خديجة منصور
22-09-2007, 04:10 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أكتبكِ حرفا
أرسمكِ خطا....
أحسكِ رجفة...تتبعها هزة
تنقلب زلزالا وبركانا
أنتِ...........أنا
إنه.... آت
تنعكس في عينيها تلك التموجات البيضاء ويختلط بريق لمعانها بصفاء لون قزحيتها البني.....ومع كل حركة من يد الطبيبة ينفجر التلاحم وميضا...فتنفرج شفتاها عن شبه ابتسامة، تشجع بها الطبيبة لتكمل شرحها لما تراه هي بصدى غير صدى هذا الجهاز.
- هذا هو الرأس...وهذه الأيدي...أترين أصابع اليد.......أظنك تودين معرفة جنس الجنين....
وقبل أن تجيب استطردت الطبيبة:
-لا يمكن ذلك ...هو في وضعية لا تسمح لي بالتأكد....ربما أخبرك حين تعودين في الزيارة القادمة......."
لم تعقب... و نهضت من فوق طاولة الفحص....ما زالت تلك الخيوط البيضاء الناعمة تتراقص أمام عينيها....وحين سجنتها آلة الجهاز الفوتوغرافية في وريقات سوداء متناثرة....كانت متأكدة أن هاته الخطوط المقاسة بالسنتميترات و هذه الدائرة اللولبية...لا تمتّ بتاتا للذي رأت قبلا بصلة.
عادت إلى البيت، كان خاليا، لم يعد زوجها بعد... يجب أن تنقل إحساسها الآن واللحظة...ربما يتبخر حين يصبح كلمات تخرج من شفاهها.... فيضيع، فتحت باب مرسمها....ما زالت الغرفة تختزن ضياء العصر، عليها أن تسرع قبل اختفاءه....حينما ترسم على ضوء المصباح الكهربائي تنتابها حيرة شديدة وهي تطلع على اللوحة صباحا.....ليس هذا هو المزيج الذي وضعته ...ولا هي تلك الألوان، وما تحويه مشاعرها الآن لا تريد لشيء أن يعبث به...بل ستمزجه ألوانا وشعاعا....وتجعله من قرار مكين وظلمات ثلاث.....أحلى ذكرى.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
حين وضع يديه على كتفيها...فكأنما أفاقت فجأة من غفوة مسروقة من زمن الضياع
- أترسمين الآن على ضوء عينيك ...لماذا لم تشعلي الضوء...
قالها...وصادف القول الفعل....فأسرعت تضع يدها على عينيها الموجوعتين بالمرور عبر عالمين متناقضين....وكما كل المعجزات....اختفى الألم وسكنت المقلتان للشعاع المتدفق إليها
- جميل ....هناك شيء مختلف عن سابقاتها....ولكن...ألا تتعبين من نفس الرسم...ألا تغيرين يوما هذا الشكل........أخبريني ..ماذا قالت الطبيبة ؟.....
فتحت فاها لتجيب وهي تدير رأسها لترى اللوحة....فغاصت في جب سحيق....جدرانه ذهولا وقاعه كان كلمته الوجلة...." ماذا بك....أألم بك أمر....هل هناك شيء...ماذا قالت الطبيبة ؟؟؟ "
وخرج الإحساس متجسدا عبارات:
-لا ..لا..شيء...كل شيء على ما يرام...
ارتاحت أساريره: الحمد لله ..كيف كان...أأخبرتك هل ولد أم بنت؟
كانت ما زالت تحدق في اللوحة" قدسا....ثانية "....
- ماذا؟ ماذا قلت؟....
و بارتجاف الذهول في صوتها ...خرجت الكلمات لتضيع ...لتتبخر.
حين انتهت من سرد كل التفاصيل عن زيارة الطبيبة....نهضت لتحضر طعام العشاء....وقبل أن تبلغ باب المرسم....جالت بعينيها في فضاء لوحاتها المبعثرة هنا...وهناك....ولأنه تتبع نظراتها قال زوجها ضاحكا "أنت جزما.....متيمة القدس"
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
كانت ترتشف كأس الشاي بالنعناع كما تحب...وكان الإيشارب الأبيض المدجج بأسلاك سوداء يلف كتفيها... وكانت يدها تعبث بلطف بثناياه.... وكانت تملأها سكينة لا مثيل لها... حتى انها لم تتذمر من رقص زوجها على حبال القنوات..... وفجأة.... ظهر.....بضغطة على زر....ظهر....كان وجهه ملطخا دما....وكانوا يحومون حوله كالذئاب الجائعة ....وهو يمرر عينيه بينهم...والدماء تسيل....واللكمات تصب...والأنين يخرس.....ليتجمع كتلة في بطنها تجعله يفقد شكله....وأخذت الأيادي النجسة حجارة...ودقت بها يد... أصابع ...مفصل...ليحرم من حمل الحجارة....وخرس الأنين ليتجمع حجرا صلبا....يجعل البطن يفقد شكله....وتمسكت يدها بالثنايا البيضاء الشائكة....وضغطت ...وضغطت...من أين يأتي الألم....أهو من البطن....أم من العين.....وضغطت على ثنايا الثوب الشائكة.....و....سالت قطرات الدم....خيوط الدم....صرخة:
- آآآآآه....
- إلهي إنك تنزفين....
حين فتحت عينيها ..أقفلتهما ثانية...الألم...المرور بين عالمين متناقضين.....ثم المعجزة....ومع أول نظرة ..كان وجه زوجها الحائر،الخائف، يرنو إليها :
- الحمد لله...أنت بخير...
وقبل أن تفتح فاها...
- نعم كل شيء بخير والحمد لله، كذلك الجنين...نعم...لا تقلقي...يلزمك فقط قليل من الراحة "
أدارت رأسها في بطء و سكون إلى نافذة غرفة المستشفى....وحين رأت شجرة الزيتون، ابتسمت و نامت.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
اكتمل شهرها التاسع......والآن وهي في مرسمها....تحس بوجع خفيف...يتسحب و يتسحب، نهضت واقفة وهي تنادي زوجها...." أظن الوقت حان"
أنزلتها الممرضة من طاولة الفحص...وأخذتها إلى سريرها
- يجب أن ننتظر بعض الوقت سيدتي...سأوافيك بعد قليل
وذهبت....استرخت فوق السرير قليلا....ثم أحسته ...قادم...قادم هذا الألم الذي يعصر بطنها بشدة، تعلقت بقضبان السرير الحديدية وأبت أن تصرخ...لن تصرخ...قالوا...إن صرخت...تضيع طاقتها....ثم اختفى الألم....ورحبت بالسكينة الحبيبة لفترة....ثم أحسته ...قادم..قادم...إلهي...اقترب الوقت....حان "أيتها الممرضة.... أيتها الممرضة"... لم يجبها أحد......آه ...شد على البطن...آه...لن تصرخ ....لن تصرخ....ثم اختفى كما جاء...تحاملت على نفسها وغادرت الغرفة...ودخلت قاعة الولادة...نظرت إليها الممرضة والمساعدة بشيء من الغضب:
- سيدتي ..عودي إلى سريرك...لقد رأيتك للتو..غير معقول هذا...
ثم أحسته قادم ...همست في سكون الألم "أظنه حان الوقت"
- لا لم يحن بعد...أتعرفين أحسن مني....هيا سيدتي ..عودي لسريرك
أدارت ظهرها تبغي الباب...لكنه قادم...وانكفأت على بطنها وفي صرخة...صاحت:
- إنه آت....قلت إنه آت
ارتسم الهلع على وجه الممرضة
- نعم سيدتي....نعم ...اصبري قليلا... ثم وهي تنظر إلى المساعدة
- غريب ليست هذه أول حالة بهذا الشكل
واعتصرها الألم ..وشد عليها...
- نعم سيدتي ...الآن ..بكل قوتك....جميل ..جميل....آها ..توقفي...جميل جدا ...ارتاحي..ارتاحي
سترتاح.....لكن أين هي الصيحة...تحس بجفاف في حلقها و بنبضات قلبها تتسارع.." هل المولود بخير...أخبروني..." كلماتها خافتة...تضيع وسط الحركة السريعة في الصالة وهمهمات تملأ الجو ..." أخبروني ...ردوا علي..." الهمهمات تعلو..تتضح.." نعم ..هكذا...الفم وكذا الأنف..جيد..جيد...آه...الحمد لله"
وعلت الصرخة...الصيحة...صغيرة...كبي ة "واااااااااااا......." هل ما سمعته حقيقة...بدأ الضباب يلفها.....عيناها تزيغان في اللاشيء...هل حقا سمعت " وااا......قدسا....."
واختفى كل شيء.
أكتبكِ حرفا
أرسمكِ خطا....
أحسكِ رجفة...تتبعها هزة
تنقلب زلزالا وبركانا
أنتِ...........أنا
إنه.... آت
تنعكس في عينيها تلك التموجات البيضاء ويختلط بريق لمعانها بصفاء لون قزحيتها البني.....ومع كل حركة من يد الطبيبة ينفجر التلاحم وميضا...فتنفرج شفتاها عن شبه ابتسامة، تشجع بها الطبيبة لتكمل شرحها لما تراه هي بصدى غير صدى هذا الجهاز.
- هذا هو الرأس...وهذه الأيدي...أترين أصابع اليد.......أظنك تودين معرفة جنس الجنين....
وقبل أن تجيب استطردت الطبيبة:
-لا يمكن ذلك ...هو في وضعية لا تسمح لي بالتأكد....ربما أخبرك حين تعودين في الزيارة القادمة......."
لم تعقب... و نهضت من فوق طاولة الفحص....ما زالت تلك الخيوط البيضاء الناعمة تتراقص أمام عينيها....وحين سجنتها آلة الجهاز الفوتوغرافية في وريقات سوداء متناثرة....كانت متأكدة أن هاته الخطوط المقاسة بالسنتميترات و هذه الدائرة اللولبية...لا تمتّ بتاتا للذي رأت قبلا بصلة.
عادت إلى البيت، كان خاليا، لم يعد زوجها بعد... يجب أن تنقل إحساسها الآن واللحظة...ربما يتبخر حين يصبح كلمات تخرج من شفاهها.... فيضيع، فتحت باب مرسمها....ما زالت الغرفة تختزن ضياء العصر، عليها أن تسرع قبل اختفاءه....حينما ترسم على ضوء المصباح الكهربائي تنتابها حيرة شديدة وهي تطلع على اللوحة صباحا.....ليس هذا هو المزيج الذي وضعته ...ولا هي تلك الألوان، وما تحويه مشاعرها الآن لا تريد لشيء أن يعبث به...بل ستمزجه ألوانا وشعاعا....وتجعله من قرار مكين وظلمات ثلاث.....أحلى ذكرى.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
حين وضع يديه على كتفيها...فكأنما أفاقت فجأة من غفوة مسروقة من زمن الضياع
- أترسمين الآن على ضوء عينيك ...لماذا لم تشعلي الضوء...
قالها...وصادف القول الفعل....فأسرعت تضع يدها على عينيها الموجوعتين بالمرور عبر عالمين متناقضين....وكما كل المعجزات....اختفى الألم وسكنت المقلتان للشعاع المتدفق إليها
- جميل ....هناك شيء مختلف عن سابقاتها....ولكن...ألا تتعبين من نفس الرسم...ألا تغيرين يوما هذا الشكل........أخبريني ..ماذا قالت الطبيبة ؟.....
فتحت فاها لتجيب وهي تدير رأسها لترى اللوحة....فغاصت في جب سحيق....جدرانه ذهولا وقاعه كان كلمته الوجلة...." ماذا بك....أألم بك أمر....هل هناك شيء...ماذا قالت الطبيبة ؟؟؟ "
وخرج الإحساس متجسدا عبارات:
-لا ..لا..شيء...كل شيء على ما يرام...
ارتاحت أساريره: الحمد لله ..كيف كان...أأخبرتك هل ولد أم بنت؟
كانت ما زالت تحدق في اللوحة" قدسا....ثانية "....
- ماذا؟ ماذا قلت؟....
و بارتجاف الذهول في صوتها ...خرجت الكلمات لتضيع ...لتتبخر.
حين انتهت من سرد كل التفاصيل عن زيارة الطبيبة....نهضت لتحضر طعام العشاء....وقبل أن تبلغ باب المرسم....جالت بعينيها في فضاء لوحاتها المبعثرة هنا...وهناك....ولأنه تتبع نظراتها قال زوجها ضاحكا "أنت جزما.....متيمة القدس"
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
كانت ترتشف كأس الشاي بالنعناع كما تحب...وكان الإيشارب الأبيض المدجج بأسلاك سوداء يلف كتفيها... وكانت يدها تعبث بلطف بثناياه.... وكانت تملأها سكينة لا مثيل لها... حتى انها لم تتذمر من رقص زوجها على حبال القنوات..... وفجأة.... ظهر.....بضغطة على زر....ظهر....كان وجهه ملطخا دما....وكانوا يحومون حوله كالذئاب الجائعة ....وهو يمرر عينيه بينهم...والدماء تسيل....واللكمات تصب...والأنين يخرس.....ليتجمع كتلة في بطنها تجعله يفقد شكله....وأخذت الأيادي النجسة حجارة...ودقت بها يد... أصابع ...مفصل...ليحرم من حمل الحجارة....وخرس الأنين ليتجمع حجرا صلبا....يجعل البطن يفقد شكله....وتمسكت يدها بالثنايا البيضاء الشائكة....وضغطت ...وضغطت...من أين يأتي الألم....أهو من البطن....أم من العين.....وضغطت على ثنايا الثوب الشائكة.....و....سالت قطرات الدم....خيوط الدم....صرخة:
- آآآآآه....
- إلهي إنك تنزفين....
حين فتحت عينيها ..أقفلتهما ثانية...الألم...المرور بين عالمين متناقضين.....ثم المعجزة....ومع أول نظرة ..كان وجه زوجها الحائر،الخائف، يرنو إليها :
- الحمد لله...أنت بخير...
وقبل أن تفتح فاها...
- نعم كل شيء بخير والحمد لله، كذلك الجنين...نعم...لا تقلقي...يلزمك فقط قليل من الراحة "
أدارت رأسها في بطء و سكون إلى نافذة غرفة المستشفى....وحين رأت شجرة الزيتون، ابتسمت و نامت.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
اكتمل شهرها التاسع......والآن وهي في مرسمها....تحس بوجع خفيف...يتسحب و يتسحب، نهضت واقفة وهي تنادي زوجها...." أظن الوقت حان"
أنزلتها الممرضة من طاولة الفحص...وأخذتها إلى سريرها
- يجب أن ننتظر بعض الوقت سيدتي...سأوافيك بعد قليل
وذهبت....استرخت فوق السرير قليلا....ثم أحسته ...قادم...قادم هذا الألم الذي يعصر بطنها بشدة، تعلقت بقضبان السرير الحديدية وأبت أن تصرخ...لن تصرخ...قالوا...إن صرخت...تضيع طاقتها....ثم اختفى الألم....ورحبت بالسكينة الحبيبة لفترة....ثم أحسته ...قادم..قادم...إلهي...اقترب الوقت....حان "أيتها الممرضة.... أيتها الممرضة"... لم يجبها أحد......آه ...شد على البطن...آه...لن تصرخ ....لن تصرخ....ثم اختفى كما جاء...تحاملت على نفسها وغادرت الغرفة...ودخلت قاعة الولادة...نظرت إليها الممرضة والمساعدة بشيء من الغضب:
- سيدتي ..عودي إلى سريرك...لقد رأيتك للتو..غير معقول هذا...
ثم أحسته قادم ...همست في سكون الألم "أظنه حان الوقت"
- لا لم يحن بعد...أتعرفين أحسن مني....هيا سيدتي ..عودي لسريرك
أدارت ظهرها تبغي الباب...لكنه قادم...وانكفأت على بطنها وفي صرخة...صاحت:
- إنه آت....قلت إنه آت
ارتسم الهلع على وجه الممرضة
- نعم سيدتي....نعم ...اصبري قليلا... ثم وهي تنظر إلى المساعدة
- غريب ليست هذه أول حالة بهذا الشكل
واعتصرها الألم ..وشد عليها...
- نعم سيدتي ...الآن ..بكل قوتك....جميل ..جميل....آها ..توقفي...جميل جدا ...ارتاحي..ارتاحي
سترتاح.....لكن أين هي الصيحة...تحس بجفاف في حلقها و بنبضات قلبها تتسارع.." هل المولود بخير...أخبروني..." كلماتها خافتة...تضيع وسط الحركة السريعة في الصالة وهمهمات تملأ الجو ..." أخبروني ...ردوا علي..." الهمهمات تعلو..تتضح.." نعم ..هكذا...الفم وكذا الأنف..جيد..جيد...آه...الحمد لله"
وعلت الصرخة...الصيحة...صغيرة...كبي ة "واااااااااااا......." هل ما سمعته حقيقة...بدأ الضباب يلفها.....عيناها تزيغان في اللاشيء...هل حقا سمعت " وااا......قدسا....."
واختفى كل شيء.