تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الحلم المستحيل



فدوى أحمد التكموتي
24-09-2007, 12:07 AM
لحظة هدوء ، ونباح الكلاب ، في ليلة مقمرة من أيام ليالي أيلول، وهبيب ريح تنعش الروح قبل الجسد، أرجحت جسدي بقشعريرة لطيفة ، كأنها تهمس لي بصوت خافت، لا تحزني كل شيء سيأتي عما قريب. أخذني فكري وانا أنظر إلى السماء وأتأمل النجوم والقمر يشع منه نور كأنه وهج الله على الأرض، يا لروعة هذا المنظر، صورة جمالية كونية لا يمكن أن يرسمها أي مخلوق على وجه البسيطة. ذهبت بفكري إلى أبعد الأفق، رغم أني أعيش واقعا مملا ومريرا، كأنه سواد النهار وسواد الليل، حتى صرت أعشق هذا اللون بكل شيء فيه، تأرجحني أفكاري بين الأمس واليوم والغد.
الغد هذا الشيء المبهم الذي لا يملكه أحد من بني البشر، مرعوبة منه أكثر من أي رعب في الوجود، لا أدري كيف أصفه، أهو شبح أم شيطان أم طيف أم عدم ... لست أدري؟ كأنني أتساءل مع إيليا عن هذا الوجود ، وعن سر هذا الوجود ، ولماذا هذا الوجود ... أسئلة حيرت الفلاسفة وحيرتني معها ...
هناك بين النجوم يشع النور، أطمح الوصول إليه، تنتابني غفلة من الأحلام، أعيش فيها أحلى التصورات وأبدأ ألوح في الفضاء وأبني وأبني قصورا من الأحجار والأفكار.
أشتري قطعا أثرية من متاحف روما، وأختار تماثيل لممياء من متحف الكرنك بمصر ، وأضع الكراسي في بهو اشتريته من باريس، وبهو آخر فيه زخرفة الأندلس وأنقرة أضعه في الجانب الأيسر من البهو الكبير، أما في البهو الأوسط ، فأضع شكلا هندسيا بالنجم الطارق يهزني هزا، خيمة عربية أصيلة، وعليها أفرشة على الأرض من اللحاف العربي، في الركن الأيمن وضعت سيفا، وفي الركن الأيسر وضعت قدحا من الطين صنعته أنامل الباسوس اشتريته من بلاد الحجاز ، وفي الوسط هناك دمية لشيخ القبيلة وحكيمها "زهير بن أبي سلمى" ، نقبت عنه في قبور المتاحف الغربية ودفعت فيه كل ثروتي، ذهبت نحوه ناظرة إليه بشوق كأنني أريد أن يتكلم.
فقالت لي نفسي، يا حكيم البشر آه ليتك تسمعني وتصب لي كأس القهوة العربية المقطرة المفضلة لدي، ضحكت على نفسي بل على خرافتي وانحنيت فجأة رأسي، وبعدها سمعت صوتا هرما يقول لي، تفضلي بنيتي هذا طلبك، رفعت رأسي وجدت الدمية تنطق، يا إلهي، تتكلم ، ماذا أرى؟
يمد لي فنجان القهوة ، أخذتني رعشة هزت جسدي كله وأوقعتني في دهشة وصمت رهيب، ناظرة إليه كأنني مغشى علي ، آخذة فنجان القهوة منه ، واحتسيتها ، يا لروعتها ما ذاق لساني هذا المذاق مطلقا ما حييت ، وبدون أن أدري ، رفعت له يدي طالبة منه المزيد ، فزادني جرعة أخرى ، أخذتها بلهفة، يا إلهي ماذا يجري؟ ماذا أرى ؟ شربتها وأنا انظر إليه كأنني في زمن ما ، غير هذا الزمان.
أحسست أنني أتصبب عرقا، وكأن جسدي في مياه البحر الهائج يقطر ماءً ، بقيت للحظات وأنا كاللات أو العزى أو أو حتى مناف، مجرد أصنام أتحسسها في جسدي، ... في ذاتي .. ، في فؤادي...
فجأة سمعت مناديا ينادي علي ويقول: فدوى أين أنت؟ العشاء جاهز ؟ تكرر هذا الصوت أكثر من مرة، ولكني كنت أسمع وأنظر فقط لما أنا عليه، وفجأة جاءني شخص وقال لي: يا إلهي أنت هنا يا فدوى حسبناك في غرفتك تقرأين أو تكتبين ، انزلي من فوق هذا السطوح، فكل أفراد الأسرة ينتظرونك على العشاء ، فهيا ... استغربت ولم أنطق ولو بكلمة واحدة، كأنني خرساء، وكأن أحدا صفعني وقال لي، انهضي من هذا، هذا مجرد حلم...
فضحكت كثيرا ، ضحكة امتزجت بين الضحك والسخرية، والآهات، عرفت حينها أنني حتى الحلم هو ليس ملك لي، إذن فلا داعي للأحلام ، فنزلت وعلى أدراج السلم سمعت قصيدة "الأطلال" ، فبدأت أردد مع أم كلثوم بعض مقاطعها.
نزلت وذهبت إلى غرفتي، وأغلقت بابي علي ، وأخذت قرطاسي الأسود ، وكتبت ... ولكن ما جدوى الكتابة وأنا محظور علي كل شيء جميل في الحياة حتى الأحلام ؟ .

غادة نافع
24-09-2007, 03:21 AM
الأخت الكاتبة الأديبة فدوى أحمد
لوحتكِ التي نسجتِها اليوم قطعةُ قماشٍ مخملية ,, ابتدأت بنسجِ ستارة من
الليل الساكن وتنامى السرد ُ فيها متخللاً عدداً من الصورِ البيانية والتلاحم مابين الواقع المٌعاش والحلم
المستحيل والطبيعة التي سكنت جسد النص قبل أن تسكنه ٌ تلك الوقائع
الليل وما يحمله من هدأة وئيدة وسكون مخيف يرمز إلى الغد القادم .. غدٌ لاتعرفُ عنه سوى مسمَّاه .. تهابه ٌ
وتخشاه وتجد في نفسها شكاً في كنهِ هذا الوجود
وتمتطي بساطاً نحو حلمها المستحيل .. تشرعُه لفضاءاتٍ من الأمل , تنتظر بترقب ولادة أمة صامدة
بصمودها في متاحفِ العالمِ السابقة وسكونها يرمز إلى خنعها الحالي , ربما .. تصفعها الحياة بأن لامكان
للحلم فيها ،
ربماكانت طفولة بأحلامها البيضاء ، وأنثى محلقَّة في فضاءاتٍ سجينة عنها ، إذن هي فضاءات من الوهم
، الأمنية ، والكتابة تصقلها وتهيكلها وتسلي بها عنها ، كما كاتب يرصف ُ بوح َ أحلامه ليقرأهٌ المتلقي
الذي يشاركه ذات حلمٌه المؤجل
بوركَ عملكِ وحرفكِ يا فدوى

جوتيار تمر
24-09-2007, 02:39 PM
العزيز فدوى..
تأملت من العنوان / الحلم المستحيل/ منفذا للولوج في القصة التي وجدتتا تمزج بين الفنتازيا من جهة/والادب الواقعي من جهة اخرى/ معتمدا على السرد المشوق.. والترابط المتين بين اجزاء القصة واحداثها/ من حيث الدلالة والاستدلال/ فعميلة ربط الوهم بالواقع/ بالحلم/ بالطفولة/ بمجريات الاحداث/ بلاشك ليس بالامر السهل/ لا على صعيد الكتابة ولا حتى على صعيد الاستعاب/ تخللت القصة بعض الوقفات العقلية التي تقدم تنفذ الى الواقع بصورة مباشرة/ وقد اعتمدت على لغتك البسيط و السهلة من اجل ايصال الفكرة الى المتلقي/ حيث وجدتها/اللغة/ بسيطة ومتينة في نفس الوقت/ ولقد اثارت القصة فينا تساؤلات عديدة واظن بان نجاح القصة بدأت من ذلك لكونها غرست فينا انطباعا عاما عن مقولة وردت فيها/ حتى الحلم هو ليس ملك لي، إذن فلا داعي للأحلام / حيث لهذه المقولة دلالات وايحاءات كثيرة/ على جميع الاصعدة.

دمت بخير
محبتي لك
رمضان كريم
جوتيار

آمال المصري
28-06-2013, 08:56 PM
مزج لذيذ بين واقع أليم لاترى فيه البطلة سوى صبغته السوداء وبين الحلم بأشياء منها قانع ومنها وهم ومنها ماهو صعب المنال
تشابك كل هذا وتمازج في نفس البطلة لتنسج لنا تلك الحالة الفريدة والتي انتهت بيقظة واستفاقة على إثرها حجمت الحلم ليكون بعيدا عن شطحات الخيال
ماتع حرفك أيتها الرائعة
بوركت واليراع
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

ربيحة الرفاعي
26-07-2013, 02:04 AM
بين الواقع والحلم بممكنه ومستحيله حلقت حروفك بالقارئفي نص ملفت بمحموله وأسلوبه

دمت بخير

تحاياي

لانا عبد الستار
14-07-2014, 02:54 AM
استحالة الحلم أخفّ وطأة من استحالة ابتلاع الواقع بمرارته

قصة مؤثرة

أشكرك

ساعد بولعواد
14-07-2014, 03:43 AM
سرد متنام من الصور البيانية التي غطت إلى حد ما ظلام الليل الحالك ،فكانت القصة مؤثرة ،لافتة بأسلوبها لما تحمل من دلالات وإيحاءات كثيرة .
دمت بخير.

ناديه محمد الجابي
14-07-2014, 12:50 PM
بسرد شائق وحبكة قصية وربط بين الواقع الأليم والحلم المستحيل
أخذتنا معك في رحلة ممتعة بلغة ساحرة وكأننا نمتطي بساط الريح
لنتوقف ونصل إلى أن حتى الحلم ليس ملكا لنا.
بورك النبض الحالم.

خلود محمد جمعة
17-07-2014, 01:17 PM
لذة الحلم التي نرتشفها على ناصية الأمل تتحول الى غصة حين تخالطها مرارة الواقع
لا جناح للأحلام كي تطير بنا لا شيء سوى الأوهام
قصة غاصت في العمق
دمت بخير
تقديري

نداء غريب صبري
14-09-2014, 01:52 AM
بين الحلم والواقع نقف حصتنا الزمانية من الحياة
وبين الحلم والواقع حملتنا الكاتبة في هذا السرد الجميل

قصة مشوقة أمتعتني قراءتها

شكرا لك أختي

بوركت