تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : تحليل أدبي لقصيدة ( مثقل بالصبر) للشاعر القدير/ محمد الحريري



عطاف سالم
09-09-2007, 07:02 PM
مـثـقـلٌبالصبر

https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=23830



الجو العام للنص



هكذا جاء العنوان ( مثقلٌ بالصبر ) وكم لوقع كلمة ( مثقل) من جرس شديد لربما أتت من القاف والتنوين إنما ماهما غير مسببين وإلا فالكلمة كلها أتت وكأنها تجر شيئا ثقيلا جدا حتى كأننا نسمع له جلبة وجلجلة وهو يسحب ويُجر ..

هي نفس مثقلة جاءت تجر قريضها منهكة فانتثر منها لوعة وغصة ونفثة من لدنها جد عصية ومُشِقَّة

والحقيقة جئت هنا أتلمس الطريق كالضرير إلى مسالك هذه القصيدة الوعرة ولعلي أصل إلى بعض مفاتيحها وأوفق ..

يفجؤنا الشاعر بهذه الصورة الشعرية المباغتة بدت منحوتة للتو من جدار أضلعه وكيف لا وقد أتى مثقل بصبره راميا وجعه في قلب هذا البيان

تأمل قوله:


جعلت قذى الصبرين عينا تغرُّبا = ومن جفن آهاتي قرابا تعصُّبا


هذه هي الصورة المباغتة وقد باح بضربين من الصبر إنما كانا كالقذى المؤذي الذي لم يكن ليتحمله لكن مع ذلك كان كلاهما هما عينه الذي أخذته صوب التغرب والابتعاد عن مواطن الأسى , واتخذ من آهاته وتوجعاته جفنا كالقراب يأوي إليه , راغبا فيه عصبة وركنا شديدا


وما ذاك إلا لأنه :





وإني ثكول الأم لست بناطق = تأفف أيام وإن كنت لا أبا





فلقد تجرع الفقد .. عندما فقد معنى الاحتواء والانتماء , ومعنى الانتثارية والانسكابية في الآخر حيث محضن الدفء والحنان.. إنما تأخذ الشاعر هزة من الكبرياء والترفع فوق مطالبه النفسية فيلجم نفسه بالصمت المطرق متجرعا وجعه واساه وألمه .. فلن ينثر شيئا منه لن ينطق بما ناله من مرارة الأيام , لا , لن يتأفف حتى وإن افتقد مع ذلك المحضن أيضا عزمَه وقوتَه ومتكاءَه وسندَه ..


ويالله كم هو مع ذلك كله يشعر بما اعتوره من مشاعر بائسه ويشفق عليها أكثر من شفقته بنفسه انظره يقول :





يشق علي الحزن أني ملكته = وأشفق مني الجفن دمعا تعذبا





ولا أدري من منهما ينبغي أن يشفق بالآخر؟؟


إنه يملك الحزن مثقلا بالصبر وغير ناطق ولا متأفف مما فعلت به الأيام , ثم هو يشق عليه أن يحمله في صدره , وكأن ذلك الحزن نفحة صبا يخشى عليها لهيب أضلعه الحرى المتوجعة .. وما كان لجفنه إلا أن يتأثر لحاله هذا مشفقا على تلك الأدمع التي أغرقته ولطالما كان الدمع مُعذِّبَا ومُتعَذِّبا ولكن أكان يأمل من ذلك الصبر وأثقال نفسه به شيئا جديدا أو فرجا قريبا؟!





فلا مخض الألام زبدة واهم = ولا لبن الأحلام تُربي بنا صبا


يظل جدار الهم ينهك ليلتي = وأبقي بسهد اللوم نوعا مخصبا


فلم ينتج عن مخض الآلام التي تناوشته سوى مزيد وجع , بل هو وهم إن تصورنا أن هناك مايسد الرمق فمامخضها سوى زبدة وهم وواهم من ينتظر غير هذا , ولا لم تعد الأحلام التي كنا نترشف حلوها وتستمد منها معين حياتنا لنتقوى بها عليها .. لم تعد تعيد لنا ماضاع منا , مُرغمٌ هو مُستندٌ إلى جُدُرٍ من الهم قد أنهكه الإتكاء عليها وأرقه وأضنى ليله , ومابقي منه سوى سهد يزداد تجدَّدا , ثم هو يرضى به مكرها ويغفو عليه


وأما الصبر فيتجرعه مخافة أن يطيح به الوهن والهم والسهد , وبدا وكأنه يستجديه ويستشعره وكأنه هو من ينادي عليه رأفة به وشفقه





ونادى لبان الصبر أين كنانتي = وهذا جموح السبق واترُنا سبا





وبدا وكأنه معه في سباق .. إنما قد عوده الصبر أن يحتويه وتعود هو أن يستسلم بين يديه.. ولاحيلة له غير ذلك





فليست تنيخ اليأس ربوة خاطر = ولابعتاب الحرف تغتال مطلبا





فاليأس قائم متجلد متجندل في نواحيه , وبدت خواطر نفسه الساجية عاجزة عن إناخة يأس مستبد به ولم تعد ماتبوح به من شجن أو تجيش به من مشاعر ملتاثة حيرى , لم تعد تميت مطلبا عزيزا له كانت تستشرف نفسه الواهنة إليه إنما :





تميد بمعنى الجلنار كأنه = سحابة أزمان تزلزلنا ربا





بدت وكأنها تضطرب وتطيح بكل معنى جميل كان قد أنعش حياته ثم غاب واختفى , وبقيت آثاره موجعة وكأن شيئا لم يكن , وكأنه سحابات أظلته أزمانا , وهي إن كانت تحمل بعض غيث سقيم لكنه كان يسكن إليها وإلى دفئها .. بل كأن تلك المعاني الساكنات المنعشات كأنها :





ولوزة جنح الطيف مدت غصونها = كأسياف عز تقطف النصر كوكبا





بدت شيئا حلوة جميلا سائغا إنما من طيف ليس أكثر.. لكنه طيف أمتد به زمنا , وطاف حول روابيه كأسياف لامعة حملت معها شعور بالقوة والسكينة والعز والرخاء وقطفت في المقابل له كل أمنيه عذبة بدت وكأنها كوكب كان يعم فؤاده بالنور والضياء والكينونة


وآه .. كل ماقد مضى هو :





جراحات فكر المرء تبقى على المدى = ويذهب بالأحلام مايجرح الصبا





نزيف من جراحات المَّت بنفسه وبخواطره وأفكاره بقيت تراوده وتحوم حوله زمنا ولا.. لن تبارحه


لقد مازجته وذهبت بأحلامه منذ أن بدأت جراحا ومنذ أن بدا صباه يظهر غير أن أشد النزف الذي قد يطول مكوثه واستقراره في قرارته هو :





ولكن نزف القلب مابين أضلع = يقيم دهورا والوريد له حبا





ومن العجيب أن يألف القلب هذا النزف ويتخذ له من الوريد خليلاً مُحبَّاً


ثم بدا وكأن الشاعر يفصح عن بعض معاناته بعد أن طوح بنا في مراراته المتنوعة بين طوايا نفسه الخبيئة بالوجع والسهد ولذعةِ الوجد فهاهو يقول :





تعاندني بالهجر حظا ولي بها = مقادير آمال , فتمنعني هبا


فأحني بإطراق العيون حشاشتي = وأسجدها لله شكرا مؤدبا


وكأن حبيبته تطعمه الهجر حباً , وطوعَ حظِّ تعنتاً وتعنُّداً , بينماهي عنده مقادير من الآمال يموج بها طربا وتقرُّباً وتحبُّباً , ثم لايناله من كل تلك المقادير شيئاً ولو هبةً تجودُ بها وُدًّاَ أو تكرُّما أو حتى كردِّ معروف أو جميل ..


لقد لاذت بهجرها وببينها وعلوها فما كان منه سوى الإذعان والإطراق بكُلِّه قلباً وروحاً وعيناً وحشاشةً شاكراً مُتصبِّراً راضياً بجحودها وقطع وصالها وابتعادها تمنُّعاً أو تبغُّضاً وعاد في أدب وقناعة إلى ماكان عليه من قبل ثم





توالت شهور البين حتى حسبتها = ستمتد بعد الموت حتما معذبا





وطال به البين والبعد واستطال به النوى وضجر به واستضر منه حتى لكأنه بدا أنه سيلحقه بعد موته ثم لاشيء معذب أكثر منه عنده .


فأي إحساسٍ نما في نفس الشاعر حتى غدا مُنهشاً له يتناوش كلَّ عصبٍ من أعصابه حتى أرغمه على قول ماقاله وماشعر به وأجهده وسد عليه منافذ الأمل أو الخلاص إلى درجة أن :





فإن مياه الصمت غدرانها عفت = عليها سيول الوسم والبرد أشبا





فالصبر والصمت الذي كان يغمره على أمل الرجاء قد عفا وانتهى , وأصبح بعضَ أثر يلوذ به مشفقا , فقد جاء على بقيته بعض سهد وتوجع آخر كان مختبئاً له متربِّصاً به فأوسمه بالنزف وأنشب فيه التقلقل والأرق


وبدا الشاعر وكأنه يستحضر من يغبطه على التعبير عن وجعه والتنفيس عن آلامه بهذا الشعر الذي يمشي في نفساته ويسكن بين جنباته ترى ماذا يقول





يقولون إني شاعر وكأنني = بدلو السنا أمتاح نهرا لأكتبا


تسير بي الأنواء حيث تشابكت = وعاصفة الشكوى فأسقط معربا



وكأنه في هذين البيتين يفصح لهم عن سر هذا الشعر الذي يحسدونه عليه فليس هو متَّاحا يملك دلواً من سنا سحر الحرف فيكتب كيفما يريد ويبغي , إنما ما أنطقه غير عواصف من الشكوى وأيام سارت به حيث تشابكت وجعاً وألماً وأنيناً وشجواً فتأمل إن شئت آثار ذلك :





ألم تر أن السعد جانب خطوتي = ويلتحف الإظلام عني مهرَّبا


فقد جانبني السعد وجانب خطوتي وكأنني وإياه خطان متوازيان لايلتقيان... حتى ظلام الأيام بدا لي وكأنه هو من يتململ مني ويتجنبني فقد طال بي ليلي وقد بدا للشاعر وكأنه يسترجع أيامه الخوالي حيث يقول بنفس متحسرة ومتألمه :





ثلاثون والعشرون زادت مصائبي = بضعف يضيف الهم حزنا مؤنبا





مرت سنون طوال قد هدت كاهلي وأثقلت خطوي حيث تواردت علي الأحن ومضى زمن طويل لم يضف إلي سوى مزيدٍ من الوهن والضعف والهم والحزن متعلقاً بعضها ببعض ثم يتسائل الشاعر في حيرة وعلى وجعٍ مُمِضٍّ متعجباً من حالة طرأت عليه في عمره هذا زادته فوق الهم والضعف مزايادات أُخر إذ يقول :





فكيف وبي عشق يناهز صبوتي = بمفترق الحالين نذرا مؤدبا





عشقٌ جاءه فوق احتماله وناهز صبوته التي كانت ويعرفها .. جاء كالنذير المؤدب بكل ماتحمله تبعاته من صراع وتألم فبدا وكأنه على مفترق طرق تيها وحيرة ورهقا





فلا أنا للأقران عدت ولا أنا = إلى منبع الأعمار أحدو مغرِّبا





فلا هو عائدٌ إلى زمن قرنائه , ولا هو حادٍ مغرِّبٌ نحو بقية العمر حيث موطن استحثاث الخطا , ومكمن الثبات والإستقرار والعيش الهادئ المطمئن .


ويقفز سؤالٌ ملحٌّ مقطوعُ الرَّجاء وقد انتهى به المطاف إلى التسليم في غير رضى:





وهل بعد أن أحكمت كاهل غربتي = بمرتجع الأحلام والكفُّ أتربا





سؤال يتناثر من جنباته اليأس فهل بعد أن طوَّقه الاغترابُ وأحكم التضييقَ عليه .. هل بعد هذا أوبةُ ورجعُ للإحلام التي كانت هي الأخرى سبباً في مزيد اغتراب وأسى .. وكيف وقد أترب الكف وغاصت به الحيل وتماهت وتنثرت


ولي عودة للنقد ..

مازن سلام
09-09-2007, 09:52 PM
الأديبة و الشاعرة السيدة عطاف سالم المحترمة
لقد مررت على قصيد الشاعر الأستاذ محمد ابراهيم الحريري العزيز في وقت سابق و هو العزيز أبداً
وبعد قراءتي لتحليلك عدت إليه قبل أن أكتب كلماتي هذه , لا لسبب إلا أني أحببت أن أقوم بتجربة قراءة القصيدة بعد التحليل الرائع و قبل كتابتي , و ألمس ـ و قد كنت متأكداً من ذلك ـ أن سبركِ أغوار القصيد , و إدخالنا في مناجمها لترينا كنوزها و دررها , يعطي للقراءة طعماً آخر و أبعاداً كثيرة. فصرت مع كل حرف و نغمة و شطر أعود لمقارنة الشعر بالشرح , و كأني أمام مشهد " أوبرالي " أرى المبدع على خشبة المسرح و بين يديّ المفاتيح الضرورية و التي قدّمتها لنا يا سيدتي .
إذن الآن اسمحي أن أحيي الأديبة و الشاعرة و المحللة و بانتظار النقد .
كل التحية و التقدير
مازن سلام

د. عمر جلال الدين هزاع
10-09-2007, 12:22 AM
بوركت يا عطاف
ناقدة فذة
وروح أدبية تسمو قصيدة ووقفة نقدية
فلله درك
ولشاعرنا أبي القاسم
وافر التقدير

محمد إبراهيم الحريري
10-09-2007, 01:02 AM
الأخت الأديبة عطاف
تحية طيبة
صدقا اقولها ألجمت حرفي ، وبات بين إعجاب وثقل دين ، فلست أدري بأيهما أبدأ ؟
قراءة للموضوع يجعلني كما قال أخي مازن سلام أعود مرات للقصيدة لأرى حقيقة ماثلة أمام عيني ، لقد عشت النص بكل أطيافه ، واستطعت نبش ذاكرتي المسطحة أمامك ، يا لك من أديبة خرقت أغشية السر كلها ، ولم يبق لي من كلام سوى قول : نعم هي الحقيقة كما عشتها ، فلا تتركي منها ندبة ألم ، ولا بضعة معنى إلا أعملت بها مشرط الرؤى .
تحياتي لك صادقة
أديبة نقية
ناقدة برؤى الموضوع .
وفقك الله ورعاك
وللأخوين الأستاذ مازن والدكتور عمر جل التحايا ،
وفقكم الله جميعا .
سأبقى هنا

عطاف سالم
10-09-2007, 11:51 AM
الأديبة و الشاعرة السيدة عطاف سالم المحترمة


لقد مررت على قصيد الشاعر الأستاذ محمد ابراهيم الحريري العزيز في وقت سابق و هو العزيز أبداً
وبعد قراءتي لتحليلك عدت إليه قبل أن أكتب كلماتي هذه , لا لسبب إلا أني أحببت أن أقوم بتجربة قراءة القصيدة بعد التحليل الرائع و قبل كتابتي , و ألمس ـ و قد كنت متأكداً من ذلك ـ أن سبركِ أغوار القصيد , و إدخالنا في مناجمها لترينا كنوزها و دررها , يعطي للقراءة طعماً آخر و أبعاداً كثيرة. فصرت مع كل حرف و نغمة و شطر أعود لمقارنة الشعر بالشرح , و كأني أمام مشهد " أوبرالي " أرى المبدع على خشبة المسرح و بين يديّ المفاتيح الضرورية و التي قدّمتها لنا يا سيدتي .
إذن الآن اسمحي أن أحيي الأديبة و الشاعرة و المحللة و بانتظار النقد .
كل التحية و التقدير

مازن سلام



أخي العزيز الفاضل , الأديب القدير / مازن سلام
ثق أيها المبدع المتمكن أن مارشحته هنا من قلمك هو شهادة منك أعتز بها وأفتخر ...
ولمثلك أيها الأديب الرائع تكتب السطور .. لأنك قاريء نهم ومتذوق جبار وشاعر مقتدر وناثر جد نثار واعي ....ومفكر جد دقيق ومثقف راق
ودعني أنا من يحييك في كل مرة تبصر عينيّ فيها سنا حضورك
تقبل أخي الفاضل جل تقديري واحترامي
ولتكن بخير
يحفظك ربي ويرعاك

فارس جميل الهيتي
10-09-2007, 06:10 PM
الماجدة المتميزة
عطاف سالم
استمتعت جدا بتحليلك الرائع
أسجل أعجابي بكلماتك
دمت بخير

عطاف سالم
10-09-2007, 09:24 PM
بوركت يا عطاف
ناقدة فذة
وروح أدبية تسمو قصيدة ووقفة نقدية
فلله درك
ولشاعرنا أبي القاسم
وافر التقدير


بوركت ياعمر ..
وبورك حرف يسوقك ويبلغ بك مبلغ الأفذاذ ..
أشكرك ملء الصحاف
وتحيتي أزجيها لك تصلك عامرة بالصدق والوفاء ..
كن بخير

أحمد الرشيدي
10-09-2007, 10:07 PM
المكرمة الأستاذة الملهمة عطاف

إذا عرف السبب بطل العجب ، لو يعلمون عن أي أساتذة أجلاء تلقيتِ العلم كما أعلم لما دُهش أحد كما كنتُ من قبل ، ويقيني أنه مازال لديكِ الكثير الكثير ، فزيدي وجودي ، لا تضني علينا ، فـ ( مطل الغني ظلم ) .

أراكِ أيتها الأخت الفاضلة مازلت تستحضرين دروسا - ما شاء الله لا قوة إلا بالله - تفلتت مني ، كم أتوق إليها ...

انتقيت قصيدة لشاعرنا الكبير الحريري هي من عيون شعره ، فأحسنت استنطاقها ، وأبدعت في كشف خبايا كنوزها ...

تحيتي وتقديري وسلامي

عطاف سالم
11-09-2007, 02:50 PM
الأخت الأديبة عطاف
تحية طيبة
صدقا اقولها ألجمت حرفي ، وبات بين إعجاب وثقل دين ، فلست أدري بأيهما أبدأ ؟
قراءة للموضوع يجعلني كما قال أخي مازن سلام أعود مرات للقصيدة لأرى حقيقة ماثلة أمام عيني ، لقد عشت النص بكل أطيافه ، واستطعت نبش ذاكرتي المسطحة أمامك ، يا لك من أديبة خرقت أغشية السر كلها ، ولم يبق لي من كلام سوى قول : نعم هي الحقيقة كما عشتها ، فلا تتركي منها ندبة ألم ، ولا بضعة معنى إلا أعملت بها مشرط الرؤى .
تحياتي لك صادقة
أديبة نقية
ناقدة برؤى الموضوع .
وفقك الله ورعاك
وللأخوين الأستاذ مازن والدكتور عمر جل التحايا ،
وفقكم الله جميعا .
سأبقى هنا

هل تصدق أيها الأديب .. لقد تفاجأت بردك وهو أني قد خرقت أغشية السر كلها كما تدعي ...
وهذه وربك شهادة أعتز بها جدا جدا ..
فقصيدتك هذه بالكاد استطعت أن أتوصل إلى فهم بعض رموزها وتفكيكها .. ورغم أنها كانت بالنسبة لي من أسهل قصيدتك لكن يبدو أنني كنت واهمة ... إلا أن أساريري قد انفرجت عندما علمت من وحي ردك أنني قد نجحت في الامتحان ياأستاذ ..
ولئن كنت قد وعدتك وتأخرت فماهذا إلا لظروف ألمت بالقصيدة حقيقة أمامي وليس بي أنا , حيث بدت وكأنها كانت تحدثني وتثرثر لي طويلا وكثيرا وتبوح لي في تمنع بمكنونها وسرها ومحتواها وما ألم بها حتى أخرجها إلى النور ومضيت معها هكذا هي تثرثر وأنا انصت لها في ولاء ووفاء كبير إلى نسيت معها الوقت فاعذرني ...
تحيتي لك وتقديري
وثق أن قصائدك خاصة أنت والدكتور عمر وبعض الالمعيين الفضلاء كسلاف وسلطان السبهان وغيرهم كثير الحقيقة هي أهل للتحليل والنقد والدراسة
كن بخير
يحفظك ربي ويرعاك

عطاف سالم
15-09-2007, 06:03 PM
الماجدة المتميزة


عطاف سالم
استمتعت جدا بتحليلك الرائع
أسجل أعجابي بكلماتك

دمت بخير



أخي الفاضل / فارس الهيتي
أشكر لك حضورك هنا ...... كم يشرفني ويسعدني
وافر تقديري لك ولحرفك البديع
بارك الله فيك وحفظك ورعاك أخا أديبا
تحيتي الصادقة

عطاف سالم
15-09-2007, 06:16 PM
المكرمة الأستاذة الملهمة عطاف

إذا عرف السبب بطل العجب ، لو يعلمون عن أي أساتذة أجلاء تلقيتِ العلم كما أعلم لما دُهش أحد كما كنتُ من قبل ، ويقيني أنه مازال لديكِ الكثير الكثير ، فزيدي وجودي ، لا تضني علينا ، فـ ( مطل الغني ظلم ) .

أراكِ أيتها الأخت الفاضلة مازلت تستحضرين دروسا - ما شاء الله لا قوة إلا بالله - تفلتت مني ، كم أتوق إليها ...

انتقيت قصيدة لشاعرنا الكبير الحريري هي من عيون شعره ، فأحسنت استنطاقها ، وأبدعت في كشف خبايا كنوزها ...

تحيتي وتقديري وسلامي

أخي العزيز الفاضل / أحمد الرشيدي
ألا فليعلم الجميع أن أستاذي وأستاذك واحد هو الدكتور / محمد محمد أبو موسى حفظه الله ورعاه أما غيره فعالة عليه وأنت تعرفهم ..
أشكرك على حضورك الجميل , وشهادتك وسام أعتز بها من بليغ وأديب مثلك
تقبل جل تحاياي وجل تقديري واحترامي

عطاف سالم
17-09-2007, 06:10 PM
مساحة للتحليل النقدي


الشاعر / محمد الحريري عرف في أغلب قصائده بالإغراق في الخيال وتولد الخيال من الخيال , وكذا عرف بالترف اللغوي وبالتراكيب التي تبدو أحيانا من العسير فكها وفهمها , فضلا عن الميل إلى الرمزية على مستويات مختلفة فمرة نلمس عنده الإغراق في ذلك ومرة نراه معتدلا لكن نادرا ماتخلو قصيدة له من إيحاء أورمز ..
قصيدته هذه تبدو فيها الرمزية معتدلة , وهي صادقة العاطفة , تشيء بمعاناة حقيقة ألبسها ثوب الشعر فاكتست ابداعا مؤثرا عالي التأثير ..
عنوان هذه القصيدة هو ( مثقل بالصبر )
ويبدو أن الشاعر ممن يتخير لقصائده عناوين مستوحاه من فكرة النص لا من لفظة في النص وهذا منهج يتبعه بعض الشعراء عندما يتخيرون لقصائدهم عناوين مناسبة , إنما من المهم جدا للشاعر أن يلتزم بمنهج وبطريق واحد في ذلك فلا يراوح بين النوعين ..
مثقل بالصبر
كلمة بدأت بمصدر والتعبير بالمصدر اثبت وأرسخ من التعبير بالفعل الذي يحمل معنى التجدد والتغير ففي التعبير بالمصدر لزوم وبقاء وباضافة هذا المصدر إلى مدلول معنوي وهو الصبر يدخل في كون هذا التركيب هو قالب صوري متحرك يجسم المعنى ويخرجه من جنسه إلى آخر حي ناطق .
سأتخير اولا الوقوف عند الأبيات الأول للترابط الملحوظ بينها :
البيت الأول بدا أن الشاعر لم يخرج من حيز نفسه ولم يجسدها شخصا آخر أو يجردها من كينونتها إنما كان مطلعا احتاج معه شدة البوح فبدأه بالفعل (جعلت) والمتأمل للسياق الذي ورد فيه هذا الفعل بحد ذاته يجد أنه يحمل مدلولات عده منها :
* الرغبه في الفعل بشيء من اليأس والإحباط بعد مساحة عالية من تحمل البؤس ..
* التعبير عنه بصيغة الماضي لكنه بدا في قالب الحاضر لقرب تجربته ولصوق تعايشه معها..
* تخيره هو دون غيره من مدلولات التحول الاخرى من الأفعال كصيرت مثلا أو حتى صيغ أخرى مثل اخترت وتخيرت أو قبلت أو ارتضيت ..
وربما كون لوقع أحرف الفعل القوية تأثير في تخير الشاعر لهذا الفعل دون غيره .
ثم يأتي المراد من استخدام هذا الفعل ترى أين وظفه ؟
وظفه لخدمة اسم آخر وهو (قذى) ...
وقبل الإنطلاق في محاولة تفسيرية لهذا التوظيف أحب أن أذكر أن البيت الأول كساه قالب التمييز لإضفاء نوع من التشويق أمام القاريء باستخدامه كلمتي ( تغربا وتعصبا )
وهو مامال إليه الشاعر لربما كان هو القالب الأقرب ليصب فيه المعنى التعبيري الأول أو النفثة الأولى من نفثات الوجع ..
وهذا في حد ذاته توثيق لشدة اللحمة بينه وبين فعل التحول !
لكن أي كلمتين تخيرهما متكأ وسدة لهذا الفعل ؟
لقد وقع على (قذى وعين) !!
تناسب ودقة في التخير ولو أخذنا قذى في انعزال عن مابعدها لجال بنا التخيل في كل واد إنما ذهب عنا هذا بمجرد بروز كلمة عين ...لكنه أدخلنا في خيال بديع وهو أن يتحول الصبر قذى ..!
لذا من المهم جدا الإشارة إلى وجود تناسب شكلي بين العبارتين للناظر من بعيد إنما لما انفصل القذى والتحق بشيء آخر غير العين تبين أن في التركيب التفاف المقصود منه التخيل بصورة بدت وكأنها معهودة .. إنما ليست معهودة !
فكون الصبر يتحول إلى قذى مؤذي ثم يتقبله الشاعر بكامل رغبته وإرادته هذا عميق وجع !
ولم تكن العين كما بدا لي مقصودة لذاتها إنما بها من الجناس التام مايؤكد على أن الشاعر قصد بها معنى بعيدا لكن لايخرج عن دائرة الخلاص والمتنفس له في ظل معاناته
ولربما يبرز سؤال من بعد لم هذا التحول البديع الذي خلقه الشاعر؟
فيأتي الجواب بعد نفحة من التشوق والإثارة وهو ( تغربا )!
وينتهي الشطر في صمت !
هكذا تخير الشاعر صورة الرضا عنده في لأي من الرفض أو القبول على قذى .
ثم يبدأ رحلة جديدة لاتنفك عن التحوام والتطواف في قالب وهياة الصورة الأولى من التحول بطريق العطف والتناسب الشكلي بين (جفن وقراب ) ولفت الإنتباه وإثارة التساؤل بطريق التمييز(تعصبا )
فما الذي حوله الشاعر هنا أيضا وبكامل رغبته وإرادته ؟
هي صورة أخرى وتعبير آخر قصد منه التخيل أيضا بطريق بدا معهودا , وفضلا عن هذا القصد الصوري إنما هناك قصد آخر عميق يرمي إليه الشاعر ليصل به إلى قرار المعنى الذي هو أس مكمن الوجع ..
أليس أليق بالآهات هذا التعبير الظاهر المعهود للمارة الخفي عليهم بينما هو عميق الدلالة بالنسبة للشاعر ؟؟
ولعل الشاعر تخير هذا التركيب إما اطمئنانا إليه ليخفي من ورائه تجربته الشعورية فلا يبدو ولا يظهر منها غير لفح أو فحيح وإما تخيره لأنه الأليق تصويريا بصرف النظر عن رغبته النفسية !
وربما تخيره للسببين معا .
على كل حال يصنع الشاعر مساحة للقاريء ليلتمس علاقة المشابهة بين الآهات والجفن وله أن يتصور صور وأفانين الشبه بين الإثنين , حيث سيجد شدة المقاربة وسيقع على عميق الإلتصاق وماذلك إلا لأن الشاعر ارتضى هذا وقبل به حتى أصبحت آهاته جزءا منه لايتجزأ ..
وأصعب مافي هذه المقاربة بين الجفن والآهات هو أن تتحول المعاني المختفية الغير محسوسة بالملامسة إلى معنى ظاهر قوي ملموس ومحسوس ومجسم ومشخص وناطق ....
ثم لماذا هذا كله ؟؟
يأتي التمييز صادقا ناطقا وساخنا ومصمتا ( تعصبا )!
هنا تنطفي عواصف عارمه من التساؤلات التي تتجاذب القاريء حول صيغ ومشاعر الشاعر وهو يقرأ له تلك الصورة المؤثرة .....
ينطفيء كل ذلك عند كلمة ( تعصبا ) !
نعم صورة مؤكدة أخرى من الإرتضاء والإغضاء على مضض وقذى !
لكن هل ياترى خف شعور المبدع بما يشعر ؟
وهل انتهى تطفل القاريء وتجسسه عليه لكشف سبب النشيج ؟
وهل كف عن محاولة الإنصات والإستماع لإنفعالاته وتتبع أسبابها ؟؟
أستكمل معكم البيت الثاني لاحقا .....

محمد إبراهيم الحريري
19-09-2007, 09:48 PM
الأخت الفاضلة الأديبة عطاف
تحية بحجم السماء
كنت بمحاورة مع صديق لي ، أقرب من القلب للصدر وده ، قلت له : لقد أثقلت علي دين الأدب أديبتنا الفاضلة ، ولم يعد لي متسع قوى لأرد لها بعض مداد خلقها .
وهنا أعلن استمالة العذر منك قبولي مدانا لك بكل حرف ، فقد أشبعت الذائقة بكل طيوف الحقيقة ، وكانك فعلا عشت التجربة من كافة أوجاعها ، فتمثلت بين يدي قلمك صحيفة مكشوفة الألام .
لله درك ، ناقدة تستشرف الصبر بما يقدحه الأنين ليتحول قذى الصبرين ، صبر على واقع تجرعته بكؤوس الرضا ، وصبرا فرضته عوالم لا قبل لي بها إلا من مسامات الضنك .
أحييك ، كل لحظة حتى يرث الله الأقلام .
للحق أقول : النص اصبح ملكا للنقد الموضوعي ،
ولك باقة شكر على فتح أساريره .

أحمد الرشيدي
19-09-2007, 09:57 PM
الأخت الموقرة الأستاذة القديرة عطاف سالم حفظها الله

اطلعت على ما سطره يراعك الساحر حرفا الذي أرهف السمع لعقل واع حصيف ، ونفس شفيفة ، وحس نقدي ينفذ إلى أغوار النص ...

بحق وجدتُ هنا أنوذجا يحتذى في الدرس النقدي ، فهنيئا لنص يحظى بقراءتك أيتها الأديبة المتفردة ، والناقدة الألمعية ، ولا أخفيكِ أن نصوص شاعرنا الشلال ترهقني جدا ، فنصوصه يستحيل أن يعيها القارئ من القراءة الأولى ، وما أحسبك إلا قد عكفتِ عليها ، وأمعنتِ فيها النظر حتى جادت لكِ بما أتحفتنا به ، فشكرا لكِ أن تصديتِ لها ، ويسرتِ لنا ما كان عسيرا .

حفظكِ الله ورعاكِ ، ونفع بكِ

عطاف سالم
18-10-2007, 11:30 PM
مساحة للتحليل النقدي (2)

وإني ثكول الأم لست بناطق = تأفف أيام وإن كنت لا أبا
لقد كان البيت المطلع صنيع الشاعر وكأنه يحتمي بظل الشعر ليتقي به هجير ألم متأصل ماانفك يراوده ..ويأتي البيت الثاني خارجا عن صنيعه إنما هو من عليقه لأنه بدا ينفس أوجاعه خارجا عبر منفذ البوح بهذه الواو ( الاستئنافية ) ثم يأتي من بعدها مايعزز الحاجة إلى هذا التنفيس ألا وهو التأكيد في قوله ( وإني ) وليت الشاعر سكت عند هذا ولم يقل ( ثكول ) !
فالمؤكد هنا كما بدا أشد قوة من التأكيد ذاته وتظهر هذه القوة في لفظة ( ثكول ) من عدة جهات أهمها :
أنها أقسى الألفاظ تأثيرا ومؤثرا من حيث المعنى ورغم أن (الفقد )مرادف لها لكنها أشد وقعا منه.
تعبير بالمشتق الراسخ الثابت في الأذهان أكثر من الفعل الحدث المتغير .
تخير من المشتقات صيغ المبالغة ليعبر بها ثم هي ليست أي صيغة بل صيغة ( فعول ) التي تضم إلى جانب المبالغة التفخيم .
ولولا أن البيت سيكون مكسورا لقلنا أن الشاعر لو اكتفى بهذه الكلمة دون الإضافة لكان كافيا لماتضمه هذه الكلمة من دلالات عدة ..
إنما نجد أن الشاعر أضاف إليها لفظة ( الأم ) ربما لمزيد بوح ومزيد تفصيل وبيان فالأم هنا هي كلمة واسعة المدلول ومامن شك أن لها رمزية خاصة عند الشاعر ..
ورغم أن الشاعر يوضح انه ليس بناطق تأفف الأيام إلا أنه نطق فالصمت عن الزيادة أبين في الإفادة ولولا تأففه لمااستخرج الشعر منه احنه المعتلجة فيه
لكن ما أبلغ الباء هذه المتصلة ب ( ناطق ) وكأنه يريد أن ينفي أقل التأفف والتضجر عنه لأنه مثقل بالصبر حقا !
وما أبلغ التعبير بالمشتق اسم الفاعل ( ناطق ) لأنه ضم إلى الحدث فاعله وكأنه يريد أن يؤكد أيضا أنه ليس مع الحدث وليس الحدث معه ليتأفف أو ينطق بهذا التأفف !
رغم أن التأفف ظاهر ولو لم يصرح بهذا كما قلت .
ثم لأقف معكم وقفة هامة عند هذا التركيب ( تأفف أيام ) :
هذه الإضافة – اضافة التأفف للأيام – تحتمل وجهين :
إما تأففه هو من الأيام وإما تأفف الأيام منه وهذا أوجع وهو دافع أكبر إلى أن يتأفف منها مادامت قد تأففت منه !
فإذا كان الأول فقد سبق الإلماع إلى هذا وبقي أن أقول أن أضافة التأفف لنكرة يزيد المعرفة ويعزز عمق المعنى وهو التأفف وبالتالي يكشف مدى اتساع هذا التأفف في حياته وشمول حياته به .
وإن كان الثاني فهو كما قلت أشد وجعا وتأثيرا وفيه من التصوير ماهو أبلغ حيث يشخص الأيام ويصبغها بصبغة الحياة ويلبسها لباس شخص متضجر متأفف
ثم يبرز تركيب آخر وهو قوله ( وإن كنت لا أبا ) وهو يؤكد نفي التأفف وإن كان التألم الشديد ظاهر في الأحرف .. لكن هذا من البوح الذي يحتاجه الشاعر
وأريد التأكيد مرة أخرى إلى أن الام والاب هنا رمزان يندرج تحتهما الكثير من المعاني التي تقارب في العمق والقوة معنى الأبوة والأمومة ..
ولي عودة مع البيت الثالث
وتحية طيبة للشاعر الأديب / محمد الحريري إلم أعط قصيدته حقها من القراءة والتأمل والنقد أو أكون قد تأخرت عنها