المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مؤتمر السلام .. والقضايا الجوهرية : لطفي زغلول



لطفي زغلول
08-09-2007, 08:40 AM
مؤتمر السلام .. والقضايا الجوهرية

لطفي زغلول

نابلس / فلسطين

مع اقتراب موعد مؤتمر السلام الدولي الإقليمي الذي دعا إليه الرئيس الأميركي جورج بوش الإبن ، والمفترض انعقاده في الخريف القادم ، وتحديدا في شهر تشرين الثاني / نوفمبر من العام الحالي ، حذر مسؤولون فلسطينيون من إمكانية فشل هذا المؤتمر الذي وصف بأنه لقاء ، إذا لم يتم الإعداد له إعدادا جيدا ، يضمن نسبة معقولة من النجاح .

والإعداد الجيد لهذا المؤتمر ، قد عبر عنه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ، الذي دعا إسرائيل مؤخرا إلى مناقشة القضايا الجوهرية مع الفلسطينيين ، والمتمثلة بالوضع النهائي كالحدود ومستقبل القدس المحتلة واللاجئين ، وذلك لإنجاح هذا المؤتمر الدولي الإقليمي ، بغية الوصول إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة على الأراضي الفلسطينية في الضفة والقطاع .

والقضايا الجوهرية التي تحدث عنها العاهل الأردني هي نفسها منظومة الثوابت التي تخص القضية الفلسطينية ، والتي تمسك الفلسطينيون بها ، وأصروا عليها كحد أدنى يمكن التفاوض عليها في سياق أية عملية سلمية يمكن أن يقبلوا بها ، تكون محصلتها إنهاء الإحتلال الإسرائيلي ، وتطهير الأراضي الفلسطينية من الإستيطان بكافة أشكاله ، ومن الإفرازات السالبة التي نجمت عن إقامة جدار الفصل العنصري . ويظل تحرير الأسرى الفلسطينيين واحدا من أهم الثوابت الفلسطينية .

وفي المقابل ، فإن الجنرال إيهود باراك وزير الدفاع الإسرائيلي له رأي آخر . فقد صرح مؤخرا تعقيبا على مؤتمر السلام المرتقب ، إن إسرائيل لن تنسحب من الضفة قبل خمس سنوات ، وأضاف إن مساعي السلام مع الفلسطينيين مجرد تخيلات . وهذا دون أدنى شك يعكس ما يعتمل في نفوس الساسة الإسرائيليين الذين لا يفكرون بالسلام الحقيقي ، ويظل حديثهم عنه في دائرة التسويف والمماطلة والإشتراطات التعجيزية . والأهم من ذلك عدم تراجعهم عن لاءاتهم المعروفة التي دأبوا على إشهارها في وجه القضية الفلسطينية .

وإذا كان الحديث عن تصريحات باراك ينضوي تحت عنوان المساجلات اللفظية ، فإن ما يجري على أرض الواقع يؤكد أن إسرائيل غير جادة في السعي إلى السلام ، أو أنها على أقل تقدير أصبحت في سباق مع الزمن لفرض وقائع جغرافية وديموغرافية ، تشكل داعما لتمسكها بكل ما أنجزه احتلالها في أية عملية سلمية ، وتحديدا في مؤتمر السلام العتيد ، إذا ما كتب له أن ينعقد .

واستكمالا فإن ما يتم التخطيط له من مصادرة عقارات وأراض زراعية في الخليل ، تخص المواطنين الفلسطينيين ، وهذا الزحف الذي لا يتوقف لجدار الفصل العنصري مجتاحا ومصادرا وعازلا لمزيد من الأراضي والبلدات الفلسطينية ، وهذا التهويد المحموم لمدينة القدس ، وهذه النوايا المبيتة للمسجد الأقصى المبارك ، وغيره الكثير الكثير ، إن هذا وذاك يثبت أن لا جدية للسياسة الإسرائيلية في أي سلام ممكن .

وحقيقة الأمر إن المنظور الإسرائيلي للسلام ينطلق من تثبيت أوضاع حصدتها إسرائيل في خط مواز للنكبة الفلسطينية مكانا وزمانا وديمومة على الصعيدين الفلسطيني والعربي ، محاولة بكل ما تملك من قوة ونفوذ ورؤى أن تظفر بخارطة شرق أوسط جديد ، كانت ولا تزال تحلم به منذ قيامها ، وحتى اللحظة الراهنة ، تكون لها فيه المكانة والكلمة والقرار .

وعلى خلفية كل ذلك وظفت طاقات وآليات نفوذ تستحوذ عليها ، ومتاحة لها لدى الذين يتعاطفون معها ويؤيدونها ، وتعتبر نفسها شريكة استراتيجية لهم ، وتحديدا الولايات المتحدة الأميركية . ومضافا إلى كل ذلك استئناسها واطمئنانها لوعد الرئيس الأميركي لها بتفريغ القضية الفلسطينية من أهم مركباتها المتمثل بحق العودة ، وعدم الرجوع إلى حدود ما قبل الرابع من حزيران / يونيو من العام 1967 . وهذا يعني احتفاظها بالمستوطنات التي أقامتها على الأراضي الفلسطينية المغتصبة .

إن إسرائيل بطبيعة الحال تبغي من وراء ذلك أن تحقق انتصارات ومكاسب أخرى لا يفرضها طرف يشعر أنه متكافىء ومتساو في الميزان التفاوضي ، بل الأقوى الذي في يده الكثير من أوراق الضغط الرابحة . وقد ترجمت إسرائيل كل ذلك إلى ممارسات طابعها التعنت والمماطلة والرفض وضرب عرض الحائط بكل التواقيع والتواريخ ، وعدم الإعتراف بالحقوق الفلسطينية الأساسية . ومن جهة أخرى إصرارها في اللعبة السلمية على منح الفلسطينيين " سلما صنع في إسرائيل " مغلفا بمفاهيمها هي .

إن التحديات التي واجهها السلام في الماضي ، ويواجهها في الحاضر والمستقبل عديدة ، وتأتي معظمها من الطرف الإسرائيلي كونه ينظر إلى الأمور من خلال منظاره هو ، والذي لا يمكن والحال هذه أن يرى أبعد من أنفه ، أو أنه يريد أن يرى غير الذي يريد أن يراه ، ويعمى عن استحقاقات الآخرين ويلتف عليها ، وهي أساس المشكلة التي لا تحمل إلا مسمى واحدا هو النكبة الفلسطينية .

إن الإستحقاقات الفلسطينية المترتبة على الإتفاقات المرحلية السابقة ما زال جزء كبير منها خارج إطار التنفيذ . فكيف إذا ما أضيف إليها الحقوق الأساسية التي تشكل العمود الفقري لمفاوضات المرحلة النهائية بدءا بحق العودة ، ومرورا بحق الدولة والإستقلال والسيادة الكاملة ، وهذا يعني تطهير الأرض الفلسطينية من أدران الإستيطان وكافة أشكال الهيمنة الإسرائيلية على الأرض وما عليها وما فوقها وما تحتها ، ووقوفا عند القدس عاصمة سياسية للدولة ، وروحية لأكثر من مليار مسلم .

إن التحديات والعراقيل الإسرائيلية للسلام كثيرة ، وتتمثل أساسا بالعقلية السائدة لدى ساستها وشارعها السياسي ، وهي عقلية نشأت على عقد السيطرة والإنفراد بالقوة والإستحواذ على كل آلياتها وتقنياتها الأكثر حداثة وتطويرها الدائم إلى أقصى الحدود . مضافا إلى كل ذلك شهية التوسع الإستيطاني والتهويد والثقافة العدائية لرأي الآخر وحقه . وهي هي العقلية التي تصر أن تستثمر انتصارات أخرى في معركة السلام ، وأن تجني مكاسب من الساحتين الفلسطينية والعربية لم تستطع أن تجنيهما في الحرب .

فلسطينيا ، لقد اعتاد الشعب الفلسطيني على شتى أشكال الظروف ، وهو من المناعة بحيث أن ظرفا ما أيا كان لن يقدر على إحباطه أو تدمير قواه الذاتية التي حافظ عليها عبر أقسى نضالاته . وهو مدرك وواع ومستعد لكافة الإحتمالات وأولها أن لا يعقد هذا المؤتمر لسبب من الأسباب . وثانيها فيما لو كتب له الإنعقاد أن يسفر عن سقف قرارات منخفض ، ينطبق عليه المثل الشهير " تمخض الجبل فولد فأرا .


كلمة أخيرة ، حتى الآن لم يعرف إلا القليل عن طبيعة هذا المؤتمر الذي قيل عنه إنه لقاء دولي إقليمي ليس أكثر . لم تعرف الدول المدعوة له كلها ، ولا العنوان الذي سينضوي تحته هذا اللقاء ، ولا ماهية القضايا التي سوف يبحثها . ويخشى أن يكون ما طالب به مسؤولون أميركيون من عدم عقد آمال عريضة عليه هو سلة حصاده . وساعتئذ يحق القول فيه إنه فصل آخر من فصول القضية ، قد طويت صفحاته في انتظار فصل جديد . وإن غدا لناظره قريب .