مشاهدة النسخة كاملة : هل أيران دولة أستعمارية ؟
محمد دغيدى
12-09-2007, 11:03 PM
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
هل إيران دولة استعمارية؟
صلاح المختار
الملائكة لا تزني، وان زنت تشيطنت.
(1 – 10)
بشاعة عبدة البتروتومان*
من اغرب الامور، التي تتلألأ بأضواء العار في الساحة العربية، وجود عرب، كتاب وساسة وقادة تنظيمات فلسطينية مازالو يدافعون عن ايران ويعدونها في حالة صراع مع امريكا واسرائيل، واستنادا لهذه الفرضية المضللة يتوصلون الى موقف واضح اكثر تضليلا: (يجب دعم ايران)، مع انها تمارس دورا استعماريا هو الاشد ضراوة وتدميرا في العراق، في اطار شراكة رسمية بينها وبين امريكا تقوم على تقسيم وتقاسم العراق! لو ان احدا قال لنا قبل عام 1979 بان هناك عرب مستعدون لدعم ايران حتى وهي تحارب قطر عربي رئيسي، وهو العراق، لما صدقنا ولقلنا ان ذلك خيال سياسي، ولكنه حدث ووقع! ولو ان احدا قال لنا ان هذا الذي صار هواه التعبد في قم، مع انه سني طائفي او علماني بالمعنى الغربي، والتسوق من بازار طهران، لدرجة انه يتعامى عن غزو ايران للعراق وتدميره ومحاولة تقسيمه وتغيير هويته العربية وتشريد ستة ملايين عراقي من ديارهم، بالمشاركة الكاملة مع امريكا، لقلنا انها دعاية سوداء لتشويه سمعة هذا اليعربي العتيد، ومع ذلك نرى من مازال يغني مقاما فارسيا مخمورا في حانات عهر الضمير فوق قمة جبل طهران!
أننا الان في عصر العالم الافتراضي المعلوماتي، الذي يمكنه جعل الجمل يتحول الى بعوضة والجرذ الى ببغاء جميلة بحركة فأرة الكومبيوتر، اصبحنا نرى العجائب والغرائب في وطننا العربي، ومن هذه العجائب ان من شتموا السادات، لانه زار القدس وحطم المقدس لدينا، يقومون هم بالتصفيق لايران وهي تحطم قدس الاقداس : العراق! ان اشد ما يؤذينا هو ان قادة فلسطينيين وضعناهم في حدقات عيوننا لزمن طويل نراهم الان يبيعون العراق لايران مقابل بضعة تومانات! هل يستحق العراق هذا الموقف من هؤلاء؟ وهل ينسجم ذلك مع صرخاتهم حول غدر حكومات عربية بالشعب الفلسطيني وهم يغدرون بالعراق؟ وهل يدرك من يدعم ايران ان حجة دعم ايران لهم هم وليس للقضية، مرفوضة لانها نفس حجة الانظمة العربية التي باعت فلسطين باسم مصالحها هي؟ وكيف يمكن لفلسطيني، قائدا او مقودا، ان يقبل بالمحافظة على صلاته ببلد يدمر قطراعربيا مع انه يشتم ويحقد على كل من يعترف باسرائيل او يقيم علاقات معها؟ أليست تلك ازدواجية صارخة بكل المعايير القومية والوطنية والاسلامية والاخلاقية والمنطقية؟
ان قرارنا كشف الدور الإيراني لا يقصد به اقناع اولئك الذين ادمنوا مد يدهم الى خزنة اموال السفارة الايرانية، بل المقصود هو الجماهير العربية والمثقفون العرب، الذين ربما لم يفهموا بعد تعقيد وخبث العاب ايران، فهؤلاء هم بحرنا الذي نسبح فيه كي نبقى نقاتل الاحتلال، نحن انصار المقاومة العراقية، ولا يجوز ان نتركهم ضحية لخداع اعلاميين اصابهم الله بلعنة العته، وهم شباب فصاروا يروجون لايران، او لاغراء بريق البتروتومان الإيراني. ومن اهم ما يجب ازاحة النقاب عنه وتسليط الضوء عليه هو ان ايران دولة استعمارية أعتق واكثر دهاء وشراسة وعنادا من الاستعمارين الامريكي والاسرائيلي، والتاريخ والواقع العراقي والعربي يزخران بأكثر مما نحتاج اليه من الادلة والشواهد على ان الاستعمار الإيراني، ونكرر الاعتق والاشرس والاكثر عنادا ودهاء، هو احد اهم اقطاب ثلاثي الشر المعادي للامة العربية : امريكا واسرائيل وايران. فماذا يقول الواقع؟ وماذا يقول التاريخ؟
حينما يتحدث رسام مخمور
هناك مثل صيني ينطبق على سلوك حكام ايران بعد غزو العراق يقول (ان اقل الناس تقديسا للايقونات هم الرسامون الذين رسموها، فهم يعلمون من أي شيء صنعت)، والايقونة هي التماثيل او الرسومات والاشياء الموجودة في الكنائس، بشكل خاص، وتتمتع بقيمة دينية وتقديس لدى المؤمنين بها، ويتبركون بها، وتقع التربة، التي توضع تحت جبين الشيعي عند السجود في اطار الايقونات. وبما ان الايقونة من صنع رسام او عامل فانه يعرف حقيقتها وانها من صنعه ومن أي شيء صنعت وان الطين الذي استخدمه في صنعها اختاره هو من مكان عادي لا قدسية وربما يكون طينا نجسا. اما الانسان العادي فانه يظن انها مقدسة، بكل تفاصيلها، ويتوقع ان تشوّر (تشوّر باللهجة العراقية تعني تعاقب وهي كلمة دينية تطلق على من يرتكب أثما ما) به اذا تجاوز. ومع ذلك فان الرسام صانع الايقونة، كخامنئي وشارون، يتظاهر بتقديسها، اما لانه خدع نفسه فظن انها حقا مقدسة، رغم انه صنعها بيده، نتيجة عوامل خارقة اوحت له بذلك، او لانه يريد ان يكسب مالا او ارضا من وراءها.
ولكن حينما يسكر الرسام يفقد السيطرة على روادعه، فيخرج ما في كوامنه من مخفيات، ومنها نظرته الحقيقية لشيء صنعه بنفسه. كما ان تحقيق اهداف كبيرة تقع ضمن طموحات مقدس (بكسر الدال) الايقونة والذي يعرف سرها تمنحه قوة تحد تدفعه للتجاوز على ما تظاهر به من تقديس للايقونة. وهناك قصة معروفة لدى العراقيين وهي ان رجلين من ابناء الريف كان لهما حمار ونفق، وعندما كانا يدفنانه مر بهما احمق فسالهما : ماذا دفنتما؟ فاجابا للسخرية منه : لقد دفنا اماما هنا. فما كان من الاحمق الا ونشر الخبر في القرية، وبسرعة تدفق سكانها لزيارة مرقد الامام والحصول على بركاته، فتفتقت عبقرية اللذان دفنا الحمار عن فكرة جهنمية، وهي اخذ مال من كل زائر لمقام الحمار. وبسرعة صارا من الاغنياء. ولكنهما، عندما كانا يتقاسمان المال، اختلفا فاقسم احدهما برأس الامام الذي دفناه، فرد الثاني: هل تريد خداعي بهذا القسم وانت تعرف انني اعرف ان ما دفناه كان حمارا وليس اماما؟ هذا المثال الصيني، وتلك القصة العراقية، تنطبقان على حكام ايران ونخبها الصفوية، والتي تتبرقع بالاسلام والتشيع لتحقيق منفعة خاصة، كما يفعل رسام الايقونة او كما فعل من دفن الحمار.
ولكن النخب الايرانية، وقد قامت بالزنا باكبر المحارم الاسلامية، وهو المشاركة في غزو العراق ودماره وحصلت على ما كانت تريده، وهو تدمير العقبة الاساسية، التي تمنع الدجل والمتاجرة بالدين والطائفة، وهي العراق، وبعد ان سلط ضوء ساطع على المؤخرات العارية لافراد تلك النخب، بعد هذا كله لم تعد النخب الفارسية تهتم برد فعل من اشترى ايقوناتها وتربتها واصبح زبونا دائما لها، فخرجت ترقص في شوارع تل ابيب مخمورة وعارية كما خلقها رب الكون!
ما سنقرأه من تصريحات لحكام ايران، تكشف زناهم باعظم المحرمات الاسلامية، ليس سوى نتاج خمر تدمير العراق الذي اسكرهم فتقيأوا ما في نفوسهم من خطط ومواقف كانوا يخبأونها خلف ايقونات الاسلام والتشيع. دعونا نقرأ ما يقوله من كانوا حتى الامس القريب يعدون لمس يد امريكا حرام وكفر!
لقد صفع الإيراني رحيم صفوي وجه كل من يدافع عن إيران من الاعراب، يوم 18 – 8 – 2007، حينما قال بكل صراحة ووضوح : إن أمريكا مضطرة لقبول الثقل الإيراني في العراق ولبنان! (قناة الشرقية في نفس اليوم)، هذا الكلام لم يقله صحفي أو سياسي متوسط المستوى بل قاله صفوي، الذي يحتل مركز قائد الحرس الثوري الإيراني، وهو القوة العسكرية والاستخبارية الاساسية في إيران، وهو بهذه الصفة القوة الضاربة بيد النظام خارجيا وداخليا. فالكلام إذن تعبير دقيق ورسمي عن موقف إيران وسياستها الفعلية. ماذا يعني هذا الكلام؟ انه يعني بدقة لا لبس فيها ان ايران لها اذرع قوية داخل العراق ولبنان، وتستخدمها مباشرة لتحقيق مصالحها القومية الاساسية، وهذه الحقيقة اكدها وزير خارجية ايران رسميا عندما اخذ يتفاوض نيابة عن لبنان اثناء وعقب حرب العام الماضي بين اسرائيل ولبنان.
وتوقيت هذا التصريح مهم كجوهره، لانه يأتي بعد يوم واحد من توقيع الاتفاق الرباعي لتقاسم العراق بين الاحزاب الاشد عمالة، وهي الحزبان الكرديان، العميلان لامريكا واسرائيل، وحزبا الدعوة والمجلس الاعلى، العميلان لايران، والذي قام، أي الاتفاق، على تنفيذ خطة اتفق عليها السفيران الامريكي والايراني في اجتماعهما الرسمي الثالث في بغداد، قبل ايام من الاعلان عن التحالف الجديد. وهي خطة اساسها تقاسم ارض العراق وثرواته من قبل امريكا وايران عبر هذه الاحزاب. فمقابل اعتراف الحزبين العميلين لايران بضم كركوك الى ما يسمى ب (اقليم كردستان) بما في ذلك نفط كركوك، فان التحالف الكردي يعترف لاقليم الجنوب بحقه في الاستيلاء على الثروة، وبحق ايران في الوصاية عليه، وبان تقاسم العراق هو الحل النهائي.
هل هذا التصريح لحن نشاز ومنفرد ام انه جزء من قطعة موسيقية وضعت بعناية وعزفت، وتعزف، من قبل مجموعة اوبرالية بنسق ثابت؟
بعد 10 ايام على تصريح هذا الصفوي، اسما وهوية، جاء تصريح اخر لصفوي متطرف وخرمي عتيق اخطر واكثر صراحة ووضوحا، هو احمدي نجاد، الرئيس الايراني، حينما قال في مؤتمر صحفي يوم 28 – 8 – 2007 بان (ايران مستعدة لملء الفراغ الذي ستخلفه امريكا في العراق) وأكد بأن : (إن قوة الولايات المتحدة تنهار في العراق على وجه السرعة وان ايران مستعدة للتدخل لملء الفراغ). وقال نجاد: (القوة السياسية للمحتلين يجري تدميرها على وجه السرعة وقريبا جدا سنشهد فراغا كبيرا في القوة في المنطقة). واضاف (نحن مستعدون بمساعدة الاصدقاء في المنطقة والشعب العراقي لملء هذا الفراغ)! المصدر: وكالة الأخبار الإسلامية (نبأ) 28 أغسطس 2007.
وفي اعتراف مهم سابق كشف وزير المخابرات الايراني محسني ايجه عن نوايا طهران التوسعية وتدخلاتها في العراق، حينما قال خلال اجتماع لائمة الجمعة انه في الوقت الحاضر يعد العراق مكانا لتعزيز النوايا الالهية للجمهورية الاسلامية.
وأعرب وزير المخابرات الايرانيه عن اعتقاده بان واشنطن متورطة في العراق وتبحث عن مفر لها. الا انه في المقابل أعرب عن قلقه من مضاعفات التدخلات الايرانية في لبنان، وقال ايجه ان (أعداءنا وفي مقدمتهم أمريكا غاضبون علينا، ولذلك علينا أن نكون يقظين، وأن لا نسمح لهم أن بخلق مشاكل لنا). http://www. nooraliraqi. com/ بتاريخ 25 / 8 / 2006.
وعند نشوب الحرب بين لبنان واسرائيل في صيف عام 2006 قام الإمام الوصي على حزب الله علي خامنئي بارسال وزير خارجيته كمفوض ناطق باسم الحزب ليقوم بعملية تقزيم بشعة للبنان، من خلال زيارته الاستعراضية التي وصفت من قبل الكثيرين وكأنها زيارة تفقدية لقواته على أرض المعركة. ولهذا فإن وزير خارجية فرنسا (بلازي) التقى وزيرة خارجية اسرائيل كممثلة لاسرائيل ووزير خارجية ايران كممثل للبنان! بل لم يتردد (متكي) وزير خارجية ايران توجيه الانتقادات لخطة البنود السبعة للحكومة اللبنانية ويعترض عليها، ليلفت انتباه أمريكا والغرب إلى نفوذه الكبير على حزب الله، وذلك لأخذ مصالح ايران بعين الاعتبار عند التفاوض حول ملفها النووي، على حساب أشلاء أطفال لبنان.
ومن بين اهم التصريحات وقاحة، وتعبر عن موقف ايران الحقيقي، ما قاله حسين شريعتمداري حول تبعية البحرين لايران، ومصدر الوقاحة هو ليس التصريح بحد ذاته، لان ماورد فيه معروف ومكرر، بل التوقيت الذي اطلق فيه التصريح، حيث ان ايران تغرق في اكداس من الادلة على معاداتها للامة العربية، خصوصا ما يحدث في العراق المحتل. وفي هذا الصدد قالت (مجلة العصر) ان حكومة البحرين احتجت رسميا على مقال ورد بصحيفة كيهان الإيرانية الرسمية، اعتبر فيه كاتبه حسين شريعتمدارى أن للبحرين حسابا منفصلا عن دول مجلس التعاون في الخليج، لأنها جزء من الأراضي الإيرانية, وأن المطلب الأساسي للشعب البحرينى حاليا، هو إعادة هذه المحافظة إلى الوطن الأم, كما اعتبر في مقالته أن الأنظمة الخليجية ليس لها من الشرعية, كما للنظام في طهران.
ويخطئ من ينظر إلى هذا المقال وما ورد فيه، على أنه مجرد رأي أو وجهة نظر منقطعة تمثل فردا واحدا, فالمقال لا يمكن أن نعتبره توجها شخصيا من كاتبه حسين شريعتمدارى, لعدة أسباب منها الآتي :
أولا : أن الكاتب هو المستشار الإعلامي ل(مرشد الثورة) على خامئني, ومن ثم لا يتصور أن يخرج الرجل عن التوجهات المرسومة له سلفا, لاسيما وانه يكتب كذلك في صحيفة رسمية تعبر عن توجهات الدولة, وليس جريدة خاصة.
ثانيا : أن شريعتمدارى شغل من قبل منصب مدير الاستخبارات الإيرانية, فهو يعرف ويقدر معنى تلك الكلمات وصداها على دول الجوار, ولا يمكن بالتالي اعتبارها زلة لسان, فهي كما يبدو السطر الأول المعلن في سلسلة مقالات تنتهي بحسب التصور الفارسي في إعادة ملك فارس, وإيقاد (النيران المقدسة) المجوسية التي أطفئها العرب العراقيون، مجددا.
ثالثا : الحكومة الإيرانية لم تعلق، وكذلك الرئيس أحمدي نجاد، على تلك التصريحات الاستفزازية المقصودة التي أطلقها شريعتمدارى, فالصمت المريب ورفض السفارة الإيرانية في البحرين التعليق على تلك التصريحات, إنما يوحي بالرضا الحكومي عنها، بل يفهم من الصمت انها رسالة من الحكومة الايرانية.
وفي تأكيد اخر واخر على (حق) ايران في الوصاية على العراق، قال الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي في مقابلة نشرت يوم 5 – 9 – 2006 : إن على القوات الامريكية البقاء في العراق الى ان تتمكن الحكومة العراقية من السيطرة على الامور في البلاد. وصرح خاتمي لصحيفة يو اس ايه توداي انه (لا يمكننا ان نترك هذه الحكومة التي شكلت حديثا تحت رحمة ارهابيين ومتمردين)! واضاف (ان ايران ليست عدوة الولايات المتحدة وان البلدين لهما مصالح استراتيجية مشتركة في العراق وأفغانستان). وهذه التصريحات اطلقها خاتمي أثناء زيارة لامريكا وصفت بانها (خاصة) لإلقاء سلسلة من المحاضرات! وزيارة خاتمي هي الاولى التي يقوم بها مسؤول ايراني رفيع المستوى للولايات المتحدة منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إثر الثورة الاسلامية عام 1979 واحتجاز رهائن في السفارة الامريكية في طهران بعد ذلك. واشنطن - وكالات الأنباء- اخبار الخليج 6/9/2006
اذا اهملنا التصريحات القديمة لخميني وغيره من قادة ايران، والتي ادعوا فيها وجود (حقوق) في الارض والسكان لايران في الوطن العربي، وانها عاقدة العزم على اعادة تلك الحقوق، فاننا نواجه فيما سبق ذكره من اعترافات حديثة ثابتة رسميا باعتراف ايران، عدة حقائق، منها ما يلي :
1 – ان ايران تتدخل رسميا وعمليا في الشأن العراقي.
2 – ان ايران تتفاوض مع امريكا لتقرير مصير العراق.
3 – ان ايران لم تكتفي بتمكين امريكا من غزو العراق، كما اعترف خاتمي وغيره رسميا، ولم تكتفي بالقيام بدور حاسم ورئيس في تدميره، ولم تكتفي بأثارة الفتنة الطائفية في العراق، وانما هي الان تعقد صفقات مع امريكا على حساب مستقبل العراق ووحدته الاقليمية وهويته العربية.
4 – ان ايران تستخدم ادوات عربية، كحزب الله في لبنان، وادوات من اصول ايرانية كالاحزاب العميلة لها في العراق، للحصول على نفوذ داخل اقطار عربية تستخدمه بطرق مختلفة لخدمة مصلحتها القومية، فحزب الله في لبنان يخدم ايران بتوفير غطاء وطني معاد لاسرائيل وامريكا دعائيا، اما في العراق فان نفوذها يتحقق بالتعاون مع امريكا ودعم غزوها للعراق وتسخير عملاءها للتعاون مع امريكا.
5 – ان ايران تعتزم التدخل رسميا في العراق تحت شعار ملأ الفراغ الذي سيحصل اذا انسحبت امريكا وكأن العراق بلا شعب وقيادات وطنية لتقوم بواجبها!
ما معنى ذلك عمليا؟ معناه ان ايران بعد ان ساعدت امريكا على غزو العراق فهي تعقد صفقة مع امريكا على حساب العراق ووحدته الاقليمية وهويته العربية، في تاكيد لا يمكن نفيه لصحة ما قاله العراق، منذ عهد الشاه محمد رضا بهلوي وعهد الشاه المعمم خميني، من ان ايران تتدخل في الشأن العراقي وتهدد الامن الوطني العراقي والوحدة الاقليمية العراقية. فهل تقوم بعمل كهذا دولة لا طبيعة استعمارية لها؟ وماذا يميز ايران عن امريكا واسرائيل من حيث السعي لغزو دول اخرى واقتطاع اجزاء منها والتفاوض على مستقبلها؟ الم تفعل اسرائيل ذلك باحتلال فلسطين وتغيير هويتها العربية؟ الا تفاوض اسرائيل الان من اجل تقرير مصير ما تبقى من فلسطين باسم مفاوضات السلام؟ الم تفعل امريكا ذلك أيضا؟
ولكي تكتمل صورة ايران الاستعمارية يجب التذكير بان اكذوبة معاداة امريكا لايران يتكرر نفيها باستمرار منذ عام 1979حينما ابتدأ التوتر بين البلدين، ففي ذروة تبادل قبل الحبايب ولكمات العرض المسرحي بين امريكا وايران المستمر منذ ذلك التاريخ، اكد البيت الابيض الامريكي يوم 15 – 8 – 2007 بان واشنطن لا تعتزم مهاجمة ايران، واضاف الكليشة التقليدية القديمة قائلا : وان كان هذا الخيار سيبقى مفتوحا! ولمن لم ينتبه فان خيار مهاجمة ايران فتح منذ عام 1979 وحتى الان، ولم تطلق امريكا رصاصة واحدة على ايران، كما ان ايران لم تطلق رصاصة واحدة على امريكا، رغم ان خميني بح صوته وهو ينشد (الموت لامريكا واسرائيل)، واللتان ردتا على شتائمه بتزويده بالسلاح والعتاد والمعلومات الاستخبارية ضد العراق! هل تذكرون ايرانجيت؟ وهل تذكرون ان اسرائيل قدمت السلاح لايران؟ وهل تعلمون بان العراق لم يستلم طلقة واحدة من امريكا، كما يروج الجهلة او عهار الضمير، بل على العكس فان اسرائيل ضربت مفاعله النووي وامريكا شنت عليه حربين عالميتين وغزته دون ان يشتم الشيطان الاكبر؟ هل خطر على بال من يدعم ايران من العرب ان يتساءلوا : لم يضرب العراق ويغزى ويدمر، وتشارك ايران امريكا في كل الجرائم التي تعرض لها شعب العراق، مع ان العراق لم يهدد ولم يشتم امريكا بل كل الذي فعله هو انه رفض الانسياق وراء موجة الاعتراف باسرائيل من جهة، ورفض التفريط بسيادته على ثروته النفطية من جهة ثانية؟
ليس هذا فقط بل ان بريطانيا سمسار امريكا التقليدي، اعلنت، في تأكيد على موقف امريكي ثابت ومعروف، وهو ان من الضروري الاتفاق مع الاسلامويين سواء التابعين لايران كحزب الله او للطائفية السنية كالاخوان المسلمين. ففي تقرير مهم اصدره البرلمان البريطاني يوم 13 – 8 – 2007 دعا الى ضرورة الحوار مع حماس وحزب الله والاخوان المسلمون، وهذه الدعوة هي امتداد لحوار بدأ منذ زمان وكانت اخر محطة معلنة له هي التي وقعت في بيروت بين وفد امريكي بريطاني مع حزب الله والاخوان المسلمين في عام 2005، تم الاتفاق فيه على مواصلة الحوار. والاغرب، والمثير للانتباه، هو ان الحكومة المصرية طلبت من الحكومة الامريكية قطع اتصالاتها مع الاخوان المسلمين في مصر! (قناة الجزيرة 10 – 9 – 2007) تخيلوا الحكومة المصرية الصديقة لامريكا تحتج على الاتصالات الامريكية مع الاخوان المسلمين!!! والسؤال هنا هو التالي : لم تحاور امريكا وبريطانيا الاسلامويين شيعة وسنة، رغم انهم يرفعون شعارات معادية، في حين انهما ترفضان ليس الحوار فقط مع التيار القومي العربي، بل انهما تصران على اجتثاثه بقتل مناصريه وتصفية فكره وتنظيماته خصوصا البعث؟
ان السر في هذا التعاون الامريكي الايراني يعود لسبب واضح وهو ان ايران الملالي واكثر من ايران الشاه اظهرت عداء للعرب وللقومية العربية ومارست اعمالا توسعية على حساب العرب لاتقل خطورة عما فعلته اسرائيل وامريكا، لذلك، ومهما كانت الخلافات بين امريكا واسرائيل، من جهة، وايران من جهة ثانية، فانها تبقى خلافات ثانوية مقارنة بالتناقضات الرئيسية بين هذين الطرفين والامة العربية. هل نبالغ او نتجنى على ايران الملالي؟ كلا بالتاكيد فليس اكثر من العراقيين من له مصلحة في التعايش السلمي مع ايران، لاسباب عمرها الاف السنين، لكن الشوفينية الفارسية كانت منذ اقدم الازمان عدوانية وتوسعية غربا، في ارض العرب، وكانت حروبها لا تكاد تنتهي واحدة منها حتى تبدأ الاخرى، لدرجة ان الخليفة عمر بن الخطاب (ر) له قول مشهور بلوره بعد تجارب مريرة مع بلاد فارس، وهو (تمنيت لو كان بيننا وبين بلاد فارس جبل من نار)، كناية عن رغبة العرب في تجنب شرور ايران، بجعل الحدود معها من نار تمنع العبور.
* التومان هي العملة الايرانية، والبتروتومان هي العملة الايراني الأتية من موارد النفط الإيراني.
يتبع
منقول
محمد دغيدى
14-09-2007, 12:43 AM
(2– 10 )
جيف مزرعة ارانب مكتظة
ما هو الدليل على ان ايران معادية للعرب ولا تمثل في سياستها الخارجية أي مفهوم اسلامي بل هي تمارس اقدم واقسى اشكال الاستعمار ؟ اذا قرأنا بعض محطات الواقع ، خصوصا منذ الحرب التي فرضتها ايران على العراق في عام 1980 ، سنرى ان ايران لا تختلف عن اسرائيل في نزعتها الاستعمارية والتوسعية على حساب الامة العربية وانها كانت في زمن الشاه ، ومازالت في عهد الملالي ، اهم مساعد لامريكا في تنفيذ خطط تفتيت اقطار الامة العربية ، لذلك فان الادلة على التعاون الامريكي – الاسرائيلي مع ايران ودعمهما لها تشبه ، في كثرتها ، مزرعة ارانب اكتظت بالارانب ولم تعد تستوعب توالدها واغلقت باحكام ابوابها وكل نافذة فيها ، ومع ذلك فانها تستمر في التوالد ، فيكون من الطبيعي ان تختزن جيفة لا تظاهيها حتى جيفة بوش ، وعندما تهب عواصف وتفتح شبابيك المزرعة تنطلق منها جيفة لا تطاق رائحتها ، يشمها ويشمئز منها حتى من يجلس ليعاقر الخمر في لاس فيغاس مدينة القمار في امريكا !
صلة امريكا بأيران : الوجه والقفى
نشر موقع الصحفي الفلسطيني صالح النعامي المقابلة التي اجراها ديفيد ايغنشيوس كبير محرري صحيفة " الواشنطن بوست "، مع الرئيس الأمريكي جورج بوش مؤخراً، والتي تركزت حول الموقف الأمريكي من المشروع النووي الإيراني، فاشعلت الأضواء الحمراء في إسرائيل . كل من الساسة والجنرالات المتقاعدين وكبار المعلقين الإستراتيجيين الإسرائيليين توقفوا ملياً أمام ما جاء على لسان بوش في هذه المقابلة ، التي بادر بوش لدعوة ايغنشيوس لإجرائها معه في البيت الأبيض، وكأنه كان يتعمد إيصال رسائل محددة لصناع القرار في طهران. الجنرال والوزير السابق افرايم سنيه عضو لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست الإسرائيلي وأحد قادة حزب العمل الإسرائيلي بادر الى اجراء العديد من المقابلات الإذاعية ، وطرق أبواب مكتب رئيس الوزراء ووزير الحرب وقادة الأجهزة الاستخبارية لوضعهم امام خطورة ما جاء في مقابلة بوش ، مع العلم أن الكثير من المعلقين شاركوا سنيه قلقه الشديد مما جاء في هذه المقابلة .
ما الذي ورد في المقابلة واثار قادة اسرائيل ؟ ان أكثر ما يقلق الإسرائيليين في هذه المقابلة هو تعمد بوش عدم الحديث عن خيار القوة في مواجهة البرنامج النووي الإيراني . ليس هذا فحسب، بل أن بوش – كما يرى الإسرائيليون – بادر لمغازلة القيادة الإيرانية ، عندما أشار الى الدور الكبير الذي تلعبه ايران في المنطقة بوصفها ( دولة عظمى في المنطقة ) ، على حد تعبيره. ووجه بوش خطابه للإيرانيين : ( اننا نقدر ونحترم تاريخكم وثقافتكم ، وأنا أتفهم رغبتكم في تطوير برنامج نووي ، وأنا أرغب بجدية في القيام بكل شيء من اجل ايجاد حل لهذه القضية ) . ويضيف الرئيس بوش ( لا حاجة لي ولا رغبة بنزاع معكم ولا بد من العمل على تطوير برنامج خاص لتبادل المعلومات والثقافة مع ايران ) . والإستنتاج الذي توصل اليه معظم المعلقين في الدولة الصهيونية هو أن بوش يبدو مستعداً للتوافق مع إيران في كل ما يتعلق بالمشروع النووي الإيراني، مقابل أن تلعب طهران في تهدئة الأمور في العراق .
سنيه وبقية المعلقين عبروا عن انزعاجهم الشديد من تشديد بوش على أنه يمكن أن تلعب إيران دوراً أساسياً في تكريس الإستقرار في العراق . ويصل سنيه الى استنتاج مفاده أن بوش يريد غض الطرف عن البرنامج النووي مقابل أن تساهم طهران في توفير الظروف التي تسمح لواشنطن بسحب قواتها من العراق . ويضيف سنيه في مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية باللغة العبرية ( بوش يريد أن تدفع اسرائيل ثمن ازمته الخانقة في العراق ، فهو من أجل الخروج من المأزق العراقي مستعد للتوافق مع ايران حول برنامجها النووي ، الذي يعتبر أكبر تهديد وجودي لإسرائيل) . وحسب الإسرائيليين ، فأنه ليس فقط الرهان الأمريكي على دور لإيران في العراق ، هو الذي يصرف واشنطن للتفكير بعيداً عن الخيار العسكري ضد طهران ، بل أن صحيفة " هارتس " في عددها الصادر يوم 23 – 9 – 2006 تكشف النقاب عن أن كبار الصقور في الإدارة الأمريكية لم يعودوا واثقين بأن عملاً عسكرياً أمريكياً سينجح في تصفية أو إحباط المشروع النووي الإيراني. وأشارت الصحيفة الى ما وصفته ب " حلقات فراغ " في موقف "المثلث الحديدي" الذي يقوده بوش ونائبه تشيني ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد، منوهة إلى أن رامسفيلد الذي كان من كبار المتحمسين للخيار العسكري ضد إيران، أصبح يشكك في إمكانية نجاح هذا الخيار ضد طهران، لدرجة أنه يبدو مستعداً للتسليم بأن تتحول ايران الى قوة نووية . موقع الصحافي والكاتب صالح النعامي 24 – 9 - 2006 .
ان السؤال الذي نطرحه في ضوء ما ورد اعلاه هو التالي : من مكّن ايران من الوصول الى هذا الحد في مشروعها النووي ؟ اليس صمت وتواطوء الادارات الامريكية تجاه ايران مع ان الاعلام العالمي ، وبالاخص الامريكي ، كان في التسعينيات يشير الى نشاط ايران في شراء الاسلحة والمعدات النووية وكل شيء من العالم كله ، خصوصا من دول الاتحاد السوفيتي المنهار ، ومقابل ذلك ركزت امريكا وبريطانيا على انهاك العراق وتحويله من القوة الاقليمية العظمى الوحيدة في الخليج العربي والجزيرة العربية الى منطقة فراغ ستراتيجي ، بتشديد الحصار عليه ورفض السماح له بشراء أي عتاد حربي وشن ( حرب منخفضة الحدة ) ، تتمثل في فرض منطقتي الحظر الجوي والقيام بالقصف اليومي المحدود للمواقع العراقية ، منذ وقف اطلاق النار في شباط فبراير عام 1991 ؟ لقد كانت امريكا تريد للعراق ان ينهار ويتمزق ويفقد دوره كقوة اقليمية عظمى وحيدة بعد ان حيّد العراق ايران بالحاق الهزيمة بها في حرب الثمانية اعوام ، وكانت تريد ان تجعل من ايران قوة اقليمية عظمى مجددا .
اما خوف اسرائيل من ايران كما ورد في المقابلة فانه ( فوبيا ) لا غير ، أي مرض وسواسي اكثر من كونه حقيقة واقعية كما سنرى .
وعلاقة ايران الحقيقية بامريكا ، وليس الموقف الذي يروج في الاعلام ، قديمة قدم نظام خميني والذي كان يشتم امريكا واسرائيل بحدة لكنه كان يكافأ بارسال اسلحة امريكية واسرائيلية اليه ! وعبر عنها في بداية عام 2004 خير تعبير محمد على أبطحي ، نائب الرئيس الإيراني للشؤون القانونية والبرلمانية ، الذي وقف ـ بفخر ـ في ختام أعمال ( مؤتمر الخليج وتحديات المستقبل ) ، الذي ينظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية سنويا بإمارة أبو ظبي مساء الثلاثاء 15/1/2004م ليعلن أن بلاده ( قدمت الكثير من العون للأمريكيين في حربيهم ضد أفغانستان والعراق ) ، ومؤكدا انه ( لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة ) !! أبطحي عبر من جهته عن أساه لأن من كانت الدولة الإيرانية تدعوه بـ'الشيطان الأكبر' لم يثمن الخدمة الإيرانية له , فأردف قائلا (.. لكننا بعد أفغانستان حصلنا على مكافأة وأصبحنا ضمن محور الشر، وبعد العراق نتعرض لهجمة إعلامية أمريكية شرسة ) . وقبل ذلك نقلت جريدة الشرق الأوسط في 9/2/2002م عن رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام [أحد الأجهزة الثيوقراطية الإيرانية المتنفذة] الرئيس الإيراني السابق ؛ علي أكبر هاشم رفسنجاني قوله في يوم 8 فبراير في خطبته بجامعة طهران : ( إنّ القوات الإيرانية قاتلت طالبان ، وساهمت في دحرها ، وأنّه لو لم تُساعد قوّاتهم في قتال طالبان لغرق الأمريكيون في المستنقع الأفغاني ) . وتابع قائلاً : ( يجب على أمريكا أن تعلم أنّه لولا الجيش الإيراني الشعبيّ ما استطاعت أمريكا أنْ تُسْقط طالبان( . مفكرة الاسلام في 26 فبراير 2004 م . ما قاله ابطحي بفخر في مطلع عام 2004 كرره خاتمي رئيس الجمهورية في نهاية نفس العام حينما قال كلمته المشهورة : لولا مساعدة ايران لامريكا لما نجحت في احتلال افغانستان والعراق !
ويتعدى الدعم الايراني للسياسات الامريكية حدود المنطقة ليصل الى دعم امريكا في يوغسلافيا ، ففي دراسة للكاتب الامريكي المعارض نعوم شومسكي يقول (ان الرئيس لامريكي بيل كلنتون كان يرسل بالطائرات مقاتلي القاعدة وحزب الله
الى البوسنة لدعم الجانب الامريكي في الحرب الدائرة ) .
. Noam Chomsky: Hegemony or survival, ref: Bulletin of Atomic Scientists.
الاطار الستراتيجي لموقف امريكا من ايران
لماذا يتحدث خاتمي بلهجة توافقية مع امريكا ، كما نقلنا عنه في اعلاه ، وهي ( الشيطان الاكبر ) الذي يجب ان يموت حسب شعارات سيد خاتمي خميني ؟ ولماذا يعاتب رفسنجاني واصبحي ايران على موقفها الناكر لجميل ايران ؟ وهل يوجد تناقض في الموقف الايراني ؟ ان امريكا ، وهي تتعاون مع ايران ، تعرف مع من تتعامل ، وتدرك بعمق ماهي طبيعته وخططه الستراتيجية وضد من تتوجه في الواقع وليس في الشعارات . لذلك فان امريكا وايران ، ورغم كل اللغو الفارغ والتهديدات والضغوطات بينهما ، تقفان في خندق واحد عندما يتعلق الامر بالعراق بشكل خاص والامة العربية بشكل عام . ولاضاح هذه النقطة بشكل موثق لا يستند على تحليل او اجتهاد فقط ينبغي التذكير بالموقف الامريكي الرسمي والفعلي تجاه ايران .
ان السياسة الامريكية تجاه ايران تقوم على تمييز دقيق وصحيح بين كل من العراق وايران ، منذ زمن عهد الشاه وحتى الان ، ففي زمن الشاه كانت امريكا مع ايران بلا تحفظ وضد العراق بلا تحفظ ، وبعد سقوط الشاه حصل تعديل غير جوهري وانما ثانوي ، ابقى نظرة امريكا الى ايران كقوة قابلة للاستخدام ضد خصوم امريكا الاقليميين ، حتى لو برزت بين امريكا وايران خلافات تتطلب الضغط والتأديب ضمن العائلة الواحدة .
في عهد كارتر ، والذي شهد عهده اسقاط الشاه وصعود خميني ، كانت السياسة الامريكية ثابتة في عدم خسارة ايران كحليف اقليمي رئيسي ، لذلك فان اعتقال الدبلوماسيين الامريكيين في طهران ورغم اهانتهم واهانة امريكا فان امريكا لم تفعل شيئا جادا ضد ايران ، وقامت بعملية مسرحية لانقاذهم ، عززت ادعاء خميني ( ان الله معه ) بسقوط الطائرة في صحراء لوط وفشلها ! اكثر من ذلك فان اطلاق سراح المعتقلين الدبلوماسيين الامريكيين تم مقابل اسلحة وعتاد لايران ليستخدم ضد العراق في الحرب . وقام روبرت مكفارلين مستشار الامن القومي انذاك بزيارة سرية لطهران لبحث اطلاق سراح الرهائن الامريكيين واجتمع بالمسئولين الايرانيين ، وعلى راسهم رفسنجاني ، وتوصل الى اتفاقية تقوم على تزويد ايران بالسلاح والعتاد والمعلومات الاستخبارية عن العراق مقابل اطلاق سراح الرهائن الامريكيين ، وكانت تلك الصفقة ثمرة افتعال ازمة الرهائن الامريكيين التي لانشك الان ، وطبقا لكل المؤشرات والوثائق ، في انها كانت مسرحية امريكية هابطة لزيادة تلميع وجه خميني الذي يعد بحق اكبر واهم من خدم امريكا واسرائيل في كل الشرق الاوسط ( الوطن العربي ودول الجوار ) .
لقد ولدت واحدة من اشهر فضائح السياسة الامريكية ، وهي ، بنفس الوقت ، اشهر فضيحة لنظام خميني وهي ما سمي ب( ايرانجيت ) و( ايران كونترا ) ، والتي كانت عبارة عن مساومات رخيصة بين ايران ، التي كانت تواصل اشرس حملة اعلامية ضد امريكا ، وامريكا ، التي كانت ترد بنفس الشدة وتتهم ايران خميني بالتطرف ، ومع ذلك اتفقا على صفقة كان العراق ضحيتها ! ان هذا الموقف الامريكي ، الذي قد يوصف بالمائع من قبل من يجهل الحقيقة ، ماهو الا نتاج ضرورات ستراتيجية تقوم على خطة لاعادة تنظيم الدور الايراني في المنطقة في عصر تبنت فيه امريكا ، منذ عهد كارتر ، سياسة دعم ما يسمونه في الغرب ب(الاصوليات الدينية ) ومنها الاصوليات الاسلامية والمسيحية والهندوسية واليهودية ، فكان ضروريا اثارة النزعة الاصولية السنية في افغانستان لتكون الشرارة التي تشعل الاصولية الاسلامية السنية ، وأثارة النزعة الاصولية الشيعية في ايران لتكون ايضا الشرارة التي تلهب الاصولية الاسلامية الشيعية ، وبهما سوية ارادت امريكا ان تعيد ترتيب كل الوطن العربي ، وفقا لسياسة شرذمة الامة العربية وتمزيقها على اسس عرقية وطائفية ، كما دعت الستراتيجية التقليدية لاسرائيل ، وكما اقتضت مصلحة امريكا الاستعمارية . وكانت قاعدة دعم الاصوليات الدينية هذه هي اجتثاث الافكار الاشتراكية والقومية ، اولا ، والتي توحد الشعوب وتحل مشاكلها الاجتماعية ، ثم ، ثانيا ، توفير البيئة الطبيعية لاشعال حروب طائفية بين اصوليتين قويتين واحدة سنية ، ولدت في افغانستان ، والثانية شيعية صفوية ولدت في قم ، وبذلك تتخلص امريكا ، كدولة استعمارية ، واسرائيل ، كدولة استيطانية استعمارية ، من القومية العربية وتياراتها الوطنية التقدمية وتحول الوطن العربي الى نثار لا يجمعه شيء كما دعا هنري كيسنجر .
ان الخمينية ، في اطار هذه النظرة الستراتيجية ، ليست سوى حاجة ستراتيجية امريكية – صهيونية توظف لتمزيق الاقطار العربية طائفيا ، بعد ان فشلت امريكا ، وقبلها بريطانيا وفرنسا ، في القيام بالخطوة الثانية من تمزيق الامة العربية وهي تمزيق الاقطار العربية على اسس عرقية وطائفية ، بعد ان مزقت الامة الى اقطار في اتفاقية سايكس بيكو . لقد قاومت الامة العربية المجزءة الى اقطار محاولات التمزيق والشرذمة القطرية ، بفضل الوعي القومي العربي رغم كل الصراعات العربية – العربية التي نشأت ، لذلك كانت هناك حاجة ستراتيجية لطرف اخر اكثر قدرة على تمزيق الامة من داخلها وباستخدام المقدس لديها : الاسلام . ان اسلام خميني واسلام التكفيريين السنة هو الوحيد القادر على شرذمة اقطار الامة العربية ، اذا اجتث التيار القومي العربي وصفي ، نتيجة وجود اصطفاف وتناقض طائفيين بين الاحزاب الاسلاموية اوجدا استعدادا قويا لديها لجعل الحرب ضد الطرف الاسلامي الاخر ممكنا ، وربما يسبق باشواط الحرب مع الصهيونية والاستعمار .
كما ان الطائفيين من الطرفين يكرهان حد الحقد المتجذر القومية العربية وتنظيماتها السياسة لدرجة انهم مستعدون للتعاون فيما بينهم ، رغم تناقضاتهم الحادة ، لكنهم لايتعاونون مع القوى القومية العربية ! هذه الحقيقة تفسر سر اللقاء بين الاخوان المسلمين في مصر مثلا مع ايران رغم ان ايران تعمل ضد السنة علنا ! وهنا بالضبط تظهر المصلحة الاسرائيلية والامريكية في دعم التطرف الديني ، رغم انه يسبب خسائر لامريكا والغرب واسرائيل ، لكنها في الحسابات الستراتيجية وليس الاقتصادية او التكتيكية ، خسارة محسوبة وقابلة للتحمل وثمن مقبول لتحقيق الهدف الاخطر : شرذمة اقطار امة تملك اكبر احتياطي للنفط وهو دم الحياة العصرية ، من جهة ، وضمان بقاء اسرائيل دون تهديد يأتي من وجود امة عربية موحدة اوقوية من جهة ثانية . هنا يكمن السر في تحمل امريكا والغرب للخمينية والتكفيرية السنية رغم غوغائيتهما في شتم امريكا واسرائيل ، وما تسببانه من مشاكل يمكن التحكم بها بشكل عام .
ومن الحقائق المذهلة ان امريكا واسرائيل وايران تعمل وفقا لمثل ايراني معروف يقول ( لا تقتل الافعى بيدك بل بيد عدوك ) ، فامريكا واسرائيل تستخدمان ايران لتدمير وحدة الاقطار العربية ومحو الهوية العربية عبر اثارة الفتن الطائفية في كل مكان ، وهو عمل خطير وذو طبيعية ستراتيجية استثنائية الاهمية ، وايران استخدمت امريكا لدخول العراق لاجل تدميره بيد امريكا وبمساعدة كاملة منها . والان نرى امريكا وايران تستخدمان التكفيريين السنة ، سواء بصورة مباشرة او بصورة غير مباشرة ، لاجل تمزيق المقاومة العراقية وشرذمتها ، وهذا يفسر حقيقة ان ايران تدعم التكفيريين السنة بالسلاح والمال مع انهم ضدها طائفيا ! واذا اخذنا بنظر الاعتبار ان المقاومة العراقية المسلحة هي ، وليس غيرها ، التي وضعت المشروع الامبراطوري الامريكي الكوني امام تحدي الفشل الاكيد ، وان امريكا فشلت في كل خططها لتغيير مسار حرب تحرير العراق ، فان كل طرف يساعدها على تحييد المقاومة العراقية ، وهو وضع يسمح لها باعادة الروح لمشروعها الكوني ، هو حليف بحكم الواقع ومهما كانت خلافات امريكا معه . وبما ان ايران تعد المقاومة العراقية العدو الاول لها ، لانها تمنعها من تحقيق أي مكسب اقليمي دائم في العراق ، فانها تلتقي مع امريكا واسرائيل عند هدف جوهري وهو القضاء على المقاومة .
واستنادا لهذه الخلفية الستراتيجية المعروفة ولدت سياسة ( الاحتواء المزدوج ) التي تبنتها ادارة كلنتون ، وسياسة ( محور الشر ) التي تبنتها ادارة بوش الابن ، وهما تعكسان تلك الخلفية الستراتيجية وتجسدانها . فالاحتواء المزدوج تقول بان العراق وايران دولتان لامريكا معهما خلافات ، ويجب على امريكا ان تنجح في تغيير مسار هاتين الدولتين ، من خلال اسقاط النظام في العراق ، بكل الوسائل المتاحة ، لانعدام امكانية الحوار معه ، بينما يجب اقناع ايران ، بوسائل دبلوماسية سلمية وبالضغوط العسكرية والاقتصادية وليس بالحرب او الغزو ، بتغيير بعض سياساتها مثل دعم الارهاب او التطرف الديني او السعي لامتلاك اسلحة دمار شامل او العمل ضد السلام في الشرق الاوسط . اما سياسة محور الشر فانها تقول بان العراق وايران وكوريا الشمالية دول مارقة ويجب تغيير مسارها ، وهنا يتكرر نفس الموقف الذي تقوم عليه سياسة الاحتواء المزدوج ، وهو التمييز بين العراق من جهة وايران وكوريا الشمالية من جهة ثانية ، فالعراق يجب اسقاط نظامه اما ايران وكوريا فيجب اقناعهما بالضغوط وليس بالحرب بتغيير سياستهما .
ما معنى هذا التمييز ؟ انه يعني بدقة تامة ان ايران ، ومهما كانت خلافاتها مع امريكا واسرائيل ، تبقى الاحتياطي الستراتيجي الاهم لهما ، من بين دول الجوار العربي وليس تركيا كما قد يعتقد البعض ، الذي يمكنه لعب دور خطير في تفتيت اقطار الامة العربية ، وهو هدف اساس اسرائيلي - امريكي . ومما يعزز هذه الحقيقة الستراتيجية هو ان المشروع الامبراطوري الفارسي الحديث ، الذي عمل الشاه على تنفيذه ففشل فجاء الملالي لاكمال المشوار ، وبغض النظر عن الغطاء الذي يتستر به ، لا يتناقض من حيث الجوهر ، مع المشروعين الامريكي الاستعماري ، والاسرائيلي التوسعي الاستعماري ، بل يكملهما ويدعم فرص نجاحهما ، لان قاعدته الاساسية هي جغرافية ايران الان وفي المستقبل القريب ، اما المحيط الاقليمي ، والعربي منه بشكل خاص ، فهو عبارة عن منطقة حيوية جيوبولوتيكيا بالنسبة لايران ، تحاول الاستفادة القصوى منها في عقد مساومات مع امريكا . ان ايران تعرف ان ميزان القوى الستراتيجية الدولي لا يسمح لها بالدخول مع امريكا واسرائيل باكثر من لعبة عض اصابع ، لتحقيق مكاسب اقليمية لها مقابل خدمات تقدمها لكل من امريكا واسرائيل مباشرة او بصورة غير مباشرة . لذلك فان ايران بكل ما تقوم به من مناورات تكتيكية ، واتباع ايران وبالاخص حزب الله ، بكل ما يقومون به من اعمال قد تبدو خطيرة تصب في النهاية في خدمة المشاريع المشتركة الثلاث الامريكي والاسرائيلي والايراني .
اذن ، ووفقا لاعترافات قادة ايران ، فان امريكا تلقت دعما مباشرا وجوهريا من ايران وجيشها في غزو افغانستان والعراق وانه لولا الدور الايراني هذا لما نجحت امريكا في غزو العراق وافغانستان ! هل يحتاج هذا الاعتراف الرسمي والموثق لاي تحليل او تفسير او تبسيط ؟ كلا بالتأكيد فانه بالغ الوضوح وهو يؤكد ان ايران حليف رئيسي لامريكا وانها شاركت مباشرة ورسميا وبدور اساسي في غزو العراق وافغانستان ، وبغض النظر عما يقال لاغراض الاستهلاك في الاعلام والمحافل السياسية .
محمد دغيدى
14-09-2007, 04:25 PM
(3 – 10)
صلة ايران باسرائيل : لقاء استعمارين سكانيين
ان عقلية وثقافة الجيتو تقترن بفوبيا (خوف مرضي) محددة تجاه الغوييم، أي الاغراب الذين يعيشون خارج الجيتو، وغالبا ما يتم تضخيم خطر الغوييم على مواطني الجيتو. وفوبيا اسرائيل بصفتها دولة تقوم على ثقافة الجيتو تجاه ايران تقع في هذا الاطار. لكن من يعاني من فوبيا الاغراب يدرك في لحظة الخطر الحقيقي من هو العدو الحقيقي، فيتحرر بشكل ما من اغلب تأثيرات الفوبيا ويرى بدقة الهدف الحقيقي الذي يجب ان يضرب، والهدف المرضي (غير الحقيقي) والذي يجب ان لا يضرب مهما كات المخاوف منه. ان التعرض للخطر الحقيقي وتذوق مرارته يبخر اوهام فوبيا الاغراب. وهذه الحقيقية السايكولوجية تنطبق على موقف اسرائيل من ايران، بصفتها عدوا فتراضيا لم يقدم الواقع دليلا على عداوته، لا بخطوات ايران الفعلية ولا في مشاريعها النهضوية ولا في طبيعة صراعاتها. اما العراق فانه قدم في الواقع ما يثبت لاسرائيل انه عدو حقيقي لان الواقع المعاش، والماضي العميق، قد قدما لسكان الغيتو اليهودي ثم الجيتو الاسرائيلي ما يقنعهم بان العراق الحديث عدو خطير يجسد بعث بابل وعودتها للحياة، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معان، وبكل ما ينداح منها من ايحاءات في القاموس اليهودي قديما ووريثه القاموس الصهيوني حديثا، وفي مقدمة ذلك الاسر البابلي والذي يصر الصهاينة على تسميته ب(السبي البابلي)، كما ان قصص الكتب اليهودية العلنية والسرية تتحدث عن البابلي الذي سيعيد تحطيم اسرائيل، وكان ذلك احد اهم الاسباب في اغتيال الشهيد صدام حسين بعد ان اقتنع احبار اليهود ومفسري الغاز كتبهم بانه هو البابلي المنتظر.
ان انتماء العراق القومي وتاريخه الوطني، يجعله تلقائيا خصما وعدوا حقيقيا لاسرائيل، وتزداد العداوة عندما يكون لقادة العراق مشروعا نهضويا قوميا يقوم على الوحدة العربية وتحرير الاراضي العربية المحتلة، من جهة، وعلى برنامج تنموي جبار يعيد بناء الانسان العراقي ليصبح في قلب العصر الحديث من جهة ثانية. وعندما تقارن اسرائيل في لحظة يقظة امنية وستراتيجية، بين ايران الملالي الغارقة في بحر السعي لتدمير الامة العربية، وهي العدو الاساس لاسرائيل، والعراق الذي يبني ذاته لتحقيق التقدم الشامل مع انه الركن الاساس في حجب موجات التوسع الصهيوني وبروسيا العرب، ترى اسرائيل بوضوح ان الخطر يأتيها من عراق ناهض له مشروع قومي، ويعتمد على انسان جديد متعلم ومختص وقادر على استخدام العصر بكل منجزاته لاكتساب القوة، وليس من ايران همها الاساس تدمير ملك العرب، تحقيقا لقسم النخب الفارسية الذي قطعته بعد تدمير امبراطورية فارس على يد العراقيين. بل ان اسرائيل ترى ان دعم ايران سيحقق لها اعظم واهم اهدافها وهو التخلص من الخطر العربي. في اطار هذه النظرة الستراتيجية نستطيع تجاوز الدهشة عندما نجد اسرائيل تقدم الدعم المباشر وغير المباشر لايران الملالي رغم انها تشتم اسرائيل لاجل تمكينها من تحقيق حلم الاجداد وهو الانتقام من العرب واقامة امبراطورية الفرس على انقاض الامة العربية.
ان الدعم الاسرائيلي لايران، وهو امر قد يبدو غريبا لمن صدق الحملات الاعلامية الايرانية ضد اسرائيل، كبير وينطوي على دلالات خطيرة في سياق كشف التناقض الصارخ بين ما يظهر على السطح وما يجري تحته. فقد صرح وزير الخارجية الإسرائيلي في حكومة في نتنياهو (ديفيد ليفي) قائلا في عام 1997 (ان اسرائيل لم تقل في يوم من الايام ان ايران هي العدو) جريدة هاآرتس الاسرائيلية في 1- 6 – 1997. ويقول الصحفي الاسرائيلي اوري شمحوني : (ان ايران دولة اقليميه ولنا الكثير من المصالح الاستراتيجية معها، فايران تؤثر على مجريات الاحداث وبالتاكيد على ماسيجري في المستقبل، ان التهديد الجاثم على ايران لا ياتيها من ناحيتنا بل من الدول العربية المجاورة! فاسرائيل لم تكن ابداً ولن تكن عدواً لايران) صحيفة معاريف الاسرائيلية 23 /9/1997. وأصدرت حكومة نتنياهو امراً يقضي بمنع النشر عن اي تعاون عسكري او تجاري او زراعي بين اسرائيل وايران. وجاء هذا المنع لتغطية فضيحة رجل الاعمال الإسرائيلي
ناحوم منبار، المتورط بتصدير مواد كيماوية الى ايران، لان هذه الفضيحة تشكل خطراً يلحق باسرائيل وعلاقاتها الخارجية. وقد ادانت محكمة تل ابيب رجل الاعمال الإسرائيلي بالتورط في تزويد ايران ب 50 طنا من المواد الكيماوية لصنع غاز الخردل السام. وقد تقدم المحامي الإسرائيلي(امنون زخروني) بطلب بالتحقيق مع جهات عسكرية واستخباراتية اخرى زودت ايران بكميات كبيرة من الاسلحة ايام حرب الخليج الاولى. جريدة الشرق الاوسط العدد (7359).
وقامت شركة كبرى تابعه لموشيه ريجف، الذي يعمل خبير تسليح لدى الجيش الاسرائيلي، قامت شركته ما بين (1992-1994) ببيع مواد ومعدات وخبرات فنية الى ايران. وقد كشفت عن هذا التعاون الاستخبارات الامريكية بصور وثائق تجمع بين موشيه والدكتور ماجد عباس رئيس الصواريخ والاسلحة البايولوجية بوزارة الدفاع الايرانية. " صحيفة هاآرتس الاسرائيلية، نقلا عن الشرق الاوسط عدد 7170.
ونقلت جريدة الحياة، الصادرة في لندن بعددها (13070)، استنادا لكتاب (الموساد) للعميل السابق في جهاز الاستخبارات البريطانية ريتشارد توملينسون، تحت عنوان : وثائق تدين جهاز الموساد لتزويده ايران بمواد كيماوية، نقلت ماقاله الصحفي الإسرائيلي يوسي مليمان من انه (في كل الاحوال فان من غير المحتمل ان تقوم اسرائيل بهجوم على المفاعلات الايرانية وقد اكد عدد كبير من الخبراء تشكيكهم بان ايران - بالرغم من حملاتها الكلامية - تعتبر اسرائيل عدواً لها. وان الشيء الاكثر احتمال هو أن الرؤوس النووية الايرانية هي موجهة للعرب) " نقلا عن لوس انجلس تايمز.. جريدة الانباء العدد (7931)" .
واثناء الحرب العراقية الايرانية ارسلت اسرائيل اسلحة الى ايران، منها صفقة سلاح من رومانيا، تبلغ قيمتها (500 مليون) خمسمائة مليون دولار. وتأتي هذه الصفقة لتكشف تاريخاً طويلاً من العمل الإسرائيلي المتواصل منذ عام 1980 لتوفير الأسلحة لإيران لكي تواصل حربها ضد العراق والعرب، وإذا كانت صفقات الأسلحة الإسرائيلية لإيران، هي الخبر المهم، فإن الخبر الأهم هو أن يقوم سماسرة ووسطاء إسرائيليون بالتجول في العالم وفي عواصم أوروبا بالذات بحثاً عن أسلحة لإيران. لقد تجاوزت إسرائيل مرحلة بيع سلاحها وتقديمه للخميني، إلى قيامها بتوفير أية قطعة سلاح، ولو من السوق السوداء لهذا النظام لكي يواصل حربه ضد العراق.
واهم الأرقام عن صفقات الأسلحة توضح أن الإنتاج الحربي الإسرائيلي حقّق تطوراً كمياً ونوعياً، في النصف الأول من الثمانينات، ما قيمته 850 مليون دولار، إرتفعت عام 1986 إلى مليار و300 مليون دولار) معلومات وردت في أحد تقارير " المركز الدولي للأبحاث السلمية في ستوكهولم " ووردت في مجلات عسكرية متخصصة مطلع العام 1987). وقدرت مصادر أوروبية متخصصة بالشئون العسكرية أن الزيادة في مجملها، وبنسبة 80 % منها، كانت كلها صادرات أسلحة وقطع غيار إسرائيلية إلى إيران (مجلة " لوبوان " الفرنسية ومجلة " استراتيجيا " الشهرية اللبنانية مطلع العام 1987). وترى هذه المصادر
أنه مقابل هذا الدعم العسكري بالأسلحة من إسرائيل لإيران، تحظى الحكومة الإسرائيلية بسيطرة إقتصادية ظاهرة في إيران، عن طريق اليهود الإيرانيين الممسكين بالإقتصاد الإيراني، أو عن طريق شركات كانت تعمل في عهد الشاه، ثم أوقفت أعمالها مؤقتاً مع بداية حكم الخميني، وحالياً عادت لتعمل بحيوية ونشاط.
لكل هذا فان كلام خميني ضد اسرائيل ذهب أدراج الرياح، فإسرائيل تتسلط على نسبة كبيرة من إقتصاد إيران، وفي ظل حكم الخميني نفسه، ولقد عادت شركة "أرج" الإحتكارية الكبرى للظهور، بعد أن كانت قد أوقفت أعمالها مؤقتاً، وهي شركة إسرائيلية كبرى سبق للخميني أن هاجمها، كما هاجم "الكوكالا" في إيران التي هي أيضاً إسرائيلية، والطريف والمثير هو أن إسرائيل عادت لتغرق السوق الإيرانية بإنتاجها من البيض، وهذا كله سبق للخميني واتخذ منه حجة ضد حكم الشاه المخلوع (تصريحات الخميني على إثر إعتقال الطالقاني وبازركان خلال حكم الشاه) 0ولقد كشفت مصادر مطلعة في باريس أن السماسرة الذين يعملون لتجميع السلاح إلى إيران، وبينهم إسرائيليون، يتخذون من "فيلا شاليه باساغي"، وهي فيللا كانت لشاه إيران وعادت للحكومة الإيرانية الحالية، الواقعة على الطريق الثاني من بحيرة جنيف، أي من الجهة الفرنسية بالقرب من قرية "سانت بول أن شاليه" والأرض المحيطة بها، ومساحتها 28 ألف متر مربع، يتخذون منها مركزاً لتجميع الأسلحة التي يشتريها الإسرائيليون، تمهيداً لشحنها عن طريق الموانىء الأوروبية إلى إيران، كما يتخذ السماسرة، وبالذات الإسرائيليون، من مزارع مجاورة لتلك الفيللا وهي "مارالي"و "لي هوز" و "لي مويت" مراكزاً لتدريب الإيرانيين على بعض الأسلحة والخطط العسكرية، ويتولى " أوتيون دي بنك سويس " عمليات دفع ثمن الصفقات التي تحولها إسرائيل إلى إيران.
(نشرة "ستار" الصادرة بالفرنسية والمتخصصة ببعض الأخبار الخاصة بالأسلحة)
ورأت تلك المصادر أن إسرائيل في حماسها هذا لتوفير السلاح لإيران كانت تريد ان تحقّق أرباحاً باهظة، وكذلك تساعد في إطالة أمد الصراع ضد العراق والعرب، لتعطيل قدرات العرب ككل، ولتحقيق مكاسب داخل إيران نفسها ومنها : تخفيف الضغط عن اليهود الإيرانيين وخاصة التجار منهم، والسماح بتحويل أموالهم لإسرائيل، وخاصة أموال التاجر اليهودي الكبير حبيب الفانيان، وهو أحد المحتكرين الكبار أيام الشاه الذي تم إعدامه في إيران في مايو 1979 في مطلع زحف الجماهير الإيرانية ضد حكم الشاه (صحف 10 مايو 1979)0 أما صفقات الأسلحة الإسرائيلية لإيران، فرغم أن أمرها قد إتضح مع فضيحة
"إيران جيت" في العام 1987، إلا أنها قديمة وتعود إلى مطلع الثمانينات، أي مطلع حكم الخميني نفسه. ويلخص أبا إيبان وضع إسرائيل مع حكم الخميني بقوله : "عندما يكون النظام الإيراني صديقاً فإننا نمكنه من الحصول على الأسلحة، للإحتفاظ بصداقته، أما عندما لا نعرف ما هو موقفه من إسرائيل فإننا نمكنه من الحصول على الأسلحة لمعرفة ذلك (الواشنطن بوست 12/12/1986).
وما دمنا ذكرنا ايرانجيت فان من الضروري التطرق لبعض ما قدمته اسرائيل لايران وقتها. لقد قالت الصحف الكويتية في 30 سبتمبر 1980 أن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية على علم مسبق وتوافق على إستخدام إسرائيل طائرات أجنبية وطرقاً جوية أوروبية غير مباشرة لشحن قطع الغيار إلى إيران 0 وتاريخ الخبر مهم جدا فالحرب بين العراق وايران ابتدأتها ايران في 4 -9 – 1980 ورد العراق في 22- 9 من نفس الشهر، وفي 30 – 9، أي بعد يومين من الرد العراقي، عرف ان امريكا توافق على شحن اسرائيل للسلاح الى ايران! بعد الصحف الكويتية قالت صحيفة " الأوبزرفر" اللندنية في نوفمبر 1980 أن إسرائيل ترسل قطع غيار الطائرات (ف – 14) وأجزاء مروحيات وصواريخ على متن سفن متوجهة إلى موانىء إيرانية ومن بينها مرفأ بندر عباس، بعض تلك الشحنات من الولايات المتحدة إلى إسرائيل ثم تحويلها مباشرة إلى إيران دون أن تمر بإسرائيل.
ما معنى هذا؟ انه يعني ان اسرائيل تعرف على وجه اليقين ان ايران، بحكم طموحاتها لاقامة امبراطورية فارسية عظمى اقليميا، لا تسعى لصدام رئيسي معها (اسرائيل)، ولا تريد منافستها على ارض تعدها اسرائيل ارض (اسرائيل الكبرى)، بل ان ايران توظف قضية فلسطين لاجل اختراق الامة العربية وتمزيقها، للحصول على نفوذ او اراض عربية طبقا لموازين القوى الدولية والاقليمية. لذلك فان ايران ليست عدوا رئيسيا لاسرائيل ولا اسرائيل عدو رئيسي لايران، مهما بلغت حدة الحروب الكلامية بينهما. ومن الامور البالغة الاهمية ملاحظة ان ايران تلقت اسلحة من اسرائيل اثناء حربها مع العراق وليس العراق، وملاحظة ان اسرائيل تريد تقسيم العراق وليس ايران. واخيرا وليس اخرا لم تكن صدفة ابدا ان حدود ايران غربا تنتهي عند الضفة الشرقية لنهر الفرات، كما اكدت خرائط استولى عليها الجيش العراقي الباسل اثناء الحرب مع ايران، في حين تنتهي حدود اسرائيل الكبرى، او التوراتية عند الضفة الغربية لنهر الفرات. بمعنى اخر ان نهر الفرات هو الحد الفاصل بين الامبراطوريتين الفارسية والصهيونية! فلماذا نتوقع صراعا اساسيا بين ايران واسرائيل مع ان لهما عدوا مشتركا عبر التاريخ وهو الامة العربية؟ وفي ضوء هذه الحقيقة الستراتيجية فان اسرائيل وايران، ورغم وجود توترات بينهما، يعملان سوية ويتبادلان الخدمات، بصورة مباشرة، كما حصل حينما قدمت اسرائيل لايران خدمات كبرى اثناء الحرب مع العراق، او غيرمباشرة، كما حصل حينما ردت ايران على خدمات اسرائيل فقدمت خدمة لها (لاسرائيل) بالمشاركة الرئيسية مع امريكا في تدمير اعظم خطر على اسرائيل وهو العراق، اضافة لعمل ايران على تدمير الامة العربية من خلال تفتيتها طائفيا ومنعها من التوحد والتحرر من الاستعمار والصهيونية.
ان السمة المشتركة بين الصهيونية والنزعة الفارسية هو انهما نزعتان تقومان على الاستعمار السكاني لاراضي الغير وتغيير الطبيعة السكانية لشعب او لاراضي الغير، منطلقتان من اساطير تأريخية حول حق التملك استنادا لماض اسطوري، كما هي حال الصهيونية، او لماض امبراطوري بائد كما هو حال ايران.
محمد دغيدى
16-09-2007, 04:29 PM
(4 – 10)
الخطوات الاستعمارية العملية الايرانية
أذا كانت المؤشرات التي تناولناها، رغم وضوحها وقوتها لاتقنع بعض مؤيدي ايران العرب بان ايران دولة استعمارية فان ثمة خطوات اقدمت عليها ايران لا تقبل الخطأ في دلالاتها الاستعمارية، ومنها :
1- احتلال الاحواز العربية، والتي قدمتها بريطانيا لايران اثناء احتلالها للعراق في العشرينيات من القرن الماضي. والاحواز لمن لا يعرف الكثير عنها اكبر من فلسطين مساحة وسكانا، حيث يبلغ عدد سكانها ثمانية ملايين نسمة كلهم عرب، كما ان الاحواز هي مركز اهم ثروات ايران وهو النفط والغاز، وفيها اكبر كمية مياه في بلد تشكل ازمة المياه اخطر ازمة في تاريخ ايران كله ماضيا وحاضرا. لقد تأمرت بريطانيا على الامة العربية في اطار تنفيذ خطة سايكس بيكو البريطانية – الفرنسية لتقسيم الوطن العربي وتقاسمه، وكان ضم الاحواز الى ايران من بين اهم مظاهر تنفيذ تلك الاتفاقية الاستعمارية. ان بقاء الاحواز ضمن العراق، خصوصا بعد ان عرف الغرب الاستعماري ان النفط غزير جدا في الاحواز وبقية العراق، يمنح العراق ثقلا اضافيا يقلب توازنات المنطقة في غير صالح الاستعمار، فقرر تحجيم العراق نفطيا باقتطاع الاحواز منه وضمها الى ايران من جهة، ومنح ايران الفقيرة نفطا ومياها لتقوى وتتمكن من لعب دور كابح اندفاعات العراق التحررية والحضارية، على اساس معرفة بريطانية دقيقة بطبيعة العراق الخاصة، من جهة ثانية، ولخلق عامل صراع مستقبلي بين العراق وايران حول الاحواز من جهة ثالثة.
ومن المعروف ان الشاه رضا بهلوي، والد الشاه الاخير محمد، قد ذكّر ابنه عندما حضرته الوفاة بانه (استعاد) الضفة الشرقية للخليج العربي وان على ابنه محمد ان (يسترجع) الضفة الغربية الى السيادة الايرانية! والسؤال هنا هو : ما معنى احتلال ايران للاحواز العربية، ومحاولات تفريسها، التي مازالت مستمرة منذ العشرينات من القرن الماضي؟ هل يختلف ذلك عن احتلال فلسطين من قبل الصهاينة وبمساعدة نفس الطرف الدولي بريطانيا؟ أذا كنا قوميين عرب، او اسلامويين او ليبراليين، ما الفرق بين الاحواز وفلسطين؟ نحن كقوميين عرب نعد الاحواز مثل فلسطين، والاسلامويين يجب ان ينظروا اليها كارض اسلامية احتلت كما احتلت فلسطين، والليبراليون يجب ان ينظروا اليها كقضية حقوق انسان رئيسية، فهل فعل كل هؤلاء ذلك؟ هل طبقوا مبدأ وحدة قيمة الارض والشعب والحق؟ ومن الملفت للنظر ان ما احتله الشاه حافظ عليه الملالي رغم انهم يدعون انهم يدافعون عن حقوق المسلمين!
2- وفي عهد الشاه ايضا احتلت ايران الجزر العربية الثلاث، التابعة لدولة الامارات العربية المتحدة وبتواطأ بريطاني ايضا، وفق منطق القوة لا غير، وحينما اسقط الشاه وكانت شعارات خميني اسلامية معادية للاستعمار والصهيونية توقع البعض، ممن لا يعرفون حقيقة ايران، ان تعيد حكومة الملالي الجزر لاصحابها، الا انهم فوجئوا برفض ايران خميني اعادتها!
3- وتكرر الامر مع البحرين وكل دول الخليج العربي، حيث ان خميني اعلن رسميا انه بصدد اسقاط حكام الخليج العربي والجزيرة، بحجة انهم تابعون للغرب ووضع المنطقة كلها تحت حكم ايران تحت شعار مضلل هو اقامة الدولة الاسلامية بزعامة ايران.
4- وقصة تسمية الخليج هي الاخرى تقدم لنا مؤشرا على ان ايران (الاسلامية) هي في الواقع مجرد غطاء لايران الفارسية، لان خميني بالذات رفض مقترحا من منظمة المؤتمر الاسلامي، بحل الخلاف حول تسميته (هل هو خليج عربي ام خليج فارسي؟) باطلاق تسمية (الخليج الاسلامي) بدل التسميتين المختلف حولهما، واصر على بقاء تسمية (الخليج الفارسي)!،
5- اما غزو العراق فقد تحدثنا عنه ونكتفي بذكر ان ايران تحتله، كما امريكا، وهي الشريك الاول فعليا لها في الغزو والتدمير المنظم للعراق، وتتفاوض معها لتقرير مصير العراق! فما معنى ذلك؟ وهل يختلف هذا النهج عن النهج الاسرائيلي – الامريكي؟
6- واخيرا وليس اخرا فان اخطر تهديد للامة العربية، منذ غزو فلسطين وحتى الان، هو الفتن الطائفية التي انتشرت في معظم الاقطار العربية، فنحن نرى الان في مصر والسودان والاردن وسوريا ولبنان والخليج العربي والمغرب العربي فتنا خطيرة اساسها، وسببها المباشر هو التبشير الطائفي الايراني، الذي انطلق على نحو خطير بعد وصول الملالي للسلطة في ايران واسقاط الشاه، فانشق المسلمون وتعاركوا وتحاقدوا! ان اهم واخطر نتائج ما يسمى خطئا (الثورة الاسلامية) ليس تهديد اسرائيل، كما يدعي الاعلام الايراني ومارينز ايران العرب، فتلك اكذوبة وسخة، كما اثبتت الاحداث وواقع الصراع، بل هي حركة قومية فارسية توسعية استعمارية تشكل تهديدا خطيرا ورئيسيا ومباشرا على الامن القومي العربي، من خلال زرع بذور التقسيم والشرذمة الطائفية في الوطن العربي، والتدخل المباشر والفظ في شئون الاقطار العربية وانموذج ذلك التدخل في العراق عبر الحرس الثوري الايراني والاحزاب التابعة له، والتدخل الشامل في لبنان عبر الاداة الايرانية المسماة حزب الله، والتي حولت اقسام من لبنان العربي الى مستعمرة ايرانية لا ترى فيها سوى صور خميني وخامنئي وقادة ايران!
من هنا فان من الطبيعي ان يتحول الجهد العربي من التركيز التام على مواجهة الخطر الامريكي – الاسرائيلي الى توزيع الجهد العربي بين ايران وامريكا واسرائيل لمواجهة الخطر الايراني القاتل والمتصاعد. لقد تجسد الشر الايراني في انها هي المحرك الرئيسي للفتن الطائفية والشريك الاساسي لامريكا واسرائيل في تمزيق الامة العربية! ان اولئك الذين يستغربون من هذا التحول في الاهتمام العربي خصوصا الشعبي منه بالخطر الايراني الداهم، اما لا يفهمون ما يجري في الواقع العربي او انهم متواطئون مع ايران لاسباب مختلفة، لان التهديد الايراني ماثل امام الاعين وتخريبه يتصاعد واهم ما يترتب عليه هو ان الانسان العربي يصبح مضطرا لتغيير اولوياته في مواجهة خطر من الداخل الاسلامي وله تأثير تشرذمي وليس تأثير توحيدي.
وماراه العرب في العراق يشجع على اعتبار الخطر الايراني مثل الخطر الاسرائيلي والامريكي من قتل على الهوية الطائفية والتهجير المنظم لستة ملايين عراقي، في اطار عمليات تطهير ظاهره طائفي لكن حقيقته عرقية تنفذها ايران وتستفيد منها وتساعدها عليه امريكا واسرائيل، لان من حل محل العرب المهجرين هم فرس بلغ عددهم اربعة ملايين جلبوا من ايران، اضافة لاكراد اخرين من تركيا وطنوا في شمال العراق، فرفع عدد اكراد العراق من 2,5 - 3 ملايين كردي عراقي، قبل الغزو، الى اكثر من اربعة ملايين كردي منحوا الجنسية العراقية، كل ذلك من اجل تغيير الطبيعة السكانية للعراق وانهاء طابعه العربي. ان من يتعجب من التعامل مع الخطر الايراني بصفته تهديد مباشر وجوهري للامة العربية وهو يعرف هذه الحقائق يجب ان نضع عليه فورا علامة استفهام حول حقيقة ارتباطاته، لسبب بسيط هو ان هذه التغييرات السكانية لا تختلف ابدا عن التغييرات السكانية في فلسطين التي احدثتها الصهيونية وبمساعدة الغرب. كما ان تعاون امريكا مع ايران لانجاح عملية تغيير الطابع السكاني للعراق يعيد انتاج الدور الغربي في التسبب في مأساة فلسطين ولكن هذه المرة في العراق!
وفي ضوء ما تقدم فان الاستغراب والتعجب يجب ان ينصبا على السلوك الايراني وليس على رد الفعل العربي المشروع على جرائم ايران، فالضحية من حقه ان يتهم الجلاد ومن حقه ان يحذر وينذر، واذا كنا وقفنا ضد الغزو السكاني الاسرائيلي لفلسطين فان من الواجب ان نقف ضد الغزو السكاني الايراني للعراق، لان رفضنا لاسرائيل ويهود اسرائيل لم يأتي بسبب يهوديتهم على الاطلاق بل نتيجة كونهم احتلوا ارضنا وهجروا شعبنا وغيروا طبيعة فلسطين السكانية. ان الاستعمار هو الاستعمار سواء اطلقت عليه تسمية ايران او اسرائيل او امريكا او بريطانيا، وكل ازدواجية في التعامل مع الغزو بكافة اشكاله يعد موقفا مشبوها من الضروري فضحه بلا هوادة وتسليط الضوء على من يتبناه مهما كان.
خصائص الاستعمار الايراني
اذن كيف نصف هذا الدور الايراني؟ من اجل الجواب يجب ان نعيد بتركيز تام التذكير باهم خصائص هذا الدور :
1 – ايران تحتل اراض عربية في الاحواز والخليج العربي والعراق كما فعلت اسرائيل وامريكا.
2 – ايران تعمل على تغيير الهوية العربية في العراق والخليج العربي من خلال الهجرة المنظمة تماما كالمشروع الصهيوني في فلسطين.
3 – ايران تنشر الفتن الطائفية تماما مثلما تفعل اسرائيل في الوطن العربي رسميا وعلنيا.
4 – ايران تمارس الابادة الجماعية للعرب كما في العراق والاحواز، تماما مثلما فعلت وتفعل اسرائيل في فلسطين وامريكا في العراق.
5 – ايران تتبع سياسة التفريس المنظم تماما كما تقوم اسرائيل باتباع سياسة الصهّينة لفلسطين.
6 – ايران تتبرقع بالدين لامرار مشاريعها التوسعية تماما مثلما تفعل اسرائيل بالاستناد الى اساطير توراتية.
7 – ايران تعلن ان لها الحق في التدخل في شئون العرب باسم المصلحة القومية الايرانية، وهو ما عترف به احمدي نجاد وخاتمي وخامنئي وغيرهم، تماما مثلما تفعل اسرائيل مع الاقطار العربية باسم مصلحة الامن الاسرائيلي.
8 – ايران تستخدم القوة لتحقيق اهدافها التوسعية تماما مثلما تفعل اسرائيل وامريكا.
9 – ايران تصر على ادعاءات تاريخية لاثبات حقها في البحرين والعراق والخليج العربي بحجة انها كانت في زمن ما ضمن الامبراطورية الفارسية، تماما مثلما تفعل اسرائيل.
10 – ايران لديها مشروع امبراطوري قديم متجدد يقوم على السيطرة على المنطقة الغربية لها، بشكل خاص وهي الخليج العربي والجزيرة العربية، سواء بالقوة العسكرية او بالنفوذ الطائفي او بالهجرة السكانية المتدرجة. وهذا الاسلوب هو ذاته اسلوب اسرائيل في الاحتلال التدريحي المنظم.
11 – ايران قوة استعمارية اقليمية بمطامع ومطامح دولية وهذا بالضبط هووضع اسرائيل.
هذه الخصائص الايرانية تجعل منها في ان واحد قوة استعمارية أقليمية تقوم بالغزو بالقوة العسكرية، وهي بذلك تشبه امريكا كدولة غزو استعماري تقليدي، او تغزو بصورة متدرجة وغير مباشرة عبر الهجرة السكانية الى المناطق المستهدفة بالغزو، كما فعلت اسرائيل فهي دولة غزو سكاني، وفي الحالتين انها تستخدم الغطاء الطائفي للعثور على طابور خامس داخل الامة العربية، فهي دولة تتوكأ على الدين لتحقيق اهداف غير دينية كاسرائيل! ان خصائص ايران كدولة استعمارية تتعزز بتذكر ان الاستعمار الايراني وجد قبل ظهور الاستعمار الصهيوني بالاف السنين، لان اقامة اسرائيل التوراتية قرار اتخذ في مؤتمر بازل في سويسرا في نهاية القرن التاسع عشر، كما ان الاستعمار الايراني اقدم ايضا بالاف السنين من الاستعمار الغربي بشكل عام والاستعمار الامريكي بشكل خاص، حيث احتلت الامبراطورية الفارسية قبل الميلاد ما يسمى الان ب(الشرق الاوسط) وهو الوطن العربي مضافا اليه دول الجوار ووصلت اوربا مرتين على الاقل.
محمد دغيدى
17-09-2007, 04:53 PM
(5 – 10)
الاستعمار الايراني اعتق استعمار في التاريخ
ان عتق الاستعمار الايراني وكونه مزيج مندمج من الاستعمار التقليدي، الهادف الى النهب والاستيلاء على ارض وثروات الاخرين، والدافع الثقافي وهو سيطرة الحضارة الفارسية على حضارات الاخرين بالغزو السكاني المتدرج، قد انتج شخصية فارسية تتسم بالعناد والتصلب والغرور والانغلاق على الذات وتسعى دوريا وبلا كلل للسيطرة على الاخرين اذا فقدتها لسبب من الاسباب. واذا حللنا الاستعمار الاوربي وفرعه الهجين الاستعمار الامريكي، لوجدنا انه استعمار اقتصادي في المقام الاول وليس له دوافع ثقافية او حضارية في الواقع، على عكس ما يدعيه الغرب، لان حضارته هي، في الواقع، مدنية وليست حضارة، وبهذا المعنى فانها عملية تنظيمية لمجتمع تربطه المصلحة بالاساس وليس الثقافة، وذلك لتعدد المنابع الثقافية له وتناقضها. وكما في كل تنظيم فانه يربط الافراد لفترة معينة ثم تحل روابط تنظيمية اخرى بديلة تبعا لتبدل الظروف، وهذه الحقيقة تنطبق على امريكا بالدرجة الاولى.
من هنا فان الاستعمار الغربي استعمار قوي عسكريا لكنه هش ثقافيا، والمستعمرون الاوربيون قساة لكنهم بلا معنويات قوية لانهم يفتقرون الى الاساس الحضاري والفكري الذي يبلور الشعور الحقيقي، وليس الكاذب، بالتفوق الاخلاقي. هذه الحقيقة رأيناها في الجزائر عند حرب التحرير حيث كان المستعمر يحب الحياة لدرجة انه يصبح جبانا حينما تتهدد حياته فلا يقاتل ويستسلم، ورايناها في العراق المحتل حيث ان الجنديين البريطاني والامريكي جبانان ويرتعبان عندما تحصل معارك جبهية مع المقاومة العراقية، واعظم مثال على ذلك هو ان خمسين الف عسكري امريكي عوقوا نفسيا وجسديا نتيجة عدم تحملهم لضغط الحرب وبسالة المقاومة العراقية، وتعترف وزارة الحرب البريطانية بان واحد من كل اربع جنود بريطانيين مصاب بعوق نفسي من جراء اشتراكه في غزو العراق.
وبعكس ذلك فان الفارسي صلب التكوين النفسي لانه محمل بارث استعماري عمره الاف السنين، ولديه ذكريات عن ازمان المجد والعراقة الحقيقية، كانت فيها الامبراطورية الفارسية تحكم الكثير من اقطار الامة العربية وتصل الى اليونان، وكانت لها حضارة عريقة قدمت للانسانية الكثير. وبتأثير هذه الثقافة فان الفارسي المتطرف يحن لاحياء مجد الاجداد ويكره من حطم ذلك المجد وهم العرب عند فرض الاسلام على فارس وتحطيم الامبراطورية الفارسية، ويغتنم كل فرصة لاحياء الامبراطورية، وهي عملية تعني تحديدا الغاء الاخر وبالاخص الامة العربية وباخضاعها وتذويب ثقافتها وهويتها. ان مصدر متانة معنويات الفارسي حين يقاتل تكمن هنا، في ماضيه العظيم، وان عناده يكمن هنا، أي في اعتقاده بان حضارة فارس افضل من الحضارة العربية الاسلامية. لذلك نشأت لديه ازدواجية بارزة بعد دخول الاسلام الى فارس، وتحوله من دين مفروض بحد السيف الى دين تؤمن به الاكثرية بصدق، فرينا الفارسي مسلم متطرف، كتطرفه القومي، يشترك في الانتفاضات والتمردات التي واجهت الدولة العربية الاسلامية (مثلا دورهم في اقامة الدولة العباسية)، تارة مندمج وتارة متمرد وتارة مبدع ثقافيا، لكنه في كل الاحوال اسير انتماءه القومي الذي كان يتغلب على اسلاميته!
وفي اطار تقسيم الادوار بين نخب الفرس، في مواجهة الدولة العربية الاسلامية، اندمج البرامكة ووصلوا ذروة التاثير والنفوذ في العصر العباسي وامتلكوا ثروات هائلة، ومع ذلك كان الهاجس القومي قويا ومتحكما فيهم ولذلك كان اندماجهم عبارة عن خطة لتفتيت الدولة من الداخل، فحاولوا احتواء الخلافة لصالح الفرس بيد من حرير. وفي نفس الوقت كان دور بابك الخرمي ان يقاتل الدولة العباسية من خارجها لمدة عشرين عاما لاستنزافها من اجل مجد فارس! اذا بحثت عن خلفية كهذه لدى الاوربي وامتداده الامريكي لن تجد تمترسا بالثقافة والعرق والحضارة والهوية كتمترس الفارسي، ولذلك فان الاستعمار الايراني اصلب وامتن واكثر قسوة وديمومة من الاستعمار الغربي.
وهناك عامل جيوبولتيكي منح الشخصية الفارسية هذه الصلابة التي رايناها اثناء الحرب العراقية الايرانية في تدفق موجات الانتحاريين بلا انقطاع، على خطوط الدفاع العراقية، مع ان بعضهم كان يحمل السيوف! وسقط منهم مئات الالاف قتلى نتيجة اعتقاد كان مزيجا من الاوهام الدينية، حول الذهاب الى الجنة، واحلام قومية وهي اعادة بناء الامبراطورية التي حطمها الفاتحون العرب. والعامل الجيوبولتيكي يتمثل في ازمة المياه الخطيرة والقديمة التي تتميز بها ارض فارس، والتي شرحها الشاه محمد رضا بهلوي في كتابه (رد للتاريخ) الذي الفه بعد طرده من ايران، فهي ارض وعرة ومناخها غالبا بارد في الشمال والشرق، وارضها الصالحة للزراعة محدودة لا تتجاوز نسبتها 13 – 15 % وحتى هذه النسبة القليلة جدا، والتي لا تكفي سكان فارس، لا تستغل كلها نتيجة شحة المياه والاعتماد على الامطار، والتي اذا لم تسقط عامين متتاليين تحدث مجاعات كبيرة وكوارث انسانية تجبر الفرس على الهجرة غربا الى العراق حيث المياه الوفيرة والارض الصالحة للزراعة.
ان التفسير الجيوبولتيكي لظاهرة مطامع ايران الان، وفارس في التاريخ، في ارض العراق واحتلاله بشكل متكرر من قبلها، قبل الاسلام بلا دوافع دينية بل اقتصادية بالدرجة الاولى، وبعد الاسلام بدوافع طائفية مصطنعة، هو وحده الذي يقدم لنا فهما صحيحا للسبب الذي جعل ايران تتجه في غزواتها غربا، أي نحو العراق، وليس شمالا او شرقا او جنوبا في غالب الاحوال. لقد كان الماء والكلأ هما الدافع الاساسي الذي اجبر القبائل الفارسية البربرية وبعدها الحضارة الفارسية على جعل غزو العراق اول خطوة لحل مشاكل ايران المزمنة وهي الحاجة للغذاء والماء. وعندما كانت هناك دولة قوية في فارس ويحل القحط فان غزو العراق كان هو الحل، اما اذا كانت الدولة ضعيفة او ان العراق قوي فان الحل هو الهجرة الجماعية للعراق للعيش والعمل فيه.
في اطار هذا الفهم الجيوبولوتيكي للنزعة الاستعمارية الايرانية يمكننا ان نفهم ان غزو العراق ليس مجرد نهج امبراطوري قومي بل هو ايضا، وقبل ولادة الامة الفارسية، كان استجابة بايولوجية جماعية لقبائل كانت تموت من الجوع اذا لم تغزو العراق. وبمقارنة دوافع الغرب الاستعماري والذي يغزو لزيادة الثروات الموجودة لديه، والتي تجعل الغزاة غير معرضين للموت اذا لم يقوموا بالغزو، بدوافع فارس والتي اسميت ايران في عشرينيات القرن الماضي فقط، نجد ان دوافع الفرس من الغزو هي اكثر تعقيدا وخطورة من دوافع الغرب، فالغربي يستطيع العيش اذا لم يغزو، لان اوربا قارة رطبة تكثر فيها المياه والغابات، اما الفارسي فانه اذا لم يغزو في الماضي فانه يعرف انه سيموت جوعا، واضيفت لهذه الحقيقة الخلفية الحضارية لبلاد فارس والتي منحت الفارسي احساسا بانه افضل من غيره واحق من غيره بثروات الاخرين وبانه لذلك يجب ان يحكمهم.
ان هذا المزيج المعقد من الدوافع الايرانية يجعل الاستعمار الايراني اثبت وادوم وارسخ من الاستعمار الغربي، واكثر شراسة وعنادا منه ايضا. ان الخلفية التاريخية والذاكرة الجمعية للفارسي تملأ وعيه بالقلق من المستقبل باللاشعور نتيجة ازمات الجوع وكوارثه، ممتزجا بشعور بالتفوق نتيجة بناء حضارة واقامة امبراطورية غزت العالم القديم، وهو ما جعل قادة الفرس، واخرهم محمد رضا بهلوي، يصفون العرب بالحفاة تحقيرا لهم، كما انه دفع الانتلجنسيا الفارسية في بغداد اثناء الخلافة العباسية، والتي كانت مسيطرة على الجو الثقافي في العراق، تهاجم العرب وتهينهم في عقر دارهم وفي ظل امبراطوريتهم، دون خوف او تردد، الامر الذي دفع المثقفين العرب وفي مقدمتهم الجاحظ للرد على النخب الفارسية بعبقرية بارزة.
ومن المفيد ذكر حادثة اخبرني بها صديق مناضل من محافظة بابل (من الحلة) اثناء الحرب مع ايران، احجم عن ذكر اسمه خوفا عليه، تقدم لنا صورة حقيقة لسايكولوجيا الفارسي، فلقد كان في الحلة شاب ايراني كالاف الايرانيين الذين كانوا مقيمين في العراق، وكان هذا الشاب قويا ويتعارك مع الجميع، وفي يوم ما كان صديقي مارا فوجد الايراني يطلب المصارعة من الاخرين ويتحداهم، فامسك بصديقي وقال له لنتصارع، فرفض صديقي وقال له انه مكلف بعمل من اهله وليس لديه وقت للمصارعة، فألح عليه واخبره بانه لن يتركه الا اذا تصارع معه، فاضطر صديقي للموافقة، بعد ان اشترط عليه ان يكون الصراع لمرة واحدة فقط، فوافق الايراني، وبما ان صديقي كان مستعجلا فقد قرر ان يبطح الايراني بسرعة، ففعل ذلك بحركة سريعة، واراد الذهب فقال له الايراني لن تذهب ويجب ان تصارعني مرة اخرى، فذكره صديقي بوعده بان تكون المصارعة مرة واحدة، فقال الايراني لن ادعك تذهب حتى تصارعني مرة اخرى، فاضطر صديقي للموافقة مرة اخرى وبنفس الشرط السابق : ان تكون المصارعة لمرة واحدة فقط، ومرة ثانية صرع صديقي الايراني امام الجمع الحاشد، الذي كان يصفق للمنتصر، وهو ما اثار جنون الايراني وجعله يتنصل من وعده، للمرة الثانية، ويعود لطلب التصارع مرة ثالثة، فادرك صديقي بانه لن يتخلص من الايراني الا اذا خسر المصارعة، فقرر ان يتظاهر بانه غلب، وفي المرة الثالثة اسقط صديقي نفسه على الارض وقال لقد غلبتني واريد الذهاب، فرد الايراني : كلا لقد اسقطت نفسك، وانا مصر على ان ابطحك بصورة حقيقية والا لن ينتهي الصراع!
يقول صديقي ابن الجنوب هذه هي العقلية الايرانية، عناد وعنجهية ونزعة عدوانية حتى لو تمظهرت بالود!
أيهما اخطر : غزو فلسطين ام شرذمة الاقطار العربية؟
ان اهم قضية يتجاهل كثيرون اهميتها الحقيقية هي ان ايران هي مصدّرة الخطر الاعظم على الامة العربية منذ غزو العراق تحديدا وهو الفتنة الطائفية، والتي تشكل التحدي الاكبر للامة العربية بشكل عام وللعراق بشكل خاص. نعم يتحدث كثيرون عن هذه الفتنة ويدينونها ولكنهم مع الاسف الشديد لا ينتبهون غالبا لصلتها بمخطط ستراتيجي عام ابتدأت بوضعه الحركة الصهيونية قبل انشاء اسرائيل، وتبنته بريطانيا وفرنسا حينما كانتا القوتان الاستعماريتان اللتان غزتا الوطن العربي، والان تتبناه امريكا منذ مطلع التسعينيات! ان المهم في السياسة التحررية ليس معرفة المخططات المعادية بل ادراك الطرق والاساليب والتكتيكات المعتمدة لتنفيذها، خصوصا تلك المتعلقة بالعمل الاستخباري، وهنا تكمن مشكلة اغلب الانتلجنسيا العربية فيما يتعلق بايران ودورها الخطير في المخططات الصهيونية والاستعمارية حيث يبدون جهلة او متجاهلين لحقيقة الدور الإيراني. لنشرح هذه المسألة ونسلط الضوء عليها.
حينما قررت الصهيونية انشاء ما اسمته (وطن قومي لليهود) في فلسطين كان اول هدف تم تبنيه من قبلها هو تفتيت الامة العربية على اسس عرقية وطائفية ومنع وحدتها، لان وحدة الامة تجعلها قادرة على منع احتلال فلسطين ودحر المخططات الصهيونية والاستعمارية الغربية. ان اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور كانا تنفيذا للقرارات الصهيونية تلك، فالوعد لا يمكن تنفيذه الا اذا قسمت الامة ومنعت وحدتها القومية، فاتفقت بريطانيا وفرنسا على تحقيق ذلك بتجزئة الامة الى اقطار مستقلة عن بعضها وفقا لاتفاقية سايكس بيكو، رغم ان هاتين الدولتين وعدتا العرب بتحقيق الوحدة العربية اذا دعموا الحملة الاستعمارية الغربية ضد الدولة العثمانية. في سايكس بيكو اصبح العرب دولا مستقلة شكليا وكل منها يتمتع بالسيادة الشكلية ايضا، وزرعت بذرة القطرية وتغليبها على انتماء القومي. وفي عام 1948 تم اغتصاب فلسطين بعد عمليات هجرة منظمة شجعتها بريطانيا ودول اخرى، في جو تفكك العرب وضعفهم ورشوة حكامهم بأقامة دول ذات سيادة اصبحت المحافظة عليها اهم من الدفاع عن مقدسات العرب في فلسطين وهويتهم ومصالحهم.
وبين العشرينيات والثمانينيات من القرن الماضي كان العمل الاساسي للقوى الاستعمارية والصهيونية هو تكريس وتجذير النزعة القطرية بافتعال ازمات كثيرة حدودية وغيرها، وهو ما نجح الغرب والصهيونية فيه. ولكن في الثمانينيات برزت خطة اخرى تعد أخطر من اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور، وهي خطة تجزئة القطر الواحد، فلئن كان الهدف في الماضي هو اقامة انظمة قطرية تسهل اغتصاب فلسطين، من قبل الغرب والصهيونية، فان تجزئة القطر العربي الواحد على اسس عرقية او طائفية هو هدف المرحلة الجديدة، منذ الثمانينيات من القرن الماضي. ونرى في تفاصيل الستراتيجية الاسرائيلية التقليدية خطوط العمل المعادي الاكثر خطورة في العصر الحديث، مثلا ما شرحه عوديد ينون في (ستراتيجية لاسرائيل في الثمانينيات) وابرزها خط دعم الاقليات العرقية والدينية والطائفية في الوطن العربي وتشجيعها على الانفصال، من اجل تحويل القطر الواحد الى دويلات متناحرة ومتعادية وتفتقر الى الهوية الواضحة، وخط تعزيز الروابط مع دول الجوار غير العربية من اجل تطويق الامة العربية بحزام معاد يستطيع خلق المشاكل لها كلما اقتضت المصالح الصهيونية ذلك، ودعم نشاط الاقليات من اجل الانفصال.
ورغم خطورة النزعة العرقية او الاثنية والتي شجعت في العراق (قضية الاكراد مثلا)، او في المغرب العربي (قضية البربر مثلا)، ورغم الاستنزاف والخسائر في البشر والمال وفرص التنمية التي نتجت عن النزعات الانفصالية الاثنية فان مقارنة خطرها بخطر الطائفية يظهر لنا حقيقة ما نواجهه من تحد غير مسبوق. اننا حينما نقارن مخاطر الانفصالية الاثنية، كما تجلت في العراق والمغرب العربي، بمخاطر الطائفية، كما تجلت في العراق المحتل، وابرز مظاهرها دعوة الطوائف للانفصال في الفدراليات التقسيمية وارتكاب مجازر التطهير الطائفي الشامل والذي ادى الى مقتل اكثر من مليون عراقي وتهجير ستة ملايين عراقي، نجد في سلم ترتيب المخاطر ان الطائفية تحتل المركز الاول بلا ادنى شك في ظل الاحتلال، وذلك وضع غير مسبوق على الاطلاق في تاريخ كل ازمات العرب.
والاخطر والاكثر اهمية هو ان الكارثة الطائفية شملت كل الاقطار العربية تقريبا : مصر، التي كنا لا نعرف من هو القبطي ومن هو المسلم فيها، نراها الان تواجه مشكلة التوتر الحاد والخطير بين الطرفين، وادخل التشيع الصفوي الى مصر فاخذت تواجه فتنة الصراع السني الشيعي مع انها كانت مصر الجميع الموحدة والتماسكة، وهكذا نرى مصر اكبر الاقطار العربية والتي كانت اشدها تماسكا سكانيا تواجه خطر الشرذمة! وهذا الحال ينطبق بدرجات اقل او اكثر على السودان والمغرب العربي والخليج العربي والجزيرة، فهي كلها تتعرض لفتن طائفية حادة وخطيرة وصلت حد القتل والتكفير المتبادل، فصار التحدي الطائفي هو التحدي الاول لكل العرب بعد الوجود الاستعماري، وتراجع التحدي الاثني الى الخلف رغم استمراره لان الاثنيات محدودة مقارنة بالطوائف!
أذن نحن نواجه التحدي الاستعماري ولكنه تحد يتوكأ مباشرة على اثارة الفتن الطائفية، والتي لولاها لما تمكن من البقاء في العراق لفترة طويلة، هذه الفتن التي دفعت العراق الى حالة لم يمر بها من قبل في كل تاريخه، وصار بتأثير بيئتها هناك من يقاتل من اجل اقامة فدراليات (هي في الواقع كونفدراليات) في الجنوب والوسط والشمال، تتقاسم الثروة وفقا لخطوط التقسيم الطائفي، فاغتيلت الدولة الوطنية وحل محلها الولاء للطائفة! ما معنى ذلك عمليا؟ ومن المستفيد منه؟ انه يعني ان مخطط اسرائيل الجديد بتقسيم القطر العربي الواحد الى دويلات مهمشة وتدور في فلك هذا الطرف الاقليمي غير العربي او ذاك الطرف الدولي، هو الذي ينفذ وينتعش على يد قوى طائفية، ومن البديهي ان نلاحظ ان المستفيد الاكبر منه هو اسرائيل لانها تحقق حلمها التقليدي ولكن على يد غير يدها! من هي هذه اليد التي تحقق الحلم الاسرائيلي في تفتيت الامة العربية على اسس طائفية؟ انها ايران اولا دون ادنى شك، وهي ايران ثانيا وعاشرا وواحد بعد الالف دون ادنى شك! واي ايران هذه التي تحقق اغلى اماني اسرائيل في شرذمة اقطار الامة العربية وتحويل كل قطر منها الى كيانات قزمة طائفية متناحرة، بعد ان شرذمتها اتفاقة سايكس بيكو على اساس قطري؟ انها ايران الملالي، ايران خميني صاحب الصوت المبحوح الذي اضعف سمعنا من شدة صراخه الهستيري : (الموت لامريكا) و(الموت لاسرائيل).
الان وفي الواقع العملي وبعيدا عن عهر شعارات ملالي ايران، نجد انها هي الطابور الخامس الاسرائيلي الاخطر على الامة العربية! ونجد ان (فليق القدس) الايراني، وهو الجهاز التابع للمخابرات الايرانية والمختص بنشر الفتن الطائفية عن طريق التبشير الصفوي في العالم الاسلامي كله، هو حصان طروادة الاسرائيلي الاكثر تخريبا لوحدة الاقطار العربية والاشد تهديدا لوحدتها الوطنية.
اذا قارنا اغتصاب فلسطين وخطورته واثاره بالفتن الطائفية الحالية، خصوصا في العراق، التي تنفذها ايران بدعم كامل من امريكا واسرائيل، سنجد ان اغتصاب فلسطين، بكل ما انطوى عليه من مأساوية وخطر امني عام لكل الوطن العربي، هو لعبة اطفال مقارنة بخطر الشرذمة الطائفية لكل الاقطار العربية. لقد ادى اغتصاب فلسطين الى فقدان قطر عربي لكن الامة بقيت كلها وتقدمت وتراجعت هنا وهناك، بل ان القوى الوطنية رأت في احتلال فلسطين جرس انذار لها حفزها للاستعداد لمواجهة التوسع الاسرائيلي. ان النهضة الوطنية والقومية العربية العارمة التي اعقبت اغتيال فلسطين وتمثلت في ظهور الناصرية، كحركة تحرر وطني عربية قوية، وصعود البعث في العراق وهو يحمل مشروع نهضة عربية متقدم وبناء دولة مواجهة صلبة البنيان، ومعارك المقاومة الفلسطينية المجيدة في الارض المحتلة وخارجها...الخ، ان ذلك كله وغيره كان نتاج جرس فلسطين والحصانة القوية التي تولدت لدى العرب ضد اسرائيل وتوسعها، وما الحروب التي وقعت منذ عام 1948، وبغض النظر عن الفشل والتقصير، الا مظاهر للحصانة العربية.
لقد تمكنت الامة من الوقوف على قدميها وارتفع صوت عبدالناصر والبعث والقوى الوطنية الاخرى يدعو لتحرير فلسطين، وادركت الصهيونية والغرب الاستعماري الداعم لها خطورة البعث القومي الجديد، خصوصا بعد ان دعم الاتحاد السوفيتي والصين والهند ودول العالم الثالث العرب في نضالهم ضد الصهيونية التوسعية، وهكذا اضطرت الصهيونية، وبضغط اوساط غربية اقلقها انشطار العالم بين مؤيد للعرب واخر مؤيد لاسرائيل، لصياغة مفهوم جديد لشعار (ارضك يا اسرائيل من الفرات الى النيل)، يقوم على استبدال التوسع الجغرافي بين الفرات والنيل بالهيمنة التكنولوجية والعسكرية وممارسة نفوذ اقليمي حاسم. ومما ساعد على هذا التغيير في ستراتيجية اسرائيل هو الطبيعة البايولوجية للعرب مقارنة بنفس الطبيعة لدى يهود اسرائيل، والتي اثبتت ان التوالد لدى العرب اكثر عددا من مثيله لدى اليهود، وبني على هذه الحقيقة استنتاج مخيف للصهيونية، وهو ان من يطلق عليهم تسمية (عرب 48)، أي العرب الذين بقوا داخل الكيان الصهيوني وحملوا الجنسية الاسرائيلية، وحدهم قادرين بمرور الزمن على التفوق سكانيا على اليهود في العدد، ومن ثم فان الدولة اليهودية النقية كما رسمتها مخيلة الصهاينة ستندثر وتظهر بدلها دولة مختلطة السكان وهذا هو الناقض الخطير لاسرائيل التوراتية.
وفي اطار البعث القومي الذي ولده اغتصاب فلسطين حاول المرحوم عبدالناصر بناء دولة الانموذج القومي لكنه غيب نتيجة التأمر الشامل عليه من الداخل والخارج، قبل ان يكمل مشروعه القومي، وجاء البعث بمشروعه القومي النهضوي ليواصل مسيرة عبدالناصر، ويحقق نجاحات كبرى في كافة المجالات، خصوصا في التصنيع العسكري الذي جعل من الجيش العراقي احد اهم جيوش العالم لدرجة ان امريكا غيرت في نهاية الثمانينيات ستراتيجية الحرب بالنيابة، والتي اعتمدت عليها منذ الخمسنيات بستراتيجية الحرب بالاصالة، لان نظام البعث بقيادة الشهيد القائد صدام حسين تجاوز الخطوط الحمر التي وضعها الغرب سواء في متطلبات اتفاقية سايكس بيكو او توصيات لحنة بنرمان. ان عراق البعث الذي امتلك جيشا قوامه مليون مقاتل مجرب، في ثلاثة حروب، الاولى منها اقليمية فرضتها ايران عليه، والثانية 1991 والثالثة 2003 عالميتا الطابع خاضتها ضده امريكا ومعها جيوش لم تتحد ضد خصم الا في الحروب العالمية.
لقد ذعرت اسرائيل ومات العديد من سكانها بالسكتة القلبية نتيجة الرعب في عام 1991 حينما تساقطت صواريخ العراق الستراتيجية على قلب اسرائيل وعاصمتها في رشقات متتالية بلغت صواريخها 43 صاروخا (وليس 39 صاروخا)، وتلك حقيقة يجب ان يتذكرها من ينسب لحزب الله خطئا فضيلة انه اول من قصف اسرائيل، فقلب العراق المعادلة الستراتيجية التي اقامتها امريكا ومعها اوربا، وهي ان قوة اسرائيل يجب ان تكون متفوقة على قوة كل العرب مجتمعين. كما ان وصول صواريخ العراق الستراتيجية، (وليس كصواريخ كاتيوشا الصغيرة التي اطلقها حزب الله على شمال اسرائيل فاصابتها في ريشها وليس في قلبها، كما يقول المثل العراقي)، الى العاصمة تل ابيب كان اسقاطا فعليا لنظرية الامن الاسرائيلية، التي قامت على جعل الحروب مع العرب تقع داخل اراضيهم وبعيدا عن فلسطين المحتلة، وفي اطار هذه النظرية جاء احتلال الجولان لتشكيل حزام امن لاسرائيل ولتجريد العرب من مناطق ذات طبيعة ستراتيجية تسمح لهم بضرب او تهديد الكيان الصهيوني. ان وصول صواريخ العباس والحسين وغيرها الى تل ابيب ونقل الحرب الى داخل اسرائيل بسهولة تامة قد افقد الجولان قيمته الستراتيجية ولم يعد وجود الجولان بيد سوريا يشكل خطرا على عمق اسرائيل بعد طارت صواريخ العراق فوق الجبال والصحارى ودكت مدنا اسرائيل ووصلت الى كل اطرافها.
تطوير العراق للصواريخ وقدرته على تجاوز الخطوط الحمر وامتلاك قيادته وشعبه لارادة القتال وضع المشروع الصهيوني على كف عفريت بل ووضع ما يتعبره الغرب الاستعماري مصالحه الاساسية والحيوية امام تحد لم يسبق له مثيل، وهكذا تقرر ان اسقاط النظام الوطني في العراق الذي لم تعد لا اسرائيل ولا ايران وهما الداعمتان التقليديتان للسياسة الامريكية والغربية في مواجهة حركة التحرر الوطني العربية، قادرتان على التغلب عليه. ان عراق البعث اصبح عملاقا اقليميا لا يمكن لقوة اقليمية ان تواجهه لوحدها، وتلك حقيقة لو استمرت فانها ستعيد رسم خارطة الوطن العربي كله بما في ذلك الاجزاء المحتلة منه وفي مقدمتها فلسطين لصالح الامة العربية، لذلك دخلت امريكا ومعها بريطانيا وفرنسا و30 دولة اخرى حربا عالمية وفقا لكل المقاييس الحرب ضد العراق في عام 1991، ولما لم يتحقق الهدف الحقيقي لحرب عام 1991 فقد شنت حرب عام 2003 التي انتهت بغزو العراق.
ان التذكير بكل هذه الحقائق يقودنا الى حقيقة ثابتة وهي ان غزو فلسطين لم يكسر ارادة الامة على المواجهة والقتال ولا انتج خطا مساوما ناجحا ومتغلبا في الوطن العربي، بل عزز حصانة العرب ومكن التقدميون والوطنيون العرب من معرفة كيفية مواجهة الخطر التوسعي الصهيوني، ووضعوا اسس النجاح لتحقيق هذا الهدف. لكن الغرب والصهيونية حشدا كل امكانياتهما لضرب العراق لاجل ازالة دروس التجربة العراقية الناجحة في مواجهة الصهيونية ومنع الغرب الاستعماري من تعويق نهضة العرب.
اننا اذا قارنا اثار غزو فلسطين باثار ما يجري الان من محاولات تجزئة كل قطر عربي وتحويله الى دويلات طائفية او مناطقية او غير ذلك، نصل الى استنتاج خطير مازالت اغلبية الانتلجنسا العربية تجهله او تتجاهله، وهو ان تجزئة المجزء، أي القطر الواحد، سيقبر أي امل في التحرير لاحقا لانه سيجرد الامة من قدرتها على مواصلة النضال والتحدي الحضاري والعسكري، نتيجة انغماس كل فرد في الدفاع عن نفسه وحمايتها ليس من خطر اسرائيل او ايران بل من مخاطر العربي الاخر، الذي كان مواطنا معه في قطر واحد لكنه انشق واختار لسبب ما ان يدافع عن مصلحته المدينية (نسبة الى المدينة) او المحلية او الاقليمية، وليس عن مصلحة القطر الواحد. ان مثال العراق مرة اخرى يقدم لنا توضيحا لخطورة تجزءة القطر الواحد، فلقد شجع الغزو الامريكي وايران نزعة الاستحواذ المحلي على موارد العراق، فاهل الجنوب يجب ان يستولوا على نفط الجنوب، لانه في ارضهم، وليس في ارض العراق كله كما كان الحال، واهل الشمال يسيطرون على نفط كركوك، ويصبح مورده لهم وليس لكل اهل العراق!
بهذه الخطة الجهنمية تريد امريكا واسرائيل وايران ان تجعل من ثراء العراق سببا في تقسيمه وتقاسمه، وليس سببا في قوته ومتانة بنيانه كما كان الحال في ظل النظام الوطني الذي اسقطه الاحتلال. وبتوزيع الثروة على وجهاء القوم في كل اقليم من اقاليم العراق يلغى الدور القومي للعراق لانه لم يعد عراقا موحدا وتربط ابناء شعبه مصالح وطنية وقومية بل صار كونفدراليات تتنافس فيما بينها على تقاسم الثروة! هل ترون ما قصدناه بقولنا ان تجزئة القطر الواحد على اسس طائفية وعرقية اشد خطرا من احتلال فلسطين؟ بل الا ترون ان غزو فلسطين سيصبح لعبة اطفال اذا قورن بما سيحصل اذا قسم العراق وتبعه تقسيم الاقطار العربية الاخرى الى دويلات هامشية ومهمشة رغما عنها؟ وهل ترون كيف ان الطائفية هي الاشد فتكا بوحدة القطر الواحد من العرقية والاثنية وبانها هي الخطر الاعظم الذي يهدد كل قطر عربي بلا استثناء؟ واستطرادا : هل ترون الدور الايراني الحقيقي، بكامل عناصره، على اعتبار ان ايران هي حجر الزاوية في تنفيذ خطة الشرذمة الطائفية؟
نحن لا نريد لايران ان تصبح الخطر الاول الحالي ولكنها ايران ولسنا نحن من يفرض علينا ان نعدها الخطر الاول درجة باء المميت، الذي يقف جنبا الى جنب مع الخطر الاول درجة الف المميت وهو الخطر الامريكي، ببساطة لانها تتعاون مع امريكا مباشرة ومع اسرائيل، عبر امريكا او بحكم تلاقي المصالح والستراتيجيات، من اجل انهاء الوجو د العربي ومحو الهوية العربية واقامة امبراطورية فارس على بعض انقاض الامة العربية وامبراطورية الصهاينة على الانقاض الاخرى. اذا اخذنا ذلك بنظر الاعتبار ودققنا في تفاصيل معانيه سنعرف لم لم تهاجم امريكا او اسرائيل ايران رغم التهديدات منذ عام 1979؟ ولم تتعاون امريكا مع ايران رغم ان المشروع النووي الايراني يتطور بسرعة وتتكامل مقوماته دون ان تتدخل اسرائيل لضربه كما دمرت المشروع النووي العراقي؟ ولم غضت امريكا والغرب النظر عن شراء ايران مواد نووية كاملة وعلماء في المجال النووي من دول الاتحاد السوفيتي بعد تفككه دون تدخل جدي لمنع ذلك؟ ان ايران هي احتياطي ستراتيجي للغرب الاستعماري وللصهيونية، في الواقع، ومهما كان الجدل والخلافات معها فهي في نهاية المطاف محكومة بعهد النخبة الفارسية التي اقسمت، بعد اسقاط امبراطورية الفرس من قبل العرب، على تحطيم ملك العرب والانتقام منهم واعادة اقامة امبراطوية فارس باشكال جديدة في مقدمتها التغلغل داخل الاسلام واستغلاله لتحقيق ذلك الهدف القومي الفارسي.
ان السؤال المركزي والحاسم في ضوء كل ما تقدم هو : من الاخطر أقامة اسرائيل باحتلال فلسطين؟ ام تمزيق اقطار الوطن العربي واحدا اثر اخر، او سوية، نتيجة الفتن الطائفية، وهو تمزيق يعني، اولا وقبل كل شيء، تحقيق ما فشلت اسرائيل وامريكا في تحقيقه، وهو محو الامة العربية والهوية العربية واحلال كيانات مجهرية زئبقية الهوية والانتماء تقع كلها تحت سيطرة امريكا اواسرائيل او ايران او تركيا اوغيرها؟
محمد دغيدى
18-09-2007, 10:51 PM
(6 – 10)
ستراتيجية ايران المرحلية : تأسيس موطأ قدم
من مظاهر حكمة وعبقرية مخططي الشوفينية الفارسية اعتمادهم على ستراتيجية قومية تقوم على الاشتباك مع العدو، او العدو المحتمل، خارج حدود ايران وعند مقترباتها الستراتيجية، لاجل تجنيب ايران التعرض للضربة الرئيسية في الحرب وامتصاص زخم العدو في جبهات خارج ايران. ومن الواضح ان هذه الستراتيجية مشابهة للستراتيجية الاسرائيلية التي تقوم هي الاخرى بنقل الحرب الى اراضي العدو ومنع وقوعها على ارض فلسطين المحتلة، من جهة، وعلى الاستفادة من دول المنطقة غير العربية في تحقيق اشتباكات مع الدول العربية، في مواضيع غالبا مفتعلة مثل الحدود والمياه والمطالبات القديمة من جهة ثانية. ويخطأ من يظن بان ايران متاثرة باسرائيل في هذه الستراتيجية لان العكس هو الصحيح فايران تعتمد هذه الستراتيجية منذ اسقاط العرب لامبراطورية فارس ونشر الاسلام فيها.
والسؤال المهم هنا هو التالي : ماهي مقتربات ايران الستراتيجية؟ وماهي المناطق التي خططت ايران للاشتباك فيها مع كافة اعدائها او منافسيها؟ اذا نظرنا الى الخارطة سنجد ان اغلب المناطق والمقتربات هي اراض عربية، وفي مقدمتها العراق الذي يشكل الحدود الغربية والمقترب الغربي لايران، وسوريا ولبنان اللتان تشكلان قوسا ستراتيجيا مع العراق يمكنه منح ايران القدرة على ضرب خصومها او منافسيها من أرض دول القوس وليس من داخل حدودها، لاجل الضغط عليهم اذا ارادوا حرمانها من حصة من عملية تقاسم الوطن العربي، اضافة لكونه عمقا ستراتيجيا يمنحها مرونة عالية جدا في الحركة والمناورة. وتشمل المقتربات منطقة الخليج العربي، حيث لايران جاليات كبيرة مجهزة لخدمة ايران، اضافة لاعتمادها اسلوب جعل الخليج العربي رهينة لايران عندما تتوتر الامور بينها وبين امريكا من خلال التهديد بقصف منابع النفط.
هل هذا كل شيء؟ كلا فالمقتربات التي تريد ايران وضع اليد عليها اكثر من ذلك، لانها تمتد الى كل الوطن العربي لذلك تعمل من اجل ايجاد عناصر تدعمها ومن ثم تقوم بالضغط على حكوماتها، او على الدول التي تضغط على ايران لردعها، او على الاقل لجعلها تفكر كثيرا قبل ان تهمل ايران وتحرمها من حصتها في اقتسام الغنائم الاقليمية، او عندما تريد تأديب ايران على تجاوزها خطا محرما تجاوزه. ان نشاطات ايران في المغرب العربي وصرف ملايين الدولارات فيه شهريا لشراء الذمم يقع في هذا الاطار، أي خدمة الوضع الستراتيجي الايراني وترجيح كفتها في لعبة عض الاصابع مع خصومها ومنافسيها الاقليميين والدوليين. ويتضح هذا بشكل ذو دلالات عنما تتوتر علاقات ايران مع الغرب مثلا، فتقوم العناصر التي تدعم ايران بأثارة مشاكل لمن يخاصم ايران. ولعل التوتر حول المفاعلات النووية الايرانية وحول الدور الايراني في العراق خير مثال على ذلك، اذ ان ايران ردت باصدار اوامر لحسن نصر الله ان يوتر الاوضاع مع اسرائيل، من جهة، وان تقوم التنظيمات العميلة لها في العراق بارباك الوجود الامريكي في العراق والتهديد بمهاجمة القوات الامريكية فيه من جهة ثانية. لقد فتحت ايران معارك ثانوية للضغط على امريكا لاقناعها بان حصة ايران اكبر مما تريد واشنطن منحه لها مكافئة على دعمها المطلق لامريكا في غزو العراق، وان دورها الاقليمي اهم مما تريده واشنطن.
لبنان : ساحة دعم
ان اهم ما في هذه الستراتيجية الايرانية هو ضمان نفوذ فعال في لبنان والسيطرة على العراق، او على الاقل الحصول على نفوذ فعال فيهما لاجل استغلاله لحماية خططها الابعد وتنفيذها والتعامل مع القوى الدولية من موقع قوة. وفي اطار هذا التخطيط الايراني ارادت ايران اكمال استدارة الحلقة الطائفية في لبنان، ونقلها الى حالة حفر خنادق تقسيمية جديدة لضمان تأسيس ساحة دعم شامل فيه لايران في سعيها الاستعماري، وارادت تفجير فتنة طائفية في العراق، لاجل جعله الساحة الرئيسية لتغيير الميزان الستراتيجي لصالحها أقليميا ودوليا، من خلال تسخير طاقاته الهائلة للتوسع الايراني في الخليج العربي وبقية اقطار الوطن العربي، وتلك كانتا اهم اهداف ايران الملالي الانتقالية. والسبب في اختيار لبنان والعراق هو وجود طائفة شيعية في لبنان كبيرة الحجم كانت تعاني من أضطهاد وحرمان اجتماعي واقتصادي، وطائفة شيعية في العراق تشكل نصفه ونشطة وطنيا وقوميا بسبب تمسكها بعروبتها، وهذه الحالة غير موجودة في أي قطر عربي تقريبا.
فكيف تم تأسيس موطأ قدم لايران في لبنان والعراق، باستغلال شيعة عرب، لتنطلق منهما لغزو بقية الاقطار العربية بعد فترة تمهيد؟ علينا ان نوضح هذه المسألة البالغة الاهمية. وهنا يجب ان نتناول قصة تأسيس حركة امل وحزب الله في لبنان ليكونا اخطر ذراعين فارسيين يعملان في لبنان كنقطة انطلاق الى الوطن العربي كله، وتأسيس حزب الدعوة ثم المجلس الاعلى ليكونا اهم ادوات ايران في غزو واستعمار العراق.
كانت النخب الفارسية، خارج الحكم وداخله، خصوصا في قم المركز الديني للحركة القومية الفارسية، ارسلت الايراني الشاب موسى الصدر الى لبنان لاجل تأسيس موطأ قدم قوي لايران فيه، منظم تنظيما عاليا وشديد الفاعلية، فكان تأسيس حركة امل هو الخيار التجريبي الاول. ان توقيت بدأ نشاطها وما عملته في لبنان يفضحان هدفها الحقيقي. فلقد نشطت حركة امل في ذروة قوة ونفوذ كل من الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية، والاولى كانت تمثل اطيافا مختلفة من القوى الوطنية اللبنانية غير الطائفية بشكل عام، والثانية كانت تمثل المنظمات الفدائية الفلسطينية، وكان جنوب لبنان بيدهما ومنه حاربتا اسرائيل وخلقتا لها اعقد مشكلة وهي انها كانت تتعرض يوميا للكثيرمن الهجمات الصاروخية، في اطار اجندة وطنية لبنانية ووطنية فلسطينية تقوم على استخدام جنوب لبنان كمنطلق لانهاك اسرائيل واجبارها على تبني موقف الدفاع بدل موقف الهجوم، ولذلك بذلت اسرائيل وامريكا جهودا مضنية للتخلص من القصف اليومي. وفي ذلك الوقت كانت جماهير الجنوب الشيعية تدعم بلا تحفط الحركة الوطنية والمقاومة، ولذلك عد الجنوب احد اهم مصادر قوة المقاومة الفلسطينية في صراعها مع اسرائيل.
جاءت حركة امل وهي تحمل اجندة طائفية ولديها اموالا كثيرة كحزب الله الان، وشرعت بتوزيع المال على المحرومين في الجنوب وعملت على زرع الشعور بالمظلومية الطائفية لديهم مستغلة الوضع الطبقي التقليدي في لبنان، تماما كما فعلت ايران واحزابها في العراق، ونجحت في كسب اوساط معينة من الجنوب اللبناني، وعندها اخذت تزاحم الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية في الجنوب، ووصلت المزاحمة الى حد القتال ومحاولة طرد المقاومة والحركة الوطنية اللبنانية من الجنوب! بل ان حركة امل قامت بمجازر ضد الفلسطينيين في المخيمات، تماما مثلما فعلت التنظيمات التابعة لايران بالفلسطينيين في العراق بعد غزوه.
ان هذا الدور القذر لحركة امل والجرائم التي ارتكبتها ضد الفلسطينيين في لبنان وضد الحركة الوطنية اللبنانية قد احرق ورقتها وعزلها عن المحيط الوطني اللبناني. وما ان اسقط الشاه محمد رضا بهلوي، بقرار امريكي – بريطاني، في عام 1979 حتى برزت ضرورة طرح بديل لحركة امل يستفيد من نتائج عملها والذي ادى الى عزلتها عن الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية، وبنفس الوقت يواصل تنفيذ مهمة تحويل الجنوب الى جيتو طائفي موال لايران، فتم انشاء حزب الله ووضعت له المخابرات الايرانية خطة شاملة تضمن انتشاره في الجنوب وسيطرته عليه ومنع المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية من العمل من هناك ضد اسرائيل. لقد ابتدأ حزب الله عمله بمهاجمة اسرائيل من جهة ومنع المقاومة والحركة الوطنية من القيام بعمليات ضد اسرائيل من جهة ثانية، وهنا لم يقع في الفخ الذي وقعت فيبه حركة امل وهو الصدام الدموي مع المقاومة والحركة الوطنية، وقام باعمال تستحق الدعم وهي مهاجمة اسرائيل. بل ان الخطة الايرانية لحزب الله كلفته بالقيام بعمليات نوعية تحوله الى حزب مقاوم يتجاوز الجميع في لبنان فيما يتعلق بالموقف من اسرائيل.
وهكذا اخذ الحزب يقوم بعمليات استشهادية ضد اسرائيل حسمت الامر لصالحه ومنحته سمعة ممتازة لبنانيا وعربيا، رغم انه كان تابعا لايران وينفذ مخططاتها، لدرجة ان من بين اول عملياته، التي لا يذكرها كثيرون لانها تحدد هوية وانتماء حزب الله الحقيقيين، عملية الهجوم الانتحاري على السفارة العراقية في بيروت والذي ادى الى هدمها واستشهاد السفير والكثير من طاقم السفارة والمراجعين لها! بعد ان اكتسب حزب الله سمعة طيبة امرته المخابرات الايرانية بمهاجمة السفارة العراقية اثناء الحرب مع ايران وكان ذلك احد اهم المؤشرات على انه يخدم ستراتيجية ايران الاقليمية. وفي هذه الفترة نجح حزب الله في زيادة استقطاب شيعة لبنانيين وتحول الجنوب الى منطقة تابعة لحزب الله وتوقفت عمليات المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، واصبحت كل رصاصة تطلق تحمل موافقة حزب الله!
وهنا تحول الجنوب من منطلق لعمل فلسطيني مقاوم للاحتلال الصهيوني الى منطقة مساومات ايرانية اقليمية ودولية بعد ان سيطر حزب الله عليه باسلوب يختلف عن اسلوب حركة امل، وفي هذا السياق هناك محطتان رئيسيتان : الاولى انسحاب اسرائيل من جنوب لبنان والذي عد انتصارا لحزب الله فحصل على شعبية كبيرة، والثانية حرب عام 2006 والتي عدت اعظم تأهيل لحزب الله ليصبح دعمه معيارا مضللا للموقف الصحيح نتيجة كونه صارع اسرائيل، وهو موضوع خطير جدا خصوصا اذا اهمل السؤال الاساسي في هذه المسألة : هل قاتل حزب الله اسرائيل من اجل القضية الفلسطينية؟ وعند الاجابة يجب ان نتذكر انه اخرج مع حركة امل المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية من جنوب لبنان، لذلك فان القول بانه قاتل من اجل القضية الفلسطينية يحتاج لتوضيح جوهري: لم كان اول هدف لحركة امل ولحزب الله احتكار جنوب لبنان واخراج المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية منه ومنعهما من مهاجمة اسرائيل مع انهما كانتا تقاتلان ببسالة وتأثير كبير اسرائيل؟
لقد كانت عمليات المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية ضد اسرائيل من جنوب لبنان لها دافع واحد لا غير وهو عدم السماح لشمال اسرائيل بالاستقرار، ولو ليوم واحد، من شدة العمليات العسكرية وتواترها والتي كانت وراء غزو اسرائيل لجنوب لبنان والوصول الى غزو بيروت بالذات، في تعبير واضح عن شدة توجع اسرائيل من عمليات المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية. اما عمليات حزب الله فانها كانت انتقائية وغير دورية تتسم بانها مصممة لخدمة الهدف الانتقالي وهو تاهيل حزب الله ليصبح القوة الوحيدة المسيطرة على جنوب لبنان.
كما يجب ان نشيرهنا الى حقيقة بارزة وهي ان تحالف الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية، بقيامه بعمليات عسكرية لبنانية - فلسطينية مشتركة ضد اسرائيل وعدم الاكتفاء بدعم المقاومة الفلسطينية، كان انموذجا ايجابيا وفريدا في الوطن العربي، قدم الدليل ليس فقط على ان الاحزاب اللبنانية الوطنية متحررة من الطائفية والتقسيم الطائفي بل ايضا اكد على امكانية تحرير فلسطين بعمل فلسطيني وعربي مشترك، يبدأ من القاعدة الشعبية ويصعد للوصول الى، اما اسقاط الانظمة التي تعرقل هدف تحرير فلسطين، او انضمام انظمة الى التحالف من اجل تحرير فلسطين، بعكس ماكان رائجا من ان المقاومة الفلسطينية وحدها هي المسئولة عن التحرير والموقف العربي المطلوب يقتصر على الدعم الجاد.
وذلك النموذج كان مظهرا خطيرا جدا على اسرائيل والانظمة العربية وامريكا، لانه يمهد لحرب تحرير قومية تحشد فيها كل طاقات العرب، وليس المقاومة الفلسطينية فقط، من اجل حسم الصراع، لذلك كان اغتيال انموذج تحالف الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية ضرورة امريكية واسرائيلية. والسؤال المهم هنا هو : من حطم التحالف اللبناني الفلسطيني بمنعه من القيام بعمل عسكري ضد اسرائيل، من جهة، وبجعل الطائفية هي معيار الفرز السياسي، من جهة ثانية؟ ان الجواب الواضح والقاطع هو ان حركة امل ابتدات بالعمل في هذا الاتجاه، وحينما فشلت جاء حزب الله ليكمل مشوار حركة امل : السيطرة على الجنوب اللبناني ومنع أي تنظيم غير شيعي من العمل هناك، وهذا يعني تحديدا منع الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية من العمل ضد اسرائيل بعد احتلال الجنوب والوصول الى بيروت.
اذن هناك هدف اخر لحزب الله من وراء مقاتلة اسرائيل وهو خدمة ايران وليس قضية فلسطين، من خلال تحويل شيعة لبنان من خزين اساسي للحركة الوطنية اللبنانية وللمقاومة الفلسطينية الى خزين رئيسي لايران. ومن المستحيل تفسير تعمد حركة امل وحزب الله اخراج المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية من الجنوب من دون تذكر الحاجة الحيوية لايران لاقامة موطأ قدم في لبنان وجعله ساحة متقدمة لخوض صراعها مع القوى الاقليمية (مثلا العراق قبل الاحتلال)، وممارسة ضغط على اسرائيل من اجل تجميل وجه ايران وطرحها كقوة تخوض، بواسطة حزب الله، الصراع الاساسي مع اسرائيل وليس العراق او الاقطار العربية، كما ادعى علي خامنئي مرارا، او الدولية مثل امريكا لاقناعها بان الدور الايراني الاقليمي لا يمكن اهماله ومن ثم يجب ان تكون لايران حصة كبيرة وليس فتات من الغنائم الاقليمية.
ان اخطر واهم ما قام به حزب الله في لبنان، مستغلا سمعته الطبية التي اكتسبها من وراء مقاتلة اسرائيل، وهو تحويل ولاء كتلة كبيرة من شيعة لبنان من ولاء للوطنية اللبنانية وولاء للعروبة الى ولاء للطائفة، وهو ولاء انتقالي لابد منه لجعل الولاء لايران الولاء الاهم والاكثر تأثيرا في شيعة لبنان، بصفتها المرجعية الطائفية لكل الشيعة في العالم كما تقول ايران. ان اعظم مظهر لهذا الولاء العبودي والمطلق لايران عبر عنه حسن نصر الله مرارا بتعوده تقبيل يد علي خامنئي كلما التقاه، فهل يوجد مظهر معبر عن العبودية في الولاء اكثر من تقبيل اليد؟ ان تقبيل اليد عادة اقطاعية وغير عربية ولا اسلامية لانها تعبر عن قبول عبودية خدمة من تقبل يده، في معادلة واضحة هي وجود عبد وسيد. كما ان اخطر تحول احدثه حزب الله هو تحويل جنوب لبنان وجنوب بيروت من معقل للقومية العربية الى معقل لايران وللطائفية، وهذه الحقيقة يعرفها من عاشوا الصراعات في لبنان منذ الخمسينيات وحتى الثمانينيات وكانت فيها المناطق التي اصبحت موالية لايران بفضل حزب الله ملتزمة بالخط القومي العروبي. ونزع قسم من شيعة لبنان من عروبتهم وتحويلهم الى طابور ايراني خامس ليس فقط انكارا للقومية العربية بل ايضا تعميقا لخطوط الفصل الطائفي في لبنان.
وما ان نجح حزب الله في كسب ولاء كتلة مهمة من شيعة لبنان حتى اكمل استدارة حلقة الطائفية اللبنانية وحولها من طائفية أدبتها الحرب الاهلية، التي اندلعت في عام 1975 واجبرتها على اللجوء للحوار بعد استنزاف للجميع استمر اكثر من 15 عاما، الى طائفية استعادت شراستها ونزعتها العنفية وعلى نحو اخطر واشد. ان حزب الله المسلح افضل تسليح والذي يملك اموالا لا تملكها حتى الدولة اللبنانية ومؤسسات (خيرية) توزع المال علنا، والمنظم تنظيما راقيا عسكريا وسياسيا واجتماعيا لاتملكه أي فئة لبنانية، والمعتمد على جهاز استخبارات افضل من مثيله اللبناني الحكومي، ان ذلك كله قد نبه الطائفية المارونية والطائفية السنية والطائفية الدرزية لمواجهة هذه الحالة الخطرة على التوازن التقليدي اللبناني واجبرها على البحث عن توازن شامل مع حزب الله، ولم هناك خيار سوى الاعتماد على الخارج! من هنا فان مقتل الحريري لم يكن سوى قدحة نار متعمدة اشعلت كل المشاعر والافكار المكتومة لدى الجميع. الان يواجه لبنان حالة تخندق طائفي لم يسبق لها مثيل حتى في حالتي عام 1958 وعام 1975، خصوصا وان التصعيد، غير المسوغ والمضر بالجميع ومع ذلك فانه مستمر وثابت، والذي يلعب فيه حزب الله الدور الاخطر، يبعث برسالة لكل الطوائف اللبنانية تقول : اذا لم تتسلحي جديا وجيدا واذ ر المسوغ ، ومع ذلك فانه ت افضل من مثيله اللبناني الحكومي خامس ليس فقط انكارا للقومية العربية بل ايضا تعميقا لخطوط الفصل الطائفا لم تجدي دعما خارجيا يوازي الدعم الايراني لحزب الله فان امتيازاتك ستتبدد وتزول وسيتمكن حزب الله من اقتطاع مساحات جديدة من الارض والنفوذ على حساب الاخرين.
ان من لا ينظر لازمة لبنان من هذه الزاوية سوف يخطأ كليا في فهم آليات تطور الأزمة اللبنانية منذ انسحبت إسرائيل من الجنوب اللبناني وقزمت المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية لصالح عودة الاصطفاف الطائفي محملا بمشاعر الخوف والقلق من إسقاط المعادلة اللبنانية التقليدية. بظهور حزب الله واكتسابه نفوذا قويا وامتلاكه دولة داخل الدولة اللبنانية أصبح خط الفصل الطائفي اللبناني أكثر وضوحا وبريقا وخطورة وحدة وتمترسا. لقد اغتيلت الحركة الوطنية اللبنانية لدرجة ان من كان قطبا رئيسيا فيها وهو وليد جنبلاط، وريث قائدها كمال جنبلاط، تحول بمقدار 180 درجة في موقفه العام، من خلال اقامة تحالف طائفي الطبيعة مع مارونيين كانوا خصومة التقليديين! وحل محل الحركة الوطنية اصطفاف طائفي مشبوه بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى لأنه يعتمد على الخارج : حزب الله ومعسكره يعتمد على إيران ووليد جنبلاط والحريري الابن يعتمدان على امريكا! وسط هذه المعادلة ضاع لبنان وانحدرت مصلحة لبنان إلى مجرد كلام وإنشاء. بالنجاح الايراني في جعل حزب الله رقما صعبا وفعالا في المعادلة اللبنانية اوجدت ايران قاعدة دعم في لبنان بالغة الخطورة.
محمد دغيدى
21-09-2007, 04:31 PM
(7 – 10)
العراق : ساحة حسم
أما العراق، والذي يتوزع طائفيا على نحو فريد في الوطن العربي بوجود تقاسم سكاني متقارب أو متساو بين الشيعة والسنة، فان إيران عدته ساحة حسم وليس ساحة دعم، ففي العراق يمكن التفكير بقهر السنة وإخضاعهم بالقوة وإقامة حكم صفوي بدعم إيراني، لوجود كثافة سكانية شيعية تصل لنصف السكان. وما حصل بعد الاحتلال هو تأكيد لوجود هذا الهدف الإستراتيجي، بعكس لبنان الذي لا يشكل الشيعة فيه سوى طائفة من بين طوائف أخرى متعددة ومتقاربة في عدد النفوس، لذلك لا يمكن تصور سيطرة شيعية على نظام الحكم. ان العراق بالنسبة لايران القاعدة الاساسية التي تريد ان تستخدم طاقاتها البشرية والمادية وموقعها الجغرافي لدخول الاقطار العربية الاخرى، فمن دون العراق التابع لايران، او المقسم، لا يوجد مشروع امبراطوري ايراني. ولعل من سمي ب(التوابون) يقدم لنا صورة لامكانية ان تجيّش ايران من العراق ملايين الناس (لفتح) الاقطار العربية بامكانيات عراقية أساسا وتوجيه ايراني. ان ما يملكه العراق من طاقات هائلة مادية خصوصا النفط والزراعة والماء، وبشرية مقاتلة، يوفر لايران فرصة اختصار التضحيات والزمن للتوسع غربا واقامة البدر الفارسي المكتمل، وليس الهلال الشيعي كم قال البعض خطئا، فتقوم جبهة اولى تضم العراق، او قسما منه، وسوريا ولبنان بقيادة ايران تتوسع في الاردن ثم مصر والسودان والمغرب العربي، ناهيك عن الخليج والجزيرة واللذان تعتقد ايران انهما سيسقطان بيدها مثل الثمرة الناضجة ما ان يتم استعمار العراق او جنوبه على الاقل.
لقد قلب خميني القاعدة المعتمدة في الحروب، وهي ضرورة البدء بضرب الحلقة الاضعف في صفوف العدو فقام بضرب الحلقة الاقوى وهي العراق في عامي 79 – 1980، نتيجة الثقة المفرطة بنفوذه العربي، من جهة، والحط من شأن العراق وقوة قيادته، من جهة اخرى، فحصل تغيير جوهري ضد التوسعية الايرانية. ان البدء بالعراق، نتيجة ادراك خميني الواضح كاجداده البرامكة والخرميين، للدور الحاسم للعراق في فتح طريق اقامة امبراطورية فارسية، ادى الى تورطه في حرب مع قوة كبيرة وفعالة ومنظمة وتعرف النوايا والاهداف الحقيقية لايران خميني، فقاد ذلك الى اطالة الحرب بدل حسمها بسرعة والتقدم نحو الخليج برا من العراق والالتقاء بسوريا ولبنان لتشكيل لبدر الفارسي، وتعزيزه ليكون القاعدة الاساسية لنشر الخمينية في كل الوطن العربي. ومع نجاح العراق في اسقاط مخاوف العرب الاخرين من انتصار ايراني راينا الجماهير العربية، ورغم وجود تأييد لايران، تقف مع العراق، وكذلك الحكومات العربية التي اخذت تتقدم واحدة اثر اخرى لدعم العراق ضد خميني لانه اعلن بصوت عال انه سيسقط كافة الانظمة العربية، وهكذا بدل تفكيك الوطن العربي وافتراسه قطرا بعد اخر راينا ايران تواجه موقفا عربيا متماسكا بصورة عامة، وتصبع محاولة اقامة بدر فارسي في مواجهة مباشرة وحادة مع كافة مكونات الوطن العربي.
لقد واجه خميني، نتيجة حماقته وغروره اللذان جعلاه يكشف عن كافة اوراقه بلا تردد، انقلاب اتجاه الصراع مع العراق، فبدلا من ان يصبح العراق منطلقا وقاعدة لاقامة البدر الفارسي اصبح المصد القومي العربي للنوايا التوسعية الفارسية. وبفشل خميني في كسر الحلقة الاقوى تعززت قوة الحلقات الاضعف وتحصنت ضد ايران، ومنذ ذلك الحين انزرع في قلب المشروع الايراني فايروس الفشل واصبحت ساحة الحسم الرئيسية حسب الخطة الايرانية وهي العراق ساحة ردع وصد للتوسعية الايرانية، وكان ذلك التطور هو المأزق الذي وجد المشروع الاستعماري الإيراني نفسه فيه واجبره على اللجوء الى خيار لم يكن يخطر ببال خميني، وهو التعاون مع امريكا، في زمنه وبعد وفاته، علنا ورسميا من اجل تدمير العراق. كما ان ايران اجبرت على القاء ثقل اكبر على الساحة اللبنانية وعلى سوريا من اجل تعويض فشلها في السيطرة على الساحة الرئيسية للحسم وهي العراق، من هنا راينا ان اعداد حزب الله ودوره وممارساته والدعم الإيراني المفتوح له يجسد خيار التعويض عن الفشل في ساحة الحسم بتعظيم دور ساحة الدعم.
وما يجب تسليط الضوء عليه هو ان الفشل في السيطرة على العراق جعل ايران تتعامل مع العراق على انه كيس ملاكمة يتلقى الضربات الموجعة اثناء التدريب على الاستعداد لجولة ملاكمة! فالعراق بالنسبة لايران الان مصد حدودي يمنع تسرب امريكا الى ايران ضغطا ونفوذا، وعلى ارضه تخوض لعبة عض الاصابع مع امريكا من اجل حصة اكبر لايران من غنيمة العراق والمنطقة. لقد قامت ايران بتقديم خدمات سمسار لامريكا لكي تغزو العراق، وكانت تنظيماتها هي القوة الرئيسية التي اعتمد ليها الغزو، وليس قوة اياد علاوي واحمد الجلبي الوهميتان. وبعد ان تعاظمت المقاومة العراقة المسلحة واذلت امريكا واحبطت مشروعها الاستعماري في وقت واحد مع قيام ايران بتعزيز القوة العسكرية والمالية للاحزاب التابعة لها في العراق، وادركت ان الوقت قد حان للسيطرة على جنوب العراق، اخذت تضغط على امريكا بواسطة اتباعها للخروج من العراق لكي تملأ الفراغ هي كما قال احمدي نجاد. واعلن خامنئي ونجاد وخاتمي مرارا ان ايران تريد مساعدة امريكا على الخروج من العراق، مثلما ساعدتها على دخوله! ويعترفون بانهم من ورط امريكا في مستنقع العراق وهم من يريد اخراجه منه! بهذه البساطة وهذا الاستهتار الغريب يتحدث قادة ايران عن وصايتهم على العراق من خلال طابورهم الخامس فيه!
وكما فعلت امريكا بتبني خيار تقسيم العراق، بعد ان فشلت في السيطرة عليه، فان ايران التي كانت تعد العراق ساحة الحسم في مشروعها الامبراطوري القومي تبنت خيار تقاسم العراق مع الانفصاليين الاكراد بموافقة امريكية صريحة! وما اتفاق الاحزاب الاربعة، زائد الحزب الاسلامي، الا خيار امريكي ايراني تم تبنيه بعد سقوط خطة استعمار العراق وبقاء خيار واحد مرغوب فيه وهو تقسم وتقاسم العراق.
وحتى حينما شاركت ايران في غزوالعراق فانها فشلت في السيطرة عليه، لان اتباعها في العراق كانوا القوة الاساسية التي استخدمها الاحتلال في انجاح الاحتلال، فجعل ذلك ايران تبدو للاكثرية العربية وقد قبض عليها متلبسة بجرم التعاون مع امريكا في غزو قطر عربي، وفقدت بريقها واصبحت بنظر الاغلبية العربية بلدا معاديا للامة العربية. لذلك لم تنجح ايران في الانتقال من مرحلة تدمير العراق الى اعادة بناءه بطريقة تجعله اداة ايرانية ثابتة وقوية. بل ان اغلب الناس اخذو يتابعون ازدواجية ايران السياسية بدقة وما تنطوي عليه تلك الظاهرة من معان خطيرة، فهي تشتم امريكا واسرائيل لكنها تتعاون مع امريكا في غزو العراق وافغانستان، كما ان حزب الله، الذراع الايرانية في لبنان، يعادي امريكا لكن الاحزاب التابعة لايران في العراق تخدم امريكا! وكان اهم سؤال هو : هل حقا ان ايران تتبع سياسة مناهضة امريكا واسرائيل؟ ام انها تستخدم ذلك كفخ لايقاع عرب في موقف دعم ايران مع انها تمارس سياسات توسعية على حساب العرب؟
والان وفي ضوء ذلك الفشل الستراتيجي، الامريكي والايراني، بالامكان طرح سؤال مهم وهو : ماذا كان سيحدث لو ان خميني ابتدأ بالحلقة الاضعف بدل البدء بالحلقة الاقوى؟ من المرجح انه كان سيحشد الاقطار التي ينجح في السيطرة عليها لتطويق العراق وعزله واستنزافه تمهيدا لخلخلته من الداخل وبتضافر التطويق الخارجي مع التخلخل الداخلي كان من الممكن تحقيق خرق مهم في العراق.
ان خطأ خميني لم يكن في اختيار ضرب الحلقة الاقوى، لانه توقع استسلام الحلقات الاضعف بعد ضرب العراق والحاق الهزيمة به وهذا توقع صحيح، بل كان خطئه يتجسد في الحط من شأن القوة العراقية ومن تماسك الشعب العراقي وتغلب الانتماء القومي والوطني على الانتماء الطائفي. ان السؤال الجوهري هنا هو : ماذا يحصل لستراتيجية ايران عند فشلها في السيطرة على ساحة الحسم، وهي العراق، ومنع استخدامها في تحقيق الخطوات اللاحقة لايران؟ هل يمثل ذلك مأزقا ستراتيجيا خانقا لايران ينعكس سلبا على كافة مكونات ستراتيجيتها الاقليمية؟
دعم ايران التكفيريين السنة : لماذا؟
من الظواهر التي قد لا يصدقها من يجهل دهاء القوى الاستعمارية ظاهرة دعم عدو لعدوه اثناء حروب او ازمات معينة، وبطريقة قد تبدو احيانا غير مفهومة! ومن بين اغرب هذه الظواهر، بالنسبة لمن يفتقر للخبرة، ظاهرة دعم ايران للتكفيريين السنة، وفي مقدمتهم القاعدة في العراق، رغم ان الطرفين يكفر احدهما الاخر ويحرض عليه ويوجه له اشنع الاتهامات. كيف ولماذا يحصل ذلك؟ ان دعم ايران للقاعدة بالسلاح والمال هو موقف براغماتي صرف هدفه تحقيق اهداف قومية ايرانية حيوية، في مسار أقامة امبراطورية فارسية تتبرقع بالاسلام لخداع السذج والخدج من العرب، وهذه الامبراطورية لن تقوم الا على انقاض الامة العربية وبقاياها ونثارها تماما كبقاء اسرائيل. ورغم تواتر الشواهد على الدعم الإيراني هذا فان هناك مواقف رسمية تؤكده، منها ما قالة جلال الطالباني يوم 28 – 6 – 2007 من ان ايران قد اغلقت مكتب تنظيم (انصار الاسلام) في طهران، وهو تنظيم سني طائفي. فكيف تسمح ايران بفتح مكتب لتنظيم سني وهي تحارب السنة داخل ايران وفي كل مكان؟
ان السبب الرئيس في دعم ايران للقاعدة في العراق يعود لحرص ايران على تحقيق الشرط المسبق لقيام امبراطوريتها القومية، وهو الغاء العراق من الخارطة بتقسيمه وشرذمته طائفيا واثنيا اذا تعذرت السيطرة عليه كله، وهذه الحقيقة تفسر لم دعمت ايران التمرد الكردي المسلح في العراق مع انه مغامرة خطيرة بالنسبة لها، خصوصا وان هناك تمرد كردي مسلح ايضا في ايران يخمد لفترة لكنه يعود للاشتعال، لان اكردا ايران يبلغ عددهم بين 8 - 9 مليون كردي، فيما عدد اكراد العراق يبلغ 2 – 3 مليون كردي. ان من لا يضع في حساباته القيمة الستراتيجية للعراق بالنسبة لايران لن يتمكن من فهم مواقف ايران بصورة صحيحة. وهنا يجب ان نعيد ايضاح هذه المسألة في نقاط مركزة :
1 – ان الامبراطورية الفارسية التي تريد ايران بناءها وجهتها الرئيسية الى الغرب، أي الى العراق والخليج العربي، لعدة اسباب منها :
أ – ان الكتلة البشرية التي تحتاجها ايران للقيام بغزواتها التوسعية تتركز في العراق لان نصف السكان فيه شيعة، وترى ايران ان بامكانها، بالضرب على الوتر الطائفي، ان تحقق نفوذا كبيرا في العراق يضعفه من جهة، ويوفر لايران خزينا بشريا وماديا ضخما لا غنى عنه في حملتها الامبريالية بمعناها اللغوي، وهو التوسع على حساب الغير، من جهة ثانية.
ب – ان ايران نتيجة افتقارها لمصادر تمويل حملاتها الامبريالية كالماء والغذاء، بسبب نقص المياه والاراضي الصالحة للزراعة، ترى في العراق الحل الاعظم لهذه المشاكل الخطيرة، التي تمنع الامبريالية الايرانية من تحقيق اهدافها، لانه بلد غني بالمياه وارضه خصبة. وهذه الحقيقة الجيوبولوتيكية كانت وراء سر توجه اغلب حملات ايران التوسعية غربا، وليس الى اتجاه اخر خلال الثلاثة الاف عام مضت على الاقل.
ج – ان نضوب النفط الإيراني القريب (وهو ما سنعالجه في دراسة اخرى بالتفصيل) يجعل مشروعها الامبراطوري انتحاريا بدون توفير اهم طاقة في العصر الحديث وهو النفط، لذلك فان الحل الوحيد هو الاستيلاء على نفط العراق ودول الخيج العربي والجزيرة العربية.
د – ان العراق تأريخيا هو قوة عسكرية امبريالية، مرة اخرى بمعنى التوسع الامبراطوري، وكان الصراع التاريخي الاكبر في العصر القديم هو بين امبرياليتين عالميتين هما الامبريالة العراقية، التي اقامت اعظم الامبراطوريات الكونية، في عهود الاشوريين مثلا، والتي شملت كل ما يطلق عليه الان تسمية الشرق الاوسط، وكانت اهم سماتها العسكرة الكاملة للمجتمع من اجل التوسع الامبريالي، والامبريالية الفارسية والتي توسعت اقليميا مرتين، على الاقل، تقريبا في نفس المساحة الجغرافية للامبريالية العراقية. وحينما كانت إحدى هاتين الامبرياليتين تضعف كانت الاخرى تملأ الفراغ بدلا عنها، وكان الصراع بينهما صراعا حادا ملأ التاريخ بالمأسي الانسانية لشعبي البلدين. ولذلك برز واحدا من اقدم واهم قوانين الصراع في العالم، هو قانون قيام حكم بني فارس على انقاض العراق، وهو قانون يتحكم بايران قديما وحديثا، ويقول بان العراق مادام قويا فان أي توسع فارسي نحو الغرب سيكون مستحيلا، بعكس التوسعية العراقية التي كانت لا تجد ضرورة لحصر توسعها في الشرق ولا في الاعتماد على موارد غيرها من حيث الجوهر. ان من يريد فهم اصول الصراع العتيق بين العراق وايران عليه ان يأخذ هذه الحقيقة التاريخية والجيوبولوتيكية بنظر الاعتبار لانها تفسر سر المرونة والتسامح العراقي مع ايران، وسر تعصب ايران وتمسكها بتدمير العراق على امتداد التاريخ كشرط مسبق لنهوضها الامبراطوري.
هـ - حينما وقع العراق وفارس تحت الحكم البريطاني في مطلع القرن العشرين أقامت بريطانيا توازنا اصبح تقليديا بين العراق وفارس، والتي اصبح اسمها ايران في العشرينات من القرن الماضي، يقوم على تحييد كل منهما بواسطة الاخرى، فحينما تقوى ايران يدعم العراق لاضعاف ايران والحد من طموحاتها، وحينما يقوى العراق تدعم ايران لمنعه من تحقيق نفوذ اقليمي تحرري. وطبق هذا التقليد في السبعينيات عندما امم العراق النفط وشرع ببناء دولة قوية فدفعت امريكا، التي حلت مح بريطانيا في المنطقة، شاه ايران لعرقلة مشروع النهضة القومية العربية في العراق، سواء من خلال دعم التمرد الكردي بكثافة ارهقت العراق جدا، او محاولات التدخل بالشأن العراقي باسم المراقد المقدسة او الحدود... الخ.
ورغم تخلي امريكا عن تلك السياسة البريطانية الا انها عادت اليها حينما اكتشفت ان العراق عاقد العزم على مواصلة مشروعه النهضوي، بعد تأميم النفط وعقد اتفاقية الجزائر مع الشاه والتي اوقفت استنزاف العراق، مع ان امريكا كانت تريد استمراره، وقد اضطر الشاه الى عقد الاتفاقية لانه هو الاخر استنزف وتعرقل مشروعه المعلن لبناء قوة عالمية خامسة، كما وصفها، وهذا التوجه الاستقلالي المتأخر لدى الشاه اغضب امريكا، خصوصا حينما اخذ الشاه يحتك ويماحك ويزعج دول الخليج العربي والسعودية وانضم لدول اوبيك التي كات تصر على رفع اسعار النفط، فكان الرد الامريكي هو اتخاذ قرار التخلص من الشاه واقامة حكم الملالي لاجل اعادة رسم خارطة المنطقة كلها، انطلاقا من تدمير العرق الناهض.
ان صعود خميني الى السلطة كان نتاج توجه ستراتيجي امريكي جديد، يقوم على دعم الاصوليات الدينية لتستخدم اداة فعالة لتدمير الشيوعية والقوى التقدمية القومية والوطنية، وفي مقدمتها العراق الذي تجاوز الخطوط الحمر التي رسمها الغرب والصهيونية، في تقدمه العلمي التكنولوجي وفي حل مشاكل الفقر والامية وبناء مجتمع مرفه لا فقر فيه ولا اغلب امراض مجتمعات العالم الثالث. ولذلك لم يكن غريبا ابدا ان يكون اول هدف عملي لنظام خميني بعد الوصول للسلطة هو ليس ضرب اسرائيل او امريكا ومصالحها، رغم كل شعاراته المعادية لهما، بل ضرب العراق! كان اول ما اعلنه خميني عقب وصوله الى ايران قوله الشهير : اليوم سقط الشاه وغدا صدام. وفي أيار من عام 1983 وفي مقابلة مع شبكة السي ان ان قال هنري كيسنجر، عراب ماسي العرب، ان افضل ما يخدم مصالح امريكا هو ان تدمر الحرب بين العراق وايران كلاهما وان لايخرج احد منهما منتصرا على الاخر! وهذا الكلام لكيسنجر يحدد بدقة الموقف الامريكي وهو العودة الى سياسة تحييد العراق بواسطة ايران، وتحييد ايران بواسطة العراق، وحسب تطور الاوضاع والمصالح الامريكية والاسرائيلية. والان وبعد كل ما حصل خصوصا احتلال العراق والدور الإيراني الرئيسي والحاسم فيه، نستطيع ان نفهم ما تريده ايران من خلال تحالفها وتعاونها مع امريكا، وهو تدمير العراق وازالته من طريق التوسع الإيراني الجديد، ولكن بيد امريكا وتحت مظلتها.
ومما عزز قناعة النخب الفارسية الحاكمة باسم الملالي بان تدمير العراق وتقسيمه هو الشرط الحاسم والذي لاغنى عنه لاقامة امبراطورية فارسية عالمية، هو نجاح العراق في دحر الخمينية بانتصاره في حرب الثمانية اعوام، مع ان خميني عدها الخطوة التمهديدية لغزو بقية الاقطار العربية. كما ان امريكا واسرائيل ارادتاها اداة لتدمير العراق وتقسيمه، لذلك فان الزعامة الفارسية تيقنت بانه لا امبراطورة فارسية ابدا من دون ازالة الدولة العراقية.
اذن اذا قارنا كل ماقدمته ايران لمنظمات فلسطينية وعربية من اموال، وكل ما تحملته من اتهامات شككت وبقوة وفاعلية باسلامية خميني واتباعه، مثل تعاونها مع امريكا في غزو العراق، وقبلها استلام اسلحة من امريكا واسرائيل اثناء الحرب مع العراق، وكل ما اقامته من تحالفات مع قوى معادية، لها مثل القاعدة، نقول اذا قارنا كل ذلك وغيره بتحقيق هدف تدمير العراق وازلته من امام التوسع الإيراني واستعماره، سنجد حتما ان ايران رابحة وان كل ما قدمته لعربان كان عبارة عن ثمن تافه. ان ازالة العراق من الخارطة، او تحييده على الاقل، سيزيح العقبة الاخطر التي تمنع الامبريالية الفارسية من اقامة امبراطوريتها الاستعمارية، في تحويل كامل للامبريالية من معناها اللغوي، أي التوسع، الى معناها الاقتصادي أي نهب ثورات الاخرين واستعمارهم وربما تغيير هويتهم القومية.
2 - في ضوء هذه المقدمة نرى ان دعم ايران للقاعدة يحقق لها ما يلي :
أ – ان تعزيز دور القاعدة في العراق يحقق هدف مهم جدا، وهو تحجيم واضعاف المقاومة الوطنية العراقية المسلحة والتي تشكل اقوى تنظيم وطني، أي يشمل القطر ويوحده من خلال وجود كل فئات الشعب العراقي تقريبا فيها، ويفسح المجال لبروز قوة طائفية سنية تكفيرية لا تضم الا عناصر وشرائح طائفية محدودة. ان تعزيز قوة ودور القاعدة على حساب القوميين العرب في المقاومة العراقية يقود الى تحويل المقاومة من مقاومة وطنية تحررية الى حرب طائفية، وبذلك تتخلص ايران من احتمال مقلق لها، بل انه كابوسها الاول، وهو استلام التيار القومي للسلطة في العراق بعد التحرير، وهو تيار يشكل السد الاقوى الحاجب لموجات التوسع الفارسي، كما اثبتت حرب الثمانية اعوام. وهذا الهدف ليس هدفا ايرانيا فقط بل انه هدف امريكا الاهم، مادام انتصار المقاومة العراقية على الغزو الامريكي يشكل تهديدا بقبر مشروع امريكا المعلن وهو اقامة ديكتاتورية عالمية.
ب – اذا تفوقت القاعدة في العراق، ستحقق لايران واحدا من اهم اهدافها الاساسية، وهو اجبار شيعة العراق العرب، الذين فشلت ايران في كسب اغلبيتهم الساحقة نتيجة تمسكهم بعروبتهم، على الاحتماء بايران من هجمات القاعدة عليهم بصفتهم شيعة ونظرة القاعدة اليهم (كروافض معادين للاسلام). وهذا الموقف الإيراني مفهوم ومألوف عالميا، اذ ان الحركة الصهيونية العالمية قدمت لهتلر ملايين الدولارات، التي كان في امس الحاجة اليها لاغراض عسكرية، من اجل ان يضطهد يهود المانيا ويجبرهم على الهجرة الى فلسطين، او كما فعلت الحركة الصهيونية بيهود العراق والذين رفضوا الهجرة الى فلسطين بعد اعلان ولادة اسرائيل، نتيجة حبهم للعراق، فهوجمت مقراتهم الدينية واجبروا على الهجرة ثم اكتشفت السلطات العراقية ان من قام بذلك هم يهود امرتهم الصهيونية بذلك.
ج – ان تحول حرب التحرير الى حرب طائفية سيمهد الطريق لتقسيم العراق لان سيطرة القاعدة، وهي المنظمة الطائفية المتطرفة التي حللت الدم الشيعي، سيعزز مقاومة جنوب العراق وشماله لها، وبما انها لا تملك وسائل الحسم العسكري ولا الاداة البشرية في تلك المنطقتين من العراق فان النتيجة الوحيدة ستكون جر القطر الى التقسيم. وذلك مرة اخرى هدف امريكي اساسي.
هـ - ان سيطرة القاعدة في مناطق فيها اغلبية سنية فقط سيشعل حربا دموية بينها وبين القوى القومية، ومن ثم ستقسم حتى المناطق السنية الى كيانات متصارعة فيما بينها، فيتحقق هدف جوهري اخر وهو شرذمة المقاومة والذي لابد ان يقود الى شرذمة الكيانات الثلاثة من داخلها بالذات (كيان الشمال الكردي تتقاسمه عدة قوى وكيان الوسط تتقاسمه فصائل المقاومة وكيان الجنوب تتقاسمه تنظيمات موالية لايران). وهذا هدف مشترك امريكي ايراني لانه يحول الجميع الى قوى هامشية تفتقر الى القدرة على الحسم ولا تشكل خطرا على امريكا او ايران.
و – ان تحويل المقاومة العراقة من مقاومة تحررية الى حرب طائفية، مع انها كانت توصف بانها اعظم مقاومة في التاريخ ومعجزة العرب الحديثة...الخ، سيزيح اعظم تهديد لدور حزب الله، الذي أعد وأهل ليكتسب لقب (سيد المقاومة العربية)، ومن ثم يستطيع استقطاب وطنيين عرب وجرهم لدعم ايران، مع انها تقوم بتدمير اهم قوة عربية وهي العراق، لكن بروز المقاومة العراقة وفرادتها لم تطغي على حزب الله فقط بل الاهم انها كشفت الدور الحقيقي للحزب، بصفته اداة ايرانية بالاساس. لذلك فان تحويل المقاومة العراقية الى مقاومة طائفية سيعيد لحزب الله بريقه وجاذبيته في الوسط العربي، بعد ان فقد القسم الاكبر منها، خصوصا بعد اغتيال القائد الشهيد صدام حسين بيد رفاق حسن نصر الله في العراق تنفيذا لقرار امريكي.ان اعاد حزب الله كقوة مقاومة وحيدة هو احد اهم شروط تمهيد الطريق امام ايران لتحقيق اهدافها القومية في الوطن العربي واهمها تقسيم العرق وتقاسمه مع امريكا.
ز – تريد ايران ان تقنع السنة كلهم، في الوطن العربي والعالم الاسلامي، بأنهم عبارة عن شراذم متقاتلة ولا يجمعها رابط، وانهم لم ينجحوا حتى جينما توفرت لهم الفرصة بانبثاق اعظم مقاومة في التاريخ وهي المقاومة العراقية، بعكس الشيعة الموحدين خلف ايران، ولذلك فان السنة يفتقرون للعقلانية والمنطق والاهلية لقيادة العالم الاسلامي، وفقدوا الفرصة التاريخية لاثبات جدارتهم. وباضافة دور حزب الله المنظم والمقاتل ببراعة مميزة تتكون قناعة، كما تريد ايران، في اوساط سنية في العالم الاسلامي والوطن العربي تقول بان التشيع افضل من التسنن، وتبدأ عمليات تحول طائفي تشعل حروبا طائفية على امتداد الوطن العربي والعالم الاسلامي، ولا يكسب منها احد الا ايران وامريكا واسرائيل والخاسر فيها الاكبر هم العرب بالتاكيد. انها تحقيق لواحدة من اهم متطلبات نظرية هنتنغتون حول تحول الصراعات الى صراعات دينية واثنية وثقافية.
محمد دغيدى
23-09-2007, 12:41 AM
(8 – 10)
من اكمل استدارة حلقة الطائفية في المنطقة؟
ليس ممكنا تجاهل اهمية تزامن صعود كل من الطائفية السنية والطائفية الشيعية، لانه مؤشر خطير يحدد الجهة التي وقفت وراء ذلك الصعود والهدف منه. في نهاية السبعينيات لوحظ بوضوح تام ان الطائفية السنية تصعد في افغانستان، ممثلة بمن اطلق عليهم اسم (المجاهدون الافغان)، وهي تقاتل الغزو السوفيتي لذلك البلد، ولكن في نفس الوقت كانت الطائفية الشيعية تصعد في ايران وكأن هناك منسق عام بين الطرفين! ولقد جاء اسقاط الشاه في عام 1979 وهزيمة السوفييت في افغانستان متزامنين تقريبا، وكأن المطلوب كان اعلان انتصار التطرف الديني الطائفي على الاستبداد الدولي، ممثلا بالاتحاد السوفيتي، والاستبداد الاقليمي ممثلا بالشاه! ان التزامن وايحاء التزامن كانا مهمين في تحديد مسار التطورات اللاحقة في المنطقة كلها، لان الانتصار في الساحتين وعلى يد تيارات اسلاموية، في حين ان التيارات الوطنية والقومية وصفت بانها لم تنجح في ذلك وغيره اعطى دفعا هائلا للاسلامويين وشكل انتكاسة للوطنيين والقوميين العرب.
وهذه الحقيقة استغلها خميني فورا باعلانه ان هدف اسقاط نظام صدام حسين، والذي وصفه بالكافر والملحد، هو الهدف القادم! ماذا حدث؟ كانت المنطقة تغلي حتى اسقاط الشاه ودحر السوفييت في افغانستان، بالمشاعر الوطنية والقومية وكان الاسلامويون تيار ثانوي، وكان التناقض الرئيس هو بين حركة التحرر العربية والاستعمار الغربي والصهيونية، وعلى اساس هذا التناقض كان الاصطفاف السياسي كالاتي : في صف واحد كانت تقف القوى الوطنية (اسلاموية وقومية ويسارية...الخ) في صف، ومقابلها كانت تقف القوى الساداتية بمختلف اشكالها، أي القوى التي تدعم الخط المساوم على القضية المركزية، قضية فلسطين. نعم كانت هناك خلافات داخل معسكر الوطنيين ولكن كان الاتفاق على النضال ضد الصهيونية والنهج الساداتي والاستعمار هو الطاغي. لكن تبني نظام خميني لهدف اسقاط النظام الوطني التقدمي في العراق واصراره على تنفيذه بالقوة وترجمة ذلك بالاعلان الرسمي عن تبني الارهاب وسيلة مباشرة لاسقاط النظام اجبر الطرف المدافع على الرد لحماية كيانه الوطني من التخريب والارهاب الدموي الذي طال العشرات من العراقيين. لقد فشلت كافة الوساطات الاقليمية والدولية لخل الخلاف بالطرق السلمية نتيجة رفض خميني أي حل سلمي، مع ان العراق قبل كل المقترحات التي قدمت، وهذا امر مثبت في وثائق الامم المتحدة، بمئات المذكرات والمخاطبات.
لقد برز عامل ضاغط بقوة على مجرى الصراع واجبر القوى الوطنية على خوض معركتين في نفس الوقت : معركة مع النهج الساداتي (الصهيوني – الامريكي)، ومعركة مفروضة مع التيار الطائفي الشيعي الخميني. لقد كانت الحرب بين العراق وايران نتاج اصرار خميني على اسقاط النظام الوطني في العراق، وهي حرب فتحت الباب امام تغيير حاد في تناقضات المنطقة، وفي مرحلة متقدمة دفعت الحرب كل التناقضات الاخرى الى الخلف واصبح الصراع المحتدم هو الصراع العربي – الإيراني.
وفي نفس الفترة تحول من اطلقت عليهم تسمية (الافغان العرب) من افغانستان الى اقطارهم ليمارسوا حرب عصابات ضد النظم العربية، مستخدمين تجربتهم العسكرية والعقائدية في افغانستان، لتدمير تلك النظم بالقوة، وكان هؤلاء يمثلون الطائفية السنية المتطرفة، وكان اول عمل بارز لهم هو اغتيال السادات رمز الاعتراف باسرائيل، في حركة محسوبة بدقة لسحب البساط من تحت اقدام الوطنيين العرب وتصدر المشهد السياسي العربي بدلهم. لكن الذي حدث هو ان المنطقة شهدت تحولا خطيرا في اولوياتها، فبدلا من الاهتمام بالدفاع عن القضية الفلسطينية، ولو بحدوده الادنى، راينا صراعا دمويا رهيبا بين الاسلامويين العرب والحكومات العربية، الامر الذي اكمل استدارة حلقة الطائفية الاسلاموية وطغيانها على المشهد العربي. لقد تراجع الصراع العربي الصهيوني وصعدت الصراعات العربية – العربية وحلت محله، وكان المبادر في الحالتين هو الطائفية الخمينية والطائفية السنية. وهذا يعني تحديدا تغيير التناقض الرئيسي جذريا بعد ان حل تناقض ثانوي، الصراعات العربية – العربية، داخل كل قطر عربي، والعربية الاسلامية، الصراع بين بلدان اسلامية، محل التناقض الرئيس وهو الصراع العربي – الصهيوني.
من خلال دراسة مجرى الاحداث، منذ الثمانينيات وحتى القرن الحادي والعشرين، نجد قاسما مشتركا خطيرا يربط بينها وهو ان التكفيريين سنة وشيعة هم المبادرون لاشعال الحرب الداخلية، ونستطيع الان ان نحدد بدقة ذلك من خلال ما يجري في العراق، فعلى جبهة الطائفية الشيعية نجد انها تتعاون مع الغزو الاستعماري للعراق، ومعها الطائفية السنية ممثلة بالحزب الاسلامي، وفي الطرف الاخر المقاوم للاحتلال نجد ان الطائفية السنية التكفيرية تكاد تغرق زورق المقاومة بثقبه وهو في منتصف النهر! وفي كل الاحوال فان الهجوم على الوطنيين العرب وتكفيرهم ومحاولة اجتثاثهم هو الذي يقدح الصراعات غير المسوغة وليس التيار الوطني والقومي. ان خطر ما يهدد عملية تحرير العراق الان هو نزعة التكفيريين لشق الصفوف من خلال تكفير المجاهيدين القوميين العرب وتحليل دمهم! هل كان صعود التكفيريين الطائفيين المتزامن سنة وشيعة صدفة؟ كلا بالطبع ففي الاحداث التاريخية الكبرى والمستمرة عقودا طويلة لا مكان لفرضية الصدفة او العفوية، بل هناك تفسير واحد يتحكم فيه المثل العربي البليغ القائل : (ان الامور بخواتيمها). في خواتيم احداثنا المصيرية نرى الاسلامويون هم الطرف الذي يمزق الصفوف بعناد لا يكل، وهو عناد يفسر الدافع الحقيقي.
بين ثقافة الجيتو اليهودي والجيتو الإيراني
قد يدهش غيرالعارف بطبيعة المزيج، المندمج عضويا، والراسخ في الذاكرة الايرانية، تأريخيا، من الثقافة والسايكولوجيا الايرانيتين تجاه الامة العربية، حينما نقول باننا بازاء صهيونية جديدة داخل الاسلام السياسي تتمثل في ثقافة الجيتو الاسلاموي الصفوي الإيراني. فما هي مظاهر وتجليات هذا الجيتو؟ كما الجيتو اليهودي فان الجيتو الصفوي يعتمد التقية سلاحا جبارة لاختراق صفوف اعداء الصفوية الايرانية. وهنا يطرح سؤال مهم وهو هل التقية فارسية ام يهودية؟
التقية يهودية؟ ام فارسية؟
ان التشيع الصفوي اخذ واحدة من ابرز سمات الجيتو اليهودي وهي التقية، ومن يعتقد بان هذا السلوك فارسي قديم مخطأ. ما هي التقية؟ التقية منحدرة لغويا من يتقي، أي يتجنب او يتخلص مما يعده خطرا او ضررا، وهذا التجنب يتم عن طريق التظاهر بعكس الحقيقة، فمثلا اذا كان الفرد مؤمنا بفكر معين فانه ينكره تجنبا للاضطهاد، ويتظاهر غالبا بعكس ما يؤمن به سرا، فيصبح لممارس التقية نوع ذكي وخطير من الازدواجية في الكلام والسلوك، ويكاد يشبه احيانا حالة الجاسوس الذي يضطر عند اختراق العدو للتظاهر بانه من بين صفوفه.
وبعدما اصبحت المسيحية هي الاقوى تعرض اليهود للاضطهاد، كاقلية دينية، فاخذوا يبلورون نوعا خاصا جدا من الحياة والسلوك يتسمان بالعزلة والسرية والكتمان، وكلما ازداد الاضطهاد تعمقت اسس اسوار قلعة الجيتو، أي الانعزال عن الاخرين، واخذت سايكولوجية خاصة تتبلور وتزيح السايكولوجية العامة التي كانت تجمع اليهودي بغيره. ولعل ابرز مظاهر التقية هي السرية والتي تصل احيانا الى حد الطقس المقدس، كما حصل في اليهودية والتي شهدت ظهور انماط من التنظيمات السرية كالماسونية، او النصوص السرية المقدسة ككتب اليهود المزدوجة او المتعددة المعاني (الكابالا مثلا) ويكون معناها الظاهر مختلفا كليا عن معناها الباطن، والذي لا يعرفه ولا يستطيع تفسره الا كهنة خاصين جدا. ومن ابرز مظاهر التقية اليهودية المعروفة يهود الدونمة في تركيا، والذين تركوا اليهودية رسميا وظاهريا وانخرطوا في الاسلام لكنهم حافظوا سرا على يهوديتهم، ووضعوا هدف السيطرة على تركيا من داخلها وتحت غطاء الاسلام ومن هناك يتم تدمير الاسلام الحقيقي.
وأذكر اني التقيت بشخص من جماعة مسيحية تعمل في امريكا، حينما كنت في الثمانينيات اعمل في البعثة العراقية في الامم المتحدة، وشرح لي مسألة قد تبدو غريبة لكنها حقيقة، وهي تقول بان هناك طوابير خامسة من اليهود اخترقت تقريبا كل الديانات، ومنها الاسلام والمسيحية، وتبرقعت بها من اجل تخريب الديانات الاخرى من داخلها. واعطوني كراسا صغيرا عنوانه (الطابور اليهودي الخامس في الاسلام)، وهو جزء من سلسلة تكشف تغلغل اليهود في الديانات الاخرى، وفيه تسليط للضوء على كيفية اختراق جماعات يهودية للاسلام، من خلال الانخراط فيه والتظاهر بالايمان التام بما انزل بواسطته. ومن اغرب ماورد في الكراس معلومة تقول ان اكثر من اسرة حاكمة في الوطن العربي هي من اصول يهودية ولكنها متخفية باسم الاسلام وتعمل على تدمير الاسلام من داخله بطرق مختلفة، وربما لا يخطر بعضها على بال، منها تأسيس فرق وجماعات وطوائف، تبدو اسلامية في الظاهر، لكنها تخدم اعداء الاسلام في الواقع، من خلال سلوكها ونظرياتها وفتواها المدمرة والمسيئة للاسلام او المفرقة لصفوفه. أذن التقية بالاصل يهودية المنشأ ولم تدخل بلاد فارس الا بعد انهيار الامبراطورية الفارسية على يد العراقيين في القادسية الاولى، فكف دخلت التقية اليهودية الى بلاد فارس واصبحت جزء من ثقافة النخب الفارسية (وليس الشعب الفارسي) التوسعية؟
في ضوء الايضاح السابق يبدو لنا ان التقية بالاصل هي تراث وممارسة يهودية، نتجت عن ثقافة الجيتو، لها اهداف متعددة، منها تجنب ضغوطات الاخرين عليهم، والمحافظة على معتقداتهم او نشرها سرا، والعمل على اكتساب القوة تمهيدا لنزع ثياب التقية واعلان القناعة الحقيقية، ومحاولتهم اختراق الاخرين وتخريب مجتمعاتهم من داخلها وباسم دينها او قيمها او تنظيماتها.
واذا تذكرنا ان الامة الفارسية أمة عظيمة وكانت صاحبة حضارة ولها احساس ب(السمو القومي)، فانها كانت لاتستطيع ممارسة التقية، التي هي نهج وممارسة الاضعف في محيط الاقوى، كما انها ممارسة تنطوي على قبول الذل كثيرا من اجل البقاء وتعزيز النفوذ انتظارا للحظة الكشف عن الهوية الحقيقية، والثقافة الفارسية التي تقوم على الاعتزاز المتطرف بالذات تتناقض مع قبول التذلل. ولكن تحطيم الامبراطورية الفارسية على يد العرب الفاتحين، وتحول الفرس من حالة الهيمنة الى حالة الخضوع واجبارهم بالقوة على دخول الاسلام، وبروز دولة اسلامية بقيادة العرب هيمنت على الاقليم كله، دفع نخب فارسية لصياغة سلوك تقوي (من تقية) تدريجيا كان له هدفان رئيسيان : الاول هو حماية انفسهم من التعرض للعقاب اذا تركوا الاسلام، والثاني التغلغل داخل الدولة الاسلامية العربية وتدميرها من الداخل، من اجل تنفيذ قسم النخب، الذي تبنته يوم سقطت فارس، بتدمير ملك العرب مهما طال الزمن وباي وسيلة واعادة بناء الامبراطورية الفارسية على انقاض الامة العربية، وهو ما فعلته نخب البرامكة واولئك الذين عينوا معاونين للخلفاء والامراء والحكام من المسلمين الفرس.
حينما اراد العباسيون اسقاط الدولة الاموية العربية الاسلامية كان الفرس هم من بين اهم قادة الحركة العباسية المسلحة ضد الامويين، فلقد استغلوا مطالبة العلويين، وابناء عمومتهم العباسيين، بالحكم لتحقيق هدفين حوّل تحقيقهما حياة العرب الى جحيم، وهما هدف اسقاط الحكم العربي واستبداله بحكم غائم الهوية، باسم الاسلام، من اجل التمهيد لاعادة بناء الامبراطورية الفارسية، وهدف شق الاسلام بخلق مذهب يكون انتشاره مقدمة لخلق دين جديد يقوم على انقاض الاسلام. فاستغلت النخب الفارسية وجود التظلم العلوي من حرمان الامام علي (كرم الله وجهه) من الخلافة بعد وفاة النبي (ص)، لتحقيق الهدفين المشار اليهما. لقد نجح الفرس، من خلال انخراط نخب فارسية التام والذوبان الظاهري في الحياة العربية وتمكنهم من البروز في الحياة الثقافية والدينية، في تحويل الخلاف السياسي على السلطة الى مذهب هو التشيع، مع ان التشيع لغويا يعني التأييد والدعم، ولم يكن ينطوي على أي معنى مذهبي! وهكذا كان شق الاسلام الى مذهبين رئيسيين متصارعين ولا يلتقيان قد تحقق، وهو من اهم اهداف النخب الفارسية، واصبح ذلك، خصوصا الان، مصدر اكبر خطر على الهوية العربية وعلى نقاوة الاسلام. كما نجح الفرس في التعجيل بانهيار الدولة الاموية وقيام الحكم العباسي والذي كانوا فيه اهم قوى التأثير لدرجة ان عائلة الخليفة قد ناسبت بالزواج الفرس وصاروا اخوال ابناء الخليفة والخلفاء اللاحقون!
ومن ابرز نتائج ذلك ان النخب الفارسية في بغداد، في ظل الحكم العباسي، كانت تشتم العرب وتحط من شأنهم علنا ودون خوف نتيجة دعم اسرة الخليفة لهم، وهو ما ضطر الانتلجنسيا العربية، ممثلة بالجاحظ، للرد على شتائم الفرس وتحقيرهم للعرب. وكان البرامكة هم الحلقة الاقرب للخليفة، لدرجة انهم اخذوا ينافسونه على الشعبية، فنبهه ذلك الى خطورة تغلغلهم فاقصاهم عن السلطة. وفي ضوء ما تقدم نلاحظ ان التقية الفارسية قد عبرت عن نفسها بطرق مختلفة ولكن اهمها كان شق الاسلام بتحويل ماكان خلافا سياسيا على السلطة الى انشطار مذهبي مدمر، وخلخلة الحكم العربي العباسي واضعافه بعد المساهمة في اسقاط الحكم العربي الاموي.
وحتى حينما تكون الدولة الفارسية ضعيفة فانها تلجأ الى نوع اخر من السلوك : القذف بالاف الفرس الفقراء الى العراق من اجل لقمة العيش لكنهم يصبحون قاعدة التأمر الفارسي بمرور الزمن. يضاف الى ذلك ان النخب الفارسية كانت وماتزال تستغل الزيارات الدينية الى العراق من اجل البقاء فيه واكتساب الجنسية العراقية ان امكن، لزيادة مجسات ايران ومخالبها في العراق، والتي لا تستخدم الا بعد ان تتقوى وتترسخ علاقاتها داخل العراق. ولعل اخطر ما يترتب على الهجرة المنظمة الى العراق ودول الخليج العربي، سواء كانت تحت غطاء كسب الرزق او الزيارات الدينية، هو اعداد ايران لاعلان وجود اقلية فارسية في كل الاقطار العربية الخليجية، في الوقت المناسب، ومثال العراق معبر وواضح، حيث تطالب هذه الاقليات بحقوق قومية كالتجنس الكامل! لقد ولد الطابور الخامس داخل العراق، كما ولد داخل اقطار الخليج العربي. واذا كان الطابور الإيراني الخامس داخل العراق والبحرين قد اوقظ واخذ يدافع عما يسميه حقوقه وعن صلته بايران، فان الطابور الإيراني الخامس، في بقية اقطار الوطن العربي كله، ينتظر دورها في الايقاظ والتحرك، في اطار خطوات تعاقبية مدروسة بدقة.
وهنا لابد من التنبيه الى حقيقة ثابتة وهي ان ولاء المهاجرين الايرانيين، الى العراق والخليج العربي او الجاليات الايرانية او ذوي الاصول الايرانية، ليس لنظام معين بل لمشروع قومي ثابت لا يتغير بتغير الحكام، ويخدمه كل حاكم يأتي، حتى لو كان الاخر الذي حكم قبله مناقضا له في اكثر الامور، لان القاسم المشترك بين النخب الفارسية، القومية والدينية والليبرالية واليسارية، هو خدمة المشروع الامبراطوري الإيراني. والمثال على ذلك هو انشاء حزب الدعوة في العراق، والذي اسسته المخابرات الايرانية في الخمسينيات، أي في زمن الشاه، لخدمة اهداف ايران، ولكن بعد اسقاط الشاه بقرار امريكي – بريطاني، حوّل هذا الحزب ولاءه الى خميني. ان ما يدعيه البعض من ان هذا الحزب اسسه محمد باقر الصدر ليس سوى اكذوبة تدحضها الوقائع والشهادات الموثقة. وكذلك فان موسى الصدر الإيراني الشاب الذي ذهب الى لبنان في زمن الشاه للتبشير للمذهب الصفوي في لبنان واسس حركة امل لم يكن ضد الشاه كما يشاع، بمعنى انه يختلف معه حول كل شيء بل كان معارضا لبعض سياساته، لكنه لا يحتلف مع الشاه حول التوسع الاستعماري الإيراني، من هنا فان ايران لم تعترض على نشاطاته بل كانت في الواقع تمولها عبر المؤسسات الدينية، وهي مؤسسات لم تنفصل عن الشاه بجسمها الاكبر الا عندما قررت امريكا اسقاط الشاه.
محمد دغيدى
25-09-2007, 01:26 AM
(9 – 10)
الجيتو الصفوي والجيتو اليهودي : السمات المشتركة
الجيتو هو، في المقام الاول، سايكولوجيا مشتركة بين مجموعة من البشر تجعلهم يتميزون بسلوك معين ونمط خاص بهم في التفكير، يعبر عنه بثقافة انعزالية في الواقع حتى لو تظاهرت بالتفاعل مع الاخر. والجيتو الصفوي الطائفي وجود قائم ونشط وهو يتحكم بكثير من الشيعة الصفويين، ورأيناه في العراق بعد الغزو يعبر عن نفسه في قدرته على تمزيق الروابط الاجتماعية والوطنية كافة، وتلك ظاهرة بالغة الخطورة على الرابطة الوطنية والهوية القومية للامة العربية، وتتجاوز خطورتها خطر الجيتو اليهودي، لان الجيتو الصفوي جزء منا، ويقع داخل الامة ويتبرقع بالاسلام، لذلك لا توجد حصانة فعالة ضده، بينما الجيتو اليهودي خارجنا وهو عدو صريح لنا، لذلك فان الحصانة ضد مخاطره موجودة وفعالة.
واذا اردنا ان نلخص السمات المشتركة بين الجيتو الصفوي والجيتو اليهودي، فان اهم الملاحظات بهذا الشأن هي ما يلي :
1 – العمل بموجب التقية، فالجيتو الصفوي يقوم على التقية والتي تعبر عن نفسها في ممارسات وسلوكيات محددة مثل ازدواجية السلوك، المخادعة، الغدر، تدمير الثقة بين المواطنين، وجود جماعتين لا تلتقيان ابدا وعلاقتها علاقة تناحر دائم لابد ان ينتهي بانتصار احدهما وسحق الاخر...الخ، وهذه السمات هي ذاتها سمات الجيتو اليهودي.
2 – الحط من شأن الاخر سرا وتعظيم الذات، وهذا السلوك قاسم مشترك بين الجيتو اليهودي والجيتو الصفوي.
3 – تأهيل الاجيال سرا لتحطيم الاخر من خلال توارث كرهه بالتربية المنظمة.
4 – اعتماد كلام ناعم كالحرير واظهار التبعية والخضوع للاخر، باستخدام تعابير مثل (مولاي)، وتقبيل اليد وتكرار التعبير عن الاخلاص والولاء.
5 – التمسكن حتى التمكن تلك هي قاعدة سلوك مواطن الجيتو، سواء كان يهوديا او صفويا، ففي مرحلة الضعف لابد من التمسكن، التظاهر بالمسكنة والضعف والحاجة للحماية، لكنه ما يصبح قويا حتى يتنمر ويتجبر، فتنقلب مظاهر الخضوع والولاء الى تمرد عنيف جدا ويصبح من كان يبدو مسكينا وعطوفا ولينا عبارة عن دريل (مثقاب كهربائي) لا وظيفة له سوى تثقيب راس من كان يعده مولاه وقتله ببطء، لاجل جعله يعاني من عذاب ليس له نظير حتى الموت. ان العراق المحتل شهد هذا النوع من الانقلاب من التمسكن الى التنمر والتجبر. وهذا ايضا ما فعله اليهود قبل انشاء اسرائيل.
6 – ممارسة طقوس وثنية لا اسلامية تعمق كراهية الاخر، باحياء ذكريات عمرها مئات السنين، والتعامل معها وكأنها تحدث الان! ان اللطميات في ذكرى عاشوراء والمسيرات والضرب بسلاسل الحديد والسيوف، هي نوع فعال من عمليات غسل الدماغ الجماعي للكتل الجماهيرية، تضعها دائما في اجواء الثأر والانتقام والحزن على من قتل قبل مئات السنين! لكن الهدف الحقيقي لهذه الطقوس غير ذلك : انه ابقاء هذه الكتل تحت سيطرة ايران، فبمجرد النجاح في اتهام الاخر، العراقي او العربي، بانه مسئول عن قتل ال (البيت)، مع انه ليس كذلك، فان ايران ضمنت انشطار اجزاء كبيرة داخل البيت العراقي والبيوت العربية الاخرى ووقوعها تحت سيطرتها، والتبي تستغلها في تنفيذ خططها داخل العراق وغيره، كما اكدت الاحداث في العراق خصوصا منذ عام 1980 وحتى الان.
وحينما نقول ان هذه الطقوس وثنية ولا علاقة لها بالاسلام فان ما تقوم به ايران يثبت ذلك، ففي ايران تمنع اسالة الدماء عند تنظيم المسيرات الدينية بقرار من الملالي، مع انها تشجعها وتأمر بها في العراق! كما ان هذه الطقوس سابقة للاسلام ومورست في اوربا والهند، ومازالت تمارس من قبل الهندوس حتى الان باشكال مشابهة جدا، بصفتها طقوسا هندوسية صرفة، وانا شاهدت ذلك حينما عملت في الهند. وتقع مسألة التسمية في هذا الاطار، فان اطلاق اسماء عبدالحسين وعبدالحسن وعبدالزهرة وغيرها من اسماء الشرك، وهي اسماء شرك لانها تجعل من البشر عبيدا لبشر مع ان العبودية هي لله وحده، لا تستخدم في ايران التي تامر باطلاقها في الاقطار العربية! والسبب هو ان ايران تريد ان تخلق خط فصل زائف بين السنة والشيعة حتى في مجال الاسماء، لدرجة ان عمليات القتل على الهوية في العراق المحتل كانت تتم استنادا للاسماء على يد فرق موت ايرانية وامريكية وتكفيرية سنية! والسؤال المركب والجوهري هنا هو : لماذا ترفض ايران ممارسة طقوس التوحش والسادية داخلها وتأمر بها في الاقطار العربية؟ ولماذا ترفض ايران اسماء الشرك داخلها وتفرضها، عبر حوزتي قم والنجف، في العراق والاقطار العربية؟ اليس لتسهيل تمييز الشيعي عن السني وتعميق الخلافات بينهما؟
7 – ان المظلومية ارث مشترك يهودي شيعي صفوي، واليهود هم اساتذة الصفويين لانهم اقدم في هذا المجال ولان مظلوميتهم الكاذبة كانت تكتيكا لغزو فلسطين وتحويلها الى (وطن قومي لليهود). ولعل من اغرب عناصر التشابه هو ان المظلومية لدى الطرفين اقترنت بالتقية ذاتها. ان اهم ما يسقط ادعاءات المظلومية هو ان الحوزة، سواء في قم او النجف، كانت تأمر اتباعها بعدم المشاركة في الحكم او وظائف الدولة او السياسة لغياب الامام، لان غياب الامام يحرم الحكم من الشرعية، ومن ثم فان خدمة الدولة هي خروج على الشرع! وقصة غياب الامام وانتظار عودته ارث يهودي صفوي مشترك مصدره سابق لليهودية بزمن طويل، وابتدأ في الاساطير العراقية اصلا، لكن هذا الارث وظف من قبل اليهود لزرع الامل في الانقاذ من (الجور والظلم) مع ان الكهنة قبل ظهور اليهودية والحاخامات اليهود يعرفون انها قصة اسطورية لا غير.
قاطع اليهود الاشتراك في الحكم لاسباب تعلق بالتقية، وهي تجنب استفزاز الحاكم غير اليهودي، فاتجه اليهود لحرفة التجارة والعلم والفن وغير ذلك وتجنبوا السياسة، اما الصفويون فانهم قاطعوا الحكومات ورفضوا العمل داخلها ولم يحرمهم احد من ذلك ابدا، فاتجهوا كاليهود للتجارة وغيرها معتقدين ان انتظار المهدي القادم لنشر العدل بعد الجور سيسمح لهم باستلام الحكم وليس المشاركة فيه كمواطنين عاديين كغيرهم! اذن ليس صحيحا ان الشيعة ابعدوا عن الحكم بقرار من الاخر، بل الصحيح هو ان المرجعيات الصفوية هي التي ابعدتهم خلقا للكراهية في نفوسهم او تعميقا لها. وبما ان ما بيسمى ب (المظلومية الشيعية) يقوم على ادعاء فاسد، وهو ان الاخر أي السني يحتكر السلطة ولا يسمح للشيعي بالمشاركة في الحكم والحياة السياسية، فان فساد اصل الفرضية يسقطها كلها.
اما العامل الحاسم في نسف فرضية المظلومية فهو ملاحظة ان الشيعة العرب حينما اختاروا العمل السياسي في الدولة والاحزاب لم يمنعهم احد، لانهم اهل العراق وليسوا ضيوفا عليه، واحتلوا المواقع الاولى في كل الدولة، من رئيس وزراء الى قادة في الجيش الى امناء سر للاحزاب القومية، وامين السر في البعث هو اعلى موقع حزبي، فحزب البعث مثلا قاده خمسة امناء سر حتى الغزو، ثلاثة منهم شيعة وهم المرحومان فؤاد الركابي وعلي صالح السعدي والسيد حازم جواد، واثنان سنيان هما المرحوم احمد حسن البكر والشهيد الخالد صدام حسين... الخ. اذن لم تروج المرجعيات في النجف وقم وهما ايرانيتان، لاسطورة المظلومية؟ اليس لخلق سبب جوهري للشرخ الطائفي؟
8 – يلاحظ ان الصفوية كاليهودية تلزم المنتمي اليها بالطاعة المطلقة لرجل الدين والا حل عليه عقاب الهي مستمر في الدنيا والاخرة! والطاعة في الصفوية اشد من الطاعة في اليهودية، وهي منحدرة لدى الصفويين من الزرادشتية، والتي تربط حصول الانسان على اقامة في الجنة بطاعة رجل الدين والملك! ومن مظاهر تأثر التشيع الصفوي بالزرادشتية هو تقليد طاعة المرجع الديني بشكل اعمى لدرجة ان مثقفين كبار لا يستطيعون التمرد على هذه الطاعة! ان تقبيل يد الامام هو المظهر الاشد بشاعة لنظام العبودية الزرادشتي والذي نقلته النخب الفارسية الى التشيع الصفوي. والتأكيد على الطاعة المطلقة يحول رجل الدين الى وكيل الله في الارض ويمنحه سلطات مفتوحة تشمل حتى استمرار الحياة الزوجية او انهاءها بقرار من الامام! ما دور ذلك في التوسع الاستعماري الإيراني؟
ان الطاعة التامة لرجل الدين تجعل سلطته اقوى من الانتماء القومي او الوطني، وهي سلطة تستطيع استخدام مواطني بلد اخر لخدمة ايران وهم واثقون من انهم يخدمون الله ويشترون بطاقة الاقامة في الجنة! ولا يمكن تفسير ماحدث في العراق عند الغزو وبعده لعدد ليس بالقليل من العراقيين بعيدا عن هذا الامر الخطير. فلولا فتاوى السيستاني، وهو ايراني الجنسية رغم انه المرجع الاعلى لشيعة العراق، بعدم مقاومة الغزو ثم فتاواه بالاشتراك في الحكومة التي شكلها الاحتلال وبدعمها والتعاون مع الاحتلال لما تورط الاف العراقيين في العمل ضد وطنهم العراق.
9 – يشترك الصفوي مع اليهودي ومع المسيحي المحافط ايضا، في الوقوع في فخ التمحور حول الذات. ما معنى ذلك؟ التمحور حول الذات مرض في الوعي الانساني يجعل الانسان يعتقد بانه هو مصدر الحقيقة والحق والمقرر للخطأ والصواب وليس هيئة او وثيقة قانونية او طرف اخر خارجه، لذلك فانه لا يهتم بما يقوله الاخر ولا يعترف بحقوقه ولا بانسانيته، حتى لو ادعى ذلك للتخلص من بعض الاحراجات. ان من غزا امريكا الشمالية وجنوب افريقيا واستراليا واباد سكانها او حولهم الى عبيد هم اوربيون، ومن غزا فلسطين وطرد اغلب سكانها هم يهود صهاينة، وهؤلاء قتلوا عشرات الملايين من البشر، وفي امريكا الشمالية فقط قتل المستعمرون الاوربيون 112 مليون هندي احمر دون وجود حاجة لتلك الابادة المنظمة على الاطلاق، لان الهندو الحمر استقبلوا المهاجرين البيض بالترحاب وقدموا لهم الطعام واقاموا لهم اماكن السكن وعلموهم الزراعة، وكان يمكن ان يتعايش الابيض مع الهندي الاحمر، لكن الابيض قرران يحتكر القارة كلها له فاباد الاغلبية الساحقة من الهنود الحمر (112 مليون هندي ابادهم البيض مع العلم ان عدد سكان اوربا كلها وقتها كان 52 مليون نسمة) بطريقة منظمة ومدروسة.
في محاكمة تاريخية في اسبانيا اثناء هجرة الاوربيين لامريكا الشمالية، دارت حول موضوع شرعية او عدم شرعية ابادة الهنود الحمر، كان الجدل بين منطقين منطق من يقول ان الهنود الحمر ليسوا بشرا بل حيوانات رغم ان شكلهم بشري، وراي اخر يقول انهم بشر. والمنطق الاول ينطلق من ايمان يهودي يقوم على التمييز بين اليهود والجوييم (الاغراب من غير اليهود)، فالجوييم ليسوا بشرا حتى لو كان شكلهم بشري لذلك فان استعبادهم وقتلهم وسرقتهم واغتصاب نساءهم لا يحرمه الله! والتمييز بين اليهودي والجوييم هو الشكل الاكثر تطرفا للتمحور حول الذات، تلك النظرية التي تسمح لمعتنقها بارتكاب كل الجرائم معها كانت بشعة، انطلاقا من قناعته بانه هو الانسان والاخر شبيهه وليس هو الانسان. الان وقد تطور العالم وظهرت اغنية حقوق الانسان واصبح من يغنونها كثر، لم يعد بالامكان عزف اغنية شبيه الانسان علنا ومباشرة، فاختفت ظاهريا، لكنها بقيت تعبر عن نفسها بطرق موهة ومزوقة ومنها ظاهرة التمحور على الذات.
ان امريكا وممارساتها في العالم تقدم لنا صورة ممتازة لهذه النظرية ومثلها اسرائيل. ان التسويق الغالب للتوسع الاسرائيلي على حساب العرب وغزوات امريكا تقوم على ادعاء ساذج وهو حق الدفاع عن النفس بكافة الوسائل، وعند مناقشة هذا الحق نجد الامريكي والاسرائيلي لا يستمعان لما يقوله الاخر والاخرون، مهما وضحوا وفسروا ودحروا منطق التمحور حول الذات. لقد اقفلت الذات الابواب والشبابيك عليها وحيدت حواسها كلها كي لا تلتقط سوى ما تريده هي، فاخذنا نرى حوار طرشان بين امريكا وخصومها لان قاعدة الاتفاق على المبادئ مفقودة. وايران تشترك مع امريكا واسرائيل في خاصية التمركز حو الذات.
استمعوا الى بوش مثلا وهو يتحدث عن غزو العراق ستجدون كانه لم يسمع راي أي طرف اخر، بما في ذلك معارضوا الحرب في الكونغرس بالذات، ويردد كلمات لا تتغير : جئنا لتحرير العراق ونشر الديمقراطية، العنف في العراق سببه الارهاب، الفتن الطائفية سببها عراقيون، نحن نتقدم في تحقيق لسلام...الخ، واستمعوا لخامنئي ونجاد وحتى الكتاب الايرانيون يقولون : اننا ضد احتلال العراق، امريكا هي سبب كارثة العراق، الفتنة الطائفية تحركها امريكا، القتل على الهوية تقوم به فرق موت امريكية وارهابية وهابية، ايران تعمل من اجل مصلحة العراق وشعبه...الخ، هذا لكلام يكرر باستمرار وكأن من ينطق به لم يعترف بانه لولا الدعم الإيراني لما تمكنت امريكا من غزو العراق، وان من يقوله لا يرى خامنئي ونجاد وغيرهما يقولون نحن نستطيع اخراج امريكا من مأزق العراق!
ما معنى هذا؟ انه يعني ان الصفوي، كالامريكي وكالصهيوني، لا يرى الا ما يريد ان يراه هو، ولا يقبل الا ما يظن انه مفيد له. لقد تكون اهم اسس التمحور حول الذات وهو الغاء الطرف الاخر بنمطقه ووجوده ومصالحه.
خليل حلاوجي
27-09-2007, 09:57 PM
قبل أن نحدد هوية عدونا علينا تحرير هويتنا ... هل نحن امة عربية واحدة ؟ أم أمة إسلامية واحدة ؟ أم أمم تدعو بالويل والثبور على أبناءها ؟ أم أمة تحتضن هؤلاء الأبناء ؟
هل العقل يدعونا لتأزر المتنافر فينا ؟
أم يدعونا لتنافر المتآزر فينا ؟
هل من العقل أن نستغرق في الطوباوية المثالية في مضمون هويتنا ؟
أم من العقل أن نستخلص الدروس من فواجع واقعنا المفزع ؟
هذه المقالات القيمة هي التي تجيبنا عن كل تلك الإشكالات وتلك التساؤلات ...
تحية لقلم شامخ يستقرئ واقعنا بكل قوارعه وفوازعه وفواجعه ..
مودتي
محمد دغيدى
28-09-2007, 05:12 PM
http://images.abolkhaseb.net/articles/almukhtar04.jpg
صلاح المختار
نعم ايران دولة استعمارية
بعد كل هذا العرض التفصيلي ما هي النتيجة الجوهرية التي توصلنا اليها؟ بوضوح تام وبلا ادنى شك ايران دولة استعمارية خطيرة، بل هي الاعتق في تاريخ الاستعمار حيث يعود تأريخها الاستعماري الى اكثر من الفي عام، وهي فترة كانت فيها اوربا، اول من مارس الاستعمار في العصور الحديثة، عبارة عن مجتمعات بدائية، او متوحشة لم تخرج من الغابة بعد. وكانت امريكا مازالت نطف في ظهور اوربيين قتلة يغطون في نوم عميق في سجون بريطانيا. اما اسرائيل فكانت كلمة تعبر عن اسم في الكتب اليهودية. نعم ايران هي اعتق دولة استعمارية في التاربخ وهي لذلك الدولة الاستعمارية الاكثر دهاء وخبرة في كيفية غزو الشعوب الاخرى وتدميرها او الحاقها بها. وحتى قبل ظهور الحضارة الفارسية كانت القبائل الهمجية الفارسية تنحدر الى الغرب في غزوات متواصلة دمرت خلالها حضارات العراق القديم. والان وبعد ان نهضت ايران الاستعمارية من سبات طويل ومتقطع نجد انها تمثل النزعة الاستعمارية في اكثر اشكالها خطورة وتنوعا وتعددية،لانها تجمع عدة انواع من الاستعمار في نزعتها الاستعمارية بعكس اغلب الغزاة الاستعماريين الذين كانوا يتميزون بشكل واحد من اشكاله.
ولحسم الموضوع من المفيد التذكير بمعنى الاستعمار واشكاله، فالاستعمار اذا تجاوزنا معناه الغوي المشتق من يعمر وتمسكنا بالممارسات الاستعمارية كما حدثت في الواقع سنجد انه :
أ – احتلال دولة من الدول لاراضي بلد اخر او احتلال كل البلد والاستقرار فيه، كوطن بديل او ملحق بوطن الاحتلال، رغم ارادة سكان الدولة المحتلة. مثال : الاحتلال الاوربي لجنوب افريقيا، الاحتلال الاوربي لامريكا الشمالية، الاحتلال الاوربي لاستراليا ونيوزيلندا، الاحتلال الفرنسي للجزائر والمغرب العربي بشكل عام، الاحتلال اليهودي لفلسطين، والاحتلال الإيراني للاحواز والجزر العربية.
ب – نهب ثروات البلد ونقلها الى البلد الاخر، مثال نهب بريطانيا ثروات من الهند تعادل كل ما كان لدى اوربا من ثروة، والان تنهب ايران ثروات العراق، خصوصا النفطية عبر عصاباتها في جنوب العراق، كما نهبت عقب الغزو اسلحة الجيش العراقي الثقيلة ومصانعه وغير ذلك.
ج – تغيير الهوية الثقافية للبلد المحتل : مثال فرنسّة المغرب العربي، ونشر ثقافة المحتل ولغته جنبا الى جنب مع اجتثاث ثقافة ولغة الشعب الاصلي، ومثال اسرائيل التي تجتث لغة الشعب الفلسطيني وتسرق تراثه الوطني ومثال ايران التي تفرس العرب والاكراد والاذريين والبلوش وغيرهم.
د – استخدام العنف المفرط ضد السكان الاصليين لهدم مقومات بقاءهم واستمرار هويتهم. مثال : تصفية الهنود الحمر في امريكا، تصفية الشعب الفلسطيني من قبل الاحتلال الاسرائيلي، محاولات تصفية الشعب الاحوازي العربي في ايران.
هـ - تحويل البلد المحتل الى مصد يحميه من الاعداء. مثال احتلال المانيا لاراض في اوربا عدتها مناطق امن حيوية بالنسبة لامنها القومي، وهو ما تفعله ايران في كافة دول الجوار ومقترباتها الستراتيجية خصوصا في لبنان والعراق.
و – التدخل في شئون الاخرين ومحاولة التاثير عليهم واقتطاع اجزاء من اراضيهم. مثال : اسرائيل التي لم تكتفي باحتلال فلسطين فاحتلت اراضي مصر وسوريا، ومثال ايران تحتل الاحواز وتتدخل في شئون كافة الاقطار العربية والاسلامية لاسباب تتعلق بنشر الدعوة الصفوية.
ز – دعم الاقليات الاثنية او الدينية داخل البلد الذي يراد احتلاله تمهيدا له، واستغلالها ضد وطنها الاصلي. مثال : اسرائيل التي تقوم ستراتيجيتها تجاه العرب على دعم الاقليات في الوطن العربي من اجل استنزاف الدلة العربية، ومثال ايران التي استغلت وتستغل الاكراد وذوي الاصول الايرانية في العراق والخليج العربي.
في ضوء تثبيت هذه السمات للنزعة الاستعمارية نستطيع تقسيم الاستعمار الى ثلاثة انواع : استعمار سكاني يقوم فيه المستعمر بنقل اقسام من سكانه لى البلد المحتل للاستقرار فيه، واستعمار اقتصادي يقوم على نهب ثروات البلد المحتل دون جلب سكان البلد الذي قام بالاحتلال، واستعمار جيوبولوتيكي تتركز اهميته في محاولة الاستعمار ضمان سيطرته على مناطق ذات قيمة ستراتيجة كبيرة، كاحتلال الجولان الذي كان يتمتع بقيمة ستراتيجية عظمى قبل اطلاق صدام حسين الصواريخ التي دكت العمق الاسرائيلي في عام 1991 فاسقطت نظرية الامن الاسرائيلي، ومعها اسقطت القيمة الستراتيجية للجولان. والان كيف نطبق هذه المعايير والنماذج على ايران؟ يمكن القول، وبثقة تامة، بان الاستعمار الإيراني يجمع بين كافة انواع الاستعمار المعروفة، وهذه سمة فريدة للاستعمار الإيراني تجعل خطره متعدد الاتجاهات والاساليب، وكما يلي :
1 - ايران تمثل استعمارا سكانيا يحتل اراضي الغير ويدمجها باراضيه. مثال الاحواز العربية التي يبلغ عدد سكانها ثمانية ملايين عربي، وفيها الثروة الاهم لايران وهي النفط والمياه. كما انها تحتل الجزر العربية الثلاث ومناطق حدودية عراقية. وهي في هذا تشبه اسرائيل.
2 – ايران لها مطامع في الارض العربية كالبحرين مثلا، وهي في هذا تشبه اسرائيل.
3 – ايران تمارس سياسة التفريس تجاه عرب الاحواز، مثلما تفعل اسرائيل واشد تجاه الشعب الفلسطيني ومثلما فعل الاستعمار الفرنسي في المغرب العربي.
4 – ايران قامت بدور الداعم لامريكا ضد دول وشعوب المنطقة في عهد الشاه محمد رضا (قمع ثورة ظفار في عمان) وعهد خميني (في غزو العراق وافغانستان). وهي تشبه في هذا الدور اسرائيل ونظم عربية تخدم السياسة الامريكية. ورغم انتهاء ماكان يسمى (الحرب بالوكالة)، التي كانت تتبناها امريكا وتقوم على استخدام دول المنطقة ضد حركات التحرر فيها، فان الواقع يقول بان امريكا مازالت تستخدم نفس اهم قوة في الخليج وهي ايران، رغم تبدل النظام السياسي فيها، والدليل هو مشاركة ايران الاساسية في غزوالعراق. ولم يقتصر دور ايران على هذا العمل بل هي تقوم بمحاولات عقد صفقات مع امريكا على حساب العراق في تأكيد قاطع انها دولة براغماتية وليس لها صلة بالاسلام. انها بهذا العمل، وبصفتها استعمارا اقليميا، تدعم استعمارا دوليا وتعمل على تقاسم الغنائم معه.
5 – ايران لها تطلعات امبراطورية، أي توسعية، لم تتغير منذ عهد الشاه وحتى الان، على حساب الجيران العرب وهي في هذا تشبه اسرائيل.
6 – ايران تتدخل في الشئون الداخلية للدول الاخرى، وهي دول عربية غالبا، ويصل التدخل حد التفاوض باسم الدول الاخرى دون تفويض منها! كما حصل عند تفاوضها مع امريكا حول العراق ولبنان وهذا السلوك يقع ضمن خصائص الدول الاستعمارية.
7 – ايران تستخدم الطائفية سلاحا للتدخل في شئون الاخرين وخلخلة استقرارهم الداخلي مثلما تفعل في العراق واليمن وكل الاقطار العربية، وهي تشبه تدخل اسرائيل بحجة حماية اليهود في كل العالم.
8 – ايران تنهب ثروات العرب النفطية والمائية من الاحواز ومن العراق وهي بذلك تمثل استعمارا اقتصاديا.
9 – ايران رغم ادعاءها انها دولة اسلامية ساعدت امريكا عدوة الاسلام، كما تصفها هي، على غزو بلدين اسلاميين، ووقفت مع ارمينيا المسيحية ضد اذربيجان الاسلامية.
10 – ايران تستخدم القوة بكافة اشكالها، بما فيها القوة العسكرية، لتحقيق اهدافها التوسعية في البلدان الاخرى، تحت شعار زائف هو(نشر الثورة الاسلامية)، والذي استبدلته بهدف نشر التشيع الصفوي بالقوة وبالمال والدعاية. وهي في هذا تمارس سلوكا استعماريا كلاسيكيا، مثل كل الدول الاستعمارية.
11 – ايران تحكمها نخب عنصرية معادية للعرب منذ الاف السنين، خصصا منذ بابك الخرمي حتى خميني، الذي يرفض التحدث بلغة القران مع من كان يلقاه من العرب ويصر على التحدث بالفارسية، رغم ادعاءه انه مسلم وقائد (ثورة اسلامية). وفي هذا الامر تشبه ايران اسرائيل.
12 – ايران تستخدم راضي الغير لتصفية صراعاتها او خصوماتها مع الاخرين كما نرى في العراق ولبنان، وهي تشبه في ذلك اسرائيل التي تقوم ستراتيجيتها على خوض حروبها خارج اراضيها، وهي بهذا تمارس استعمارا جيوبولوتيكيا.
أسئلة وأستنتاجات ختامية
والان ماذا يقول (أصدقاء) ايران العرب؟
بعد هذه الملاحظات الاساسية حول الطبيعة الاستعمارية لايران من المفيد ان نطرح اسئلة جوهرية على من يدعم ايران ان يفكر فيها لانها مفتاح الموضوع كله :
1 – ثمة بديهية تحكم المسألة كلها وهي التالية : ان من يدافع عن فلسطين بصدق لا يجوز له ان يحتل العراق، او يشارك في احتلاله، وفي محاولات تذويب الهوية العربية للعراق. وفي ضوء تلك البديهية ذلك تطرح الاسئلة التالية نفسها رغما عنا : هل احتلال العراق وتدميره ومحاولات تذويب هويته العربية مسألة ثانوية لتبقى علاقات البعض ودية مع ايران الشريك الرئيسي لامريكا في الغزو؟ وهل اعتمدت امريكا على ايران في انجاح واستمرار غزو العراق واستخدمت ما تملكه ايران من نفوذ في العراق لانجاح الاحتلال؟ واذا كان احتلال العراق مسألة جوهرية وخطيرة كخطورة احتلال فلسطين لم اذن يتعاون البعض مع ايران وكأنها لم ترتكب جريمة كبرى بحق الامة العربية؟ هل هناك اختلاف بين من يتعاون مع اسرائيل من العرب، حكاما ومحكومين، ومن يتعاون مع ايران؟ وهل تختلف فلسطين من حيث القيمة عن العراق؟ وهل يقبل، من وجهتي النظر الدينية او القومية، مقايضة السكوت على غزو العراق مقابل دعم مالي ايراني لبعض التنظيمات الفلسطينية؟ الا تشبه هذه المقايضة، من حيث الجوهر، مقايضة الحكام العرب السكوت على غزو فلسطين ببقاء نظمهم؟ الم يكن موقفهم ذاك سبب رفض الجماهير العربية لهم خصوصا المنظمات الفلسطينية؟
ان من يدين انظمة عربية، كنظام السادات لتعاونه مع اسرائيل، مع انها تحتل فلسطين والجولان وجنوب لبنان (وقتها) عليه ان لا يصبح ساداتيا بامتياز كامل في تعامله مع ايران التي تحتل الاحواز وتشارك في احتلال العراق وتحتل الجزر العربية وتنشر فتنة طائفية خطيرة لم تنجح اسرائيل في زرع مثيل لها! تذكروا ماقاله خاتمي معترفا بانه لولا مساعدة ايران لما تمكنت امريكا من احتلال العراق وافغانستان، وابحثوا في معناه العميق ودلالاته البعيدة. ومن المهم تذكر حقيقة لها دور في تقرير طبيعة ايران هل هي شيطان رجيم ام ملاك رحيم، وهي ان هذا التصريح وغيره لم يتم انكاره رغم مرور اربعة سنوات على صدوره، فهو اذن موقف ايران الرسمي والفعلي من احتلال العراق. ان مجرد تعاون ايران في تسهيل الاحتلال يجعل منها دولة معادية للعرب
2 – هل احتلال الاحواز يختلف من حيث الجوهر وليس التفاصيل عن احتلال فلسطين؟ ان الاحواز عربية واذا كان البعض لا يتذكر ذلك فعليه ان يعرف الان ان ايران تحتل الاحواز الاكبر من فلسطين سكانا وثروة، فلماذا ندين احتلال فلسطين ولا ندين احتلال الاحواز اذا كنا عربا ومسلمين حقيقيين؟
3 – ما هو معيار صدق الدعم لقضية فلسطين؟ هل هو تقديم المال لتنظيمات فلسطينية؟ هل هو الدعم السياسي والاعلامي؟ ان دولا اوربية تقدم الاموال قبل ايران للفلسطينين، كما ان حكومات عربية مثل السعودية ودول الخليج والعراق قدمت اموالا لفسطين اكثر بكثير من ايران منفردة او مجتمعة، اذن لم لا لاتدافع تلك العناصر الفلسطينية عن الامارات، في موضوع الجزر مثلا ضد ايران، وهي تدفع مالا للمنظمات الفلسطينية اذا جمعناه فانه اكثر بكثير من المال الايراني؟ اما اذا كان الدعم السياسي فان ايران لا تستطيع منافسة الدعم العربي السياسي للقضية الفلسطينية لان كل العرب يصرخون مثل ايران وربما اقوى من ايران منذ غزو فلسطين. اذا وضعنا الدعم المالي والسياسي في خانة الدعم الثانوي وغير المعياري، فان السؤال التالي يطرح نفسه وهو اذن ما هو المعيار الذي يقرر صدق الموقف من فلسطين؟ انه الانسجام في التعامل مع كل الاقطار العربية واعتماد قاعدة واحدة في تحديد الموقف، فما دام دعم ايران لفلسطين ناجما عن كونها اسلامية كما يقولون، فان هذا المعيار يجب ان يستخدم في تحديد الموقف من العراق الاسلامي ايضا والجزر العربية وهي ارض اسلامية ايضا.
ان ازدواجية معايير ايران في التعامل مع العرب (هي مع فلسطين لكنها ضد العراق والامارات مثلا) يطرح عدد لا يحصى من التساؤلات المشروعة، والتي اشرنا الى بعضها، ويكشف الستار عن خطورة هذه الازدواجية في تحديد هوية أولئك العرب، بعض الفلسطينيين بشكل خاص، الذين يلعنون ليل نهار تخلي حكومات عربية عن قضية فلسطين لكنهم هم اول من باع العراق لقاء ثمن بخس من ايران، وهو بالتاكيد رشوة مقابل السكوت على الدور الايراني الاساسي والحاسم في غزو وتدمير العراق وابادة شعبه وتشريد ستة ملايين عراقي، وهو رقم اكبر من عدد من شردتهم اسرائيل من الفلسطينيين! انني وانا استمع لاسماعيل هنية او خالد مشعل او قادة الجهاد الاسلامي وهم يمتدحون ايران ويعترفون علنا وبفخر بان لحماس والجهاد لاسلامي صلة حميمة بايران، مع انها تنتهك كل القيم الانسانية والاسلامية في العراق وتمزق وتقتل شعبه، واكثر واسوأ مما تفعله اسرائيل بالفلسطينيين، لا استطيع منع ذاكرتي من تذكر السادات مباشرة. نعم ان من يؤيد ايران من العرب، او يقيم علاقات جيدة معها، مع انها تحتل وتقتل وتدمر اقطارا عربية، ليس سوى سادات جديد يقدم فروض الولاء لصهاينة قم مثلما قدم السادات القديم فروض الطاعة لصهاينة التوراة.
4 – هل ندين الاحتلال ونقف ضده عندما يحتل بلدا لكننا لا ندينه حينما يحتل جزء من بلد بحجة ان احتلال الجزء لا يسوغ الصراع مع من احتله؟ ام ان الاحتلال هو مسألة مبدأ، وسواء كان لبلد او لجزء منه فهو احتلال وهو اعتداء على السيادة والوحدة الاقليمية لقطر عربي؟ ان البعض يصدمنا حينما يبرر سكوته على غزو ايران لجزر الامارات العربية بان الجزر لاقيمة لها ولذلك يجب ان لا نخلق مشكلة مع ايران التي تدعم القضية الفلسطينية! ان هذا المنطق، الذي يحول القضية القومية وقضية الحقوق القومية والوطنية الى محض مساحة تقاس بالامتار، يتناسى واحدة من اهم قواعد العمل الوطني، وهي ان الارض الوطنية سواء كانت صحراء او جنات غناء متساوية القيمة، ومن يفرط اليوم بصحراء فسوف يفرط غدا بغرفة نومه بالذات حينما تضطره الظروف الى ذلك!
5 – ما معنى تقديم امريكا واسرائيل السلاح والعتاد والمعلومات الاستخبارية لايران لاستخدامها ضد العراق ورفض امريكا تزويد العراق بالسلاح من قبل الاتحاد السوفيتي والمصادر الاخرى؟
6 – لماذا لم تضرب ايران ولم تتعرض للحرب بعد مرور 28 عاما على بدء خميني حملته ضد الشيطان الاكبر امريكا والشيطان الاصغر اسرائيل، رغم كل شعاراتها النارية مثل (الموت لامريكا واسرائيل)، ورغم تكرار التهديدات الامريكية بشن الحرب على ايران، في حين ان اسرائيل ضربت مفاعل العراق النووي وتعرض لحربين عالميتين قادتهما امريكا، الاولى في عام 1991 والثانية في عام 2003 واشتركت في الاولى 33 دولة والثانية 28 دولة، وهذين الرقمين للدول وللعتاد والاسلحة التي استخدمت ضد العراق اكبر واخطر بكثير مما استخدم في الحربين العالميتين الاولى والثانية؟
7 - ان اهم ما يجب ان يعرف الان، وليس غدا، لاننا في الغد قد نكون مدفونين بركام وحدة كل قطر عربي قسم، وبشظايا الهوية العربية المتناثرة من موريتانيا حتى عمان، اذا تجاهلنا الخطر الايراني الداهم والمميت، هو ما ينطق به الواقع. ماذا يقول الواقع؟
أ– انه يقول ان ايران دولة تسيطر عليها نخبة فارسية منظمة تنظيما راقيا منذ سقوط الامبراطورية الفارسية على يد العرب المسلمين في معركة القادسية الاولى العظيمة، وهذه النخبة تعمل وفقا لخطط مدروسة تخضع لثوابت كثوابت بني اسرائيل، وهي بروتوكولات حكماء بني فارس، التي تشبه بروتوكولات بني صهيون، حلفاءهم التاريخيين منذ قورش الذي حطم الامبراطورية البابلية لانقاذ اليهود في اسرههم بتأثير زوجته اليهودية استير. ومهما ضعفت هذه النخبة فانها تبقى تعمل سرا او علنا، لان مشروعها تاريخي ويمتد لالاف السنين وليس لعشرات السنين. من هنا فان تغيير هوية النخبة الايديولوجية والسياسية امر مطلوب وطبيعي، فنراها تارة ترتدي بدلة الشاه محمد رضا بهلوي القومي العلماني المتعصب، وتارة اخرى تعتمر عمامة خميني الطائفي لكنه القومي الحاقد على العرب المتعصب لبني فارس بوضوح تام. ان الهدف الاساس لهذه النخبة هو اعادة بناء امبراطورية فارس ولكن على انقاض الامة العربية التي دمرتها. وهذا التلازم الحتمي بين اقامة امبراطورية فارس وتحطيم الامة العربية ليس مجرد تعبير عن رغبة انتقامية وثأرية بل هو نتاج فهم جيوبولوتيكي صحيح ودقيق يقول بان امبراطورية فارس لن تقوم الا على موارد عراقية بالاساس وهي المياه والارض الصالحة للزراعة والتي تقتقر اليها ايران، كما وضحنا، وتجعلها عاجزة عن اقامة امبراطورية مستمرة وقوية. وليس غريبا هذا التطابق بين الموقف الإيراني والموقف الاسرائيلي الذي يرى ان قيام اسرائيل التوراتية يجب ان يقوم على ارض العرب وبمساعدة اهم مواردهم الماء والارض الزراعية والنفط.
ب – انه يقول ان ايران دولة طائفية رسميا، حيث ان دستورها ينص بلا مواربة على ان المذهب الاثنى عشري هو المعتمد في الدولة. فهل توجد دولة اسلامية اخرى ثبتت في دستورها انتماءها الطائفي غير ايران؟ ولماذا تثبت ذلك في الدستور ولا تكتفي بتأكيد اسلامية الدولة فقط دون تحديد الانتماء الطائفي؟ انها النزعة التامرية الفارسية التي جعلت الملالي يصرون على ان ان ينص دستورهم على طائفية الدولة مع انها دولة قومية وليست دينية او طائفية، وتستخدم الطائفية غطاء لكسب السذج والخدج من العرب.
ج – انه يقول بان ايران دولة تروج رسميا للمذهب الشيعي الصفوي، وتخصص سنويا مليارات الدولارات لشراء الضمائر في الوطن العربي او لبناء التنظيمات المستيقظة او النائمة لاجل استخدامها ضد وطنها، كما حصل في العراق بقيام الاحزاب التي انشأتها ايران بدعم الغزو الامريكي للعراق تسهيلا لتحقيق اهم اهداف ايران، وهو تدمير العراق وتقسيمه، لانه اهم عقبة تعترض بروز ايران كقوة اقليمية عظمى فاعلة، وكما يفعل صفويوا البحرين الان حيث كشفوا عن وجههم الحقيقي وهو ان ولاءهم لايران وليس للبحرين تماما مثلما فعل اخوانهم في العراق.
د - انه يقول بان ايران خميني تلقت اسلحة وعتاد من امريكا (هل تذكرون ايران جيت؟) ومن اسرائيل (هل تذكرون الطائرة الارجنتينية التي سقطت في الاتحاد السوفيتي وهي تحمل اسلحة لايران من اسرائيل أثناء الحرب العراقية الايرانية؟) وهذا الموقف الامريكي الاسرائيلي الواضح كل الوضوح يسقط كل الادعاءات التي تقول بان ايران ضد امريكا وضد اسرائيل، لان هاتين الدولتين لا تقدمان شيئا بلا مقابل. وهنا تكمن إحدى أهم قصص اسلحة الخداع الشامل التي جعلت الكثير من الساسة والكتاب يرددون، وكانهم يقولون آيات قرانية، بان امريكا دعمت العراق في الحرب وقدمت له السلاح لاجل الحاق الهزيمة بايران، والان وبعد غزو العرق ومرور حوالي ربع قرن لم يقدم دليل واحد على ان امريكا قد دعمت العراق على الاطلاق، بل على العكس قدم اكثر من دليل على ان ايران وليس العراق هي حليف امريكا واحدى اهم ادواتها في تدمير الوطن العربي عبر نشر الفتن الطائفية.
واخيرا نختتم هذه الدراسة بحكمة لا غنى عنها ابتدأنا بها الدراسة وهي تقول : الملائكة لا تزني، وان زنت تشيطنت. فاذا كانت ايران دولة ملائكة فيجب ان لا تزني، واحقر اشكال الزنى احتلال الاوطان وتهجير السكان، كما يجري لشعب العراق الان، وهو ما تقوم به امريكا وايران. ويجب ان نكرر القول الذي اطلقناه في دراسة اخرى وهو : والله ثم والله حتى لو كانت ايران دولة ملائكة، وحتى لو حاربت امريكا واسرائيل الف مرة، فان مشاركتها في احتلال العراق وتدميره وتهجير سكانه ومحاولات تقسيمه، تجعلنا نقاتلها بلا مساومة او توقف كعدو خطير وكشيطان رجيم، اشرس من امريكا واسرائيل دون ادنى شك، حتى طردها من ارضنا هي وامريكا.
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir