مشاهدة النسخة كاملة : (وَفِي ذَلِـكَ فَلْيَتَنَافَـسِ الْمُتَنَافِسُـــون) *
أسماء حرمة الله
14-09-2007, 02:09 AM
السلام عليكم ورحمة اللـه وبركاته ..
قال تعالى: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُون)
كلنا نسعى إلى السّمو بأنفسنا وتنمية إيماننا حتى نبلغ هدفنا في الدنيا .. الصلاح والتقوى .. ومن ثمّ هدفنا في الآخرة .. الجنة بإذن اللـه .. كلنا في تنافُس وتسابق في آداء العبادات ومجاهدة النفس في الدنيا لجزاء الآخرة ..
لكل من يريد أن يحس بحلاوة القرب من اللـه عزّ و جلّ .. ولكل من تتوق نفسه إلى الخروج من الدنيا ومشاغلها .. واللجوء إلى اللـه تعالى والتذلل إليه .. لكل من أراد المبادرة والإسراع لنيل ذلك المقام .. هنا مساحة لاستباق الخيرات والتنافس في العبادات .. كقراءة جزء من القرآن أو تفسير آية أو شرح حديث .. أو إحياء سنن النبي صلى اللـه عليه وسلم .. فليذكّـر بعضنا بعضاً ولو بأشياء قليلة وبسيطة، لكنها قوية ومفيدة في محتواها وعظيمة في أجرها ..
نسأل الله أن يوفقنا في أعمالنا وينفعنا بها، وأن يجعلها خالصة لوجهه سبحانه وتعالى، وأن يتقبلها منا قبولاً حسناً .. اللهم آميـن ..*
** الفكرة والمقدّمـة منقولتان، عنْ وبقلـم : أمَةٍ من إماء اللـه، رفضتْ أن أذكرَ اسمها : لها عليّ فضلٌ بعدَ اللـه سبحانـه وتعالى، فجزاها ربّي عنّي كل الخير,.
سأبقى مدينةً لهـا ما حييـت ..
-----------------------------------------
نُهدي بإذن اللـه أجرَ هذه الشرفة لآبائنا وأمهاتنا، ولموتانا وجميع موتـى المسلميـن .
أسماء حرمة الله
14-09-2007, 02:22 AM
بسـم اللـه الرحمن الرحيـم
1- التّوبــة
بعض فضائل التوبة
أولاً: التوبة سبب نيل محبة الله تعالى: وكفى بهذه الفضيلة شرفا للتوبة، قال الله تعالى: { إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ } [البقرة:222].
ثانياً: التوبة سبب نور القلب ومحو أثر الذنب: فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه منها } [الحديث رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم وهو في (صحيح الجامع1666)].
ثالثاً: التوبة سبب لإغاثة الله تعالى لأصحابها بقطر السماء، وزيادة قوة قلوبهم وأجسامهم: قال الله تعالى على لسان هود عليه السلام: { وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ } [هود:52].
رابعاً: التوبة تجعل المذنب كمن لا ذنب له: فعن أبي سعيد الأنصاري رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { الندم توبة، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له } [أخرجه الطبراني في الكبير وهو في ( صحيح الجامع 6679)].
خامساً: التوبة أول صفات المؤمنين: { التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } [التوبة:112].
سادساً: التوبة سبب في فرح الرب سبحانه وتعالى فرحاً يليق بجلاله وعظمته سبحانه، قال صلى الله عليه وسلم : { لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك، إذ هو بها قائمة عنده..} [متفق عليه].
قال ابن القيم رحمه الله: هذا الفرح له شأن لا ينبغي للعبد إهماله والإعراض عنه، ولا يطلع عليه إلا من له معرفة خاصة بالله وأسمائه وصفاته، وما يليق بعز جلاله. انتهى كلامه من [مدارج السالكين1210].
سابعاً: وبالجملة؛ فإن الله تعالى علّق الخير والفلاح بالتوبة، فلا سبيل إلى نيل خيرات الدنيا والآخرة إلا بها، قال سبحانه: { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [النور:31].
-------------
-- منقول
أسماء حرمة الله
14-09-2007, 02:38 AM
مقاصد التوبة
دعوة إلى السير في مدارج الكمال
منقول عن: فضيلة الشيخ / محمد حسين يعقوب
قال الله -جل جلاله-: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور:31]،
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [التحريم:8]، وقال عز وجل: ﴿وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الحجرات:11]
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة).
أيها الأحبة في الله ..
التوبة التي أمر الله بها عباده توبتان: توبة تُغير السير، وتوبة تُصحح السير، توبة يسلم بها العبد، وتوبة يجدد بها إسلامه، فالأولى توبة إسلام، والثانية توبة إحسان، والثانية منهما تكمل عمل الأولى؛ ذلك أنَّ التحول الذي تحدثه التوبة التي تعقب الغفلة والضلال، وإن كان شيئًا ضخمًا في مجال الأفكار والمعتقدات والمشاعر والأحاسيس والأقوال والأعمال، إلا أنها غير كافية لتحقيق كل ما ينتظر الإنسان بعد الهداية، فعندما ينهض بإصلاح ما فسد من أخلاقه وعاداته، وتقويم ما اعوج من أعماله وتصرفاته، ويتتبع بقايا الجاهلية في سلوكه: يكون قد شرع في التوبة الثانية، وإذا كانت التوبة الأولى تحدث مرة واحدة ويعيشها صاحبها في لحظة أو يوم، فإذا هو قد فصل بين عهدين من حياته، فإن التوبة الثانية تجديد مستمر، وعمل متواصل، وسعي دؤوب لتقليص هامش الإساءة بجميع صورها وتوسيع هامش الإحسان بكل أشكاله.
إنَّ توبة الهداية والإيمان تشبه الوقود اللازم لتشغيل محرك معطل عن العمل، وتوبة الإحسان هي الوقود الآخر الذي يحتفظ بالمحرك في حالة اشتغال حتى يبلغ صاحب السيارة مأمنه.
وقد يقول قائل: إنَّ الإسلام إنما تحدث عن توبة واحدة، فلماذا جعلتهما توبتين؟. والحقيقة: أننا لم نفرد التوبة الأولى عن الثانية بخصائص خاصة، فالرجوع إلى الله والإقبال عليه قاسم مشترك فيهما، ولكننا ميّزنا بين مرحلتين في حياة الإنسان، تحتاج كل منهما إلى توبة.
وإنَّما دعانا إلى هذا التمييز: ما نراه عند كثير من المسلمين من التهاون في الارتفاع بإسلامهم وإيمانهم، فتجد الواحد منهم -إذا كان قد حقق في أول التزامه بعض التحولات- لا يكاد يزيد عليها شيئًا جديدًا، مع العلم أن إحلال السنة محل البدعة والطاعة محل المعصية لا يتم بين يوم وليلة.
لم يكن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هكذا، فقد كان الواحد منهم إذا أسلم يخلع على عتبة الإسلام رداء الجاهلية ويشرع في إقصاء شوائبها من حياته، ويواصل الليل بالنهار والنهار بالليل، ليصل أقصى ما يستطيع الوصول إليه من درجات الإسلام.
إنَّ الكمالات التي جاء بها الإسلام وأمر بالمنافسة عليها كثيرة جدًّا، كما أن النقائص التي نهى عنها لا تنحصر، وإذا كان الشيطان يضع العوائق في وجه ابن آدم يمنعه بها من التوبة الأولى، فإنه يستأنف محاولته مع من أفلت منه وتاب إلى ربه ليعوقه عن التوبة الثانية، فيصرفه عن تجديد إسلامه لتستوي أيامه، وتضيع منه الفرص، وتتحول حياته إلى ركود، بل لا يتردد في جر الإنسان إلى الوراء والتقهقر إلى الخلف، فبعد أن كان يتقدم إذا به يتأخر.
ولمحاضرة فضيلـة الشيخ محمد حسين يعقوب بقيــة بإذن اللـه ...
د. نجلاء طمان
14-09-2007, 02:46 AM
النقية الأستاذة أسماء
ربما أكمل معك موضوع التوبة , هناك مقالة قرأتها لكاتب يدعى" محمد صالح المنجد" , أضعها هنا على وقفات, ان تسمحي...
"أريد أن أتوب ولكن"
إن الله أمر المؤمنين جميعاً بالتوبة : ( وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ) النور /31 .
وقسم العباد إلى تائب وظالم ، وليس ثم قسم ثالث البتة ، فقال عز وجل : ( ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ) الحجرات /11 وهذا أوان بعد فيه كثير من الناس عن دين الله فعمت المعاصي وانتشر الفساد، حتى ما بقي أحد لم يتلوث بشيء من الخبائث إلا من عصم الله .
ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره فانبعث الكثيرون من غفلتهم ورقادهم، وأحسوا بالتقصير في حق الله ، وندموا على التفريط والعصيان ، فتوجهت ركائبهم ميممة شطر منار التوبة ، وآخرون سئموا حياة الشقاء وضنك العيش ، وهاهم يتلمسون طريقهم للخروج من الظلمات إلى النور .
لكن تعترض طريق ثلة من هذا الموكب عوائق يظنونها تحول بينهم وبين التوبة ، منها ما هو في النفس ، ومنها ما هو في الواقع المحيط .
ولأجل ذلك كتبت هذه الرسالة آملاً أن يكون فيها توضيح للبس وكشف لشبهة أو بيان لحكم ودحر للشيطان .
وتحتوي هذه الرسالة على مقدمة عن خطورة الاستهانة بالذنوب فشرحاً لشروط التوبة ، ثم علاجات نفسية ، وفتاوى للتائبين مدعمة بالأدلة من القرآن الكريم والسنة ، وكلام أهل العلم وخاتمة .
والله أسأل أن ينفعني وأخواني المسلمين بهذه الكلمات ، وحسبي منهم دعوة صالحة أو نصيحة صادقة ، والله يتوب علينا أجمعين .
توبة عظيمة
التوبة تمحو ما قبلها
هل يغفر الله لي
كيف أفعل إذا أذنبت
أهل السوء يطاردونني
هل اعترف ؟
فتاوى مهمة للتائبين
مقدمة في خطر الاستهانة بالذنوب
ومنحنا مهلة للتوبة قبل أن يقوم الكرام الكاتبون بالتدوين فقال صلى الله عليه وسلم : ( إن صاحب الشمال ليرفع القلم ست ساعات - محتمل أن تكون الساعة الفلكية المعروفة ، أو هي المدة اليسيرة من الليل أو النهار ، من لسان العرب - عن العبد المسلم المخطئ ، فإن ندم واستغفر الله منها ألقاها ، وإلا كتبت واحدة ) رواه الطبراني في الكبير والبيهقي في شعب الإيمان وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 1209 . ومهلة أخرى بعد الكتابة وقبل حضور الأجل .
ومصيبة كثير من الناس اليوم أنهم لا يرجون لله وقاراً ، فيعصونه بأنواع الذنوب ليلاً ونهاراً ، ومنهم طائفة ابتلوا باستصغار الذنوب ، فترى أحدهم يحتقر في نفسه بعض الصغائر ، فيقول مثلاً : وماذا تضر نظرة أو مصافحة أجنبية . الأجانب هم ما سوى المحارم .
ويتسلون بالنظر إلى المحرمات في المجلات والمسلسلات ، حتى أن بعضهم يسأل باستخفاف إذا علم بحرمة مسألة كم سيئة فيها ؟ أهي كبيرة أم صغيرة ؟ فإذا علمت هذا الواقع الحاصل فقارن بينه وبين الأثرين التاليين من صحيح الإمام البخاري رحمه الله :
- عن أنس رضي الله عنه قال : ( إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر ، كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات ) والموبقات هي المهلكات .
- عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : " إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه ، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا – أي بيده – فذبه عنه "
وهل يقدر هؤلاء الآن خطورة الأمر إذا قرأوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إياكم ومحقرات الذنوب ، فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد ، فجاء ذا بعود ، وجاء ذا بعود ، حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم ، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه ( وفي رواية ) إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه ) رواه أحمد ، صحيح الجامع 2686-2687 .
وقد ذكر أهل العلم أن الصغيرة قد يقترن بها من قلة الحياء وعدم المبالاة وترك الخوف من الله مع الاستهانة بها ما يلحقها بالكبائر بل يجعلها في رتبتها ، ولأجل ذلك لا صغيرة مع الإصرار ، ولا كبيرة مع الاستغفار .
ونقول لمن هذه حاله : لا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى من عصيت . وهذه كلمات سينتفع بها إن شاء الله الصادقون ، الذين أحسوا بالذنب والتقصير وليس السادرون في غيهم ولا المصرون على باطلهم . إنها لمن يؤمن بقوله تعالى : ( نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم ) الحجر /49 ، كما يؤمن بقوله : ( وأن عذابي هو العذاب الأليم ) الحجر /50 .
يتبع..........
د. نجلاء طمان
14-09-2007, 02:49 AM
توبة عظيمة
ونذكر هنا نموذجاً لتوبة الرعيل الأول من هذه الأمة ، صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم : عن بريدة رضي الله عنه : أن ماعز بن مالك الأسلمي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( يا رسول الله إني ظلمت نفسي وزنيت ، وإني أريد أن تطهرني فرده ، فلما كان من الغد أتاه ، فقال : يا رسول الله إني زنيت فرده الثانية ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه ، فقال : ( أتعلمون بعقله بأساً ؟ أتنكرون منه شيئاً ؟ ) قالوا : ما نعلمه إلا وفيّ العقل ، من صالحينا فيما نرى ، فأتاه الثالثة ، فأرسل إليهم أيضاً ، فسأل عنه فأخبره أنه لا بأس به ولا بعقله ، فلما كان الرابعة حفر له حفرة ، ثم أمر به فرجم ، قال : فجاءت الغامدية ، فقالت : يا رسول الله إني زنيت فطهرني ، وإنه ردها ، فلما كان الغد ، قالت : يا رسول الله لم تردني ؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزاً ، فوالله إني لحبلى ، قال : ( أما لا ، فاذهبي حتى تلدي ) ، قال : فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة ، قالت : هذا قد ولدته ، قال : ( اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه ) ، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز ، فقالت : هذا يا رسول الله قد فطمته ، وقد أكل الطعام ، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها ، وأمر الناس فرجموها ، فيقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها فتنضخ الدم على وجه خالد فسبها ، فسمع نبي الله سبه إياها ، فقال: ( مهلاً يا خالد ! فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس {وهو الذي يأخذ الضرائب } لغفر له ) رواه مسلم . ثم أمر بها فصلى عليها ، ودفنت .
وفي رواية فقال عمر يا رسول الله رجمتها ثم تصلي عليها ! فقال : ) لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة وسعتهم ، وهل وجدت شيئاً أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل . رواه عبد الرزاق في مصنفه 7/325 .
التوبة تمحو ما قبلها
وقد يقول قائل : أريد أن أتوب ولكن من يضمن لي مغفرة الله إذا تبت وأنا راغب في سلوك طريق الاستقامة ولكن يداخلني شعور بالتردد ولو أني أعلم أن الله يغفر لي لتبت ؟ فأقول له ما داخلك من المشاعر داخل نفوس أناس قبلك من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولو تأملت في هاتين الروايتين بيقين لزال ما في نفسك إن شاء الله .
الأولى : روى الإمام مسلم رحمه الله قصة إسلام عمرو بن العاص رضي الله عنه وفيها : " فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : ابسط يمينك فلأبايعك ، فبسط يمينه فقبضت يديّ قال : مالك يا عمرو ؟ قال : قلت أردت أن أشترط ، قال ( تشترط بماذا؟) قلت : أن يغفر لي . قال : ( أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها ، وأن الحج يهدم ما كان قبله ؟ ) .
والثانية : وروى الإمام مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن أناساً من أهل الشرك قتلوا فأكثروا ، وزنوا فأكثروا ثم أتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فقالوا : " إن الذي تقول وتدعوا إليه لحسن ، ولو تخبرنا أن لما عملنا كفارة ، فنزل قول الله تعالى : ( والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ، ومن يفعل ذلك يلق أثاماً ) الفرقان /68 . ونزل : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ) .
هل يغفر الله لي
وقد تقول أريد أن أتوب ولكن ذنوبي كثيرة جداً ولم أترك نوعاً من الفواحش إلا واقترفته ، ولا ذنباً تتخيله أو لا تتخيله إلا ارتكبته لدرجة أني لا أدري هل يمكن أن يغفر الله لي ما فعلته في تلك السنوات الطويلة . وأقول لك أيها الأخ الكريم : هذه ليست مشكلة خاصة بل هي مشكلة كثير ممن يريدون التوبة وأذكر مثالاً عن شاب وجه سؤالاً مرة بأنه قد بدأ في عمل المعاصي من سن مبكرة وبلغ السابعة عشرة من عمره فقط وله سجل طويل من الفواحش كبيرها وصغيرها بأنواعها المختلفة مارسها مع أشخاص مختلفين صغاراً وكباراً حتى اعتدى على بنت صغيرة ، وسرق عدة سرقات ثم يقول : تبت إلى الله عز وجل ، أقوم وأتهجد بعض الليالي وأصوم الاثنين والخميس ، وأقرأ القرآن الكريم بعد صلاة الفجر فهل لي من توبة ؟
والمبدأ عندنا أهل الإسلام أن نرجع إلى الكتاب والسنة في طلب الأحكام والحلول والعلاجات ، فلما عدنا إلى الكتاب وجدنا قول الله عز وجل : ( قل يا عبادي الذي أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً أنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له ) الزمر الآيتان 53،54 فهذا الجواب الدقيق للمشكلة المذكورة وهو واضح لا يحتاج إلى بيان .
أما الإحساس بأن الذنوب أكثر من أن يغفرها الله فهو ناشيء عن عدم يقين العبد بسعة رحمة ربه أولاً . ونقص في الإيمان بقدرة الله على مغفرة جميع الذنوب ثانياً . وضعف عمل مهم من أعمال القلوب هو الرجاء ثالثاً . وعدم تقدير مفعول التوبة في محو الذنوب رابعاً . ونجيب عن كل منها .
فأما الأول : فيكفي في تبيانه قول الله تعالى : ( ورحمتي وسعت كل شيء ) الأعراف /56 .
وأما الثاني : فيكفي فيه الحديث القدسي الصحيح : ( قال تعالى من علم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي ، ما لم يشرك بي شيئاً ) رواه الطبراني في الكبير والحاكم ، صحيح الجامع 4330 . وذلك إذا لقي العبد ربه في الآخرة .
وأما الثالث : فيعالجه هذا الحديث القدسي العظيم : ( يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي ، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة ) رواه الترمذي ، صحيح الجامع 4338 .
وأما الرابع : فيكفي فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( التائب من الذنب كمن لا ذنب له ) رواه ابن ماجه ، صحيح الجامع 3008 .
أن أحببتي أكملت نقل المقال, فأنا أخاف أن أثقل عليكم لطوله, لكنه أعجبني فأحببت أخذ ثواب نقله.
شذى الوردة ورمضان كريم وأكرم منه ربي
د. نجلاء طمان
حوراء آل بورنو
14-09-2007, 02:53 AM
الحبيبة و الغالية أسماء
بارك الله في قلمك و نفع بك و أحسن إليك و رحمك رحمة تسعها السماوات و الأرض و غفر لك ، فما أسعدني بك أختاً لم تلدها أمي و ما أبهج أيامي بك يا شقيقتي .
الأخت الفاضلة نجلاء
شكر الله لك و أثابك و نفع بما كتبت هنا .
ودي .
زاهية
14-09-2007, 02:57 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسماء الحبيبة كل عام وأنت بخير
ماأجمل هذا الموضوع أدعو الله أن يجعله في سجل حسناتك سأتابع معك ومع العزيزة د.نجلاء ماتزودانا به من نصوص بشأن التوبة فرمضان هو شهر التوبة والمحبة لكل الأرواح ..
أختكما
بنت البحر
أسماء حرمة الله
14-09-2007, 03:10 AM
سلام ربّي عليكِ ورحمتـه وبركاتـه
تحية تهطل دعاءً
أن أحببت أكملت نقل المقال, فأنا أخاف أن أثقل عليكم لطوله, لكنه أعجبني فأحببت أخذ ثواب نقله.
شذى الوردة ورمضان كريم وأكرم منه ربي
د. نجلاء طمان
النقيـة بيضاء القلب د. نجلاء،
وكيفَ يُثقـل موضوع يتدفّقُ بعطر التوبة والإنابـة إلى اللـه، يا كريمة الحرف والقلب ؟! بلْ اقشعرّ بدني وأنا أطالعُ ما كتبـتِ، أكملي وواصِلي وصلَـكِ ربّي بجنة الفردوس، وبـه سبحانه دائماً وأبداً، وجزاك عنّا كل خيـر ..
ورمضان كريم، بالخير ورضا اللـه والعتق من النيران
خالص عرفاني وأكثر:0014:
وألف طاقة من الورد والندى
أسماء حرمة الله
14-09-2007, 03:16 AM
بقيــة محاضرة فضيلـة الشّيخ محمد حسين يعقوب، جزاه اللـهُ كلّ خير
حوافز التوبة:
إنَّ دوافع التوبة إذا استقرت في قلب المسلم، وصارت جزءًا من العلم الذي في صدره، دفعته للأخذ بأسباب الهداية التفصيلية، بعد أن أكرمه الله -تعالى- بنعمة الهداية العامة، ويوجد بحمد الله -تعالى- أكثر من حافز لهذا التجديد الذي يرتقي بنا في درجات الكمال الممكنة، ويجعلنا دومًا في زيادة من ديننا، ويجعل من التوبة عمل اليوم والليلة.
الحافز الأول: عموم الأمر بالتوبة والحث على تعجيلها:
لقد أمر الله -عزَّ وجل- الناس كافة بالتوبة، وأمر بها المؤمنين خاصة، وهذا يعني أن أي إنسان مهما بلغ إيمانه، وتدينه واستقامته لا يستغني عن التوبة، فهي بداية السير ونهايته، يصبح فيها العبد ويمسي، ولا يدعها أبدًا، لكن الناس يختلفون في موضوع التوبة: فقد يتوب عبد من الكفر، في الوقت الذي يتوب آخر من بدعة، وثالث من ذنب كبير، ورابع من صغيرة، وخامس من شبهة، وسادس من تقصير في فريضة أو نافلة، وسابع من ترك نصيحة أو غفلة عن ذكر أو تهاون في دعوة أو جهاد...
فهناك إذن أمر إلهي عام لعموم الناس ولعموم المؤمنين بالتوبة إليه، وهذا الأمر يجعل من التوبة ثوبًا لا ينزعه العبد ما عاش، وإن نزعه لبعض الوقت عاد إليه من قريب.
فمن الآيات التي خاطب بها سبحانه عباده جميعًا: قوله تعالى: ﴿وَإنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ [طه: 82].
وقوله سبحانه: ﴿إنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلئكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴿17﴾ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ إنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ [النساء:17-18].
ومن الأحاديث: قوله فيما رواه الترمذي وحسنه: (تُقبل توبة العبد ما لم يغرغر)، والغرغرة: الاحتضار، وقوله: (إنَّ الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربه) [رواه مسلم].
أمَّا الآيات التي خاطبت المؤمنين خاصة، فمنها قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحً﴾ [التحريم: 8]، وقوله عز وجل: ﴿وَتُوبُوا إلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31].
ولايخفى أن التوبة التي أمر الله بها المؤمنين ليست توبة الإسلام والإيمان؛ فهم مسلمون مؤمنون، ولكنها توبة الإحسان التي تجدد إسلامهم، وتقوي إيمانهم، وتصلح ما فسد من أعمالهم وتقوِّم ما اعوج من تصرفاتهم.
وما دامت الأخطاء واردة فالأمر بالتوبة قائم لا يجاوزه أحد، وهو في كل وقت على التعجيل والفور، لا التأخير والتراخي، وكل توبة قبل الموت فهي توبة من قريب، وكل ذنب فارتكابه جهالة.
الحافز الثاني: التفكر الدائم في حقيقة الزمن:
هناك حجاب كثيف من الغفلة يمنع أكثر الناس من إدراك حقيقة الزمن، فهم لا يرون في طلوع الشمس سوى بداية يوم جديد يربطون فيه الاتصال بمجموعة من الهموم الآنية والأغراض العاجلة، كما لا يرون في الليل سوى نهاية ذلك اليوم، ونادرًا ما يتجاوزن هذا النظر القريب إلى نظر آخر بعيد، يبدو فيه تعاقب الليل والنهار درسًا بليغًا، وموعظة، وذكرى للنفس: ﴿وَهُوَ الَذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورً﴾ [الفرقان: 62].
كل يوم يأتي هو فرصة لمن كان على قيد الحياة، فهذه الأيام لا تتعاقب بلا نهاية، بل لكل إنسان منها عدد محدود، يبدأ يوم ولادته، وينتهي يوم وفاته.
إنَّ قراءة الزمن على ضوء الآيات والأحاديث وأقوال أهل العلم والإيمان تنتهي بالعبد إلى نتيجة أخيرة، هي: أن أحسن ما يقدم بين يديه في هذه الأيام هو العمل الصالح، وأول عمل صالح يقدمه بين يديه هو التوبة الصادقة، فيقبل على ربه بالافتقار، ويعتذر إليه عن التقصير في القيام بواجب العبودية؛ لعل توبته تلك تشفع له بين يدي أعماله القليلة الهزيلة.
إنَّ دورة اليوم، ودورة الأسبوع، ودورة الشهر، ودورة العام: كل منها يعطي مثلًا لعمر الإنسان، قال الله تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الحيَاةُ الدُّنْيَا إلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ﴾ [الحديد: 20].
ففي هذه الآيات تعريف للدنيا وما يفعل الناس فيها؛ فهي لعب ولهو وزينة وتفاخر وتكاثر في الأموال والأولاد، ومثالها في سرعة الانقضاء كمثل النبات يتم دورته في مدة يسيرة: فبينما هو نبت صاعد أخضر، إذا هو هشيم أصفر.
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الحاكم وابن المبارك في الزهد بسند صحيح من مرسل عمرو بن ميمون: (اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك).
فيدل هذا الحديث على أنَّ الزمن سريع الزوال، والدنيا فرص، إذا لم يغتنمها صاحبها فاتت وذهبت، فالشباب لابد يأتي بعده الهرم، والحياة يأتي بعدها الموت.
قال الحسن البصري: «إنما أنت أيام مجموعة، كلما مضى يوم مضى بعضك، وإنما أنت بين راحلتين تنقلانك، ينقلك الليل إلى النهار، وينقلك النهار إلى الليل، حتى يسلمانك إلى الآخرة، فمن أعظم منك يا ابن آدم خطرًا، والموت معقود بناصيتك، والدنيا تطوى من ورائك؟».
لقد التفت الحسن البصري -رحمه الله- في هذه القولة إلى البعد الزماني في تعريف الإنسان، فهو مجموعة من الأيام إذا مضى منها يوم مضى منه بعضه حتى ينتهي.
لقد قال بعض العارفين يصف الدنيا: «إنها أنفاس تُعد، ورحال تُشد وعارية ترد، والتراب من بعد ينتظر الغد، وما ثمّ إلا أمل مكذوب، وأجل مكتوب، فكيف يغفل مَن يَوْمُه يهدم شهره، وشهره يهدم سنته، وسنته تهدم عمره، وعمره يقوده إلى أجله».
إنَّ التفكر في حقيقة هذا الزمن على ضوء تصور الإسلام للحياة الإنسانية ضروري للقيام بتجديد شامل ومستمر في الأفكار والأعمال، فهو يكشف له أن بضاعته في هذه الحياة هي الزمن، وكل يوم يبزغ فجره فرصة إمهال قد تكون الأخيرة وبعدها العذاب الشديد أو المغفرة والرضوان.
إنَّ هذا التفكر في ذلك البعد هو الذي يوقف داء التسويف الذي يعاني منه كثير من الناس عندما يَعِدون أنفسهم بالتوبة عدة مرات، ويقولون: غدًا غدًا، فيجيء الغد ويصير يومًا، ويصير اليوم من بعد ذلك أمسًا، وهم على حالهم، مغترون بالعافية والستر، لا يذكرون ما بين أيديهم من أهوال وأخطار، حتى يفجأهم الموت في وقت لم يتوقعوه، ويصرعهم في يوم لم ينتظروه، فتفوتهم فرصة التوبة والتدارك.
ولا يحسبن أحد أنَّ التفكر الذي ندعو إليه هو تلك الأفكار السوداوية التي تدعو إلى التشاؤم بهذه الحياة، بل نحن ندعو إلى تأمل إيجابي فعال، تكون ثمرته إعادة النظر في عوائد الحياة، وتصحيح ما لا يتفق مع قيمتها وأمانة الاستخلاف فيها.
إنه ما لم يستحضر الإنسان حقيقة الزمن بين عينيه بكل خطورتها فلن يتقدم خطوة واحدة في توبته، لكنه إن ذكر أن عمره ينقص ولا يزيد، وأنه يسعى في هدمه منذ نزل من بطن أمه، وأنه في كل يوم مودع.. تنبه وتيقظ، ولم يؤخر عمل اليوم إلى الغد؛ لأن للغد عمله.
الحافز الثالث: النظر إلى الماضي:
خلق الله -عزَّ وجل- الإنسان بقدرات عقلية متميزة، ومنها القدرة على التذكر، وهذه القدرة التي أوتيها الإنسان دون سائر الحيوانات ليست من أجل التعرف على الأشياء عند رؤيتها، أو من أجل إتقان المهن والحرف والمهارات، أو من أجل القراءة والكتابة ... أو غير ذلك من منافع الذاكرة فقط، بل هناك مهمة أخرى أسمى من هذا كله، هي: استرجاع الماضي بقصد المحاسبة والمراجعة، قال الله -تعالى-: ﴿لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيَامَةِ ﴿1﴾ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾ [القيامة:1-2].
والله -عزَّ وجل- إذا أقسم بشيء من مخلوقاته: فإما لأجل بيان قدرة هذا الشيء ومنزلته، أو للتنبيه على ما فيه من دلائل الحكمة الإلهية، وفي هذه الآية أقسم -سبحانه- بالنفس اللوامة تنبيهًا على هذه الآية العقلية، وهي: قدرة الإنسان على التفكير بعامة والتذكر بخاصة، وثانيًا: تنويها بهذه النفس التي استعملت هذه القدرات العقلية فيما خلقت لها ولم تقصرها على جانب التسخير والانتفاع فحسب، فجعلتها للتفكر والمحاسبة والاعتبار أيضًا.
إنَّ الماضي لا يرجع، ولكن الإنسان يستطيع أن يسترجعه من الذاكرة، فإذا أحداثه حاضرة في وعيه وشعوره ينظر إليها، فإذا كان القصد من استرجاعها هو المحاسبة والمراقبة، فنحن أمام حافز آخر من حوافز التوبة.
إنَّ الذي ينسى ماضيه بمجرد مروره لا يمكن أن يصحح حاضره أو يخطط لمستقبله، لأنه يعيش عمرًا متقطعًا منفصلًا بعضه عن بعض، ولكن الذي يرى عمره سلسلة واحدة متصلة الحلقات، يأخذ من ماضيه لحاضره، ومن حاضره لمستقبله، وهذا الذي يأخذه هو الدروس والعبر، وهو التجارب والخبرات، فالذي يفكر في ماضيه على ضوء الطموحات التي اختطها لنفسه في الحياة، وعلى ضوء الغاية التي يسعى إليها، وهي رضوان الله والجنة، يستقل طاعاته لا محالة، ولسان حاله في كل مرحلة: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كذا ولتركت كذا، فيتدارك ما استطاع، ويعوض عما فات ويسابق الأيام في ذلك.
بهذا يؤدي الماضي للمسلم الذي ينظر فيه مهمة جليلة؛ لأنه يتحول إلى ناصح وموجه، يدلي بمشورته عند الحاجة.
وإذا كانت التوبة الصحيحة تمحو ما قبلها، فإن هذا لا يعني أن المسلم إذا تاب ينسى ما قدمت يداه: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾ [الكهف:57].
لكنه بعد التوبة يحتفظ لماضيه بهذه المهمة الإيجابية، وهي: الحث على الاستدراك وإصلاح الأخطاء، وهذا معنى قول بعض العلماء: معصية أورثت ذلًا وانكسارًا خير من طاعة أورثت عجبًا واستكبارًا.
الحافز الرابع: النظر إلى المستقبل:
إذا كان الجسم الإنساني محصورًا في الحاضر، خاضعًا لسلطته: فإن القلب يستطيع أن يتحرر من هذه السلطة ليرتاد أغوار الماضي وآفاق المستقبل، فيرى حياته في أطوارها الماضية والحاضرة والمقبلة، والذي ينظر إلى حياته بهذا الشكل الممتد ولا يبقى سجين الحاضر هو الذي يرى عواقب الأمور في بداياتها، فيغنم خيرها، وينجو من شرها؛ لأنه يُعِد لكل أمر عدته ويلبس لكل حالة لبوسها، ويتصرف أمام كل موقف بما يناسبه، لا قبل الأوان ولا بعد الأوان.
وإذا كان نظر المسلم إلى ما مضى يجدد عزمه ويشحذ همته، ليكون في يومه أفضل منه في أمسه، فإن نظره إلى المستقبل يحثه على المسارعة بتنفيذ ما عزم عليه من توبة وتصحيح، فالآجال بيد الله وحده، والأعمال بالخواتيم، والمستقبل يشمل ما ينتظره بعد الموت من أهوال القبر، وما ينتظره بعد البعث من أهوال الحشر والحساب.
إنه لا يدري متى يستدعى، ولا يدري ما اسمه غدًا، ولايدري أيخف ميزانه أم يثقل، ولا يدري أيكون من السعداء أم من الأشقياء.
كيف ينسى المسلم هذا المستقبل وهو معني به، وسيعيش لحظاته لحظة لحظة، ويجتاز أطواره مرحلة مرحلة، حتى يكون مثواه في الجنة أو في النار.
وإنما يغفل عن هذا المستقبل من ضعفت خشيته، وبهت يقينه باليوم الآخر، وران على قلبه ما كسب من خطيئات، يلعب بالنار وهو لاهٍ غافل، ويقف على حافة الهاوية وهو سادر معرض، حتى يفجأه الموت وهو على عمل من أعماله الرديئة، فيهلك هلاك الأبد.
إنه لا ينجي من سوء الخاتمة إلا التفكر الدائم في المستقبل، والمستقبل يبدأ من اللحظة الآتية، ومن خاف سوء الخاتمة اجتهد في توسيع دائرة الإحسان في حياته وتقليص هامش الإساءة، وهذه هي التوبة الثانية بمعناها الواسع، فإنه لا يودع فترة من حياته إلا وقد شهد فيها إسلامه تحسنًا جديدًا.
الحافز الخامس: الشعور بالاصطفاء:
لقد مضت سنة الله -تعالى- في الناس أن يكون أهل الهداية قلة وأهل الضلالة كثرة ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [يوسف: 103]، ﴿وَإن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [ الأنعام:116]، ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ [هود: 119]، ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ:13]، ﴿وَالْعَصْرِ ﴿1﴾ إنَّ الإنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴿2﴾ إلاَّ الَذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر].
والتفكر في هذه الحقيقة الإلهية، وتتبع شواهدها في التاريخ والواقع: من أعظم الحوافز التي تدعو إلى التمسك بالهداية، والتشبث بأسبابها، والحذر من عوامل سلبها، فالذي يعلم أنه بالتوبة الأولى قد التحق بالموكب الكريم من المؤمنين الصالحين، وانتمى إلى الصفوة المختارة من عباد الله يتقدمهم الأنبياء والمرسلون: يعمل أقصى جهده ليتبوأ أفضل مقعد في هذا الموكب، ويأخذ أحسن موقع في هذا الصف، ولا يزال يجاهد نفسه ويحملها على الأحسن والأصوب، وحتى يدرك من المراتب ما لا يشاركه فيه إلا القليل من الناس.
وأي شيء يهدده في هذه النعمة، ويحرمه من هذه المعية الطيبة وهذا الجوار المقدس: يبعد عنه ويحذر منه.
هذا الشعور بالاصطفاء الذي يبدأ في القلب عقب التوبة الأولى، ويزداد ويعظم بالتوبة الثانية: هو الذي يهون على النفس سائر المعاصي مهما تكن جاذبيتها؛ لأنه عندما يضع تلك اللذات في كفة، ويضع هذا الاصطفاء في كفة، ويكون ذا عقل ورأي: لا يرجح إلا الثاني، ولا يأنس إلا به، وكيف لا يأنس وقد وجد الطريق ووجد الرفيق؟!.
الحافز السادس: التأسي برسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
إنَّ التأسي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوق أنه فرض واجب، فهو من أعظم الحوافز التي تدعو المسلم إلى تجديد إسلامه باستمرار.
والتأسي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس عمل يوم أو ليلة، ولكنه عمل كل يوم وكل ليلة حتى الوفاة، فقد جمع الله -عزَّ وجل- الكمالات البشرية في نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وزكى سيرته من فوق سبع سماوات لتكون قدوة للناس، فكل مسلم مأمور أن يدرس هذه السيرة بنيّة التأسي والاتباع، قال الله -تعالى-: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب:21].
ومن اكتشف هذا المعِين: لزمه، واستقى منه، ومنع أي مصدر آخر أن يشوش عليه، وكيف يترك المقطوع به للمظنون، والمعصوم لغير المعصوم؟!.
وما دام المسلم يرى في سلوكه بدعًا ومحدثات وذنوبًا وآثامًا، فإنه يشعر بالنقص الحاصل في امتثاله للآية السابقة، فيزداد اقترابًا من سيرة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، جاعلًا الغاية التي يشمر إليها والشعار الذي يسعى نحوه: الأخذ بكل ما كان يفعله نبيه، والإقلاع عن كل ما كان يتركه.
إنَّ الاقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صلاته، وصيامه، وحجه، وذكره، وطهوره، ودعوته، وفي شأنه كله: حافز من حوافز التوبة الثانية التي تمتد سائر العمر.
وإذا علم المسلم أن النبي نفسه وهو المعصوم الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قد أُمر بالتوبة والاستغفار في عدة آيات، آخرها عند فتح مكة لما قال الله -تعالى- له: ﴿إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴿1﴾ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ﴿2﴾ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إنَّهُ كَانَ تَوَّابً﴾ [النصر].
ماذا يكون حال غيره ممن لا يدري بَعْدُ مصيره، وفي الحديث الذي رواه مسلم يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يا أيها الناس: توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب في اليوم مئة مرة).
الحافز السابع: الاقتداء بالسلف الصالح:
الاقتداء بالسلف الصالح فرع عن الاقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والسلف الصالح هم القرون الثلاثة الأولى التي شهد لها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالخيرية ثم جميع الذين يشبهونهم في الفهم والتطبيق، كيفما كان عصرهم، وكيفما كان بلدهم.
السلفية اتجاه في فهم الإسلام والعمل به، والسلف هم الذين تحققوا بمقومات هذا الاتجاه في كل عصر، الأمثل فالأمثل، وفي حديث العرباض بن سارية -رضي الله عنه-، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أوصيكم بتقوى الله.... فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة).
فذكر سنته، ثم ذكر سنة الخلفاء الراشدين بعده؛ لأنها امتداد لسنته، فقد كانوا -رضي الله عنهم- أشبه الناس به في صلاته وقضائه وجهاده وفي هديه كله، ثم يأتي بعدهم التابعون لهم بإحسان في كل جيل.
ويحتاج المسلم الذي يريد أن يجدد إسلامه ويتوب توبة الإحسان أن ينظر في سيرة من سبقوه، وحازوا قصب السبق في كل فضيلة؛ فعندما يطالع سيرهم: يقف على نماذج رائعة في استغلال الوقت، واستثمار العمر، ومبادرة الأجل بالأعمال الصالحة، وترتيب الأعمال حسب الأولوية، والموازنة بين العبوديات، والشمول في فهم الدين، واليقين العظيم في الجزاء، والبعد عن موجبات النقمة والعذاب، ثم ينظر إلى نفسه، فيجدها بعيدة عن كل ذلك، فتتحرك في نفسه غبطة محمودة تحمله على منافستهم في مقاماتهم، والاقتداء بهم في أخلاقهم وأعمالهم، وقد كتب علماؤنا كتب التاريخ والتراجم لهذا الغرض؛ حتى تبقى التجارب الناجحة في تطبيق الإسلام محفوظة، يستشهد بها الواعظ والخطيب والمربي والداعية والمدرس والشاعر والكاتب، كلّ في مجاله وموضوعه، وهذه مقتطفات من كتاب صيد الخاطر للشيخ عبد الرحمن ابن الجوزي المتوفى سنة 597ه، نوردها مثالاً لهذه السيرة النموذجية يقول:
«تأملت نفسي بالإضافة إلى عشيرتي الذين انفقوا أعمارهم في اكتساب الدنيا، وأنفقت زمن الصفوة والشباب في طلب العلم، فرأيتني لم يفتني ممَّا نالوه إلا ما لو حصل لي لندمت عليه، ثم تأملت حالي: فإذا عيشي في الدنيا أجود من عيشهم، وجاهي بين الناس أعلى من جاههم، وما نلته من معرفة العلم لا يقاوم، وما طالت طريق أدت إلى صديق كما يقال، وقد كنت في حلاوة طلبي للعلم ألقى من الشدائد ما هو عندي أحلى من العسل؛ لأجل ما أرجو وأطلب» .
«كنت في زمن الصبا آخذ معي أرغفة يابسة، فأخرج إلى طلب الحديث، وأقعد على نهر عيسى في ضواحي بغداد، فلا أقدر على أكلها إلا عند الماء، فكلما أكلت لقمة شربت عليها، وعين همتي لا ترى إلا تحصيل العلم، وأثمر عندي ذلك من المعاملة ما لا يدرك بالعلم، حتى إنني أذكر في زمان الصبوة ووقت الغلمة والعزبة: قدرتي على أشياء كانت النفس تتوق إليها توقان العطشان إلى الماء الزلال، ولم يمنعني عنها إلا ما أثمر عندي من خوف الله -عزَّ وجل-، ولولا خطايا لا يخلو منها بشر ... لقد أخاف على نفسي العجب، غير أنه -عزَّوجل- صانني وعلمني وأطلعني من أسرار العلم على معرفته وإيثار الخلوة به، حتى لو حضر معي معروف الكرخي وبشر الحافي لرأيتهما زحمة» .
وقد رباني -سبحانه- منذ كنت طفلاً، فإن أبي مات وأنا لا أعقل به، والأم لم تلتفت إليّ، فركّز في طبعي حب العلم، ومازال يوقعني على المهم فالمهم، ويحملني إلى من يحملني على الأصوب حتى قوّم أمري...
ولقد تاب على يدي في مجالس الذكر أكثر من مائتي ألف، وأسلم على يدي أكثر من مائتين، وكم سالت عين متجبر بوعظي لم تكن تسيل... » .
هذه نشأة عالم مسلم وكلها تصون وعفاف، وعلم نافع وعمل صالح، ومع ذلك: كثيرًا ما يؤنب نفسه، ويرى أنه لم يسلم بعد إسلامًا جيدًا، يقول رحمه الله -تعالى-: «تفكرت في نفسي يومًا محققًا، فحاسبتها قبل أن تحاسب، ووزنتها قبل أن توزن ... ولقد تفكرتُ في خطايا لو عوقبت ببعضها لهلكت سريعًا، ولو كشف للناس بعضها لاستحييت، ولا يعتقد معتقد أنها من كبائر الذنوب حتى يظن بي ما يظن في الفساق، بل هي ذنوب قبيحة في حق مثلي، وقعت بتأويلات فاسدة ... أف لنفسي! وقد سطرت عدة مجلدات في فنون العلم وما عبق بها من فضيلة، إن نُوظِرَتْ شَمَخَتْ، وإن نوصحت تعجرفت، وإن لاحت الدنيا طارت إليها طيران الرخم وسقوط الغراب على الجيف... أف والله مني اليوم على وجه الأرض وغدًا تحتها!، والله إن نتن جسدي بعد ثلاث تحت التراب أقل من نتن إخلاقي وأنا بين الأحباب... وغدًا يقال: مات الحبر العالم الصالح، ولو عرفوني بحق معرفتي ما دفنوني... والله لأنادين على نفسي نداء المكشِفين معايب الأعداء، ولأنوحن نوح الثاكلين للأبناء ...
واحسرتاه على عُمْر انقضى فيما لا يطابق الرضى، واحرماني من مقامات الرجال الفطناء، يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وشماتة العدو بي، واخيبة من أحسن الظن بي إذا شهدت الجوارح عَليّ، واخذلاني عند إقامة الحجة، سخر والله مني الشيطان وأنا الفطن» .
ثم يختم هذه المعاتبة بقوله: «اللهم توبة خالصة من هذه الأقذار، ونهضة صادقة لتصفية ما بقي من الأكدار» .
فإذا كانت نهاية حوار هذا العالم مع نفسه أن يسأل توبة خالصة ونهضة صادقة، فما أحرى من هو دونه علمًا وعملًا أن يسأل ذلك.
ونؤكد أن المسلم إذا طالت صحبته لسِيَر السلف استوحش من أهل زمانه وأنكر أسلوب حياتهم، وتعلق بالآفاق العالية التي حلق فيها أولئك الرجال العظماء النبغاء الموهوبون، فهو في كل ساعة مشغول بمنافستهم ومزاحمتهم، وكلما حل بمنزلة من منازل السير: تراءت له أخرى أعلى، وكلما دهمه كسل أو فتور: تذكر أنه في حلبة سباق، وأي تهاون أو تباطؤ سيلقي به في مؤخرة المتنافسين، ويزيده تشجيعًا: أن الاجتماع بهؤلاء السلف الصالح هو السير على نهجهم والتخلق بأخلاقهم.
إنَّ الاقتباس من السِّيَر الناجحة والتجارب الموفقة في تطبيق الإسلام يحدث توبة متجددة في حياة المسلم، ويصحح من أوضاعه باستمرار.
الحافز الثامن: حقارة الإنسان بلا إيمان:
إنَّ مما يزكي خطوات المسلم في طريق التوبة: علمه أن الإنسان بلا إيمان كائن تافه حقير، بل هو لا شيء، يولد ويحيا ويموت كما ولد ومات الملايين من أمثاله.
ها هو الليل والنهار قد صحبا قوم نوح وعاد وثمود وقرونًا بين ذلك كثيرًا، فقرب بهما البعيد، وبلي بهما الجديد، وتحقق بهما الموعود، ولا زالا يسيران في الباقين سيرتهما في السابقين، أفيكون من التبصر والتعقل تعرض الإنسان الضعيف الفقير لهلاك الأبد إذا أصر على الكفر أو المعصية، وأنفق أيام عمره فيما يغضب الله ويسخطه عليه ؟.
أيكون من التعقل أن يعرف الإنسان طريق الأمان ويظل شاردًا عنه، والله -سبحانه- يفرح بتوبته إذا تاب كما يفرح المسافر الذي أضل راحلته حتى أوشك الهلاك جوعًا وعطشًا، فوجدها وعليها طعامه وشرابه؟.
كثير من الناس تتضخم عندهم ذواتهم، وتتحول إلى معبود يعبدونه من دون الله، فيظن أنه ذو شأن كبير بما عنده من أموال، أو ما يحمله من ألقاب، أو ما عنده من خدم وحشم وولد، وتخدعه الأعراض الزائلة، فيغفل عن البداية والنهاية، أو الميلاد والممات، وينسى أن ما أدركه من مال وجاه عَرَض حاضر، وعن قريب يزول، قال -تعالى-: ﴿وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ ﴿1﴾ الَّذِي جَمََعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ ﴿2﴾ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ ﴿3﴾ كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الحُطَمَةِ﴾ [الهمزة: 1 4]، فمالُه لا يُخلده، بل مثله مثل سائر الناس يموت بأجَله؛ فيترك المال وراء ظهره، ويقدم على ربه وحده.
تضخم الذات وتحولها إلى محور لاهتمامات الشخص، واغتراره بالمكانة والجاه في بلده وقومه: موانع تحول دون الإنسان والتوبة، ولكنه متى علم أنه بلا إيمان كائن حقير، وأنه يموت فيرجع إلى ربه: طلب المكانة اللائقة به، بصفته مخلوقًا كريمًا على الله الذي خلق كل شيء من أجله وخلقه لعبادته.
الحافز التاسع: العلاقة بين الإنسان والكون:
إنَّ الإسلام ليس دين الإنسان فحسب، بل هو دين الكون كله، فالسماوات والأرض وما فيهما خاضع لكلمة الله الواحدة، وكل ما فيهما من كائنات علوية وسفلية مسلم لله عابد له بالكيفية التي تناسبه.
وأي مخالفة مهما كانت هينة تمثل شذوذًا عن كوْنٍ مسلم خاضع لربه مطيع لخالقه.
هذا الكون إبداع الخلاق العليم، والإنسان جزء منه، فالقوانين التي تحكم فطرته ليست بمعزل عن الناموس الذي يحكم الوجود كله، والله الذي خلق هذا الكون وخلق الإنسان، هو الذي سن للإنسان شريعة تنظم حياته تنظيمًا متناسقًا مع طبيعته، فأي خروج عنها يعني التصادم مع الفطرة والكون.
وإذا كان الحفاظ على هذا الانسجام بين الفطرة والكون مطلبًا عزيزًا؛ لكثرة أخطاء الإنسان وذنوبه: فإن الله -عزَّ وجل- فتح باب التوبة، يدخله العبد كل وقت، فيجدد عهود الخلافة ويصحح ما كان قد انتقض منها، وفي بعض الآثار: أن الإنسان إذا أذنب الذنب تستأذن المخلوقات في إهلاكه، فيقال لها: لعله يتوب، لعله يتوب.
إنَّ الإحساس بالرابطة التي تربطنا بالكون وهي رابطة العبودية لله هو الذي يدفع إلى الالتزام الصارم بأوامر الشريعة؛ لأنها توفق بين نظام الكون ونظام الفطرة، وتكون التوبة التي تعقب الذنوب أو تجدد الطاعات بمثابة المصالحة التي تعقب الخصام، أو القرب الذي يقرب التباعد والهجران.
الإنسان المسرف على نفسه مثل النغمة النشاز التي تشذ عن أنشودة الكَوْن، أو هي المتسابق الذي يسير في عكس اتجاه الكوكبة، أو هو المصلي الذي يصلي في اتجاه مقابل للقبلة مخالفًا لباقي المصلين.
فلو تذكر الإنسان أنه ليس وحده في هذا الكون، ولو التفت يمينًا وشمالًا، ورفع بصره وخفضه، ورأى آيات الله في الآفاق والأنفس، لرأى مخلوقات مقبلة على شأنها، قائمة بحق ربها، فيقبل مثلها على شأنه وينظر في أمر ربه فيلزمه، عند ذلك يشعر بالأُنس، وتزول عنه الغربة التي يشعر بها غيره، فكيف إذا ترقى من الشعور بالأُنْس مع المخلوقات إلى الأنس بالخالق، فيأنس إلى ربه عندما يشعر أن الله -تعالى- معه، يشهده وينظر إليه، وأن الله -تعالى- معه، يحفظه ويرعاه، وهذه هي جنة الدنيا التي من دخلها دخل جنة الآخرة بإذن الله .
والآن: وبعد أن استعرضنا هذه الحوافز: لا بد أن نؤكد في الأخير أن تجديد الإسلام في حياة المسلم مشروع كبير، وحتى ينجح أي مشروع لا بد أن يمر بثلاث مراحل: الأولى: التفكير والتنظير، والثانية: التخطيط والبرمجة، والثالثة: التنفيذ والمحاسبة.
فالتوبة التي تصحح سير المسلم إلى ربه مشروع ما بعد الهداية، فليضع له المسلم ما يحتاج إليه من أهداف وبرامج، وهذا الشق العملي لا يُقَال، بل يمارس ويطبق.
نسأل الله -تعالى- أن يرزقنا الإخلاص في القصد، ويلهمنا الصواب في العمل.
آمين آمين آمين
د. نجلاء طمان
14-09-2007, 03:16 AM
وإلى كل من يستصعب أن يغفر الله له فواحشه المتكاثرة نسوق هذا الحديث :
توبة قاتل المائة
عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : ( كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب ، فأتاه فقال : إنه قتل تسعة وتسعين نفساً فهل له من توبة ؟ فقال : لا ، فقتله فكمّل به مائة ، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدّل على رجل عالم ، فقال : إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة ؟ فقال : نعم ، ومن يحول بينه وبين التوبة ، انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناساً يعبدون الله تعالى فاعبد معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء ، فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه ملك الموت ، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، فقالت ملائكة الرحمة : جاء تائباً مقبلاً بقلبه إلى الله تعالى ، وقالت ملائكة العذاب : إنه لم يعمل خيراً قط , فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم – أي حكماً - فقال : قيسوا ما بين الأرضيين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له ، فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد ، فقبضته ملائكة الرحمة ) متفق عليه . وفي رواية في الصحيح ( فكان إلى القرية الصالحة أقرب بشبر فجعل من أهلها ) وفي رواية في الصحيح ( فأوحى الله تعالى إلى هذه أن تباعدي وإلى هذه أن تقربي وقال : قيسوا ما بينهما ، فوجدوه إلى هذه أقرب بشبر فغفر له ) .
نعم ومن يحول بينه وبين التوبة ! فهل ترى الآن يا من تريد التوبة أن ذنوبك أعظم من هذا الرجل الذي تاب الله عليه ، فلم اليأس ؟ بل إن الأمر أيها الأخ المسلم أعظم من ذلك ، تأمل قول الله تعالى : ( والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ، ومن يفعل ذلك يلق أثاماً ، يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً ، إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً ) الفرقان /68 – 70 .
ووقفة عند قوله : ( فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ) الفرقان /70 تبين لك فضل الله العظيم ، قال العلماء التبديل هنا نوعان :
الأول : تبديل الصفات السيئة بصفات حسنة كإبدالهم بالشرك إيماناً وبالزنا عفة وإحصاناً وبالكذب صدقاً وبالخيانة أمانة وهكذا .
والثاني : تبديل السيئات التي عملوها بحسنات يوم القيامة ، وتأمل قوله تعالى : ( يبدل الله سيئاتهم حسنات ) ولم يقل مكان كل سيئة حسنة فقد يكون أقل أو مساوياً أو أكثر في العدد أو الكيفية ، وذلك بحسب صدق التائب وكمال توبته ، فهل ترى فضلاً أعظم من هذا الفضل ؟ وانظر إلى شرح هذا الكرم الإلهي في الحديث الجميل :
عن عبد الرحمن بين جبير عن أبي طويل شطب الممدود أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم - وفي طرق أخرى – " جاء شيخ هرم قد سقط حاجباه على عينيه وهو يدّعم على عصا حتى قام بين يديّ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلها فلم يترك منها شيئاً وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة أي صغيرة ولا كبيرة إلا أتاها ، وفي رواية ، إلا اقتطعها بيمينه لو قسمت خطيئته بين أهل الأرض لأوبقتهم أي أهلكتهم فهل لذلك من توبة ؟ قال : ( فهل أسلمت ) قال : أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله . قال : ( تفعل الخيرات وتترك السيئات فيجعلهن الله لك خيرات كلهن ) قال : وغدراتي وفجراتني ، قال : ( نعم ) قال : الله أكبر فما زال يكبر حتى توارى. قال الهيثمي رواه الطبراني والبزار بنحوه ورجال البزار رجال الصحيح غير محمد بن هارون أبي نشيطة وهو ثقة ، المجمع 1/36 وقال المنذري في الترغيب إسناده جيد قوي 4/113 وقال ابن حجر في الإصابة هو على شرط الصحيح 4/149.
وهنا قد يسأل تائب ، فيقول : إني لما كنت ضالاً لا أصلي خارجاً عن ملة الإسلام قمت ببعض الأعمال الصالحة فهل تحسب لي بعد التوبة أو تكون ذهبت أدراج الرياح .
وإليك الجواب : عن عروة بن الزبير أن حكيم بن حزام أخبره أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أي رسول الله أرأيت أموراً كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة أو عتِاقة أو صلة رحم أفيها أجر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أسلمت على ما أسلفت من خير ) رواه البخاري .
فهذه الذنوب تغفر ، وهذه السيئات تبدل حسنات ، وهذه الحسنات أيام الجاهلية تثبت لصاحبها بعد التوبة ، فماذا بقي !
كيف أفعل إذا أذنبت؟
وقد تقول إذا وقعت في ذنب فكيف أتوب منه مباشرة وهل هناك فعل أقوم به بعد الذنب فوراً ؟ . فالجواب : ما ينبغي أن يحصل بعد الإقلاع عملان .
الأول : عمل القلب بالندم والعزم على عدم العودة ، وهذه تكون نتيجة الخوف من الله .
الثاني : عمل الجوارح بفعل الحسنات المختلفة ومنها صلاة التوبة وهذا نصها :
عن أبي بكرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما من رجل يذنب ذنباً ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر الله له ) رواه أصحاب السنن ، صحيح الترغيب والترهيب 1/284 . ثم قرأ هذه الآية : ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ) آل عمران /135 . وقد ورد في روايات أخرى صحيحة صفات أخرى لركعتين تكفران الذنوب وهذا ملخصها :
- ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ( لأن الخطايا تخرج من الأعضاء المغسولة مع الماء أو مع آخر قطر الماء
-ومن إحسان الوضوء قول بسم الله قبله والأذكار بعده وهي : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله – اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين – سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك . وهذه أذكار ما بعد الوضوء لكل منها أجر عظيم .
- يقوم فيصلي ركعتين .
- لا يسهو فيهما .
- لا يحدث فيهما نفسه .
- يحسن فيهن الذكر والخشوع .
- ثم استغفر الله .
والنتيجة : غفر له ما تقدم من ذنبه .
إلا وجبت له الجنة . صحيح الترغيب 1/ 94 ، 95
ثم الإكثار من الحسنات والطاعات ، ألا ترى أن عمر رضي الله عنه لما أحس بخطئه في المناقشة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية ، قال بعدها فعلمت لذلك أعمالاً أي صالحات لتكفير الذنب. وتأمل في المثل الوارد في هذا الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم : ( إن مثل الذي يعمل السيئات ثم يعمل الحسنات كمثل رجل كانت عليه درع أي لباس من حديد يرتديه المقاتل ضيقة ، قد خنقته ، ثم عمل حسنة فانفكت حلقة ، ثم عمل أخرى فانفكت الأخرى حتى يخرج إلى الأرض ) رواه الطبراني في الكبير ، صحيح الجامع 2192 . فالحسنات تحرر المذنب من سجن المعصية ، وتخرجه إلى عالم الطاعة الفسيح ، ويلخص لك يا أخي ما تقدم هذه القصة المعبرة . : عن ابن مسعود قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني وجدت امرأة في بستان ففعلت بها كل شيء غير أني لم أجامعها، قبلتها ولزمتها ، ولم أفعل غير ذلك فافعل بي ما شئت ، فلم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً فذهب الرجل ، فقال عمر : لقد ستر الله عليه لو ستر نفسه ، فأتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره ، ثم قال : ( ردوه علي ) ، فردوه عليه فقرأ عليه : ( أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ) . فقال معاذ – وفي رواية عمر – يا رسول الله أله وحده ، أم للناس كافة ؟ فقال : ( بل للناس كافة ) رواه مسلم .
يتبع.........
د. نجلاء طمان
14-09-2007, 03:18 AM
أهل السوء يطاردونني
وقد تقول أريد أن أتوب ولكن أهل السوء من أصحابي يطاردونني في كل مكان وما أن علموا بشيء من التغير عندي حتى شنوا عليّ حملة شعواء وأنا أشعر بالضعف فماذا أفعل ؟! ونقول لك اصبر فهذه سنة الله في ابتلاء المخلصين من عباده ليعلم الصادقين من الكاذبين وليميز الله الخبيث من الطيب . وما دمت وضعت قدميك على بداية الطريق فاثبت ، وهؤلاء شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض لكي يردوك على عقبيك فلا تطعهم ، إنهم سيقولون لك في البداية هذا هوس لا يلبث أن يزول عنك ، وهذه أزمة عارضة ، والعجب أن بعضهم قال لصاحب له في بداية توبته عسى ما شر !! والعجب أن إحداهن لما أغلق صاحبها الهاتف في وجهها لأنه تاب ولا يريد مزيداً من الآثام اتصلت به بعد فترة وقالت عسى أن يكون زال عنك الوسواس ؟ والله يقول : ( قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس ، من شر الوسواس الخناس ، الذي يوسوس في صدور الناس ، من الجنة والناس ) الناس /1-6 .
فهل ربك أولى بالطاعة أم ندماء السوء ؟!
وعليك أن تعلم أنهم سيطاردونك في كل مكان وسيسعون لردك إلى طريق الغواية بكل وسيلة ولقد حدثني بعضهم بعد توبته أنه كانت له قرينة سوء تأمر سائق سيارتها أن يمشي وراءه وهو في طريقه إلى المسجد وتخاطبه من النافذة . هنالك : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) إبراهيم /27 . سيسعون إلى تذكيرك بالماضي وتزيين المعاصي السابقة لك بكل طريقة ، ذكريات .. توسلات .. صور .. ورسائل .. فلا تطعهم واحذرهم أن يفتنوك وتذكر هنا قصة كعب بن مالك الصحابي الجليل ، لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة جميعاً بمقاطعته لتخلفه عن غزوة تبوك حتى يأذن الله ، أرسل إليه ملك غسان الكافر رسالة يقول فيها : " أما بعد فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة ، فالحق بنا نواسك " يريد الكافر استمالة المسلم حتى يخرج من المدينة ويضيع هناك في ديار الكفر .
ما هو موقف الصحابي الجليل قال كعب : " فقلت حين قرأتها وهذه أيضاً من البلاء فتيممت بها التنور أي الفرن فسجرتها أي أحرقتها . وهكذا اعمد أنت أيها المسلم من ذكر أو أنثى إلى كل ما يرسل إليك من أهل السوء فاحرقه حتى يصير رماداً وتذكر وأنت تحرقه نار الآخرة . ( فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذي لا يوقنون )
إنهم يهددونني
أريد أن أتوب ولكن أصدقائي القدامى يهددونني بإعلان فضائحي بين الناس ، ونشر أسراري على الملأ ، إن عندهم صوراً ووثائق ، وأنا أخشى على سمعتي ، إني خائف !! ونقول : جاهد أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً ، فهذه ضغوط أعوان إبليس تجتمع عليك كلها ، ثم لا تلبث أن تتفرق وتتهاوى أمام صبر المؤمن وثباته . واعلم أنك إن سايرتهم ورضخت لهم فسيأخذون عليك مزيداً من الإثباتات ، فأنت الخاسر أولاً وأخيراً ، لكن لا تطعهم واستعن بالله عليهم ، وقل حسبي الله ونعم الوكيل ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خاف قوماً قال : ( اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم ) رواه أحمد وأبو داود ، صحيح الجامع 4582 . صحيح أن الموقف صعب وأن تلك المسكينة التائبة التي اتصل بها قرين السوء يقول مهدداً : لقد سجلت مكالمتك ولديّ صورتك ولو رفضت الخروج معي لأفضحنك عند أهلك !! صحيح أنها في موقف لا تحسد عليه . وانظر إلى حرب أولياء الشياطين لمن تاب من المغنين والمغنيات والممثلين والممثلات فإنهم يطرحون أسوأ إنتاجهم السابق في الأسواق للضغط والحرب النفسية ، ولكن الله مع المتقين ، ومع التائبين ، وهو ولي المؤمنين ، لا يخذلهم ولا يتخلى عنهم ، وما لجأ عبد إليه فخاب أبداً ، واعلم أن مع العسر يسراً ، وأن بعد الضيق فرجاً .
وإليك أيها الأخ التائب هذه القصة المؤثرة شاهداً واضحاً على ما نقول .
إنها قصة الصحابي الجليل مرثد بن أبي مرثد الغنويّ الفدائي الذي كان يهرب المستضعفين من المسلمين من مكة إلى المدينة سراً . " كان رجل يقال له : مرثد بن أبي مرثد ، وكان رجلاً يحمل الأسرى من مكة ، حتى يأتي بهم المدينة ، قال : وكانت امرأة بمكة بغي يقال لها عناق وكانت صديقة له ، وأنه كان وعد رجلاً من أسارى مكة يحتمله ، قال : فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة ، قال : فجاءت عناق فأبصرت سواد ظلي بجانب الحائط ، فلما انتهت إليّ عرفت ، فقالت : مرثد ؟ فقلت: مرثد ، قالت : مرحباً وأهلاً ، هلم فبت عندنا الليلة ، قلت : يا عناق حرم الله الزنا ، قالت : يا أهل الخيام هذا الرجل يحمل أسراكم قال فتبعني ثمانية ، وسلكت الخندمة ( وهو جبل معروف عند أحد مداخل مكة ) فانتهيت إلى غار أو كهف ، فدخلت فجاءوا حتى قاموا على رأسي وعماهم الله عني قال : ثم رجعوا ، ورجعت إلى صاحبي فحملته ، وكان رجلاً ثقيلاً ، حتى انتهيت إلى الأذخر ففككت عنه أكبله ( أي قيوده ) فجعلت أحمله ويُعييني ( أي يرهقني) حتى قدمت المدينة ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله أنكح عناقاً ؟ مرتين ، فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرد عليّ شيئاً ، حتى نزلت ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة ، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ) النور /3 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا مرثد الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة ، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك فلا تنكحها ) صحيح سنن الترمذي 3/80 .
هل رأيت كيف يدافع الله عن الذين آمنوا وكيف يكون مع المحسنين؟.
وعلى أسوأ الحالات لو حصل ما تخشاه أو انكشفت بعض الأشياء واحتاج الأمر إلى بيان فوضح موقفك للآخرين وصارحهم ، وقل نعم كنت مذنباً فتبت إلى الله فماذا تريدون ؟ ولنتذكر جميعاً أن الفضيحة الحقيقة هي التي تكون بين يدي الله يوم القيامة ، يوم الخزي الأكبر ، ليست أمام مائة أو مائتين ولا ألف أو ألفين ، ولكنها على رؤوس الأشهاد ، أما الخلق كلهم من الملائكة والجن والإنس ، من آدم وحتى آخر رجل . فهلم إلى دعاء إبراهيم :
( ولا تخزني يوم يبعثون ، يوم لا ينفع مال ولا بنون ، إلا من أتى الله بقلب سليم ) الشعراء /87-89
وتحصن في اللحظات الحرجة بالأدعية النبوية : اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا ، اللهم اجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من بغى علينا ، اللهم لا تشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين .
يتبع..........
د. نجلاء طمان
14-09-2007, 03:21 AM
ذنوبي تنغص معيشتي
وقد تقول : إني ارتكبت من الذنوب الكثير وتبت إلى الله ، ولكن ذنوبي تطاردني ، وتذكري لما عملته ينغص عليّ حياتي ، ويقض مضجعي ، ويؤرق ليلي ويقلق راحتي ، فما السبيل إلى إراحتي . فأقول لك أيها الأخ المسلم ، إن هذه المشاعر هي دلائل التوبة الصادقة ، وهذا هو الندم بعينه ، والندم توبة فالتفت إلى ما سبق بعين الرجاء ، رجاء أن يغفر الله لك ، ولا تيأس من روح الله ، ولا تقنط من رحمة الله ، والله يقول : ( ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون ) الحجر /56 .
قال ابن مسعود رضي الله عنه : ( أكبر الكبائر الإشراك بالله ، والأمن من مكر الله ، والقنوط من رحمة الله ، واليأس من روح الله) رواه عبد الرزاق وصححه الهيثمي وابن كثير .
والمؤمن يسير إلى الله بين الخوف والرجاء ، وقد يُغلِّب أحدهما في بعض الأوقات لحاجة ، فإذا عصى غلَّب جانب الخوف ليتوب ، وإذا تاب غلَّب جانب الرجاء يطلب عفو الله .
هل اعترف ؟
وسأل سائل بصوت حزين يقول : أريد أن أتوب ولكن هل يجب عليّ أن أذهب وأعترف بما فعلت من ذنوب ؟ وهل من شروط توبتي أن أقر أمام القاضي في المحكمة بكل ما اقترفت وأطلب إقامة الحد عليّ ؟ وماذا تعني تلك القصة التي قرأتها قبل قليل عن توبة ماعز ، والمرأة ، والرجل الذي قبّل امرأة في بستان .
فأقول لك أيها الأخ المسلم : اتصال العبد بربه دون وسائط من مزايا هذا التوحيد العظيم ، الذي ارتضاه الله ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ) البقرة /186 . وإذا آمنا أن التوبة لله فإن الاعتراف هو لله أيضاً ، وفي دعاء سيد الاستغفار: ( أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي ) أي أعترف لك يا الله . ولسنا ولله الحمد مثل النصارى ، قسيس وكرسي اعتراف وصك غفران .. إلى آخر أركان المهزلة .
بل إن الله يقول : ( ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ) التوبة /104 أي عن عباده دون وسيط .
أما بالنسبة لإقامة الحدود فإن الحد إذا لم يصل إلى الإمام أو الحاكم أو القاضي فإنه لا يلزم الإنسان أن يأتي ويعترف ، ومن ستر الله عليه لا بأس أن يستر نفسه ، وتكفيه توبته فيما بينه وبين الله ، ومن أسمائه سبحانه الستِّير وهو يحب الستر على عباده ، أما أولئك الصحابة مثل ماعز والمرأة اللذان زنيا والرجل الذي قبل امرأة في بستان فإنهم رضي الله عنهم فعلوا أمراً لا يجب عليهم وذلك من شدة حرصهم على تطهير أنفسهم بدليل أنه صلى الله عليه وسلم لما جاءه ماعز أعرض عنه وعن المرأة في البداية وكذلك قول عمر للرجل الذي قبّل امرأة في بستان لقد ستر الله عليه لو ستر نفسه ، وسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم إقراراً .
وعلى هذا فلا يلزم الذهاب للمحكمة لتسجيل الاعترافات رسمياً إذا أصبح العبد وقد ستره ربه ، ولا يلزم كذلك الذهاب إلى إمام المسجد وطلب إقامة الحد ، ولا الاستعانة بصديق في الجلد داخل البيت ، كما يخطر في أذهان البعض .
وعند ذلك تُعلم بشاعة موقف بعض الجهال من بعض التائبين في مثل القصة الآتي ملخصها :
ذهب مذنب إلى إمام مسجد جاهل ، واعترف لديه بما ارتكب من ذنوب وطلب منه الحل ، فقال هذا الإمام لابد أولاً أن تذهب إلى المحكمة وتصدق اعترافاتك شرعاً ، وتقام عليك الحدود ، ثم ينظر في أمرك ، فلما رأى المسكين أنه لا يطيق تطبيق هذا الكلام ، عدل عن التوبة ورجع إلى ما كان فيه . وأنتهز هذه الفرصة لتعليق مهم فأقول : أيها المسلمون إن معرفة أحكام الدين أمانة ، وطلبها من مصادرها الصحيحة أمانة ، والله يقول : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) النحل /43 وقال : ( الرحمن فاسأل به خبيراً ) الفرقان /59 . فليس كل واعظ يصلح أن يُفتي ، ولا كل إمام مسجد أو مؤذن يصلح أن يُخبر بالأحكام الشرعية في قضايا الناس ، ولا كل أديب أو قاصّ يصلح ناقلاً للفتاوى ، والمسلم مسئول عمن يأخذ الفتوى ، وهذه مسألة تعبدية ، وقد خشي صلى الله عليه وسلم على الأمة من الأئمة المضلين، قال أحد السلف : إن هذا العلم دين فانظروا عمّن تأخذون دينكم ، فاحذروا عباد الله من هذه المزالق والتمسوا أهل العلم فيما أشكل عليكم . والله المستعان .
يتبع..........
د. نجلاء طمان
14-09-2007, 03:23 AM
فتاوى مهمة للتائبين
وقد تقول : أريد أن أتوب ولكني أجهل أحكام التوبة ، وتدور في ذهني أسئلة كثيرة عن صحة التوبة من بعض الذنوب ، وكيفية قضاء حقوق الله التي فرطت فيها ، وطريقة إرجاع حقوق العباد التي أخذتها ، فهل من إجابات على هذه التساؤلات ؟ وإليك أيها العائد إلى الله ما علّه يشفي الغليل .
س1 : إنني أقع في الذنب فأتوب منه ، ثم تغلبني نفسي الأمارة بالسوء فأعود إليه ! فهل تبطل توبتي الأولى ويبقى عليّ إثم الذنب الأول وما بعده ؟
جـ1 : ذكر أكثر العلماء على أنه لا يشترط في صحة التوبة ألا يعود إلى الذنب ، وإنما صحة التوبة تتوقف على الإقلاع عن الذنب، والندم عليه ، والعزم الجازم على ترك معاودته ، فإن عاوده يصبح حينئذ كمن عمل معصية جديدة تلزمه توبة جديدة منها وتوبته الأولى صحيحة .
س2 : هل تصح التوبة من ذنب وأنا مصر على ذنب آخر ؟
جـ2 : تصح التوبة من ذنب ولو أصر على ذنب آخر ، إذا لم يكن من النوع نفسه ، ولا يتعلق بالذنب الأول ، فمثلاً لو تاب من الربا ولم يتب من شرب الخمر فتوبته من الربا صحيحة ، والعكس صحيح ، أما إذا تاب من ربا الفضل وأصر على ربا النسيئة فلا تقبل توبته حينئذ ، وكذلك من تاب من تناول الحشيشة وأصر على شرب الخمر أو العكس ، وكذلك من تاب عن الزنا بامرأة وهو مصر على الزنا بغيرها فهؤلاء توبتهم غير صحيحة ، وغاية ما فعلوه أنهم عدلوا عن نوع من الذنب إلى نوع آخر منه . راجع المدارج.
س3 : تركت حقوقاً لله في الماضي من صلوات لم أؤدها وصيام تركته وزكاة منعتها ، فماذا أفعل الآن ؟
جـ3 : أما تارك الصلاة فالراجح أنه لا يلزمه القضاء لأنه قد فات وقتها ، ولا يمكن استدراكه ويعوضه بكثرة التوبة والاستغفار ، والإكثار من النوافل لعل الله أن يتجاوز عنه .
وأما تارك الصيام فإن كان مسلماً وقت تركه للصيام ، فإنه يجب عليه القضاء مع إطعام مسكين عن كل يوم أخره من رمضان حتى دخل رمضان الذي بعده ، من غير عذر وهذه كفارة التأخير ، وهي واحدة لا تتضاعف ولو توالت أشهر رمضان .
مثال : رجل ترك 3 أيام من رمضان سنة 1400 هـ و 5 أيام من رمضان سنة 1401 هـ تهاوناً ، وبعد سنين تاب إلى الله ، فإنه يلزمه قضاء الصيام ثمانية أيام ، وإطعام مسكين عن كل يوم من الأيام الثمانية .
مثال آخر : امرأة بلغت عام 1400 هـ وخجلت من إخبار أهلها ، فصامت أيام عادتها الثمانية مثلاً ولم تقضها ، ثم تابت إلى الله الآن فعليها الحكم السابق نفسه ، وينبغي أن يعلم أن هناك فروقاً بين ترك الصلاة وترك الصيام ، ذكره أهل العلم على أن هناك في العلماء من يرى عدم القضاء على من ترك الصيام متعمداً دون عذر .
وأما تارك الزكاة فيجب عليه إخراجها وهي حق لله من جهة ، وحق للفقير من جهة أخرى . للمزيد راجع مدارج السالكين 1/383 .
س4 : إذا كانت السيئة في حق آدميّ فكيف تكون التوبة ؟
جـ4 : الأصل في هذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من كانت لأخيه عنده مظلمة ، من عرض أو مال ، فليتحلله اليوم قبل أن يؤخذ منه يوم لا دينار ولا درهم ، فإن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته ، وإن لم يكن له عمل أخذ من سيئات صاحبه فجعلت عليه) رواه البخاري فيخرج التائب من هذه المظالم إما بأدائها إلى أصحابها وإما باستحلالها منهم وطلب مسامحتهم ، فإن سامحوه وإلا ردها .
س5 : وقعت في غيبة شخص أو أشخاص ، وقذفت آخرين بأمورٍ هم بريئون منها فهل يشترط إخبارهم بذلك مع طلب المسامحة وإذا كان لا يشترط فكيف أتوب ؟!
جـ5 : المسألة هنا تعتمد على تقدير المصالح والمفاسد .
فإن كان إذا أخبرهم بم اغتابهم أو قذفهم لا يغضبون منه ولا يزدادون عليه حنقاً وغماً صارحهم وطلب منهم المسامحة ولو بعبارات عامة ، كأن يقول إني أخطأت في حقك في الماضي ، أو ظلمتك بكلام ، وإني تبت إلى الله فسامحني ، دون أن يفصل فلا بأس بهذا .
وإن كان إذا أخبرهم بما اغتابهم أو قذفهم حنقوا عليه وازدادوا غماً وغيظاً – وربما يكون هذا هو الغالب – أو أنه إذا أخبرهم بعبارات عامة لم يرضوا إلا بالتفاصيل التي إذا سمعوها زادوا كراهية له ، فإنه حينئذ لا يجب عليه إخبارهم أصلاً لأن الشريعة لا تأمر بزيادة المفاسد ، وإخبار شخص بأمور كان مستريحاً قبل سماعها على وجه يسبب البغضاء وينافي مقصد الشريعة في تأليف القلوب والتحاب بين المسلمين ، وربما يكون الإخبار سبباً لعداوة لا يصفو بعدها قلب المغتاب أبداً لمن اغتابه ، وفي هذه الحالة يكفي التوبة أمور منها :
1- الندم وطلب المغفرة من الله والتأمل في شناعة هذه الجريمة واعتقاد تحريمها .
2- أن يكذب نفسه عند من سمع الغيبة ، أو القذف ويبرئ المقذوف.
3- أن يثني بالخير على من اغتابه في المجالس التي ظلمته فيها ، ويذكر محاسنه .
4- أن يدافع عمن اغتابه ، ويرد عنه إذا أراد أحد أن يسيء إليه .
5- أن يستغفر له بظهر الغيب المدارج 1/291 ، والمغني مع الشرح 12/78
ولاحظ أيها الأخ المسلم الفرق بين الحقوق المالية وجنايات الأبدان ، وبين الغيبة والنميمة ، فالحقوق المالية يستفيد أهلها إذا أخبروا بها ، وردت إليهم ، ويسرون بذلك ، ولذلك لا يجوز كتمها بخلاف الحقوق التي في جانب العِرض ، والتي لا تزيد من يُخبر بها إلا ضرراً وتهييجاً .
س6 : كيف يتوب القاتل المتعمد ؟
جـ6 : القاتل المتعمد عليه ثلاثة حقوق :
حق الله ، وحق القتيل ، وحق الورثة .
فحق الله لا يُقضى إلا بالتوبة .
حق الورثة أن يسلم نفسه إليهم ليأخذوا حقهم ، إما بالقصاص أو بالدية أو العفو .
ويبقى حق القتيل الذي لا يمكن الوفاء به في الدنيا ، وهنا قال أهل العم إذا حسنت توبة القاتل ، فإن الله يرفع عنه حق القتيل ويعوض القتيل يوم القيامة خيراً من عنده عز وجل ، وهذا أحسن الأقوال . المدارج 1/299 .
س7 : كيف يتوب السارق ؟
جـ7 : إذا كان الشيء عنده الآن رده إلى أصحابه .
وإن تلف أو نقصت قيمته بالاستعمال أو الزمن وجب عليه أن يعوضهم عن ذلك ، إلا إذا سامحوه فالحمد لله .
س8 : أشعر بالحرج الشديد إذا واجهت من سرقت منهم ، ولا أستطيع أن أصارحهم ، ولا أن أطلب منهم المسامحة فكيف أفعل ؟
جـ8 : لا حرج عليك في البحث عن طريق تتفادى فيه هذا الإحراج الذي لا تستطيع مواجهته ، كأن ترسل حقوقهم مع شخص آخر ، وتطلب عدم ذكر اسمك ، أو بالبريد ، أو تضعها خفية عندهم، أو تستخدم التورية وتقول هذه حقوق لكم عند شخص ، وهو لا يريد ذكر اسمه ، والمهم رجوع الحق إلى أصحابه .
س9 : كنت أسرق من جيب أبي خفية ، وأريد الآن أن أتوب ولا أعلم كم سرقت بالضبط ، وأنا محرج من مواجهته ؟
جـ9 : عليك أن تقدر ما سرقته بما يغلب على ظنك أنه هو أو أكثر منه ، ولا بأس أن تعيده إلى أبيك خفية كما أخذته خفية .
س10 : سرقت أموالاً من أناس وتبت إلى الله ، ولا أعرف عناوينهم ؟
وآخر يقول أخذت من شركة أموالاً خلسة ، وقد أنهت عملها وغادرت البلد ؟
وثالث يقول سرقت من محل تجاري سلعاً ، وتغير مكانه ولا أعرف صاحبه ؟
جـ10 : عليك بالبحث عنهم على قدر طاقتك ووسعك ، فإذا وجدتهم فادفعها إليهم والحمد لله ، وإذا مات صاحب المال فتعطى لورثته ، وإن لم تجدهم على الرغم من البحث الجاد فتصدق بهذه الأموال بالنيابة عنهم ، وانوها لهم ولو كانوا كفاراً لأن الله يعطيهم في الدنيا ولا يعطيهم في الآخرة .
ويشبه هذه المسألة ما ذكره ابن القيم رحمه الله في المدراج 1/388 أن رجلاً في جيش المسلمين غل ( أي سرق ) من الغنيمة ، ثم تاب بعد زمن ، فجاء بما غله إلى أمير الجيش فأبى أن يقبله منه ، وقال كيف لي بإيصاله إلى الجيش وقد تفرقوا ؟ فأتى هذا التائب حجاج بن الشاعر يستفتيه فقال له حجاج : يا هذا إن الله يعلم الجيش وأسماءهم وأنسابهم فادفع خمسه إلى صاحب الخمس وتصدق بالباقي عنهم ، فإن الله يوصل ذلك إليهم ففعل فلما أخبر معاوية قال لأن أكون أفتيتك بذلك أحب إليّ من نصف ملكي ، وهناك فتوى مشابهة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قريبة من هذه قصة مذكورة في المدارج .
يتبع..........
د. نجلاء طمان
14-09-2007, 03:24 AM
س11 : غصبت مالاً لأيتام وتاجرت به وربحت ، ونما المال أضعافاً وخفت من الله فكيف أتوب ؟
جـ11 : للعلماء في هذه المسألة أقوال أوسطها وأعدلها أنك ترد رأس المال الأصلي للأيتام ، زائداً نصف الأرباح ، فتكون كأنك وإياهم شركاء في الربح مع إعادة الأصل إليهم .
وهذه رواية عن الإمام أحمد ، وهو رأي شيخ الإسلام ابن تيمية وترجيح تلميذه ابن القيم رحمه الله ( المدراج 1/392 )
وكذلك لو غصب سائمة من إبل أو غنم فنتجت أولاداً فهي ونصف أولادها للمالك الأصلي ، فإن ماتت أعطى قيمتها مع نصف النتاج إلى مالكها .
س12 : رجل يعمل في الشحن الجوي وتتخلف عندهم بضائع أخذ منها مسجلاً خلسة وبعد سنوات تاب فهل يُرجع المسجل نفسه أو قيمته أو شبيهاً به ، علماً بأن هذا النوع قد انتهى من السوق ؟
جـ12 : يرجع المسجل نفسه زائداً عليه ما نقص من قيمته لقاء الاستعمال أو تقادم الزمن ، وذلك بطريقة مناسبة دون أن يؤذي نفسه ، فإن تعذر ، تصدق بقيمته نيابة عن صاحبه الأصلي .
س13 : كان عندي أموال من الربا ولكني أنفقتها كلها ، ولم يبق عندي منها شيء ، وأنا الآن تائب فماذا يلزمني ؟
جـ13 : لا يلزمك إلا التوبة إلى الله عز وجل توبة نصوحاً والربا خطير ، ولم يؤذن بحرب أحد في القرآن الكريم إلا أهل الربا وما دامت الأموال الربوية قد ذهبت كلها ، فليس عليك من جهتها شيء الآن .
س14 : اشتريت سيارة بمال بعضه حلال وبعضه حرام ، وهي موجودة عندي الآن فكيف أفعل ؟
جـ14 : من اشترى شيئاً لا يتجزأ كالبيت أو السيارة بمال بعضه حلال وبعضه حرام فيكفيه أن يخرج ما يقابل الحرام من ماله الآخر ويتصدق به تطييباً لتلك الممتلكات ، فإن كان هذا الجزء من المال الحرام هو حق للآخرين وجب ردّ مثله إليهم على التفصيل السابق .
س15 : ماذا يفعل بالمال الذي ربحه من تجارة الدخان ، وكذلك إذا احتفظ بأمواله الأخرى الحلال ؟
جـ15 : من تاجر بالمحرمات كبيع آلات اللهو والأشرطة المحرمة والدخان وهو يعلم حكمها ثم تاب يصرف أرباح هذه التجارة المحرمة في وجوه الخير تخلصاً لا صدقة ، لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً .
وإذا اختلط هذا المال الحرام بأموال أخرى حلال كصاحب البقالة الذي يبيع الدخان مع السلع المباحة ، فإنه يقدر هذا المال الحرام تقديراً باجتهاده ، ويخرجه بحيث يغلب على ظنه أنه نقى أمواله من الكسب الحرام ، والله يعوضه خيراً وهو الواسع الكريم .
وعلى وجه العموم فإن من لديه أموالاً من كسب حرام ، وأراد أن يتوب فإن كان :
1- كافراً عند كسبها فلا يُلزم عند التوبة بإخراجها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُلزم الصحابة بإخراج ما لديهم من الأموال المحرمة لما أسلموا .
2- وأما إن كان عند كسبه للحرام مسلماً عالماً بالتحريم فإنه يُخرج ما لديه من الحرام إذا تاب .
س16 : شخص يأخذ الرشاوي ، ثم هداه الله إلى الاستقامة ، فماذا يفعل بالأموال التي أخذها من الرشوة ؟
جـ16 : هذا الشخص لا يخلو من حالتين :
1- إما أن يكون أخذ الرشوة من صاحب حق مظلوم اضطر أن يدفع الرشوة ليحصل على حقه لأنه لم يكن له سبيل للوصول إلى حقه إلا بالرشوة ، فهنا يجب على هذا التائب أن يرد المال إلى الراشي صاحب الحق لأنه في حكم المال المغصوب ولأنه ألجأه إلى دفعه بالإكراه .
2- أن يكون أخذ الرشوة من راش ظالم مثله تحصل عن طريق الرشوة على أشياء ليست من حقه ، فهذا لا يُرجع إليه ما أخذه منه ، وإنما يتخلص التائب من هذا المال الحرام في وجوه الخير كإعطائه للفقراء مثلاً ، كما يتوب مما تسبب فيه من صرف الحق عن أهله .
س17 : عملت أعمالاً محرمة وأخذت مقابلها أموالاً فهل يجب عليّ وقد تبت إرجاع هذه الأموال لمن دفعها إليّ ؟
جـ17 : الشخص الذي يعمل في أعمال محرمة ، أو يقدم خدمات محرمة ، ويأخذ مقابلاً أو أجرة على ذلك إذا تاب إلى الله وعنده هذا المال الحرام فإنه يتخلص منه ولا يعيده إلى من أخذه منه .
فالزانية التي أخذت مالاً على الزنا لا تعيده إلى الزاني إذا تابت ، والمغني الذي أخذ أموالاً على الغناء المحرم لا يعيده إلى أصحاب الحفلة إذا تاب ، وبائع الخمر أو المخدارت لا يعيدها إلى من اشتروها منه إذا تاب ، وشاهد الزور الذي أخذ مقابلاً لا يعيد المال من استخدمه لشهادة الزور وهكذا ، والسبب أنه إذا أرجع المال للعاصي الذي دفعه فإنه يكون قد جمع له بين العِوض الحرام والمُعوَّض بالتخلص منه ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وترجيح تلميذه ابن القيم . كما في المدارج 1/390 .
س18 : هناك أمر يقلقني ويسبب لي إرهاقاً وأرقاً ، وهو أني وقعت في الفاحشة مع امرأة فكيف أتوب ، وهل يجوز لي أن الزواج منها لستر القضية ؟
وآخر يسأل أنه وقع في الفاحشة في الخارج ، وأن المرأة حملت منه فهل يكون هذا ولده ، وهل يجب عليه إرسال نفقة الولد .
جـ18 : لقد كثرت الأسئلة عن الموضوعات المتعلقة بالفواحش كثرة تجعل من الواجب على المسلمين جميعاً إعادة النظر في أوضاعهم وإصلاحها على هدي الكتاب والسنة وخصوصاً في مسائل غض البصر وتحريم الخلوة ، وعدم مصافحة المرأة الأجنبية والالتزام بالحجاب الشرعي الكامل وخطورة الاختلاط ، وعدم السفر إلى بلاد الكفار والاعتناء بالبيت المسلم والأسرة المسلمة والزواج المبكر وتذليل صعوباته .
أما بالنسبة إلى السؤال فمن فعل الفاحشة فلا يخلو من حالتين :
1- إما أنه زنى بالمرأة اغتصاباً وإكراهاً فهذا عليه أن يدفع لها مهر مثلها ، عوضاً عما ألحق بها من الضرر ، مع توبته إلى الله توبة نصوحاً ، وإقامة الحد عليه إذا وصل أمره إلى الإمام ، أو من ينوب عنه كالقاضي ونحوه . انظر المدارج 1/366
2- أن يكون قد زنى بها برضاها ، فهذا لا يجب عليه إلا التوبة ، ولا يُلحق به الولد مطلقاً ولا تجب عليه النفقة لأن الولد جاء من سفاح ومثل هذا ينسب لأمه ، ولا يجوز إلحاقه بنسب الزاني .
ولا يجوز للتائب الزواج منها لستر القضية والله يقول : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ) التوبة /3 .
ولا يجوز العقد على امرأة في بطنها جنين من الزنا ، ولو كان منه، كما لا يجوز العقد على امرأة لا يدرى أهي حامل أم لا .
أما إذا تاب هو وتابت المرأة توبة صادقة وتبين براءة رحمها ، فإنه يجوز له حينئذ أن يتزوج منها ، ويبدأ معها حياة جديدة يحبها الله .
س19 : لقد حصل والعياذ بالله أني ارتكبت الفاحشة وعقدت على المرأة الزانية ، وقد صار لنا سنوات وقد تبنا أنا وهي إلى الله توبة صادقة فماذا يجب عليّ ؟
جـ19 : ما دامت التوبة قد صحت من الطرفين فعليكما إعادة العقد بشروطه الشرعية من الولي والشاهدين ، ولا يلزم أن يكون ذلك في المحكمة بل لو حصل في البيت لكان كافياً .
س20 : امرأة تقول إنها تزوجت من رجل صالح وقد فعلت أموراً لا ترضي الله قبل زواجها ، وضميرها يؤنبها الآن ، وتسأل هل يجب عليها إخبار زوجها بما حصل منها في الماضي ؟
جـ20 : لا يجب على أيٍّ من الزوجين إخبار الآخر بما فعل في الماضي من المنكرات ، ومن ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله وتكفيه التوبة النصوح .
وأما من تزوج بكراً ثم تبين له عند الدخول بها أنها ليست كذلك لفاحشة ارتكبتها في الماضي ، فإنه يحق له أخذ المهر الذي أعطاها ويفارقها ، وإن رأى أنها تابت فستر الله عليها وأبقاها فله الأجر والمثوبة من الله .
س21 : ماذا يجب على التائب من فاحشة اللواط ؟
جـ21 : الواجب على الفاعل والمفعول به التوبة إلى الله توبة عظيمة ، فإنه لا يُعلم أن الله أنزل أنواعاً من العذاب بأمة كما أنزله بقوم لوط لشناعة جريمتهم فإنه :
1- أخذ أبصارهم فصاروا عمياناً ، يتخبطون كما قال تعالى : ( فطمسنا أعينهم )
2- أرسل عليهم الصيحة .
3- قلب ديارهم ، فجعل عاليها سافلها .
4- أمطرهم بحجارة من سجيل منضود ، فأهلكهم عن بكرة أبيهم .
ولذلك كان الحد الذي يقام على مرتكب هذه الفاحشة القتل محصناً أو غير محصن ، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به ) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني في إرواء الغليل .
س22 : تبت إلى الله ولديّ أشياء محرمة كأدوات موسيقية وأشرطة وأفلام ، فهل يجوز لي بيعها خصوصاً وأنها تساوي مبلغاً كبيراً ؟
جـ22 : لا يجوز بيع المحرمات وثمن بيعها حرام ، قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله إذا حرم شيئاً حرك ثمنه ) رواه أبو داود وهو حديث صحيح . وكل ما تعلم أن غيرك سيستخدمه في الحرام فلا يجوز لك بيعه إياه، لأن الله نهى عن ذلك فقال : ( ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) ومهما خسرت من مال الدنيا فما عند الله خير وأبقى ، وهو يعوضك بمنه وفضله وكرمه .
س23 : كنت إنساناً ضالاً أنشر الأفكار العلمانية ، وأكتب القصص والمقالات الإلحادية ، وأستخدم شعري في نشر الإباحية والفسوق ، وقد تداركني الله برحمته ، فأخرجني من الظلمات إلى النور وهداني فكيف أتوب ؟
جـ23 : هذه والله النعمة الكبرى والمنة العظمى ، وهي الهداية فاحمد الله عليها ، واسأل الله الثبات والمزيد من فضله .
أما من كان يستخدم لسانه وقلمه في حرب الإسلام ونشر العقائد المنحرفة أو البدع المضلة والفجور والفسق فإنه يجب عليه الآتي :
أولاً : أن يعلن توبته منها جميعاً ، ويُظهر تراجعه على الملأ بكل وسيلة وسبيل يستطيعه حتى يُعذر فيمن أضلهم ، ويبين الباطل الذي كان لئلا يغتر من تأثر به من قبل ، ويتتبع الشبهات التي أثارها والأخطاء التي وقع فيها فيرد عليها ، ويتبرأ مما قال وهذا التبيين واجب من واجبات التوبة ، قال تعالى : ( إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم ، وأنا التواب الرحيم ) البقرة /160 .
ثانياً : أن يسخر قلمه ولسانه في نشر الإسلام ، ويوظف طاقته وقدراته في نصر دين الله ، وتعليم الناس الحق والدعوة إليه .
ثالثاً : أن يستخدم هذه الطاقات في الرد على أعداء وفضحهم وفضح مخططاتهم ، كما كان يناصرهم من قبل ويفند مزاعم أعداء الإسلام، ويكون سيفاً لأهل الحق على أهل الباطل ، وكذلك كل من اقنع شخصاً ولو في مجلس خاص بأمر محرم كجواز الربا ، وأنه فوائد مباحة ، فإنه ينبغي عليه أن يعود ويبين له كما أضله حتى يكفّر عن خطيئته والله الهادي .
يتبع...............
أسماء حرمة الله
14-09-2007, 03:25 AM
سلام اللـه عليك ورحمتـه وبركاتـه
تحية قطفتُها من قلبي
الحبيبة و الغالية أسماء
بارك الله في قلمك و نفع بك و أحسن إليك و رحمك رحمة تسعها السماوات و الأرض و غفر لك ، فما أسعدني بك أختاً لم تلدها أمي و ما أبهج أيامي بك يا شقيقتي .
الأخت الفاضلة نجلاء
شكر الله لك و أثابك و نفع بما كتبت هنا .
ودي .
شقيقتي الحبيبـة حوراء،
آمين آمين آمين، وإياكِ وكلّ الأحباب والأهل يارب، ودائماً ..
ننتظـر مشاركاتكِ أيضاً، وثقي أنّ الرحمنَ معنا دوماً، ولن يضيّعنـا سبحانـه ..:001:
محبّتي وأكثـر :0014:
د. نجلاء طمان
14-09-2007, 03:26 AM
وختاماً :
يا عبد الله فتح الله باب التوبة فهلا ولجت ( إن للتوبة باباً عرض ما بين مصراعيه ما بين المشرق والمغرب ، وفي رواية عرضه مسيرة سبعين عاماً ، لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها ) . رواه الطبراني في الكبير ، صحيح الجامع 2177 .
ونادى الله ( يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم ) رواه مسلم . فهلا استغفرت .
والله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ، والله يحب الإعتذار فهلا أقبلت فلله ما أحلى قول التائب ، أسألك بعزك وذلي إلا رحمتني . أسألك بقوتك وضعفي ، وبغناك وفقري إليك هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك ، عبيدك سواي كثير وليس لي سيد سواك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك ، أسألك مسألة المسكين وابتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل ، وأدعوك دعاء الخائف الضرير سؤال من خضعت لك رقبته ورغم لك أنفه وفاضت لك عيناه وذل لك قلبه .
وتأمل هذه القصة ودلالتها في موضع التوبة :
روي أن أحد الصالحين كان يسير في بعض الطرقات فرأى باباً قد فتح وخرج منه صبي يستغيث ويبكي وأمه خلفه تطرده حتى خرج، فأغلقت الباب في وجهه ، ودخلت فذهب الصبي غير بعيد ثم وقف مفكراً فلم يجد له مأوى غير البيت الذي أخرج منه ولا من يؤويه غير والدته ، فرجع مكسور القلب حزيناً فوجد الباب مغلقاً فتوسده ووضع خده على عتبة الباب ، ونام ودموعه على خديه ، فخرجت أمه بعد حين ، فلما رأته على تلك الحال لم تملك أن رمت نفسها عليه والتزمته تقبله وتبكي ، وتقول : يا ولدي أين ذهبت عني ومن يؤويك سواي ، ألم أقل لك لا تخالفني ولا تحملني على عقوبتك بخلاف ما جبلني الله عليه من الرحمة بك والشفقة عليك ثم أخذته ودخلت !!
ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الله أرحم بعباده من هذه بولدها ) رواه مسلم. وأين تقع رحمة الوالدة من رحمة الله التي وسعت كل شيء ؟ والله يفرح إذا تاب العبد إليه ، ولن نعدم خيراً من رب يفرح ( لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من رجل كان في سفر في فلاة من الأرض ، نزل منزلاً وبه مهلكة ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه ، فأوى إلى ظل شجرة ، فوضع رأسه فنام نومة تحتها ، فاستيقظ وقد ذهبت راحلته فطلبها ، فأتى شرفاً فصعد عليه فلم ير شيئاً ، ثم أتى آخر فأشرف فلم ير شيئاً ، حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش قال : أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت ، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته ، فينما هو كذلك ، رفع رأسه فإذا راحلته قائمة عنده ، تجر خطامها ، عليها زاده طعامه وشرابه ، فأخذ بخطامها ، فالله أشد فرحاً بتوبة المؤمن من هذا براحلته وزاده ) السياق مجموع من روايات صحيحة ، انظر ترتيب صحيح الجامع 4/368
واعلم يا أخي ، أن الذنب يُحدث للتائب الصادق انكساراً وذلة بين يدي الله ، وأنين التائبين محبوب عند رب العالمين . ولا يزال العبد المؤمن واضعاً ذنوبه نُصب عينيه فتُحدث له انكساراً وندماً ، فيعقب الذنب طاعات وحسنات كثيرة حتى أن الشيطان ربما يقول : يا ليتني لم أوقعه في هذا الذنب ، ولذلك فإن بعض التائبين قد يرجع بعد الذنب أحس مما كان قبله بحسب توبته . والله لا يتخلى عن عبده أبداً إذا جاء مقبلاً عليه تائباً إليه .
أرأيت لو أن ولداً كان يعيش في كنف أبيه يغذيه بأطيب الطعام والشراب ، ويلبسه أحسن الثياب ، ويربيه أحسن التربية ، ويعطيه النفقة ، وهو القائم بمصالحه كلها ، فبعثه أبوه يوماً في حاجة ، فخرج عليه عدو في الطريق فأسره وكتفه وشد وثاقه ، ثم ذهب إلى بلاد الأعداء ، وصار يعامله بعكس ما كان يعامله به أبوه ، فكان كلما تذكر تربية أبيه وإحسانه إليه المرة بعد المرة تهيجت من قلبه لواعج الحسرات ، وتذكر ما كان عليه وكل ما كان فيه من النعيم . فينما هو في أسر عدوه يسومه سوء العذاب ، ويريد ذبحه في نهاية المطاف ، إذ حانت منه التفاتة نحو ديار أبيه فرأى أباه منه قريباً ، فسعى إليه وألقى بنفسه عليه وانطرح بين يديه يستغيث يا أبتاه يا أبتاه يا أبتاه ، أنظر إلى ولدك وما هو فيه والدموع تسيل على خديه، وهو قد اعتنق أباه والتزمه وعدوه يشتد في طلبه حتى وقف على رأسه وهو ملتزم لوالده ممسك به . فهل تقول إن والده سيسلمه في هذه الحال إلى عدوه ويخلي بينه وبينه فما الظن بمن هو أرحم بعبده من الوالد بولده ومن الوالدة بولدها . إذا فر عبد إليه وهرب من عدوه إليه ، وألقى بنفسه طريحاً ببابه يمرغ خده في ثرى أعتابه باكياً بين يديه ، يقول : يا رب ارحم من لا راحم له سواك ، ولا ناصر له سواك ، ولا مؤوي له سواك ، ولا معين له سواك ، مسكينك وفقيرك وسائلك ، أنت معاذه، وبك ملاذه ، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك ، فهيا إلى فعل الخيرات ، وكسب الحسنات ، ورفقة الصالحين ، وحذار من الزيغ بعد الرشاد ، والضلالة بعد الهداية والله معك .
محمد صالح المنجد
اللهم اغفر لي ولكاتبه وللمسلمين
شذى الوردة ورمضان كريم وأكرم منه ربي
د. نجلاء طمان
أسماء حرمة الله
14-09-2007, 03:32 AM
سلام ربّي عليك ورحمتـه وبركاتـه
تحية قطفتُها من قلبي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسماء الحبيبة كل عام وأنت بخير
ماأجمل هذا الموضوع أدعو الله أن يجعله في سجل حسناتك سأتابع معك ومع العزيزة د.نجلاء ماتزودانا به من نصوص بشأن التوبة فرمضان هو شهر التوبة والمحبة لكل الأرواح ..
أختكما
بنت البحر
الحبيبـة زاهيـة،
آمين آمين آمين وإياكِ يارب وكل ّالأحباب ...
كل عامٍ وأنتِ بألف خير يا روحَ الخير والنقـاء، أفيضي علينا من خيرات حبْرك وروحك، أفاضَ عليكِ ربّي رحماته ورضوانَـه دائماً ..
بانتظاركِ على أحرّ من الدعاء,. والقلبُ يلهجُ لكِ وللأحباب كلّهم بالخير كلّه ورضا اللـه وعفوه .. :001:
جزاكمْ ربّي كلّ خيـر جميعاً
محبّتي وأكثـر :0014:
أسماء حرمة الله
14-09-2007, 03:37 AM
سلام ربّي عليك ورحمتـه وبركاتـه
تحية قطفتُها من قلبي
اللهم اغفر لي ولكاتبه وللمسلمين
شذى الوردة ورمضان كريم وأكرم منه ربي
د. نجلاء طمان
الكريمـة المتدفقة خيراتٍ النقيـة د. نجلاء،
آميـن آميـن آميـن
جزاك ربّي كل خير وأثابك . كوني هنا دوماً وتدفَّقي حبراً وروحاً. معاً جميعاً بإذن اللـه، نكمل طريقنا إلى رضوان اللـه وحبّـه، فإلـى هناك .. والرحمنُ معنــا، هو حسبُنا ونعم الوكيل.. :001:
محبّتي وعظيم امتناني :0014:
سحر الليالي
14-09-2007, 12:11 PM
الحبيبة أسماء:بارك ربي بك وبقلبك وقلمكـ.....
وجزاك بكل حرف ألف حسنة
لـ روحك كل الحب وألف باقة ورد وفل
*****
الغالية "نجلاءء"
بارك ربي بك وبقلبك وأثابك كل خير...
لك كل الود وألف باقة ورد
أسماء حرمة الله
16-09-2007, 04:34 PM
سلام اللـه عليك ورحمتـه وبركاتـه
تحيـة قطفتُها من قلبي
الحبيبة أسماء:بارك ربي بك وبقلبك وقلمكـ.....
وجزاك بكل حرف ألف حسنة
لـ روحك كل الحب وألف باقة ورد وفل
*****
الغالية "نجلاءء"
بارك ربي بك وبقلبك وأثابك كل خير...
لك كل الود وألف باقة ورد
الحبيبـة منار،
آميـن آميـن آميـن وإياكِ يا قلبَ النقاء .
كوني بخيرٍ كيْ أكون ..
حماكِ ربّي وأهلك أجمعيـن، ورفع عنكِ وعنهمْ
محبّتي وخالص دعواتي :0014:
أسماء حرمة الله
16-09-2007, 04:37 PM
2- العفــو
العفـو سلاحُ الأقويـاء
منقول : عن الشبكة الإسلاميـة
ندب الله عباده إلى العفو فقال: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199]. وقال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134].
إن الرحمة في قلب العبد تجعله يعفو عمَّن أساء إليه أو ظلمه، ولا يوقع به العقوبة عند القدرة عليه، وإذا فعل العبد ذلك كان أهلاً لعفو الله عنه. يقول الله تعالى: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:22].
وقد نزلت هذه الآية عندما حلف أبو بكر رضي الله عنه ألا ينفق على مِسْطَح لأنه من الذين اشتركوا في إشاعة خبر الإفك عن عائشة رضي الله عنها، وقد كان الحلف عقوبة من الصديق لمسْطَح، فأرشد الله إلى العفو بقوله: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا}.
ثم ألمح الله في آخر الآية إلى أن من يعفو عمَّن يسيء إليه فإن الله يعفو عنه: { أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}.
وقد ورد عن الصديق رضي الله عنه أنه قال: "بلغنا أن الله تعالى يأمر مناديًا يوم القيامة فينادي: مَن كان له عند الله شيء فليقم، فيقوم أهل العفو، فيكافئهم الله بما كان من عفوهم عن الناس".
الدعوة بالأخلاق الحميدة
إن الإسلام يريد من أبنائه أن يكونوا دعاةً للإسلام بأخلاقهم الحميدة من أجل ذلك وجههم إلى العفو حتى عن الكافرين إن أساءوا على المستوى الشخصي : {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الجاثـية:14].
ولقد كان تعامل المسلمين بهذه الأخلاق السامية مع غير المسلمين سببًا لإسلام كثير منهم، وأسوة المسلمين في هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: "كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبيًا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: (رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) ".
إن تربية الإسلام لأبنائه على هذا المعنى العظيم السامي هي التي جعلت عمر بن الخطاب يقول: "كل أمتي مني في حِلٍّ".
ونفس المعنى نستشعره في كلمات ابن مسعود رضي الله عنه حين جلس في السوق يشتري طعامًا، فلما أراد أن يدفع الدراهم وجدها قد سُرقت، فجعل الناس يدعون على من أخذها، فقال عبد الله بن مسعود: "اللهم إن كان حمله على أخذها حاجة فبارك له فيها، وإن كان حملته جراءة على الذنب فاجعله آخر ذنوبه".
العفو أولى
وإذا كان الإسلام قد قرر حق المظلوم في معاقبة الظالم على السيئة بمثلها وفق مقتضى العدل، فإن العفو والمغفرة من غير تشجيع على الظلم والتمادي فيه أكرم وأرحم. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 39 - 43].
فقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} يبرز حق المؤمنين في الانتصار لأنفسهم إذا أصابهم البغي، ويضع لجامًا لهذا الانتصار للنفس وهو الحد الذي لا يجوز تجاوزه.
ثم يعرض الله مرتبة الإحسان مشجعًا عليها فيقول: { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} ثم يتبع ذلك بإعلان حرمان الظالمين من محبة الله: {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}. ثم يرجع النص فيعلن حق المظلومين في أن ينتصروا لأنفسهم، ويعلن بشدة استحقاق الظالمين للعقاب في الدنيا، وللعذاب الأليم في الآخرة فيقول: { وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، ثم لا يدع النص مرتبة العدل هذه تتجه إليها الأنظار بالكلية، بل يدفع مرة ثانية إلى مرتبة الإحسان بالصبر والمغفرة معلنًا أن ذلك من عزم الأمور: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}.
وهكذا جاءت هذه الصفة في النص معروضة عرضًا متشابكًا متداخلاً، فيه إبداع بياني عجيب، يلاحظ فيه متابعة خلجات النفس، باللمسات الرفيقة، والتوجيهات الرقيقة، مع مراعاة آلام المجني عليهم، والنظر بعنف وشدة إلى البغاة الظالمين، وإعلان أن من حق المجني عليهم أن ينتصروا لأنفسهم بالحق، ثم العودة لدفعهم برفق إلى الصبر والمغفرة، كل ذلك في ألوان دائرة بين العدل والإحسان.
ثم في آيات أخرى يبين القرآن ما لهؤلاء العافين عن الناس من الأجر: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 133، 134].
العفو دليل كرم النفس
إن الذي يجود بالعفو عبدٌ كرمت عليه نفسه، وعلت همته وعظم حلمه وصبره، قال معاوية رضي الله عنه: "عليكم بالحلم والاحتمال حتى تمكنكم الفرصة، فإذا أمكنتكم فعليكم بالصفح والإفضال".
ولما أُتي عبد الملك بن مروان بأسارى ابن الأشعث في وقت الفتنة قال عبد الملك لرجاء بن حيوة: ماذا ترى؟ قال: إن الله تعالى قد أعطاك ما تحب من الظفر فأعط الله ما يحب من العفو، فعفا عنهم.
إن العفو هو خلق الأقوياء الذين إذا قدروا وأمكنهم الله ممن أساء إليهم عفوا.
قال الإمام البخاري رحمه الله: باب الانتصار من الظالم لقوله تعالى: { وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} قال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون أن يستذلوا فإذا قدروا عفوا.
العفو يورث صاحبه العزة
ولأن بعض الناس قد يزهد في العفو لظنه أنه يورثه الذلة والمهانة فقد أتى النص القاطع يبين أن العفو يرفع صاحبه ويكون سبب عزته. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله" [رواه مسلم].
وأولى الناس بعفوك الضعفاء من الزوجات والأولاد والخدم ومن على شاكلتهم، ولهذا لما بيَّن الله أن من الأزواج والأولاد من يكون فتنة قال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التغابن:14].
فالإنسان من عادته أن يكون البادئ بالإحسان لزوجه وأولاده، فإذا وجد فيهم إساءة آلمته جدًّا فلربما اشتد غضبه وصعب عليه أن يعفو ويصفح لأنه يعتبر إساءة الأهل حينئذ نوعًا من الجحود ونكران الجميل، لهذا احتاج إلى توجيه إرشاد خاص إليه بأن يعفو ويصفح حتى يستحق من الله المغفرة والعفو والصفح.
أما الخدم ومَنْ على شاكلتهم فقد سئل عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: كم نعفو عن الخادم؟ فصمت، ثم أعاد عليه الكلام فصمت، فلما كان في الثالثة قال: "اعفوا عنه في كل يوم سبعين مرة" [رواه أبو داود وصححه الألباني].
فيا أخي:
إذا ما الذنب وافى باعتذار /// فقابله بعفو وابتسام
اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، والحمد لله رب العالمين.
أحمد الرشيدي
16-09-2007, 06:23 PM
السلام عليكم ورحمة اللـه وبركاته ..
قال تعالى: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُون)
كلنا نسعى إلى السّمو بأنفسنا وتنمية إيماننا حتى نبلغ هدفنا في الدنيا .. الصلاح والتقوى .. ومن ثمّ هدفنا في الآخرة .. الجنة بإذن اللـه .. كلنا في تنافُس وتسابق في آداء العبادات ومجاهدة النفس في الدنيا لجزاء الآخرة ..
لكل من يريد أن يحس بحلاوة القرب من اللـه عزّ و جلّ .. ولكل من تتوق نفسه إلى الخروج من الدنيا ومشاغلها .. واللجوء إلى اللـه تعالى والتذلل إليه .. لكل من أراد المبادرة والإسراع لنيل ذلك المقام .. هنا مساحة لاستباق الخيرات والتنافس في العبادات .. كقراءة جزء من القرآن أو تفسير آية أو شرح حديث .. أو إحياء سنن النبي صلى اللـه عليه وسلم .. فليذكّـر بعضنا بعضاً ولو بأشياء قليلة وبسيطة، لكنها قوية ومفيدة في محتواها وعظيمة في أجرها ..
نسأل الله أن يوفقنا في أعمالنا وينفعنا بها، وأن يجعلها خالصة لوجهه سبحانه وتعالى، وأن يتقبلها منا قبولاً حسناً .. اللهم آميـن ..*
** الفكرة والمقدّمـة منقولتان، عنْ وبقلـم : أمَةٍ من إماء اللـه، رفضتْ أن أذكرَ اسمها : لها عليّ فضلٌ بعدَ اللـه سبحانـه وتعالى، فجزاها ربّي عنّي كل الخير,.
سأبقى مدينةً لهـا ما حييـت ..
-----------------------------------------
نُهدي بإذن اللـه أجرَ هذه الشرفة لآبائنا وأمهاتنا، ولموتانا وجميع موتـى المسلميـن .
الأخت الفاضلة الموقرة أسماء حرمة الله حرسها الله
الإخوة والأخوات الأكارم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد :
فمن هدي سلفنا الصالح في رمضان الانقطاع إلى قراءة القرآن وتدبره ، وقد كان الإمام مالك - رحمه الله - إذا دخل رمضان لم ينشغل بغير القرآن ، ولذا أحببت أن أكون ممن يسابق في الخيرات في هذه الصفحة ، ويتنافس فيما هو خير بأن أورد آية من كتاب الله توقفتُ عندها طويلا ، وهي قوله - تعالى - حكاية عن موسى - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام : ( قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى ). { لم أعرف كيف التزم برسم المصحف } طه / 18 .
فقد ذكر كثير من علماء البلاغة والتفسير - فيما أعلم - أن في الآية إطنابا وأن الغرض منه التلذذ بإطالة الحديث مع الرب - جل وعلا - إلا أن في نفسي شيئا من هذا التعليل ، فالموقف والسياق لا يحتمل هذا التوجيه ، بل يدفعه - فيما أحسب - ولذا أرجو تكرما وتفضلا أن ينقل كل من له علم بما ذكرتُ واستشكلتُ ما عنده نقلا ، أو نظرا ، والذي يبدو لي - والله أعلم - أن موسى - عليه السلام - كان في موقف يقتضي منه الخوف والفزع ، وقد كان ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم عند نزول الوحي عليه ، والسياق أن موسى عليه السلام ذهب ليأتي بقبس ، فنودي : ( يا موسى # إني أنا ربك .. وأنا أخترتك فاستمع لما يوحى # إنني أنا الله لا إله إلا أنا .... ) وهذا مما لا شك فيه موقف ذو جلال لاسيما أن موسى فُجِئ به ... ، فهل هذا يتناسب مع توجيه الإطناب بالتلذذ بالخطاب ؟! في نفسي شيء من هذا ، ربما كان كان موسى في حال من استشعر الخوف من توجيه الاستفهام ( وما تلك بيمينك يا موسى ) ، مما جعله يقول - تبعا لمقتضى حاله - ( هي عصاي ) ولعلنا نلحظ الإضافة ، وكأنه ينفي عن نفسه ما قد يسبب له عقوبة ، وقد كان يكفيه أن يقول : عصا ، ثم ذكر ما بعد ذلك للسبب ذاته ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى تتجلى لنا رحمة الله - عز وجل - من الاستفهام ، وقد ذكر علماء البلاغة والتفسير أن الغرض منه التقرير والإيقاض والتنبيه ، وهذا حسن جدا ، ودقيق جدا ، ولكنهم لم يولوا - فيما أعلم - حال المخاطب الخائف عناية نستنبطها من هذا الاستفهم الذي من شأنه أن يهدئ من روع موسى ، ويعيده إلى شيء محسوس في يمينه ، ومن ثم يؤهله لتلقي الخطاب الإلهي ، ورؤية المعجزة في العصا وهذا الأخير هو ما نبه إليه العلماء فيما وقفتُ عليه .
آملا من أساتذتي ألا يضنوا عليَّ بقراءاتهم ، والأخذ بيدي مقاربا للصواب أم مبعدا النجعة .
والله يحفظكم ويرعاكم .
حسنية تدركيت
16-09-2007, 06:48 PM
صفحة نورانية الحروف , أسأل الله أن يجزيك أختي أسماء وأخي أحمد الرشيدي نورا في الدنيا والآخرة
والله إننا في حاجة ماسة لهكذا مواضيع , فلنسارع في الخيرات وإلى جنة عرضها السموات والأرض
جزاك الله عنا خيرا , وجعل هذا الجهد في ميزان حسناتكم يوم القيامة
أختك في الله حسنية
حسنية تدركيت
16-09-2007, 07:06 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
قيام الليل
الحمد لله الذي جعل الصلاة راحة للمؤمنين، ومفزعاً للخائفين، ونوراً للمستوحشين، والصلاة والسلام على إمام المصلين المتهجدين، وسيد الراكعين والساجدين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين... أما بعد:
فإن قيام الليل هو دأب الصالحين، وتجارة المؤمنين، وعمل الفائزين، ففي الليل يخلو المؤمنون بربهم، ويتوجهون إلى خالقهم وبارئهم، فيشكون إليه أحوالهم، ويسألونه من فضله، فنفوسهم قائمة بين يدي خالقها، عاكفة على مناجاة بارئها، تتنسم من تلك النفحات، وتقتبس من أنوار تلك القربات، وترغب وتتضرع إلى عظيم العطايا والهبات.
قيام الليل في القرآن
قال تعالى: { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة:16]. قال مجاهد والحسن: يعني قيام الليل.
وقال ابن كثير في تفسيره: ( يعني بذلك قيام الليل وترك النوم والاضطجاع على الفرش الوطيئة ).
وقال عبد الحق الأشبيلي: ( أي تنبو جنوبهم عن الفرش، فلا تستقر عليها، ولا تثبت فيها لخوف الوعيد، ورجاء الموعود ).
وقد ذكر الله عز وجل المتهجدين فقال عنهم: {كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [الذاريات:18،17] قال الحسن: كابدوا الليل، ومدّوا الصلاة إلى السحر، ثم جلسوا في الدعاء والاستكانة والاستغفار.
وقال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [الزمر:9]. أي: هل يستوي من هذه صفته مع من نام ليله وضيّع نفسه، غير عالم بوعد ربه ولا بوعيده؟!
إخواني: أين رجال الليل؟ أين ابن أدهم والفضيل ذهب الأبطال وبقي كل بطال !!
يا رجال الليل جدوا *** ربّ داع لا يُردُ
قيام الليل في السنة
أخي المسلم، حث النبي على قيام الليل ورغّب فيه، فقال عليه الصلاة والسلام: {عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم،ومطردة للداء عن الجسد } [رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني].
وقال النبي في شأن عبد الله بن عمر: { نعم الرجل عبد الله، لو كان يصلي من الليل } [متفق عليه]. قال سالم بن عبد الله بن عمر: فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً.
وقال النبي : { في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها } فقيل: لمن يا رسول الله؟ قال: { لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائماً والناس نيام } [رواه الطبراني والحاكم وصححه الألباني].
وقال : { أتاني جبريل فقال: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس } [رواه الحاكم والبيهقي وحسنه المنذري والألباني].
وقال : { من قام بعشر آيات لم يُكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين } [رواه أبو داود وصححه الألباني]. والمقنطرون هم الذين لهم قنطار من الأجر.
وذكر عند النبي رجل نام ليلة حتى أصبح فقال: { ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه !! } [متفق عليه].
وقال : { أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل } [رواه مسلم].
قيام النبي صلى الله عليه وسلم
أمر الله تعالى نبيه بقيام الليل في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } [المزمل: 1-4].
وقال سبحانه: { وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً } [الإسراء: 79].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: { كان النبي يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه. فقلت له: لِمَ تصنع هذا يا رسول الله، وقد غُفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً؟ } [متفق عليه].
وهذا يدل على أن الشكر لا يكون باللسان فحسب، وإنما يكون بالقلب واللسان والجوارح، فقد قام النبي بحق العبودية لله على وجهها الأكمل وصورتها الأتم، مع ما كان عليه من نشر العقيدة الإسلامية، وتعليم المسلمين، والجهاد في سبيل الله، والقيام بحقوق الأهل والذرية، فكان كما قال ابن رواحة:
وفينا رسول الله يتلو كتابه *** إذا انشق معروفٌ من الصبح ساطعُ
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا *** به موقناتٌ أن ما قال واقع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه *** إذا استثقلت بالمشركين المضاجع
وعن حذيفة قال: { صليت مع النبي ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مُتَرَسلاً، إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبّح، وإذا مرّ بسؤال سأل، وإذا مر بتعوّذ تعوذ... الحديث } [رواه مسلم].
وعن ابن مسعود قال: { صليت مع النبي ليلة، فلم يزل قائماً حتى هممت بأمر سوء. قيل: ما هممت؟ قال: هممت أن أجلس وأَدَعَهُ ! } [متفق عليه].
قال ابن حجر: ( وفي الحديث دليل على اختيار النبي تطويل صلاة الليل، وقد كان ابن مسعود قوياً محافظاً على الاقتداء بالنبي ، وما هم بالقعود إلا بعد طول كثير ما اعتاده ).
قيام الليل في حياة السلف
قال الحسن البصري: ( لم أجد شيئاً من العبادة أشد من الصلاة في جوف الليل ).
وقال أبو عثمان النهدي: ( تضيّفت أبا هريرة سبعاً، فكان هو وامرأته وخادمه يقسمون الليل ثلاثاً، يصلي هذا، ثم يوقظ هذا ).
وكان شداد بن أوس إذا أوى إلى فراشه كأنه حبة على مقلى، ثم يقول: اللهم إن جهنم لا تدعني أنام، فيقوم إلى مصلاه.
وكان طاوس يثب من على فراشه، ثم يتطهر ويستقبل القبلة حتى الصباح، ويقول: طيَّر ذكر جهنم نوم العابدين !!
وكان زمعة العابد يقوم فيصلي ليلاً طويلاً، فإذا كان السحر نادى بأعلى صوته: يا أيها الركب المعرِّسون، أكُل هذا الليل ترقدون؟ ألا تقومون فترحلون !! فيسمع من هاهنا باكٍ، ومن هاهنا داع، ومن هاهنا متوضئ، فإذا طلع الفجر نادى: عند الصباح يحمد القوم السرى !!
طبقات السلف في قيام الليل
قال ابن الجوزي: واعلم أن السلف كانوا في قيام الليل على سبع طبقات:
الطبقة الأولى: كانوا يحيون كل الليل، وفيهم من كان يصلي الصبح بوضوء العشاء.
الطبقة الثانية: كانوا يقومون شطر الليل.
الطبقة الثالثة: كانوا يقومون ثلث الليل، قال النبي : { أحب الصلاة إلى الله عز وجل صلاة داود؛ كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سُدسه } [متفق عليه].
الطبقة الرابعة: كانوا يقومون سدس الليل أو خمسه.
الطبقة الخامسة: كانوا لا يراعون التقدير، وإنما كان أحدهم يقوم إلى أن يغلبه النوم فينام، فإذا انتبه قام.
الطبقة السادسة: قوم كانوا يصلون من الليل أربع ركعات أو ركعتين.
الطبقة السابعة: قوم يُحيون ما بين العشاءين، ويُعسِّـلون في السحر، فيجمعون بين الطرفين. وفي صحيح مسلم أن النبي قال: { إن في الليل لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيراً إلا آتاه، وذلك كل ليلة }.
الأسباب الميسِّرة لقيام الليل
ذكر أبو حامد الغزالي أسباباً ظاهرة وأخرى باطنة ميسرة لقيام الليل:
فأما الأسباب الظاهرة فأربعة أمور:
الأول: ألا يكثر الأكل فيكثر الشرب، فيغلبه النوم، ويثقل عليه القيام.
الثاني: ألا يتعب نفسه بالنهار بما لا فائدة فيه.
الثالث: ألا يترك القيلولة بالنهار فإنها تعين على القيام.
الرابع: ألا يرتكب الأوزار بالنهار فيحرم القيام بالليل.
وأما الأسباب الباطنة فأربعة أمور:
الأول: سلامة القلب عن الحقد على المسلمين، وعن البدع وعن فضول الدنيا.
الثاني: خوف غالب يلزم القلب مع قصر الأمل.
الثالث: أن يعرف فضل قيام الليل.
الرابع: وهو أشرف البواعث: الحب لله، وقوة الإيمان بأنه في قيامه لا يتكلم بحرف إلا وهو مناج ربه.
قيام رمضان
قيام رمضان هو صلاة التراويح التي يؤديها المسلمون في رمضان، وهو من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه في هذا الشهر.قال الحافظ ابن رجب: ( واعلم أن المؤمن يجتمع له في شهر رمضان جهادان لنفسه: جهاد بالنهار على الصيام، وجهاد بالليل على القيام، فمن جمع بين هذين الجهادين وُفِّي أجره بغير حساب ).
وقال الشيخ ابن عثيمين: ( وصلاة الليل في رمضان لها فضيلة ومزية على غيرها، لقول النبي : { من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه } [متفق عليه] وقيام رمضان شامل للصلاة في أول الليل وآخره، وعلى هذا فالتراويح من قيام رمضان، فينبغي الحرص عليها والاعتناء بها، واحتساب الأجر والثواب من الله عليها، وما هي إلا ليالٍ معدودة ينتهزها المؤمن العاقل قبل فواتها ).
وتشرع صلاة التراويح جماعة في المساجد، وكان النبي أول من سنّ الجماعة في صلاة التراويح في المسجد، ثم تركها خشية أن تُفرض على أمته، فلما لحق رسول الله بجوار ربه، واستقرت الشريعة؛ زالت الخشية، وبقيت مشروعية صلاتها جماعة قائمة.
وعلى المسلمين الاهتمام بهذه الصلاة وأداؤها كاملة، والصبر على ذلك لله عز وجل.
قال الشيخ ابن عثيمين: ( ولا ينبغي للرجل أن يتخلف عن صلاة التراويح لينال ثوابها وأجرها، ولا ينصرف حتى ينتهي الإمام منها ومن الوتر ليحصل له أجر قيام الليل كله ).
ويجوز للنساء حضور التراويح في المساجد إذا أمنت الفتنة منهن وبهن. ولكن يجب أن تأتي متسترة متحجبة، غير متبرجة ولا متطيبة، ولا رافعة صوتاً ولا مبدية زينة.
والسنة للنساء أن يتأخرن عن الرجال ويبعدن عنهم، ويبدأن بالصف المؤخر فالمؤخر عكس الرجال، وينصرفن من المسجد فور تسليم الإمام ولا يتأخرن إلا لعذر، لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: { كان النبي إذا سلّم قام النساء حين يقضي تسليمه، وهو يمكث في مقامه يسيراً قبل أن يقوم. قالت: نرى - والله أعلم - أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن الرجال } [رواه البخاري].
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
صيد الفوائد
أسماء حرمة الله
20-09-2007, 01:39 AM
سلام ربّي عليك ورحمتـه وبركاتـه
تحيـة تهطلُ دعاءً
يا رب ارحم من لا راحم له سواك ، ولا ناصر له سواك ، ولا مؤوي له سواك ، ولا معين له سواك ، مسكينك وفقيرك وسائلك ، أنت معاذه، وبك ملاذه ، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك ، فهيا إلى فعل الخيرات ، وكسب الحسنات ، ورفقة الصالحين ، وحذار من الزيغ بعد الرشاد ، والضلالة بعد الهداية والله معك .
محمد صالح المنجد
اللهم اغفر لي ولكاتبه وللمسلمين
شذى الوردة ورمضان كريم وأكرم منه ربي
د. نجلاء طمان
يارب يارب يارب
آميـن آميـن آميـن ..
كريمـة الخلق والرّوح د. نجلاء،
جعلَ ربّي ما قدّمتِ في ميزانِ حسناتِـك، وأثابكِ كلّ الخير وأكثر ..
قرأتُ كلّ ما أضفتِه بنهَم، وكنتُ أتأرجحُ ما بينَ الدمعـةِ وقشعريـرةِ روح، فما أضفتِـه يرفع الإنسانَ عن الأرض، يحلٌّق به إلى ربّ العالميـن ورحمتـه التي وسعتْ كل شيء !
بوركتِ دائماً وجزيت الخير كلَّـه
فائق تقديري، خالص محبّتي :0014:
وألف طاقة من الورد والندى
سحر الليالي
08-09-2008, 01:42 AM
:
لــ رفع ...
جزاك ربي عنا الجنة يا أسماء ورعاك ربي دوما .
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir