرب، وهم أموات في حق أحكام الإسلام، لانقطاع ولاية الإلزام كما هي منقطعة عن الموتى، فصار كالموت إلا أنه لا يستقر لحاقه إلا بقضاء القاضي بذلك لاحتمال العود إلينا، فلا بد من القضاء، وإذا تقرر موته الحكمي ثبتت الحكام المتعلقة به، وهي ما ذكرناها من عتق مدبريه وغير ذلك كما يحصل في حالة الموت الحقيقي، ثم يعتبر كونه وارثاً عند لحاقه في قول الإمام محمد، لأن اللحاق هو السبب، والقضاء لتقرره يقطع الاحتمال.
وقال أبو يوسف: يعتبر كونه وارثاً وقت القضاء، لأنه يصير موتاً بحكم القضاء، والمرتدة إذا لحقت بدار الحرب فهي على هذا الخلاف المذكور في المذهب.
قالوا: وتقضى الديون التي لزمته في حال الإسلام مما اكتسبه من المال في حال الاسلام، وما لزمه في حقال ردته من الديون يقضى مما اكتسبه في حال ردته.
قالوا: وتقضى الديون التي لزمته في حال الإسلام، وإن لم يف بذلك يقضى من كسب الردة، لأن المستحق بالسببن مختلف، وحصول كل واحد من الكسبين باعتبار السبب الذي وجب به الدين، فيقضى كل دين من المكسب المكتسب في تلك الحلة، ليكون الغرم بالغنم وقيل. بل يبدأ بالقضاء من كسب الردة، لأن كسب الإسلام ملكه حتى يخلفه الوارث فيه، ومن شرط هذه الخلافة الفراغ عن حق المورث، فيقدم الدين عليه، أما كسب الردة، فليس ببملوك له لبطلان أهلية الملك بالردة. فلا يقضى منه، إلا إذا تعذر قضاؤه من محل آخر فينئذ يفضى منه كالذمي إذا مات ولا وارث له يكون ماله لبيت المال ولو كان عليه دين يقضى منه كذلك ههنا، وجه الثالث أن كسب الإسلام حق الورثة وكسب الردة خالص حقه، فكان قضاء الدين منه أولى، إلا إذا تعذر بأن لم يف به فيحنئذ يقضى من كسب الإسلام تقديماً لحقه.
أبو يوسف، ومحمد قالا: تقضى ديوان المرتد إذا لحق بدار من الكسبين، لانهما جيمعاً ملكه حتى يجري الأرث فيهما، والله أعلم.
الشافعية - قالوا: إن مال المرتد إذا الحق بدار الحرب موقوف. فتقضى منه الديون التي لزمته قبل الردة بإتلاف أو غيره، لأنا إن قلنا: ببقاء مكه، أو أنه موقوف فواضح، وإن قلنا: بزواله ملكه، فالرجة لا تزيد على الموت، والدين مقدم على حق الورثة، فكذا على حق الفيء وإذا مات على الردة وعليه دين وفي ثم إن بقي من ماله شيء بعد سداد ديونه صرف لبيت مال المسلمين.
قالوا: ويصير محجوراً على المرتد بعدم التصرف بنفس الردة، وقيل: يحجر عليه بحكم القاضي. ويكون الحجر عليه كحجر الفلس، وقيل كحجر السفه، وقيل: كحجر المرض، وينفق على المرتد زمن استتابته من ماله، وتجعل حاجته للنفقة كحاجة الميت إلى التجهيز بعد زوال الملك بالموت.
والأصح في المذهب أن المرتد يلزمه غرم إتلافه مال غيره في زمن الردة، حتى لو ارتد جمع من الناس واستعصوا على الإمام، وخرجوا عن طاعته، ولم يصل غليهم إلا بقتل وجها، فما اتلفوه من المال في أثناء القتال إذا أسلموا ضمنوه على الأظهر.
والأصح أنه يلزمه نفقة زوجات وقف نكاحهن، وكذلك نفقة قريب ملزم بالإنفاق عليه، لأنها حقوق متعلقة بالمرتد فيلتزم بها لقاء ملكيته.
وقيل: لا يلزمه شيء من النفقات، لأنه لامال له. لزوال مكليته على الأموال، وعلى القول بوقوف ملكه والحجر عليه: فإن تصرفه الواقع منه في وقت ردته إن احتمل الوقف لا يضره، وأما إذا كان التصرف لا يقبل الوقف، كالبيع والهبة، والرهن، والكتابة، ونحوها، مما لا يقبل الوقف، فتكون تصرفاته فيها باطلة، بناء على بطلان وقف العقود وفي القديم: هي موقوفة بناء على صحة وفق العقود، فإن أسلم حكم بصحتها، وإلا فلا.
وبناء على هذه الأقوال: فإنه يجب أن يجعل ماله عند رجل عدل يحفظه، وتجعل أمته عند امرأة ثقة، أو عند ردل يحل له الخلوة بها من المحارم احتياطاً، لتعلق حق المسلمين به. اهـ.
المالكية قالوا: إن الردة لا تسقط إحلال محلل. فإذا ارتد المحلل للمبتوتة فلا يبطل إلاحلاله بل تحل لمن بتها، بخلاف حل المرأة، فإنه يبطله ردتها، فإذا حللها شخص ثم ارتدت، ورجعت للإسلام. لا تحل لمن بتها حتى تنكح زوجها لأنها أبطلت النكاح الذي أحلها، كما أبطلت الي صيرها محصنة.
والعتق غير المعلق بجميع أنواعه لا تبطله الردة، عاد للإسلام، أو قتل على ردته، أو التحق بدار الكفر، وكذلك الطلاق ينفذ ولا تبطله الردة، أما الهبة، والوقف، فإذا احيزا قبل الردة، فإنه ينفذ، عاد إلى الإسلام أو مات عليه، وأما إذا تأخر الحوز حتى ارتد، ومات على ردته، أو التحق بدار الكفر، فلا ينفذ، وينتظر، هل يعود إلى الإسلام، وهل يحكم بالبطلان، أو بعدمه؟
قالوا: والكافر الذي بدل دينه إلى كفر آخر، كنصراني انتقل لليهودية، أو المجوسية فأننا لا نتعرض له. وقبل عذر من اسلم من الكفار، ثم رجع للكفر، وقال: معتراً حين اراد القاضي قتله لعدم التوب: (أسلمت عن ضيق من خوف على نفس، أو مال) فإن ظهر عذره بقريته صدق وترك لأمره، وإن ظهر كذبه، فإنه يكم فيح حكم المرتد. فإن تاب ترك، وإن لم يتب قتل كافراً.
وأما من نطق بالشهادتين، ولم يلتزم أركان الإسلام، فإنه يؤدب وعزر حسب ما يراه الحاكم فإذا رجع لا يكون حكلمه حكم المرتد، لكن هذا في غير من بين أظهرنا، ويعلم أن علينا صلاة وصوماً، وكازة وإلا فهو مرتد، لأنه خالطنا وعلم أحكام ديننا، فيؤدب، فإن أنكر فرائض الإسلام حكم بردته.
وكذلك يؤدب الساحر الذي سحر مسلماً، ولم يدخل بسحره ضرراً عليه، فإن أدخل ضرراً على مسلم كان ناقضاً للعهد، يفعل فيه الإمام القتل أو الاسترقاق ما لم يسلم، فإن أدخل ضرراً على أهل الكتاب أدب ما لم يقتل منهم أحداً، وإلا قتل، ويشدد بالضرب الشديد والسجن على من سب من لم يجمع على نبوته، كالخضر ولقمان، والسيدة مريم بغير الزنا، أو سب احداً من ذريته عليه الصلاة والسلام فإنه يشدد عليه في التأديب بالضرب إن علم أنه من آله صلى اللّه عليه وسلم، وإن لم يكن من آل بيت النبوة، وادعى صراحة، أو أحتمالا أنه من ذريته صلى اللّه عليه وسلم، كلبس عمامة خضراء ونحو ذلك. فلا يبالغ في تقريره وتأديبه، لقوله صلى اللّه عليه وسلم: (لعن اللّه الداخل فينا بغير نسب، والخارج منا بغير سبب) وقال الإمام مالك رضي اللّه هنه: من ادعى الشرف كاذباً ضرب ضرباً شديداً شهراً وميحبس مدة طويلة حتى تظهر لنا توبته، لأن ذلك استخفاف بحقه صلوات اللّه وسلامه عليه.
قالوا: ومن سب صحابياً من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فإنه يعزر ويحبس، ولا يحد، ومثل السب تكفير بعضهم، ولو كان من الخلفاء الأربعة رضوان اللّه عليهم فإنه لا يكفر، ولكن يؤدب أما من كفر جميع الصحابة فإنه يكفر باتفاق، لأنه أنكر معلوماً من الدين بالضرورة، وكذب اللّه ورسوله، وإذا شهد عليه عدل فقط، أو جماعة من الناس غير مقبولين بأنه سب نبياً مجمعاً على نبوته، فإنه يعزر بالضرب. أو قال: لقيت من شدة المشقة في مرضي هذا ما لو قتلت أبا بكر ما استوجبته، أما لو قصد الاعتراض على اللّه فهو مرتد بدون خلاف.
*مبحث تصرفات المرتد.
الحنفية قالوا: إن تصرفات المرتد على أقسام:
1 - نافذ بالاتفاق: كالاستيلاد، والطلاق، لأنه لا يفتقر إلى حقيقة الملك وتمام الولاية، وإن كانت الفرقة تقع بين الزوجين بمجرد الارتداد.
2 - باطل بالاتفاق: كالنكاح، والذبيحة، لأن كل واحج منهما يعتمد الملة، والمرتد لا ملة له، لأنه ترك ما كان عليه، ولا يقر على ما جخل فيه، لوجوب قتله بالردة.
3 - موقوف بالاتفاق: كالمفاوضة، كأن فاوض المرتد، توفق فإن أسلم نفذت المفاوضة، وإن مات أو قتل، أو قضى بلحاقه بدار الحرب بطلت بالاتفاق، لأن المفاوضة تعتمد المساواة بين الطرفين، ولا مساواة بين المسلم والمرتد، مالم يسلم.
4 - مختلف في توقفه: وهو البيع، والشراء، والعتق، والهية، والرهن، والتصرف في أمواله في حال ردته، فأبو حنيفة رحمه اللّه قال: إن هذه التصرفات المذكورة تتوفق، فإن أسلم صحت عقوده. وإن مات أو قتل، أو لحق بدار الحرب بطلت. لأنه حربي متهور تحت أيدينا، كما قررناه في توفق الملك، وتوقف التصرفات بناء على توفق الملك، وصار كالحربي يدخل دارنا بغير أمان، فيؤخذ ويقهر، وتتوقف تصرفاته لتوقف حاله، فكذا المرتد، ولأنه يستحق القتل لبطلان سبب العصمة، فأوجب خللاً في الأهلية. بخلاف الزاني المحصن، وقاتل العمد، لأن الاستحقاق فيهما جزاء على الجناية، مع بقاء سبب العصمة، وهو الإسلام، فيبقى مالكاً حقيقة، وبخلاف المرأة المرتدة لأنها ليست حربية ولهذا لا تقتل بعد الردة أما المرتد فقد زال ملكه عن أمواله بردته، كما ذكرنا.
أبو يوسف ومحمد قالا: يجوز ما صنع المرتد، وتنفذ عقوده التي عقدها قبل الردة وبعدها، لأن الصحة تعتمد الأهلية، والنفاذ يعتمد الملك، ولا خفاء في وجود الأهلية لكونه مخاطباً، وكذلك الملك لقيامه قبل موته، وعدم زواله بالردة، لأنه مكلف محتاج ولا يتمكن من إقامة موجب التكليف إلا بالملك فيبقى ملكه إلى أن يقتل، ولهذا لو ولد له ولد بعد الردة لستة أشهر من امرأة مسلمة يرثه بعد موته.
قالوا: فإن عاد المرتد بعد الحكم بلحاقه بدار الحرب إلى دار الإسلام مسلماً، فما وجوده في يد ورثته من ماله بعينه أخذه، لأن الوارث إنما يخلف فيه لاستغنائه عنه بالموت المحكوم به، بدخوله دار الحرب. وإذا عاد مسلماً احتاج إليه فيقدم على الوارثن بخلاف ما إذا أزاله الوارث عن ملكه، وبخلاف أمها اولاده، ومدبريه لأن القضاء قد صح بدليل مصحح فلا ينقض، ولو جاء مسلماً قبل أن يقضي القاضي بذلك، فكأنه لم يزل مسلماً، فأمواله على حالها، وما كان عليه من الديون فهو إلى أجله، ويصح تصرفه.
*مبحث ردة الصبي والمجنون.
الحنفية قالوا: إن ارتداد الصبي الذي يعقل ارتداد تام، فيجري عليه أحكام المرتد، فيبطل نكاحه، ويحرم من الميراث، ويجبر على الإسلام، ولا يقتل، وإن أدرك كافراً، يحبس كالمرأة، وإسلام الصبي المميز إسلام، لأن علياً رضي اللّه عنه أسلم في صباه وهو أبن خمس سنين، وصحح النبي صلى اللّه عليه وسلم إسلامه، وافتخر سيدنا علي بذلك.
فقال:
سبقتكمو إلى الإسلام طراً * غلاماً ما بلغت أوان حلمي
ولأنه أتى بحقيقة الإسلام، وهي التصديق والإقرار معه، والتصديق الباطني يحكم به للإقرار الدال عليه، على ما عرف من تعليق الحكام المتعلقة بالباطن به، ولأن الإقرار عن طوع دليل على الاعتقاد، ولأن النبي صلى اللّه عليه وسلم عرض الإسلام على أبن صياد، وهو غلام لم يبلغ الحلم.
قيل: ومن أقبح القبائح أن لا يسمى مسلماً مع اشتغله بتعلم القرآن وتعليمه، والنطق بالشهادتين والصلاة.
قالوا: والحقائق لا ترد. وما يتعلق به سعادة أبدية، ونجاة عقبى وهي من أجل المنافع وهو الحكم الأصلي، ثم يبتنى عليه غيرها، فلا يبالى بشوبه للضررولانه تقبل صلاته وصومه ويثاب عليهما عند اللّه تعالى.
وقالوا: إن الردة موجودة حقيقة ولا مرد للحقيقة كما قلنا في الإسلام، فإن رد الردة يكون بالعفو عنها وذلك قبيح، إلا أنه يجبر على الإسلام لما فيه من النفع له، ولا يقتل، لأنه عقوبة، والعقوبات موضوعة عن الصبيان مرحمة عليهم، وهذا في الصبي الذي يعقل ومن لا يعقل من الصبيان لا يصح ارتداده فإنه لا يدل على تغير العقيدة. وكذا لا يصح إسلامه، لأنه غير مكلف وقد رفع القلم عنه بنص الحديث الشريف.
وقال أبو يوسف: ارتداد الصبي الذي يعقل، ليس بارتداد، وإسلامه إسلام.
الشافعية - قالوا: إن ارتداد الصبي الذي يعقل ليس بارتداد، وإسلامه، كذلك ليس بإسلام لأنه تبع لأبويه في الإسلام، فلا يجعل أصلاً، ولأنه يلزمه أحكام تشوبها المضرة فلا يؤهل لها. والردة مضرة محضة، فلا تعتبر، لأنه غير مكلف وغير مختار، وكذلك المجنون لا تصح ردته، لعدم تكليفه، ولا اعتداد بقولهما، واعتقادهما، فلا يترتب عليها حكم الردة، وكذلك لا تصح ردة المكره. إذا كان قبله مطبئناً بالإيمان، كمانصف عليه القرآن الكريم، فإن رضي بقلبه عن الكفر فهو مرتد فيقتل، قال تعالى: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان، ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من اللّه. ولهم عذاب عظيم} آية 106 من سورة النحل.
وأما المجنون فإذا ارتد ولم يستتب فجن لم يقتل في جنونه، لأنه قد يعقل ويعود إلى الإسلام، فإن قتل مجنوناً لم يجب على قاتله شيء، ولكن يعزر، بخلاف ما لو ثبت بنيته أو أقر بقذف أو قصاص ثم جن فإنه يستوفى منه في ضوئه.
*مبحث حكم الصبي إذا بلغ مرتداً.
الحنفية رحمهم اللّه قالوا: أربع مسائل لا يقتل فيها المرتد.
الأولى: الصبي الذي كان إسلامه تبعاً لأبويه، إذا بلغ مرتداً. فلا يقتل وإنما يحبس حتى يتوب، لأن إسلامه لماكان تبعاً لغيره، صار شبهة في إسقاط القتل عنه، وبه قال الحنابلة، ويجبر على الإسلام بالضرب والحبس، لا بالقتل.
الشافعية، والمالكية - قالوا: إن الصبي يعتبر مرتداً، ولو كان تابعاً لأبويه، فإنه يستتاب فإن تاب من ردته ورجع إلى الإسلام قبل منه ويترك، وإلا فيجب قتله مثل المرتد.
الثانية: إذا أسلم الصبي في صغره، ثم بلغ مرتداً، فإن يقتل مرتداً وتطبق عليه أحكام المرتد.
الثالثة: إذا ارتد في صغره، فإنه لا يقتلز لقيام الشبهة بسبب اختلاف العلماء في صحة إسلامه في الصغر. وبه قال الشافعية وإذا قتله إنسان قبل أن يسلم لا يلزمه شيء في هذه الأحوال، ولو مات له قريب مسلم بعد ردته فلا يرث منه.
المالكية، والحنابلة - قالوا: إذا أسلم في صغره ثم بلغ مرتداص، فإنه يقتل مرتداً وتطبق عليه أحكام المرتد.
الثالثة: إذا ارتد في صغره، فإنه لا يقبل ارتداده ولا يتعتد به، ولكن يحبس ويضرب حتى يتوب لأن الإسلام أنفع له فيجبر عليه، ويشتد عليه في الضرب حتى يرجع ويتوب لأن الإسلام أنفع ه فيجبر عليه، ويشتد عليه في الضرب حتى يرجع ويتوب وتحسن توبته.
الرابعة: المكره على الإسلام إذا ارتد لا يقتل، لأن الحكم بإسلامه من حيث الظاهر، لأن قيام السيف على رأسه ظاهر في عدم الاعتقاد بقلبه، فيصير شبهة في إسقاط القتل وبه قال الشافعية، لعدم التكليف، (وما استكرهوا عليه) فقد رفع عنه المؤاخذة.
اتفق العلماء الأربعة: على أنه إذا ارتد الأبوان والعيادذ اللّه تعالى، وارتد ابنهما الصبي تبعاً لهما ثم لحقا بدرا الحرب، وحكم بلحوقهما، فإن الصبي يصح ارتداده من غير خلاف ويحكم بكفره، وإذا أسلم الصبي، فإنه يقبل، ويعتبر إسلامه في نظر الشرع بالاتفاق، فلا يرث أبويه الكافرين، ويرث أقاربه المسلمين الذين ماتوا بعد إسلامه، ولا يصح نكاح المشركة له، ويحل له زواج المرأة المسلمة، وتبطل مالية الخمر والحنزير بالنسبة له، وإذا ارتد الرجل وامرأته والعياذ اللّه تعالى ولحقا بدار الحرب فحملت المرأة في دار الحرب وولدت ولداً، وولد ولدهما ولداً، فظهر عليهم جميعاً، فالوالدان فيء، لأن المرتدة تسترق فيتبعها ولدها، ويجبر الولد الأول على الإسلام، ولا يجبر ولد الولد، لأنه لا يتبع جده، بل أباه، لقوله صلى اللّه عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه) الحديث.
*مبحث ردة السكران وإسلامه.
الحنفية، والمالكية، والحنابلة في إحدى روايتيهم - قالوا: السكران الذي لا يعقل شيئاً وفقد الإدراك والتمييز مثله كالمجنون مثله كالمجنون فلا تصح ردته، ولا إسلامه، لأن المجنون لا تصح ردته بالإجماع، لأن الردة تبنى على تبدل الاعتقاد، وتعلم أن السكران غير معتقد لما قال، ووقوع طلاقه، لأنه لا يغتفر إلى القصد، ولذا لزم طلاق الناسي.
وفي رواية للحنفية: أنه إذا كان سكره بسبب محظورن وباشره مختاراً بلا إكراه، فإنه تصح ردته ولا يعفى عنه.
الشافعية - قالوا: تصح ردة السكران المتعدي بسكره، كطلاقه وسائر تصرفاته، وفي صحة استتابته حال سكره وجهان، ا؛دهما أنه تصح كما تصح ردته وعليه الجمهور وهو المفتى به، لكن يندب تأخيرها إلى الإفاقة، خروجاً من خلاف من قال: بعدم صحة توبته، وهو الوجه الثاني القائل: بأن الشبهة لا تزول في تلك الحالة.
أما السكران غير المتعدي بسكره، كأن أكره على شربها، فلا يحكم عليه بالارتداد، كما في طلاقه وغيره.
والراجح من المذهب صحة إسلام السكران عن ردته، ولو ارتد صاحياً ثم أسلم معاملة لأقواله معاملة الصاحي.
والاعتداد بإسلامه في السكر أنه يحتاج إلى تجديد بعد الإفاقة، لكن قالوا: إذا فقاق عرضنا عليه الإسلام فإن وصفه كان مسلماً من حين وصف الإسلام، وإن وصف الكفر كان كافراً من الآن، لأن إسلامه صح أولاً، فإن لم يتب قتل.
قبول الشهادة بالردة. الشافعية - قالوا: تقبل الشهادة بالردة على وجه الإطلاق، ويقضى بها من غير تفصيل، لأن الردة لخطرها لا يقدم الشاهد بها إلا عن بصيرة، ثم يقول له القاضي تلفظ بالشهادتين ولا حادة إلى السؤال عن السبب، فإن امنع كان امتناعه قربته لا يحتاج معها إلى ذكر سبب الردة.
وقيل: يجب التفصيل واستفسار الشاهد بها لاختلاف المذاهب في التكفير، والحكم بالردة عظيم فيجب أن يحتاط له. وهو المذهب الي يجب القطع به لأنه قد يتوهم ما ليس بكفر كفراً، فيسأله القاضي.
المالكية قالوا: بأنه لا تقبل توبة المرتد، فلا تقبل الشهادة إلا مفصلة.
الحنفية قالوا: تقبل الشهادة بالردة من عدلين، يشهدان على مسلم بالردة، ويسألهما القاضي عن سبب ردته، فربما قال شيئاً ليس بكفر، وهو في نظرهما كفر، ولأن إنكاره توبة ورجوع إلى الإسلام ا هـ.
*مبحث كيفية توبة المرتد.
الحنفية قالوا: أنه يتبرأ عن الأديان كلها سوى دين الإسلام، وهو أن يقول: (تبت وجعت إلى دين الإسلام، وأنا بريء من كل دين سوى دين الإسلام). والإقرار بالبعث والنشور مستحب، وإنما يقول ذلك لأنه لا دين له، ولو تبرأ عما انتقل إليه كفاه، لحصول المقصود.
قال الطحاوي سئل أبو يوسف عن الرجل كيف يسلم فقال يقول: أشهد أن لا إله إلا اللّه، وأن محمداً عبده ورسوله، ويقر بما جاء به من عند اللّه، ويتبرأ من الدين الذي انتحله، وإن شهد أن لا إله إلا اللّه، وأن محمداً رسول اللّه، وقال: ولم أدخل في هذا الدين قط، وأنا بريء من الدين الذي ارتد إليه، فهي توبة، وفي شرح الطحاوي: إسلام النصراني أن يقول: أشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمداً عبده ورسوله ويتبرأ من النصرانية، واليهودي كذلك يتبرأ من اليهودية، وكذا من كل ملة، وأما مجرد الشهادتين، فلا يكون مسلماً، لأنهم يقولون بذلك غير أنهم يدعون خصوص الرسالة إلى العرب هذا فيمن بين أظهرنا منهم، أما من في دار الحرب لو حمل عليه مسلم فقال: محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فهو مسلم، أو قال: دخلت في دين الإسلام. أو دخلت في دين محمد صلى اللّه عليه وسلم فهو دليل إسلامه فكيف إذا أتى بالشهادتين، لأن في ذلك الوقت ضيقاً، فيحكم بإسلامه بمجرد ذلك، ويرفع عنه القتل، ولو ارتد بعد ذلك قتله، ولو ارتد بعد إسلامه ثانياً قبلنا توبته، وكذا ثالثاً، ورابعاً، وفي كل مرة يطلب من الإمام التأجيل أجله، فإن عاد إلى الكفر رابعاً ثم طلب التأجيل فإنه لا يؤجله، فإن أسلم وإلا قتل.
وقال الكرخي في مختصره، فإن تاب بعد الرابعة ضربه ضربتاً وجيعاً، ولا يبلغ به الحد ثم يحبسه ولا يخرجه من السجن حتى يرى عليه خشوع التوبة، ويرى من حاله حال إنسان قد أخلص، فإذا فعل ذلك خلي سبيله، فإن عاد فعل به مثل ذلك أبداً ما دام يرجع إلى الإسلام، لإطلاق قوله تعالى {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن اللّه غفور رحيم} آية 5 من التوبة، وروي عن أبن عمر، وعلي رضي اللّه عنهما: لا تقبل توبة من كرر ردته كالزنديق: فيجب قتله.
المالكية، والحنابلة قالوا: لا تقبل توبة الكافر المرتد الذي تكررت ردته بل يجب قتله لقوله تعالى {إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازداودا كفراً لم يكن اللّه لغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا} آية 137 من النساء، ولو قتله شخص قبل عودته إلى الإسلام فلا شيء عله من الدية والقصاص.
الشافعية - قالوا: إنه تقبل توبة الزنديق، والمرتد إذا طلب التوبة ورجع إلى الإسلام. ولو تكرر منه ذلك مراراً ما دام في كل مرة يرجع إلى الإسلام، ولا يقتل إلا أن يأبى أن يسلم.
الحنفية قالوا: قبول توبة الزنديق روايتان رواية تقول: لا تقبل توبته كمالك وأحمد. وفي رواية تقبل توبته إذا رجع كقول الشافعي، وهذا في حق أحكام الدنيا، أما فيما بينه وبين اللّه تعالى إذا صدق قبله سبحانه بلا خلاف.)
أحكام في المرتد.
الحنفية قالوا: لو أرتد أهل بلد لم تصر دار حرب حتى يجتمع فيهما ثلاثة شروط:
الأول: ظهور أحكام الكفر.
الثاني: أن لا يبقى فيهما مسلم، ولا ذمي بالأمان الأصلي.
والثالث: أن تكون متاخمة لدار الحرب. وأول من حارب المرتدين أبو بكر الصيق رضي اللّه تعالى عنه لانهم منعوا دفع الزكاة، وقالوا: لاندفع الزكاة إلا لمن صلاته سكن لهم، وهو النبي صلى اللّه عليه وسلم، فأصبحوا دار حرب.
المالكية، والشافعية، والحنابلة - قالوا: إذا ارتد أهل بلد لا يجوز أن تغنم ذراريهم التي حدثت منهم بعد الردة، ولا يسترقون، بل يجبون على الإسلام إلى أن يبلغوا: فإن لم يسلموا حبسوا، وضربهم الحاكم جذباً إلى الإسلام، وأما ذراريهم فيسترقون.
الشافعية قالوا: في أصح قوليهم إنهم لا يسترقون وقيل: تسترق ذراريهم وذراري ذراريهم.
الحنابلة قالوا: تسترق ذراريهم، وذراري ذراريهم، لأن الذرية تبع الآباء في الكفر.
روى البخاري عن أبن عباس رضي اللّه عنهما، لما بلغه أن علياً رضي اللّه عنه حرق قوماً بالنار، فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم، لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: ( لا تعذبوا بعذاب اللّه) ولقتلتهم كما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه) فإن الإمام علياً قاتل الزندقة الذين ارتدوا باتباع مذهب المانوية الذين يقولون بقدم النور والظلمة وأن العالم ناشئ عنهما.
أعمال المرتد.
الحنفية قالوا: إن الردة محبطة لثواب جميع العمال الصالحة التب عملها قبل أن يرتد عن الإسلام. فإذا تاب وعاد إلى الإسلام، إن عاد في وقت صلاة صلاها وجب عليه أداؤها ثانياً، وكذلك يجب عليه الحج ثانياً، إن كان سبق له حد، ولا يلزم من سقوط ثواب العمل سقوط العمل، بدليل أن الصلاة في الدار المغصوبة صحيحة مسقطة للقضاء مع كونها لا ثواب فيها عند أكثر العلماء.
الشافعية - قالوا: إن الردة محبطة للعمل إن اتصلت بالموت قال تعالى: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة} الآية وقال تعالى: {ولقد أوحي إليك والى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين} وقال تعالى: {ومن يكفر بالإيمان فقط حبط عمله} وغيرها من الآيات الدالة على إحباط الأعمال، وضياع ثوابها، ولهذا إن عاد إلى الإسلام وجب عليه أن يعيد حجه قبل الردة).

د. نجلاء طمان
11-10-2007, 04:47 PM
عودة لهذه الصفحة الرائعة بعد عيد الفطر

الشكر للاجتماعي الرائع عطية العمري, والمفكرين الحلاوجي والزاوي

شذى الوردة لكم مبدعين ومفكرين, وكل عام وأنتم بخير


د. نجلاء طمان

الصباح الخالدي
11-10-2007, 05:33 PM
يحتاج لتركيز في قراءته ونقده
لكن ما اقتطفت منه
ان العقل العربي الذي نقده الجابري يتعلق بنقد التدوين السني وتجاهل التدوين الشيعي
فتبلور الفكر الشيعي من منهج سياسي صرف ثم انبثاق الفكر الشيعي السبأي ذو الأصول الفارسية اليهودية وتطور مفهومه لتأليه علي أو اضفاء العصمة لآل البيت النبوي ولفئة محددة ثم تأسيس فكر المشبهة كهشام بن الحكم الرافضي ثم تطور المعتقد الشيعي الى فكر اعتزالي صرف لكونه يتوافق والخروج على سلاطين وولاة الخلفاء بدءا من الخلافة الراشدة الى دولة بني عثمان ثم الدول الحديثة يتناسب مع فكر لم يستقر الا مؤخرا
فكيف يتحدث الجابري وغيره عن تجاهل الفكر الشيعي انه استثني من التدوين والذي دون في ذلك العصر كل شيء تقريبا يمكن تدوينه
نقد العقل العربي نوع من اساليب جديدة تتحدث عن منهجية معينة ككتب القصيمي لكن مغلفة
كمحاكمة الأكوان لرب الأرباب ... وكتاب الأغلال وغيرها واساليب متعددة بدأت قديما وستستمر
لنقض ثوابت لن تهتز
فقطعية القران مع السنة النبوية الى خبر الواحد الثابت الى النقول عن السلف في ضبط الفهم وقاعدته
خلاصة يجب ان تكون بالحسبان
قد أعود

أبوبكر سليمان الزوي
14-10-2007, 08:52 PM
تحية معايدة للجميع وسلام الله عليكم ..


تحية خاصة لذات الحضور الدائم والمتميز .. د. نجلاء طمان


الأخ الأستاذ الفاضل .. عطية العمري :


سأسرد فيما يلي فهمي وملاحظاتي المبدئية الأساسية بخصوص الفكرة التي نتناولها بالنقاش هنا ، مع بعض التساؤلات ..


وأرجو أن يتسع صدر أخي عطية العمري لشيء من الجرأة في الطرح -أجدني مضطراً لها - لإيصال الفكرة ، مع التذكير بأننا لا نختلف على الثوابت ..


1-كيف للإسلام والإيمان أن يكون قلبياً حقيقياً فاعلاً .. إذا كان الإنسان المسلم يشعر أنه لا يملك إلا أن يكون مسلماً - شاء أم أبى .!


2- هل يدخل في الإسلام من يعلم أنه سيـُقتل إذا عاد عن رأيه .. لا أظن ذلك ..!


3- أليس الإسلام دين الحق ، وكتابه محفوظ من لدن عزيز حكيم ، فهل يجوز أن نخشى على الإسلام من خروج غير المسلمين منه ..!

4- هل نضمن ولاء - أو نتقي شر - من يكتم ردته خشية القتل ، وهل يعتبر مسلماً ، وهل يستفيد هو من إسلامه .! ومن المسئول عن دسائس هذا المرتد سراً ..؟


5- إذا كان الأمـر عددياً ، فهل نقص عدد المسيحيين بسبب خروج بعضهم من المسيحية ..!


6- أنا أرى العكس .. فالمنطق يقول أنه على كل من لم يُعلن إسلامه أن يُعلنه -عن فهم وبينة ، فجُـل المسلمين اليوم قد أخذوا دينهم تقليداً وليس فهماً وقناعة ، ولذلك فهم يُصلّون ويصومون ويكذبون ويسرقون ويزنون -لأنهم بالأساس يُقلدون غيرهم في كل شيء .
فعلى المسلم أن يعلم أنه مسئول أمام الله مباشرة عن إسلامه ، وأنه المحتاج والمستفيد من الإسلام وليس العكس .!


أخي الفاضل ..


7- سواء في أمـر الردّة أو الربا أو غيرها من الأمور .. أنا لا أستطيع أن أفهم أن أموراً بهذا الحجم ، ليس فيها نصاً قرآنياً صريحاً ، وإنما يرد بصددها حديثٌ واحدٌ ، يُصححه ويرويه ويفسّره في زمنه - إنسان مسلمٌ عادي- ليس رسولاً ، وليس عربياً .. فنتمسك به نحن اليوم ونغلق الباب أمام العقل العربي ونمنعه من إعادة قراءة الأمـر .. في حين أن الله سبحانه وتعالى - لم يُفـرّط في الكتاب من شيء ، وأمرنا بتدبر القرآن ويسره لنا نحن العرب أكثر من غيرنا - للذكر .!
ثم نأتي لنحاكم العقل العربي على قصوره ..!


8- لا أرى بأساً من إعمال العقل وإعادة النظر وقراءة الأمور بلغة العصر إذا كنا نطالب العقل العربي بالحضور ..
فنحن لا نختلف على أمـر ثبت عن الرسول واجمعنا عليه - نصاً وقصداً ؛ ولكن لا بأس من أن نتحاور حول أمـر لم يرد فيه نص قرآني صريح ، وتحوم التساؤلات حول مدى صحته وكيفية فهمه ، ومدى الصواب في تعميمه .


9- إننا عندما نتحاور في شأن قصور العقل العربي المسلم .. أرى أن النقاش ينبغي أن يأخذ طابع التحليل المنطقي -الآني العصري الزمني -للأمور .
أما أن نـُلزم العقل العربي المسلم بأن يعيش مع رؤى وتفاسير ونظريات السابقين في أزمانهم ، ونحدد له المسارات وفقها ، ونحيطه بالقدريات والروحانيات والغيبيات والقدسيات والمنقولات-التي لا تقبل الفهم ولا يُسمح له بالخوض في قراءتها من زوايا حديثة ، ..
فليس من الحكمة عند ذلك أن نطالبه بمجاراة العقول الحرة في تفكيرها ورؤاها وتصوراتها .


تحياتي وعذراً للإطالة .. وللحديث بقية

عطية العمري
04-11-2007, 11:38 AM
الأخت الفاضلة د. نجلاء طمان حفظها الله
بوركتِ ونحن في انتظار مداخلاتك القيمة في هذا الموضوع
ودمت بألف خير

عطية العمري
04-11-2007, 11:43 AM
الأخ الفاضل الصباح الخالدي حفظه الله
دعنا من الجابري وكتاباته
ولنجعل نقاشنا من بنات أفكارنا بعقل مفتوح وصدر متسع لكن دون مصادمة لما هو معلوم بالضرورة في ديننا الحنيف
دمت بألف خير

عطية العمري
04-11-2007, 12:11 PM
الأخ الفاضل أبوبكر سليمان الزوي حفظه الله
أشكرك شكرًا متواصلاً وعميقًا على استمرارك في متابعة هذا الموضوع وإثرائه بالنقاش المفيد
وكان كلامنا أصلاً منصبًا على مناقشة واقع العقل العربي المعاصر وكيفية النهوض به
وما كان موضوع حكم المرتد إلا مثالاً يمكن مناقشته في هذا المضمار

أخي الحبيب
بالنسبة لموضوع حكم المرتد في الإسلام ( وهو القتل ) :
1- هذا الحكم ورد فيه حديث صحيح في صحيح البخاري ، وكونه لم يرد فيه آية من كتاب الله لا ينفيه ، فكم من الأحكام الشرعية التي وردت في السنَّة النبوية ولم ترد في القرآن الكريم ولم يعترض عليها أحد . وإلا هل ورد في القرآن الكريم عدد ركعات كل صلاة وأحكام الحيض والنفاس والاستحاضة . . . ؟
2- اتضح لنا فيما مضى ( في الردود السابقة ) أن أصحاب المذاهب الأربعة المعتمدة قد اتفقوا على هذا الحكم ، وإن اختلفوا في تفريعاته .
3- هناك ضوابط شرعية شديدة جدًا عند تنفيذ هذا الحكم ، فليس معنى الإقرار بهذا الحكم أننا سنرى كل يوم رؤوسًا تقطع هنا وهناك ، وكما قال بعض السلف : إن كان هناك احتمال للعفو من وجه واحتمال التجريم من تسعة وتسعين وجهًا غلَّبنا جانب العفو على جانب التجريم .
4- هذا الحكم لا يطبق إلا في وجود دولة إسلامية تحكم بشريعة الله وليس بالقوانين الوضعية .
5- يقول تعالى في القرآن الكريم حكايةً عن اليهود :
{ وَقَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } ال عمران 72
، وهنا تتضح الحكمة من قتل المرتد ، لأن من يرتد ينشر بين الناس أنه جرب الدخول في الإسلام فوجده سيئًا فارتد لذلك ، مما يصد عن سبيل الله .

أما عن النقاط التي أثرتها في ردك فلي معها لقاء آخر إن شاء الله
وتأكد تمامًا أننا هنا لسنا في موقف سجال ، فقد كان علماؤنا السابقون يقولون : أنا على صواب يحتمل الخطأ ، وصاحبي على خطأ يحتمل الصواب . وكان كل منهم يتمنى أن يظهر الحق على لسان من يتحاور معه .
كما أن هناك فرقًا شاسعًا بين الحوار الهادف للوصول إلى الحق ، وبين الجدل والنقاش العقيم .

أرجو أن تتسع صدورنا جميعًا للحق

ودمت بألف خير
أخوكم المحب
عطية العمري

عطية العمري
04-11-2007, 12:35 PM
إخواني الأعزاء
أرى أن أنقل لكم هذا الرأي في حكم المرتد ، لعل فيه فائدة


حكم المرتد

الرأي السائد في الفقه الإسلامي هو قتل المرتد عن الإسلام ـ رجلاً أو امرأة ـ مما قد يقال معه: أنه لا يتفق مع ما تقرر من حرية العقيدة الدينية وعدم الجبر على البقاء في عقيدة لا يؤمن بها صاحبها.
ونجيب عن ذلك بالجوابين التاليين:

أولاً: ، أن من الواضح أن قتل المرتد لا يمكن أن يكون عقوبة على الفكر في ذاته وتركه للدين الإسلامي، بدليل أن غير المسلمين من اليهود والمسيحيين الأصليين قد كفل لهم الإسلام حرية العقيدة وحمايتها، من غير إكراه ولا تضييق. ويتعين حينئذ أن يكون هذا القتل عقوبة على الخيانة الكبرى والمكيدة الدينية التي قام بها المرتد حين ادعى الدخول في الإسلام زوراً وبهتاناً ثم أعلن خروجه منه قصداً للإساءة إليه، والطعن فيه، وانضم إلى صفوف أعدائه الماكرين الذين يحاربونه بجميع الوسائل، ومنها الدعاية أو ما اصطلح على تسميته في العصر الحاضر بالحرب النفسية والمعنوية.

وهذا هو ما يقرره القرآن الكريم ويحكيه عن اليهود في صدر الدعوة الإسلامية، إذ كانوا يتخذون من إعلان الدخول في الإسلام، والانضمام ـ نفاقاً ـ إلى صفوفه، ثم المسارعة إلى الخروج منه، وسيلة للكيد والأضرار بالدعوة الإسلامية، ومحاولة لصد الناس عن الأيمان به، ولإخراج المسلمين منه ورجوعهم عنه.

(وقالت طائفة من أهل الكتاب أمنوا بالذي أنزل على الذين أمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون، ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، قل أن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم، قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم) (سورة آل عمران/ 72-73).

ويُروى في سبب النزول عن ابن عباس أن عبد الله بن الصيف وعدي بن زيد والحارث بن عوف، قال بعضهم لبعض: تعالوا نؤمن بما أنزل على محمد وأصحابه غدوة، ونكفر به عشية، حتى نلبس عليهم دينهم، لعلهم يصنعون كما نصنع، فيرجعون عن دينهم فأنزل الله تعالى: ( يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون، وقالت طائفة من أهل الكتاب..) (سورة آل عمران/71-72).

كما يُروى أن بعض أهل الكتاب قالوا: أعطوهم الرضا بدينهم أول النهار واكفروا آخره فأنه أجدر أن يصدقوكم ويعلموا أنكم قد رأيتم فيها ما تكرهون، وهو أجدر أن يرجعوا عن دينهم.

ثم يُروى أن أحبار قرى عربية ـ وكانوا اثني عشر ـ قال بعضهم لبعض: ادخلوا في دين محمد أول النهار، وقولوا: نشهد أن محمداً صادق، فإذا كان آخر النهار فاكفروا وقولوا إنا رجعنا إلى علمائنا وأحبارنا فسألناهم فحدثونا أن محمداً كاذب وأنكم لستم على شيء، وقد رجعنا إلى ديننا، فهو أعجب إلينا من دينكم، لعلهم يشكون فيقولون: هؤلاء كانوا معنا أول النهار فما بالهم؟! بل إنهم فعلوا ذلك ولم يقفوا عند القول فقط، فقد روى ابن جرير أن بعض اليهود صلوا مع النبي صلاة الصبح وكفروا آخر النهار، مكراً منهم ليروا الناس أن قد بدت لهم منا الضلالة بعد أن كانوا قد اتبعوا1.

يقول الإمام محمد عبده: هذا النوع الذي تحكيه الآية من صد اليهود عن الإسلام مبني على قاعدة طبيعية في البشر، وهي أن من علامة الحق ألا يرجع عنه من يعرفه، وقد فقه هذا هرقل صاحب الروم، فكان مما سأل عنه أبا سفيان من شئون النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عندما دعاه إلى الإسلام: هل يرجع عنه من دخل في دينه، فقال أبو سفيان: لا. وقد أرادت هذه الطائفة أن تغش الناس من هذه الناحية ليقولوا: لو لا أن ظهر لهؤلاء بطلان الإسلام لما رجعوا عنه، بعد أن دخلوا فيه، وأطلعوا على بواطنه وخوافيه إذ لا يعقل أن يترك الإنسان الحق بعد معرفته ويرغب عنه بعد الرغبة فيه بغير سبب فأن قيل: أن بعض الناس قد ارتدوا عن الإسلام بعد الدخول فيه رغبة لا حيلة ولا مكيدة كما كاد هؤلاء فماذا نقول في هؤلاء؟ والجواب عن هذا يرجع إلى قاعدة أخرى، وهي أن بعض الناس قد يدخل في الشيء رغبة فيه لاعتقاده أن فيه منفعة له، لا لاعتقاده أنه حق في نفسه، فإذا بدا له في ذلك ما لم يكن يحتسب وخاب ظنه في المنفعة فانه يترك ذلك الشيء.

ثم يقول: ويظهر لي أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما أمر بقتل المرتد إلا لتخويف أولئك الذين كانوا يدبرون المكايد لإرجاع الناس عن الإسلام بالتشكيك فيه، لأن مثل هذه المكايد إذا لم يكن لها أثر في نفوس الأقوياء من الصحابة الذين عرفوا الحق ووصلوا فيه إلى عين اليقين، فأنها قد تخدع الضعفاء كالذين كانوا يعرفون بالمؤلفة قلوبهم، وبهذا يتفق الحديث الآمر بذلك مع الآيات النافية للإكراه في الدين والمنكرة له.. وقد أفتيت بذلك كما ظهر لي..."2.

نعم لا يكاد يوجد مسلم حقيقي يرتد عن دينه بعد أن ذاق حلاوته وسمو مبادئه، سواء أكان إسلامه أصلياً أم طارئاً، واستقراء الحوادث قديماً وحديثاً يؤيد ذلك.

ولا تثور قضايا الردة ـ في العصر الحاضر ـ إلا بالنسبة لصورة أخرى من صور الخداع والتحايل، ففي بعض البلاد الإسلامية لوحظ أن بعض الناس يعلنون إسلامهم، لدنيا يصيبونها، أو امرأة يتزوجونها، أو يطلقونها، فيعلن أحدهم الإسلام حتى يطلق زوجته التي لا يسمح له دينه بطلاقها، أو رغبة في الزواج بامرأة لا يسمح لها دينها بالزواج منه مع البقاء على دينه، أو جريا وراء ميراث، حيث يعتبر اختلاف الدين مانعاً من موانعه بين المسلمين وغيرهم"3.

ويجري العمل قضاء على الاعتداء بهذا الإعلان، عملاً بالظاهر، والله وحده هو الذي يتولى السرائر، فقد روي أن أسامة ابن زيد قتل في ميدان الحرب رجلاً بعد أن قال: لا إله إلا الله، فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أقتلت رجلاً يقول: لا إله إلا الله، فقال أسامة: لقد قالها تحت حر السيف، فقال الرسول: هلا شققت عن قلبه؟

وهؤلاء يتخذون الأديان هزواً ولعباً إذ يستمرون على ولائهم لدينهم الأصلي، ثم يعلنون العودة إليه بمجرد تحقيق أغراضهم وشهواتهم، أو يأسهم من تحققها، آمنين من العقاب على هذا العبث والتحايل4.
ثانياً: أن قتل المرتد حينئذ، وهو عدو للدولة الإسلامية التي تستند إلى الرابطة الدينية الإسلامية بين أهلها، وتظل بلوائها أهل الأديان الأخرى الأصليين ـ لا يتعارض مع الحرية الدينية، كما أن المعاقبة على جريمة الخيانة الوطنية لا يتعارض مع الحرية المكفولة للمواطنين بمقتضى الدساتير، ففي الحرية التزام بالنظام العام الذي تقوم عليه الدولة وعدم الخروج عليه5.

والله اعلم

عبدالصمد حسن زيبار
05-11-2007, 12:29 PM
الاخوة الكرام
سبق و أن ناقشنا موضوع الردة في مرة سابقة
و هذا الرابط
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=24819

/
تحياتي

عطية العمري
06-11-2007, 08:17 AM
أخي الحبيب عبدالصمد حسن زيبار حفظه الله
أرى أننا قد ابتعدنا كثيرًا عن موضوعنا الأساسي
وصارت القضية جدلية أكثر منها حوارية مفيدة لأننا نناقش ثضية ليست واقعية
لأنه إن كان الرأي الأصوب عدم قتل المرتد فهو لن يُقتل
وإن كان الرأي الأصوب هو قتل المرتد فهو لن يقتل أيضًا لأنه لا توجد دولة إسلامية تقيم الحدود الإسلامية

لذا أرى أن نعدل مسار الحوار ليشمل ما يلي :
1- ما سمات العقل العربي في وقتنا الحاضر ؟ ما مزاياه ؟ وما عيوبه ؟
2- ما هي الخطوات ( العملية الإجرائية ) للنهوض به ؟

دمتم بألف خير

الصباح الخالدي
08-11-2007, 06:19 AM
الأخ الفاضل الصباح الخالدي حفظه الله
دعنا من الجابري وكتاباته
ولنجعل نقاشنا من بنات أفكارنا بعقل مفتوح وصدر متسع لكن دون مصادمة لما هو معلوم بالضرورة في ديننا الحنيف
دمت بألف خير

كلام غريب لمن يؤسس متنا لنناقش فيه ثم يجعلنا نطرحه بعيدا
أي موضوع نبدا به ان حذفنا الغلاف والمقدمة وورقة العمل
اذا هو دعوة لنتحدث وفق نقطة محددة تريدها انت
حددها وسادعك من الجابري وغيره
صدمة هذا الرد لم يريد تحرير العقل وهو يلجمه

الصباح الخالدي
08-11-2007, 06:32 AM
تحية معايدة للجميع وسلام الله عليكم ..


تحية خاصة لذات الحضور الدائم والمتميز .. د. نجلاء طمان


الأخ الأستاذ الفاضل .. عطية العمري :


سأسرد فيما يلي فهمي وملاحظاتي المبدئية الأساسية بخصوص الفكرة التي نتناولها بالنقاش هنا ، مع بعض التساؤلات ..


وأرجو أن يتسع صدر أخي عطية العمري لشيء من الجرأة في الطرح -أجدني مضطراً لها - لإيصال الفكرة ، مع التذكير بأننا لا نختلف على الثوابت ..


1-كيف للإسلام والإيمان أن يكون قلبياً حقيقياً فاعلاً .. إذا كان الإنسان المسلم يشعر أنه لا يملك إلا أن يكون مسلماً - شاء أم أبى .!
قد كان حقيقيا عند آدم وابراهيم وعيسى ومحمد وصحبه والتابعين ان انكرنا ان يكون حقيقيا فمعناه اننا انكرنا ان للايمان حقيقة لدى الجيل الأول وهذا ينقض الدين الاسلامي من اصله وينتزع جذوره




2- هل يدخل في الإسلام من يعلم أنه سيـُقتل إذا عاد عن رأيه .. لا أظن ذلك ..!

يدخل الكثيرين فيه رغم معرفتهم بحد الردة منذ عهد الرسول حتى الآن
ظنك في غير محله
فمن عرف كيف يسلم النصارى والبوذيين والهنادك والسيخ وغيرهم يعلم دخولهم وهم يعرفون أن جزاء الردة القتل وان عطل حكمه مؤخرا وصودر من كل بلاد الدنيا تقريبا
فمن يرتد عن الاسلام غالبا لايصيبه شيء ولكن من ارتد عن دين آخر واصبح مسلما سينكل به ويقتل فهو معمو له في كال العالم سوى المسلمين تقريبا




3- أليس الإسلام دين الحق ، وكتابه محفوظ من لدن عزيز حكيم ، فهل يجوز أن نخشى على الإسلام من خروج غير المسلمين منه ..!

حد الردة ليس خشية على الإسلام ولكنه حكم رباني مسلم به اذا توفرت شروطه وانتفت موانعه




4- هل نضمن ولاء - أو نتقي شر - من يكتم ردته خشية القتل ، وهل يعتبر مسلماً ، وهل يستفيد هو من إسلامه .! ومن المسئول عن دسائس هذا المرتد سراً ..؟

المنافقين كابن ابي سلول وغيرهم على مر التاريخ قد اسكتهم الخوف من السيف
اليوم اصبح المنافقين يجاهرون بردتهم فسكوتهم على خوف خيرا من ثرثرتهم بجرأة وبلا خوف





5- إذا كان الأمـر عددياً ، فهل نقص عدد المسيحيين بسبب خروج بعضهم من المسيحية ..!

القضية ليست عددية
فالاسلام تشريع كامل لا تشريع يعتمد على ما يفكر به الاتباع لاحقا






6- أنا أرى العكس .. فالمنطق يقول أنه على كل من لم يُعلن إسلامه أن يُعلنه -عن فهم وبينة ، فجُـل المسلمين اليوم قد أخذوا دينهم تقليداً وليس فهماً وقناعة ، ولذلك فهم يُصلّون ويصومون ويكذبون ويسرقون ويزنون -لأنهم بالأساس يُقلدون غيرهم في كل شيء .

تحدث ابن ابي العز نقلا عن ابن تيمية ضرورة الخروج عن اسلام الدار الى اسلام الاختيار
لكن لايجوز التقليد في العقائد لكونه من الضرورة تلقيها تبعا للكتاب والسنة وفق فهم الصحابة والتابعين
لكون التقليد لايجوز في العقائد بخلاف الفقهيات او سيكون على حد قولك غالب المسلمين خارجه اي كفار
نعوذ بالله من ذلك الحكم المهلك لهم جميعا




فعلى المسلم أن يعلم أنه مسئول أمام الله مباشرة عن إسلامه ، وأنه المحتاج والمستفيد من الإسلام وليس العكس .!
ومن يعلمه هذا ؟





أخي الفاضل ..


7- سواء في أمـر الردّة أو الربا أو غيرها من الأمور .. أنا لا أستطيع أن أفهم أن أموراً بهذا الحجم ، ليس فيها نصاً قرآنياً صريحاً ، وإنما يرد بصددها حديثٌ واحدٌ ، يُصححه ويرويه ويفسّره في زمنه - إنسان مسلمٌ عادي- ليس رسولاً ، وليس عربياً .. فنتمسك به نحن اليوم ونغلق الباب أمام العقل العربي ونمنعه من إعادة قراءة الأمـر .. في حين أن الله سبحانه وتعالى - لم يُفـرّط في الكتاب من شيء ، وأمرنا بتدبر القرآن ويسره لنا نحن العرب أكثر من غيرنا - للذكر .!
ثم نأتي لنحاكم العقل العربي على قصوره ..!


8- لا أرى بأساً من إعمال العقل وإعادة النظر وقراءة الأمور بلغة العصر إذا كنا نطالب العقل العربي بالحضور ..
فنحن لا نختلف على أمـر ثبت عن الرسول واجمعنا عليه - نصاً وقصداً ؛ ولكن لا بأس من أن نتحاور حول أمـر لم يرد فيه نص قرآني صريح ، وتحوم التساؤلات حول مدى صحته وكيفية فهمه ، ومدى الصواب في تعميمه .


9- إننا عندما نتحاور في شأن قصور العقل العربي المسلم .. أرى أن النقاش ينبغي أن يأخذ طابع التحليل المنطقي -الآني العصري الزمني -للأمور .
أما أن نـُلزم العقل العربي المسلم بأن يعيش مع رؤى وتفاسير ونظريات السابقين في أزمانهم ، ونحدد له المسارات وفقها ، ونحيطه بالقدريات والروحانيات والغيبيات والقدسيات والمنقولات-التي لا تقبل الفهم ولا يُسمح له بالخوض في قراءتها من زوايا حديثة ، ..
فليس من الحكمة عند ذلك أن نطالبه بمجاراة العقول الحرة في تفكيرها ورؤاها وتصوراتها .


تحياتي وعذراً للإطالة .. وللحديث بقية

نبذ الخبر السني واعمال منطق الفلاسفة ؟!
أو يعقل
عموما
العقل الصريح لايعارض النقل الصحيح
فلنفرض كلمة قالها ارسطو تقدس لدى المناطقة وهي بلا سند
بينما نرمي خبر الرسول وقول اصحابه وهم يفسرون قوله الى المزابل
اي عقل حر يصبح عبدا للمناطقة ويرفض ان يستوعب السنة وشراحها

مرحبا بك

عبدالصمد حسن زيبار
08-11-2007, 01:16 PM
سلاك الله عليكم

الكل يتكلم أنه لا يختلف في الثوابت
لكن هل نحن متفقين عليها ابتدائا ؟ حينما يكون هناك من يقول أن الربا مختلف فيه
أوليس في الربا نص صريح أستاذ أبوبكر بل نصوص قرآنية و حديثية
أم أننا في حاجة لاعادة تحديد الثوابت

/
تحياتي

د. نجلاء طمان
08-11-2007, 10:09 PM
هي فعلا قضية للنقاش هنا
وهي قضية نقد عقل عربي
فهل هو نقد إيجابي أم سلبي؟؟
بمعنى هل هناك تجني أم هي الحقيقة المؤلمة, أم هي حقيقة متوارية؟؟؟

أرجو أن يقنن الحوار في هذه الصفحة الرائعة, حتى لا يشوب النقاش أي بادرة غضب.

دمتم جميعا أحبة

شذى الوردة للجميع لحين العودة

د. نجلاء طمان

أبوبكر سليمان الزوي
12-11-2007, 01:47 PM
وكان كلامنا أصلاً منصبًا على مناقشة واقع العقل العربي المعاصر وكيفية النهوض به
وما كان موضوع حكم المرتد إلا مثالاً يمكن مناقشته في هذا المضمار


أما عن النقاط التي أثرتها في ردك فلي معها لقاء آخر إن شاء الله
وتأكد تمامًا أننا هنا لسنا في موقف سجال ، فقد كان علماؤنا السابقون يقولون : أنا على صواب يحتمل الخطأ ، وصاحبي على خطأ يحتمل الصواب . وكان كل منهم يتمنى أن يظهر الحق على لسان من يتحاور معه .
كما أن هناك فرقًا شاسعًا بين الحوار الهادف للوصول إلى الحق ، وبين الجدل والنقاش العقيم .


أرجو أن تتسع صدورنا جميعًا للحق


ودمت بألف خير
أخوكم المحب
عطية العمري



السلام عليكم جميعاً


الأخ الفاضل .. عطية العمري


نعم أخي العزيز ، كان حكم المرتد مثالاً لا أكثر ، وكان أساس نقاشنا هو واقع العقل العربي المعاصر ، وتأكد- أخي الكريم- تماماً .. أننا إن شاء الله أكبر بكثير من مجرد مجادلين لغرض الجدال ، وأنه لا وقت ولا نية لدينا في جدال عقيم يُضيع الوقت والجهد ولا يصل بنا إلى نتيجة .


وأُحب هنا أن أؤكد على ما قلته أنت من حيث أن المؤمن الحق - يخشى أن تكون حُجّته قوية وخاطئة – فيُقنع بها الآخرين ويبوء بذنوبهم ، ولذلك فالعاقل هو من أدى رسالته وقال ما يراه صواباً ولم يُنقص الآخرين قدرهم ، بل أنه يتمنى أن يكون من يُحاوره هو الأقوى حُجّـة والأقرب إلى الصواب .!


ولذلك فأنا أبحث عمن يطرحون أموراً وقضايا فكرية عميقة المدلول وبالغة التأثير في واقعنا ، وذلك لثقتي أن من يجرؤ على مناقشة مثل هذه الأمور لا بد وأنه يتمتع بعقل ناضج وفكر متجدد ، واطلاع واسع ومعرفة كافية برسالته في الحياة ، وأنه يبحث عن الحقيقة لا عن المغالطة .!


سنستمر بإذن الله ، إن في هذا الموضوع أو في سواه ونرجو من الله الهدى .


أُحب أن أُذكر بالآيات الكريمة الآتية في موضوع الإيمان وعدم الإيمان ..


قال تعالى في سورة الأنعام :


(قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ ) \( 104 ) .


وقال جلّ من قائل :
(ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل ) \ ( 107 ) .


وقال جلّ في عُـلاه :
(ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون ( 110 ) ، ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون ( 111 ) ، وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ( 112 ) . صدق الله العظيم .


......

أشكرك أخي العزيز \ عطية العمري ، لي عودة إن شاء الله إلى موضوعنا الأساسي من زوايا أخرى ، بعد أن أقوم بالرد على الأخوة الأفاضل الذين أشكرهم جزيلاً على ما تكـرّموا به من متابعة وتساؤلات وانتقادات دقيقة وتفصيلية فيما يخص المشاركات السابقة .

بالغ تحياتي ..

أبوبكر سليمان الزوي
12-11-2007, 11:10 PM
الأخ الفاضل الصباح الخالدي .. السلام عليك ، ومرحباً بك أخاً عربياً مسلماً مؤمناً - مُحاوراً ، مدافعاً عن دين الله وسنة رسوله ..


يقول الحق تبارك وتعالى : ﴿ إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا ﴾ النساء 137 .


وقال في سورة آل عمران ﴿ كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين(86) . أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين (87) . خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون (88) . إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم (89) . إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون (90) ﴾.


فأين الحكم بقتل المرتد وفق هذه الآيات القرآنية الصريحة التي لا تحتمل التأويل ، والتي تدل على استمرار حياة المرتد بعد ردّته ، وتدل على احتمال توبته ومغفرة الله له ؟


أخي الكريم ، أرجو أن ننطلق من مدلول العنوان الأساسي للموضوع- في نقاشنا وردودنا - من أجل أن ننأى بأنفسنا عن متاهات الظنون والاتهامات والتشكيك في نوايا بعضنا البعض ..


حيث أنه اتضح لي شيئاً من سوء الفهم أو الالتباس لديك في تعاطيك مع بعض النقاط التي تناولتها في مشاركتك الأخيرة ..
1- عندما أقول : كيف للإسلام والإيمان أن يكون قلبياً حقيقياً فاعلاً .. إذا كان الإنسان المسلم يشعر أنه لا يملك إلا أن يكون مسلماً - شاء أم أبى !


لو رجعتَ إلى بداية الحوار لوجدت أننا نتحدث عن ذلك المسلم الشكلي - المؤمن المُرائي ، الذي يُظهر الإسلام والإيمان خشية القتل- بحـدِّ الردّة ، بينما هو في الحقيقة ليس مسلماً وليس مؤمناً برغبته وبقلبه .. ، وذلك المسلم الذي يشعر أن الفضل في إسلامه وإيمانه يرجع لأولئك الذين يفرضون عليه الإسلام والإيمان - وليبس له فضلاً ولا وزناً حقيقياً في ذلك . وهو ربما أسلم وآمن وكان فاعلاً لو كان حراً في أن يُسلم أو يكفر .!
ولا شك أن الضرر الذي يأتي من المنافقين الذين نـُجبرهم - بحد السيف - على إظهار الإسلام والإيمان – هو أخطر وأشد – على الإسلام من ضرر الكفار الذين نعلم كفرهم فنتقي شرهم .!
إنك تستطيع بالتهديد بالقتل أن تسلب الإنسان إنسانيته وحياءه وفكره- وتجعل منه كائناً بشرياً كاذباً منافقاً لا يحترم نفسه ولا يعتد بالمبادئ والقيم - إلا رياءً ونفاقاً – ويُحمّلك المسئولية عن ذلك .! ، ولكنك لا تستطيع بالقوة أن تجعل من المرتد مسلماً مؤمناً حقيقاً وتضمن ولاءه .


يقول الله تعالى (و قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها و إن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب و ساءت مرتفقا ) الكهف 29 .
أي أن حسابهم وعقابهم -على الله - وهو مؤجل ليوم القيامة ، وليس على أيدي الإنسان في الدنيا .!

2 - هل يدخل الإسلام من علم أنه سيُقتل إذا عاد عن رأيه .!
أخي العزيز .. أتمنى أن نكون واقعيين ، وأن نبتعد عن عموميات القول .. فليس صحيحاً أن من يدخل الإسلام من الأديان الأخرى- يُنكّل به ويُقتل . فنحن نعلم ، وقد قابلنا الكثيرين ممن دخلوا الإسلام –من الأوربيين وغيرهم - وظلت علاقاتهم مع أُسَرِهم وعائلاتهم ومجتمعاتهم –الغير مسلمة – ظلت تلك العلاقات مستمرة ، يحترمون بعضهم بعضاً ، ويقفون عند حدود حرية اختيار المعتقد الديني لكل إنسان ، حيث أن ذلك تكفله كل الدساتير تقريباً ، ولا يدور الجدال حول حرية المعتقد الديني إلا لدى المسلمين .. هذه حقيقة لا ينبغي لنا تجاهلها .!


ونحن هنا بصدد نقاش فكري للأمر من ناحية مبدئية ، ومن ناحية أثره على العقل العربي المسلم ، حيث أن قتل المرتد هو أمر يعتقده بعض المسلمين ، ونحن نناقش حقيقة ثبوته كأمر من أوامر الإسلام ، ولا نناقش مدى تطبيقه من عدمه – على أرض الواقع .!


3- - هل نضمن ولاء - أو نتقي شر - من يكتم ردته خشية القتل ، وهل يُعتبر مسلماً ، وهل يستفيد هو من إسلامه .! ومن المسئول عن دسائس هذا المرتد سِرّاً.؟
في ردّكَ على هذه النقطة ، وجدتُ أنك قد تطـرّقتَ إلى قصة عبد الله بن أُبيّ بن سلول .. وهي واقعة مهمة في هذا الصدد ، حيث أن ذلك المنافق قد قام بما هو أكبر وأكثر من مجرد الردّة – فقد لُقـِّبَ برأس النفاق ، وكان له من المواقف المعادية والمكائد وتأليب وتحريض الناس على الرسول والإسلام –الكثير ، ولعل أهمها انسحابه من معركة أُحد – مع 300 من أنصاره ، وكان بمقدور الرسول الكريم - قتله ، وقد أشار بعض الصحابة (منهم .. ابنه ، وعمر بن الخطاب) على الرسول بضرورة قتل ابن سلول ، ولكن الرسول الكريم كان له رأياً آخـر ، حيث قال لا أُحب أن يُقال أن محمداً يقتل أصحابه ، ورأى أن في قتله فتنة ليست في صالح الإسلام والمسلمين – رغم ما كان يقوم به ضدهم . ولم يقتل الرسولُ الكريمُ - ابنَ سلولٍ ، ولم يقتل مرتداً غيره ..، وأكثر من ذلك فقد ورد أن الرسول قد صلى على ابن سلول وأطال في الصلاة عليه ، وأعطى قميصه ليكفّن فيه .. ! أليس هذا محل تساؤل كبير فيما يخص حكم الشرع في التعامل مع المرتد ..؟ .




نبذ الخبر السني واعمال منطق الفلاسفة ؟!
أو يعقل
عموما
العقل الصريح لايعارض النقل الصحيح
فلنفرض كلمة قالها ارسطو تقدس لدى المناطقة وهي بلا سند
بينما نرمي خبر الرسول وقول اصحابه وهم يفسرون قوله الى المزابل
اي عقل حر يصبح عبدا للمناطقة ويرفض ان يستوعب السنة وشراحها

مرحبا بك



أخي الفاضل .. لا يوجد مسلم عاقل يقول بهذا .! وكم نحن بحاجة إلى استعمال العقل والمنطق واحترام الرأي الآخر كي نصل إلى بر السلام ، ونخرج من ساحات الانقسام وتبادل الاتهامات .!


أخي الكريم .. لعلك تعلم أين ولماذا .! قال الرسول الكريم ( من بدل دينه فاقتلوه ) . لقد قالها في ساحة معركة ، ولم يقلها في ظروف طبيعية ، ولم يُطبقها في حياته على أحد .!


أخي العزيز .. أرجو أن تتذكر أن مصادر التشريع الدينية لا يمكن أن تـُخترق أو تـُزيّف .! ولما كان القرآن الكريم والسنة النبوية هما مصدر التشريع لنا كمسلمين .. فإنه ينبغي أن نعي ونـُدرك جيداً أن السنة المقصودة - والتي لا يمكن اختراقها ولم يحصل اختلاف حولها - هي ما فعله الرسول عملياً .! فمثلاً جاء القرآن الكريم بفريضة الصلاة ، ثم طبقها الرسول -فحدد كيفيتها وأوقاتها وعدد ركعاتها وتشهداتها .. ولذلك اتفق المسلمون حولها بمختلف طوائفهم ومذاهبهم .. ، وكذلك الحال مع بقية العبادات ، فقد فرضها القرآن وأوضحتها السنة عملياً .



أما الأحاديث النبوية الشريفة فقد كانت لعلاج مواقف وإشكالات في حينها .! ولو قلنا أن الأحاديث هي من صلب وأساس السنة ومصادر التشريعات – في حين أننا نقول ونعترف بوجود أحاديث موضوعة وضعيفة ومزورة ، فإن ذلك والعياذ بالله – بمثابة اعتراف بأن مصادر تشريعاتنا مُخترقة .. وهذا لا يجوز .!

أخي الكريم : كيف تفهم ورود نصوص صريحة في القرآن بعقوبة الزنا وقذف المحصنات ، وتحريم أكل الميتة .. الخ ، بينما لم يرد نصاً واحداً بقتل المرتد ، وإنما على العكس من ذلك ترد النصوص لتقول بأن من أحسن فلنفسه ومن أساء فعليها ، ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر .!



أهلاً بك أخي الفاضل ..

أبوبكر سليمان الزوي
13-11-2007, 09:02 PM
الكل يتكلم أنه لا يختلف في الثوابت


لكن هل نحن متفقين عليها ابتدائا ؟ حينما يكون هناك من يقول أن الربا مختلف فيه
أوليس في الربا نص صريح أستاذ أبوبكر بل نصوص قرآنية و حديثية
أم أننا في حاجة لاعادة تحديد الثوابت/تحياتي




السلام عليكم جميعاً .. مرحباً أخي العزيز الفاضل -الأستاذ عبد الصمد زيبار ..








أحيي فيك أهتمامك وصراحتك ووضوح تساؤلاتك ودقة انتقاداتك ..




أخي الفاضل .. حقاً أنا أقصد ما أقول - لا خلاف على الثوابت الدينية لدينا كمسلمين .!




والربا مُحـرّم بنص القرآن الكريم ، والقرآن هو المصدر الأساسي للتشريع .! لا جدال في هذا .!




ولكن النقاش يدور حول تعريف الربا .!




الربا .. بكل المقاييس والتعريفات ، وبإجماع علماء الدين واللغة والمثقفين والمفكرين .. هو قيمة الزيادة على رأس المال ، والتي يدفعها المُقترض ( المحتاج )- مُجبراً .. ، يدفعها إلى المُقرض (صاحب رأس المال ) الذي يشترطها .!




فهل كان المحتاج (المُقترِض) سيدفع هذه الزيادة على قيمة القرض - حتى لو لم تكن محـرّمة - لو أنه وجد من يُقرضه المال دون ربا .!




فمن المقصود بالتحريم -إذن ، والموعود بالعذاب وبحرب من الله ورسوله .! هل هو صاحب المال الذي يشترط الربا ، أم هو المحتاج -الفقير الذي ما كان ليدفع تلك الزيادة لو لم تـُفرض عليه .! بل أنه ما كان ليقترض أصلاً لو لم يكن محتاجاً .!




وما أقوله أنا : هو أن كل آيات الربا في القرآن الكريم - كلها دون استثناء - إنما تـُخاطب صاحب المال - آكل الربا ، والذي يشترط الربا عند إقراض المال للمحتاجين ، والذي يستفيد من الربا .!




ولا توجد آية واحدة في القرآن الكريم - تـُخاطب المحتاج - الذي يضطر لاقتراض المال - ويُجبر على دفع الربا .!




فهل .. يا أخي الكريم .. تساوي بين الجلاد والضحية .!




وعندما حـرّم الله سبحانه وتعالى - قتل النفس وحـرّم الزنا .! فهل حـرّم ذلك على القاتل والمقتول ، وعلى الزاني والمزني به .! وتوعدهم جميعاً بالعذاب ، وأمـر بمعاقبتهم في الدنيا كما لو كانوا مذنبين كلهم .!




أم أن خطاب القرآن بالتحريم والتوعد والتهديد كان دائماً مُوجهاً للفاعل -القوي الذي يمكنه أن يمتنع عن ذلك ، وليس إلى المفعول به -الضعيف الذي لا يملك من الأمر شيئاً .!




وهنا أُحب أن أُشير مُجـدّداً إلى مسألة الاستناد إلى السنة النبوية الشريفة (وهو أمـر قد سبقني إليه آخرون) ، حيث أني أرى أنه توجد مغالطة كبيرة في هذا الشأن ينبغي التنبّه لها ..




فنحن المسلمين نقول أن مصادر التشريع لدينا هما : الكتاب والسنة .! ولا خلاف على هذا .! ولكن الخلاف يكمن في فهم السنة .!




فمصادر التشريع الدينية لا يمكن ولا يجوز أن يتم تـزويرها أو اختراقها أو تـحـريفها .!




فالقرآن الكريم حفظه الله سبحانه وتعالى من التحريف .




والسنة المحفوظة من التزوير والتحريف ، والتي يتفق عليها كل المسلمين بمختلف طوائفهم ومذاهبهم .. هي السنة العملية - هي كل ما فعله الرسول الكريم عملياً ، وأخذه عنه المسلمون إلى يومنا هذا .! مثل كيفية الصلاة والوضوء والصيام والحج .. الخ .




أما الأحاديث النبوية الشريفة ، فقد كانت توجيهات وتوضيحات من الرسول إلى أصحابه وسائليه في حينها ، وترتبط بمناسباتها وظروفها .!




ونحن نعلم وجود أحاديث موضوعة - مزورة ، وأحاديث ضعيفة .. الخ .




فهل يصح أن يكون أحد مصادر التشريع لدينا مُخترقاً ، ودخله التحريف .! خاصة عندما نجد أن أمـراً بالغ الأهمية - ولا يوجد فيه سوى حديث واحد - مثل الربا ، وقتل المرتد .. وغيرها .. ولا نجد في القرآن آية واحدة تؤيد ذلك الحديث .!



ألا يدعونا ذلك إلى التساؤل ، وإعادة النظر في ذلك الأمـر .!




سؤال : الضرورات تـُبيح المحظورات .! أليست هذه قاعدة شرعية بإجماع علماء الأمة ، ولها سندها الشرعي في الكتاب والسنة .؟




فما موقفنا ممن أضطر لأخذ القرض الربوي .. في ضوء هذه القاعدة .؟





أهـلاً بك أخي الكريم .. تحياتي

أبوبكر سليمان الزوي
13-11-2007, 11:27 PM
هي فعلا قضية للنقاش هنا
وهي قضية نقد عقل عربي
فهل هو نقد إيجابي أم سلبي؟؟
بمعنى هل هناك تجني أم هي الحقيقة المؤلمة, أم هي حقيقة متوارية؟؟؟
أرجو أن يقنن الحوار في هذه الصفحة الرائعة, حتى لا يشوب النقاش أي بادرة غضب.
دمتم جميعا أحبة
شذى الوردة للجميع لحين العودة
د. نجلاء طمان


كنت دائماً أتوقع وأنتظر مثل هذه المداخلات والتنبيهات التي لا غنى لنا عنها ..
أرجو أن تتسع صدورنا جميعاً لاختلاف الأفكار والرؤى ، وأرجو أن نكون في مستوى الحوار الفكري الهادف - الذي يليق بمستوى منظمتنا الثقافية السامقة .

أشكر للأخت الأستاذة الفاضلة .. د. نجلاء طمان ، هذا الاهتمام والمتابعة والتذكير ، وطرح التساؤلات التي تقودنا لتـُعيدنا إلى صلب الموضوع وجدوى الحوار .!

أهلاً بجميع الأخوة الأعزاء ، وأهلاً بكل سؤال جاد ورؤية جديدة وطرح مُفيد ..
تحياتي

محمد المختار زادني
07-12-2007, 06:20 PM
إخوتي الكرام

أرى أن النقاش في هذا الموضوع المهم جدا قد بدأ يتحول إلى وجهة أخرى

فدراسة المشكلة الرئيسية تناولت العقل العربي ونقد العقل العربي

ثم مال النقاش نحو أمور فقهية تتوغل شيئا فشيئا في الأصول...

ونحن نريد أن نثبت ركنا على الأقل من الموضوع لفهم ما به من إشكال

بوركت جهودكم جميعا

أبوبكر سليمان الزوي
08-12-2007, 12:03 PM
الأخ الفاضل الصباح الخالدي .. السلام عليك ، ومرحباً بك أخاً عربياً مسلماً مؤمناً - مُحاوراً ، مدافعاً عن دين الله وسنة رسوله ..

وجدتُ أنك قد تطـرّقتَ إلى قصة عبد الله بن أُبيّ بن سلول .. . ، ولعل أهمها انسحابه من معركة أُحد – مع 300 من أنصاره ،
أهلاً بك أخي الفاضل ..
أود تصحيح هذه المعلومة التي أوردتها أنا في مشاركة سابقة ، وهو أن ابن سلول قد رجع بثلث الجيش أثناء مسير المسلمين إلى معركة أُحد ، وليس (300 جندي ) .!


أهلاً بكم مُجدداً في عودة إلى صلب الموضوع .!

الأخ الأستاذ \ محمد زادني ،
نعم ، لقد كان تقييمك لمجريات النقاش موضوعياً ؛ فقد انحرف بنا النقاش قليلاً عن صلب الموضوع ، ولم نعد نتطرق في نقاشاتنا الأخيرة إلى نقد العقل العربي .
وبغض النظر عن الموضوعات الجانبية التي استحوذت على النقاش هنا ، والتي تم التطرق لها كأمثلة بالأساس ، فإني أجـد العقل العربي المسلم يسأل منتقديه :
ما هي المقاييس والمعايير التي يتم وفقها تقييم ونقد العقل العربي المسلم -اليوم .؟
فإذا كان النقد مُوجهاً لقدرات العقل العربي في عجزه عن إنتاج الأفكار والتفاعل مع المستجدات ومواكبة العصر .! وإذا كان مصدر النقد هو مقارنة الواقع العربي بالواقع الغربي -مثلاً ، وعدم قدرة العقل العربي على النهوض بالمجتمعات العربية الإسلامية .!
إذا كان الأمر كذلك ، فهذه حُجّة للعقل العربي وليست عليه .!
حيث أننا نرى العقل العربي المسلم - الذي يعيش في البيئة الغربية بقوانينها وتسهيلاتها وتشجيعاتها - قد انطلق فكرياً وعلمياً بنفس معدلات العقل الغربي .!
ومن هنا يتضح أننا نجانب المنطق قليلاً ونظلم العقل العربي كثيراً عندما نطالبه بمواكبة العصر ، في حين أننا نُلزمه بقوانين وبيئة ثقافية من خارج العصر .!

أرى أن الأمر يحتاج إلى مراجعة بعض الثوابت الفكرية والثقافية التي تحكم مجتمعاتنا العربية الإسلامية .!
حيث أني أعتقد أن ثمة مبالغة تراكمية قد طرأت على قائمة الثوابت لدينا - كماً وكيفاً .! وذلك بسبب الصراع على قيادة المجتمع - بين قيادات الفكر السياسي التي تسعى لإقامة دولة بالمفهوم الحديث - من ناحية ، وبين قيادات الفكر الديني التي تخشى ضياع الهوية الإسلامية - من ناحية أخرى .



وقد نتج عن ذلك تداخل الصلاحيات بين التيارين ، وخشية كل منهما من تهميش الآخر له ، مما أدى بكل طرف إلى ابتكار فلسفات تحمي كيانه ، وكانت النتيجة كارثية على العقل العربي ، فقد أصبح يُمثّل كبش الفداء لتناقضات فكرية وثقافية - يفرضها الجانب السياسي بحكم الواقع والقانون ، ويفرضها الجانب الديني بالتحريم والتحليل .!
وكان الخطاب دائماً وأبداً مُوجّهاً إلى العقل العربي المسلم - ممثلاً في باقي شرائح المجتمع ، وفي خِضَمِّ هذه التناقضات اضطر العقل العربي المسلم (وفق الفطرة البشرية) إلى اتباع سياسة تكفل له الحد الأدنى من الوجود ، وهي سياسة اللامبالاة والتملّق والانتهازية في علاقته مع الجانب السياسي ، واتبع سياسة نفاق المضطر في علاقته مع الجانب الديني .!
ولذلك فإني أرى أن العقل العر بي المسلم في حاجةٍ ماسةٍ إلى منقذٍ لا إلى منتقدٍ .!
فهو أمام معادلة لا حل لها سوى المراوغة وانتظار المعجزة ، وهذا حال الواقع العربي .!
فالخطاب السياسي المسيطر يتحدث باسم المصلحة الدنيوية الحياتية المعيشية ، ويتحكم بها تماماً ، وهي التي لا غنى للإنسان عنها .!
والجانب الديني يتحدث باسم الله - تحريماً وتحليلاً .!


والمعادلة التي تحكم علاقة الطرفين وتكفل اتفاقهما وتوجِد البيئة وتفتح الطريق أمام العقل العربي المسلم لكي يعمل بصورة طبيعية ، تلك المعادلة مفقودة حتى الساعة .!


أهلاً بكم دائماً ..

ريمة الخاني
11-12-2007, 10:48 AM
أشكرك أخي الحبيب على هذه الملاحظات القيمة
ولكن هذا الموضوع أثار لدي تساؤلات أرى أن يتركز نقاشنا حولها :
1- ما أهم ملامح العقلية العربية في الوقت الراهن ؟
2- ما ميزاتها ؟ وما عيوبها ؟
3- كيف يمكن دعم هذه الميزات وتلافي تلك العيوب ؟
4- كيف يمكن النهوض بالعقلية العربية والارتقاء بها في وقتنا الحاضر ؟
5- أية تساؤلات أخرى ترون من المناسب مناقشتها .
ودمتم جميعًا بألف خير
اسمحوا لي بحجز مقعدي بينكم كمواطنه عربيه بسيطه لا ككاتبه:
رغم ان طرح الموضوع كان يلزمه اختصار سيما وان كثيرا من المثقفين قد اطلعوا على فكر الاستاذ الجابري
1- ما أهم ملامح العقلية العربية في الوقت الراهن ؟
مازالت تتغنى بالماضي الذي لم نتعظ منه -عقليه مازالت تملك الانبهار الضمني بالغرب -نقمه على ظروف لم تحسن التاقلم والخروج بنتيجه مرضيه عبرها-لاتحسن تطبيق ابسط تعاليم الاسلام التطبيقيه.
2- ما ميزاتها ؟ وما عيوبها ؟
تحتاج الى :
ان تتصرف بدرايه تخطيط حلم وبعد نظر-صبر على الملمات وموضوعيه في التفكير
ميزاتها:
محبه -معطاءة- كنوزها فيها مهما كان نوعها يجب ان تحسن الحفاظ عليها
3- كيف يمكن دعم هذه الميزات وتلافي تلك العيوب ؟
لم يعد الكلام والخطب تنفع نحتاج لخطه انقلابيه في
طريقة التفكير ولاضير لو خاولنا الاطلاع والتنفيذ بجديه على جديد العقل الغربي.
4- كيف يمكن النهوض بالعقلية العربية والارتقاء بها في وقتنا الحاضر ؟
هذا مايحتاج لدراسه فعلا ضمن قيود معاشيه وماديه وعالميه راهنه تتخذها جديا النخبه وتجد بقوة من يضعها قيد التنفيذ-ويبقى كلاما نظريا لو بقي طي السطور
5- أية تساؤلات أخرى ترون من المناسب مناقشتها .
نعم :
كيف نجعل هذه الحروف والعقول هنا مفعله ميدانيا لنتخذ ماطرح فعالا لمجتمع افسدته الآله
تقديري لكم جميعا

محمد المختار زادني
11-12-2007, 07:12 PM
إخوتي الكرام

إذا اعتبرنا العقل العربي مجموعة تراكمات للنشاط الذي تمارسه العقول العربية، فإن الحجر المزدوج المفروض على تلك العقول يبدو مجسّدا في أيدي أعوان السلطة وعيونها من جهة وألسنة منتحلي شخصيات أهل الفتوى. هنا تظهر صعوبة حل المعادلة للخروج بتفكير حرّ ونشاط ثقافي ذي تأثير في المجتمع الإسلامي من حيث السلوك القويم كما رسمه الشرع وبرقابة ذاتية متوازنة ملائمة لسمات الشخصية المسلمة: شخصية تحترم التشريعات وتقدر المسؤولية الاجتماعية وتعرف حدود حريتها وتعرف واجباتها تجاه الوطن والمقدسات الدينية بما فيها الأمر بطاعة أولي الأمر، وتتمتع بحرية فكرية تمكنها من فهم النصوص على ضوء المستجدات في محيطها بعيدا عن التعصب والعنف.
يد الرقابة وعيونها ضرورية لكل مجتمع ولكل نظام حتى لا يسقط في العشوائية والفوضى، وهي تتمثل في جهاز من مهامه الحرص على الخطوط الحمراء لئلا يتم تجاوزها بأي حال أثناء ممارسة النشاطات الحياتية لأفراد مجتمع ما. فهناك الرقابة على المرور والرقابة على أسعار السلع والرقابة الإدارية في عمومها والرقابة على جودة الإنتاج في المصانع وكذلك الرقابة على وسائل الإعلام... ورغم ما ينادى به من شعار رفع الرقابة على الإبداع الأدبي والفني فإن المشكلة القائمة ليست في الرقابة بمفهومها البناء؛ أي الرقابة القائمة لتصحيح المسار نحو الهدف الاجتماعي أو الفكري المنشود؛ بل في ما يرتكب من أخطاء فادحة من طرف تلك العيون والأيدي أثناء ممارستها لمهمتها. وهو ما يتجلى في التجاوزات والشطط في طرق التنفيذ لتعليمات من يرسمون الخطوط الحمراء كالمُشرِّعين والفقهاء... بل قد يكون الخلل فوقيا كأن يصدر نص ذو دلالات متعددة بخصوص نازلة محددة فيخلق قاعدة مطاطية ثم تستغل من ذوي الفهم المحدود بشكل سيئ فتؤدي إلى كارثة تعزى نتائجها إلى أخطار المهنة! ويكون الجهاز برمته كمن يضع حدودا ذات أوضاع واتجاهات متغيِّزة في تفسيرها وما أطلق عليها من مصطلحات بما قد يوافق أو يعارض إرادة متخذي القرار وأولي الأمر، فيقيم حجرا على النشاط الطبيعي ويعوق تطور ذلك النشاط ويحدّ من فاعليته خشية التعرض لخطر الممارسة أو المهنة. أما في مجال الفكر فإن هذه المشكلة تكون أكبر وأعقد .(...يتبع)

محمد المختار زادني
16-12-2007, 10:19 PM
(لنتابع)
أما في مجال الفكر فإن هذه المشكلة تكون أكبر وأعقد، إذ تضيق مساحة التعبير في حيز المتعارف عليه مما يراد له أن يروج على الرقعة التي يسري عليها نفوذ من يقيم الحجر، حتى لا يصل إلى الجمهور من إبداع أو فكر إلا ما تباركه وترضى عليه عيون الرقابة.
مشكلة الفكر، ليست بالضرورة في الجهاز الحاكم، إذ أن كل الحكومات تدعي السعي إلى تحسين ظروف حياة المواطنين وقد تنتهج سياسة تقرّ فيها حيزا أوسع من حرية التعبير وتحدّد بنصوص واضحة التجاوزات المحظورة؛ لكن أعوان الجهاز الحاكم، وأدوات التنفيذ يظلون دون مستوى الفهم لما تم تحديده - سواء بقصد أم بدونه- فيتصرفون حسب أهوائهم راكبين ما استمدّوه من سلطة من الجهاز الرّقابي. وهنا يكمن الخطر على الفكر.
أما الحِجْر الثاني فيقيمه من ينصّبون أنفسهم بمقام أهل الإفتاء؛ الحافظون لشؤون دين الأمّة – دون سند علمي أو أكاديمي – فهم الذين يجدّدون التفسير وهم الذين يقرّرون صحّة نصوص الحديث، يحرّمون ويحلّلون كما يشاءُون، متناسين الهمّ الأكبر للأمّة مثلما فعل الشيخ القرطبي رحمه الله عندما كان يكتب تفسير القرآن الكريم إذ كتب نصف مجلد حول موضوع الحيض بينما خصص بضع صفحات للجهاد و الذود عن كيان الأندلس المسلمة آنذاك. وإن طرق أحد المفكّرين هذا الباب بالدّراسة والتحليل في عصرنا، سيتصدى له أولئك المنتحلون لشخصيات العلماء بالتّكفير على أقلّ تقدير...
وهناك غير هذين العائقين معضلة عظمى يشكّلها الإعلام بما يروج بين العامة في كلّ مكان من وعي مغلوط وتكريس للخرافة وما تحدثه من نفور من العمليات العقلية التي تعتبر ضربا من الغمّ والهموم، والتسليم بأنّ الفكر العربي عقيم في العصر الحالي ولا يمكن أن يرقى إلى مستوى ما كان عليه من تألّق في سابق العصور، حتى غدا هذا التسليم عقيدة راسخة لا تقبل النّقاش ! ومن هنا تبرز مسؤولية رواد الفكر وصناع الحرف أخطر وأضخم من مسؤولية أولي الأمر أنفسهم. ذلك لأنّ الدّعوة إلى دراسة الموروث وتجاوزه لبناء فكر لدى أفراد المجتمع قابل لمواكبة الرّكب الحضاري، ستُقابَل برفض غير مُعلن خلف ما يعبَّرُ عنه برفع شعارات لا تعدو كونها حيلة دفاعية أقرب من الرّياء يستفيد منه من يستغلّون ظهور المبادرات الحسنة ويتسابقون لجني المكاسب قبل زرع البذور ! فبمجرّد ظهور المبادرة، يجنّدون أتباعهم لترصّد ما قد يطلب تحضيره من وسائل لتنفيذ الخطط، فيسيطرون على المصادر ويحدّدون الوسطاء ويبسطون أيديهم للإحاطة بكل ما قد يفيد وعلى كل المستويات: بإبعاد وتهميش الفكر الفعال وإبراز السفاسف بدلا منه ويقيمون لذلك حملات إعلامية ومسابقات يكون الفوز فيها للدلو الفارغ . وتكتمل دورة ينتج عنها تدني الذّوق الفني والمستوى الفكري وتغيّب وسائل وآليات تفعيل الفنّ والأدب، ويفسح فيها المجال للفنّ المشوّه الدّخيل بدعوى غياب البديل.

عطية العمري
12-04-2009, 12:57 PM
بارك الله فيكم جميعًا
ودمتم بألف خير