تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : بوح " 5 " انهيار التشظي



مأمون احمد مصطفى
08-09-2007, 09:52 PM
بوح
" 5 "
انهيار التشظي

أحقا يبكي الرجال ؟
وهل يبكي الرجال إلا الرجال ؟ وهل ترحل الأوطان من مسافات الزمن إلا حين تهمي دموع الرجال ؟ وهل تنسكب البراكين من عيون غير عيون الرجال حين تستسلم للدموع والبكاء ؟

للموت مذاق آخر ، لا يشبه مذاق الموت القادم من ملك اصطفاه الله – جل شأنه – لانتزاع الروح من جسد يحن إليها وتحن إليه ، هو موت في الروح المتحركة داخل جسد يسير على أرصفة الأيام ، وطرقات الساعات ، وزقاق الألم ، لهذا الموت مذاق ، يعرفه الرجال ، حين تغيض رجولتهم ، وتجف ذكورتهم ، وحين تتراءى الأشياء المقتحمة مرايا الأرض والزيتون والدحنون والحناء ، وحين تتساقط حبات الزنزلخت وتجف أعواد الحور ؟

حين ذاك تنهض الأرض من مكانها ، بطريقة لا تشبه الحلم وتخترق الوعي ، لتقف قبالة الرجال ، وتسألهم عن وجعها المخضب بالوجع ، وعن ألمها المعتق بالألم ، وعن عذابات الأغصان والبلابل والحساسين والعنادل ، حين تنهض وتسألهم عن حيفا ، مركز الكون وقبلة العشق المزروع بأوردة التاريخ والشمس والنور .

هل عرفتم موسى الخالص ، ذلك الطود الممتد بخاصرة الوطن ، كجذر السنديان ، وكشعاع من نور يخرج من قبر شهيد ، هل رأيتم كيف تسقط دموع الرجال والأبطال ؟ هل وقف شعر جسدكم كما يقف شعر جسدي الآن وأنا اكتب عن دموع رجل تأبى البطولة والفحولة أن تحيا بعيدا عن ملامحه الغارقة بسمرة الأرض ورحيق الشهادة ؟

موسى الخالص ، صديق البندقية ، صاحب قدم تهمس للأرض حين تخطو ، فتهمس الأرض بأنها تعرف خفقات نعال رجالها ، تشدوها لحنا للحرية ، للفخار ، وتنثرها عبقا وحبقا على جرح يمتد في خاصرة الوطن ليصل إلى السويداء .

موسى الخالص ، البطل المولود من رحم الكون ، من رحم الضياء والحياة والحب والعطاء ، موسى الخارج من رحم البطولة والشجاعة إلى رحم الوطن الخافق بالعذاب والأنين .

عرفته حيفا ، ويافا ، عرفه تل الربيع ، وأم خالد ، أم الرشراش ، وبيسان وعكا ، عرفه وادي الحوارث ، عرفه نتش الجبال وأغصان الشجر ، عرفته الوديان والشواطئ والأقمار ، حفظته الأرض عن ظهر قلب ، تمرست به وتمرس بها .

عرفته القسطل وهو يودع عبد القادر الحسيني ، ويودع الأبطال والشهداء ، ليبقى ليوم محفوظ في ذاكرة الزمن ، ليوم تساقطت فيه الدموع ، على جرح مختزل في عمق مرارة الشيح والحنظل .

قالوا له ، هاك ورقة بيضاء ، حدد المبلغ الذي تريد ، دون تردد أو خوف ، اكتب الرقم ولا تحسب حساب الأصفار الممتدة على بياض الورقة ، وان احتجت أوراق لتزدحم فيها الأرقام ، لك الأمر وعلينا الطاعة .
لم تكونوا هناك ، انتم لم تشاهدوا عيني الرجل وهي تتهيأ للبكاء ، لم تسمعوا خفقات روحه ، ووجيب قلبه ، ولم تحسوا بتحرك جذور الأرض بأعماقه المكسورة ، لم تسمعوا هدير الموج ، وصفير الرياح المنبعثة من سويدائه ، لم تشاهدوا تساقط البراكين وانهيار الزلازل وتردم العواصف بقلبه المنقوع باللوعة والانكسار .

كانوا يتحدثون عن قطعة ارض صغيرة حول المسجد الأقصى ، كانوا يتحدثون عن أمتار قليله ، وأرقام لا يحدها حد او يوقفها حاجز .

وكان هو يستعد للبكاء ، يقاوم بكل عزم الأرض التي عرفته ، لكن العين المتحركة من سويداء القلب كانت تستعد للانفجار ، عين من دمع لا يشبه الدمع ، وماء لا يشبه الماء .

تشققت قنوات القلب ، وبدأت مساحات الماء تتنامى ، تتكثف .

قال لهم : نعم سأبيعكم ارضي ، بشرط واحد ، -المياه تتحرك في القلب – تستعد لترفض الماء من العين – عليكم ، أن تأخذوا هذه الورقة ، وتدوروا بها الكرة الأرضية ، وتبحثوا عن كل عربي ومسلم ، - المياه غطت القلب – بدأت تصعد نحو الأعلى – وتسألوه التنازل عن الوطن ، اجمعوا تواقيع العرب والمسلمين ، وانتظروا من في الأرحام ، اليوم وغدا ، - اشتد انفجار العين – تعالى هدير المياه وتعاظم – وحين تنتهون ، - اقتربت الساعة – وانشقت غلال الحواجز - تفتت صخر القلب – وتصدع صوان السويداء – تهاوت قلاع الأرض – هي اللحظة – اللحظة التي ستصرخ فيها السماوات مستغيثة – هي لحظة لم يعرف التاريخ مثلها من قبل ومن بعد – وحين تحصلون على تواقيع العرب والمسلمين –

وانفجرت عين الماء – همت الدموع على وجنتي رجل – تناثرت السماء وتشظت ، تمزقت الشظايا – وتفتت – دموع رجل جاس الدغل والليل والموج – دموع رجل تتنفس الأرض كلها من أنفاسه – دموع رجل تنحني لهامته قباب الأقصى وأسرجته –

بكى موسى الخالص ، بكى من كان يهز رحم الموت وبؤرته بقلبه وعينه – بكى من كانت السهول والوديان تعرف همس خطواته – كعصفور جريح – كأسد منهوش – كنمر مبقور – كفهد عاجز – بكى موسى الخالص –

فبكت السماوات – سماء خلف سماء – وبكت الأكوان – وبكت البراكين – هل رأيتم بكاء البراكين ؟ هل عرفتم دموع الزلازل ؟ هل خبرتم دموع الرجال حين تهمي لتخمد نيران الأكوان – هل عرفتم كيف تغرق البحار والمحيطات والأنهار والوديان والآبار ؟

بكى موسى – فبكينا – بكى موسى فبكى الوطن كله دفعة واحدة –

بكى ساعد البندقية – بكاء لا يشبه البكاء – زرع فينا حسرة العجز والكساح – حين وقفنا نتلمس دموعه المتفجرة من بؤرة القلب المكسور –

بكى موسى الخالص – هل تعرفون معنى ان يبكي موسى الخالص ؟

أتدرون من هو موسى الخالص ؟
وهل على الأرض ألما يشبه الم دموع موسى ؟ وهل اشق على الأرض من دموع الرجال على الرجال ؟

اندفعت كطوفان مخزن بالدموع - نحو القدس - نحو موسى – الذي بكى فأبكى البكاء وعذب العذاب – سالت عنه – اندفعت الثمه من كل جانب – كنت ابكي بشراهة الطوفان المتفجر – لمست يده – ويده الأخرى –

تأملت عينيه – كم من الدموع ستسكب أيها الرجل ؟ كم من الدموع ستسكب ؟ لتستطيع أن توصل للناس معنى أن يبكي الرجال أنفسهم – ومعنى أن يبكي الرجال الرجال ؟

وحين خرجت من عنده – أدرت راسي لأراه وهو يمسك الدمع ليغرسه بالروح – لكن الروح لم تحتمل مرارة دمعه – فأرسلته فيضانا عارما – يخترق القلب ويمزق العين –

سألني الزيتون – أتبكي لبكاء موسى ؟
نعم – ابكي البكاء – وادمع الدمع –
هل أكلت من زيتي ؟
نعم –
هي دموع موسى –
التقيت الموت على حاجز – سألني – أتبكي لبكاء موسى ؟
نعم – ابكي لبكاء موسى –
هل عرفت كيف يبكي الرجال ؟
نعم عرفت –
ستعرف ذلك فقط – حين تشاهد دموعي وهي تعصف وتبرق وترعد قهرا وكمدا من دموع موسى ؟
لفني الآن بردائك –
ليس قبل أن تقول للناس
كيف يبكي الرجال –



مأمون احمد مصطفى
فلسطين – مخيم طول كرم
النرويج – 1- 8- 2007

علي أسعد أسعد
08-09-2007, 10:03 PM
مصافحة

وأمضي على أمل العودة



كن بخير

حوراء آل بورنو
08-09-2007, 11:05 PM
هؤلاء الذين رفضوا بيع الأرض و العرض بكوا و أبكوا الحجر و الشجر ! و قد مرت دموعهم على أرضي فسقتها حسرة عليهم و وجعاً لا ينقضي فلا زلت أبكيهم كل يوم فقداً و طول غياب .

أبكيتني عافاك الله و رحمك .

هي للتثبيت .

تقديري .

سحر الليالي
08-09-2007, 11:30 PM
الفاضل " مأمون":

تهنا في زحمه أحزانك وألمكــ...!!
وثقب قلوبنا أنينكـ..!

بالله عليك رفقا بقلبكـ والله المستعان.

سلمتـ وأسعدكـ الله
تقبل جل إحترامي وتقديري
ولك تراتيل ورد

أحمد المنصوري
09-09-2007, 01:34 AM
هنا ابداع يتجلى . وحرفك يتوهج .

سحر الليالي
17-11-2007, 10:29 PM
لــ رفع ، شوقا لــ قلبك يحمل الكثير والكثير...!!
أيها الفاضل : أدعو الله أن تكون بخير

سمو الكعبي
18-11-2007, 04:42 AM
بوح امتزج بروح القصة اسلوب منظم وحرف يشق الورق بثبات
تحيتي
.

نور سمحان
18-11-2007, 04:32 PM
حرف انتزعني من صمتي
وبوح اخترق جدران سكوني
لله أنت أخي ما أروع ما خط يراعك
بوركت وبورك اليراع
تقديري واحترامي

جوتيار تمر
18-11-2007, 05:42 PM
العزيز مأمون......
اشعر بغيابك .......عساك بخير.........

هنا سطرت لوحة انسان / يحمل في صفة الانسان / ويبعث الانسانية في مشاعره / ونحن في وقتنا هذا نفتقد السمة هذه / الصفة هذه / لذا نجدنا نكتب عن بكاء الرجال / وكأن اللرجال ليس لهم مشاعر / لقد غابت الصفة عنا / فاصبحنا رهين واقع خطر وحذر / يكاد يهضم وجودنا الانساني برمته / اننا هنا امام نص يحمل في طياته معالم الروح الانسانية / التي تعيش واقعا مرا ومؤلما / يبيح الدمع / كما يبيح الدم .

دمت بالف خير
محبتي لك
جويتار

ضحى بوترعة
19-11-2007, 09:37 PM
أخي العزيز

لحظات متفجرة يرسمها حرف يشتعل بالوجع............يبكي الرجال عند الانتصار

بكاءهم صعب ...... يشبه بكاء البندقية أمام القهر

محبتي وتقديري